المواقف الاتصالية
قبل الحديث عن نظريات الاتصال المختلفة أسسها ومكوناتها يحب أن نذكر وجود أربع أنواع أساسية من المواقف الاتصالية التي نحصل عليها من وضع المفاهيم البديلة للنشاط والأفعال والتفاعلات الاتصالية والعلاقة الاتصالية التي تكون في الغالب منفصلة أو مرتبطة مع بعضها البعض واستخدامها يكون من منظور المرسل والمستقبل وهذه المواقف تكون كما يلي:
الموقف الأول
هذا الموقف في العادة يكون مألوفا ومستعملا مثل النموذج الخاص بالقيام في النقل المقصود للمعلومات التي تكون واردة في الرسالة، كما يقوم بتحديدها المرسل دون أن يكون هناك أي نوع من الالتزام الإيجابي من قبل المستقبل، أي أن المستقبل في هذه الحالة لا يقوم بعمل أي شيء.
ومن أمثلة هذا الموقف قيام رجل الإعلان بالاتصال بجمهوره المستهدف، وكما يحدث الاتصال في مثل هذا الموقف في الجوانب والمواضيع التعليمية المحددة بصورة دقيقة، حيث يكون الطالب غير مهتم أو يفتقر إلي وجود الحافز والدافع للتعليم، لذا فهو يكون في مثل هذا الموقف سلبي أي مجرد مستمع دون أن يقوم في أي تفاعل أو حتى محاولة للفهم.
هذه المواقف التي ذكرت تعتبر عملية اتصال ذات اتجاه واحد. وفي الواقع والعادة تكون خالية من أي نوع من أنواع التوازن، لأن كل الثقة يوضع علي كتف وعاتق القائم بالاتصال والذي بدوره يقوم في استخدام القوة والموارد والجوانب الاجتماعية التي تؤثر تأثيرا واضحا في عملية تحديد طبيعة هذه العلاقة والعمل تبعا لهذا التحديد. أي أنه في مثل هذا الموقف يكون المرسل فعالا إيجابيا نشطا والمستقبل يكون سلبيا وغير فعال ومجرد متلقي لما يرسل إليه بواسطة وسيلة أو وسائل محددة ومميزة.
الموقف الثاني
هذا الموقف يبدأ بشكل واضح في عملية التبادل والتفاعل بين المرسل والمستقبل، أي أن جميع المشاركين في العملية الاتصالية يقومون في تبادل مواقعهم (بين المرسل والمستقبل) حيث يصبح المرسل مستقبل والمستقبل مرسل. أي أن عملية الإرسال والاستقبال تكون في كل الحالات الاتصالية في هذا الموقف فعالة من قبل جميع الأطراف، وتعتبر المحادثات والمقابلات وعمليات التجارة المختلفة والمناظرات التي تحدث بين الأفراد المختلفين من المجتمع من الأمثلة المعروفة والمشهورة علي المستوي الاتصالي بين الأشخاص والأفراد في المجتمع.
ويمكن إضافة المواقف التعليمية المختلفة ضمن هذه الأمثلة التي تري علي حدوث الاتصال خصوصا عندما تتوفر لدي المستقبل الدوافع والرغبة والاستعداد للاستجابة للرسائل التي ترسل من قبل المرسل أو المصدر حيث هنا يتحدد مقياس النجاح ومقياس الفعالية وتحقيق الهدف أو الأهداف، علي أساس الرضا والقبول المتبادل بين المشتركين. وفي مثل هذا الوضع يكون المشتركين متساويين ومتماثلين، هذا الموقف من أفضل المواقف بالرغم من صعوبة تحقيقه في جميع المجالات وذلك للاختلاف والفرق في مدى المعرفة والتقبل والقدرة علي التفاعل بين الأفراد المختلفين في المجتمع.
الموقف الثالث
هذا الموقف يرتبط حدوثه في عمليات البحث الهادف والنشط الذي نقوم به لكي نحصل علي المعلومات الضرورية لحل مشاكل اجتماعية مختلفة ومثال علي ذلك الأبحاث التي تجري علي البيئة والمحيط الذي نعيش فيه (أو أي بيئة أو محيط حسب وجود القائم بالاتصال) وهذه الأبحاث نقوم بها لأننا بحاجة إليها لكي نستطيع وضع الحلول للمشكلات الخاصة والمعينة التي نصطدم بها. بمعني آخر من أجل التوصل إلي المعلومات التي تستخدم في حل تلك المشكلات المذكورة وفي بعض الأحيان نشترك في هذه الأنشطة بأقل قدر من التوجيه. أي أننا تقريبا لا نقوم بإعطاء توجيهات لمن يشترك في هذه الأبحاث عن كيفية القيام بها نحن فقط نقوم بطرح المشكلة أو إعطاء نماذج خاصة عنها.
والأمر الذي لا شك فيه أن توصلنا إلي حلول معينة وإلي معاني معينة، يتوقف علي مقدار الرسائل التي نحصل عليها من البيئة التي تشترك في البحث، ومثل هذه المواقف تسمح بقدر كبير من الحرية للفرد في اختيار الرسائل والمعاني التي تعطي للفرد الفرصة في تبني رأيا شخصيا. وكما ذكر من قبل في هذا الموقف يكون دور القائم بالاتصال محدودا يظهر في القيام بتوجيه أسئلة بهدف الحصول علي الإجابة من المستقبل.
الموقف الرابع
هذا الموقف وما يحدث فيه من تفاعل يعتبر عينة خاصة بالمناسبات والأحداث العابرة لأن معظم الاتصالات العرضية والكامنة أو المستترة تحدث علي أساس غير موجه ودون وجود هدف محدد، سواء من جانب المرسل أو المستقبل، من هنا تكون العلاقات الاتصالية التي تنشأ علي هذا الأساس وقتية وزمنية وغير منظمة، وتفتقر إلي المعني المحدد والواضح، وطبيعي أن هذا الاتصال لا يؤدي إلي تغيرات كثيرة بالنسبة للمشاركين، وبالرغم من ذلك مثل هذه الحالات من الممكن أن تكون لها أهمية في تأثيرها الكلي والنهائي، وذلك لأنها تحدث كثيرا وبصوره متكررة، بالإضافة إلي أن نتيجتها ومحصلتها سوف تؤدي إلي تقوية وتعزيز إطار المعني أو الدلالة وإطار العلاقات ونطاقها.
هذه المواقف تساعد علي وضع الأسئلة التي يجب أن تحظي بالاهتمام ومن هذه الأسئلة الآتية:
1- لماذا يدخل الناس في الاتصال سواء مرسلين أو مستقبلين؟
2- ما هو المعني الذي ينسب أو يعزو إليه المشاركون في المواقف الاتصالية؟
3- ما هي الطريقة التي من خلالها يواجه أو يكيف كل من المرسل والمستقبل نفسه للآخرين ويحددان طبيعة علاقتهما؟
الظروف الخاصة بكل حالة بمفردها هي التي تقوم بتحديد الإجابة علي كل سؤال من هذه الأسئلة وبالرغم من ذلك توجد بعض المنظورات البديلة المعينة، وبعض النظريات التي تستخدم في صياغة إطار عام للإجابات، هذه الأطر البديلة هي التي تهدف إلي شرحها وتوضيحها، لذلك يمكن ترتيبها علي شكل بعد من الأبعاد والتي يمكن تصنيفها إلي (سلبي –إيجابي)
والإجابات عن هذه الأسئلة يمكن تلخيصها كما يلي:
أولا: بالاعتماد علي هذا الرأي فأن الافتراض الذي يطرح نفسه والواضح بصورة قاطعة لا شك فيها أن الناس يدخلون في العلاقات الاتصالية نتيجة لدخولهم في مواقف توتر أو مرورهم بتجربة التوتر داخل المحيط الذي يعيشون أو يتواجدون فيه بحكم عملهم أو تعلمهم أو اشتراكهم في فعاليات ومهام مع الآخرين.
لذا فأن بعض المثيرات التي تصادف الأفراد في هذه المواقف وغيرها من المواقف الاجتماعية الفاعلة تعمل علي ضغطهم للقيام بإرسال المعلومات المطلوبة أو إرسال الاستجابة للمعلومات التي تعمل علي استثارة اهتمامهم وتدفعهم إلي القيام بالاتصال من أجل الحصول علي هذه المعلومات، التي تؤدي إلي تحقيق الأهداف الشخصية المغلفة والخفية، وهي خفض التوتر إلي أقصي الدرجات، والعمل علي تطوير علاقات اجتماعية إنسانية بين الناس.
ثانيا: يمكن تفسير الموقف الاتصالي علي أنه الموقف الذي يؤدي إلي إشباع احتياجات أطراف الاتصال والقائمين به بطريقة محسوبة والتي تعمل في نفس الوقت علي إنشاء أو إظهار أهمية الموقف الاتصالي من احتياجات المشاركين. ومن النسق الكبير الواسع الذي يعتبرون جزء منه من ناحية أخرى هذه الاحتياجات التي تلعب دورا فاعلا في حياة الأفراد والتي من الضروري الحصول عليها حتى يستطيع كل فرد الاستمرار في القيام بواجبه الاجتماعي والإنساني وإشباع رغباته وتوجهاته المختلفة.
ثالثا: أن العلاقة التي تنشأ بين المشاركين في عملية الاتصال علي اختلاف أنواعها وميادينها تعتبر علاقة تقوم بأداء وظيفة معينة. بمعني أنها ذات فائدة للقائمين بالاتصال من ناحية، والتي لا يمكن الابتعاد عنها أو تجنبها من ناحية أخرى، فمثلا المرسل تجمعه علاقة ارتباطيه مع المستقبل، والتي تحدث عن طريق استعمال الرسائل أو الذرائع للوصول إلي الاستجابات والتأثيرات المقصودة والمخطط لها والتي يمكن التنبؤ بها أو توقعها من خلال قيام المرسل بعملية إرسال الرسائل ذات الدلالة الخاصة أو المعرفية العلمية التي يؤدي إرسالها إلي حدوث ردود فعل من المستقبلين في نفس اللحظة، التي تصلهم فيها أو فيما بعد، وذلك حسب ما تتيحه الظروف التي يتم فيها الإرسال. ومن الممكن أن تكون هذه العلاقة لا فائدة منها لكونها عديمة الأهمية لأن الاتصال الذي يتم بين الرسل والمستقبل لا يؤدي إلي تطوير علاقة تعود بالفائدة علي الطرفين من ناحية أخرى وبطريقة مشابهة تعطي للعلاقة التي تحدث بين المستقبل والمرسل أهمية خاصة لأنها تعود عليه بالفائدة أو لأنه يتواجد في وضع الذي يفرض عليه ذلك.
طبيعة التعلم
لا يوجد أي نشاط بشري الذي من الممكن أن يخلو من تعلم واتصال مع الآخرين، سواء كان ذلك التعلم سلبيا أم إيجابيا، أيضا يعتبر اختلاف السلوك الذي يصدر عن أفراد المجتمع في المواقع الاتصالية الإنسانية يعد نوعا من أنواع التعلم الهام والضروري حدثه، لأن حياة أفراد المجتمع قائمة علي مثل هذا السلوك والتعلم.
وعليه فأن التعلم يعتبر عملية أساسية في الحياة يسير معها ويمتد بامتدادها، لأن كل فرد يكتسب الأنماط السلوكية التي يعيش فيها عن طريق التعلم القائم علي الاتصال المباشر وغير المباشر. الأمر الذي له الأثر الأكبر علي عملية الاستفادة التي يحصل عليها كل جيل من الأجيال عن طريق التعلم من خبرات الأجيال السابقة والاتصال معها بالطرق المختلفة التي تؤدي إلي زيادة نمو الحصيلة المستمرة للمعرفة البشرية. ومن أمثلة قدرة الإنسان علي التعلم من الآخرين والاتصال الدائم المستمر معهم، التقاليد والقوانين والأديان واللغات وجميع المؤسسات الاجتماعية.
وعلي هذا الأساس يتوجب علينا أن نلاحظ أن المفهوم السيكولوجي لمصطلح التعلم أوسع بكثير من المفهوم الدارج والمستعمل لكلمة التعلم والاتصال من حيث هو عملية مقصودة من قبل الأطراف المتداخلة فيها سواء كان المرسل أو المستقبل. فالتعلم كمصطلح سيكولوجي ونفسي لا يتوقف عند مجرد اكتساب الوسائل وإنما يتعداها إلي اكتساب القيم والأهداف بالإضافة إلي الحاجات، كما أن التعلم لا يرتبط أو يتقيد بالنتيجة التي تترتب علي السلوك من حيث التوافق أو عدم التوافق.
ويحب أن نذكر في هذا المجال أن معجم وارين الذي يتناول المصطلحات السيكولوجية نري أنه أعطي لمصطلح التعلم ثلاث معان.
1- التعلم عبارة عن عملية اكتساب لقدرة معينة التي تتيح للكائن الحي أن يستجيب لموقف سبق له أو لم يسبق له أن عاشه.
2- التعلم عملية تجميع للاستجابة الحركية الأولية في كل حركة يقوم بها الفرد ولا يقصد بالتجميع هنا الكل الإضافي وإنما المقصود به الكل العضوي من حيث هو وحدة كلية لها انتظامها البنيوي.
3- التعلم هو عملية تثبيت للعناصر في الذاكرة بحيث يمكن استعادتها أو التعرف عليها.
في جميع التعريفات يلعب الاتصال الدور الأساسي والذي بدونه لا يمكن أن يتم أي نوع من أنواع الاكتساب للمعلومات أو تجميع للاستجابات التي تصدر عن الكائن الحي. كما وبدون الاتصال بأنواعه المختلفة لا يمكن أن تتم عملية تثبيت المعلومات لأنه يتوجب أن يكون هناك مرسل يقوم بإرسال المعلومات أو المواد التعليمية عبر وسيلة أو قناة اتصال معينة التي تساعد علي وصول مضمون الرسالة إلي المستقبل أو المستقبلين ويكون لها أثر معين عليهم.
أيضا هناك ثلاثة مفاهيم لعملية التعلم التي كان لها الأثر الكبير في التدريس والتخطيط المدرسي والمناهج وهي:
1- التعلم كعملية تذكر يرتبط هذا المفهوم بنظرة هربارت إلي الإنسان الذي يولد عقله صفحة بيضاء نكتب فيها ما نشاء وأن الخبرة والتعلم اللذان يصل إليهما الفرد عن طريق قيامه بالاتصال بالآخرين والاستفادة منهم ومن هذه العلاقة الاتصالية معهم، لأنهم يمدانه بكل مواد المعرفة، وهذه النظرة والتوجه تعتبران العقل مخزنا للمعلومات، التي تخزن فيه بعد الوصول إليها وتعلمها عن طريق الحفظ، لكي يقوم باستعمالها في وقت الحاجة. وكان يعتقد أنه إذا تم الحفظ تماما فأن المادة تكون قد تعلمت وتكون حاضرة عند الاحتياج إليها. وهذا المفهوم المتبع في بلادنا حتى يومنا هذا وعلي أساسه نقوم بعملية التقييم لتعلم الطالب ومعرفة قدراته.
ولكن معظم الأبحاث والتجارب أثبتت أن الطالب لا يحتفظ بعد فترة من الحفظ للمادة معينة إلا بكمية معينة منها وهذه الكمية تنقص مع مرور الوقت أيضا أكدت الأبحاث علي أهمية الفهم في عملية التعلم بحيث يجب أن توضع موضع الاعتبار الأول ثم يليه التذكر فالمادة يجب أن يفهمها الطالب أولا حتى يكون بإمكانه تذكرها بسهولة فيما بعد.
2- التعلم كعملية تدريب للعقل: ويرتبط هذا التعريف بالنظرية السيكولوجية التي تدعي بنظرية التدريب الشكلي Formal discipline التي تعود إلي الفيلسوف الإنجليزي لوك. وتقوم علي أساس أن العقل مقسم إلي عدد من الملكات مثل التفكير والتذكر والتخيل والتصور.. الخ وأن التعلم ينتج من تدريب هذه الملكات العقلية ومما يجب ذكره في هذا المجال أن الدراسات قد أثبتت خطأ هذه النظرية لأنه لا يوجد أثر لانتقال التدريب إلا وفق شروط خاصة ومعينة. ولكن بالرغم من ذلك فأن التذكر وانتقال أثر التدريب عمليتان تؤثران في التعلم ولكنهما ليستا عمليتا التعلم.
3- التعلم كتغير السلوك: التعلم عبارة عن عملية عقلية التي تتم داخل الفرد وينتج عنها تغيير موجب شبه دائم في سلوك الفرد. وتتم هذه العملية عن طريق قيام الفرد بالاتصال مع ذاته ومع الآخرين الاتصال الذي يؤدي إلي تفاعل الفرد مع الآخرين تفاعلا عقليا في البداية، متبوعا بالتفاعل السلوكي الذي يؤدي إلي تغير أو تعديل في السلوك أو في الاستجابات التي تدل علي السلوك في موقفين القديم والحديث واللذان يتأثران من قيام الفرد بالتعامل والتفاعل والاتصال مع الآخرين. أو بعد تعرضه إلي موقف اتصالي معين الذي يؤثر علي الموقف السلوكي القديم ولكن الاستجابة الجديدة متغيرة بسبب حدوث التعلم وهذا يعني إتيان التعلم باستجابة جديدة لموقف ما عن طريق اتصال الفرد المقصود أو غير المقصود.
طبيعة التعلم والاتصال
من الجوانب المؤكدة والتي نستطيع أن نقولها بصورة قاطعة أن أي مجتمع في أي مكان من العالم يعتبر معلم ومتعلم، مرسل ومستقبل في نفس الوقت، فنحن منذ الطفولة المبكرة وحتى نهاية العمر وفي جميع مجالات الحياة ومراحلها المختلفة نتعلم عن طريق القيام بالاتصال مع الآخرين الاتصال الذي نطور من خلاله لأنفسنا طرق وأساليب خاصة وعامة للحصول علي ما نريد من مطالب ويحقق رغبات وحاجات نفسية وجسمية واجتماعية، والتي بدونها يصعب علينا العيش والتعامل مع الآخرين من حولنا وحتى نستطيع تطوير سبل للعيش وحياة أفضل مما هو موجود.
حيث يبدأ التعلم والاتصال في التربية المنزلية التي تعمل فيها الأسرة علي تنشئة الطفل علي العادات والتقاليد والقيم والاتجاهات التي سيتعامل بها مع الآخرين كل ذلك يحدث من خلال عملية الاتصال الأولي التي تحدث داخل الأسرة بين الأم والطفل الرضيع الذي يتعلم عن طريق عملية البكاء استدعاء الأم وأفراد الأسرة الآخرين إليه لكي يحصل علي حاجاته ورغباته الضرورية في تلك اللحظة والتي مع تكرارها تصبح جزء من عملية اتصاله بالمحيط الذي يعيش فيه أي أنه يتعلم كيف يتفاعل ويتصل مع الآخرين من حوله. بمعني آخر تقوم جميع العمليات التي تؤدي إلي تعلم الطفل داخل الأسرة العادات والتقاليد والقيم والاتجاهات علي الاتصال الذي يتم بين الأم بالمقام الأول وباقي أفراد الأسرة بالمقام الثاني، لأن الأم هي المسئولية الأولي عن رعاية هذا الطفل في المرحلة الحرجة الأولي من حياته، والتي تعتبر أساس لجميع التطورات في جميع المراحل التي يمر بها، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة التعلم والاتصال المنظم الذي يحدث داخل المدرسة والتي يكون فيها الطفل جزء من كل كبير جدا، الأمر الذي يتطلب منه القيام بالاتصال المتواصل والمستمر مع الآخرين علي اختلاف شخصياتهم وقدراتهم وميولهم وحاجاتهم وهذا يعني أن عليه أن يقوم بهذه العملية الاتصالية علي أكمل وجهه، حتى يستطيع العيش بنجاح وسلام ويستمر في تقدمه وتطوره العلمي من خلال تواجده في هذا الإطار الذي يدعي المدرسة معلميها وطلابها والقوانين التي تحكمها.
وبعد الانتهاء من الدراسة والتعلم في المدارس والكليات يتعلم الإنسان بصورة تلقائية من خلال قيامه بالاتصال المهني والاتصال العائلي مع الزوجة والأبناء والاتصال مع التلاميذ وقيامه بالاتصال مع أصدقاء العمل ومع الزملاء علي اختلاف درجاتهم وأعمارهم ومسؤولياتهم، ويتم هذا الاتصال والتعلم عن طريق الملاحظة أو القراءة ووسائل الأعلام مثل الصحف والمجلات والمطبوعات والإذاعة والتلفاز أو عن طريق الاتصال المباشر الذي تعطي فيه التعليمات والتوجيهات والإرشادات الفردية والجماعية.
وعليه يمكن القول بصورة قاطعة أن التعليم والاتصال مع الآخرين ليس من وظائف ومسؤوليات المعلمين وحدهم لأن الأب يعتبر معلما قبلهم، فهو يقوم بتربية وتعليم أبنائه قبل سن المدرسة وأثناء التعليم الرسمي، والأم والأخوة كذلك، حيث يقوم جميعهم مع المعلم بدور الموجه والمرشد والمكملين لبعضهم والحريصين علي أن يتعلم الابن ويتخرج ويصبح مستقلا عن الأسرة، ويبدأ التعلم والاتصال الذي يحدث في الحياة. وينطبق نفس الكلام عن رئيس العمل الذي يعمل مع العمال علي تحقيق الأهداف عن طريق الاتصال المباشر معهم وتعليمهم طرق وأساليب الأداء وإجراءات العمل وأساليب التعامل أي أنه يعتبر قدوة لجميع العاملين الذين يعمل معهم أيضا ينطبق الكلام عن كل فرد له علاقة اتصالية مع الآخرين من أي نوعا كان، ولأن العمل الذي هو مصدر رزق وعيش الإنسان أصبح مربوطا بالحصول علي الترخيص والشهادات، وهذا يعني الاتصال والتعامل مع الآخرين، لذا كان يجب علي الإباء ترك مهمة تعليم الأبناء بعد سن معين لتقوم بها المؤسسات الخاصة التي تعمل علي إعداد الأجيال القادمة للقيام بالخدمات الاجتماعية المتعددة والتي تتطلب رجال متخصصين ومتفرغين لتعليم ما هو مطلوب لإعداد وتكوين الإنسان الصالح، الذي يخدم المجتمع ويعمل علي تقدمه وتطوره. لذلك عندما نقول التعليم فأن ذلك يجعلنا نفكر في المعلم المعد إعدادا تربويا ومهنيا خاصا والذي يستطيع من خلاله القيام بعملية الاتصال والتعليم الصحيح والمفيد لجميع الطلاب والتلاميذ.
وفي هذا المجال يجب أن نذكر أن علم النفس التعليمي يعمل علي تأهيل المعلمين للتعلم وكيفية القيام بالاتصالات المتعددة، حتى يستطيع مزاولة المهنة والنجاح فيها، إضافة إلي الصفات التي تجعل المعلم ناجحا ومحبوبا وفي نفس الوقت يعمل علم النفس علي تأهيل المعلم وتحصينه ضد المتاعب المهنية وصراعاتها التي من الممكن أن تؤدي إلي تبدد نشاطه أو تضعف همته فتبعده عن الخط التربوي السليم. كما أنها تمدهم بالمعلومات الخاصة بكيفية تعلم الفرد والاتصال معه وما هو المقصود بالاتصال والتعلم وماهية شروطه وأنواعه والنظريات التي تعمل علي تفسير كيفية حدوث التعلم والاتصال.
وعن طريق علم النفس التعليمي نفهم السلوك الذي يصدر من الفرد في المواقف الاتصالية والاجتماعية المختلفة. كما ونفهم الفروق بين مظاهر الاتصال والتعلم المختلفة وهذا يحتم علينا أن نفهم في المقام الأول كيف تتكون الاستجابات التي تختلف من موقف إلي آخر والعوامل والمتغيرات التي تحكم المواقف السلوكية بوجه عام.
ونستطيع أن نقول أن علم النفس التعليمي يقدم مقترحات لتحسين عملية التدريس والتعليم التي تقوم علي عملية الاتصال بأنواعه المتعددة والمتفرعة، وأن سيكولوجية التعلم تفيدنا في الابتعاد عن الطرق والأساليب غير الصحيحة والتي تؤدي إلي إضاعة الوقت في تعلمنا، أو حينما نقوم بالاتصال مع الآخرين ونعمل علي توجيه تعلمهم.
الحاجات النفسية والاتصال
تعتبر الحاجات النفسية من المحددات الهامة جدا للسلوك ولا يمكن أن يتم إشباعها الإشباع التام. تتم عملية إشباعها عن طريق القيام بالاتصال مع الآخرين والتفاعل الصحيح والناجح، الذي يؤدي إلي حصول الفرد علي إشباع كامل أو جزئي لرغباته ولتحقيق الأهداف التي يسعى إليها مثل الراحة والاستقرار النفسي والاجتماعي.
والحاجات النفسية تعتبر ذات أهمية والتي تفوق أهمية الحاجات البيولوجية التي من الممكن إشباعها بطريقة أو بأخرى والتي تؤدي عملية إشباعها إلي التقليل من أهميتها في تحديد ما سيفعله أو يقوم به الفرد وهذه الحاجات أيضا يتم إشباعها عن طريق عملية اتصال الفرد بالآخرين فالطفل يبكي عندما يكون بحاجة إلي الطعام وعملية البكاء تؤدي إلي إسراع الأم إليه والاهتمام في توفير الغذاء له، ولو لم تكن هذه الوسيلة متوفرة لديه لما أسرعت الأم إليه واستجابت لطلباته وعملت علي توفيرها، أي أن الاتصال ووسائله المختلفة يلعب دورا أساسيا في إشباع الحاجات البيولوجية. أيضا بالنسبة لتوفير الحاجات النفسية فأن الفرد لا يستطيع أن يحصل علي كل الحب، أو الأمان أو التقبل الاجتماعي الذي يرغب فيه ولكنه يستطيع الحصول علي نسبة منه، عن طريق قيامه بالاتصال مع الآخرين والعمل والتواجد معهم، والحصول علي ما يريد بالاعتماد علي السلوك والتصرفات التي تصدر عنه، والتي من خلالها يؤدي إلي استجابات الآخرين لمطالبة حتى ولو بصورة غير مباشرة، المهم أنه يعمل جاهدا لكي يحصل علي ما يريد ويشعر أنه في حالة من الاستقرار العاطفي والشعور بالأمان والمحبة والقبول الاجتماعي.
ومما يجدر ذكره هنا أن الحاجات النفسية خاضعة للتعلم، وكل شيء خاضع للتعلم يحدث عن طريق عملية اتصال معين يحدث بين الأطراف المختلفة التي نطلق عليها اسم المعلم والمتعلم، المرسل والمستقبل، فمثلا الفرد الذي يحصل علي ترقيه لا يستطيع أن يشعر بالسعادة التامة إلا إذا كانت قنوات الاتصال بينه وبين العاملين معه جيدة، وتؤدي إلي دعمه والعمل معه علي العطاء المشترك الذي يعني النجاح في المهمة التي يقوم بها، الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلي ترقيته مرة أخرى، وهذا يعني تحقيق الذات والقبول الاجتماعي، ولكن يجب أن نذكر دائما أن الحاجات النفسية لأهميتها فهي غير قابلة للإشباع التام حتى ولو كانت عملية التعلم والاتصالات التي تؤدي إلي هذا الإشباع تحدث علي أكمل وجه.
وتقسم الدوافع النفسية إلي الأقسام الآتية:
1- الحاجة إلي الحنان
منذ لحظة الميلاد ومجيء الطفل إلي هذا العالم تبدأ عملية الصراع علي الحياة والرغبة في العيش في أسرة التي توجد فيها علاقات متبادلة يسيطر عليها الدفء والمحبة بينه وبين شخص أخر أو أكثر فمثلا الطفل بحاجة لوجود الأم معه لكي يشعر بالحب والحنان والاطمئنان عندما يكون بين يديها.
أي أن الطفل أو الفرد يكون بحاجة إلي شخص آخر يتبادل معه عملية الاتصال والتواصل في حياته اليومية والتي يشعر بالحنان والقبول من خلال عملية استجابة الأم لمطالبة والعمل علي تلبيتها بنسب معينة، التي تحدد مكانته، وشعوره بالراحة والهدوء. وكم يكون الطفل سعيدا عندما تفهم الأم وتدرك معني الرسائل التي يرسلها في الأوقات المختلفة، ومع التقدم العمري يشعر الطفل أنه بحاجة إلي المزيد من الحب والحنان لأن حب الأسرة لا يكفي. لذا فهو يتجه إلي الاتصال مع الآخرين ليكون علاقات معهم حتى يكسب مودتهم، وبعدها يعمل جاهدا للقيام بالاتصالات الخاصة حتى يستطيع الوصول والحصول علي مودة وحب محبوبته، ثم يستمر في العمل والاتصال حتى يصل إلي زوجته, وفي المستقبل، وتكوين عائلته الخاصة الذي يغلب عليها طابع خاص من قضاء حاجاته إلي الحنان في المراحل الأولي من حياته.
وفي هذا المجال لابد أن نذكر أن الكثيرين من الأطفال يعيشون مع والديهم، وبالرغم من ذلك ينقصهم الحنان والمحبة البيتية بالرغم من محاولاتهم الاتصالية المتكررة للحصول عليها، لأن المحبة ليست من طبع الأسرة والوالدين لأسبابهم الخاصة، ومنها عدم قدرتهم علي الاتصال والتواصل الناجح فيما بينهم، لذلك يشعر الأطفال بأنهم غير محبوبين وهذا بطبيعة الحال يؤثر سلبا في معظم الحالات علي علاقاتهم الإنسانية والاجتماعية واتصالاتهم مع الآخرين فيما بعد.
2- الحاجة إلي الانتماء
بصورة مباشرة يتصل بالحاجة إلي المحبة والحنان حاجة الطفل أو الفرد إلي الشعور بأنه عضو مقبول في الأسرة قبل كل شيء (لأن هناك عدد من الأطفال غير مقبولين بسبب أمراض أو نقص أو لكون الزواج مرفوض أو بسبب الحالة الاقتصادية أو لأنه جاء في وقت سيء بالنسبة للأهل) وأن الأسرة تعمل ما يجب عمله حتى يشعر هذا الطفل بالانتماء إليها لأن الانتماء حاجة ضرورية جدا بالنسبة للطفل في بداية العمر، والانتماء يشعر به الطفل عن طريق قيامه بالاتصال المتواصل مع أفراد الأسرة واستجابتهم وتحقيقهم للهدف الذي يسعى إليه وهو الانتماء لهذه الأسرة والحصول علي مودتها ومحبتها. وبعد الأسرة يعمل الطفل علي الانتماء إلي مجموعة معينة من الأطفال أو الأفراد.
ومرة أخرى نقول بأن معظم الأطفال يجدون إشباع هذه الحاجة داخل البيت أو في نطاق المدرسة من خلال الانتماء إلي مجموعة من الأطفال سواء كان ذلك في غرفة الصف أو في ساحة المدرسة، بمعني أن الفرد لا تتوقف محاولة الاتصال التي يقوم بها علي أفراد البيت، بل يستمر في الاتصال مع الآخرين حتى يشعر أنه فرد منهم، وهنا يجب أن نذكر أن الأطفال في البداية لا يهمهم طبيعة المجموعة التي يقبلون فيها، فقط مهمة إشباعهم لهذه الحاجة حتى ولو كانت المجموعة مجموعة مشاغبة، وفيما بعد تقوم وتعتمد عملية اختيار المجموعة التي يتصل معها وينتمي إليها الفرد علي مجموعة القيم التي يجملها، لذلك فهي لا تؤثر بصورة مباشرة علي تكيفه الشخصي والاجتماعي وهذا يعني أن علي الكبار العمل علي تأمين قبولهم في المجموعات المرغوبة والتي يستطيع جميع الطلاب الوصول إليها لكي نضمن عدم توجههم إلي المجموعات المرفوضة.
وفي معظم الحالات يتم الجمع بين الحاجة إلي الحب والحنان والحاجة إلي الانتماء ونطلق عليهم اسم "الأمان العاطفي" الذي يعتبر هاما جدا لنمو الفرد لدي الجميع خصوصا في مرحلة الطفولة المبكرة وحتى يصل الطفل إلي الأمان العاطفي يتوجب عليه أن يتبادل عملة الاتصال في البداية مع الأم التي تعتبر المسؤولة الأولي عن توفير هذه الحاجة الأساسية والضرورية والتي يؤدي عدم إشباعها إلي ظواهر غير عادية لدي الطفل من الخوف والانطواء والابتعاد عن الآخرين وعدم المبادرة في أي شيء، وفي بعض الأحيان العدوانية الزائدة والخجل وضعف الشخصية، وهذه الحاجة من الحاجات التي يتعلم الطفل الوصول إليها من قيامه بالاتصال والتواصل مع أفراد الأسرة والبيئة التي يعيش فيها وخصوصا الأم في المرحلة الأولي والتي يؤدي عدم وجودها مع الطفل إلي شعوره بعدم الأمان والاستقرار النفسي والهدوء، وفقدانه لهذه الجوانب يؤدي إلي عدم مقدرته علي التعلم واكتساب الخبرات، لأن الشعور بعدم الأمان والاستقرار النفسي يجعل الفرد في حالة شرود ذهني ويحصر تفكيره في موضوع واحد وهو في هذه الحالة عدم الأمان.
ولقد اتفق الكثير من علماء النفس علي أن مقدار الأمان العاطفي الذي يحصل عليه الطفل في السنوات الأولي من عمره ينعكس علي المدرسة وأساليب سلوكه وتكيفه في الأعمار اللاحقة.
مرة أخرى نقول أن الطفل الذي لا يشعر بالأمان بسبب عدم تلبية الآخرين لحاجته الأساسية مثل توفير الغذاء أو إعطائه ما يريد، أو التواجد معه حينما يريد، مثل هذا الطفل يكون متأكدا من عدم تقبل الآخرين له، مثله من المحتمل أن يفسد لأنه يشعر باليأس بسبب عدم مقدرته علي الثقة بأن الحاجات التي يسعى إليها سوف تلبي لذلك فهو دائما يطلب المزيد.
وشعور الطفل أنه أمنا في مشاعره يعني أن مكانته لن تتأثر إذا ما فشل لأنه بحاجة إلي الشعور بالأمن عندما يكون مع مجموعته، وفي الوقت الذي يتم فيه توليد هذا الشعور بالأمان لديه، فأنه يجعله منفتحا وغير خائفا من الانتقاد أو الفشل. وهذا يعني أنه يستطيع ممارسة نشاطاته ومواجهة مشكلاته بنفسه، واستخدام جميع الطاقات لكي يتغلب عليها بدلا من كبتها وعودتها مرة ثانية في مناسبات قادمة.
وعليه نقول أن المهمة الأساسية لنمو الطفل والتي علي الاتصال معه منذ البداية هي توليد الشعور بالأمن العاطفي، وكلما كان الطفل صغير السن ازدادت حاجته للأمان الذي يصل إليه عن طريق تواصل الأم معه بالرضاعة من ثديها، لأن الرضاعة من ثدي الأم تساعده علي تطوير الشعور بالأمان العاطفي لديه.
ولقد أكدت الدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا المجال علي أن الفروق الكبيرة التي تظهر بين شخصيات الأطفال تعود إلي نوعية المعاملة العاطفية ونوعية الاتصال الإنساني التي يلقاها ويمر بها كل طفل في طفولته. فمثلا عملية حضن الأطفال والتحدث إليهم تؤدي إلي تطوير شخصيات التي تتصف بالانفتاح والشجاعة والثقة بالآخرين والتعامل معهم بكرم وسخاء. بينما يكون الأطفال الذين يعيشون في جو غير عادي لا يوجد فيه أي نوع من أنواع الدفء مثل الملاجئ التي يكون تعاملهم غير دافئ، يكون الأطفال غير قادرين علي إقامة علاقات عاطفية وثيقة مع الآخرين. كما أن لعملية الحرمان العاطفي وعدم وجود الاتصال الإنساني السليم تأثيره الضار علي بعض جوانب النمو الأخرى مثل نوع الحرية العقلية الضرورية لحالات الإبداع والتفكير المجرد.
3- الحاجة إلي التحصيل.
تقوم هذه الحاجة علي وجود القدرات المختلفة لدي الفرد مثل القدرة علي إنجاز ما يبدأ عمله، والشعور بأن ما ينجزه له قيمة ثم القدرة علي الاتصال مع الأطراف الأخرى التي لها علاقة مباشرة مع عملية التحصيل والتي من الصعب أن يصل إليها الفرد دون وجود علاقة مباشرة وغير مباشرة مع من حوله من الأفراد، سواء الأسرة في البداية وما تعطيه للفرد من أمان واطمئنان وحنان وتشجيع علي العمل المتواصل، لكي يصل إلي تحقيق الهدف المنشود أو المدرسة وما يحدث فيها من اتصالات هادفة وبناءه مع الإدارة والمعلمين والطلاب والتي تؤدي إلي وصول الطالب أو الفرد إلي أفضل ما يكون من التحصيل أو عكس ذلك. بالاعتماد علي شخصية الطالب ومدى قدرته الاتصالية الفاعلة والناجحة، أي أن هذه الحاجة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنجاح والفشل والطموح والتي جميعها تشكل دوافع سلوكية مختلفة، وفي نفس الوقت ترتبط بالحاجة إلي التقبل وتقدير الذات حق تقدير، من إمكانيات وقدرات والتي تحصل علي أكبر قيمة لها من خلال ما يثيره أولياء الأمور من ضجة كبيرة لها علاقة بعملية التحصيل المدرسي المبكر للطفل.
وفي هذا الصدد نذكر أن بعض المدارس تضع في بعض الأحيان الصعاب أمام الطلاب أثناء محاولاتهم القيام بالاتصالات المتنوعة والمتشعبة التي تساعد علي تحقيق حاجاتهم التحصيلية التي لها علاقة مباشرة مع معلم الصف الذي يطلب منه أن ينوع دائما في وسائل الاتصال التي يستخدمها داخل غرفة الصف والتي من شأنها أن تؤدي إلي رفع مستوي تحصيله إذا كانت في المستوي المطلوب الذي يشعر الطالب بنوع من التحدي لقدراته، أي أن يضم العمل المدرسي والرسائل التعليمية التي يرسلها المعلم للطلاب، أشياء صعبة لا يقدر عليها سوي القوي أو المتفوق الأمر الذي يشعر من يقوم بإنجازها بأنه استطاع أن يشبع الحاجة إلي التحصيل المطلوب الذي لا يمكن أن يصل إليه الفرد دون التمكن من استعمال الاتصال الإنساني الصحيح والمثمر.
4- الحاجة إلي الاستقلال
كل فرد يسعى من خلال تفاعلاته واتصالاته الشخصية الاجتماعية إلي الوصول لوضع يستطيع من خلاله تسير أموره الشخصية وعلاقاته مع الآخرين بنفسه وكما يسعى من خلال الأعمال والعلاقات التي يكونها إلي تحقيق أهدافه دون أي تدخل أو إكراه من أحد وذلك بالرغم من كونه بحاجة إلي عملية التفاعل الاجتماعي والاتصال الدائم مع أفراد المجتمع في جميع مجالات الحياة ومثل هذا الوضع يختلف من مكان لأخر ومن مجتمع لآخر ومن دولة لدولة. لأن معني الاتصال والتفاعل يختلف ويأخذ طابعا أخر. فمثلا الطفل في بداية حياته وبالرغم من أهمية اتصاله وتواجده مع الأهل إلا أنه يسعى إلي تناول الطعام بنفسه في مرحلة معينة، لأن النجاح في هذه العملية تعني بالنسبة له الشيء الكثير إلا أن هذا قد يسبب له بعض المشاكل مع من حوله, لأنهم يريدون القيام بأعمال كثيرة بدلا عنه، أو بصورة تؤدي به إلي المقاومة بعض الشيء لأنه يري بذلك نوع من التسلط. ويستمر مثل هذا الوضع عندما يدخل الطفل المدرسة التي بدورها تميل إلي التسلط من خلال القوانين المتبعة فيها، والتي تؤدي إلي صعوبة في الاتصال والتواصل مع الإدارة والمعلمين لأن هذه القوانين تقيد تصرفاتهم في كل شيء حتى أثناء اللعب حيث يكون منظما تماما، ويحتم عليهم أن يقوموا بالحركات والألعاب التي يحددها لهم المعلم.
5- الحاجة إلي التقبل الاجتماعي
في بعض الأحيان نطلق علي هذه الحاجة اسم الحاجة إلي الجاه أو الاستحسان من قبل الآخرين، خصوصا أثناء التعامل والاتصال معهم الذي يحدث في كل لحظة من اللحظات وفي جميع المجالات لأن الفرد بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بدون التواجد والتفاعل والاتصال مع الآخرين، وأثناء هذه الفعاليات يسعى الفرد إلي الحصول علي الاستحسان والقبول وذلك من خلال ما يقوم بإنجازه من أفعال وأعمال لها علاقة مباشرة مع المجتمع وما يحدث فيه من أحداث، لأن الفرد يرغب في أن يشعر بأنه هو وما يقوم به من أعمال موضع استحسان الآخرين، وفي المدرسة المعلم هو المسؤول عن إشباع هذه الحاجة لدي الأطفال، وهذا يعني أن علي المعلمين أن يكونوا علي درجة عالية من الوعي والإدراك الكامل لمسؤولياتهم في هذا المجال خصوصا إذا كان المعلم هو الذي يضع المعايير السلوكية لبقية الأطفال ليسيروا عليها.
ومما يجدر ذكره أن التقبل الاجتماعي يلعب دورا حاسما في توجيه الفرد نحو السلوك المقبول اجتماعيا وهو السلوك الذي يعود بالنفع عليه وعلي جميع الأفراد من حوله، من ناحية أخرى التقبل الاجتماعي يجعل الفرد في حالة اتصال دائمة مع الآخرين وفي بعض الأحيان يصل إلي وضع لا يقدر فيه علي العطاء، ومن الممكن أن يكون عرضه للرفض مما يؤدي به إلي الاستمرار في السعي باتجاه وسائل أخرى، التي تساعده علي الحصول علي التقبل، ولكن في حالة فشل الفرد في الحصول علي تقبل الآخرين الذين لهم أهمية ومكانة خاصة في حياته وفي المجتمع الذي يعيش فيه، فأن مثل ذلك من الممكن أن يقوده إلي الانحراف والتصرف والسلوك بصورة غير مرغوبة.
6- الحاجة إلي تقدير الذات
كل فرد من أفراد المجتمع يسعى في جميع المجالات التي يتواجد فيها والأعمال التي يعملها ويتصل بها مع الآخرين بصورة مباشرة أو غير مباشر مقصودة أو غير مقصودة ترتبط جميعها بمفهوم الذات ومستوي الطموح عن الفرد، كما وأنها ترتبط مع حاجاتنا النفسية الأخرى التي تحدثنا عنها من قبل، وكل ما نفكر به عن أنفسنا وأعمالنا له علاقة وثيقة بفهمنا للقيم والمعايير الموجودة لدينا بالنسبة للصواب والخطأ والصحيح وغير الصحيح. وعليه فأن عملية تقديرنا للخبرات السابقة توصلنا إلي تقدير أمورا مثل التفوق العلمي أو الأخلاق الحسنة أو الاستحسان الاجتماعي، فمن المؤكد أن فشلنا في هذه المجالات سوف يسبب لنا الإحباط فيما يخص حاجتنا إلي تقدير الذات.
والفشل في الحصول علي تقدير الذات يعني الفشل في عملية الاتصال مع الآخرين الذين يتواجدون معهم الفرد ويعمل معهم أو يكون مسؤولا عنهم وهذا الفشل قد يكون مرجعه لعدم قدرة الفرد علي التواصل الصحيح مع من حوله من الأفراد أو قد يكون سببه عدم استعمال الفرد للوسائل والرسائل الصحيحة التي تؤدي إلي تحقيق الأهداف المنشودة ولأنها لم تكن مناسبة في مثل هذه المواقف.
من النظريات التي تتصل بعملية الاتصال سوف نذكر الآتية:
1- نظرية التعلم Learning Theory
نظرية التعلم في الأساس هي نظرية من نظريات علم النفس التي تناولها العديد من علماء النفس من نواحي عديدة ومتنوعة، وبالرغم من كونها تبحث في عملية التعلم وكيفية حدوثها والشروط التي يتوجب أن تتوفر لكي يحدث التعلم، إلا أن لهذه النظرية علاقة وصلة قوية بنظريات الاتصال الإنساني، الذي يحدث فيه تعلم وتعليم في نفس الوقت الذي يحدث بأنواع متعددة، ومن خلاله يمكن أن يتوفر لدينا شكل أساسي من نظريات الاتصال. ويجب أن نؤكد هنا أن كل نظرية في علم النفس التعليمي تعطي أهمية كبيرة لعملية الترابط لأنها تعتبر المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الاتصال الفعال.
وعليه فأن العلاقة التي تربط بين المثير والاستجابة Stimulus Response تعمل علي توفير الوضع الأساسي والمناسب لكل من عملية التعلم وعملية الاتصال والمتتبع هنا إما أن يكون شيئا ماديا أو طبيعيا أو حادثا معينا حصل في البيئة والذي له القدرة علي التأثير في عضو الإدراك أو الإحساس الذي يوجد لدي الكائن الحي الإنساني، وفي مثل هذا الوضع سوف تكون الاستجابة علي شكل فعل الذي يحدث بصورة مربحة وعلنية، وفي نفس الوقت يمكن القيام بقياسه. ومما يجدر ذكره هنا أن عملية التعلم التي تقوم في أساسها علي حدوث المثير والاستجابة، أو ما يدعي بالمذهب الارتباطي Connectionism الذي اشتهر بين الناس علي أنه ارتباط شرطي تقليدي (أي عملية ربط بين مثير باستجابة، والتي لم يكن بينها وبين المثير علاقة من قبل وذلك عن طريق عملية التداعي) من النوع الذي قام بعرضه عالم النفس بافلوف Pavlove عندما استطاع أن يعلم الكلب أن يسيل لعابه Salivate عندما يستجيب لصوت معين الذي له علاقة أو ارتبط بالطعام الذي كان يقدم له. وبعد أن كان لعاب الكلب يسيل من أجل الحصول علي الطعام أصبح يسيل لمجرد سماع الصوت الذي كان يسمع من الطعام.
لقد أصبح واضحا من أعمال علماء النفس التجريبيين أن المعرفة التي لها علاقة بالارتباط الشرطي الكلاسيكي والتي تهتم بالمعالجة عن طريق استخدام الثواب والعقاب، من الممكن أن تؤدي إلي نتائج تعليمية واضحة بالنسبة للأنواع المعقدة أو الصعبة.
وفي هذا المجال أكد معظم الباحثين وأصحاب النظريات في علم النفس علي أهمية وجود العناصر المختلفة في عملية التعلم، حيث ركز هل Hull في نظرتين علي أهمية الحوافز كعنصر من العناصر التي تؤدي إلي المعرفة أما سنكر Skinner فقد اهتم بصورة واضحة في عنصر التدعيم أو التعزيز التي تعمل علي مضاعفة قوة الاستجابة التي تنتج مباشرة من حدوث مثير معين، وعلي هذا الأساس نستطيع أن نقول بأن العقاب والمكافأة يعتبران وسيلتين من وسائل التدعيم.
ومن الواضح أنهما يشتركان في إطار عام للمفاهيم التي يمكن اعتبارها إطارا خاصا لفهم كيفية حدوث الاتصال وعمله. ويجب أن نذكر هنا أن الإطار العام يتضمن الافتراض الذي يقول بأن الكائن الحي يعتبر في علاقة منظمة مع بيئته، وحدوث أي تغير في وضع إحداهما يترتب عليه نتائج متبادلة وتؤدي إلي حدوث استجابات متبادلة.
وعلي هذا الأساس يمكن النظر إلي أي فعل وإدراكه علي أنه استجابة لمثير موجود قبل هذا الفعل، ويؤدي إلي حدوث السلوك الذي يمثل استجابة مثل خفض التوتر والعودة إلي حالة التوازن والتي تعتبر حالة طبيعة التي يتواجد فيها الكائن الحي أيضا للنسق الأكبر الذي يتواجد فيه هذا الكائن.
وعليه فأن الاتصال الإنساني الذي يحدث بين أفراد المجتمع في المواقف المتعددة ومن هذا المنظور بالذات يعتبر العملية التي تربط الأفراد مع بعضهم البعض ومع البيئة التي يعيشون فيها ويتفاعلون ويتأثرون بما يحدث فيها من أحداث عابرة أو مستقرة مقصودة وغير مقصودة.
ولقد قام نيوكمب Newcomb بوصف الأفعال الاتصالية بقوله: أن الأفعال الاتصالية باستطاعتنا أن نحددها علي أنها نتائج لتغيرات في العلاقات التي تحدث بين الكائن الحي وبين البيئة التي يتواجد فيها سواء كانت هذه العلاقات فعلية، أي موجودة في الحقيقة، أو متوقع حدوثها بين أطراف عملية الاتصال أو الاثنين معا، وتعتبر هذه الأفعال مميزة حيث أن الأحداث التي ذكرت من الممكن أن تحدث بسبب التغيرات التي توجد في إطار العلاقات، التي تحدث بين اثنين أو أكثر من القائمين بالاتصال، أو الأهداف والموضوعات الاتصالية والتي من الممكن أن لم يكن المؤكد أن تؤدي هذه الأفعال الاتصالية إلي تغيرات في إطار العلاقات أو أهداف وموضوعات اتصالهم علي اختلافها وتعددها.
وهذا يعني أن الاتصال الذي يحدث بين المرسل والمستقبل في موقف توتر معين، فأن تفسير وفهم هذا النوع من الاتصال يحدد بالاعتماد علي الوظيفة التي يقوم بها أو المتوقعة والتي هي العمل علي خفض التوتر أو إزالته بصورة تامة.
وعليه نستطيع أن نقول أن الاتصال له أسبابه، التي يحدث نتيجة لوجودها، فمثلا المعلم يقوم بالاتصال مع طلابه لأنه يجب عليه أن يفعل ذلك، حتى ينقل إليهم المعرفة والعلم ويؤثر علي قدرتهم وتطورها وفي نفس الوقت يعمل علي تطوير شخصياتهم، والطلاب يقومون بالاستقبال لنفس الأسباب، كما أن للاتصال آثاره أو تأثيراته وذلك حسب النموذج السلوكي الذي قدمه سكنر والذي عبر عنه (مثير –استجابة) وعلي هذا الأساس تعتبر الأفعال الاتصالية التلقائية العشوائية أمثلة للاستجابات التعبيرية أو الفعالة بالرغم من كون المثير صعب الملاحظة، أو لا يمكن ملاحظته، والاتصال من هذا المنطلق أما أن يكون عبارة عن استجابة لمثير سابق أو عبارة عن عدد من المعطيات التي تكون بداية لمجموعة من الروابط من المثير والاستجابة.
وعلي هذا الأساس تعتبر عملية الاتصال عملية رد فعل Reaction وتظهر الأفعال الاتصالية بصورة واضحة أنها تعبيرية لذا ينظر إليها علي أنها ردود أفعال.
وهناك معاني أخرى للاتصال وضعها علماء النفس الذين يرون نظرية الارتباط التي تربط بين المثير والاستجابة، فقد قام ماسلو Maslow عالم النفس الاجتماعي بالتمييز بين السلوك التوافقي Coping والسلوك التعبيري Expressive فالأول يمثل عملية التفاعل التي تحدث بين الشخصية والعالم ومدى تكيف كل واحد مع الآخر بينما الثاني يمثل ظاهرة متابعة لعملية بناء الشخصية Epiphenomenon (والتي تعتبر ظاهرة ثانوية التي تصاحب ظاهرة أخرى)، وعندما نتحدث عن الاتصال الذي يعتبر موضوعا للتوافق، فأن نموذج المثير والاستجابة يعتبر من النماذج المناسبة لهذا النوع من أنواع الاتصال الذي نتحدث عنه.
نظرية المعلومات
تقوم وتعتمد هذه النظرية علي الأساس الذي يعتبر الاتصال عملية تعمل علي معالجة المعلومات التي يقوم بها الإنسان والتي تعتمد علي ما يفعله من أفعال أثناء قيامه بعملية الاتصال، وفي مثل هذا الوضع فأن الاهتمام الأول الذي يبديه الإنسان يكون في تحرى ومعرفة كمية المعلومات التي وردت في أية رسالة ترسل، ثم القيام بقياس هذه المعلومات، التي تلعب دورا هاما أو تساعد علي إضعاف ما هو مجهول والتقليل من عملية التشجيع، لكي نصل في نهاية الأمر إلي خفض درجة الغموض أو عدم الثقة التي تكون لدي أطراف عملية الاتصال، وبالاعتماد علي ما جاء به فرك Frick فأن عملية نقل المعلومات هي في أساسها عملية انتقائية أو عملية اختيار.
أما بالنسبة للنظرية الرياضية للمعلومات فأنها تقوم بتقديم مدخلا موضوعيا لتحليل النشاط الاتصالي الذي يحدث عن طريق الأجهزة علي اختلاف أنواعها وأهدافها، أو يحدث بين أبناء البشر أو الأطر الأخرى وفيما يخص القياس الكمي الموضوعي، فأنه يتمثل في نظام الترميز الثقافي Binary coding system مثل القرار الذي يقوم علي كلمة واحدة تعني الموافقة أو الرفض.
أيضا تستند هذه النظرية علي الأساس الذي يقول أنه بالإمكان خفض درجة الغموض في جميع المواضيع أو المسائل غير الواضحة أو المتبعة ومثل هذا الخفض يحدث عن طريق تحويلها إلي مجموعة من الأسئلة المطلوبة لحل المشكلة هذه الأسئلة تشكل القياس الكمي الضروري الذي يساعد علي استخدام هذه النظرية في تحليل عملية الاتصال وما يحدث فيها من مواقف وأبعاد.
وبنفس الأسلوب المذكور نستطيع القيام بقياس مضمون الرسالة الاتصالية التي يقوم المرسل بإرسالها إلي المستقبلين ثم قياس سعه وطاقة القنوات الاتصالية بالإضافة إلي فعالية الترميز وعملية الاستقبال التي يقوم بها المستقبل ثم قيامه بفك الرموز التي استعملها المرسل في الرسالة التي قام بإرسالها إلي المستقبلين.
واحد اتجاهات هذه النظرية القول والتأكيد علي أن الاتصال يعتبر عملية هادفة ومقصودة في معظم المواقف الاتصالية والحالات التعليمية، وهي تهتم بالعمل علي تقليل أو خفض درجة الغموض التي من الممكن أن يكون في الرسالة أو الوسيلة المستعلمة للاتصال، وهذه الصيغة المحددة تعمل علي توجيه الملاحظ أو المراقب وتقوده إلي تحديد الموقف الاتصالي تحديدا دقيقا، بالإضافة لكونه يتجه إلي إعطاء هذا التفسير وانتسابه إلي المشاركين في العملية الاتصالية، والصعوبة التي تنشأ هنا كون بعض المواقف الاتصالية كالاتصال المعارض أو الخاص بين الأفراد اتصالا ليس هادفا أو بلا هدف، أو من الممكن أن يؤدي إلي خلق معاني جديدة أو غموض جديد، من عملية الاتصال نفسها.
وتقوم هذه النظرية علي الأساس الذي يقول بأن العلاقة التي تحدث بين المرسل والمستقبل تكون أساسا علاقة ذرائعية أو وسائليه.
النظرية التوافقية Congruence theory
أن مقومات نظرية التوازن والتوافق الأساسية تعتبر بسيطة للغاية وتأتي متغيراتها في الأصل من نظرية الجشتالت Gestalt ويعد أقدم شكل من أشكال النظريات التي تتصل أو ترتبط بالاتصال، هو الشكل الذي جاء به هيدر Heider والذي يظهر وكأن اثنين من الأشخاص في وضع الذي يحمل كل واحد منهما للآخر اتجاهات متناقضة مثل الحب والكراهية في نفس الوقت، أو أنهما يحملان هذه الاتجاهات نحو موضوع أو موضوعات أو أشياء أخرى خارجية، في مثل هذا الموضع تكون بعض أشكال العلاقة متوازنة عندما يحب كل واحد منهم الآخر أو يحبا الموضوع الخارجي، من ناحية أخرى فأن أنماط العلاقة هذه لا تكون متوازنة (خصوصا عندما يكره واحد منهم الأشياء التي يحبها الآخر) أيضا تفترض هذه النظرية أن يقاوم المشاركين التغير عندما يكون بينهم توافق أو توازن، وعندما لا يكون توازن فأن جميع المحاولات تكون من أجل استعادة هذا التوازن, لأن بدونه لا يمكن حدوث أي نوع من أنواع الاتصال بصورة متكاملة ومجدية. لأن الاتصال يعتبر إجراء أساسيا من أجل الموافقة والانسجام والتناغم، وأن التوتر الذي يحدث نتيجة لعدم التناسق والتناغم هو الذي يؤدي إلي إضعاف الأعمال الاتصالية بالفاعلية المستمرة.
بالإضافة لما ذكر فأن نيوكمب Newcomb يري أن الاتصال عبارة عن استجابة أو رد فعل مكتسب الذي يمكن الفرد من مواجهة التوتر والعمل علي إزاحته أو التغلب عليه، وذلك من خلال ما يحدث أثناء القيام بعملية الاتصال بين أطرافه المختلفة. وبالاعتماد علي هذا الرأي فأن الاتصال يأتي بصورة مباشرة بعد حدوث الخلل في التوازن النسقى الذي يؤدي إلي اتجاه الاتصال للعمل علي إعادة حالة التوازن المطلوبة، وتستمر هذه العملية حتى تصل المعلومات الجديدة التي تؤدي إلي تعكير صفوة، مما يؤدي إلي اختلال التوازن مرة أخرى لذلك يحدث الاتصال من جديد حتى يعود التوازن المطلوب وهكذا.
وعليه فأن الاتصال الذي يقوم به الأفراد من أجل الوصول إلي التناسق الداخلي يعتبر بمثابة العامل الأساسي الذي يشكل نمط وطريقة استقبال وتفسير مضمون الاتصال الذي يحدث في المواقف المختلفة وتحمل الرسالة المرسلة فيه معاني ومحتويات ذات دلالة خاصة تفهم لدي كل فرد يستقبلها الفهم المميز والمعبر.
وتعتبر نظرية Festinger التي تتحدث عن انعدام التناغم أو الانسجام المعرفي بين أطراف عملية الاتصال من أهم وأكثر أنواع الصياغات تطورا بالنسبة لنظرية التوازن ولقد قام الباحث Zajonic بتلخيص العناصر الأساسية التي قامت عليها نظرية festinger وهي:
1- كل عنصرين من عناصر المعرفة يصبحا في علاقة متنافرة أو غير منسجمة إذا كان خطأ إحداهما مؤكد ويؤدي إلي صحة العنصر الآخر.
2- أن عدم الانسجام (والذي يؤدي في العادة إلي عدم الراحة النفسية) يعمل علي دفع الإنسان وتحفيزه علي بذل المجهود والمحاولة من أجل خفض حالة التنافر وعدم التناغم إلي أن يصل في نهاية الأمر إلي الانسجام والتوافق.
3- زيادة علي المحاولات التي يقوم بها الفرد لخفض حالة عدم التناغم الخاص الذي يحدث له، فأنه سوف يعمل بشكل جدي إيجابي وفعال علي تجنب المواقف والمعلومات التي من الممكن أن تؤدي إلي زيادة هذا التنافر والتباعد وعدم التناغم.
وهذه النظرية في جوهرها تقوم علي عدد من المضامين والمعاني التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بعملية الاتصال وبما أن الاتصال يعتبر الطريق الرئيسي الذي من خلاله تتم للأفراد المحافظة علي التوازن في البيئة، والقيام بالبحث عنه في حالة اختلاله والعمل علي إعادته إلي ما كان عليه فأن هذه النظرية تضع بعض الشروط التي لها علاقة بالدافع الخاص بإرسال واستقبال الرسائل علي اختلاف مضمونها، والنمط الذي يشكل السلوك الذي يصدر عن الأفراد أثناء القيام بالاتصال، كما أن هذه النظرية تتحدث عن إمكانية بحث الأفراد عن المعلومات التي تعمل علي تأكيد أو تعزيز اتجاهاتهم ورؤية كل واحد منهم لهذا العام.
وبأسلوب وطريقة مشابهة نستطيع أن نقول أن هذه النظرية تري أن الأفراد أثناء قيامهم بالاتصال مؤكد أنهم سوف يبتعدون عن المعلومات التي من الممكن أن تزيد من حالة التنافر وعدم التناغم أو الانسجام بينهم. لأن الأفراد علي اختلاف شخصياتهم مؤكد أنهم سوف يقومون بتفسير المعلومات التي تصل إليهم بطريقة انتقائية أو اختيارية وذلك بما يتفق مع البيئة القائمة لآرائهم وعلي هذا الأساس فأن الأفراد الذين يقومون بالاتصال يمكنهم القيام بتنظيم المعلومات الجديدة التي تصل إليهم.
أيضا نستطيع أن نقول في هذا المجال أن أفراد المجتمع مؤكد أنهم سوف يكونون عرضه لاستقبال الاتصال من الجوانب التي يربطهم بها علاقة معينة، مما يؤدي إلي ظهور استخدام هذه النظرية الخاصة لأول مرة عن طريق السلوك الاتصالي وبصورة واضحة أثناء القيام بدراسة تأثير الاتصال علي الاتجاهات الموجودة لدي الفرد.
والاتصال الذي نتحدث عنه يعتبر العملية التي تساعد على تطوير نمط معين من الاعتماد المتبادل الذي يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لعملية التعرض للضغوط الخارجية أو الموجودة مسبقا، من ناحية أخرى ترى هذه النظرية أن دور العلاقة الاتصالية هو دور ثانوي، وأن هذه العلاقة غير مستقلة بل تشكلها وتأثر عليها ظروف أخرى، وبالرغم من ذلك فإن شكل هذه العلاقات ومضمونها والتوجهات التي تربط بين أفراد المجتمع تعتبر نتائج للسلوك الاتصالي كما يظهر في الجوانب المختلفة.