د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

الدافعية Motivation

لعلك لاحظت يوماً إسراع الناس في الذهاب إلى أعمالهم ومصالحهم اليومية؛ وربما سألت نفسك عن السبب في هذا كله. إنها "الدافعية".

January 3, 2024 عدد المشاهدات : 2984

مقدمة:
لعلك لاحظت يوماً إسراع الناس في الذهاب إلى أعمالهم ومصالحهم اليومية؛ فهذا مزارع يهرع إلى حقله بعد صلاة الفجر؛ وهذا عامل يحمل فأسه ومجرفته ويقف متأهباً لإجابة أي مناد؛ وهذا طالب يحمل حقيبة مليئة بالكتب متجهاً إلى مدرسته بنشاط وحيوية، وآخر يتهادى في مشيته ببطء شديد. وربما سألت نفسك عن السبب في هذا كله. وقد تكون توصلت إلى أن أحد أهم الأسباب يكمن في ما يسميه الناس العاديون والعلماء على حد سواء "الدافعية". فما هي هذه الدافعية؟ وما فوائدها للإنسان؟ وما هي أبرز الدوافع التي تحرك سلوك الإنسان؟ وكيف يفسر العلماء هذه الدافعية وما رأيهم فيها؟ كل هذه التساؤلات سوف نجيب عنها في هذا الفصل المخصص للدافعية؛ ولكن عليك أولاً أن تعرف أن الناس يستعملون مصطحلحات أخرى لهذا المفهوم قريبة منه ولها المعاني نفسها والدلالات ذاتها. ومن أهم المصطلحات التي يستعملها الناس مرادفات للدافعية مصطلحات الحافز، والباعث، والحاجة، والرغبة، والعزيمة، والحماس، والتشويق.

نشاط (1)
1- هل تستطيع أن تفكر بمصطلحات أخرى لها نفس المعنى؟ 
2- هل تستطيع أن تميز في المعنى بين هذه المصطلحات أو بين بعضها بعضاً؟ 

أولاً: تعريف الدافعية: 

الدافعية مفهوم افتراضي

لابد أولاً أن تتذكر أن الدافعية مفهوم افتراضي، بمعنى أن العلماء (والآخرون على حد سواء) يستنتجونه من الآثار التي يتركها في السلوك الملاحظ للناس. فعندما ترى شخصاً يقبل على عمله بحماس شديد ويستمتع أثناء قيامه به تدرك أن دافعية هذا الشخص للقيام بهذا العمل دافعية مرتفعة. وعندما تلاحظ طالباً يقبل بنهم على حل مسائل الرياضيات دون أن يتذمر أو تظهر عليه أمارات الملل تعرف أن هذا الطالب يتمتع بدافعية عالية لحل مسائل الرياضيات. وعندما ترى شاباً يتهرب من حضور المحاضرات في الجامعة، ويأتي كل يوم بعذر مختلف لغيابه وإذا حضر يكون شبه نائم وكثير التثاؤب ودائم النظر إلى ساعته تعرف فوراً أن هذا الطالب لا دافعية عنده لحضور المحاضرات، وأنه ربما يفضل الخروج على الجلوس والاستماع للمدرس، إذن هذا هو المقصود بقولنا أن الدافعية مفهوم افتراضي، فأنت لا ترى "الدافعية" في الناس، وإنما تستدل على وجودها وعلى مستوياتها من ملاحظة ما يقوم به هؤلاء الناس من أعمال. 
ومن الملاحظ في هذا السياق أنه ما من أحد يخلو من شكل ما من أشكال الدافعية، ولكن هذه الأشكال تختلف من شخص إلى آخر في النوع والدرجة. فالمعلم مثلاً يجد من بين الطلاب الذين يدرسهم طلاباً يهتمون بالمادة الدراسية والتحضير الجيد للامتحانات والحصول على علامات عالية فيها. ويجد كذلك طلاباً آخرين مهتمين بالرياضة ومتفوقين في التربية الرياضية ومشاهدة الألعاب الرياضية أو المشاركة فيها ويعملون ليلاً ونهاراً حتى يطوروا فريق كرة القدم المحلي. وقد يكون في الصف طلاب آخرون لا يهتمون بالرياضة ولا بالمواد الأكاديمية وإنما ينصب اهتمامهم على العلاقات الاجتماعية مع زملائهم ومع المعلمين.

تفكير ناقد 
فكر ملياً واكتب النشاطات التي تحبها وتستمع بها واعرف بالتالي أين تتوجه دافعيتك! انظر إلى الجدول التالي وقرر مدى دافعيته للتعلم والمعرفة. 

ويمكن للمعلم (أو حتى للطالب نفسه) أن يحدد مستوى الدافعية عند الطلاب، (أو عنده هو) وذلك من خلال المؤشرات التالية الملخصة في الجدول التالي: (Ormrod, 1995).
الجدول التالي "صفات الطلبة ذوي الدافعية العالية للتعلم"

"صفات الطلبة ذوي الدافعية العالية للتعلم"
الطلاب ذوو الدافعية العالية: 
- سعداء ومتحسمون في المواقف التعليمية. 
- ينتبهون للمعلم/ للمعلمة وللواجبات المطلوبة منهم. 
- يبدأون بحل الواجبات المطلوبة منهم فوراً ودون تباطؤ. 
- يعملون على حل الواجبات وحدهم دون أن يذكرهم المعلم بذلك.
- يتطوعون لعمل الواجبات التي تخرج عن نطاق العمل الصفي.
- يختارون مهاماً تتحدى قدراتهم حتى لو لم ينجحوا فيها في البداية. 
- يثابرون على إنجاز الأهداف الصعبة وحل المشكلات المستعصية. 
- يستفيدون من أخطائهم ويعتبرون أن الأداء غير الكامل هو الأمر الاعتيادي في العملية التربوية. 
- يحاولون جاهدين أن يحسنوا من مستوى أدائهم. 
- يعملون بجد حتى عندما لا تكون المهمة جزءاً من العلامة النهائية. 
- يظهرون نمطاً متسقاً من الأداء المرتفع. 

إن للدافعية، بهذا المعنى، علاقة بالقدرة (ability) ولكن القدرة تشير إلى ما يستطيع الواحد منا أن يفعله أو ما يمكنه القيام به (What he can do)، في حين تشير الدافعية إلى ما يرغب الواحد منا فعله أو القيام به (What he wants to do)، ولا شك أن ما يريد الإنسان أن يفعله يحدد إلى درجة معقولة مقدار نجاحه أو فشله ومقدار تحقيقه للأهداف. 

الدافعية تختلف من شخص إلى آخر في النوع والدرجة. 

وبالرغم من تعدد التعريفات التي اقترحها الباحثون للدافعية، فإن التعريف الذي يلقي أكبر قدر من القبول بين العلماء هو التعريف التالي الذي اقترحه تايلور وزملاؤه منذ وقت بعيد (Taylor, et. al, 1982): 
الدافعية: عملية، أو سلسلة من العمليات، تعمل على إثارة السلوك الموجه نحو هدف وصيانته والمحافظة عليه؛ وإيقافه في نهاية المطاف. 
ويرى بارون (Baron, 1974a) أن الدافعية تشير إلى عمليات داخلية تعمل على إثارة السلوك الإنساني وتوجيهه والمحافظة عليه. وهو تعريف لا يختلف في شيء عن التعريف الذي أورده تايلور وزملاؤه؛ فهما تعريفان يمكننا من خلالهما الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بـ لماذا؟ 
إن فهمنا للدافعية يمكننا في نهاية المطاف من فهم الفروق بين الناس الطموحين وغير الطموحين، وفهم أسباب وآليات تنظيم الوزن، وطبيعة الإثارة الجنسية، وغيرها من القضايا الإنسانية المهمة ويمكن القول بنوع من الثقة إن الدافعية هي التي تفسر سبب تصرف الناس وتفكيرهم وشعورهم بالطريقة التي فعلوها، ويكون السلوك المدفوع في هذه الحالة سلوكاً مشحوناً بالطاقة، وموجهاً، ويصمد لفترة معقولة من الزمن. كما أن الدافعية هي التي تحدد متى سوف يتوقف سلوك معين عن الظهور والاستمرار (Santrock, 2003).

الدافعية عمليات داخلية تعمل على إثارة السلوك وتوجهه وتحافظ على استمراريته.

الدافعية تشير إلى ما يرغب الواحد منا في فعله.

 الدافعية لها هدف وغرض. 

هناك من ينظر إلى الدافعية نظرة تتكون من ثلاثة عناصر هي التنظيم الذاتي، والحفاظ الذاتي والتصويب أو التصحيح الذاتي أما التنظيم الذاتي فيعني المحافظة على الجسم في أفضل صورة ممكنة وهي صورة الاتزان الحيوي (homeostasis). والحفاظ الذاتي يعني المحافظة على حياة الإنسان وبقائه وبالتالي حمايته من المخاطر النفسية والمادية التي تهدد بقاءه ويمكن أن تنهي حياته. والتصويب الذاتي هو إعادة     الاتزان الحيوي ميل الجسم إلى بعض التوازن أو الحالة الثانية بناء ما يهدم وتصحيح الأخطاء وإصلاح ما يحدث من تدمير. ويلاحظ من هذه النظرة إلى الدافعية أن لها هدفاً وغرضاً؛ لكن الدافعية لا تضمن أن يتحقق ذلك الهدف من خلال السلوك الإرادي المقصود. 
كما يرى بعض العلماء أن الدافعية تتضمن عملية أساسية تشترك فيها كافة الكائنات الحية (الحيوان والإنسان)، ألا وهي المحافظة على معلوماتها الوراثية من خلال عملية التكاثر. وبذلك يكون الهدف النهائي للدافعية هو المحافظة على حياة الكائن الحي وصحته وقدرته على التكاثر وتزويده بما يلزم للمحافظة على الجيل القادم حتى يستمر في الحياة ويتابع العملية ذاتها. ومن خلال هذه النظرية إلى الدافعية فإن الرجل والمرأة مثلاً يبحثان عن صفات مختلفة في شريك الحياة المناسب لكل منهما. فالرجال يركزون على صحة المرأة وجمالها وشبابها وحيويتها؛ في حين تبحث النساء عن الصفات التي تجعل من الرجل مصدراً يمكن الاعتماد عليه في رعاية الأطفال الذين سوف ينجبونهم لاحقاً (Petri and Gover, 2004).

تفكير ناقد 
تأمل تعريف تايلور وزملائه وتعريف بارون للدافعية. قارن بينهما، وحاول أن توحد بينهما إن أمكن. 

ويمكن النظر إلى أشكال متعددة من الدوافع الإنسانية؛ فهناك الدوافع التي يمكن تفسيرها وفهمها أفضل ما يمكن من خلال العوامل والأسس البيولوجية للسلوك، وهناك دوافع أخرى تفسر وتفهم من خلال الأسس السلوكية والتعلم؛ وهناك نوع ثالث يمكن فهمه     الهدف النهائي للدافعية هو المحافظة على استمرارية حياة الكائن الحي. 
وتفسيره من خلال الأسس المعرفية والعقلية وهكذا. 
فالدافعية إذن مصطلح نستخدمه عندما نصف القوى التي تؤثر في سلوكنا فتعمل على بدء السلوك وتوجيهه، كما نستخدمه لتفسير الفروق في شدة السلوك؛ بحيث تكون المستويات الشديدة من السلوك مؤشرات على مستويات عليا من الدافعية. وتستخدم الدافعية كذلك للدلالة على استمرارية السلوك ومقاومته للانطفاء، فالسلوك المدفوع بقوة سوف يستمر في الحدوث حتى عندما لا يكون شديداً أو قوياً جداً. 
والدافعية بهذا المعنى مفهوم مهم جداً؛ فهو يبين لنا لماذا يسلك شخص بطريقة معينة في موقف ما ولا يسلك بالطريقة ذاتها في موقف آخر؛ إذ ربما كان التفسير المقبول هو أن الدافعية تكون موجودة في الحالة الأولى وغير موجودة (أو على الأصح تنشط دافعية أخرى غيرها) في الحالة الثانية. 
وعندما قام بعض العلماء (Kleinginna & Kleinginna, 1981) بجمع أكثر من 100 تعريف أو عبارة تصف الدافعية، توصلوا إلى أن هناك اختلافات كبيرة بين علماء النفس حول هذا المفهوم الافتراضي، ولكن رغم هذه الاختلافات فإن العلماء يتفقون على قواسم مشتركة مثل خاصية الإثارة Activation والتنشيط، التي تتمثل بشكل أساسي في حدوث السلوك الظاهر (مع أن توفره لا يضمن وجود الدافعية، ففي كثير من الأحيان لا يكون السلوك الذي تثيره الدافعية سلوكاً ظاهراً بل قد يكون سلوكاً ضمنياً أحياناً). والخاصية الثانية هي الاستمرار والمثابرة Persistence والتي يعتبرها بعض العلماء المؤشر الأقوى على وجود الدافعية مع أن استمرار السلوك يعتمد غالباً على أنواع السلوك البديل المتوفر للإنسان. فكلما توفر له استجابات بديلة فإن استمرارية السلوك ستكون أضعف، وتزيد هذه الاستمرارية بالطبع كلما كان السلوك هو الوحيد في الموقف دون وجود سلوكات منافسة، كذلك فإن قوة الاستجابة وشدتها Vigor تعد مؤشراً آخر على وجود الدافعية؛ مع أن الاستجابات القوية لا تعني بالضرورة دافعية أعلى، لأن قوة الاستجابة قد تكون مرتبطة بمستوى التعلم السابق وليس بالدافعية وحدها. ويرى بعض الباحثين أن خاصية التوجيه Directionality هي الجانب الأهم من الدافعية. فعندما نكون جائعين نتوجه فوراً إلى الثلاجة ولكن إذا كنا عطشانين فإننا نتوجه إلى مكان الماء، فما الذي جعلنا نختار نشاطاً معيناً مختلفاً في الحالتين؟ إنه اختلاف الأجهزة أو الأنظمة المسؤولة عن توجيه السلوك في الحالتين.

نافذة رقم (1) 
ثمة خصائص مشتركة بين أنواع السلوك المدفوع؛ من هذه الخصائص أنها ذات هدف، وأنها تختلف من وقت إلى آخر ومن فرد إلى فرد بفعل تأثير عوامل بيولوجية (داخلية) واجتماعية (خارجية) (Kalat, 2002). 

ثانياً: وظائف الدافعية وفوائدها: 
تسهم الدافعية في تسهيل فهمنا لبعض الحقائق المحيرة في السلوك الإنساني. إن وجود مصطلحات مثل الحاجة والقيمة والحافز والطموح والرغبة (وهي كلها مصطلحات تتعلق بالدافعية) لابد منه لفهم هذه الحقائق والقضايا النفسية.

خصائص الدافعية: 
1- الإثارة والتنشيط. 
2- الاستمرار والمثابرة 
3- التوجيه. 

ويمكن القول بشكل عام أن الدافعية مهمة لتفسير عملية التعزيز وتحديد المعززات وتوجيه السلوك نحو هدف معين، والمساعدة في التغييرات التي تطرأ على عملية ضبط المثير (تحكم المثير بالسلوك) والمثابرة على سلوك معين حتى يتم إنجازه. 
فعندما نقوم بسلوك ما، فإن هذا السلوك يتبعه عدد من المثيرات بعضها له وظيفة تعزيزية وبعضها لا يعمل على تعزيز ذلك السلوك، والدافعية هي التي تقدم لنا تفسيراً معقولاً لذلك. فإذا كان المثير الذي يتبع السلوك يشبع حاجة معينة لدى الإنسان، كان ذلك المثير معززاً، وإذا لم يشبع حاجة معينة عند الإنسان فإنه يحدث دون أن ينتبه له الإنسان أو حتى دون أن يأبه به (Davis, 1984). 
كذلك فإننا نتصرف عادة أثناء حياتها اليومية وكأننا نتقدم نحو مكان ما (أي أن سلوك الإنسان هادف) فقد نجلس على طاولة وقتاً معيناً، ونتناول ورقة وقلماً ونكتب صفحة أو أكثر ونضعها في مغلف ثم نضع عليه طابعاً بريدياً ونرسله بالبريد. لا شك أن كل هذه الأفعال قد حدثت ونظمت بسبب وجود هدف عند الإنسان، ولولا الدافع العالي لتحقيق هذا الهدف لما حدث ذلك كله. 
إن الموقف الواحد من المثيرات قد يقود أحياناً إلى سلوك معين في بعض الحالات وليس في حالات أخرى، فقد نهتم بمنظر الطعام أحياناً ولا نهتم به أحياناً أخرى، وقد يزور بعض الناس معرضاً فنياً عدة مرات لأنهم مهتمون بالفن (لديهم دافعية عالية للفن)، ولا يزوره أشخاص آخرون سوى مرة واحدة (أو لا يزورونه إطلاقاً) بسبب تدني مستوى الدافعية للفن عندهم.
كما أن الدافعية تلعب الدور الأهم في مثابرة الإنسان على إنجاز عمل ما؛ وربما كانت المثابرة (وهي الوقت الذي يصرفه الإنسان في عمل ما أو نشاط ما) من أفضل المقاييس المستخدمة في تقدير مستوى الدافعية عند هذا الإنسان. إن الدافعية بهذا المعنى تحقق أربع وظائف رئيسة هي كالآتي كما يرى أورمورد (Ormord, 1995): 
1- الدافعية تستثير السلوك. فالدافعية هي التي تحث الإنسان على القيام  بسلوك معين، مع أنها قد لا تكون السبب في حدوث ذلك السلوك، وقد بين علماء النفس أن أفضل مستوى من الدافعية (الاستثارة) لتحقيق نتائج إيجابية هو المستوى المتوسط، ويحدث ذلك لأن المستوى المنخفض من الدافعية يؤدي في العادة إلى الملل وعدم الاهتمام، كما أن المستوى المرتفع عن الحد المعقول يؤدي إلى ارتفاع القلق والتوتر فهما عاملان سلبيان في السلوك الإنساني. وقد أوضح بعض علماء النفس العلاقة بين هذين المتغيرين بأن هناك علاقة غير خطية وغير متوازية بين مقدار الجهد والإنجاز وبين مستوى الإثارة عند الإنسان؛ بل إن العلاقة بينهما هي على النحو الذي أشرنا إليه سابقاً. 
2- الدافعية تؤثر في نوعية التوقعات التي يحملها الناس تبعاً لأفعالهم ونشاطاتهم؛ وبالتالي فإنها تؤثر في مستويات الطموح التي يتميز بها كل واحد منهم. والتوقعات بالطبع على علاقة وثيقة بخبرات النجاح والفشل التي كان الإنسان قد تعرض لها، كما أنها تتأثر بطبيعة المهمة التي يكون الإنسان بصدد القيام بها؛ والضغوط الاجتماعية والمادية والنفسية التي يتعرض لها. 
3- الدافعية تؤثر في توجيه سلوكنا نحو المعلومات المهمة التي يتوجب علينا الاهتمام بها ومعالجتها، وتدلنا على الطريقة المناسبة لفعل ذلك. إن نظرية معالجة المعلومات ترى أن الطلاب الذين لديهم دافعية عالية للتعلم ينتبهون إلى معلميهم أكثر من زملائهم ذوي الدافعية المتدنية للتعلم (والانتباه كما نعلم مسألة ضرورية جداً لإدخال المعلومات إلى طلب المساعدة من الآخرين إذا احتاجوا إليها. وهم أكثر جدية في محاولة فهم المادة الدراسية وتحويلها إلى مادة ذات معنى بدلاً من التعامل معها سطحياً وحفظها حفظاً آلياً (الصم). 
4- الدافعية – بناء على ما تقدم من وظائف – تؤدي إلى حصول الإنسان على أداء جيد عندما يكون مدفوعاً نحوه. ومن الملاحظ في هذا المجال (مجال التعليم) على سبيل المثال أن الطلبة المدفوعين للتعلم هم أكثر الطلاب تحصيلاً وأفضلهم أداء. 
يتضح من العرض السابق أن للدافعية فوائد جمة يمكن إيجازها فيما يلي؛ توجيه السلوك الإنساني نحو أهداف معينة، وزيادة الجهود والطاقة المبذولة نحو تحقيق هذه الأهداف، وزيادة المبادأة والمبادرة إلى النشاط والاستمرار فيه، وتنمية معالجة المعلومات وتقويتها، وتحديد التوابع المعززة للسلوك، والمساعدة في تحقيق أداء جيد. 

نشاط رقم (2) 
1- يقال أن الدافعية فرضية نفسر بموجبها السلوك. هات أمثلة من هذا السلوك وبين كيف تفسر الدافعية كلاً منها. 
2- هل يمكن لمعرفتنا بالدافعية أن تمكننا من ضبط السلوك والتنبؤ به؟ 

ثالثاً: تصنيفات الدافعية: 
بناء على التحليلات المختلفة للسلوك فقد أمكن تحديد أنواع من الدافعية مصنفة إلى ثنائيات كما يلي (Petri & Govern, 2004): 
1- الدافعية العامة/ الدافعية الفردية: 
تشير الدافعية العامة إلى القوانين والمبادئ العامة المجردة أو العالمية فيما يتعلق بالدافعية. ومن الأمثلة على ذلك الدراسات التي تحاول تحديد دور البنى الدماغية (مثل الهايبوتلاموس) المتعلقة بالدافعية. فقد أثبتت هذه الدراسات أن الهايبوتلاموس له دور مهم في الدافعية عند كافة الفئران (وكذلك الإنسان) وليس عند فأر واحد بعينه (أو إنسان واحد بعين). أما التحليل الفردي للدافعية فيركز على الاختلافات الموجودة بين الناس، ويدرس السمات التي تجعل من الشخص إنساناً متفرداً؛ وهو أكثر وضوحاً في النظريات الإنسانية التي تركز على تحقيق الذات باعتباره دافعاً إنسانياً.
2- الدافعية الفطرية/ الدافعية المكتسبة: 
في الوقت الذي نظر فيه العلماء القدامى إلى الدافعية باعتبارها محكومة بقوى داخلية فطرية أسموها الغرائز (Instincts) فإننا نرى العلماء المحدثين (وخاصة حوالي النصف الثاني من القرن الماضي) ركزوا في دراساتهم على السلوك المكتسب وعلى دور التعلم في الدافعية. ولعل أشهر ما توصل إليه هؤلاء العلماء هو طرحهم لفكرة دافعية الحافز (Incentive Motivation). 
3- الدافعية الميكانيكية/ الدافعية المعرفية: 
يرى بعض الباحثين أن هناك دوافع (مثل الجوع والعطش والجنس) تستثار بشكل آلي ميكانيكي عن طريق إحداث تغييرات في بعض العوامل مثل مستوى السكر في الدم أو توازن السوائل في الجسم، أو مستوى تركيز الهرمونات. وفي مقابل ذلك ترى بعض النظريات أن عمليات الدافعية هي ذات طبيعة معرفية عقلانية – هذه النظرة إلى الدافعية تعتقد أن الطريقة العقلية التي نفسر بها المعلومات المتوفرة لنا تؤثر في الحالات الدافعية، فمثلاً عندما يعزو الطالب فشله في مادة دراسية إلى صعوبة تلك المادة، فإن دافعيته المستقبلية سوف تتأثر بشكل مختلف عن شخص يعزو فشله في تلك المادة إلى نقص في قدرته العقلية. 
4- الدافعية الداخلية/ الدافعية الخارجية: 
إن النظرة إلى الدافعية على أنها داخلية ترتكز على افتراض أن دوافع الإنسان تحركها حاجات (Needs)، وأن هذه الحاجات عندما تنشط تقود إلى سلوكات من شأنها أن تخفض هذه الحاجات، أما الدافعية الخارجية فترى أن مصادر الدافعية تكمن أساساً في الأهداف التي يسعى الفرد إلى تحقيقها، وأن الدافعية يمكن أن تستثار عن طريق تغيير الظروف البيئية والاجتماعية المحيطة بالفرد. 
ويقصد بالدافعية الداخلية إقبال الإنسان على العمل ذاتياً ولأسباب وعوامل في الإنسان نفسه كأن يكون لديه تصميم كبير وعزيمة قوية على إنجاز عمله، أو لأسباب وعوامل في العمل نفسه كأن يكون العمل ممتعاً أو يساعد في تطوير مهارة يعتبرها الشخص     الغريزة: سلوك نمطي، فطري (غير متعلم) وشائع بين جميع أفراد النوع. 
مهمة لحياته وسعادته، أو أن يكون العمل هو الشيء الصحيح من وجهة نظر الشخص مما يدفعه إلى القيام به. أما الدافعية الخارجية فتعني القيام بالمهمة أو العمل لعوامل وأسباب خارجة عن الشخص أو المهمة كأن يسعى الشخص للحصول على مكافأة مالية، أو الحصول على علامة مرتفعة في الامتحان أو اكتساب شهرة وسمعة طيبة بين الناس. 
ولا شك أن الدافعية الداخلية هي الدافعية الأفضل وترتبط بنشاط وحماس أكبر في إنجاز المهمات المختلفة. فالأشخاص المدفوعون داخلياً يكونون في العادة أكثر مثابرة وإصراراً على إنجاز المهمات ولا سيما الصعبة منها، ويقومون بذلك طوعاً دون إكراه     إن الطريقة العقلية التي تفسر بها المعلومات المتوفرة تؤثر في حالة الدافعية. 
ويظهرون رغبة أكيدة على التعلم في الصف الدراسي. أما الطلبة المدفوعون خارجياً فهم بحاجة ماسة إلى التحايل والمداراة بشكل مستمرة ولا يهتمون إلا بالحد الأدنى من المتطلبات التي يمليها عليهم وجودهم في الصف. وهناك بعض الإجراءات التي تحسن من مستوى الدافعية الداخلية عند الطلاب وعند الناس بشكل عام؛ ويمكن تلخيص هذه الإجراءات في الآتي: (Ormrod, 1995)
- التركيز على تقديم تغذية راجعة تبين الجوانب القوية في أداء الطالب وكيف يمكن أن يحسنها ويطورها في المستقبل. 
- وصف القوانين والقيود باعتبارها ظروفاً تسهل تحقيق الأهداف الصفية أكثر من كونها محاولات لضبط سلوك الطلاب الصفي والتحكم به.
- التوضيح المستمر أن بعض النشاطات والمهام، حتى وإن كانت غير ممتعة بحد ذاتها، مهمة للطلاب على المدى البعيد وهي تشكل أهدافاً ذات فائدة للطلاب في حياتهم اللاحقة. 
- التقليل من الاعتماد على الدافعية الخارجية (مثل المكافآت والعلامات والحوافز) كوسيلة للتشجيع على القيام بالمهام المطلوبة من الطلاب.

- ربط المادة الدراسية بحاجات الطلاب الراهنة والمستقبلية، والتركيز على اهتماماتهم ورغباتهم الحالية. 
- تشجيع الطلاب على الاستفادة من أخطائهم واستعمالها بشكل بناء.     

- تركيز انتباه الطلاب على الأهداف التعلمية أكثر من الأهداف الأدائية. 

المحرك Deive حالة من الاستثارة تحدث بسبب حاجة فسيولوجية. 

الحاجة: حاجة حرمان تنشط المحرك لزيادة شدة الحرمان أو تخفضها.
الدافعية الداخلية تعتمد على عوامل داخلية من قبل: التحدي، الجهد، الفضول. 

نافذة رقم (3) 
ثمة ثلاث قضايا تشغل الباحثين في مجال الدافعية: 
1- إلى أي درجة نحن مدفوعون بالعوامل البيولوجية، غير المتعلمة، الفطرية في مقابل العوامل المتعلمة والتي تعتمد على الخبرة؟ 
2- إلى أي درجة نحن نعي ما الذي يدفعنا؟ 
3- إلى أي درجة نحن مدفوعون بعوامل داخلية أو خارجية؟ (Santrock, 2003). 

رابعاً: بعض الدوافع الأساسية: 
والآن سوف نستعرض معاً بعض الدوافع المهمة في حياة الإنسان، والتي تتحكم بشكل كبير في حياته وحركاته وسكناته. 
النوم: Sleep
يرى كثير من الناس أن النوم حالة منخفضة جداً من الإثارة، بل هو حالة من غياب السلوك، ولكن الشخص الذي تمر عليه فترة طويلة بلا نوم يدرك أن النوم يمكن أن يكون دافعاً قوياً جداً يتغلب حتى على دافع الجوع أو الجنس. ويذهب بعض الباحثين (مثلاً Carlson, 2001) إلى أن النوم ليس حالة وإنما نوع من السلوك الذي ننغمس فيه ثلث حياتنا تقريباً. كما أن أدمغتنا تنشغل بنشاط مشابه لنشاط اليقظة أثناء بعض مظاهر عملية النوم. ومع أننا نعرف الكثير عن النوم هذه الأيام، إلا أن أسبابه ما زالت غامضة، وقد وجد أن الحرمان من النوم يزيد من تقبل الإنسان للإيحاء (Suggestitility) أما الحرمان الكامل من النوم (عند الفئران مثلاً) فإنه يؤدي إلى موت الفئران، ربما بسبب ما يحدثه من تغيرات جذرية في نظام المناعة لديها. 
ينام معظم الناس 7 – 8 ساعات فقط دون أن يتعرضوا لأية آثار مرضية. ومن الناحية المنطقية فإن الإنسان ينام لأنه يتعب رغم أن هذا التفسير ليس صحيحاً دائماً. فلو أننا ربطنا شخصاً في السرير 24 ساعة فإنه لن ينام أكثر مما لو كان حراً طليقاً ونشيطاً. بينما يرى بعض الباحثين أننا ننام عندما تصل كفاءتنا إلى أدنى مستوى لها، وأن النوم يحمينا من القيام بنشاط ما عندما تكون كفاءتنا متدنية، ويدعم هذا الرأي رأي آخر مفاده أن النوم عملية تكيفية بمعنى أنه يحمي الإنسان من الاستجابة في أوقات الخطر أو الأوقات غير الضرورية. 
ويبدو أن النوم – حسبما ترى البحوث الحديثة – يتأثر بعاملين اثنين: العامل الأول هو عملية الاتزان الحيوي (Homeostasis) التي تزيد احتمالات انشغالنا بالنوم كلما زادت فترة اليقظة، والعامل الثاني هو الإيقاع اليومي (Circuldian Rhythm) الذي يقرر وقت صحونا. إن النوم بهذا المعنى التكيفي ضروري لكافة الحيوانات، مع اختلاف حاجاتها إلى مدة النوم. فإذا كان الحيوان مفترساً فإنه ينام فترات طويلة، ولكن إذا كان من الحيوانات المعرضة للافتراس فإن نومه يكون قليلاً (Petri & Govern, 2004). 
إن مقدار النوم عند الإنسان يتناقص مع تقدمه بالعمر – فكلما تقدم عمر الإنسان قلت الساعات التي يحتاجها للنوم، كما يوضحها الجدول:

جدول العلاقة بين عمر وعدد ساعات النوم عند الإنسان 

العمر ساعات النوم/ اليوم
3 أيام 14 – 16
5 سنوات 11
20 7

 ويبقى السؤال المهم في هذا المجال هو كيف ننام؟ يبدو أن النوم يداهمنا بالتدريج، أي أننا ننزلق ببطء نحو النوم. فنحن نتحرك من الصحو إلى النوم بحركة تدريجية تنقلنا إلى المرحلة الأولى فالمرحلة الثانية من النوم. فعندما أوقظ أشخاص قبل وصولهم المرحلة الثانية من النوم ذكر أكثر من نصفهم أنهم لم يناموا. ويتم تحديد مراحل النوم عن طريق التغيرات في نمط التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) (انظر الفصل الثالث) فما هي مراحل النوم؟ 
مراحل النوم: إن نشاط موجات ألفا يميز اليقظة المسترخية (Relaxed wakefulness) التي تسود قبل المرحلة الأولى من النوم. وفي المرحلة الأولى تنشط موجات سريعة وغير منتظمة، ثم بعد مرور حوالي ربع ساعة على المرحلة الأولى تبدأ المرحلة الثانية التي تتميز بوجود فترات قصيرة من الدوران ومركبات يطلق عليها مصطلح مركبات "ك" (K – Complexes) أما في المرحلة الثالثة فتبدأ موجات جديدة في الظهور تسمى موجات دلتا، وهي موجات كبيرة وبطيئة وتغطي حوالي 50% من وقت هذه المرحلة. وعندما تزيد هذه الموجات عن 50% من الوقت يقال أن الإنسان دخل في المرحلة الرابعة من النوم التي تبدأ عادة بعد مرور حوالي 30 – 45 دقيقة من بداية النوم. ثم بعد مرور وقت قصير على بداية المرحلة الرابعة تظهر صور التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) عودة إلى المرحلة الثالثة فالمرحلة الثانية وبعدها مباشرة تقفز إلى المرحلة الخامسة، وهي مرحلة تختلط فيها موجات "ثيتا" و"دلتا" و"ألفا" وتبدأ عيون الشخص النائم تتحرك بسرعة تحت الجفون، وهي حركات تسمى حركة العين السريعة (Rapid Eye Movement) أو اختصاراً REM وهذه المرحلة هي التي تحدث فيها غالبية الأحلام. 
أما المراحل الأربعة الأولى من النوم فتسمى (NREM) أي المراحل التي لا تحدث فيها حركة العين السريعة، وتتميز كلها بنوم بطئ الموجات. ويرى بعض الباحثين أن هذه المراحل الأربعة من النوم تزود الجسم بفرصة لإعادة بناء مصادر طاقته. ونحن نعلم أن المرحلة الرابعة على الأقل تتناقص مع تقدم الإنسان بالعمر، فتنحدر بشكل حاد عند سن الثلاثين وربما تختفي كلياً عند سن الخمسين، وهذه المراحل هي التي يحدث فيها الشخير (الصوت أثناء النوم). ويرى الباحثون في النوم أن مراحل النمو تتوزع على الوقت الكلي للنوم بنسب متفاوتة. فالمرحلة الأولى تغطي 50% من الوقت الكلي؛ بينما تغطي المرحلة الثانية نصف الوقت تقريباً (أي حوالي 50%) أما المرحلة الثالثة فتغطي 6%، والرابعة 14% من وقت النوم. وتستمر المرحلة الخامسة وهي مرحلة الحركات السريعة للعين (REM) حوالي ربع الوقت (أي 15%) من الوقت الذي يقضيه الإنسان نائماً.
وظائف النوم: 
ما زال فهمنا لوظيفة النوم من الأمور المحيرة؛ لكن يبدو منطقياً أن من وظائف النوم الوظيفية التجديدية. فهناك اعتقاد بأن المرحلة الثالثة والرابعة من النوم على الأخص تساعدان في تركيب وتكامل مركبات كيميائية مثل البروتينات وحمض RNA، كما أن المرحلة الخامسة من النوم تجدد وظائف الانتباه والعاطفة. وقد وجد بعض الباحثين أن جزءاً كبيراً من هذه المرحلة يحدث في العادة بعد أيام مليئة بالقلق والتوتر والتعلم المكثف. فالنوم (خاصة المرحلة الخامسة منه) يساعدنا في التعايش مع المواقف الضاغطة في الحياة والتعامل مع البيئة بكفاءة أكبر بعد أن نستيقظ منه. 
كما يرى بعض الباحثين أن النوم (والمرحلة الخامسة على وجه الخصوص) مرتبط بتنظيم الدماغ. والدليل على ذلك هو أن هذه المرحلة تتناقص مع تقدم الإنسان بالعمر، مما يشير إلى أنها تعمل كمصدر داخلي للإثارة وتساعد بطريقة ما على ضبط الدماغ عند الطفل الصغير ضبطاً صحيحاً. وهذا يدل على أن المرحلة الخامسة من النوم عند الراشدين ما هي إلا نظام لا وظيفي؛ أي أنها نظام لا يخدم أي هدف حقيقي رغم وجودها الفعلي. 
لكن باحثين آخرين اقترحوا أن النوم (وخاصة مرحلة الحركات السريعة للعين) يخدم كأداة لبرمجة دماغ الإنسان. فالمواد التي نتعلمها أثناء اليقظة تندمج معاً، وتغير النظام الموجود في الدماغ أثناء هذه المرحلة، أي أنه خلال النوم يتم تغيير البرامج وإعادة تنظيمها بناء على المعلومات الجديدة التي يتلقاها الدماغ، وبالطبع فإن جزءاً من هذه البرمجة يتطلب تخزين المعلومات الجديدة في مواقعها المناسبة.
واقترح فريق ثالث من العلماء أن مرحلة الحركات السريعة للعين قد يكون لها علاقة بتثبيت الذكريات، فهم يعتقدون أن الأحلام (التي تحدث عادة في هذه المرحلة) تعمل على نقل المواد من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى. وفي هذا السياق تعمل العواطف عمل المؤشر أو العلاقة التي تحدد الذكريات التي سوف تخزن المعلومات الجديدة معها وترتبط بها، ووجد باحثون آخرون في هذا الصدد أن النوم والأحلام يرتبطان جزئياً بتخزين المعلومات الترابطية المعقدة، وأن استدعاء مثل هذه المعلومات يكون أفضل بعد فترات من النوم العميق (يعني المرحلة الخامسة) أكثر من فترات النوم غير العميق أو فترات اليقظة. 
الأحلام (Dreams): 
ربما كانت الأحلام أكبر مؤشر على وجود المرحلة الخامسة من النوم سواء عند الإنسان أم عند الحيوان، ومع أن هناك عدم اتفاق بين العلماء حول إمكانية وجود الحلم عند الحيوان، إلا أن بعضهم يؤكد وجوده عند الحيوانات الراقية كالقردة والكلاب. وبالنسبة للإنسان يبدو أن كل الناس يحلمون، ويمكن الكشف عن ذلك ببساطة من خلال وصلهم بجهاز (EEG) الذي يقيس حركة العيون إلى جانب حركة العضلات؛ ذلك أن الإنسان أثناء الحلم يكون في حالة أشبه بالشلل المؤقت (Petri & Govern, 2004). 
ويبدو أن الإنسان العادي يقضي حوالي 100 دقيقة كل ليلة وهو يحلم ونحن لا نتذكر معظم الأحلام إلا إذا استيقظنا مباشرة بعد الانتهاء منها، كما أن مدى وضوح الحلم يؤثر في مدى ما نتذكره منه. وقد أشارت البحوث إلى أن معظم الأحلام تكون قصيرة رغم أن بعضها قد يطول إلى ساعة كاملة، كما أن معظمها يحدث في مواقف وسياقات يومية عادية دون أن يرافقها عواطف جياشة أو انفعالات مخيفة.
ويرى الباحثون أن الأحلام التي تحدث في بداية النوم تكون حول حوادث حدثت في اليوم السابق، بينما ترتبط الأحلام المتأخرة بالذكريات المخزنة، كما ذكر الباحثون أن قدرة الإنسان على تذكر الحلم تتناقص مع تقدمه بالعمر، فقد أشارت دراسة مثلاً إلى أن الشباب أقدر على تذكر أحلامهم من كبار السن، كما أن محتوى الأحلام يختلف باختلاف العمر؛ فأحلام الكبار تكون أقل عدوانية ومودة وعاطفة من أحلام الشباب. وربما كان ذلك كله (محتوى الأحلام والقدرة على تذكرها) مرتبطاً باختلاف فترة الحركة السريعة للعين الذي أشرنا إليه سابقاً (أي أن مرحلة الحركة السريعة للعين تقل مدتها كلما زاد عمر الإنسان).
ويقترح بعض الباحثين المحدثين (انظر مثلاً Domhof f, 2001, p. 13) نظرية معرفية عصبية للأحلام، يرى فيها أن الأحلام "إنجاز معرفي تطوري يعتمد على نضج شبكات معينة من بني الدماغ الأمامي. وترى هذه النظرية أنه يمكن تفسير الأحلام من خلال مبدأين: مبدأ الاستمرار (Continuity Principle) الذي يفسر الحلم باعتباره استمراراً لما يحدث أثناء  اليوم من نشاط، ومبدأ التكرار (Repetition Principle) الذي يفسر ظهور شخصيات بعينها أو مواقف وتفاعلات بذاتها مرات ومرات في الأحلام على مر السنين وتعاقب العقود. 
وفي الوقت الذي تشير فيه بعض البحوث (والمنطق العام) إلى أن آثار الحرمان من النوم تكون في الغالب سلبية؛ إلا أنها قد تكون أحياناً نافعة عند بعض الناس الذين يعانون الاكتئاب – فقد وجد أن حرمان المكتئبين من النوم لمدة ليلة واحدة قد يترك آثاراً إيجابية عليهم ويخفف من حدة اكتئابهم؛ لكن ماذا عن حرمان الإنسان العادي من الحلم؟
يرى بعض الباحثين أن حرمان الإنسان من الأحلام يؤدي إلى أن أصبح هذا الإنسان قلقاً وغير قادر على التركيز، وبذلك يكون للحلم علاقة بصحة الإنسان النفسية، رغم أن هذه الفكرة ما زالت مثار جدل بين الباحثين وليست مدعومة بقسط وافر من البحوث. ويمكن أن يحدث الحرمان من الحلم أو من مرحلة الحركة السريعة للعين كلياً نتيجة تناول بعض العقاقير أو تناول الكحول. وعندما يحدث ذلك وينتهي مفعولها في نهاية المطاف، فإن الحركة السريعة للعين تعود إلى الظهور من جديد وبشكل أقوى من ذي قبل؛ وهي ظاهرة تعرف بعودة الحركات السريعة للعين (REM Rebound) ويكون هذا الظهور الجديد عادة مصحوباً بالكوابيس، وربما يستمر إلى بضعة أسابيع. 
ومع أننا نعرف الآن أموراً كثيرة عن خصائص النوم والأحلام، لكننا ما زلنا نجهل الكثير عن أنظمة الدماغ المسؤولة عنهما. لكن البحوث تشير إلى أن بعض الأعضاء في جذع الدماغ والدماغ الأمامي لها وظيفة خاصة ومهمة في تلك النشاطات. (انظر الفصل الرابع).

تفكير ناقد
حاول أن تتبصر تجربتك الشخصية مع النوم، لتفسير ما يحدث معك بإحدى النظريات التي عرفتها عن النوم.

الجوع (Hunger): 
يعتقد كثير من الناس أن من أبرز المؤشرات على الجوع تقلصات المعدة؛ وهذا أمر صحيح، لكن الثابت الآن أن المعدة كذلك ترسل إشارات إلى الدماغ تبلغه بضرورة التوقف عن الأكل، وليس فقط الاستمرار فيه. كما أن مستوى السكر في الدم يعد مؤشراً على وجود الجوع أو عدمه؛ ربما لأن الدماغ يعتمد على السكر بشكل أساسي في طاقته. وهناك مجموعة من مستقبلات السكر متمركزة في الدماغ نفسه وتطلق إشارات دالة على الجوع عندما ينخفض معدل السكر في الدم، كما أن هناك مجموعة ثانية من هذه المستقبلات موجودة في الكبد وهو العضو الذي يخزن الفائض من السكر ويطلقه في الجسم حسب الحاجة، والعامل الثالث المهم المتعلق بالجوع هو هرمون الأنسولين الذي يعمل على تخزين السكر الفائض في الدم على شكل خلايا دهنية أو كاربوهيدرايت – إن حقن الإنسان بالأنسولين يتسبب في جوع شديد لأنه يخفض مستوى السكر بشكل جذري (Santrock, 2003). 

نشاط رقم (3) 
1- بين الأسس الفسيولوجية للجوع، وطبيعة سلوك الأكل. 
2- بين العوامل المسؤولة عن الإفراط في الأكل. 

 

تفكير ناقد
قيم فوائد ومضار (الرجيم) تخفيف الوزن. 

إن هذه العوامل التي تحدثنا عنها حتى الآن هي عوامل هامشية (تقلصات المعدة، مستوى السكر، هرمون الأنسولين)، لكن الدماغ أيضاً له علاقة بالجوع؛ فهناك منطقة في "الهيبوتلاموس" تلعب دوراً مهماً في ضبط الجوع، فإذا تلفت هذه المنطقة أو أزيلت بالجراحة مثلاً يصبح الحيواون شرهاً جداً مما يؤدي إلى سمنة مفرطة، مما دفع العلماء إلى الاعتقاد بأن هذه المنطقة هي مركز التشبع (Satiety Center)، ويمكن القول باختصار أن الدماغ يتحكم بمستوى السكر في الدم وبظروف المعدة ويعمل على تكامل المعلومات في عملية تنظيم الجوع من خلال منطقة الهايبوتلاموس المشار إليها. 
وإضافة إلى هذه العوامل، فإن هناك عوامل خارجية ومعرفية لها علاقة بالجوع، فمنظر الطعام مثلاً أو رائحته أو شكله كلها عوامل قد تسهم في الإقدام على الطعام بنهم أو شراهة، وربما كان هذا هو الفارق المهم بين الناس العاديين والناس البدينين. فالناس العاديون يتأثرون بالمؤشرات الداخلية (السكر والمعدة)، أما الناس البدينون فينتبهون أكثر للمؤشرات الخارجية، لذا فإنه إذا أردنا تخفيف الوزن فإن علينا الانتباه لهذه العوامل وعدم السماح لها بجرنا إلى الأكل الزائد عن الحد، إضافة إلى التمارين الرياضية التي تحرق الطاقة الزائدة، وضبط نوعية المأكولات والمشروبات التي نتناولها ولا سيما المأكولات والمشروبات ذات السعرات الحرارية العالية. فمثلاً حفنة من رقائق البطاطا تحتوي على مئات السعرات الحرارية ولا تشبعك، كما أن علينا عدم تناول الطعام إلا عندما نكون جائعين، فنحن نأكل في الغالب بسبب العادات حتى عندما لا نكون جائعين، وفي هذه الحالات يستحسن أن نأكل قطعة من الفاكهة أو كوباً من الشاي أو القهوة لأنها تحتوي على مواد تخفف من حدة الشهية للأكل. 
كما أن تناول الماء بدلاً من المشروبات الغازية أثناء تناول الطعام يخفف من الوزن؛ إن كل كوب من هذه المشروبات الغازية يحتوي على (200) سعر حراري على الأقل، وما عليك إذا أردت أن تخفف وزنك إلا أن تتجاهل كافة الإعلانات التجارية أو ترتشف رشفات من الماء كلما شعرت بالعطش، وأخيراً وليس آخراً عليك تجنب الإغراءات التي تنبعث من رائحة الطعام الشهي أو منظره بأن تبقى بعيداً عن مكان وجود هذه الأطعمة. 
العدوان: الدافع الأكثر خطورة 
إن دافع العدوان – وهو الرغبة في إيقاع الأذى على الآخرين – يلعب دوراً مهماً في السلوك الإنساني، ففي عام 1992 مثلاً وحده حدثت 6.621.140 جريمة في الولايات المتحدة، وهناك حالة اغتصاب كل خمس دقائق وحالة اعتداء كل 28 ثانية، كما يقوم عدد لا بأس به من الناس قتل أحد أقاربهم (الزوج أو الزوجة أو أحد الأولاد)، وقد يتساءل المرء عن أسباب هذا  الدافع، فهل هو أمر فطري لا يمكن تجنبه، أم أنه مكتسب ويمكن تلاشيه؟ يرى بعض العلماء (مثل فرويد ولورنز) أن الإنسان يملك نزعة فطرية لإيذاء الآخرين ويمكن ملاحظة ذلك من آثار الحروب على الإنسان، لكن هناك علماء آخرون لا يعتقدون بهذه الفكرة، بل يرون أن العدوان مثله مثل بقية الدوافع تسببه عوامل بيئية كثيرة، وربما كان تفسير ذلك يكمن في التفاوت الكبير في معدلات العدوان تبعاً للمجتمع، أي أن العدوان يتأثر بعوامل اجتماعية وثقافية حتى لو كانت جذوره عوامل فطرية حتمية، وعندما بحث العلماء في العوامل التي تؤثر في العدوان أمكن تلخيص أبرزها كما يلي: 
1- العوامل الاجتماعية: غالباً ما يكون السبب في الغضب الذي نتعرض له "وفقدان الأعصاب" كما يقولون نقاش مع شخص آخر، أي هو تفاعل اجتماعي، مما يسبب الإحباط للشخص الأول. وقد أكد العلماء في هذا المجال أن الإحباط هو السبب المباشر في حدوث العدوان، ومع أن العلماء قد طرحوا فرضية في هذا السياق تدعي فرضية الإحباط – العدوان، إلا أن الإحباط ليس إلا عامل واحد فقط وهو ليس العامل الأهم، بل هناك عوامل أهم منه، فشعور المرء بالظلم يثير لديه مشاعر العدوان أكثر من الإحباط، كذلك فإن تعرض الإنسان إلى إهانات لفظية أو جسمية (Provocation) يثير عند الشخص الثاني ردة فعل معاكسة مما يولد دائرة من العدوان – والعدوان المعاكس والتي قد لا تنتهي بسهولة، كذلك فإن التعرض للعدوان في وسائل الإعلام – التلفزيون والسينما وغيرها، يزيد من احتمالات حدوث العدوان عند المشاهدين من خلال التعلم بالملاحظة والتقليد. 
2- الغيرة الجنسية: هناك دلائل متزايدة تشير إلى أن من أسباب العدوان (وخاصة اعتداء الأزواج على زوجاتهم) ما يسمى الغيرة والتي تشير إلى تهديد مرتقب للعلاقة الرومانسية من طرف شخص منافس، فعندما يشعر الزوج أن علاقته قد أفسدها شخص آخر ينافسه على حب زوجته سوف يمتلئ حنقاً ويعتدي بالأذى الكبير على زوجته أو على من نافسه فيها أو على الاثنين معاً. 
وقد دلت نتائج البحوث العلمية في هذا الشأن على أن هناك فروقاً في مدى تأثير هذه الغيرة بين الرجال ووالنساء، فعندما سئل مئات من طلبة إحدى الجامعات الأوروبية عما سيفعلونه إذا علموا أن من يحبونه على علاقة حالية مع شخص آخر غيره، وجدت فروق واضحة بين استجابات الإناث واستجابات الذكور في هذا الصدد، فقد أشارت الإناث إلى أنهن سوف يقمن باستجابات عدوانية لفظية أو جسمية أو بالبكاء وطلب توضيح حول سبب ذلك؛ أما الذكور فقد أشاروا إلى أنهم سوف يعمدون إلى الشرب (شرب الكحول) .

ومهما كان التفسير العلمي المقدم لتفسير هذه الظاهرة، فإن الأمر الواضح يبقى أن الغيرة الجنسية على ما يبدو من العوامل المهمة التي تؤجج الغضب عند الجنسين كليهما، وتؤدي بالتالي إلى قيامهما بالسلوك العدواني. 
وبالإضافة إلى ذلك فإن الهرمونات الذكورية وخاصة الهرمون المسمى تيستوسيرون Testosterone يلعب دوراً مهماً في إثارة العدوان، وإن تخفيض مستوى هذا الهرمون عند الذكور الذين يتميزون بالعنف الشديد يؤدي إلى انخفاض مستوى العدوان عندهم. كما أن هناك مجموعة من العوامل البيئية التي تؤثر في مستوى العدوان، فقد وجد أن الظروف البيئية الفيزيائية كارتفاع درجة الحرارة مثلاً أو بيئة الصخب والفوضى والإزعاج الصوتي كلها ترفع مستوى العدوان. 

نشاط رقم (4)  
1- لماذا يرفض معظم علماء النفس وجهة النظر القائلة بأن العدوان ناتج عن عوامل فطرية؟ 
2- ما أهم العوامل الاجتماعية المؤدية إلى العدوان؟ 
3- ما أهم العوامل البيئية المثيرة للعدوان؟ 

الألم: Pain
يحدث الألم عادة عندما يتعرض الجسد للأذى. وتكمن الفائدة من الألم في أنه يخبرنا أننا أصبنا بأذى في منطقة ما، فنبتعد عن السلوك الذي كنا نقوم به مما يعطي العضو المصاب وقتاً للشفاء، ولكن الألم لا يكون دائماً متناسباً مع حجم الأذى؛ فكلنا يعلم مدى الألم الذي يسببه كسر أحد الأسنان رغم أن ذلك يبدو أمراً تافهاً. وقد اقترح ميلزاك وول Melzack & Wall عام 1965 نظرية في الألم ما زالت مؤثرة حتى اليوم. كان الاعتقاد السائد قبل ذلك أن الألم ينتج من رسائل ترسلها مستقبلات الألم إلى الدماغ فيحدث الشعور بالألم، ولكن مليزاك ووول اعتقدا أن إدراك الألم أكثر تبايناً وأكثر قابلية للتعديل مما يظن كثير من الناس. فمثلاً يرى 65% من الأشخاص الذين يجرحون في المعارك أنهم لا يتألمون عندما يحضرون إلى المستشفى الميداني أثناء الحروب، بينما يروي أكثر من 80% من المدنيين المصابين بنفس الجروح أنهم يتألمون وأنهم بحاجة إلى علاج لتخفيف الألم، كما أن من المعروف أن الرياضيين المحترفين (كالملاكمين ولاعبي كرة القدم) يستمرون في اللعب حتى بعد أن يصابوا بجروح ولا يشعرون أنهم يتألمون. مثل هذه الأمثلة أدت إلى الاعتقاد بعدم وجود علاقة بسيطة ومباشرة بين شدة الإصابة ومقدار الألم الذي يشعر به الشخص (Petri & Govern, 2004). 
كما أثبت ميلزاك وول أن انتباه الإنسان للموقف المؤلم يزيد من إدراكه للألم، وبناء على ذلك فقد اقترحا نظرية في الألم أطلقا عليها نظرية ضبط بوابة الألم Gate Control Theory، حيث افترضا دوراً للعمليات الدماغية العليا في ضبط الشعور بالألم، واقترحا وجود نظام في الحبل الشوكي يقوم بتنظيم مقدار المعلومات التي تصل إلى الدماغ حول الألم، وقد وجد حديثاً أن هناك مناطق أخرى في الدماغ لها علاقة بتنظيم الألم، وهذه المناطق بشكل خاص هي مناطق الثلاموس والجهاز الحشوي والقشرة الحسية السوماتية Somatosensory Cortex كما يبدو أن المادة الرمادية الموجودة في جذع الدماغ مهمة في خفض الألم الناتج عن التخدير الباطني. 
خامساً: بعض الأنواع المهمة من الدافعية: 
لا شك أن الدوافع الأساسية البيولوجية كالجوع والعطش والنوم والألم وغيرها هي دافع ذات أهمية بالغة للمحافظة على بقاء الإنسان واستمرار حياته. لكن هناك دوافع أخرى لا تقل أهمية عنها وهي ليست مرتبطة بالنواحي البيولوجية عند الإنسان، بل ارتباطها أشد بالنواحي النفسية والنواحي الاجتماعية، ومن بين هذه الدوافع: دافعية الإنجاز، والدافع المعرفي، ودافعية الكفاءة، والدافع إلى تحقيق الذات، ودافعية عزو أفعالنا وسلوكنا إلى أسباب معينة.
دافعية التحصيل (الإنجاز) Achievement Motivation
هذا الدافع هو من الدوافع الخاصة بالإنسان، ربما دون غيره من الكائنات الحية الأخرى، وهو ما يمكن تسميته بالسعي نحو التميز والتفوق. والناس يختلفون في المستوى المقبول لديهم من هذا الدافع، فهناك من يرى ضرورة التصدي للمهام الصعبة والوصول إلى التميز، وهناك أشخاص آخرون يكتفون بأقل قدر من النجاح، وتقاس دافعية الإنجاز عادة باختبارات معينة من أشهرها اختبار تفهم الموضوع (TAT) الذي يتطلب من الناس أن يستجيبوا لثلاثين صورة تحتمل كل منها أكثر من تفسير، وتحلل إجاباتهم ويستخرج منها مستوى الإنجاز عند المستجيب، كما يمكن قياس دافعية الإنجاز من خلال المواد المكتوبة (كالمقالات والكتب والخطب) دونما حاجة إلى صور غامضة كما في حالة (TAT). 
وهناك فروق بين ذوي دافعية الإنجاز المنخفضة والمرتفعة، فقد بينت نتائج البحوث في هذا المجال أن ذوي الدافعية المرتفعة يكونون أكثر نجاحاً في المدرسة، ويحصلون على ترقيات في وظائفهم وعلى نجاحات في إدارة أعمالهم أكثر من ذوي الدافعية المنخفضة، كذلك فإن ذوي الدافعية العالية يميلون إلى اختيار مهام متوسطة الصعوبة وفيها تحد، ويتجنبون المهام السهلة جداً لعدم توفر عنصر التحدي فيها، كما يتجنبون المهام الصعبة جداً (ربما لارتفاع احتمالات الفشل فيها). ومن الخصائص الأخرى المميزة لذوي الدافعية المرتفعة أن لديهم رغبة قوية في الحصول على تغذية راجعة حول أدائهم؛ وبناء على ذلك فإنهم يفضلون المهام والوظاظئف التي تبنى فيها المكافآت على الإنجاز الفردي. ولا يرغبون في العمل بوظائف تتساوى فيها كافة رواتب الموظفين (Ormrod, 1995). 
هذا وقد وجدت بعض البحوث حول علاقة دافعية الإنجاز بالاقتصاد الوطني في عدد كبير من الدول (أكثر من 41 دولة من دول العالم)، أن هناك علاقة طردية بين الاقتصاد الوطني والنمو الاقتصادي وبين مستوى دافعية الإنجاز عند مواطني هذه الدول، فكلما ارتفع مستوى دافعية الإنجاز عند المواطنين ظهر تحسن واضح في النمو الاقتصادي في هذه البلدان.

تفكير ناقد
قيم دافعية التحصيل لديك، إن كانت دافعيتك منخفضة فكر كيف تنميها. 

الدافعية المعرفية: Cognitive Motivation
"أنا أفكر، إذن أنا سعيد". إن هذه الدافعية تشير إلى مقدار سعادتك واستمتاعك أثناء القيام بأشكال من السلوك التفكيري. الناس الذين لديهم هذا الدافع بمستوى مرتفع يحبون حل الألغاز، وقراءة الكتب والمجلات التي تعالج موضوعات معقدة، والقيام بنشاطات تتطلب قدرة على الاستدلال وحل المسائل الحسابية أو إعداد البرامج الحاسوبية، ومن المهم هنا أن نفهم أن هذا لا علاقة له بالذكاء، ولكن قد يكون لهذا الدافع علاقة متوسطة ربما مع التحصيل الأكاديمي في المدارس والمعدل التراكمي في الجامعات، ويمكنك أخذ فكرة عن مستوى هذا الدافع لديك من خلال الإجابة عن الأسئلة العشرة الآتية في الجدول وفقاً لسلم الإجابة التالي: 

  • إذا كانت العبارة لا تنطبق عليك إطلاقاً – درجة واحدة 
  • إذا كانت العبارة يصعب تحديد انطباقها أو عدم انطباقها عليك – 3 درجات 
  • إذا كانت العبارة في غالبية الأحيان تنطبق عليك – 4 درجات.
  • إذا كانت العبارة تنطبق عليك تماماً – 5 درجات 

(ملاحظة: تعكس الدرجات في حالة الفقرات: 2، 3، 6، 8، 10) 
جدول رقم مقياس الدافع المعرفي عند الإنسان

الرقم  العبارة التقدير
1- أحب المواقف التي تتطلب قدراً كبيراً من التفكير.  
2-  التفكير ليس من هوايات وتسلياتي المفضلة.  
3-  أفضل عمل الأشياء التي تتطلب قدراً بسيطاً من التفكير على تلك التي تتطلب قدراً كبيراً منه.  
4- استمتع حقاً بالمهام التي تتضمن التوصل إلى حلول جديدة للمشكلات.  
5-  أحب أن أحل الألغاز.  
6-  أفكر فقط بالمقدار المطلوب مني.  
7-   أشعر برضا كبير بعد إكمال مهمة تتطلب كثيراً من الجهد الذهني.  
8- تعلم طرق جديدة في التفكير لا يهمني كثيراً.  
9-  أحب التفكير في القضايا المجردة.  
10- أفضل المشاريع اليومية قصيرة المدى على المشاريع طويلة المدى.  

  والآن ما عليك إلا أن تجمع الدرجات التي حصلت عليها، فإذا كانت أعلى من (40) درجة فإنك تكون من ذوي الدافعية المعرفية العالية، وإذا كانت درجتك أقل من (20) فإنك تكون من ذوي الدافعية المعرفية المنخفضة. 
وبالإضافة إلى أثر هذا الدافع في التحصيل المدرسي الأكاديمي، فإن له علاقة قوية بعمليات الاتصال الإقناعية التي يتعرض لها الإنسان من الدعايات التجارية أو الخطب السياسية أو المنظمات الاجتماعية والخدمات العامة. إن الناس ذوي الدافعية المعرفية العالية يركزون عند سماع أو قراءة هذه النصوص الاتصالية على نوعية المناقشات المقدمة فيها – مثلاً درجة المنطق في المناقشات، ومدى الدعم العلمي لها وهكذا. أما الأشخاص ذوو الدافعية المعرفية المنخفضة فيركزون على عوامل أخرى مثل مصدر الرسالة المعروضة ومدى جاذبية هذا المصدر. كذلك فإن الناس مرتفعي الدافعية المعرفية يقضون معظم أوقاتهم في التفكير بالعالم من حولهم ومحاولة اكتشاف حلول للمشكلات التي تنتشر في هذا العالم، بخلاف ذوي الدافعية المعرفية المنخفضة الذين لا يهتمون كثيراً بهذه الأمور.

تفكير ناقد
قارن بين الدافعية المعرفية ودافعية التحصيل.

دافعية الكفاءة: Competence Motivation
أدرك العلماء في خمسينات القرن الماضي أن دافعيتنا تتضمن أكثر من مجرد السعي إلى خفض الحاجات البيولوجية كالجوع والعطش والجنس والنوم. واقترح بعضهم وجود دافعية أطلق عليها اسم دافعية الكفاءة، وتشير أساساً إلى سعينا للتعامل مع البيئة بكفاءة وفاعلية، ومعالجة المعلومات بشكل فاعل، وجعل العالم مكاناً أفضل مما هو عليه، واقترح هؤلاء أننا نقوم بذلك لأن لدينا دافعاً داخلياً للتفاعل بنجاح مع البيئة التي نعيش فيها. 
وقد وجد العلماء الذين أجروا بحوثاً لإثبات هذه الدافعية أن الحيوانات تقوم بمهام تهدف إلى حصولها على شيء من المتعة كرؤية القرد لدمية قطار تتحرك، أو أن طلبة الجامعة كانوا يحرمون من الحواس في إحدى الدراسات لفترة طويلة (حوالي 3 أيام) فكانوا ينسحبون من التجربة مع أنهم كانوا يحصلون على نقود مقابل اشتراكهم فيها، وقد وجد أن الأشخاص الذين يشتركون في هذه التجربة لفترات طويلة تتولد لديهم مشاعر الملل والقلق والإثارة الشديدة مما يدفعهم إلى التخلص من الموقف (Goodwin & Klausmeier, 1975; Santrock, 2003)
ولكن باحثين آخرين أثبتوا أن الفترة التي يقضيها هؤلاء "معزولين" عن العالم الخارجي من حولهم تترك آثاراً إيجابية عليهم، وتكون مفيدة جداً أحياناً. فقد قام هؤلاء الباحثون بسلسلة من التجارب من النوع الذي يجلس فيه الشخص في صهريج ماء كبير طافياً على سطح الماء المالح دون أن يسمع أي حركة أو صوت سوى صوت أنفاسه، لمدة 55 دقيقة ثم تتسرب موسيقى إلى داخل الصهريج المعتم لتعلن نهاية الجلسة، وأطلق على مثل هذه الجلسات التجريبية مصطلح العلاج بالإثارة البيئية المقيدة (Restricted Environmental Stimulation Therapy) (REST) وقد أدت هذه الجلسات إلى انخفاض ضغط الدم عند مرضى تصلب الشرايين، وتحسين الأداء الرياضي، وتنمية التفكير الإبداعي، وتخفيف الألم المزمن، ويفسر الباحثون ذلك بأن حياتنا هذه الأيام مليئة بالإثارة الزائدة والمطالب الكثيرة، مما يعني أن الهروب منها يحسن من أحوالنا بشكل جذري.

تفكير ناقد
حلل أهداف دافعية الكفاءة. وبين كيف تشجع عليها؟ 

دافعية تحقيق الذات Self – Actualization: 
طور إبراهام ماسلو A. Maslow نظرية في الدافعية تؤكد سعي الإنسان للوصول إلى أقصى ما تمكنه منه قدراته، متضمنة دوافع أخرى إلى جانب هذا الدافع الرئيس، والنظرية تأخذ الإنسان كاملاً بالاعتبار: أي أن الدوافع البيولوجية (مثل دافع الجنس على سبيل المثال) يمكن أن تخدم حاجات فسيولوجية إلى جانب الحاجات النفسية (كالحاجة إلى الانتماء والتقدير ... إلخ). ويفرق "ماسلو" بين الأهداف بعيدة المدى والأهداف الفورية أو السطحية للسلوك الإنساني، معتقداً أن الدافع الأساسي البعيد المدى لكل السلوك الإنساني هو تحقيق الذات. 
أدت الملاحظات العلمية التي قام بها "ماسلو" إلى اعتقاده بوجود هرمية من الحاجات الإنسانية (Hierarchy)، بحيث يتوجب على الإنسان إشباع الحاجات الدنيا في الهرم قبل الحاجات العليا. ومع ذلك فلم ينظر إلى هذه الهرمية على أنها جامدة لا يمكن تغييرها، بل إن فيها من المرونة ما يسمح بظهور الحاجات العليا جزئياً على الأقل في حال تم إشباع الحاجات الدنيا جزئياً، ولذلك إذا أشبعت حاجة دنيا معظم الوقت (85% من الوقت مثلاً) فإن هذه الحاجة لن تؤثر كثيراً في السلوك، وسوف يكون أثرها أضعف من أثر حاجة عليا تم إشباعها بنسبة أقل (25% من الوقت مثلاً). 

أن المجموعة الأولى من الحاجات هي الحاجات الفسيولوجية المتمثلة في الجوع والعطش والنوم والإخراج والجنس إلخ. ويعتقد ماسلو أن هذه الحاجات مشبعة عند كافة الناس في كافة المجتمعات، وأن إشباعها يؤدي إلى ظهور المجموعة الثانية من الحاجات كقوة مسيطرة وملحة في ضبط السلوك وتوجيهه. 
أما المجموعة الثانية فهي حاجة الإنسان إلى السلامة والأمن وتظهر هي الأخرى في الحالات الطارئة فتصبح الحاجات العليا غير ذات أهمية إذا كانت الحياة مهددة بالخطر وغير آمنة، وتتبدى هذه الحاجة في ميل الإنسان إلى تفضيل العيش في محيط مألوف ووظائف آمنة وأرصدة ادخار وبوليصات التامين على الحياة. كما تظهر هذه الحاجة عند الأطفال الصغار عندما يبكون إذا سمعوا صوتاً مفاجئاً أو سقطوا من مكان مرتفع قليلاً أو شاهدوا شخصاً غريباً يدخل الغرفة.
والمجموعة الثالثة من الحاجات هي حاجات الحب والانتماء التي تظهر كقوة محركة للسلوك بعد أن تشبع المجموعتين الأولى والثانية. وهي حاجات ترتبط برغبة الإنسان في بناء علاقات حميمة مع الآخرين، والانتماء إلى مجموعة معينة، وهي بهذا المعنى مختلفة عن دافع الجنس الذي هو حاجة فسيولوجية، وحاجة الحب تتضمن استقبال الحب من الآخرين وإعطاءه لهم في وقت واحد، وتتحقق هذه الحاجات عادة من خلال الزواج، والوظيفة، أو الدخول في حزب أو مؤسسة اجتماعية، إن الإخفاق في تحقيق هذه الحاجات يقود إلى عدم التكيف والأمراض النفسية وهو الأساس المشترك لعدد كبير من المشكلات السلوكية في المجتمع. 
وإذا تحققت حاجات الحب والانتماء فإنها تتراجع إلى الخلف فيما يتعلق بتنشيط السلوك وتوجيهه وتحل محلها حاجات التقدير والاحترام (Esteem) سواء كان هذا التقدير ذاتياً (أن يحترم الإنسان نفسه ويقدرها) أو من الآخرين (الناس هم الذين يحترمون الإنسان ويقدرونه). إن هذه الحاجات تدفع الإنسان للسعي إلى الإنجاز والقوة والثقة والاستقلال والحرية، وتتضمن حاجات التقدير رغبة الإنسان في الحصول على الشهرة، والمكانة الاجتماعية، والاعتراف بالقدرات ومشاعر الأهمية (Davis, 1984). 
لكن الهدف الأسمى الذي يكافح الإنسان من أجل بلوغه وتحقيقه يبقى هو تحقيق الذات Self Actualization والذي يظهر عادة بعد إشباع الحاجات الأربعة الأولى التي أطلق عليها "ماسلو" مصطلح دافعية الحرمان (Deprivation Motivation). ويرى "ماسلو" أن هذا الهدف يتحقق من خلال مجموعة مختلفة من الحاجات أطلق عليها الحاجات التكوينية (Being Needs) أو حاجات ما وراء الدافعية (Metamotivation)؛ وتتضمن هذه الدافعية قيماً مثل الصدق والأمانة والجمال والحق والفضيلة مما يضفي معنى حقيقياً على حياة الإنسان الذي حقق ذاته. 
إن الصورة التي يرسلمها "ماسلو" للأشخاص الذين يحققون ذواتهم هي صورة مشرقة إيجابية، لكنه يرى أن هذه العملية تستغرق وقتاً طويلاً، فمعظم هؤلاء الأشخاص لا يصلون هذا الهدف قبل بلوغ سن الستين من العمر؛ بل إن نسبة قليلة جداً من الناس يصلون هذا المستوى لا يتجاوز 1% من مجموع السكان. يحاول هؤلاء الناس عادة حل المشكلات والوصول إلى الحقيقة والجمال والعدل والقيم الإنسانية الأخرى. ومع ذلك فإنهم ليسوا أشخاصاً كاملين، بل نجدهم أحياناً مبذرين أو سخيفين أو مملين أو عنيدين ومثيرين للأعصاب. وقد يظهرون أحياناً شاردي الذهن نتيجة لتركيزهم الشديد على المشكلة التي أمامهم، كما قد يظهرون غير مؤدبين، وقد تتملكهم أحياناً مشاعر الذنب والقلق والحزن والصراع، عندما يدركون أنهم لم يصلوا إلى المستوى الذي كان بإمكانهم الوصول إليه (Petri & Govern, 2004). 
وقد ميز "ماسلو" بين نوعين من هؤلاء المحققين لذواتهم تبعاً لعدد مرات الوصول إلى القمة (Peak)! فالنوع الأول هو الذي وصل إلى القمة مراراً وتكراراً وقد أسماهم الصاعدون الواصلون إلى القمة (Transcenders or Peakers)، والنوع الثاني هو الذي يحاول الصعود ولكنه لا يصل إلى القمة أو وصل إليها مرات محدودة فقد وقد أسماهم غير الصاعدين أو غير الواصلين إلى القمة (Nontranscenders or nonpeakers). ويشترك النوعان في الخصائص المميزة لتحقيق الذات، مع فارق أن النوع الأول يصل إلى القمة مرات أكثر من النوع الثاني. ويرى "ماسلو" أن الصاعدين الواصلين إلى القمة هم أقل سعادة من النوع الثاني، ربما لأنهم أقدر على رؤية السخافات التي يقوم بها الناس ويشعرون تبعاً لذلك بنوع من الحزن للفشل الذي يقع فيه هؤلاء الناس.

تفكير ناقد
تأمل هرم الحاجات لماسلو، وحاول أن تجد علاقة بين العمر الزمني وتسلسل تلك الحاجات. 

دافعية العزو: Attribution Motivation
تهتم هذه الدافعية بدراسة الأسباب التي تجعلنا نتخذ قرارات معينة بصدد ما يمر بنا من حوادث. فالناس عموماً ينسبون سلوكهم وتصرفاتهم إلى عوامل معينة، سواء كانت هذه العوامل سمات شخصية ثابتة أو مظاهر للموقف الاجتماعي الذي يعيشون فيه. ومن المعتقد أن هذا العزو لعوامل معينة (في الشخص ذاته أو في الموقف) تعمل على تغيير السلوك المستقبلي للشخص تماماً كما تفعل عوامل الدافعية. وتقوم فكرة العزو على ثلاثة افتراضات (مسلمات) رئيسة هي: 
1- الإنسان يحاول جدياً أن يحدد أسباب سلوكه وسلوك الآخرين، وينبع هذا الافتراض من حاجة ماسة لدى الإنسان حتى يتحكم في بيئته، ذلك أن تحديد سلوكه وسلوك الآخرين يساعده على كيفية التعامل الفعال والناجح مع بيئته ومع الآخرين. 
2- تحديد أسباب معينة للسلوك ليس عملية عشوائية؛ بل إن هناك قوانين تفسر كيف نتوصل إلى استنتاجات بشأن هذه الأسباب. لكن ما العلاقة بين التوقع (Expectancy) والعزو (Attribution). يرى بعض العلماء أنهما متقاربان، لكن التوقع هو اعتقاد (معرفي) بأن شيئاً ما سوف يتبع شيئاً آخر (مثلاً إذا وضعت قطعة نقدية في آلة القهوة فإنك سوف تحصل على فنجان قهوة)، أما العزو فهو العكس تماماً؛ أي أنه الاعتقاد بأن شيئاً ما قد حدث نتيجة لحدوث شيء آخر (مثلاً حصولي على فنجان القهوة سبب وضع قطعة النقود في الآلة). فإذا حدث السبب فإننا نتوقع النتيجة؛ وإذ كنت أنظر إلى النتيجة فإنني أعزوها إلى السبب. 
3- الأسباب التي يعتقد أنها وراء سلوك معين سوف تؤثر في السلوك الانفعالي وغير الانفعالي اللاحق. 
وقد كان هايدر Heider أول عالم تنسب إليه هذه النظرية من خلال ما أسماه علم النفس الساذج Naïve Psychology مقترحاً أنه من الناحية المنطقية فإن الإنسان ينسب سلوكه إما إلى عوامل ذاتية موجودة فيه أو إلى عوامل خارجية تقع خارجه. وتتضمن العوامل الداخلية حاجات الإنسان ورغباته وانفعالاته وقدراته ونواياه واستعداده للعمل، أما العوامل الموقفية الخارجية فتشمل صعوبة المهمة والحظ.
وبعد ذلك طرأت عدة تعديلات على نظرية هايدر واقترح علماء آخرون نظريات تحاول التغلب على نقاط ضعف هذه النظرية، فجاءت نظريات مثل نظرية التطابق Correspondence Theory لجونز ودايفز Jones & Davis والنظرية الارتباطية Coveriation لكيلي Kelley. ثم نظرية واينر Weiner وأخيراً نظرية توليفية من نظريتي كيلي وواينر معاً (Petri & Govern, 2004). 
وكان التغيير الجذري الذي أدخله واينر أنه اهتم بالعزو الذي نعتقد به حيال حالات النجاح أو الفشل السابقة بدلاً من التركيز القديم الذي كان يهتم بتوقعات النجاح أو الفشل المستقبلية، فقد اقترح واينر أن عزونا لأسباب النجاح والفشل السابقين لا يتعدى أربعة عوامل هي القدرة والجهد وصعوبة المهمة والحظ. وهي موزعة على بعدين: بعد داخلي/ خارجي، وبعد مستقر/ متغير. 

وفي عام 1978 أضاف أبرامسون وسليجمان وتيسزدايل Abramson, Seligman & Teasdale بعداً ثالثاً إلى البعدين اللذين اقترحهما واينر وهو بعد عام/ محدد (Golobal / Specific) بحيث تكون الأسباب الداخلية المستقرة العامة مؤشراً على العزو الداخلي، وتكون الأسباب الخارجية المتغيرة المحددة مؤشراً على العزو الموقفي الخارجي.
النظرية التوليفية: 
لاحظ بعض الباحثين أن نظرية واينر وكيلي تشتركان في عدد من الخصائص. فمثلاً كلاهما يركز على الأسباب التي نعزو إليها سلوكنا وسلوك الآخرين، كما أن الأبعاد التي اقترحاها تكاد تكون متماثلة، فمثلاً بعد داخلي/ خارجي عند واينر يشبه بعد الإجماع العالي/ المنخفض عند كيلي، كذلك فإن بعد الاتساق عند كيلي مشابه لبعد الاستقرار عند واينر كما أن بعد التميز/ والتفرد يشبه بعد الخصوصية/ العمومية، وبناء على هذه الملاحظات قدم مارتنكو وتومسون (Martinko & Thomson, 1998) نظرية جمعت بين النظريتين السابقتين مقدمة تفسيرات أوضح لأساليب العزو عند الناس، وبناء على ذلك اقترح هذان العالمان النموذج التالي لتوضيح عمليات العزو التي تحدث عند الإنسان. 

ويمكن توضيح وجهة نظر مارتنكو وتومسون من خلال مثال عملي. لنفرض أن موظفاً تأخر عن عمله وأردنا تفسير سبب هذا التأخر. فإذا كان هذا يحدث بشكل متكرر (اتساق عال واستقرار)، وأن الموظف يتأخر عن مواعيده واجتماعاته (انخفاض في التحديد وعمومية عالية) وأنه لا أحد غيره يتأخر (انخفاض في الإجماع وداخلي)، فإن هذه المؤشرات كلها تدفعنا إلى الاعتقاد بأن أسباب تأخر الموظف هي أسباب داخلية تكمن فيه كأن نقول إنه متقاعس أو كسلان، وبالمقابل إذا كان التأخر أمراً غير اعتيادي (غير مستقر وغير متسق) وأنه لا يتأخر عادة عن المواعيد والاجتماعات الأخرى (هذا التأخر كان محدداً ومتميزاً جداً) وأن كثيراً من الناس يتأخرون عن العمل (إجمال عال والسبب خارجي) فإننا نميل إلى عزو تأخره إلى أسباب موقفية كأن نقول إن زحمة السير كانت هي السبب في تأخره.

تفكير ناقد
تأمل دافعية العزو لديك وحدد موقع الضبط لديك. 

الخلاصة: 
يمكن تلخيص أهم ما ورد في هذا الفصل في النقاط التالية: 
1- الدافعية مفهوم افتراضي نفسر بموجبه السلوك، أو هي عملية أو سلسلة من العمليات تعمل على إثارة السلوك الموجه نحو هدف وصيانته والمحافظة عليه، وإيقافه في نهاية المطاف.
2- ما من أحد يخلو من شكل من أشكال الدافعية، ولكن هذه الأشكال تختلف من شخص إلى آخر في النوع والدرجة. 
3- "القدرة" تشير إلى ما يستطيع الواحد منا أن يفعله، في حين تشير "الدافعية" إلى ما يرغب الواحد منا فعله أو القيام به. 
4- هناك من ينظر إلى الدافعية على أنها تتكون من ثلاثة عناصر هي: التنظيم الذاتي، والحفاظ الذاتي والتصويب أو التصحيح الذاتي. 
5- ثمة قواسم مشتركة متفق عليها بين علماء النفس فيما يتعلق بوظائف الدافعية مثل: خاصية الإثارة والتنشيط، وخاصية الاستمرار والمثابرة، وخاصية التوجيه. 
6- للدافعية فوائد جمة نذكر منها: توجيه السلوك نحو أهداف معينة، وزيادة الجهد والطاقة المبذولة نحو تحقيق الأهداف، وزيادة المبادأة والمبادرة بالنشاط والاستمرار فيه، وتنمية معالجة المعلومات وتقويتها، وتحديد التوابع المعززة للسلوك، والمساعدة في تحقيق الأداء الجيد. 
7- يمكن تحديد أنواع من الدافعية مصنفة إلى الثنائيات التالية: 
الدافعية العامة/ الدافعية الفردية؛ والدافعية الفطرية/ الدافعية المكتسبة؛ والدافعية الميكانيكية/ الدافعية المعرفية؛ والدافعية الداخلية/ الدافعية الخارجية. 
8- النوم أحد الدوافع الأساسية يتأثر بعاملين هما: الاتزان الحيوي والإيقاع اليومي. للنوم خمس مراحل يمكن التعرف عليها من صور التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG). وللنوم وظائف هي: الوظيفة التجديدية، وتنظيم الدماغ، وتركيب وتكامل مركبات كيميائية مثل البروتينات وحمض RNA، والتعايش مع المواقف الضاغطة، والتعامل مع البيئة بكفاءة أكبر. 
9- الأحلام، من منظور النظرية العصبية للأحلام، إنجاز معرفي تطوري يعتمد على نضج شبكات معينة من بني الدماغ الأمامي، ويمكن تفسير الحلم بمبدأين مبدأ الاستمرار، ومبدأ التكرار. 
10- الجوع، من منظور النظرية العصبية، على علاقة وثيقة بالدماغ، فالهيبوتلاموس يلعب دوراً مهماً في ضبط الجوع. ويمكن القول أن الدماغ يتحكم بمستوى السكر في الدم وبظروف المعدة ويعمل على تكامل المعلومات في عملية تنظيم الجوع.
11- يلعب عدد من العوامل في العدوان دوراً مهماً منها: العوامل الاجتماعية، والغيرة الجنسية، وهرمون التيستوستيرون، والظروف البيئية الفيزيائية. 
12- إن انتباه الإنسان للموقف المؤلم يزيد من إدراكه الألم. نظرية "ضبط بوابة الألم" تفترض دوراً للعمليات الدماغية العليا في ضبط الشعور بالألم، وذلك من خلال نظام في الحبل الشوكي يقوم بتنظيم مقدار المعلومات التي تصل إلى الدماغ حول الألم. كما وجد حديثاً أن ثمة مناطق أخرى في الدماغ لها علاقة بتنظيم الألم منها: الثلاموس، والجهاز الحشوي والقشرة الحسية السوماتية، والمادة الرمادية في جذع الدماغ التي تعمل على خفض الألم الناتج عن التخدير الباطني.
13- هناك أنواع مهمة من الدافعية منها: دافعية التحصيل (الإنجاز) التي تدفع الإنسان إلى السعي نحو التميز والتفوق، والدافعية المعرفية التي تشير إلى سعادة الإنسان واستمتاعه أثناء القيام بأشكال من السلوك التفكيري، ودافعية الكفاءة التي تشير إلى سعينا للتعامل مع البيئة بفاعلية، ومعالجة المعلومات بشكل فاعل، وجعل العالم مكاناً أفضل. أما دافعية تحقيق الذاتي التي تقع في أعلى هرم ماسلو للحاجات، فهي الهدف الأسمى الذي يكافح الإنسان من أجل تحقيقه، وتهتم دافعية العزو بدراسة الأسباب التي تجعلنا نتخذ قرارات معينة بصدد ما يمر بنا من حوادث، وتقوم فكرة العزو على ثلاثة افتراضات هي أن الإنسان يحاول جدياً أن يحدد أسباب سلوكه وسلوك الآخرين، وأن تحديد أسباب معينة للسلوك ليس عملية عشوائية بل إن هناك قوانين تفسر كيف نتوصل إلى استنتاجات بشأن هذه الأسباب، وأن الأسباب التي تقف خلو سلوك معين سوف تؤثر في السلوك الانفعالي وغير الانفعالي اللاحق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ

تحميل محتوى الصفحة رجوع