الاتصال ظاهرة سلوكية اجتماعية إنسانية
الحياة التي نعيشها بصورة عامة وشاملة تعتمد في جوهرها أو في أساسها علي عملية الاتصال التي تحدث بصورة مستمرة في كل لحظة بن أبناء البشر في جميع المجالات الحياتية اليومية والتي دونها من الصعب أن يعيش الإنسان ويستمر في العيش لفترة طويلة من الوقت، كما يجب وكما هو مطلوب، والاتصال الذي نحن بصدد الحديث عنه هنا يعني العيش المشترك مع الأفراد الآخرين والجماعات الأخرى، والقيام بعملية تبادل أوجه النشاط والتفاعل المختلفة والتي عرفت منذ أن عرف الإنسان معني القيام بتبادل العلاقات والمنفعة مع الأفراد الآخرين الذين يتواجدون ويعيشون معه في نفس المكان والمحيط والبيئة التي تحكمها عادات وتقاليد خاصة بها ومن الممكن أن تجمع بين جميع الأفراد بصورة غير مباشرة.
والإنسان بطبيعته وصفاته ومميزاته الخاصة يختلف عن غيره من المخلوقات والكائنات، فهو علي جانب كبير من التعقيد والغموض، والعالم الذي يعيش فيه علي درجة كبيرة من التركيب وعدم الوضوح، والسلوك الذي يصدر منه يحدث في إطار قسم من التأثيرات المتداخلة والمترابطة مع بعضها البعض والتي تصدر من داخل الإنسان أو من العوامل الخارجية والمحيطة به، أي البيئة التي يعيش فيها وما يحكمها من عادات وتقاليد، والتي تؤثر تأثيرا مباشرا علي ما يصدر منه من سلوك، فهو مثلا يرغب ويحس، ويدرك ويتفاعل ويتذكر ويتعلم ممن هم حوله ويأتي معهم في علاقات يومية مختلفة المواضيع، كما وتوجد لديه المقدرة علي القيام بإيصال ما يريده ويقصده من معاني وأفكار ورغبات موجودة لديه إلي من هم حوله أو معه من أشخاص أو أفراد مختلفي المميزات والصفات والقدرات بمعني أنه يملك القدرة الخاصة التي تمكنه من القيام بتغيير صورة وشكل ومضمون الحياة في المحيط والمكان الذي يعيش فيه أو يعتبر جزء أساسيا منه. وبوساطة عملية الاتصال التي يقوم بها في كل عمل يعمله، أو في كل لحظة من تواجده مع الآخرين والتي فيها يأخذ ويعطي يؤثر ويتأثر، يعمل ويتعلم، والتي بمساعدتها عندما يتعامل مع الآخرين يقوم بنقل معلوماته إليهم من أجل الاستفادة منها، والاستفادة من معلوماتهم التي تصل إليه ومن قيامه بهذه العملية الاتصالية استطاع التعرف علي معاني الأشياء وربطها مع الأشياء التي تعلمها والتي يعرفها من قبل وهذا بطبيعة الحال أدي إلي معرفة جديدة لم تكن موجودة لديه من قبل، وحدوث تطورات اجتماعية إنسانية جديدة لم تكن من الصفات المميزة له أو التي يتصف بها.
ولكي يحافظ الإنسان علي بقائه فهو يحتاج إلي توفير المطالب الأساسية التي عن طريقها يستطيع الوصول إلي المحافظة علي حياته وكيانه الإنساني، فهو بحاجة ماسة وضرورية جدا إلي الحب من جانب من يعيش في علاقة يومية في جوانب الحياة المختلفة. بالإضافة لذلك فهو بحاجة إلي المكان الخاص به، الذي يعرف حق المعرفة أنه يستطيع الذهاب إليه في أي وقت يريد، ويجد فيه الراحة والهدوء والاستقرار. أيضا هو بحاجة ضرورية إلي الجنس، أي وجود الجنس الآخر معه بصورة دائمة ومستمرة وأنه يستطيع إقامة العلاقات الجنسية وإشباع هذه الغرائز الضرورية وذات المكانة الخاصة والمهمة في حياة الفرد اليومية من كلا الجنسين وتوفير هذا الجانب يعني توفير الهدوء والراحة والتخلص من الضغوط والدوافع والمثيرات التي تلعب دورا فعالا في جميع جوانب الحياة بالإضافة إلي كل ما ذكر فأن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرد وتحمل العزلة وذلك لأنه مخلوق اجتماعي الذي تربطه علاقات وثيقة ومتنوعة مع أبناء جنسه بحيث أنه لا يشعر بالأمان والاطمئنان إلا إذا تواجد داخل المجتمع، ولأنه كائن اجتماعي بطبيعته لا يستطيع العيش بمفرده وبعيدا عن أفراد المجتمع، لذلك فهو دائما بحاجة ماسة للتواجد والعيش في جماعات منظمة التي تربطها علاقات وقوانين اجتماعية سهلة ومعقدة في نفس الوقت والتي تحد من حريته وحركته، والأعمال التي يقوم بها تكون مراقبة ومحط أنظار الآخرين وانتقادهم، وبالرغم من ذلك يفضل التواجد مع الآخرين.
والإنسان الذي نحن بصدد الحديث عنه يختلف عن غيره من المخلوقات التي تعيش علي الكرة الأرضية بالقدرات العقلية الموجودة لديه والتي هي من أهم مميزاته، بالإضافة لذلك فأن لديه القدرة علي القيام بالاتصال مع الآخرين، أو مع من هم حوله عن طريق استعمال الرموز التي يقصد منها معاني مختلفة لأشياء مختلفة، وهو بهذا يعتبر المخلوق الأول والوحيد الذي يستجيب لميزات بيئته المادية الحقيقية والبيئة الرمزية التي يضعها هو بنفسه، مثل البيئة الدينية أو غير الدينية التي تحدد نفس السير والعمل حسب ما تنادي به من أحكام وأفعال. والعرف الاجتماعي والعادات والتقاليد المسيطرة علي المحيط الذي يعيش فيه والتي تلعب الدور الهام في حياته وتسير خطواته في معظم الأوضاع، وهي أيضا التي تؤثر علي مجال التفاعل والاتصال لدي الفرد حينما يوجد فيه مواقف اجتماعية اتصالية مع مجتمعات أخرى تختلف عن المجتمع الذي يعيش فيه.
ما ذكر حتى الآن يدل علي أن الإنسان له بيئة خاصة به وتختلف عن باقي المخلوقات التي تعيش معه في نفس البيئة، وهو يخلق لنفسه جوا وعالما رمزيا الذي يضيف إلي الواقع والحياة التي يعيشها بعدا ومعني لا يمكن أن يعرفه ويدركه أو يميزه الإنسان. لأن عالم الإنسان يتطلب الفكر أي أن يملك القدرة علي التفكير بالمواضيع التي تواجهه في الحياة. ويملك القدرة علي الاتصال الرمزي الذي يعتمد ويقوم في الأساس علي اللغة اللفظية والتي هي من مميزات الإنسان وخصائصه الفريدة، كذلك يعتمد علي الفن والدين والعلم وجميعها جوانب هامة جدا ولها المكانة الخاصة لدي كل فرد من أبناء البشر.
واعتمادا علي ما ذكر نستطيع القول بأن العملية الاتصالية التي تحدث بين الإنسان ومحيطه الذي يعيش فيه أو يعمل فيه أو المجال الذي يتواجد فيه هي التي أدت إلي استمرار عملية التقدم والتطور في جميع جوانب الحياة وعلي مدى المراحل المختلفة لوجود الإنسانية، وهذه الحياة الاجتماعية التي أصبح يعيشها الإنسان والتي تقوم وتعتمد علي الاتصال الذي يؤدي بدوره إلي زيادة المعرفة والمعلومات الإنسانية التي تقوم بإيصال عقله ومنطقه بالوجود الاجتماعي ويجعل من حواسه الممر الذي منه يبدأ الاتصال الحسي والعقلي والتصوري بين الإنسان والعالم الموضوعي، وهذه المعلومات والمعرفة لها أهمية كبري في الحياة اليومية والعامة. وهذه الحياة وتطورها تبدأ بإدراك الإنسان لما يدور من حوله الإدراك الذي يؤدي إلي التفاعل بين الإنسان المتفاعل والأمور التي توجد وتحدث من حوله. وهذا التفاعل والتعامل يعني القيام بالاتصال مع من نتعامل معهم من مخلوقات مما يساعد الفرد علي اكتشاف ومعرفة معاني الأشياء ويتفاعل معها نتيجة للقيام بالاتصال. وهنا يجب أن نذكر أن الإنسان كجهاز للاتصال يحاول بصورة دائمة الابتعاد عن المواقف الحرجة والتي من الممكن أن تزيد من الغموض وعدم التأكد، وفي نفس الوقت يحاول أن يقلل من مساحة عدم الوضوح، الأمر الذي يؤدي إلي تقليل إمكانية التعارض الوجداني، وطبيعي في مثل هذا الوضع أن يقع الإنسان في حالة القلق والتوتر خصوصا إذا أجبر علي أن يختار بين بديلين الأمر الذي يؤدي إلي ظهور حالة من عدم الرضا لذلك يؤكد الاتصال الفعال علي الجوانب الإيجابية ويحاول التقليل من الجوانب السلبية.
والإنسان بطبيعته مخلوق الذي يعيش ويرتبط بثقافة معينة وله صلة وعلاقات وقيم، ويقوم بالاحتكاك بعائلات ومجتمعات متنوعة ومختلفة، والتي لها أثر وأهمية خاصة في عملية تكوين المعرفة وتنشئة الفرد أي أن للعوامل الاجتماعية والمصادر الثقافية أثرها في عملية اكتساب المعارف ونشأة وتطور المعتقدات والاتجاهات الفكرية المختلفة، والتي تعتبر السبب المباشر والأساسي في خلق وإيجاد النزعات النفسية السائدة والظاهرة في معظم المجتمعات والثقافات.
ومن الأمور التي لا يوجد فيها مجال للشك هو أن الثقافة تعتبر المدخل إلي معظم المعتقدات، لأنها تعطي المعاني لأنواع المفاهيم المختلفة، لأن الثقافة تعتبر همزة الوصل والأساس الاتصالي الذي يحدث بين الشعوب والمجتمعات المختلفة، أي أن الثقافة هي الأساس الوجودي الذي يؤدي إلي وجود كل فكرة وكل معرفة لأن العقول تختلف فيما بينها مما يساعد علي تباين أساليب الفهم والإدراك.
ومن الصعب أن لم يكن من غير الممكن القيام بعملية تفسير للأفكار والمعاني والمعتقدات، إلا عن طريق الرجوع إلي طبيعة الموقف الاجتماعي العلم، الذي يحدد إطارها ويعطيها معناها وما يقصد منها، والفرد أثناء قيامه بالاتصال ومن خلال مدركاته وعلاقاته ومعارفه المختلفة والمتعددة ينمو ويتعلم نظم المجتمع وثقافته وأفكاره وتصوراته وتصرفاته.
واعتمادا علي جميع هذه الأسس والجوانب التي ذكرت نقول أن عملية الاتصال كظاهرة سلوكية اجتماعية إنسانية تعتبر عملية هامة وضرورية التي تؤدي إلي تكون العلاقات التي تربط الناس مع بعضهم البعض داخل المجتمع الذي يعيشون فيه أيضا تعتبر هامة وضرورية بالنسبة لعمليات التوافق والفهم التي يجب أن توجد لدي أفراد المجتمع علي اختلاف درجاتهم ومستوياتهم لكي نستطيع الوصول إلي الاتفاقيات الهامة التي تساعد في المحافظة علي المجتمع واستمرار ترابطه.
وفي هذا المجال قال جون ديوي الفيلسوف الأمريكي أن عملية الاتصال تعتبر من أعجب شؤون وأمور الإنسان علي الإطلاق، ويقول أيضا "أن المجتمع لا يوجد فقط عن طريق الاتصال بل يتأصل ويتأسس في عملية الاتصال" وهذه العملية ضرورية وهامة لكل عمليات التوافق والفهم التي يتوجب علي أفراد المجتمع القيام بها بهدف الوصول إلي الاتفاقات التي تساعد علي استمرار ترابط جميع أفراد المجتمع وتحافظ عليه من الانهيار والتفكك، لأن الاتصال بطبيعته يؤثر علي الإنسان وسلوكه في كل الجوانب والأعمال التي يقوم بها في كل يوم وفي كل لحظة من لحظات الحياة التي يعيشها. ويشترك في عملية الاتصال بأنواعها كل الناس في مجالاتهم المختلفة من الصباح وحتى المساء كل فرد يقوم بنقل المعلومات الموجودة لديه والتي يعرفها، وفي نفس الوقت يقوم بتلقي المعلومات التي ترسل إليه بصورة خاصة والتي ترسل بصورة عامة من الآخرين أي أنه في حالة تبادل مستمر للمعلومات مع الآخرين.