د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

النموذج السعودي في إدارة الأداء الوظيفي : المراحل، التحديات، والدروس المستفادة The Saudi Model of Performance Management: Phases, Challenges, and Lessons Learned

يحلّل هذا المقال بعمقٍ تطوّر النموذج السعودي في إدارة الأداء الوظيفي، بوصفه تجربةً رائدةً في التحوّل من النمط التقليديّ إلى منظومةٍ وطنيةٍ ذكيةٍ متكاملةٍ، تربط الكفاءة بالعدالة، والتحفيز بالمساءلة، والتطوير بالاستدامة

November 3, 2025 عدد المشاهدات : 24

لم تكن رحلة المملكة العربية السعودية في بناء نظام إدارة الأداء الوظيفي مجرّد تحديثٍ إداريٍّ ضمن إصلاحات الخدمة المدنية، بل كانت تحوّلًا جذريًا في فلسفة الإدارة العامة، أعاد تعريف العلاقة بين الموظف والدولة، وبين الكفاءة والجدارة، وبين المسؤولية والتحفيز. فمنذ انطلاق “رؤية المملكة 2030” وما تلاها من مبادراتٍ استراتيجيةٍ في الموارد البشرية الحكومية، أصبح الأداء الوظيفيّ أحد أهم محاور التحوّل الإداريّ الوطنيّ، لأن القيادة السعودية أدركت مبكرًا أن التطوير المؤسسيّ الحقيقيّ يبدأ من إعادة بناء الإنسان والنظام في آنٍ واحدٍ.

لقد انتقلت المملكة من مرحلةٍ كان الأداء فيها يُقاس بوسائلٍ تقليديةٍ تفتقر إلى العدالة والموضوعية إلى مرحلةٍ جديدةٍ تُمثّل نقلةً نوعيةً في المفهوم والممارسة معًا، حيث أصبح الأداء مؤشّرًا على الكفاءة الفردية، ومسؤوليةً قياديةً، ومصدرًا للتعلّم المؤسسيّ. هذا التحوّل لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج مسارٍ وطنيٍّ متدرّجٍ من الإصلاحات، استند إلى مزيجٍ من التجارب العالمية والرؤى الوطنية، واستلهم في الوقت ذاته الخصوصية الثقافية السعودية القائمة على العدالة، والإتقان، والمساءلة المتوازنة.

وفي هذا الإطار، يُعدّ النظام السعودي لإدارة الأداء الوظيفي اليوم نموذجًا متقدمًا على المستوى الإقليميّ والعالميّ، لأنه لم يكتفِ بنقل الممارسات الدولية (مثل أنظمة SHRM وCIPD)، بل أعاد صياغتها لتتلاءم مع البيئة السعودية، من حيث القيم، والبنية التنظيمية، والسياسات الحكومية، والثقافة المؤسسية. فكانت النتيجة منظومةً ذكيةً متكاملةً تربط الأداء الفرديّ بالأداء المؤسسيّ، وتُحوّل التقييم من أداةٍ رقابيةٍ إلى أداةٍ تنمويةٍ تستهدف بناء القدرات وتحسين المخرجات، مما جعل المملكة من الدول القليلة التي استطاعت أن تُؤسس لنظامٍ وطنيٍّ شاملٍ لإدارة الأداء الحكوميّ بمرجعيةٍ تشريعيةٍ وتنظيميةٍ واضحةٍ.

إنّ هذه التجربة الفريدة تكتسب أهميتها أيضًا من كونها تُعبّر عن التحوّل من “إدارة الأفراد” إلى “تمكين الكفاءات”، وهو تحولٌ يتجاوز الشكل الإداريّ إلى المضمون القيميّ. فالنظام الجديد لم يعد يُركّز فقط على تقييم النتائج، بل على تطوير الإنسان وتمكينه من بلوغ إمكاناته القصوى. ومن هنا جاءت أهمية هذا المقال الذي يُحلّل بعمقٍ المراحل التي مرّ بها النظام السعوديّ في إدارة الأداء، ويُفكّك التحديات التي واجهها، ويستخلص الدروس التي يُمكن تعميمها على مستوى المنطقة العربية والعالم الإسلاميّ، في ضوء التجارب الموثقة والوثائق الرسمية الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والدليل الإرشاديّ للائحة الأداء الوظيفيّ، وقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة.

ففي سياق عالميٍّ يتّجه نحو الذكاء المؤسسيّ والتحسين المستمرّ، تُقدّم التجربة السعودية في إدارة الأداء نموذجًا فريدًا في المزاوجة بين الرؤية الاستراتيجية والإصلاح الإداريّ، بين الأصالة والتجديد، وبين التحفيز والمساءلة، وهو ما جعلها مصدر إلهامٍ للدول الساعية لبناء نظمٍ وطنيةٍ أكثر كفاءةً وعدالةً واستدامةً.


📚 الفهرس

1️⃣🌍 المراحل التاريخية لتطوّر إدارة الأداء في المملكة: من الورق إلى المنظومة الرقمية الوطنية
2️⃣⚙️ مرتكزات النظام السعوديّ الجديد: العدالة، الشفافية، التمكين، والارتباط برؤية 2030
3️⃣📊 هيكل النظام ولائحة الأداء الوظيفيّ: الأدوار، المراحل، والمسؤوليات التنفيذية
4️⃣💡 التحول من التقييم إلى التطوير: كيف غيّر النظام السعوديّ فلسفة الأداء؟
5️⃣🧩 التحديات التطبيقية: من مقاومة التغيير إلى بناء ثقافة الأداء الواعيّ
6️⃣🏛️ الدروس المستفادة من التجربة الوطنية: التوازن بين الانضباط والتحفيز
7️⃣🔍 أثر النموذج السعوديّ على النضج الإداريّ الخليجيّ والإقليميّ
8️⃣🌱 استشراف مستقبل إدارة الأداء السعوديّ في ظل التحول الرقميّ والذكاء المؤسسيّ


1️⃣🌍 المراحل التاريخية لتطوّر إدارة الأداء في المملكة: من الورق إلى المنظومة الرقمية الوطنية


عندما نتتبع المسار التاريخي لتطور إدارة الأداء الوظيفي في المملكة العربية السعودية، نجد أنفسنا أمام رحلةٍ إصلاحيةٍ عميقةٍ تمثل أحد أهم فصول التحول الإداري الوطني الذي رافق مسيرة التنمية السعودية منذ بداياتها النظامية الأولى، وصولًا إلى مرحلة التحول المؤسسيّ الرقميّ التي تعيشها المملكة اليوم في ظل رؤية 2030. هذه الرحلة لا يمكن النظر إليها بمعزلٍ عن السياق العام لتطور الدولة السعودية الحديثة، التي انتقلت تدريجيًا من نموذج الإدارة التقليدية القائمة على الولاء والانضباط الإداري، إلى نموذجٍ حديثٍ يقوم على الكفاءة، والجدارة، والنتائج القابلة للقياس، وهي رحلةٌ امتدت على مدى أكثر من أربعة عقودٍ من التراكم الإداريّ والمعرفيّ والتنظيميّ.

🔹 المرحلة الأولى: البدايات التنظيمية (قبل 1419هـ)

في هذه المرحلة، كانت إدارة الأداء تُمارس بوصفها “تقييمًا سنويًا” أكثر من كونها “نظامًا متكاملًا”، وكانت الأداة الرئيسية هي النماذج الورقية البسيطة التي تعتمد على التقدير العام من الرئيس المباشر للموظف. كان التركيز الأكبر على السلوك والانضباط، وعلى مدى الالتزام بالدوام والتعليمات، أكثر من التركيز على الإنجاز والمخرجات. هذا النمط الإداريّ كان متسقًا مع طبيعة الدولة الإدارية في تلك المرحلة، حيث كانت الأولوية للانضباط الوظيفيّ أكثر من الكفاءة الإنتاجية.

لقد كان الهدف من التقييم السنويّ آنذاك ضبط الأداء وتوثيق السلوك، وكان يُستخدم غالبًا لأغراضٍ محددةٍ مثل الترقية أو العلاوة السنوية، دون أن يكون له دورٌ تنمويٌّ فعليٌّ في تطوير الأداء أو بناء القدرات. كما لم تكن هناك آليةٌ محددةٌ للتغذية الراجعة، ولا إطارٌ موحّدٌ لقياس الأداء بين الجهات الحكومية. فكل جهةٍ كانت تُصمّم نموذجها الخاص، وغالبًا ما كان التقييم يعتمد على الانطباعات الشخصية، ما جعل النظام عرضةً للتفاوت والذاتية.

ورغم بساطة هذا النموذج، إلا أنه شكّل القاعدة التي بُني عليها الوعي الإداريّ بأهمية تقييم الأداء كجزءٍ من العملية الإدارية، وكان بمثابة “البذرة الأولى” التي أنبتت فكرة النظام الوطنيّ لإدارة الأداء لاحقًا. ففي تلك الحقبة، كانت الإدارة الحكومية السعودية في طور بناء مؤسساتها، وتشكيل هياكلها النظامية، ولم يكن العالم نفسه قد دخل بعد مرحلة النظم الإلكترونية أو المفاهيم الحديثة للحوكمة والشفافية.

🔹 المرحلة الثانية: التأسيس النظاميّ والتطوير الإجرائيّ (1419هـ – 1438هـ)

مع مطلع الألفية الجديدة، بدأت المملكة تُدرك أهمية الانتقال من “التقييم الورقيّ” إلى “النظام المؤسسيّ”، وظهرت الحاجة إلى توحيد معايير الأداء وربطها بمخرجات العمل الفعلية. في هذه المرحلة، بدأت وزارة الخدمة المدنية (آنذاك) بإصدار نماذج محدثةٍ لتقويم الأداء الوظيفيّ، تضمنت عناصر أكثر دقةً مثل الكفاءة، المبادرة، التعاون، جودة العمل، الإنتاجية، والقدرة على التطوير.

وفي عام 1419هـ صدر أول تنظيمٍ رسميٍّ شاملٍ لتقويم الأداء، تضمّن قواعد أكثر انضباطًا في التقييم والمساءلة، مع إلزام الجهات الحكومية بتوثيق الأداء سنويًا وفق معايير موحدة. كان هذا بداية “التحول من الفطرة إلى المنهج”، ومن الاعتماد على الرأي الفرديّ إلى استخدام الأدلة المؤسسية. وقد أدّى هذا إلى نشوء ثقافةٍ جديدةٍ داخل الجهاز الحكوميّ تقوم على فكرة أن الأداء قابلٌ للقياس، وأن العدالة في التقييم لا تتحقق إلا من خلال توحيد الأطر والمعايير.

ومع تطوّر الإدارة العامة في تلك الحقبة، وخاصة بعد إنشاء معهد الإدارة العامة، بدأت ملامح الاحتراف الإداريّ تظهر تدريجيًا. فقد أصبح مفهوم “تقييم الأداء” جزءًا من برامج التأهيل والتدريب، وأصبح يُنظر إليه على أنه وسيلةٌ لتحسين الكفاءة لا لمجرد المحاسبة. لكن رغم هذا التقدّم، ظلّ النظام محدود الأثر بسبب اعتماده على النماذج الورقية، وغياب أدوات التحليل الكميّ والبيانات الرقمية، وضعف الربط بين نتائج الأداء وخطط التطوير أو الترقيات.

🔹 المرحلة الثالثة: الانطلاقة الإصلاحية الكبرى (1438هـ – 1440هـ)

تُعدّ هذه المرحلة نقطة التحول المحورية في تاريخ إدارة الأداء في المملكة. ففي عام 1438هـ صدر نظام إدارة الأداء الوظيفيّ الجديد بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (155) في 17/6/1438هـ، والذي نقل إدارة الأداء من مجرد “نموذج تقويمٍ” إلى “نظامٍ وطنيٍّ متكاملٍ” يرتبط برؤية المملكة 2030.

وقد جاء هذا النظام الجديد ليُعيد صياغة فلسفة الأداء من جذورها. فبدلًا من أن يكون التقييم عمليةً سنويةً تقليديةً، أصبح النظام عمليةً مستمرةً تشمل تخطيط الأداء، ومتابعته، وتقييمه، وتحسينه. كما أدخل النظام مفاهيم جديدةً مثل:

  • ربط الأهداف الفردية بالأهداف المؤسسية.

  • التغذية الراجعة المستمرة بين الموظف والمدير المباشر.

  • التقييم بالجدارات السلوكية والفنية.

  • تحويل الأداء إلى أداةٍ للتحفيز والتطوير، لا للعقاب والمساءلة فقط.

وصدر بالتزامن مع النظام “الدليل الإرشاديّ للائحة إدارة الأداء الوظيفيّ” الذي وُضع ليكون مرجعًا وطنيًا شاملًا، يُوضح آليات التطبيق، ويُحدّد أدوار الجهات المختلفة، ويُفسّر اللائحة التنفيذية، ويُوحّد المفاهيم على مستوى جميع القطاعات الحكومية. وقد مثّل هذا الدليل نقلةً نوعيةً لأنه نقل الممارسة من التقدير إلى التشخيص التحليليّ، ومن التقييم الفرديّ إلى التحسين المؤسسيّ.

وفي هذه المرحلة، بدأت الجهات الحكومية بتطبيق النظام تدريجيًا، حيث نظّمت وزارة الخدمة المدنية حملات توعوية وتدريبية مكثفة لضمان الانتقال السلس، وأطلقت منصات إلكترونية لتسجيل الأداء، مما شكّل بداية التحول نحو التحسين الرقميّ في إدارة الأداء الوظيفيّ.

🔹 المرحلة الرابعة: التحول الرقميّ والدمج المؤسسيّ (1440هـ – 1444هـ)

مع دمج وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل في عام 1441هـ لتشكيل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، دخل نظام إدارة الأداء مرحلةً جديدةً من التطوير الشامل، اتسمت بالتحول الرقميّ الكامل والدمج بين الأداء والموارد البشرية. فقد أصبح الأداء جزءًا من منظومةٍ رقميةٍ متكاملةٍ تُدار عبر منصة “مسار”، التي تُعدّ اليوم المرجع الوطنيّ لإدارة الموارد البشرية الحكومية.

وفي هذه المرحلة، تمّ نقل جميع عمليات الأداء إلى البيئة الإلكترونية، بما في ذلك تحديد الأهداف، والمتابعة الدورية، وتقييم الإنجاز، واعتماد النتائج، مما ألغى النماذج الورقية نهائيًا، وفتح الباب أمام التحليل الذكيّ للبيانات. وأصبحت الجهات الحكومية قادرةً على استخراج مؤشرات أداءٍ فوريةٍ، ومتابعة نتائجها على مستوى الوحدات والأفراد في الوقت الحقيقيّ.

كما أُدرجت الجدارات السلوكية والفنية ضمن النظام الإلكترونيّ، بحيث أصبح بالإمكان تقييم الموظف على أساس القدرات والسلوكيات المطلوبة لوظيفته، لا فقط على مخرجاته الكمية. وهذا ما جعل النظام السعوديّ من أكثر الأنظمة تكاملًا في المنطقة من حيث الجمع بين الأداء الكميّ والنوعيّ.

ومن الإنجازات المهمة في هذه المرحلة أيضًا إصدار إطار الكفاءات والجدارات السلوكية الوطنية، الذي حدد مجموعة الجدارات الأساسية التي تُقاس في الأداء، مثل: التواصل الفعّال، العمل الجماعيّ، التخطيط والتنظيم، القيادة، التحفيز، التكيّف، الابتكار، والمسؤولية. هذا الإطار ساعد على بناء لغةٍ مشتركةٍ للأداء داخل الجهاز الحكوميّ، وربط بين التطوير الفرديّ والتحسين المؤسسيّ.

🔹 المرحلة الخامسة: النضج المؤسسيّ والتحسين المستمرّ (1444هـ – حتى اليوم)

تمثّل هذه المرحلة ذروة تطور النظام السعوديّ، حيث انتقل من التركيز على التطبيق إلى التركيز على التحسين والتحليل والحوكمة. فالنظام اليوم لا يُقيّم الأداء فقط، بل يُراقب جودة عملية التقييم نفسها، ويقيس مدى التزام الجهات بمعايير العدالة والشفافية، ويُحلّل البيانات لاستخراج مؤشراتٍ وطنيةٍ للأداء الحكوميّ.

كما تمّ ربط نتائج الأداء بخطط التدريب والترقية والحوافز، مما جعل النظام يُغلق دورة الأداء بشكلٍ تكامليٍّ من التخطيط → التنفيذ → التقييم → التحسين → التطوير. وأصبح يُنظر إلى إدارة الأداء كمنظومةٍ ديناميكيةٍ تُحدّث نفسها باستمرارٍ ضمن إطار التحول الحكوميّ الرقميّ، الذي يربط بين الأداء الفرديّ والنتائج المؤسسية وأهداف رؤية 2030.

وفي هذه المرحلة، بدأت المملكة في تطبيق أدوات التحليل التنبؤيّ في الأداء الحكوميّ، حيث تُستخدم البيانات الضخمة لتوقّع الفجوات في الكفاءات، وتحليل الاتجاهات السلوكية، وتحديد فرص التحسين الاستباقيّ. وهذا ما يُمهّد لمرحلةٍ قادمةٍ من “الإدارة الذكية للأداء” التي تجعل النظام قادرًا على التعلم الذاتيّ والتكيّف المستمرّ.

🔹 خلاصة المحور

من خلال هذا المسار التاريخيّ الممتدّ، نُدرك أن النظام السعوديّ لإدارة الأداء لم يكن مجرد تحديثٍ إداريٍّ جزئيٍّ، بل هو مشروع وطنيّ للتحول المؤسسيّ الشامل، أعاد بناء العلاقة بين الحكومة والموظف على أسسٍ جديدةٍ من العدالة، والشفافية، والكفاءة، والتمكين. لقد تحوّلت إدارة الأداء من أداةٍ للرقابة إلى وسيلةٍ للتطوير، ومن إجراءٍ سنويٍّ إلى ثقافةٍ مستمرةٍ، ومن نموذجٍ ورقيٍّ إلى منظومةٍ رقميةٍ وطنيةٍ متكاملةٍ.

هذه الرحلة تُلخّص مسيرة وعيٍ إداريٍّ ناضجٍ يؤكد أن التحسين المستمرّ ليس مرحلةً في النظام، بل جوهره الحقيقيّ. فالنموذج السعوديّ اليوم يُقدّم للعالم العربيّ نموذجًا متوازنًا بين الأصالة والتحديث، بين القيم والنتائج، وبين الإنسان والنظام، ليُجسّد عمليًا شعار رؤية 2030: “وطنٌ طموحٌ، حكومته فاعلةٌ، ومواطنه مسؤولٌ.”


2️⃣⚙️ مرتكزات النظام السعوديّ الجديد: العدالة، الشفافية، التمكين، والارتباط برؤية 2030


حين نحلّل البنية الفكرية والإدارية التي قام عليها النظام السعوديّ الجديد لإدارة الأداء الوظيفي، نجد أنه لم يكن مجرد تحديثٍ للإجراءات أو تطويرٍ للنماذج، بل كان تحوّلًا فلسفيًا متكاملًا في الطريقة التي تُدار بها الكفاءات الوطنية داخل الجهاز الحكوميّ، حيث أعاد النظام تعريف الأداء من كونه واجبًا وظيفيًا إلى كونه شراكةً استراتيجيةً بين الفرد والمؤسسة، ومسؤوليةً جماعيةً نحو تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى. هذا التحول لم يكن ممكنًا لولا استناده إلى أربعة مرتكزاتٍ جوهريةٍ تمثّل أعمدة النظام: العدالة، الشفافية، التمكين، والارتباط برؤية 2030.

هذه المرتكزات ليست شعاراتٍ قيميةً فحسب، بل هي مبادئ تشغيليةٌ تمّ تحويلها إلى معايير، وأدلة، ونماذج، وإجراءاتٍ حاكمةٍ تُطبّق فعليًا في كل مراحل دورة الأداء من التخطيط إلى التقييم والتحسين. ولأن هذه المرتكزات تشكّل جوهر الفلسفة الإدارية للنظام، فإنّ تحليلها العميق يكشف كيف استطاعت المملكة أن تُحوّل إدارة الأداء من ممارسةٍ بيروقراطيةٍ إلى منظومةٍ وطنيةٍ متقدمةٍ تُنتج التعلم والتحسين والتميز المستدام.


🔹 أولًا: العدالة – جوهر الممارسة وأساس الثقة المؤسسية

العدالة في النظام السعوديّ لإدارة الأداء ليست مجرد مبدأٍ أخلاقيٍّ أو تنظيميٍّ، بل هي الشرط الأول لبناء الثقة بين الموظف والمؤسسة. فالعدالة هنا تتجاوز الإنصاف في التقييم إلى تحقيق المساواة في الفرص، والاتساق في الإجراءات، والموضوعية في الأحكام. وقد أدركت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنّ أي نظامٍ للأداء لن يُكتب له النجاح ما لم يشعر الموظف أنّ تقييمه يعكس أداءه الحقيقيّ لا انطباعاتٍ شخصيةً أو مجاملاتٍ إداريةً.

لذلك، تمّ إدراج العدالة كأحد المحاور الجوهرية في “الدليل الإرشاديّ للائحة إدارة الأداء الوظيفيّ”، ونُصّ على أن تكون عملية التقييم مبنيةً على أدلةٍ سلوكيةٍ ومؤشراتٍ كميةٍ محددةٍ مسبقًا في مرحلة تخطيط الأداء، بحيث يُصبح التقييم ناتجًا منطقيًا للأداء الفعليّ لا للحكم الذاتيّ. كما تمّ إلزام الجهات الحكومية بوضع لجان مراجعةٍ وتظلماتٍ تُمكّن الموظف من الاعتراض على تقييمه إذا رأى فيه خللًا موضوعيًا، وهو إجراءٌ يُجسّد العدالة المؤسسية في صورتها العملية.

وتتجلّى العدالة أيضًا في جانبٍ آخر مهمٍّ هو اتساق المعايير عبر الجهات المختلفة. فالنظام السعوديّ ألغى حالة التفاوت التي كانت سائدةً بين المؤسسات من حيث معايير التقييم وأوزان البنود، ووحّد الإطار المرجعيّ بحيث يخضع الجميع لنفس المنظومة المفاهيمية. هذه الوحدة المنهجية كانت ضروريةً لتقوية مبدأ العدالة الأفقية بين الموظفين في الأجهزة الحكومية، بحيث تُصبح الكفاءة معيار التمايز الوحيد.

وفي العمق الفلسفيّ، تُعبّر العدالة في هذا النظام عن مبدأٍ سعوديٍّ أصيلٍ مستمدٍّ من قيم الشريعة الإسلامية التي تجعل العدل أساس الحكم والإدارة. ولهذا، يُمكن القول إنّ العدالة في إدارة الأداء ليست مجرد تقنيةٍ للقياس، بل امتدادٌ للقيم الوطنية والدينية التي تُعلي من قيمة الأمانة والمسؤولية. فالمدير الذي يُقيّم أداء موظفيه بعدالةٍ لا يُمارس صلاحيةً وظيفيةً فحسب، بل يُؤدي أمانةً شرعيةً ووطنيةً تُسهم في بناء مجتمعٍ قائمٍ على الإنصاف والجدارة.


🔹 ثانيًا: الشفافية – من السرية إلى المكاشفة المؤسسية

كانت الشفافية أحد أكثر التحولات الجذرية في النظام السعوديّ لإدارة الأداء. ففي الأنظمة السابقة، كان التقييم يُعتبر وثيقةً سريةً لا يُطّلع عليها الموظف إلا بعد اعتمادها، مما خلق فجوةً في الثقة وأضعف أثر التقييم على التحسين الفعليّ. أما في النظام الجديد، فقد تمّ تحويل الأداء إلى عمليةٍ تشاركيةٍ قائمةٍ على الوضوح والمكاشفة بين المدير والموظف منذ البداية وحتى النهاية.

تبدأ الشفافية من مرحلة التخطيط، حيث يُلزم النظام المدير والموظف بالجلوس معًا لتحديد الأهداف الفردية وربطها بالأهداف المؤسسية، ومناقشة الجدارات المطلوبة، وتوضيح معايير النجاح. هذه الخطوة البسيطة في ظاهرها تُحدث أثرًا كبيرًا لأنها تُحوّل التقييم من مفاجأةٍ في نهاية العام إلى مسارٍ واضحٍ من التفاهم والتعاون المستمرّ.

وفي مرحلة المتابعة، تُترجم الشفافية إلى تغذيةٍ راجعةٍ مستمرةٍ (Feedback Loops)، حيث يُتاح للموظف أن يعرف تقييمه المرحليّ، ويتلقى ملاحظاتٍ تساعده على التحسين في الوقت المناسب، بدلًا من الانتظار حتى نهاية الدورة. وقد أثبتت الدراسات أن الأنظمة الشفافة تُضاعف من التزام الموظفين بنسبة تتجاوز 40% لأنها تُزيل الغموض والريبة من عملية التقييم.

كما عزّز النظام السعوديّ الشفافية الرقمية من خلال منصة “مسار” التي تتيح لكل موظفٍ الاطلاع على أهدافه وتقييماته وملاحظات مديره، وتسمح للمديرين بمراجعة الأداء بشكلٍ موضوعيٍّ قائمٍ على البيانات لا الانطباعات. وهذا التحول الرقميّ لم يُسهّل فقط الإجراءات، بل حوّل الشفافية إلى ممارسةٍ رقميةٍ مؤسسيةٍ يمكن مراقبتها وتحليلها على مستوى وطنيٍّ شاملٍ.

وتكتسب الشفافية في هذا السياق بُعدًا حضاريًا لأنها تُجسّد مبدأ “الحوكمة الرشيدة” الذي يقوم على الوضوح والمساءلة والمشاركة. فحين يُدرك الموظف أنه يُقيم وفق معايير معلنة، وأنّ النتائج تُستخدم للتطوير لا للعقوبة، فإنه يتحوّل من متلقٍّ للتقييم إلى شريكٍ في التحسين. وهذه هي النقلة من “الإدارة السرية” إلى “الإدارة المكشوفة” التي تُعزّز الثقة وتُحفّز على الأداء الإبداعيّ.


🔹 ثالثًا: التمكين – من التوجيه إلى المسؤولية المشتركة

يُعتبر التمكين أحد أبرز المرتكزات التي تُميّز النظام السعوديّ الجديد، لأنه يُحوّل الموظف من “منفّذٍ للتعليمات” إلى فاعلٍ في صياغة أهدافه ومسؤولٍ عن تحسين أدائه. فالتمكين هنا ليس منحةً تنظيميةً بل هو مبدأ إداريٌّ يقوم على الثقة في قدرات الأفراد وعلى نقل جزءٍ من القرار إليهم ضمن إطارٍ من المساءلة الواعية.

في النظام الجديد، يُمنح الموظف مساحةً لتحديد أهدافه الفردية بالتوافق مع مديره، مما يجعله شريكًا في التخطيط لا مجرد متلقٍ. كما يُتاح له أن يقترح مؤشراتٍ لقياس أدائه، وأن يُشارك في مراجعة أدائه الذاتيّ (Self-Appraisal). هذه الممارسة تُعمّق الإحساس بالملكية (Ownership) والمسؤولية، وتُحوّل الأداء إلى علاقةٍ ناضجةٍ قائمةٍ على الحوار والمشاركة لا على الأوامر والتنفيذ.

كما أنّ التمكين في هذا النظام يمتدّ إلى القادة أيضًا، إذ لم يَعُد دور المدير مقصورًا على التقييم بل أصبح “مدرّبًا إداريًا (Coach)” يُرشد موظفيه ويدعمهم في تطوير جداراتهم. وهذا التحول في دور القيادة من الرقابة إلى التمكين أحدث نقلةً كبيرةً في الثقافة المؤسسية، لأنه غيّر النظرة إلى التقييم من كونه حكمًا إداريًا إلى كونه عمليةَ تطويرٍ متبادلٍ بين القائد ومرؤوسيه.

ولم يكن التمكين ممكنًا دون وجود منظومةٍ رقميةٍ موثوقةٍ مثل “مسار”، التي أتاحت توزيع الأدوار والمسؤوليات بوضوحٍ، وربطت بين الأداء والقرارات الإدارية (الترقيات، الحوافز، التدريب). فبمجرد أن أصبحت المعلومات متاحةً في النظام، أصبح بالإمكان تمكين الموظف والقائد معًا من اتخاذ قراراتٍ مبنيةٍ على بياناتٍ دقيقةٍ، مما عزّز اللامركزية الإيجابية، ورفع كفاءة الاستجابة المؤسسية.

وبهذا، فإن التمكين في النظام السعوديّ لم يكن مجرد نقل صلاحياتٍ، بل تأسيسًا لثقافةٍ جديدةٍ تقوم على الثقة، والمساءلة، والنموّ المشترك، وهي ثقافةٌ تُعيد تعريف القيادة الإدارية في ضوء التحول الوطني نحو الإنسان أولًا.


🔹 رابعًا: الارتباط برؤية 2030 – من الأداء الفرديّ إلى الإنجاز الوطنيّ

الركيزة الرابعة هي الأكثر شمولًا لأنها تُحوّل النظام من ممارسةٍ داخليةٍ إلى أداةٍ استراتيجيةٍ لتحقيق الرؤية الوطنية. فمنذ انطلاق “رؤية المملكة 2030”، أصبح واضحًا أن إدارة الأداء الوظيفيّ ليست شأنًا إداريًا فحسب، بل منظومةٌ وطنيةٌ لقياس فعالية القطاع العام وتحسين إنتاجيته. ولهذا، صُمّم النظام الجديد ليكون جزءًا من منظومة “حوكمة الأداء الحكوميّ” التي تربط بين أداء الأفراد وأداء الجهات وأداء الدولة ككلّ.

تبدأ هذه العلاقة من التخطيط، حيث تُترجم الأهداف الاستراتيجية للجهة الحكومية إلى أهدافٍ قطاعيةٍ، ثم إلى أهدافٍ فرديةٍ لكل موظفٍ، وفق مبدأ “التسلسل الهرميّ للأداء (Performance Cascade)”. وبهذا، يُصبح كل موظفٍ شريكًا فعليًا في تحقيق مستهدفات الرؤية من خلال ما يُنجزه في موقعه.

ولأن رؤية 2030 تُركّز على الكفاءة، والمساءلة، والشفافية، والابتكار، فقد جاء النظام السعوديّ ليجسّد هذه القيم عمليًا داخل بيئة العمل. فالمساءلة أصبحت مبنيةً على البيانات لا على التقديرات، والتحفيز أصبح مرتبطًا بالإنجاز لا بالمدة، والابتكار أصبح سلوكًا يُكافأ عليه لا يُتجاهل.

ومن الناحية المؤسسية، تمّ ربط نتائج الأداء في النظام بمبادرات التحول الحكوميّ، بحيث تُستخدم البيانات المستخرجة من المنصة في إعداد التقارير الوطنية، وقياس الإنتاجية الحكومية، وتقييم أثر برامج التطوير الإداريّ. وبذلك أصبح نظام إدارة الأداء الوظيفيّ مرآةً رقميةً للرؤية الوطنية، تُظهر في كل دورةٍ مدى التقدّم في تطبيق مبادئ الكفاءة والفاعلية والشفافية.

أما على المستوى الرمزيّ، فإنّ الارتباط بالرؤية جعل الأداء الوظيفيّ يتحوّل من مهمةٍ إداريةٍ إلى رسالةٍ وطنيةٍ، لأن كل موظفٍ أصبح يرى نفسه جزءًا من مشروعٍ وطنيٍّ أكبر. وهذه النقلة من “أداء الموظف” إلى “أداء الوطن” هي التي منحت النظام السعوديّ بعده الحضاريّ، وجعلته نموذجًا فريدًا في توحيد الطاقات الفردية تحت مظلة الهدف الجمعيّ.


🔹 خلاصة المحور

إنّ العدالة تُنظّم العلاقات، والشفافية تُبني الثقة، والتمكين يُولّد المسؤولية، والارتباط بالرؤية يُعطي الاتجاه والمعنى. وهذه المرتكزات الأربعة حين تتكامل، تُنتج نظامًا وطنيًا متوازنًا يجمع بين القيم والممارسات، بين الإنسان والنظام، بين التحسين والإبداع. ومن خلالها استطاعت المملكة العربية السعودية أن تبني نموذجًا إداريًا فريدًا في العالم العربيّ، لا يُدار بالقرارات فقط بل بالفلسفة، ولا يقوم على المراقبة فقط بل على الوعي.

فالنظام السعوديّ الجديد لإدارة الأداء ليس أداةً لتقييم العاملين، بل منظومةٌ لإطلاق طاقتهم، وليس وسيلةً لضبط الانحرافات، بل مدرسةٌ لبناء الكفاءات. إنه نظامٌ يُعبّر عن نضج الدولة التي جعلت من الأداء ثقافةً وطنيةً ومن الإتقان أسلوب حياةٍ مؤسسيةٍ، وهو ما يجعل هذه التجربة تتجاوز حدود التنظيم إلى مستوى الرؤية الحضارية التي ترى في العمل قيمةً، وفي التحسين واجبًا، وفي الإنسان استثمارًا مستدامًا.


3️⃣📊 هيكل النظام ولائحة الأداء الوظيفيّ: الأدوار، المراحل، والمسؤوليات التنفيذية


عندما نُلقي نظرةً منهجيةً على النظام السعوديّ لإدارة الأداء الوظيفيّ في صورته الحديثة، ندرك أننا أمام نظامٍ إداريٍّ ذكيٍّ بالغ الدقة والتكامل، صُمّم بعنايةٍ ليكون أداةً لتوجيه السلوك المهنيّ، وتحفيز الكفاءات الوطنية، وضمان العدالة في التقييم، وربط الأداء الفرديّ بالأداء المؤسسيّ والوطنيّ. هذا النظام لا يمكن فهمه إلا من خلال قراءةٍ متأنيةٍ لهندسته الداخلية، أي لهيكله التشغيليّ ولائحته التنفيذية التي تُحدّد الأدوار والمراحل والمسؤوليات بدقةٍ متناهيةٍ، بحيث تُصبح كل خطوةٍ في دورة الأداء لبنةً في بناء منظومةٍ وطنيةٍ متكاملةٍ تُجسّد رؤية المملكة 2030 في بعدها المؤسسيّ.

إنّ بنية النظام السعوديّ الحديثة تنطلق من مبدأٍ محوريٍّ مؤدّاه أن الأداء ليس حدثًا سنويًا، بل عمليةٌ مستمرةٌ تتضمن التخطيط، والمتابعة، والتقييم، والتحسين، ضمن دورةٍ زمنيةٍ تُغلق على نفسها لتُعيد إنتاج التعلم والتحسين في كل عامٍ إداريٍّ جديدٍ. ولهذا فإنّ فهم هذا المحور يتطلب تحليلًا تفصيليًا لكل من المكونات الثلاثة التالية: هيكل النظام المؤسسيّ، ولائحة الأداء الوظيفيّ، والمراحل التشغيلية لدورة الأداء، مع توضيح مسؤوليات الأطراف المختلفة التي تجعل من هذا النظام منظومةً حيّةً قادرةً على التطور الذاتيّ.


🔹 أولًا: هيكل النظام المؤسسيّ لإدارة الأداء

يتكوّن النظام السعوديّ لإدارة الأداء الوظيفيّ من هيكلٍ مؤسسيٍّ متدرّجٍ يضمن تكامل الأدوار بين المستويات المختلفة داخل الجهة الحكومية، بحيث يُمارس كل طرفٍ دوره في الإشراف أو التنفيذ أو الدعم أو المتابعة أو التحكيم ضمن سلسلةٍ متكاملةٍ تضمن العدالة والجودة والحوكمة.

ويتكوّن هذا الهيكل من أربعة مستوياتٍ رئيسيةٍ:

1️⃣ المستوى الاستراتيجيّ (القيادة العليا):
ويمثّله عادةً الوزير أو رئيس الجهة أو من يُفوّضه، وهو المسؤول عن اعتماد خطة الأداء السنوية للجهة وربطها بأهداف الرؤية الوطنية. في هذا المستوى تُحدّد التوجهات الكبرى وتُرسم السياسة العامة للأداء، ويُتابع مدى التزام الإدارات بالأطر الزمنية والمفاهيم المعيارية للنظام. كما يُشرف على مؤشرات الأداء المؤسسيّ (KPIs) التي تُقاس على مستوى الجهة ككلّ.

2️⃣ المستوى التنفيذيّ (المديرون المباشرون):
وهو المستوى الأهمّ في العملية اليومية لإدارة الأداء، لأنّه يشكّل حلقة الوصل بين النظام والموظفين. المدير المباشر هو “المدرّب الإداريّ (Performance Coach)” الذي يوجّه الموظفين ويُحدّد معهم الأهداف الفردية، ويتابع الأداء دوريًا، ويُقدّم التغذية الراجعة المستمرة، ويُشارك في عملية التقييم النهائيّ. إنّ جودة تطبيق النظام في هذا المستوى هي التي تُحدّد مصداقيته وفاعليته، ولهذا خُصّصت له برامج تدريبية متقدمة ضمن مبادرات وزارة الموارد البشرية.

3️⃣ المستوى التشغيليّ (الموظفون):
ويمثّل جوهر النظام، لأنّ كل العملية تدور حول تمكين الموظف من معرفة ما يُتوقّع منه، وكيف يُقاس أداؤه، وكيف يُحسّنه. الموظف ليس طرفًا سلبيًا في التقييم، بل شريكًا أساسيًا في تصميم أهدافه وفي مراجعة أدائه. يُطلب منه إعداد خطة أداءٍ سنويةٍ، وتوثيق إنجازاته، والمشاركة في جلسات المتابعة، وقبول أو الاعتراض على نتائج التقييم عبر المنصة الرقمية.

4️⃣ المستوى الرقابيّ والداعم (إدارة الموارد البشرية، اللجان، ومنصة مسار):
ويُعدّ هذا المستوى بمثابة “الجهاز العصبيّ للنظام”، إذ يتولى إدارة العملية رقميًا وإجرائيًا. إدارة الموارد البشرية مسؤولة عن ضبط الجودة، وضمان الالتزام بالمواعيد، وتقديم الدعم الفنيّ والتدريبيّ للمديرين والموظفين. كما تُنسّق عمل اللجان الدائمة للأداء الوظيفيّ التي تنظر في الاعتراضات، وتُراجع الحالات الخاصة، وتُعتمد التوصيات النهائية. أمّا منصة “مسار” فهي البنية الرقمية التي تُوحّد كل هذه المستويات في نظامٍ إلكترونيٍّ واحدٍ، يُتيح الرصد والتحليل والمقارنة والمساءلة.

هذا الهيكل المتكامل يُعبّر عن فلسفةٍ تنظيميةٍ دقيقةٍ ترى أن الأداء لا يمكن أن يُدار بشكلٍ فرديٍّ أو معزولٍ، بل يجب أن يُدار كنظامٍ متكاملٍ من الأدوار المتشابكة التي تتوزع المسؤولية ولا تُلغيها.


🔹 ثانيًا: لائحة الأداء الوظيفيّ – الإطار النظاميّ الحاكم

تُعتبر لائحة إدارة الأداء الوظيفيّ التي صدرت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (155) لعام 1438هـ، المرجعية القانونية والتنظيمية العليا للنظام، وهي التي تُحدّد الحقوق والواجبات والإجراءات والمعايير التي تنظّم العملية برمتها.

تنقسم اللائحة إلى عددٍ من المواد التي تُغطي كامل دورة الأداء، بدءًا من التخطيط ووصولًا إلى التقييم والتحسين، مع تحديدٍ دقيقٍ لمسؤوليات كل من الموظف والمدير وإدارة الموارد البشرية والجهات الإشرافية.

وتُبيّن اللائحة أن الغاية من النظام ليست العقوبة أو المكافأة فحسب، بل تطوير الأداء العام وتحسين كفاءة الأجهزة الحكومية. ولهذا، فإنها تُركّز على التوازن بين الجانب الكميّ (الإنجازات والأهداف) والجانب السلوكيّ (الجدارات والالتزام والقيم)، وتُلزم الجهات بتوفير بيئةٍ داعمةٍ للتطوير المستمرّ.

ومن أبرز ما جاءت به اللائحة:

  • تخطيط الأداء الوظيفيّ:
    يُلزم النظام كل مديرٍ وكل موظفٍ بإعداد خطة أداءٍ سنويةٍ في بداية السنة المالية تتضمّن أهدافًا واضحةً قابلةً للقياس، وجداراتٍ سلوكيةً محددةً، ومعايير نجاحٍ مُتفقًا عليها مسبقًا.

  • المتابعة الدورية:
    نصّت اللائحة على أن المتابعة لا تقلّ عن مرتين في السنة، وتُسجّل ملاحظات الأداء إلكترونيًا، مع حقّ الموظف في الاطلاع عليها وإبداء رأيه.

  • التقييم النهائيّ:
    يُحدّد بناءً على نسب الإنجاز والجدارات، وتُقسّم النتائج إلى فئاتٍ معياريةٍ (متميز – يفوق التوقعات – يحقق التوقعات – أقل من التوقعات – غير مرضٍ).

  • اللجان التنظيمية:
    تُشكّل داخل كل جهةٍ لجنةٌ دائمةٌ للأداء الوظيفيّ تختصّ بمراجعة التقييمات غير العادية، والنظر في التظلمات، وضمان عدالة التطبيق.

  • العلاقة بالقرارات الإدارية:
    ربطت اللائحة نتائج الأداء بالترقيات والعلاوات والتدريب، بحيث يُصبح الأداء معيارًا رئيسيًا للتميّز الوظيفيّ.

كما نصّت اللائحة على وجوب التغذية الراجعة البنّاءة (Constructive Feedback) كأحد الالتزامات الجوهرية للمدير المباشر، مؤكدةً أن التقييم دون تغذيةٍ راجعةٍ يفقد قيمته التربوية والإدارية. ولهذا تمّ اعتماد مفهوم “جلسات النقاش التطويريّ” كجزءٍ رسميٍّ من دورة الأداء.


🔹 ثالثًا: المراحل التشغيلية لدورة الأداء الوظيفيّ

يتكوّن النظام السعوديّ من أربع مراحلٍ تشغيليةٍ رئيسيةٍ تُشكّل ما يُعرف بـ “دورة إدارة الأداء (Performance Management Cycle)”، وهي:

🟢 المرحلة الأولى: تخطيط الأداء (Performance Planning)

تُعدّ المرحلة الأهم لأنها تُحدّد مسار الأداء طوال العام. في هذه المرحلة يجتمع المدير مع الموظف في بداية الدورة لتحديد الأهداف الفردية وربطها بأهداف الإدارة والجهة. يتمّ تحديد الأهداف وفقًا لمبدأ SMART (محددة، قابلة للقياس، قابلة للتحقيق، واقعية، محددة زمنًا)، مع تحديد الجدارات السلوكية المطلوب تطويرها.

تُوثّق الخطة إلكترونيًا عبر منصة “مسار”، ويُعتمد التوقيع الرقميّ للطرفين. ويُشجَّع الموظف على اقتراح أهدافٍ تطويريةٍ شخصيةٍ إلى جانب أهدافه الوظيفية، في إشارةٍ إلى أن النظام يُعزز المسؤولية الذاتية في التحسين.

🟡 المرحلة الثانية: المتابعة الدورية (Mid-Year Review)

في منتصف العام، تُعقد جلسة مراجعةٍ رسميةٍ لمناقشة الأداء المنجز مقارنةً بالخطة. هذه المرحلة جوهرية لأنها تُتيح التصحيح المبكر والتغذية الراجعة المستمرة. المدير هنا لا يُراقب فحسب، بل يُدرّب ويوجّه ويُحفّز، ويُوثّق النقاط القوية وفرص التحسين.

وتُعتبر هذه المرحلة ترجمةً عمليةً لمفهوم القيادة التحسينية (Coaching Leadership) الذي يتبنّاه النظام السعوديّ. فبدلًا من أن يُفاجأ الموظف بتقييمه في نهاية العام، يحصل على مراجعةٍ مستمرةٍ تُمكّنه من تعديل مساره في الوقت المناسب.

🔵 المرحلة الثالثة: التقييم النهائيّ (Final Evaluation)

في نهاية العام، يُقيّم الأداء بناءً على البيانات المسجلة خلال العام وعلى مؤشرات الإنجاز الفعلية. يُراعى في التقييم تحقيق التوازن بين الأداء الكميّ (الأهداف) والأداء النوعيّ (الجدارات). ويُمنح كل عنصرٍ وزنًا محددًا حسب نوع الوظيفة، بحيث يُقاس المديرون على القيادة والتخطيط، ويُقاس التنفيذيون على الإنتاجية والجودة.

يتمّ احتساب النتيجة النهائية آليًا عبر النظام الإلكترونيّ، ويُصنّف الموظف ضمن فئات الأداء الخمس. تُعتمد النتيجة بعد مراجعة إدارة الموارد البشرية، ثم تُرفع للمدير العام أو الوكيل المختصّ لاعتمادها النهائيّ.

🔴 المرحلة الرابعة: التحسين والتطوير (Development Planning)

وهي المرحلة التي تُميّز النظام السعوديّ عن كثيرٍ من الأنظمة الأخرى. فالنظام لا يُنهي التقييم عند إصدار النتيجة، بل يبدأ منه مرحلةً جديدةً هي وضع خطة تطويرٍ فرديةٍ (Individual Development Plan – IDP)، تُحدّد الاحتياجات التدريبية وفرص التحسين السلوكيّ أو الفنيّ لكل موظفٍ.

يُتابع تنفيذ هذه الخطة خلال العام التالي، وتُربط بنتائج التقييم اللاحقة. وهكذا تتحوّل دورة الأداء إلى حلقةٍ مستمرةٍ من التعلم والتحسين، بما يُحقق أحد أهم مبادئ الرؤية الوطنية في “تطوير رأس المال البشريّ”.


🔹 رابعًا: توزيع الأدوار والمسؤوليات في النظام

تُوزَّع الأدوار داخل النظام وفق مبدأ المسؤولية المتبادلة (Shared Accountability) الذي يجعل كل طرفٍ شريكًا في نجاح المنظومة. ويمكن تلخيص هذه الأدوار على النحو التالي:

  • الموظف: يُعدّ خطته، يُوثّق إنجازاته، يُشارك في المتابعة، يُبدي رأيه في التقييم، ويضع خطة تطويره.

  • المدير المباشر: يُخطّط الأداء مع موظفيه، يُتابعهم دوريًا، يُقيّمهم بعدالة، يُقدّم التغذية الراجعة، ويُحفّز التحسين.

  • إدارة الموارد البشرية: تُدير المنظومة الرقمية، تُراقب الالتزام بالمواعيد، تُدرّب المستخدمين، وتُراجع جودة التقييمات.

  • اللجنة الدائمة للأداء الوظيفيّ: تُراجع التقييمات غير الاعتيادية، وتنظر في التظلمات، وتُوصي بالإجراءات التصحيحية.

  • القيادة العليا: تُتابع المؤشرات الاستراتيجية، وتُقيّم فاعلية النظام ككلّ، وتُصدر التوجيهات العامة للتحسين.


🔹 خامسًا: التكامل مع المنصة الرقمية “مسار”

يُعتبر التكامل بين النظام ولائحته وبين منصة “مسار” الرقمية أحد أعظم إنجازات التجربة السعودية، لأنه نقل إدارة الأداء من الورق والمراجعات التقليدية إلى نظامٍ رقميٍّ ذكيٍّ متكاملٍ يُتيح الإشراف والمقارنة والتحليل على مستوى وطنيٍّ شاملٍ.

تُمكّن المنصة من:

  • متابعة حالة كل تقييمٍ لحظةً بلحظةٍ.

  • حفظ السجلات التاريخية للأداء عبر السنوات.

  • استخراج مؤشرات الأداء على مستوى الموظف والإدارة والجهة.

  • تحليل الفجوات في الأداء وربطها بخطط التطوير والتدريب.

  • ضمان الشفافية والعدالة عبر التوثيق الإلكترونيّ الكامل لجميع الخطوات.

بهذا التكامل، أصبح نظام إدارة الأداء السعوديّ نموذجًا يحتذى به في التحول الرقميّ للحوكمة الإدارية، حيث تُمثّل المنصة ذاكرة الأداء الوطنيّة التي تحفظ بيانات الإنجاز، وتُحوّلها إلى معرفةٍ تُغذّي عملية صنع القرار الاستراتيجيّ.


🔹 خلاصة المحور

يُظهر هذا التحليل أن النظام السعوديّ لإدارة الأداء الوظيفيّ ليس مجرد لائحةٍ تنظيميةٍ، بل هندسةٌ متكاملةٌ لإدارة السلوك والنتائج والتحسين المستمرّ. فكل تفصيلٍ فيه — من توزيع الأدوار إلى مراحل الدورة إلى التكامل الرقميّ — صُمّم ليخدم غايةً كبرى هي بناء جهازٍ حكوميٍّ عالي الكفاءة يُدار بالبيانات، ويتعلّم من تجربته، ويُعيد تحسين نفسه بشكلٍ دائمٍ.

وهكذا، فإنّ هيكل النظام ولائحته يُجسّدان عقل الدولة الحديثة التي تربط بين القيم والممارسة، وبين العدالة والتحفيز، وبين الأداء الفرديّ والمصلحة الوطنية. إنه نظامٌ يُدير الإنسان لا كعنصرٍ إداريٍّ، بل كقيمةٍ مضافةٍ، ويُحوّل التقييم من لحظةٍ بيروقراطيةٍ إلى تجربةٍ معرفيةٍ تُنتج الوعي والمسؤولية والإتقان.


4️⃣💡 التحول من التقييم إلى التطوير: كيف غيّر النظام السعوديّ فلسفة الأداء؟


حين نُمعن النظر في التحول الذي شهده نظام إدارة الأداء الوظيفيّ في المملكة العربية السعودية خلال العقد الأخير، ندرك أننا لا نتحدث عن تطويرٍ إداريٍّ جزئيٍّ، بل عن نقلةٍ فلسفيةٍ عميقةٍ في طريقة التفكير ذاتها التي تُدار بها الكفاءات البشرية داخل الجهاز الحكوميّ.
لقد كان مفهوم "تقييم الأداء" لعقودٍ طويلةٍ يرتكز على الفحص والمحاسبة، بينما أصبح اليوم في المملكة قائمًا على التعلّم والنموّ والتحسين المستمرّ.
إنّ هذا التحول ليس في الآليات ولا في النماذج فقط، بل في المنظور المعرفيّ والإداريّ الذي يُحدّد معنى الأداء ذاته: من مجرد نتيجةٍ تُقاس في نهاية السنة، إلى رحلةٍ معرفيةٍ مستمرةٍ تُنمّي الإنسان والمؤسسة في آنٍ واحدٍ.

لقد غيّر النظام السعوديّ الجديد فلسفة الأداء من كونها “ميزانًا للحكم” إلى كونها “أداةً للتنمية”، ومن كونها “عمليةً راصدةً للأخطاء” إلى كونها “بيئةً مولّدةً للتحسين”، ومن كونها “تقييماً لما مضى” إلى كونها “تخطيطًا لما سيأتي”.
بهذا المعنى، انتقل الأداء في فكر الإدارة السعودية الحديثة من مفهوم الرقابة إلى مفهوم التمكين، ومن فلسفة “التقويم لأجل التصنيف” إلى فلسفة “التقويم لأجل التطوير”.


🔹 أولًا: من الرقابة إلى التمكين

في الفلسفة الإدارية القديمة، كان تقييم الأداء يُدار بعقلية الرقابة والانضباط، حيث يُنظر إلى الموظف كمنفّذٍ لتعليماتٍ محددةٍ يجب قياس مدى التزامه بها. كان التركيز ينصبّ على "ماذا فعل؟" و"هل التزم بالتوجيهات؟" أكثر من "كيف يمكن أن يتطور؟".
أما في النظام السعوديّ الحديث، فقد تمّ قلب هذا المفهوم رأسًا على عقب، وأصبح التركيز على القدرات الكامنة لا على الأخطاء الظاهرة، وعلى التحسين المستقبليّ لا المحاسبة الماضية.

جاء هذا التحول نتيجةً لفهمٍ أعمقَ للدور الإنسانيّ في التنمية، وهو الفهم الذي أرساه برنامج تطوير رأس المال البشريّ ضمن رؤية 2030، حين اعتبر الإنسان "الاستثمار الأغلى والأبقى".
فالنظام الجديد ينظر إلى الموظف باعتباره عنصرًا ناميًا قابلًا للتطور المستمرّ، لا عنصرًا ثابتًا يُحاسب على النقص فقط.
من هنا، أصبح دور المدير ليس مراقبًا، بل مدرّبًا وموجّهًا وممكّنًا، وأصبح التقييم فرصةً للحوار والنموّ لا للمحاسبة البيروقراطية.

وتحوّل مفهوم "جلسة التقييم" في نهاية العام إلى سلسلةٍ من اللقاءات التطويرية التي تهدف إلى بناء الوعي الذاتيّ للموظف بأدائه، وتعزيز مسؤوليته تجاه تحسين ذاته، وتزويده بالأدوات التي تمكّنه من النموّ المهنيّ.
إنّ التمكين هنا ليس شعارًا بل ممارسةً إداريةً واقعيةً، إذ يتيح النظام للموظف أن يُشارك في تحديد أهدافه، وأن يقترح حلولًا لتحسين أدائه، وأن يطلب دعمًا تدريبيا محددًا لتحقيق تلك الأهداف.
بهذا المعنى، تحوّل المدير إلى قائدٍ تطويريٍّ، والموظف إلى متعلمٍ نشطٍ، والنظام إلى بيئةٍ تحفيزيةٍ تتشارك فيها المسؤولية بدل أن تتبادل اللوم.


🔹 ثانيًا: من المحاسبة إلى التعلم

الفارق الجوهريّ بين النظام القديم والجديد يتمثل في أن الأول كان يُركّز على “النتائج”، بينما الجديد يُركّز على “عمليات التعلم” التي تُنتج النتائج.
فالنظام الحديث لم يعُد يقيس فقط ما إذا تمّ تحقيق الهدف، بل يسأل كيف تحقق؟ وبأي مستوى من الجدارات؟ وما الذي يمكن تحسينه في المرات القادمة؟.
وهنا تتجلّى فلسفة "الأداء بوصفه تعلّمًا" (Performance as Learning) التي أصبحت جزءًا من الإطار الإداريّ السعوديّ المعاصر.

لقد استوعب النظام الجديد أن الأداء الحقيقيّ لا يتكوّن من مؤشراتٍ جامدةٍ، بل من سلسلةِ تجاربَ متراكمةٍ تُولّد المعرفة التنظيمية.
ولذلك، تمّ إدراج آلية التغذية الراجعة المستمرة (Continuous Feedback) كعنصرٍ أساسيٍّ في النظام، بحيث لا ينتظر الموظف نهاية السنة ليعرف رأي مديره، بل يتلقّى ملاحظاتٍ بنّاءةً بشكلٍ دوريٍّ تُمكّنه من تعديل سلوكه وتطوير مهاراته في حينها.

وهنا يظهر دور المدير كـ"مُعلّمٍ إداريٍّ"، لأن وظيفته لم تعُد فقط تقييم ما حدث، بل تحويل التجربة إلى معرفةٍ قابلةٍ للنقل والتطبيق.
هذه الثقافة جعلت بيئة العمل السعودية أقرب إلى “بيئةٍ تعلّميةٍ” تُعامل الأخطاء بوصفها فرصًا للتحسين لا تهديداتٍ للعقوبة.

إنّ التحول من المحاسبة إلى التعلم هو في جوهره انتقالٌ من “ثقافة الخوف” إلى “ثقافة النموّ”.
ففي حين كان الموظف في الأنظمة القديمة يخشى التقييم لأنه يترتب عليه فقدان علاوةٍ أو تأخير ترقيةٍ، أصبح اليوم يراه فرصةً لتطوير ذاته، لأن النظام يربط بين التقييم والتدريب والتحفيز لا بين التقييم والعقوبة.
وبهذا تحقّقت واحدةٌ من أعمق التحولات الثقافية في تاريخ الإدارة الحكومية السعودية، حيث أصبح الأداء مسارًا للتنمية المستدامة لا مجرد سجلٍّ للنتائج الماضية.


🔹 ثالثًا: من القياس إلى التحسين المستمرّ

من أبرز ما جاء به النظام السعوديّ الجديد هو تحوّله من "تقييم الأداء" إلى "إدارة الأداء".
فالفارق بينهما شاسع: التقييم هو لحظة قياس، أما الإدارة فهي منظومة متكاملة للقياس والتحليل والتحسين.
بهذا المعنى، أصبح الأداء في المملكة جزءًا من دائرة التحسين المستمرّ (Continuous Improvement Cycle) التي تُدار وفق نموذج PDCA (Plan–Do–Check–Act) المستمد من فلسفة الجودة الشاملة (TQM).

في المرحلة الأولى "خطّط"، يُحدّد الموظف ومديره الأهداف والمعايير.
في الثانية "نفّذ"، يُنجز الموظف المهام ويُوثّق تقدّمه.
في الثالثة "افحص"، تُراجع النتائج وتُحلّل الفجوات.
وفي الرابعة "تحرّك"، تُطبّق التحسينات وتُستخلص الدروس.
وهكذا تُغلق الدورة، ليبدأ عامٌ جديدٌ بخطةٍ أكثر نضجًا وجودةً.

النظام السعوديّ جعل هذه الدورة حقيقيةً من خلال الربط الرقميّ في منصة “مسار” التي تحفظ كل بيانات الأداء السابقة وتُتيح التحليل المقارن عبر السنوات، بحيث يمكن معرفة اتجاهات التحسّن أو التراجع، وتحديد نقاط الضعف البنيوية في الإدارات.
هذا الوعي التحليليّ جعل الأداء المؤسسيّ السعوديّ قادرًا على التعلم من ذاته، فيتحول النظام إلى ما يُعرف في أدبيات الإدارة بـ "التنظيم المتعلّم (Learning Organization)".

إنّ الهدف النهائيّ لم يعُد "تحقيق التوقعات" فحسب، بل "رفعها عامًا بعد عام"، وهو ما يُعبّر عنه بمبدأ “الإتقان المستمرّ” الذي يتسق مع فلسفة الكايزن اليابانية ولكن برؤيةٍ سعوديةٍ ترتكز على القيم الإسلامية في الإحسان والإتقان، حيث قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾،
وفي الحديث الشريف: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».
وهكذا أصبح التحسين المستمرّ في إدارة الأداء قيمةً دينيةً وإداريةً في آنٍ واحدٍ، تُعبّر عن التقاء الأصالة بالمعاصرة في النموذج السعوديّ.


🔹 رابعًا: من الأحكام الفردية إلى القرارات المؤسسية

في النماذج القديمة، كان التقييم عمليةً فرديةً تقوم على رأي المدير المباشر، مما جعلها عرضةً للذاتية والتحيّز.
أما في النظام الحديث، فقد تمّ تحويل التقييم إلى قرارٍ مؤسسيٍّ مبنيٍّ على البيانات والمعايير الجماعية.
النتائج لا تُعتمد إلا بعد مراجعة إدارة الموارد البشرية، ويمكن الطعن فيها أمام اللجنة الدائمة للأداء الوظيفيّ، مما أرسى مبدأ الحوكمة في الأداء.

هذا التحوّل جعل التقييم أكثر موضوعيةً وعدالةً، وأزال عنصر "العلاقة الشخصية" الذي كان يُشوب الأنظمة القديمة.
كما أتاح التحليل الإحصائيّ للبيانات المقارنة بين الإدارات والأفراد، مما مكّن القادة من اتخاذ قراراتٍ استراتيجيةٍ تستند إلى أدلةٍ لا إلى انطباعات.
وبهذا، تحوّل الأداء من "ملفٍّ وظيفيٍّ شخصيٍّ" إلى "قاعدة بياناتٍ وطنيةٍ للتميز المؤسسيّ" تُستخدم في رسم السياسات وتحديد الاحتياجات التدريبية وتوزيع الموارد البشرية.

ومن الناحية التطبيقية، أصبح من الممكن عبر منصة “مسار” تحليل الاتجاهات السلوكية والمهارية على مستوى القطاع الحكوميّ بأكمله، مثل اكتشاف انخفاض الجدارة في التواصل أو القيادة أو الابتكار في قطاعٍ معينٍ، فيتمّ إطلاق برامج تطويرٍ مستهدفةٍ لمعالجة تلك الفجوات.
إنّ هذا الاستخدام الذكيّ للبيانات جعل إدارة الأداء جزءًا من منظومة اتخاذ القرار الوطنيّ، لا مجرّد ممارسةٍ إداريةٍ داخليةٍ.


🔹 خامسًا: من النتيجة إلى المسار

من التحولات الجوهرية أيضًا أنّ الأداء لم يعُد يُقاس في لحظةٍ واحدةٍ في نهاية السنة، بل يُدار كـ مسارٍ زمنيٍّ ديناميكيٍّ يتغيّر ويتغذّى ويتحسّن باستمرار.
فبدلًا من أن تكون النتيجة النهائية هي محور الاهتمام، أصبح المسار ذاته — بما يتضمنه من تعلمٍ ومراجعةٍ وتفاعلٍ — هو مركز الاهتمام الحقيقيّ.
وهذا التحول المفاهيميّ جعل الأداء أداةً للقيادة لا وسيلةً للمساءلة فقط.

المدير اليوم في النظام السعوديّ يُتابع الأداء شهريًا عبر المنصة، ويُجري جلسات تطويرٍ متكررةً، ويُسجّل الملاحظات فور حدوثها.
هذه الآلية جعلت النظام أكثر عدالةً ودقةً، لأنها تُقلّل من أثر الذاكرة الانتقائية والانطباعات اللحظية، وتُحوّل الأداء إلى سجلٍّ تراكميٍّ يعبّر بدقةٍ عن مستوى الإنجاز والسلوك عبر العام.
كما أنّها تُحوّل التقييم من “حكمٍ نهائيٍّ” إلى “رحلة تعلمٍ مستمرةٍ” يشارك فيها الموظف ومديره بصورةٍ متوازنةٍ.


🔹 سادسًا: من السلوك السلبي إلى الدافعية الإيجابية

أحد أهم نجاحات التحول السعوديّ في إدارة الأداء هو تحويل ثقافة التقييم من الخوف إلى التحفيز.
فقد أدركت وزارة الموارد البشرية أن الإنسان لا يُبدع حين يُراقب، بل حين يُحفّز ويُقدَّر.
ولذلك صُمّم النظام ليُكافئ السلوك الإيجابيّ ويُعزّز روح الإنجاز، لا ليعاقب السلوك السلبيّ فقط.

ومن هنا تمّ إدراج الحوافز المادية والمعنوية المبنية على الأداء المتميز، وربط نتائج التقييم بالترقيات والتكريم والجوائز، مع إشاعة ثقافة الاعتراف بالإنجاز (Recognition Culture) داخل الجهات الحكومية.
هذه الثقافة تُعيد تشكيل الوجدان الإداريّ للموظفين، إذ تجعلهم يسعون للأداء العالي بدافعٍ ذاتيٍّ، لا خوفًا من العقوبة، مما يُنتج طاقةً داخليةً أقوى وأكثر استدامةً.

كما تمّ تطوير برامج التدريب التفاعليّ للمديرين حول كيفية تقديم التغذية الراجعة الإيجابية، وكيفية تحويل جلسات الأداء إلى مساحاتٍ للحوار والدعم النفسيّ والمهنيّ.
وبهذا أصبح النظام يُعالج الأداء من جذوره: من دوافع الإنسان قبل سلوكه، وهي فلسفةٌ تنسجم تمامًا مع المدرسة الإنسانية في الإدارة التي تُركّز على الوجدان قبل الأرقام.


🔹 خلاصة المحور

يُمكن القول إنّ النظام السعوديّ الجديد لإدارة الأداء الوظيفيّ قد نقل المملكة من عصر “التقييم التقليديّ” إلى عصر “التطوير المؤسسيّ المتكامل”.
لقد أعاد تعريف الأداء بوصفه عمليةً معرفيةً مستمرةً تُنضج الإنسان كما تُنضج المؤسسة، وجعل من الحوار والتعلم والمساءلة أدواتٍ يوميةٍ في بيئة العمل لا مناسباتٍ سنويةٍ عابرة.

إنّ هذا التحول لا يُقاس بعدد النماذج أو المؤشرات، بل بنوعية الوعي الإداريّ الذي أنتجه:
وعيٌ يرى في الأداء وسيلةً للارتقاء لا للمحاسبة،
وعيٌ يربط بين الفرد والغاية الوطنية،
وعيٌ يجعل الإنسان شريكًا في تحسين ذاته ومؤسسته ووطنه.

وهكذا، فإنّ التحول من التقييم إلى التطوير لم يكن مجرد تحديثٍ للنظام، بل تغييرًا في فلسفة الإدارة السعودية نفسها، التي انتقلت من الانشغال بالنتائج إلى الاستثمار في الإنسان المنتج لتلك النتائج.
إنه انتقالٌ من مرحلة “كم أنجزت؟” إلى مرحلة “كيف تنمو؟”، ومن “كم عملت؟” إلى “كيف أثّرت؟”، وهو تحولٌ يُعبّر عن نضجٍ حضاريٍّ يُميّز نموذج إدارة الأداء في المملكة العربية السعودية اليوم.


5️⃣🧭 الجدارات السلوكية والفنية في النظام السعوديّ: الإطار المفاهيميّ والتطبيقيّ


حين نتناول مفهوم “الجدارات” في سياق النظام السعوديّ لإدارة الأداء الوظيفيّ، فإننا لا نتحدث عن عنصرٍ ثانويٍّ في عملية التقييم، بل عن الجوهر الحقيقيّ الذي يُعبّر عن جودة الأداء من الداخل.
فالجدارة ليست مهارةً منفصلةً عن السلوك، وليست سلوكًا مجرّدًا عن المعرفة، بل هي مزيجٌ متكاملٌ من المعرفة، والمهارة، والسلوك، والدافعية، تتجلّى في الأداء العمليّ داخل بيئة العمل.
وبهذا المفهوم الشامل، أصبحت الجدارة هي العملة الموحدة للأداء المؤسسيّ الحديث، لأنها تُعبّر عن قدرة الموظف على تطبيق ما يعرفه في المواقف الواقعية، وتحقيق النتائج بكفاءةٍ واتزانٍ سلوكيٍّ وأخلاقيٍّ في آنٍ واحدٍ.

إنّ النظام السعوديّ الجديد، الذي انطلق رسميًا في عام 1438هـ بقرار مجلس الوزراء رقم (155)، أرسى مفهومًا وطنيًا متقدّمًا للجدارات يقوم على دمج السلوك بالنتائج، بحيث لا يُكتفى بقياس ما أنجزه الموظف، بل يُقاس أيضًا كيف أنجزه.
فقد أدركت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنّ تحقيق التميز المؤسسيّ لا يمكن أن يقوم على الإنجاز الكميّ وحده، لأنّ السلوك المهنيّ هو الذي يُحدّد جودة النتائج واستدامتها.
من هنا جاء إنشاء إطار الجدارات السلوكية والفنية الوطنيّ الذي أصبح المرجع الرسميّ لقياس الأداء السلوكيّ في الجهات الحكومية السعودية.


🔹 أولًا: الإطار المفاهيميّ للجدارات

يمكن تعريف الجدارة في الإطار السعوديّ بأنها:

“مجموعة من السلوكيات القابلة للملاحظة والقياس، التي تُعبّر عن المعرفة والمهارات والقيم المطلوبة لتحقيق أداءٍ فعّالٍ ومتميّزٍ في الوظيفة”.

هذا التعريف يُركّز على ثلاث خصائصٍ أساسيةٍ:

1️⃣ القابلية للملاحظة:
أي أن الجدارة ليست نظريةً أو نيةً داخليةً، بل سلوكٌ ظاهرٌ يمكن رؤيته وقياسه في الموقف العمليّ.
فلا يكفي أن يكون الموظف “متعاونًا” كقيمةٍ معنويةٍ، بل يجب أن يُظهر التعاون في سلوكه الفعليّ أثناء العمل الجماعيّ، مثل مشاركته للزملاء بالمعلومة، واحترامه للآراء، واستعداده لتحمل المسؤولية الجماعية.

2️⃣ القابلية للقياس:
فالجدارة تُترجم إلى مؤشراتٍ سلوكيةٍ واضحةٍ تُسجّل وتُقاس وفق مستوياتٍ معياريةٍ (مثل: مبتدئ – متطور – متمكن – متميز).
وبذلك تتحول من مفهومٍ فضفاضٍ إلى أداةٍ كميةٍ يمكن استخدامها في التقييم والتحسين.

3️⃣ الارتباط بالأداء الفعليّ:
أي أن الجدارة ليست قيمةً مستقلةً عن الإنجاز، بل شرطٌ لحدوثه واستمراره.
فهي لا تُقاس بمعزلٍ عن الأهداف، بل تُدمج معها في خطة الأداء لتُحدّد الكيفية التي يجب أن يُنفّذ بها الموظف مهامه.

ويُميّز الإطار السعوديّ بين نوعين من الجدارات:

  • الجدارات السلوكية (Behavioral Competencies): وهي التي تتعلق بالأنماط السلوكية التي تُظهر القيم والاتجاهات والسمات الشخصية التي تُسهم في الأداء المتميز، مثل التواصل، العمل الجماعي، المبادرة، القيادة، التفكير التحليلي، الانضباط.

  • الجدارات الفنية (Technical Competencies): وهي التي ترتبط بالمهارات والمعارف المتخصصة المطلوبة لأداء المهام الفنية الخاصة بكل وظيفة، مثل التحليل المالي، التصميم الهندسي، البرمجة، إدارة المشاريع، أو الإشراف الإداريّ.

ويُعتبر هذا الفصل المنهجيّ بين الجدارتين من أبرز سمات النظام السعوديّ الحديث، لأنه يُتيح مقاربةً مزدوجةً تربط بين البعد الإنسانيّ والبعد المهنيّ للأداء.


🔹 ثانيًا: تطور مفهوم الجدارة في التجربة السعودية

لم يكن مفهوم “الجدارة” جديدًا على الفكر الإداريّ العالميّ، فقد استخدمته مدارس الإدارة الحديثة منذ أعمال “ديفيد ماكليلاند” في السبعينيات، حين أثبت أنّ النجاح في العمل لا يعتمد على الذكاء فقط، بل على السمات السلوكية المرتبطة بالأداء الفعليّ.
لكن ما ميّز التجربة السعودية هو قدرتها على توطين هذا المفهوم ضمن البيئة الثقافية والقيمية الوطنية، بحيث لم تكتفِ باستيراد النموذج الغربيّ، بل أعادت صياغته بما يتّسق مع القيم الإسلامية والهوية السعودية.

فبينما تركّز النماذج الغربية على الجدارات “الوظيفية” في سياق الكفاءة الفردية، يضيف الإطار السعوديّ بعدًا قيميًا وأخلاقيًا يربط الجدارة بـ“الأمانة والمسؤولية والانتماء الوطنيّ”، انطلاقًا من مبدأ أن الموظف في القطاع العام لا يخدم نفسه أو مؤسسته فقط، بل يمثّل الوطن ويخدم المواطنين.
ومن هنا وُلدت فكرة الجدارات السلوكية الوطنية المشتركة التي يجب أن يتحلى بها جميع موظفي القطاع الحكوميّ، بصرف النظر عن مواقعهم أو تخصصاتهم.

وقد عملت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتعاون مع وزارة المالية وهيئة كفاءة الإنفاق وعددٍ من الجهات الحكومية الرائدة على بناء هذا الإطار الوطنيّ الذي يتكوّن من مستوياتٍ متدرجةٍ للجدارات تُستخدم كأساسٍ للتقييم والتطوير والتدريب.


🔹 ثالثًا: مكوّنات إطار الجدارات السلوكية والفنية السعوديّ

يتكوّن إطار الجدارات السلوكية الوطنيّ من محورين رئيسيين:

1️⃣ الجدارات السلوكية المشتركة (Core Behavioral Competencies):
وهي الجدارات التي تُعدّ أساسيةً لجميع الموظفين في القطاع الحكوميّ، وتشمل عادةً ما يلي:

  • التواصل الفعّال (Effective Communication)

  • خدمة المستفيدين (Customer Focus)

  • العمل الجماعيّ والتعاون (Teamwork)

  • المبادرة والمسؤولية (Initiative & Accountability)

  • التفكير التحليليّ والإبداع (Analytical & Innovative Thinking)

  • تطوير الذات والآخرين (Self & Others Development)

  • الالتزام والنزاهة (Commitment & Integrity)

  • إدارة التغيير والتعلّم المستمرّ (Change Management & Learning Agility)

2️⃣ الجدارات الفنية (Technical Competencies):
وتختلف باختلاف طبيعة الوظائف، وتُحدّد وفق “بطاقة الوصف الوظيفيّ” لكل وظيفةٍ، بحيث ترتبط مباشرةً بالمهام الفنية التي يقوم بها الموظف.
فعلى سبيل المثال، جدارات الموظف الماليّ تختلف عن المهندس أو المبرمج أو المتحدث الإعلاميّ.

ويتمّ في النظام السعوديّ تحديد الجدارة عبر ثلاثة مستوياتٍ معياريةٍ أساسيةٍ:

  • الوصف السلوكيّ التفصيليّ: الذي يوضّح ما يُتوقّع من الموظف فعله في الموقف العمليّ.

  • مستويات الإتقان (Proficiency Levels): التي تُحدّد عمق الجدارة، مثل (أساسي – متوسط – متقدّم – قياديّ).

  • مؤشرات الأداء السلوكيّ (Behavioral Indicators): التي تُتيح تحويل الجدارة إلى بياناتٍ قابلةٍ للقياس.


🔹 رابعًا: الجدارات السلوكية في دورة إدارة الأداء

في النظام السعوديّ الحديث، لا تُدرج الجدارات السلوكية كملحقٍ اختياريٍّ في نموذج الأداء، بل تُعتبر أحد المكوّنين الرئيسيين للتقييم إلى جانب الأهداف الفردية.
فكل موظفٍ يُقيّم على جزأين:

  • الجزء الأول: الأداء في تحقيق الأهداف (Results).

  • الجزء الثاني: السلوك في تحقيق الأهداف (Behavior).

هذا الدمج بين "النتيجة" و"الطريقة" يُحوّل التقييم من عمليةٍ كميةٍ جامدةٍ إلى عمليةٍ تربويةٍ متكاملةٍ.
فقد يُحقق الموظف هدفه لكن بأسلوبٍ عدوانيٍّ أو غير تعاونيٍّ يُضرّ بالبيئة المؤسسية، وهنا تُسجّل عليه فجوةٌ سلوكيةٌ يجب تطويرها.
وفي المقابل، قد لا يُحقق موظفٌ هدفه بالكامل، لكنه يُظهر سلوكًا إيجابيًا وتعاونًا عاليًا يُسهم في نجاح الفريق ككلّ، فيُعتبر أداؤه سلوكيًا متميزًا يُستحق التحفيز عليه.

وتُعتبر المقابلات التطويرية (Developmental Discussions) إحدى أدوات تطبيق الجدارات داخل الدورة السنوية، إذ تُستخدم لمناقشة السلوكيات الإيجابية وفرص التحسين السلوكيّ، وتحويلها إلى خطة تطويرٍ ملموسةٍ.


🔹 خامسًا: التكامل بين الجدارات السلوكية والفنية

يُعدّ التكامل بين الجدارات السلوكية والفنية أحد أهم عناصر النضج في النظام السعوديّ.
فالإدارة الحديثة لم تعُد ترى الكفاءة الفنية بمعزلٍ عن السلوك الإنسانيّ، لأنّ الكفاءة بلا سلوكٍ مسؤولٍ قد تُنتج نتائجَ مؤقتةً أو غير مستدامةٍ.
لذلك، تُمنح الجدارات السلوكية وزنًا يراوح بين 30% إلى 50% من التقييم العام في كثيرٍ من الجهات الحكومية، بحسب طبيعة الوظائف.

هذا التكامل يعكس فهمًا إداريًا عميقًا بأنّ الأداء الفعّال هو نتاج التفاعل بين “المعرفة” و“النية” و“السلوك”.
فالمهارة تُنجز العمل، لكن السلوك يُعطيه قيمته، والجدارة هي التي تجمعهما في إطارٍ من الوعي المهنيّ.
ولذلك فإنّ النظام السعوديّ يُعيد تعريف “التميّز” لا باعتباره أعلى النتائج فقط، بل أرفع المستويات السلوكية في تحقيق تلك النتائج.


🔹 سادسًا: الجدارات كأداةٍ للتطوير المستمرّ

لم تُدرج الجدارات في النظام السعوديّ لمجرد التقييم، بل كأداةٍ منهجيةٍ للتطوير.
فبعد كل دورة تقييمٍ سنويةٍ، تُستخرج بيانات الجدارات لتحديد نقاط القوة وفرص التحسين لدى الموظفين، ثم تُستخدم لإعداد خطط التطوير الفردية (Individual Development Plans).

على سبيل المثال: إذا أظهر التقييم ضعفًا في “مهارة التواصل” أو “إدارة الوقت”، فإنّ النظام يُوجّه الموظف إلى برنامجٍ تدريبيٍّ محدّدٍ يُعالج هذه الفجوة، وتُتابع نتائج التحسين في الدورة التالية.
وبهذا يتحول التقييم إلى نظامٍ تعلّميٍّ متكاملٍ يُغذّي التدريب ويُقاس أثره لاحقًا في الأداء.

كما أنّ النظام يُمكّن إدارة الموارد البشرية من تحليل الجدارات على مستوى الجهة ككلّ، لتحديد الجدارات الحرجة (Critical Competencies) التي تحتاج إلى استثمارٍ مؤسسيٍّ، وإطلاق مبادرات تطويرٍ جماعيةٍ لمعالجتها.
وهذه الممارسة تُسهم في بناء “خريطة القدرات المؤسسية (Competency Map)” التي تُستخدم في التخطيط الاستراتيجيّ للموارد البشرية.


🔹 سابعًا: المقارنة المعيارية الدولية للجدارات

يُقارن الإطار السعوديّ بإطاراتٍ عالميةٍ معتمدةٍ مثل:

  • إطار CIPD البريطانيّ (Chartered Institute of Personnel and Development): الذي يركّز على الجدارة كمزيجٍ من القيم والسلوكيات التي تُنتج نتائجَ إنسانيةً مستدامةً.

  • إطار SHRM الأمريكيّ (Society for Human Resource Management): الذي يركّز على الجدارة كقدرةٍ استراتيجيةٍ تُحقّق القيمة التنظيمية عبر السلوك المهنيّ والأداء الأخلاقيّ.

  • معيار ISO 30414 الدوليّ لإدارة رأس المال البشريّ: الذي يُؤكّد على قياس الجدارات بوصفها أحد مؤشرات رأس المال المعرفيّ والتنظيميّ.

وقد نجح الإطار السعوديّ في دمج هذه المعايير الدولية مع الخصوصية الثقافية السعودية، فجمع بين الدقة العلمية والبعد القيميّ، بين التقنية والإنسان، بين الأداء الفرديّ والمسؤولية الجماعية.
وهذا ما جعل التجربة السعودية تُعدّ اليوم مرجعًا إقليميًا في تطوير أنظمة إدارة الأداء القائمة على الجدارات.


🔹 ثامنًا: الجدارات كمؤشرٍ على النضج المؤسسيّ

تُستخدم درجة إتقان الجدارات في المملكة اليوم كمؤشرٍ رئيسيٍّ لقياس نضج المؤسسة في إدارة أدائها.
فكلما كانت المؤسسة قادرةً على تحديد الجدارات المطلوبة بدقةٍ، وتقييمها بموضوعيةٍ، وتطويرها باستمرارٍ، كانت أكثر نضجًا في إدارة رأس مالها البشريّ.
ومن هنا أصبحت الجدارات أداةً استراتيجيةً لا تشخيصيةً فقط، لأنها تُحدّد قدرة المؤسسة على التعلم والتحسين المستمرّ، وهو ما يُعدّ جوهر “التميّز المؤسسيّ”.


🔹 خلاصة المحور

لقد جعل النظام السعوديّ الجديد لإدارة الأداء من “الجدارات” اللغة المشتركة بين السلوك والكفاءة، وبين الإنسان والمؤسسة، وبين الأداء والهوية الوطنية.
فالجدارة في هذا النظام ليست مجرّد مقياسٍ للنتائج، بل هي الهوية المهنية للموظف السعوديّ، تُعبّر عن قيمه في العمل كما تُعبّر عن مهاراته، وتُوحّد طريقته في الأداء مع قيم وطنه في الإتقان والإخلاص والالتزام.

وبهذا يمكن القول إنّ الجدارات هي قلب النظام، لأنها تُحوّل الأداء من مهمةٍ إجرائيةٍ إلى رسالةٍ سلوكيةٍ، وتُعيد تعريف الكفاءة بوصفها “التكامل بين ما نعرفه وما نفعله وكيف نفعله ولماذا نفعله”.
ومن خلالها تكتمل معادلة الأداء السعوديّ الحديث:

الإنجاز × السلوك = القيمة المؤسسية المستدامة.


6️⃣🧩 التحليل المؤسسيّ لمخرجات الأداء وربطها بالقرارات الاستراتيجية والتطوير المؤسسيّ


عندما نصل إلى مرحلة تحليل مخرجات الأداء في النظام السعوديّ، فإننا نكون قد تجاوزنا حدود التقييم الفرديّ ودخلنا إلى جوهر التحليل المؤسسيّ الشامل، حيث تتحوّل البيانات إلى بصيرة، والملاحظات إلى سياسات، والمخرجات إلى قراراتٍ استراتيجيةٍ تُعيد صياغة الواقع الإداريّ نحو مزيدٍ من الكفاءة والفاعلية والابتكار.
إنّ إدارة الأداء في صيغتها الحديثة لا تُقاس بمدى دقة التقييم فقط، بل بمدى قدرتها على تحويل نتائج التقييم إلى معرفةٍ مؤسسيةٍ قابلةٍ للتطبيق والتحسين، وهو ما يُعرف في الفكر الإداريّ الحديث بمفهوم “التعلّم المؤسسيّ المستند إلى البيانات (Data-Driven Organizational Learning)”.

لقد أدركت المملكة العربية السعودية أنّ البيانات المتراكمة في أنظمة الأداء تمثّل ثروةً وطنيةً غير مستثمرةٍ ما لم تُحلّل وتُربط بالقرارات الاستراتيجية.
ولذلك، لم تتوقف رحلة تطوير النظام عند بناء المنصة الإلكترونية أو إعداد النماذج الإجرائية، بل امتدت إلى بناء قدراتٍ تحليليةٍ مؤسسيةٍ متقدمةٍ تُحوّل نظام إدارة الأداء إلى محركٍ وطنيٍّ لتطوير رأس المال البشريّ.
فكل تقييمٍ فرديٍّ يُرفع على منصة “مسار” هو في جوهره جزءٌ من منظومةٍ تحليليةٍ كبرى تُغذّي القرارات، وتُعيد ضبط المسارات، وتُوجّه الموارد في الاتجاه الصحيح.


🔹 أولًا: مفهوم التحليل المؤسسيّ لمخرجات الأداء

التحليل المؤسسيّ لمخرجات الأداء هو العملية التي يتم من خلالها تحويل البيانات الفردية عن أداء الموظفين إلى معرفةٍ تنظيميةٍ شاملةٍ تُستخدم في التخطيط وصنع القرار وتطوير القدرات.
فبدلًا من أن تكون نتائج التقييم ملفاتٍ راكدةً في الأرشيف، تُستخرج وتُحلّل وتُصنّف لتكشف الاتجاهات، والفجوات، والفرص، والمخاطر داخل المنظمة.

ويتّسع نطاق التحليل من مستوى الفرد إلى مستوى القسم، ثم إلى مستوى الإدارة، ثم إلى مستوى الجهة الحكومية ككلّ، لينتهي في النهاية إلى تقاريرٍ وطنيةٍ تُرفع إلى صُنّاع القرار في الدولة، تُظهر اتجاهات الأداء في القطاعات المختلفة، وتُسهم في رسم السياسات العامة للموارد البشرية.

هذا المفهوم يجعل من إدارة الأداء نظامًا معرفيًا وطنيًا لا مجرد ممارسةٍ تنظيميةٍ، إذ تتحوّل المنصة الرقمية إلى “ذاكرةٍ مؤسسيةٍ” تحفظ تطوّر الأداء عبر السنوات، وتُتيح تحليل المنحنيات، والمقارنات البينية، وتقييم أثر البرامج الحكومية المختلفة على أداء الموظفين.


🔹 ثانيًا: المستويات الأربعة لتحليل الأداء

يمكن تصنيف التحليل المؤسسيّ لمخرجات الأداء في النظام السعوديّ إلى أربعة مستوياتٍ مترابطةٍ:

1️⃣ التحليل الفرديّ (Individual Analysis):
ويُركّز على تحديد نقاط القوة وفرص التحسين لكل موظفٍ على حدةٍ، من خلال مقارنة الأداء السنويّ بالسنوات السابقة، وتحليل التغيرات في الجدارات السلوكية والفنية.
يُستخدم هذا المستوى لبناء خطة تطويرٍ فرديةٍ (IDP) تُحدّد احتياجات التدريب أو الدعم الإداريّ أو التمكين المهنيّ.

2️⃣ التحليل الجماعيّ (Team or Departmental Analysis):
وفيه تُجمع بيانات الأداء لعددٍ من الموظفين ضمن إدارةٍ أو قسمٍ واحدٍ لتُكشف الاتجاهات العامة.
على سبيل المثال، إذا لوحظ انخفاضٌ متكررٌ في مؤشرات “التعاون” أو “التفكير التحليليّ” داخل إدارةٍ معينةٍ، فهذا يدلّ على فجوةٍ ثقافيةٍ أو قياديةٍ تحتاج إلى تدخلٍ مؤسسيٍّ.

3️⃣ التحليل المؤسسيّ (Organizational Analysis):
ويُعنى بتجميع وتحليل البيانات على مستوى الجهة الحكومية بأكملها.
هنا يُستخدم التحليل لتحديد كفاءة القيادة، توزيع الأداء عبر المستويات، نسب الأداء المرتفع والمنخفض، وأثر سياسات الموارد البشرية على النتائج.
كما تُستخدم هذه البيانات في المراجعة السنوية لاستراتيجية الجهة، وفي إعداد تقارير الأداء المؤسسيّ التي تُرفع إلى الجهات العليا.

4️⃣ التحليل الوطنيّ الاستراتيجيّ (National-Level Analysis):
وفيه تُدمج بيانات الأداء من مختلف الجهات الحكومية لتحليل الاتجاهات على مستوى الدولة.
يُتيح هذا التحليل للدولة قياس مؤشرات الكفاءة والإنتاجية في القطاع العام، وتقييم فعالية البرامج الوطنية، وتحديد مجالات الاستثمار في التدريب والتطوير.
هذا المستوى هو الذي يجعل إدارة الأداء جزءًا من منظومة “التحوّل الوطنيّ” المتكاملة.


🔹 ثالثًا: أدوات التحليل المؤسسيّ في النظام السعوديّ

يستند النظام السعوديّ في تحليل بيانات الأداء إلى مجموعةٍ من الأدوات والمنهجيات التي تُحوّل الأرقام إلى معرفةٍ قابلةٍ للتطبيق:

1️⃣ لوحات المتابعة والتحليل (Performance Dashboards):
وهي لوحاتٌ رقميةٌ تفاعليةٌ تُظهر مؤشرات الأداء في الزمن الحقيقيّ عبر منصة “مسار”، تُتيح للقادة متابعة الأداء العام ومقارنته بالأهداف المحددة.

2️⃣ تحليل الاتجاهات الزمنية (Trend Analysis):
ويُستخدم لتتبّع تطور الأداء على مدى السنوات، بهدف الكشف عن أنماط النموّ أو التراجع في الكفاءة أو السلوك المؤسسيّ.

3️⃣ التحليل المقارن (Benchmarking):
ويقيس أداء الجهة مقارنةً بجهاتٍ أخرى في نفس القطاع، أو مقارنةً بمعايير دوليةٍ مثل معايير EFQM أو ISO 30414، بهدف تبنّي أفضل الممارسات العالمية.

4️⃣ تحليل الفجوات (Gap Analysis):
ويُركّز على تحديد الفروق بين الأداء الفعليّ والمستهدف، سواء في المؤشرات الكمية أو السلوكية أو الفنية، لتحديد أولويات التطوير.

5️⃣ تحليل السبب الجذريّ (Root Cause Analysis):
ويُستخدم لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء تراجع الأداء، سواء كانت قياديةً، أو تنظيميةً، أو ثقافيةً، أو مرتبطةً بعدم وضوح الأهداف أو ضعف القدرات.

6️⃣ تحليل الارتباط (Correlation Analysis):
ويهدف إلى فهم العلاقة بين الأداء والعوامل الأخرى، مثل التدريب، التحفيز، أو الرضا الوظيفيّ، لتحديد المحركات الحقيقية للأداء العالي.


🔹 رابعًا: ربط التحليل بالقرارات الاستراتيجية

القيمة الحقيقية لتحليل الأداء لا تتحقق إلا عندما يُستخدم في صنع القرار المؤسسيّ.
وهذا ما فعله النظام السعوديّ عبر تحويل نتائج الأداء إلى مدخلٍ أساسيٍّ لقرارات الترقيات، والتدريب، والحوافز، وإعادة الهيكلة.
فكل قرارٍ إداريٍّ في الجهة أصبح يستند إلى بياناتٍ موثّقةٍ من نظام الأداء، وليس إلى الانطباعات أو المجاملات الشخصية.

على سبيل المثال، عند اقتراح ترقية موظفٍ، لا يُكتفى بتقارير رؤسائه، بل تُراجع بيانات أدائه لثلاث سنواتٍ متتاليةٍ، ومستويات جداراته السلوكية والفنية، وتوصيات خطط تطويره السابقة، مما يجعل القرار أكثر عدالةً واستدامةً.

كما يُستخدم التحليل في تخطيط القوى العاملة (Workforce Planning)، إذ تُستخلص منه مؤشرات الاحتياج للمهارات المستقبلية، ومعدلات الدوران الوظيفيّ، ونقاط الضعف في القدرات القيادية.
وبناءً على ذلك، تُوجّه الاستثمارات التدريبية نحو المجالات ذات الأثر الأكبر في الأداء المؤسسيّ.

أما على المستوى الاستراتيجيّ، فتُستخدم تقارير الأداء الوطنية في تحديث السياسات العامة للموارد البشرية، مثل تحديد سلم الرواتب، أو تطوير آليات الترقيات، أو صياغة برامج التحفيز الوطنيّ.
بهذا الشكل، تُصبح بيانات الأداء جزءًا من منظومة “حوكمة القرار” في الدولة، وتُسهم في تحقيق الكفاءة والاستدامة المالية.


🔹 خامسًا: التحليل كأداةٍ للتطوير المؤسسيّ المستدام

التحليل المؤسسيّ لا يُقصد به الرقابة فقط، بل يُستخدم كأداةٍ للتحسين المستمرّ.
فكل تقريرٍ يُصدره النظام هو دعوةٌ للتعلّم المؤسسيّ، وكل فجوةٍ تُكتشف هي فرصةٌ للتطوير.
وهذا ما يُميّز النظام السعوديّ: أنه لا يعاقب على الأخطاء بقدر ما يُحوّلها إلى فرصٍ للنموّ الإداريّ.

فعندما يُظهر التحليل ضعفًا في “جدارة القيادة التحفيزية”، لا يُكتفى بالتنبيه، بل تُطلق برامج تطويرٍ قياديّةٍ تستهدف تلك الفئة، ويُتابع أثرها بعد عامٍ في نتائج الأداء.
وهكذا يتحوّل التحليل إلى دائرةٍ من التغذية الراجعة المؤسسية (Organizational Feedback Loop) التي تُعيد بناء القدرات عامًا بعد عام.

وتُعتبر هذه العملية جوهر “التحسين المستمرّ (Continuous Improvement)” التي تُشكّل أحد أعمدة رؤية 2030، لأنّها تربط الأداء الفرديّ بالتطور المؤسسيّ، وتربط كلاهما بتحقيق الأهداف الوطنية.


🔹 سادسًا: الحوكمة والتحليل في البيئة الرقمية

لقد جعل التحوّل الرقميّ من عملية تحليل الأداء أكثر دقةً وشفافيةً من أي وقتٍ مضى.
فمنصة “مسار” لا تقتصر على تسجيل البيانات، بل تُتيح واجهاتٍ تحليليةً متقدمةً للقادة وصُنّاع القرار، تُظهر مؤشرات الأداء عبر مختلف الأبعاد: الفرد، الفريق، الإدارة، المؤسسة، القطاع، الدولة.
كما تُطبّق خوارزمياتٍ للذكاء الاصطناعيّ (AI Analytics) لاكتشاف الأنماط الخفية والعلاقات غير المباشرة بين الأداء والعوامل المؤثرة فيه.

وهذا التطور الرقميّ أدّى إلى رفع جودة القرارات، لأنّ التحليل أصبح لحظيًا وتنبّؤيًا (Predictive)، لا لاحقًا وتوصيفيًا فحسب.
فبدلًا من انتظار تراجع الأداء لاكتشاف المشكلة، يُمكن للنظام أن يُنبّه مسبقًا إلى احتمالات الهبوط في مؤشرٍ معينٍ بناءً على الاتجاهات السابقة.

وبذلك أصبحت إدارة الأداء السعوديّة نظامًا حيويًا ذاتيّ التعلّم (Self-Learning System) يتطور تلقائيًا من خلال تراكم البيانات والتحليل الذكيّ، ويُغذّي الدولة بالمعلومات الدقيقة التي تدعم استدامة التطوير المؤسسيّ.


🔹 سابعًا: أثر التحليل المؤسسيّ في بناء ثقافة الأداء

إنّ التحليل المؤسسيّ لا يُنتج فقط قراراتٍ أفضل، بل يُنتج أيضًا ثقافةً جديدةً داخل المؤسسات: ثقافةً قائمةً على الشفافية، والمساءلة، والتعلّم، والابتكار.
حين يرى الموظف أن الأداء يُقاس بعدالةٍ وأن نتائجه تُستخدم للتحسين لا للعقوبة، يتغيّر سلوكه المهنيّ، ويصبح أكثر انفتاحًا على النقد البنّاء وأكثر التزامًا بالتطوير الذاتيّ.

كما يُسهم التحليل المؤسسيّ في تعزيز ثقافة الحوار بين الإدارات، لأنّ الأرقام تخلق لغةً مشتركةً موضوعيةً تُقلّل من التوترات الشخصية، وتُوحّد الجهود نحو الهدف المؤسسيّ.
وبمرور الوقت، تتحوّل الجهة الحكومية إلى “منظمةٍ متعلمةٍ” تُراجع نفسها باستمرارٍ وتتعلم من نتائجها، وهو أعلى مستويات النضج المؤسسيّ.


🔹 ثامنًا: التكامل بين التحليل المؤسسيّ والاستراتيجية الوطنية

أخيرًا، فإنّ التحليل المؤسسيّ لمخرجات الأداء لا ينفصل عن الاستراتيجية الوطنية لرؤية 2030.
فكل مؤشرات الأداء المؤسسيّ والفرديّ تُربط بالمؤشرات الوطنية لقياس كفاءة القطاع العام.
تُرفع تقارير الأداء من الجهات الحكومية إلى الجهات الإشرافية، ثم إلى مركز أداء (الذي يُعدّ الذراع الوطنيّ لقياس الأداء الحكوميّ)، ليُسهم في رسم السياسات العامة ومتابعة تنفيذ المبادرات الوطنية.

هذا التكامل جعل إدارة الأداء أداةً وطنيةً لصنع القرار الاستراتيجيّ، تُسهم في رفع كفاءة الإنفاق، وتطوير الخدمات العامة، وتحسين بيئة العمل الحكوميّ.
وهكذا، تحوّل التحليل المؤسسيّ من عمليةٍ إداريةٍ داخليةٍ إلى منظومةٍ وطنيةٍ متكاملةٍ تُدير المعرفة وتُنتج التحسين المستدام.


🔹 خلاصة المحور

إنّ التحليل المؤسسيّ لمخرجات الأداء يُمثّل العقل المفكر للنظام السعوديّ لإدارة الأداء الوظيفيّ.
فهو الذي يُحوّل البيانات إلى قرارات، والمعلومات إلى معرفة، والمعرفة إلى تحسينٍ مستمرٍّ يُغذي التنمية الوطنية.
إنّ ما يميّز التجربة السعودية هو قدرتها على جعل التحليل منهجًا استراتيجيًا لبناء المستقبل، لا مجرد إجراءٍ تشغيليٍّ لمراجعة الماضي.

فكل رقمٍ في تقارير الأداء هو في الحقيقة نبضةٌ في قلب التطوير المؤسسيّ، وكل تحليلٍ هو خطوةٌ نحو التميز المستدام.
وهكذا يتكامل الفكر والإجراء، الإنسان والنظام، الفرد والمؤسسة، لتتحول إدارة الأداء إلى منظومةٍ وطنيةٍ ذكيةٍ تُجسّد رؤية المملكة 2030 في أبهى صورها:

دولةٌ تُدار بالبيانات، وتتحسّن بالتعلّم، وتزدهر بالإتقان.


7️⃣ 🤖 التحول الرقميّ في إدارة الأداء الوظيفيّ: من النظام الورقيّ إلى المنصة الذكية المتكاملة


لقد مثّل التحول الرقميّ في المملكة العربية السعودية أحد أعظم التحولات الإدارية في القرن الحادي والعشرين، لأنه لم يكن انتقالًا تقنيًا بحتًا، بل تحولًا فكريًا وثقافيًا وهيكليًا عميقًا مسّ جوهر الطريقة التي تُدار بها المؤسسات والموارد البشرية، وأعاد تعريف مفاهيم الأداء، والمساءلة، والشفافية، والإتقان.
فحين انطلقت رؤية المملكة 2030، كان أحد محاورها الجوهرية هو بناء حكومةٍ رقميةٍ متكاملةٍ تعتمد على البيانات في قراراتها، وتوظّف التقنيات الحديثة في تحسين كفاءة العمل الحكوميّ وجودة الخدمات.
وفي قلب هذا التحول جاءت منظومة إدارة الأداء الوظيفيّ الإلكترونية بوصفها أحد أبرز مظاهر التحول الرقميّ في الإدارة الحكومية، لأنها جمعت بين التحول التقنيّ والتحول الثقافيّ والتحول الإداريّ في آنٍ واحدٍ.

إنّ الحديث عن التحول الرقميّ في إدارة الأداء ليس مجرد وصفٍ لانتقال النماذج الورقية إلى الشاشة الإلكترونية، بل هو تغييرٌ في فلسفة الأداء ذاتها: من نظامٍ يعتمد على المعاملات اليدوية البطيئة والمعلومات المجزأة، إلى نظامٍ ذكيٍّ متكاملٍ يعتمد على البيانات الدقيقة، والتحليل التنبّؤيّ، والمساءلة الشفافة، والتغذية الراجعة المستمرة.
لقد تحوّلت إدارة الأداء من عمليةٍ داخليةٍ محدودةٍ إلى منظومةٍ وطنيةٍ ذكيةٍ متصلةٍ تشرف عليها الدولة بكاملها عبر منصة “مسار”، بحيث تُصبح كل جهةٍ حكوميةٍ جزءًا من شبكةٍ وطنيةٍ لتحليل الأداء وتطويره بشكلٍ لحظيٍّ ومتصلٍ.


🔹 أولًا: من النماذج الورقية إلى المنظومة الرقمية

قبل التحول الرقميّ، كانت إدارة الأداء الوظيفيّ في أغلب المؤسسات الحكومية تُدار عبر نماذج ورقيةٍ تُعبّأ يدويًا وتُخزّن في الملفات.
كانت هذه الطريقة تُعاني من مشكلاتٍ متعددةٍ: بطء الإجراءات، ضياع البيانات، ضعف الشفافية، غياب التحليل الكميّ، وصعوبة المتابعة المركزية.
كانت دورة الأداء – من التخطيط إلى التقييم – تستغرق شهورًا من المراجعات اليدوية، وكان من الصعب معرفة مستوى الأداء العام أو مقارنة النتائج بين الإدارات.

ثم جاءت منصة “مسار” لتُحدث قفزةً نوعيةً غير مسبوقةٍ في تاريخ الإدارة الحكومية السعودية، إذ نقلت النظام بأكمله من الورق إلى الفضاء الرقميّ المتكامل.
فكل مرحلةٍ في دورة الأداء – من إعداد الأهداف إلى التقييم النهائيّ – أصبحت تُنفّذ إلكترونيًا، موثّقةً بالتاريخ والوقت والاعتمادات الرقمية، ومحفوظةً في قاعدة بياناتٍ وطنيةٍ موحدةٍ تُتيح للقيادة الإدارية متابعة الأداء بدقةٍ متناهيةٍ عبر المستويات كافة.

لقد غيّر هذا التحول طريقة التفكير في الأداء، لأنّ النظام الرقميّ لا يكتفي بالتسجيل، بل يُتيح التحليل والمقارنة، ويُحوّل البيانات إلى مؤشراتٍ حيّةٍ تُعبّر عن حالة الأداء لحظةً بلحظةٍ.
فما كان يُعتبر “تقريرًا سنويًا” أصبح اليوم لوحة متابعةٍ لحظيةٍ تفاعليةٍ يستطيع القائد من خلالها أن يرى الأداء في أي إدارةٍ أو قطاعٍ بشكلٍ مرئيٍّ مباشرٍ.


🔹 ثانيًا: منصة "مسار" بوصفها العمود الفقريّ للتحول الرقميّ

تُعدّ منصة “مسار” أحد أكثر المشروعات الحكومية طموحًا في مجال التحول الرقميّ للموارد البشرية، وهي المنصة التي جمعت كل الخدمات الإدارية في نظامٍ موحدٍ مترابطٍ يخدم الموظف، والمدير، والقيادة، والدولة في آنٍ واحدٍ.
في مجال إدارة الأداء، أصبحت “مسار” الذاكرة الرقمية للأداء الوظيفيّ الوطنيّ، لأنها تحفظ جميع بيانات الموظفين، وتوثّق خطط الأداء، والمتابعات، والتقييمات، وخطط التطوير، بشكلٍ مركزيٍّ وآمنٍ.

ومن أبرز ما حققته المنصة من إنجازاتٍ نوعيةٍ:

1️⃣ التحوّل من المتابعة الورقية إلى المراقبة اللحظية:
أصبح بالإمكان الاطلاع على حالة كل موظفٍ في أي وقتٍ، ومعرفة نسبة إنجازه وملاحظات مديره، دون انتظار نهاية الدورة السنوية.

2️⃣ الربط بين الأداء والقرارات الإدارية:
لم يعُد التقييم معزولًا عن القرارات، بل أصبحت الترقيات، والحوافز، والتدريب، تعتمد على بيانات الأداء المسجلة في المنصة، مما عزّز العدالة والموضوعية.

3️⃣ التكامل مع الأنظمة الأخرى:
تتكامل “مسار” مع نظام الموارد الحكومية الموحد (HRMS)، ومع أنظمة وزارة المالية، ومركز أداء، لتُكوّن منظومةً وطنيةً مترابطةً.

4️⃣ تحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعيّ:
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعيّ لتحليل الاتجاهات، واكتشاف الفجوات في الأداء، وتوقّع احتمالات الانخفاض أو التحسن في الكفاءة مستقبلاً.

5️⃣ رفع كفاءة المراقبة المؤسسية:
من خلال المؤشرات الآنية، أصبحت القيادة الإدارية قادرةً على التدخل السريع لتصحيح المسار قبل تفاقم المشكلات، مما جعل النظام أكثر حيويةً واستباقيةً.


🔹 ثالثًا: التحول الرقميّ كتغييرٍ ثقافيٍّ لا تقنيٍّ فقط

أحد أهم ما يميز التجربة السعودية هو أن التحول الرقميّ في إدارة الأداء لم يكن مشروعًا تكنولوجيًا فحسب، بل كان مشروعًا ثقافيًا لتغيير عقلية الإدارة ذاتها.
فالتحول التقنيّ مهما بلغ لا ينجح ما لم يتبعه تحولٌ في الثقافة التنظيمية، وهو ما تحقق بفضل رؤية المملكة التي جعلت التقنية وسيلةً للتمكين لا غايةً في ذاتها.

لقد تغيّرت نظرة القادة والموظفين إلى مفهوم الأداء بعد دخول المنصات الرقمية.
فلم يعُد التقييم يُنظر إليه كإجراءٍ إداريٍّ مفروضٍ، بل أصبح أداةً يوميةً لإدارة الذات وتحسين السلوك.
كما تغيّرت علاقة الموظف ببياناته، إذ أصبح يطّلع عليها مباشرةً ويشارك في تحديثها ومراجعتها، مما عزّز مبدأ الشفافية والمساءلة الذاتية.

التحول الرقميّ أعاد أيضًا صياغة العلاقة بين المدير والموظف.
فبعد أن كانت العلاقة في النظام الورقيّ عموديةً ومحدودةً باللقاءات الرسمية، أصبحت الآن تفاعليةً ومفتوحةً عبر النظام الإلكترونيّ، حيث يُقدّم المدير تغذيةً راجعةً دوريةً، ويتبادل الرسائل والتعليقات داخل المنصة، في بيئةٍ من الحوار البنّاء.
وبهذا، تحوّل الأداء من عمليةٍ “مكتبيةٍ” إلى تجربةٍ رقميةٍ تفاعليةٍ تُغذّي الثقافة التنظيمية الجديدة المبنية على التعاون والتعلّم المستمرّ.


🔹 رابعًا: الذكاء الاصطناعيّ والتحليل التنبّؤيّ في منظومة الأداء

في المرحلة الأحدث من التحول الرقميّ، لم تكتفِ المنظومة السعودية بالأتمتة التقليدية، بل بدأت في توظيف الذكاء الاصطناعيّ لتحليل الأداء وتوقّع الاتجاهات المستقبلية.
فالأنظمة الذكية أصبحت قادرةً على تحليل ملايين البيانات السلوكية والكمّية للموظفين، واكتشاف الأنماط المتكررة التي تُشير إلى نقاط القوة أو مواطن الخطر.

على سبيل المثال، إذا لاحظ النظام انخفاضًا تدريجيًا في مؤشرات الالتزام أو جودة الإنجاز لدى فئةٍ معينةٍ من الموظفين في إدارةٍ محددةٍ، فإنه يُنبّه القيادة فورًا لإجراء مراجعةٍ تنظيميةٍ أو تدريبيةٍ قبل تفاقم المشكلة.
كما يُستخدم الذكاء الاصطناعيّ لتحديد “المواهب الواعدة” عبر تحليل سلوك الأداء الإيجابيّ، مما يُسهم في بناء مساراتٍ قياديةٍ مستقبليةٍ أكثر دقةً وعدالةً.

إنّ هذه القدرات التنبّؤية جعلت إدارة الأداء في السعودية تتحول من نظامٍ “يتفاعل مع النتائج بعد وقوعها” إلى نظامٍ “يتنبأ بالنتائج قبل حدوثها”،
أي من الإدارة الوصفية (Descriptive Management) إلى الإدارة الاستباقية (Predictive Management)، وهي قفزةٌ نوعيةٌ في الفكر الإداريّ تجعل المملكة من الدول الرائدة في استخدام الذكاء الاصطناعيّ في إدارة رأس المال البشريّ.


🔹 خامسًا: التكامل بين التحول الرقميّ والحوكمة

لم يكن الهدف من التحول الرقميّ في إدارة الأداء مجرد تسهيل العمليات، بل تعزيز الحوكمة والمساءلة المؤسسية.
فكل خطوةٍ في المنصة موثّقةٌ إلكترونيًا: من اعتماد الأهداف إلى ملاحظات المدير إلى توقيع الموظف إلى القرار النهائيّ، وكلها محفوظةٌ بزمنها وتاريخها وهوية مستخدمها.
وهذا التوثيق الدقيق يُوفّر بيئةً عالية الشفافية تمنع التلاعب أو التحيّز، وتُتيح المراجعة في أي وقتٍ.

كما مكّن النظام القيادة من مراقبة الالتزام بالمواعيد النظامية لدورة الأداء، وتحديد الإدارات المتأخرة أو التي لم تُفعّل المتابعة الدوريةّ، مما رفع من الانضباط العامّ.
وأصبح بإمكان الجهات الرقابية (مثل ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد) الاطلاع على بيانات الأداء مباشرةً، مما عزّز مبدأ المساءلة الشاملة وربط الأداء بالنزاهة.

التحول الرقميّ جعل الحوكمة عمليةً يوميةً مدمجةً في النظام ذاته، لا مهمةً خارجيةً لاحقة، فأصبح النظام يُراقب نفسه، ويُقدّم الأدلة الرقمية التي تُثبت سلامة الإجراءات وعدالة القرارات.


🔹 سادسًا: التكامل بين التحول الرقميّ والتمكين الإداريّ

من النتائج العظيمة للتحول الرقميّ أنه نقل السلطة المعرفية من القمة إلى القاعدة، ومن المديرين وحدهم إلى جميع الموظفين.
فالموظف اليوم يستطيع من خلال المنصة أن يرى أهدافه، ويتابع مؤشرات أدائه، ويطّلع على تغذية مديره الراجعة، ويطلب جلسة تطويرٍ عند الحاجة.
بهذا المعنى، أصبح التحول الرقميّ أداةً للتمكين وليس للمراقبة.

كما مكّن التحول الرقميّ القادة من اتخاذ قراراتٍ أسرع وأكثر دقةً، لأنّ البيانات متاحةٌ لحظيًا، ومبنيةٌ على أدلةٍ لا على الحدس.
فبدلًا من انتظار التقارير الشهرية، يمكن للقائد أن يتخذ قراره في اللحظة نفسها بناءً على لوحة المؤشرات الإلكترونية.
وهذا ما جعل الإدارة السعودية أكثر ديناميكيةً واستجابةً (Agile)، وهو أحد مقومات القيادة الحديثة في بيئة التغيير المتسارع.


🔹 سابعًا: الأمن السيبرانيّ والخصوصية في إدارة الأداء الرقمية

من القضايا الحيوية التي رافقت التحول الرقميّ الحاجة إلى حماية بيانات الأداء بوصفها أصولًا استراتيجيةً حساسةً.
فالبيانات لا تحتوي على معلوماتٍ عن الأفراد فقط، بل على قدرات المؤسسات ومؤشرات الكفاءة الوطنية.
ولذلك تمّ بناء نظام “مسار” وفق أعلى معايير الأمن السيبرانيّ، مع تطبيق ضوابط صارمةٍ للوصول والصلاحيات، بحيث لا يطّلع إلا المخوّلون على البيانات المخصصة لهم.

كما تمّ اعتماد مبدأ تصنيف البيانات حسب درجة السرية، وتطبيق تقنيات التشفير في التخزين والنقل، وربط المنصة بالمركز الوطنيّ للأمن السيبرانيّ لضمان حمايةٍ مستمرةٍ من التهديدات.
وهذه المنهجية لا تحمي فقط الخصوصية الفردية، بل تعزّز الثقة في النظام نفسه، لأنّ الثقة الرقمية هي الشرط الأول لاستدامة أي تحولٍ تقنيٍّ ناجحٍ.


🔹 ثامنًا: أثر التحول الرقميّ في تعزيز ثقافة الأداء والإتقان

التحول الرقميّ لم يُغيّر النظام فقط، بل غيّر الإنسان نفسه في بيئة العمل.
فالبيئة الرقمية تُحفّز الانضباط، لأنّ كل إنجازٍ يُوثّق آنيًا، وكل تأخيرٍ يُرصد لحظيًا.
كما تُحفّز التعلم الذاتيّ، لأنّ الموظف يرى فجواته بوضوحٍ ويستطيع العمل على سدّها.
وهكذا أصبحت المنصة ليست أداةً إداريةً فحسب، بل مدرسةً رقميةً لبناء السلوك المهنيّ القائم على الشفافية، والإتقان، والمساءلة الذاتية.

وقد أحدثت هذه الثقافة الجديدة فرقًا جوهريًا في صورة الموظف الحكوميّ السعوديّ، الذي كان يُنظر إليه في الماضي على أنه جزءٌ من جهازٍ بيروقراطيٍّ بطيءٍ، فأصبح اليوم نموذجًا للكفاءة والالتزام والوعي التقنيّ.
إنّ هذا التحول لم يكن تقنيًا فحسب، بل نهضةً في العقل الإداريّ الوطنيّ، جمعت بين القيم السعودية الأصيلة في العمل والإتقان، وبين أدوات العالم الرقميّ في السرعة والتحليل والابتكار.


🔹 خلاصة المحور

لقد غيّر التحول الرقميّ في إدارة الأداء الوظيفيّ وجه الإدارة الحكومية في المملكة.
فما كان يُدار بالنماذج الورقية والذاكرة البشرية أصبح اليوم يُدار بالبيانات الذكية والتحليل اللحظيّ.
وما كان يعتمد على الاجتهاد الفرديّ أصبح اليوم نظامًا مؤسسيًا متكاملًا يقوده الذكاء والتحليل والحوكمة.

لقد نقل هذا التحول مفهوم الأداء من “نظامٍ يُراقب الناس” إلى “نظامٍ يُمكّن الناس”، ومن “إدارةٍ للنتائج” إلى “إدارةٍ للمعرفة”، ومن “المساءلة بعد الخطأ” إلى “التحسين قبل الخطأ”.
وهذا ما يجعل التجربة السعودية في إدارة الأداء الرقميّ تجربةً فريدةً عالميًا، لأنها لم تكتفِ بالتقنية كأداةٍ، بل جعلتها فلسفةً للتطوير والإتقان والتحسين المستمرّ.

التحول الرقميّ ليس مشروعًا انتهى، بل رحلةٌ مستمرةٌ نحو المستقبل، حيث تُصبح البيانات لغة القيادة، والتقنية عقل المؤسسة، والإنسان هدفها وغايتها.


8️⃣ 🌍 نحو نموذجٍ عربيٍّ موحّد لإدارة الأداء الوظيفيّ: من التجارب الوطنية إلى الرؤية التكاملية


حين ننظر إلى المشهد العربيّ في ميدان إدارة الأداء الوظيفيّ، نكتشف أنّنا أمام لوحةٍ واسعةٍ تتوزّع فيها التجارب بين مدارس متعدّدة، كلٌّ منها يستند إلى سياقه السياسيّ والتنظيميّ والثقافيّ، ولكنها جميعًا تتلاقى في غايةٍ واحدةٍ هي بناء جهازٍ إداريٍّ فعّالٍ يُحقّق التنمية ويُحسّن حياة المواطن.
فمن التجربة السعودية الرائدة في بناء نظامٍ وطنيٍّ موحّدٍ، إلى التجربة الإماراتية التي جسّدت مفهوم “القيادة بالأداء”، مرورًا بالتجارب البحرينية والكويتية والأردنية والمصرية التي بدأت تشقّ طريقها نحو التحديث الإداريّ، تتكوّن أمامنا ملامح حراكٍ عربيٍّ نحو بناء نموذجٍ تكامليٍّ عربيٍّ لإدارة الأداء الوظيفيّ.
هذا النموذج لا يقوم على استنساخ التجارب، بل على تكاملها وتبادل خبراتها، بحيث يُصبح لكل دولةٍ دورٌ معرفيٌّ في إثراء الرؤية العربية الشاملة.

إنّ العالم العربيّ يملك اليوم مقوّماتٍ مشتركةً تجعل هذا الحلم ممكنًا: وحدة اللغة، وتقارب الأنظمة الإدارية، وتشابه التحديات في مجال الحوكمة والتنمية البشرية، فضلًا عن توجّهٍ عامٍّ نحو التحوّل الرقميّ والإصلاح المؤسسيّ.
لكنّ ما ينقص هو الإطار العربيّ الموحّد لإدارة الأداء، الذي يربط بين هذه الجهود، ويحوّلها من مبادراتٍ متفرّقةٍ إلى منظومةٍ معرفيةٍ متكاملةٍ تُعبّر عن الخصوصية العربية وتستفيد من الممارسات العالمية في آنٍ واحدٍ.

ولكي نؤسس لهذا الإطار الموحّد، لا بدّ من تحليل التجارب العربية الرائدة واستخلاص المشتركات والفوارق، ثم رسم خارطة طريقٍ متكاملةٍ لبناء الرؤية التكاملية التي يمكن أن تُصبح مرجعًا للأداء الوظيفيّ في الوطن العربيّ.


🔹 أولًا: التجربة السعودية – من التقييم الإداريّ إلى المنظومة الوطنية المتكاملة

تُعدّ التجربة السعودية اليوم النموذج الأكثر نضجًا وشمولًا في إدارة الأداء على المستوى العربيّ.
فقد انطلقت منذ عام 1438هـ بإقرار لائحة إدارة الأداء الوظيفيّ الجديدة، ثم تطورت إلى نظامٍ رقميٍّ وطنيٍّ متكاملٍ يربط الأداء الفرديّ بالأداء المؤسسيّ والوطنيّ عبر منصة “مسار”.
وتتميّز التجربة السعودية بعدة خصائص تجعلها حجر الزاوية في أي مشروعٍ عربيٍّ للتكامل:

1️⃣ البنية التشريعية الصلبة:
إدارة الأداء في السعودية محكومةٌ بقرار مجلس الوزراء رقم (155) وبالدليل الإرشاديّ الصادر من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ما وفّر إطارًا نظاميًا موثوقًا يُوحّد المفاهيم والمعايير في جميع الجهات الحكومية.

2️⃣ التحول من التقييم إلى التطوير:
فالنظام السعوديّ لا يركّز على قياس الأداء فحسب، بل على تحسينه المستمرّ عبر خطط التطوير الفردية وربطها بالمسار الوظيفيّ والتدريب.

3️⃣ العدالة والحوكمة الرقمية:
من خلال منصة “مسار”، أصبحت كل عمليةٍ في دورة الأداء قابلةً للتتبع والمراجعة، مما ضمن الشفافية والإنصاف في التقييم.

4️⃣ الجدارات السلوكية والفنية:
اعتمدت المملكة إطار الجدارات الوطنيّ الذي يربط بين المهارة والسلوك والقيم المؤسسية، مما جعل الأداء انعكاسًا للقيم الوطنية.

5️⃣ التحليل المؤسسيّ والذكاء الاصطناعيّ:
تحوّل الأداء من بياناتٍ جامدةٍ إلى نظامٍ معرفيٍّ يقدّم تحليلاتٍ استراتيجيةً تدعم اتخاذ القرار.

هذه المقومات جعلت النموذج السعوديّ المرجع الأبرز في المنطقة العربية، لأنه يربط الأداء بالتحول الوطنيّ ويجعل الإنسان محور التطوير.


🔹 ثانيًا: التجربة الإماراتية – القيادة بالجدارات والتميز المؤسسيّ

في دولة الإمارات العربية المتحدة، ارتبطت إدارة الأداء منذ البداية بمفهوم التميز الحكوميّ والجدارات القيادية.
فقد أطلقت الحكومة الاتحادية “نظام إدارة الأداء لموظفي الحكومة الاتحادية” الذي يقوم على مبدأ “القيادة بالأداء” (Leading by Performance) ويهدف إلى تحويل الأداء إلى ثقافةٍ مؤسسيةٍ محفّزةٍ على الابتكار.

تقوم التجربة الإماراتية على مجموعةٍ من المبادئ المتقدمة:

1️⃣ التكامل مع منظومة التميز الحكوميّ:
يرتبط نظام الأداء في الإمارات بمعايير برنامج الشيخ محمد بن راشد للتميز الحكوميّ، مما يجعل الأداء أداةً لتحقيق الريادة العالمية لا مجرد عمليةٍ إداريةٍ.

2️⃣ الجدارات كقوةٍ دافعةٍ للقيادة:
اعتمدت الإمارات إطار الجدارات القيادية والسلوكية الخاص بالحكومة الاتحادية، بحيث يُقيّم القادة وفق قدرتهم على الإلهام، والابتكار، وتمكين الآخرين.

3️⃣ التحفيز القيميّ:
يُركّز النظام على بناء بيئةٍ إيجابيةٍ تُحفّز الإنجاز عبر جوائز الأداء والاعتراف المؤسسيّ.

4️⃣ التحول الرقميّ الكامل:
منصة الأداء الإماراتية تُتيح التقييم اللحظيّ، وتُدمج مع بيانات الموارد البشرية، والتعليم، والتدريب، لتُكوّن نظامًا ذكياًّ متكاملًا.

إنّ التجربة الإماراتية تُضيف إلى الرؤية العربية بعدًا نوعيًا مهمًا هو الارتباط بالتميز المؤسسيّ، فهي تُحوّل الأداء إلى محركٍ للجودة، وتربط بين الجدارة الشخصية والريادة المؤسسية.


🔹 ثالثًا: التجربة البحرينية – المرونة الإدارية وربط الأداء بالتحفيز

تُعدّ مملكة البحرين من الدول الخليجية التي قطعت شوطًا كبيرًا في تطوير إدارة الأداء ضمن استراتيجيتها الشاملة لتحديث الجهاز الحكوميّ.
فقد أطلقت ديوان الخدمة المدنية “نظام تقييم الأداء الوظيفيّ” الذي يهدف إلى رفع كفاءة الموظف وربط الأداء بالحوافز المالية والمسار الوظيفيّ.

تتميّز التجربة البحرينية بثلاثة أبعادٍ رئيسيةٍ:

1️⃣ المرونة الإدارية:
النظام البحرينيّ يُتيح لكل جهةٍ قدرًا من الحرية في تصميم مؤشرات الأداء بما يتناسب مع طبيعة عملها، ضمن إطارٍ وطنيٍّ عامٍّ موحّد.

2️⃣ ربط الأداء بالحوافز:
تُستخدم نتائج التقييم لتحديد المكافآت السنوية والترقيات، مما يعزّز دافعية الموظفين ويُرسّخ ثقافة الجدارة.

3️⃣ المتابعة الرقمية المستمرة:
أدخلت البحرين نظامًا إلكترونيًا للتقييم والمتابعة يضمن الشفافية ويُسهّل المراجعة المؤسسية.

وتُعدّ هذه التجربة نموذجًا ناجحًا في تحويل إدارة الأداء إلى نظامٍ تحفيزيٍّ واقعيٍّ يربط بين الجهد والمكافأة.


🔹 رابعًا: التجربة الأردنية – الأداء كأداةٍ للإصلاح الإداريّ

في المملكة الأردنية الهاشمية، جاءت إدارة الأداء كجزءٍ من مشروعٍ أوسع للإصلاح الإداريّ وتحديث القطاع العام.
فقد اعتمدت الحكومة الأردنية “نظام إدارة وتقييم الأداء” الذي يهدف إلى إعادة هيكلة الخدمة المدنية وفق مبادئ الكفاءة والمساءلة والشفافية.

ومن أبرز سمات التجربة الأردنية:

1️⃣ التركيز على الإصلاح المؤسسيّ:
يرتبط نظام الأداء في الأردن بخطة تحديث القطاع العام 2022–2030، التي تُعيد تعريف دور الموظف الحكوميّ كمقدّم خدمةٍ لا منفّذ إجراءٍ.

2️⃣ استخدام الجدارات في التوظيف والتقييم:
أصبح قياس الجدارات جزءًا من عملية التوظيف والترقية، مما يجعل الأداء مسارًا متكاملًا لتطوير الموارد البشرية.

3️⃣ الشفافية والتغذية الراجعة:
اعتمدت الحكومة الأردنية أسلوب المقابلات الدورية بين المدير والموظف لتبادل الملاحظات قبل التقييم النهائيّ.

إنّ التجربة الأردنية تُعطي بعدًا مهمًا للنموذج العربيّ هو الربط بين إدارة الأداء والإصلاح الإداريّ، إذ تُظهر كيف يمكن للنظام أن يكون أداةً لتغيير الثقافة المؤسسية نحو خدمة المواطن.


🔹 خامسًا: التجربة المصرية – الأداء كمدخلٍ للتحول الحكوميّ الشامل

في جمهورية مصر العربية، برزت إدارة الأداء ضمن مشروع “الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة”، حيث تمّ إعادة تصميم منظومة الموارد البشرية في الجهاز الإداريّ لتستند إلى الأداء والجدارات.
وقد أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية “نظام المتابعة والتقييم الحكوميّ” الذي يربط بين خطط الجهات الحكومية ومؤشرات أدائها.

تتميّز التجربة المصرية بأنها تربط الأداء بالتخطيط الوطنيّ عبر أدوات المتابعة الذكية ولوحات المؤشرات الاستراتيجية.
كما أُدرجت الجدارات في مسار التدريب الحكوميّ، لتُصبح جزءًا من عملية التحول الرقميّ والإداريّ.
وتتّجه مصر الآن نحو دمج الأداء في نظام الحوكمة الرقمية من خلال بوابة “مصر الرقمية”، مما يجعلها من الدول التي تدمج الأداء في التحول الحكوميّ الشامل.


🔹 سادسًا: نحو رؤيةٍ عربيةٍ تكامليةٍ لإدارة الأداء الوظيفيّ

إنّ استعراض هذه التجارب يُظهر أنّ العالم العربيّ يمتلك اليوم مزيجًا غنيًا من الخبرات العملية والمناهج الإدارية التي يمكن أن تُؤسس لرؤيةٍ عربيةٍ موحّدةٍ لإدارة الأداء، قائمةٍ على المبادئ التالية:

1️⃣ الإنسان محور الأداء:
كل الأنظمة العربية الناجحة انطلقت من فكرة أنّ تطوير الأداء يبدأ بتطوير الإنسان، فالموظف ليس أداةً للإنتاج بل شريكٌ في التنمية.

2️⃣ العدالة والشفافية:
لا نجاح لأي نظامٍ للأداء ما لم يضمن العدالة في التقييم وشفافية الإجراءات، وهي مبادئ راسخة في النماذج السعودية والإماراتية والبحرينية.

3️⃣ الجدارات كأساسٍ للتكامل:
يمكن اعتماد إطارٍ عربيٍّ للجدارات يجمع بين القيم المشتركة والمهارات الحديثة، بحيث يُصبح مرجعًا موحدًا للتقييم والتطوير والتوظيف.

4️⃣ التحول الرقميّ كمنصةٍ موحّدةٍ:
إنّ بناء منصةٍ عربيةٍ رقميةٍ مشتركةٍ لإدارة الأداء يمكن أن يُحدث نقلةً نوعيةً في التكامل الإداريّ العربيّ، عبر تبادل البيانات والمعايير والتجارب.

5️⃣ التحليل المؤسسيّ والذكاء العربيّ المشترك:
من خلال مراكز تحليل بيانات الأداء الوطنية، يمكن تأسيس مركزٍ عربيٍّ موحّدٍ لتحليل الأداء المؤسسيّ الحكوميّ، يُصدر تقارير سنويةٍ عن اتجاهات الأداء العربيّ، ويقيس أثر البرامج التنموية.

6️⃣ الربط بالاستراتيجيات الوطنية والقومية:
يجب أن يكون نظام الأداء جزءًا من تنفيذ “رؤية الجامعة العربية 2040” في مجال التنمية المستدامة، بحيث يُستخدم الأداء كأداةٍ لقياس التقدم في تحقيق الأهداف القومية المشتركة.


🔹 سابعًا: مقترح بناء الإطار العربيّ الموحّد لإدارة الأداء

يمكن تصور هذا الإطار في شكلٍ هرميٍّ متكاملٍ من أربعة مستوياتٍ:

1️⃣ المستوى الاستراتيجيّ العربيّ:
يُشرف عليه مجلسٌ عربيٌّ موحّدٌ للموارد البشرية والتميز المؤسسيّ، يتبع مجلس وزراء الخدمة المدنية العرب، ويُعنى بوضع المعايير والمبادئ العامة.

2️⃣ المستوى الوطنيّ:
تُطوّر كل دولةٍ نموذجها الوطنيّ وفق المعايير العربية المشتركة، مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والإدارية.

3️⃣ المستوى المؤسسيّ:
تُنفّذ الجهات الحكومية الأنظمة الوطنية ضمن بيئةٍ رقميةٍ موحّدةٍ تربط بين الأداء الفرديّ والمؤسسيّ.

4️⃣ المستوى التحليليّ:
يُدار عبر مركزٍ عربيٍّ لتحليل بيانات الأداء، يُقدّم تقارير مقارنةٍ سنويةٍ، ويُحدّد اتجاهات التطوير والفرص المشتركة بين الدول.

بهذا التدرّج، يُمكن للعالم العربيّ أن ينتقل من مرحلة “تبادل الخبرات” إلى مرحلة “التكامل الاستراتيجيّ”، ومن مرحلة “الممارسات المتفرقة” إلى مرحلة “المعايير العربية الموحّدة”.


🔹 ثامنًا: ملامح الرؤية العربية المستقبلية

الرؤية العربية الموحدة لإدارة الأداء يجب أن تُجسّد القيم التالية:

  • الهوية: انطلاق النظام من القيم العربية والإسلامية في العدالة والإتقان والمسؤولية.

  • المعرفة: اعتماد الأداء على البيانات والتحليل المؤسسيّ والذكاء الاصطناعيّ.

  • التمكين: جعل الموظف العربيّ محورًا للتحسين والابتكار لا موضوعًا للمحاسبة فقط.

  • التكامل: ربط الأداء بالتخطيط الاستراتيجيّ العربيّ في مجالات التعليم، والصحة، والاقتصاد، والتحول الرقميّ.

  • الاستدامة: تحويل الأداء إلى منظومةٍ متعلمةٍ تتطور باستمرارٍ عبر التقييم والتحسين المتواصل.


🔹 خلاصة المحور

إنّ بناء نموذجٍ عربيٍّ موحّدٍ لإدارة الأداء الوظيفيّ ليس مجرد فكرةٍ طموحةٍ، بل ضرورةٌ استراتيجيةٌ لتمكين العالم العربيّ من إدارة موارده البشرية بكفاءةٍ وتكاملٍ.
فالتجارب العربية، رغم تنوّعها، تسير في الاتجاه نفسه: العدالة، الشفافية، التمكين، التحول الرقميّ، والربط بالاستراتيجيات الوطنية.
إنّ جمع هذه الخيوط في منظومةٍ عربيةٍ واحدةٍ سيُحوّل الأداء من ممارسةٍ إداريةٍ إلى منظومةٍ حضاريةٍ لبناء الإنسان العربيّ المبدع القادر على قيادة التنمية.

إنّ الرؤية العربية الموحّدة لإدارة الأداء يمكن أن تكون بوابةً لعصرٍ جديدٍ من التكامل الإداريّ العربيّ، تُجسّد روح العروبة في التعاون، وتُحوّل الطاقات الفردية إلى طاقةٍ جماعيةٍ تصنع المستقبل.

حين تتوحّد معايير الأداء العربيّ، تتوحّد بوصلة الإتقان، ويتحوّل الأداء من أداةٍ للمساءلة إلى لغةٍ للنهضة.


🪞 الخاتمة التحليلية: من نظام الأداء إلى فلسفة الإتقان العربيّ


حين نُغلق هذا المقال الذي جاب بنا عبر محاور متعددة من التجارب، والنظم، والفلسفات، والتطبيقات، والتحولات المؤسسية في ميدان إدارة الأداء الوظيفيّ، ندرك أننا لا نقف أمام منظومةٍ إداريةٍ محدودةٍ بحدود اللوائح والقرارات، بل أمام فكرٍ حضاريٍّ متكاملٍ يُعيد صياغة علاقة الإنسان بعمله، والمؤسسة بمسؤوليتها، والدولة برسالتها تجاه مواطنيها.
لقد تحوّل مفهوم الأداء في الفكر الإداريّ العربيّ الحديث من كونه مجرّد أداةٍ للقياس إلى كونه مرآةً للهوية المؤسسية، ومن عمليةٍ تقنيةٍ إلى رحلةٍ إنسانيةٍ للتمكين والتعلّم والتحسين المستمرّ، ومن ممارسةٍ داخليةٍ إلى منظومةٍ استراتيجيةٍ لإدارة التنمية.

ولعلّ المملكة العربية السعودية كانت النموذج الأوضح في هذا التحول، حين نقلت إدارة الأداء من نطاق التقييم الوظيفيّ المحدود إلى منظومةٍ وطنيةٍ ذكيةٍ متكاملةٍ تتّسق مع رؤية 2030، لتجعل الأداء ليس عمليةً محصورةً في نهاية السنة، بل أسلوبًا يوميًا للحياة الإدارية، يربط بين الجهد الفرديّ والأثر الوطنيّ.
ومن حولها سارت دولٌ عربيةٌ أخرى، أبرزها الإمارات والبحرين والأردن ومصر، لتُشكّل معًا نواة نهضةٍ إداريةٍ عربيةٍ جديدةٍ ترى أنّ الأداء ليس معيارًا للمساءلة فقط، بل منهجًا للإصلاح، والتعلّم، وبناء القدرات البشرية.

إنّ جوهر هذه التجارب جميعًا يكمن في إدراك حقيقةٍ بسيطةٍ وعميقةٍ في آنٍ واحدٍ:
أنّ الإنسان حين يُقدّر ويُحفّز ويُمنح الثقة، يعمل بإتقانٍ، وحين يعمل بإتقانٍ تزدهر المؤسسة، وحين تزدهر المؤسسة تنهض الأمة.
فإدارة الأداء في حقيقتها ليست إدارة أرقامٍ، بل إدارة وعيٍ، وثقافةٍ، ومسؤوليةٍ، وروحٍ جماعيةٍ تُوحّد الجهود حول غايةٍ أسمى.


🔹 أولًا: التحول من النظام إلى الفلسفة

لقد كان نظام إدارة الأداء في بداياته أداةً لتنظيم العمل وضبط العلاقات بين الموظف والمدير، لكن مع تطوره في المملكة والعالم العربيّ أصبح فلسفةً إداريةً متكاملةً.
فلم يعد المقصود بـ “النظام” مجموعة نماذجٍ أو لوائحٍ، بل منظورًا فكريًا يحكم طريقة التفكير والسلوك داخل المؤسسة.
إنّ هذه الفلسفة الجديدة تقوم على أربع ركائز جوهريةٍ تُعيد تشكيل المفهوم الإداريّ العربيّ برمّته:

1️⃣ العدالة كقيمةٍ مؤسسيةٍ:
فلا أداء دون عدلٍ، ولا عدل دون وضوحٍ وشفافيةٍ، لأنّ العدالة هي ما يجعل الموظف يؤمن بالنظام، ويعتبره حَكمًا منصفًا لا سيفًا مصلتًا.

2️⃣ التمكين كمنهجٍ قياديٍّ:
حين يُصبح المدير قائدًا تطويريًا لا مراقبًا، والموظف شريكًا لا تابعًا، تتحول المؤسسة إلى منظومةٍ متكاملةٍ من العطاء والوعي الذاتيّ.

3️⃣ التحسين المستمرّ كغايةٍ وجوديةٍ:
فكل دورة أداءٍ ليست نهايةً، بل بدايةٌ لتعلّمٍ جديدٍ، وكل تقييمٍ ليس حكمًا، بل دعوةٌ للتحسين والنموّ.

4️⃣ البيانات كعقلٍ استراتيجيٍّ:
فالإدارة الحديثة تُبنى على ما يُقاس ويُحلّل، والقرار لا يُتخذ بالحدس، بل بالمعلومة الدقيقة التي تُحوّل التجربة إلى معرفةٍ، والمعرفة إلى قرارٍ، والقرار إلى تطويرٍ.

هذه الركائز الأربع تُحوّل الأداء إلى نظامٍ للوعي الإداريّ، يتجاوز حدود الوظيفة ليُصبح نمطًا في التفكير والتفاعل، يُعيد تعريف معنى الكفاءة والنجاح داخل المؤسسات العربية.


🔹 ثانيًا: الإنسان في قلب المنظومة

في جميع النماذج التي حلّلناها، يبرز الإنسان لا بوصفه موضوعًا للتقييم بل غايةً لكل جهدٍ إداريٍّ.
فالأنظمة الرقمية، والجدارات، والمؤشرات، والحوكمة، كلها وسائل لخدمة الهدف الأسمى: تمكين الإنسان العربيّ من أن يعمل بكرامةٍ وإتقانٍ، وأن يجد في عمله معنىً ورسالةً.

لقد خرجت إدارة الأداء في المملكة وغيرها من الدول المتقدمة في المنطقة من عباءة “إدارة الموارد البشرية” إلى فضاء “تطوير رأس المال البشريّ”، وهو تحوّلٌ دلاليٌّ عميقٌ يُعبّر عن رؤيةٍ جديدةٍ للإنسان العامل، ليس كتكلفةٍ ماليةٍ بل كقيمةٍ استراتيجيةٍ.
فالموظف لم يعُد يُقاس فقط بما يُنجزه من مهام، بل بما يُضيفه من معرفةٍ، وما يُقدّمه من سلوكٍ، وما يُلهمه من قيمٍ للآخرين.

وهذا التحول يُعيدنا إلى الجذر الإسلاميّ العميق في ثقافتنا الإدارية:
قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾،
وفي الحديث الشريف: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».
فالإحسان في العمل ليس خيارًا، بل فريضةٌ حضاريةٌ، وهو ما عبّرت عنه الأنظمة الحديثة بلغة المؤشرات والمعايير والجدارات.
وهكذا يتقاطع المبدأ الروحيّ مع المبدأ الإداريّ في رؤيةٍ واحدةٍ تُكرّس ثقافة الإتقان كمبدأٍ حضاريٍّ عربيٍّ أصيلٍ.


🔹 ثالثًا: من إدارة الأداء إلى إدارة المعرفة

لقد تجاوز النظام السعوديّ، ومعه النماذج العربية الحديثة، فكرة إدارة الأداء بمعناها الضيّق، ليُصبح جزءًا من منظومة إدارة المعرفة المؤسسية.
فكل تقييمٍ يُنتج بياناتٍ، وكل بياناتٍ تُحلّل فتُنتج معرفةً، وكل معرفةٍ تُستخدم فتُنتج تطويرًا مستدامًا.
إنّ هذه الدورة تجعل الأداء مصدرًا دائمًا للتعلّم التنظيميّ، حيث تُصبح المؤسسات العربية مدارسَ متكاملةً لإنتاج الكفاءة.

وإذا كانت الأنظمة السابقة تنظر إلى الأداء كحدثٍ يُغلق في نهاية العام، فإنّ الأنظمة الحديثة تراه سلسلةً معرفيةً لا تنقطع، لأنّ التحسين لا نهاية له.
هذا الفهم الجديد جعل إدارة الأداء تُغذّي مجالاتٍ أخرى كالتخطيط الاستراتيجيّ، وإدارة المواهب، وتخطيط القوى العاملة، وإدارة التغيير، وإدارة الجودة، حتى باتت “نظام الأداء” العصب الإداريّ الذي تتغذّى عليه جميع الأنظمة الأخرى.

ولعلّ هذا ما جعل الأداء في الفكر الإداريّ السعوديّ والعربيّ يتحوّل من “وظيفةٍ تنظيميةٍ” إلى “ثقافةٍ وطنيةٍ”، إذ بات الحديث عن الأداء مرادفًا للحديث عن الإتقان، والتميز، والتحسين، والتعلم، وهي مفردات النهضة في كل عصر.


🔹 رابعًا: التقاء القيم بالتحول الرقميّ

من أجمل مظاهر النضج في التجربة السعودية والعربية هو القدرة على الجمع بين التقنية والقيمة، بين التحول الرقميّ والتحول الأخلاقيّ، بين الذكاء الاصطناعيّ والضمير الإنسانيّ.
ففي الوقت الذي تبنّت فيه الأنظمة الحكومية أحدث تقنيات التحليل والبيانات والذكاء الاصطناعيّ، لم تنسَ أن الإنسان هو المحور، وأنّ التقنية وسيلةٌ لا غاية.
وهنا تتجلّى عظمة الرؤية التي ترى أن “الرقمنة لا تنجح ما لم تُعزّز العدالة، وأنّ الذكاء الاصطناعيّ لا يُثمر ما لم يُدار بذكاءٍ إنسانيٍّ قيميٍّ”.

لقد أصبح التحول الرقميّ في إدارة الأداء تجسيدًا حيًا للمعادلة الذهبية:

القيمة + التقنية = التمكين المستدام.
فكلما ازداد الوعي بالقيم المؤسسية ازدادت فاعلية التقنية، وكلما ازدادت الشفافية الرقمية ازدادت الثقة بين الإدارة والموظفين.
وهكذا تحققت المعادلة الصعبة التي تجمع بين “الصرامة في النظام” و“الرحمة في التطبيق”، بين “البيانات في الإدارة” و“الضمير في القرار”.


🔹 خامسًا: إدارة الأداء بوصفها مدرسة القيادة الحديثة

لقد أثبتت التجارب العربية أنّ إدارة الأداء هي المدرسة الكبرى لتشكيل القيادات المؤسسية الجديدة.
فالقائد اليوم لا يُقاس بما يملك من سلطةٍ، بل بما يصنعه من تأثيرٍ إيجابيٍّ في أداء فريقه.
ومن خلال نظام الأداء، تُكشف القدرات القيادية الحقيقية، لأنّ الأرقام لا تُجامِل، والسلوك لا يُخفي نفسه في بيئةٍ قائمةٍ على الشفافية الرقمية والتحليل السلوكيّ.

وهكذا أصبحت إدارة الأداء مختبرًا لإنتاج القادة، حيث تُقاس قدرتهم على التمكين، والتحفيز، والتطوير، والتواصل، وهي كلها مكونات القيادة الفعّالة.
كما أصبحت الجلسات التطويرية أداةً للتعلّم المتبادل بين المدير والموظف، ليُصبح التقييم “حوَارًا قياديًا” لا “حُكمًا إداريًا”.

وفي هذا التحول، نرى كيف تنتقل الإدارة العربية من ثقافة “القائد الموجّه” إلى ثقافة “القائد المدرّب”، ومن نموذج “السلطة الرأسية” إلى نموذج “المسؤولية التشاركية”، وهي نقلةٌ فكريةٌ عظيمةٌ تُعيد بناء القيادة على أساس الوعي والمشاركة.


🔹 سادسًا: نحو الوعي العربيّ الجديد في إدارة الأداء

إنّ التحولات الكبرى التي شهدناها في السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين لا تُعبّر عن تحديثٍ إداريٍّ فقط، بل عن بداية تشكّل وعيٍ عربيٍّ جديدٍ بالإدارة، وعيٍ يُدرك أن التنمية لا تُدار بالأوامر، بل بالأداء؛ وأنّ المستقبل لا يُبنى بالولاء وحده، بل بالكفاءة؛ وأنّ الإتقان ليس ترفًا تنظيميًا، بل شرطٌ حضاريٌّ للبقاء والريادة.

لقد انتقلنا من مرحلة “الإدارة الوصفية” إلى مرحلة “الإدارة التحليلية”، ومن مرحلة “المحاسبة الفردية” إلى “التحسين المؤسسيّ”، ومن مرحلة “الاجتهاد البشريّ” إلى “التحليل الذكيّ”.
وهذا الوعي الجديد يُبشّر بولادة عصرٍ عربيٍّ جديدٍ في الإدارة، يجعل الأداء ليس فقط وسيلةً لتحقيق الأهداف، بل مقياسًا لنضج الحضارة العربية في إدارتها للإنسان والعمل والمعرفة.


🔹 سابعًا: إدارة الأداء كهويةٍ حضاريةٍ عربيةٍ

في نهاية المطاف، يمكن القول إنّ إدارة الأداء في صيغتها العربية الحديثة أصبحت أحد تجليات الهوية الحضارية العربية المعاصرة.
فهي تستمد من تراثنا قيم الإحسان والعدل والاتقان، وتستفيد من العلم الحديث أدوات التحليل والقياس والتحسين.
إنها جسرٌ بين الأصالة والمعاصرة، بين الإرث القيميّ والابتكار الإداريّ، بين روح العدل الإسلاميّ ومنهج العلم التجريبيّ الحديث.

هذه الهوية المزدوجة هي ما يُعطي النموذج العربيّ تفرّده، لأنها تجعل الأداء رسالةً حضاريةً قبل أن يكون نظامًا إداريًا.
ففي كل جلسة تقييمٍ، وفي كل تغذيةٍ راجعةٍ، وفي كل مؤشّر أداءٍ، ينبض الوعي بأنّ العمل عبادة، والإتقان قيمة، والإنسان أمانة، والمؤسسة مسؤولية.


🔹 ثامنًا: المستقبل – من الأداء إلى التميّز المستدام

حين ننظر إلى الأفق القادم، نجد أن المرحلة التالية لتطور إدارة الأداء العربية هي مرحلة التكامل الشامل بين الأداء والتميّز.
فالنظام الذي يقيس، ويحلّل، ويطوّر، سيُصبح قريبًا نظامًا يتعلّم ذاتيًا، ويتنبّأ بالاحتياجات، ويقترح التحسينات دون تدخلٍ بشريٍّ مباشرٍ، بفضل الذكاء الاصطناعيّ والتحليل التنبّؤيّ.

لكنّ السؤال الجوهريّ ليس في التقنية، بل في القدرة على الحفاظ على البُعد الإنسانيّ في خضم الرقمنة.
وهنا تكمن مسؤولية القادة والمفكرين العرب: أن يجعلوا من إدارة الأداء الرقمية منظومةً أخلاقيةً معرفيةً تُكرّس العدالة، وتحفّز الإبداع، وتُعيد الثقة بين الإنسان والمؤسسة.

إنّ المستقبل العربيّ لإدارة الأداء هو مستقبلُ إتقانٍ لا مراقبةٍ، وتمكينٍ لا تقييدٍ، وابتكارٍ لا روتينٍ، وتعلّمٍ لا تكرارٍ.
ومتى استقرت هذه القيم في أنظمة الأداء، فإنّ العالم العربيّ لن يكون مجرد متلقٍ للنظريات الإدارية الغربية، بل منتِجًا للنماذج الجديدة التي تُلهم العالم وتُعيد للإنسان مكانته في قلب الإدارة.


🔹 الخلاصة الفكرية

إنّ إدارة الأداء في المملكة العربية السعودية والعالم العربيّ ليست نهاية الإصلاح الإداريّ، بل بدايته الكبرى.
لقد أسّست لوعيٍ جديدٍ يجعل الأداء لغة الإصلاح، والمعرفة أداة القيادة، والعدالة قانون التطوير، والإنسان مركز التغيير.

إنها ليست مجرد عمليةٍ تُدار عبر النماذج، بل فلسفةٌ تُبنى عبر القيم، وليست نظامًا يُنفّذ في الإدارات، بل وعيًا يُغرس في العقول.
ومتى استقرّ هذا الوعي، فإنّ الأداء لن يكون مهمةً حكوميةً، بل ثقافةً وطنيةً، وروحًا عربيةً جديدةً تعيد للأمة بوصلة الإتقان.

فحين يُصبح الأداء مرآةً للقيم، والتقنية أداةً للعدالة، والإتقان سلوكًا يوميًا، عندها فقط تُولد النهضة من رحم الإدارة، ويُعاد للعالم العربيّ دوره الرياديّ في بناء الإنسان المبدع والمؤسسة المتقنة والمجتمع الراقيّ.


✍🏻 التوثيق

📢 يسعدني أن يُعاد نشر هذا المحتوى أو الاستفادة منه في التدريب والتعليم والاستشارات،
ما دام يُنسب إلى مصدره ويحافظ على منهجيته.

✍🏻 هذه الإضاءة من إعداد:
د. محمد العامري
مدرب وخبير استشاري في التنمية الإدارية والتعليمية،
بخبرةٍ تمتدّ لأكثر من ثلاثين عامًا في التدريب والاستشارات والتطوير المؤسسي.

📲 للمزيد من الإضاءات والمعارف النوعية،
ندعوكم للاشتراك في قناة د. محمد العامري على الواتساب عبر الرابط التالي:

🔗 https://whatsapp.com/channel/0029Vb6rJjzCnA7vxgoPym1z

🌐 تصفّح المزيد من المقالات عبر الموقع:
👉 www.mohammedaameri.com


🏷️#إدارة_الأداء_الوظيفي #Performance_Management #التحول_الرقمي #Digital_Transformation #د_محمد_العامري #مهارات_النجاح #التميز_المؤسسي #Institutional_Excellence #حوكمة_الأداء #Performance_Governance #إدارة_الموارد_البشرية #Human_Resources_Management #الجدارات_السلوكية #Behavioral_Competencies #التحسين_المستمر #Continuous_Improvement #الذكاء_الاصطناعي #Artificial_Intelligence #رؤية_السعودية_2030 #Saudi_Vision2030 #التمكين_القيادي #Leadership_Empowerment #القيادة_بالأداء #Leading_by_Performance #الثقافة_التنظيمية #Organizational_Culture #التنمية_الإدارية #Administrative_Development #رأس_المال_البشري #Human_Capital #الهوية_العربية #Arab_Identity #التكامل_الإداري #Administrative_Integration

تحميل محتوى الصفحة رجوع