د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

أدوات وتقنيات حديثة لدراسة الدماغ Modern Tools and Techniques to Study the Brain

لا نشك أنه يهمك أن تعرف ما الذي يجري في مختبرات ومستشفيات الدماغ، كما يهمك أن تتهيأ لما يمكن أن تتمخض عنه العلاقة بين علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب

January 2, 2024 عدد المشاهدات : 1717

مقدمة: 
لقد ظل الدماغ البشري ولعقود عديدة خارج نطاق البحث العلمي. فالخلية العصبية أصغر من أن ترى بالعين المجردة، ودفعاتها Impulses أضعف من أن تسجل  بالأقطاب Electrodes الكهربائية العادية. لقد كان من الميسور أن تلاحظ الآثار التي تتركها إصابات الدماغ أو أمراضه ولكننا لم نمتلك الأدوات التي تمكننا من استكشاف آفاق الدماغ. 
أما الآن فكل شيء تغير سواء في اهتمامات العلم بعامة أو الطب بخاصة، فأصبحنا قادرين على اقتطاع بعض خلايا الدماغ التالفة أو العادية دون أن نترك أية آثار جانبية ضارة، وأن نسير الدماغ بدفعات كهربائية خفيفة، وأن نتلصص على الوسائل التي تحملها النيرونونات، وعلى الفعل الكلي لبلاتين الخلايا العصبية. نستطيع أن نرى الألوان التي تعكس استهلاك الدماغ للطاقة وغيرها. إن الأدوات والتقنيات التي توفرت صنفت ما يعرف باسم ثورة علم الأعصاب وهي موضوع حديثنا في هذا الفصل. (Myers, 2004). 
ويمكن تصنيف طرق دراسة وظائف قشرة الدماغ إلى: طرق "غير تداخلية" لا نقوم فيها بأي تدخل أو إحداث أية اضطرابات في وظائف تلك القشرة، إنما تقتصر مهمتنا على تصوير أو مراقبة قشرة الدماغ أثناء تأديتها لوظائفها مثل: التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي. 
الصنف الثاني من هذه الطرق "طرق تداخلية" يتم بواسطتها التدخل المقصود في الدماغ مثل إزالة جزء من الدماغ لمعرفة ما نتج عن تلك الإزالة من اضطراب في وظائفه. 
إن التطور الكبير الذي حدث في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في وسائل تصوير الدماغ والتعرف على وظائف مناطقه المختلفة وضع بين أيدي أخصائيي علم النفس والمهتمين بدراسة الدماغ عدداً كبيراً من التقنيات التي يستطيعون بموجبها دراسة وفهم وظائف الدماغ بصورة أفضل مما كان متاحاً لزملائهم في الماضي.
لا نشك أنه يهمك أن تعرف ما الذي يجري في مختبرات ومستشفيات الدماغ، كما يهمك أن تتهيأ لما يمكن أن تتمخض عنه العلاقة بين علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب. لكل هذا حرصنا أن يكون هذا الفصل في كتاب علم النفس.

 
أولاً: الطرق غير التداخلية Non-Invasive Techniques
1- تخطيط الدماغ الكهربائي: Electroencephalogram (EEG)
استعمل تخطيط الدماغ الكهربائي على الإنسان لأول مرة من قبل "Hans Berger" عام 1927. وأول تقرير علمي عنها نشر عام 1929. يعتمد تخطيط الدماغ الكهربائي على قدرة عدة أقطاب كهربائية توضع على فروة الرأس على التقاط التغيرات الكهربائية الضعيفة جداً والتي تحصل في قشرة الدماغ وتحويل هذه التغيرات إلى رسم على ورقة خاصة ويسمى الرسم "موجات دماغية" والتي يتألف منها التخطيط. 
أسهم تخطيط الدماغ الكهربائي في اكتشاف أن هناك نوعين من النوم واحد يتصف بعدم  التحرك السريع للعينين (NREM) ويتكون من أربع مراحل. والنوع الآخر يتصف بالتحرك السريع للعينين (REM) وكل مرحلة من مراحل النوم تظهر موجات دماغية في تخطيط الدماغ خاصة بها ويمكن تتبعها أثناء النوم. 
أسهم تخطيط الدماغ الكهربائي في المساعدة في تشخيص مرض الصرع ومعرفة مصدر الموجات الدماغية الصرعية في الدماغ. ومعرفة أماكن إصابات الدماغ حيث عادة ما تظهر هذه الإصابات موجات دماغية غير عادية. وساهم كذلك في إظهار الفرق بين عمل نصفي الدماغ إذ تبين أن النصف الأيسر والذي غالباً ما يكون هو السائد يكون أكثر نشاطاً من النصف الأيمن عندما يكون الإنسان مشغولاً في مهمة لغوية، وأن النصف الأيمن يكون أكثر نشاطاً من النصف الأيسر عندما يكون الإنسان مشغولاً في مهمة تحديد الأماكن (Kosslyn, 1988) وهذه النتائج عززت انطباعات الباحثين واستنتاجاتهم السابقة من مرضى إصابات الدماغ المختلفة. من الممكن أحياناً أن يكون تسجيل نشاط الدماغ الكهربائي بواسطة أقطاب توضع مباشرة على قشرة الدماغ أو في مناطق أخرى أكثر عمقاً خاصة أثناء العمليات الجراحية في الدماغ وعندها يكون تسجيل نشاط الدماغ أكثر دقة ومصدره محدد بشكل أفضل من التخطيط الذي مصدره فروة الراس. 
نجحت جهود الباحثين في ترجمة بعض النشاطات في تخطيط الدماغ كمؤشر على نوع النشاط الذي يقوم به الإنسان أثناء خضوعه لتخطيط الدماغ. قسم الباحثون نشاط الدماغ الكهربائي من خلال تخطيط الدماغ إلى أنواع من الأمواج الكهربائية حسب سرعتها محسوبة بالهيرتز (HZ). فمثلاً أمواج ألفا (A) من 8 – 13 Hz تظهر عندما تكون العيون مغلقة، وتضعف عند فتح العينين وتركيز البصر على شيء ما. 

وأمواج بيتا (B) من 14 – 30 Hz وهي سريعة يزيد تواجدها في تخطيط الدماغ عندما يكون الشخص بحالة تفكير عميق مثل أثناء حل مسألة حسابية. 
وأمواج ثيتا ( ) من 4 – 7 Hz تظهر هذه الأمواج أثناء القلق والتوتر والإحباط. 
وأمواج دلتا ( ) وهي أقل من 4 Hz تظهر أثناء النوم العميق في المرحلة الثالثة والرابعة من النوم المتصف بعدم التحرك السريع للعينين (Kosslyn & Rosenberg, 2004). 


2- التصوير الطبقي المحوري: Computerized – Assisted Temography (CT Scan)
كان التصوير الطبقي المحوري عام 1972 أول طريقة لتصوير التركيب التشريحي للدماغ بطريقة غير تداخلية، حيث طورت هذه الطريقة من قبل شركة Godfrey Hormsfield & EMI حيث فازوا بجائزة نوبل على هذا الاختراع. مكنت هذه الطريقة الأطباء والباحثين من التحديد الدقيق لأماكن إصابات الدماغ كالأورام والالتهابات والجلطات الدماغية وخاصة الكبيرة منها والتي تكون في الأماكن العلوية والأقل عمقاً في الدماغ. 

تعتبر هذه الطريقة لتصوير الدماغ في الوقت الحاضر الأكثر شيوعاً والأرخص والأسرع في الحصول على صورة واضحة لأجزاء الدماغ، لأخذ صورة طبقية للدماغ يوضع المريض على سرير ويكون رأسه داخل آلة التصوير التي تحوي أنبوب الأشعة السينية والذي يرسل أشعة حول الرأس وتلتقط في الجهة المقابلة حول الرأس من قبل ماسحات تم ربطها في كمبيوتر، ويعيد الكمبيوتر تركيب الصور حسب كثافة المادة الدماغية التي اخترقتها الأشعة ويظهرها على شكل صورة لشريحة دماغ تتراوح سماكتها بين 5 – 10 ملم. لتحسين نوعية الصورة يتم إعطاء مواد مظللة تساعد في إظهار أجزاء الصورة بصورة أوضح. بالرغم من أهمية التصوير الطبقي المحوري، لكن هناك بعض المحددات لقدرته على إظهار المكان الدقيق لإصابات الدماغ خاصة المجاورة لأجزاء عظمية حيث يمتص العظم مقداراً كبيراً من الأشعة مما يجعل صورة الأجزاء المجاورة أقل وضوحاً. ومن ناحية أخرى فإن التصوير الطبقي المحوري لا يعطي أي فكرة عن نشاط الأجزاء المختلفة من الدماغ ولهذا فقد تطورت طرق أخرى أحدث منه لمساعدة الباحثين في هذا المجال (Kosslyn & Rosenberg, 2004). 


3- التصوير بالرنين المغناطيسي: Magnetic Resonance Imaging (MRI)
في الوقت الحاضر يعتبر تصوير الدماغ بواسطة الرنين المغناطيسي من أهم طرق تصوير الدماغ وتفوق على التصوير الطبقي المحوري من حيث قدرته على إظهار أورام الدماغ الصغيرة والإصابات الأخرى في الدماغ ومناطق الجسم الأخرى بصورة أوضح. 
يتم التصوير بوضع المريض على طاولة ويكون حول رأسه آلة تولد مجالاً مغناطيسياً قوياً جداً يؤثر على آيونات الهيدروجين في الماء الموجود في أجزاء الدماغ المختلفة وهذا التغير البسيط في محتوى أجزاء الدماغ المائي يولد موجة يلتقطها ماسح جهاز الرنين المغناطيسي ويحولها إلى كمبيوتر حيث يعالجها ويظهرها على شكل سلسلة من الصور الثنائية الأبعاد للأجزاء المختلفة من الدماغ. تختلف الأمواج المنبعثة من الهيدروجين حسب الوسط الموجود فيه وهذا يظهر الاختلاف الواضح بين أجزاء الدماغ. 
يعتبر التصوير بالرنين المغناطيسي طريقة جيدة وأفضل من غيرها لأسباب عدة أهمها أنه ليس هناك أشعة تمر في دماغ المريض كما هو الحال في التصوير الطبقي، ويمتاز بالدقة التشريحية والوضوح حيث تصل قدرته إلى إظهار ورم قطره 1 – 2 ملم، وليس له آثار جانبية ما عدا أن بعض المفحوصين يشعرون بالضيق والتوتر أثناء التصوير لوجودهم في مكان ضيق وقد يزعجهم الضجيج العالي الذي يصدره جهاز التصوير. (Myers, 2004). 


4- تصوير الدماغ الوظيفي بالرنين المغناطيسي Functional Magnetic Resonance Imaging (FMRI)
إن هذه الطريقة هي تطور مهم جداً حدث على التصوير بالرنين المغناطيسي إذ أصبح بالإمكان بالإضافة إلى تصوير مناطق الدماغ تشريحياً أن يلتقط لها صور وهي تعمل. 
أدى التقدم الهائل في جمع المعلومات ومعالجتها بواسطة الكمبيوتر إلى الحصول على صور بسرعة فائقة وساعد في تطوير هذه الطريقة. أن النشاط العصبي في منطقة ما في الدماغ يسبب زيادة في تدفق الدم إلى هذه المنطقة وهذا يزيد كمية الهيموجلوبين المحمل بالأكسجين في هذه المنطقة وبواسطة جهاز الرنين المغناطيسي يمكن التقاط مستوى الأكسجين في هذه المنطقة والذي يمثل مستوى النشاط فيها وهذا هو المبدأ الذي يعتمد عليه التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي. 
ساهمت هذه الطريقة الحديثة في كشف بعض التفصيلات في تنظيم اللغة في الدماغ، فمثلاً باستعمال مجموعة من المهمات اللغوية التي تحتاج إلى تمييز بينها سواء له علاقة بالمعنى، لفظي أو سجعي. وجد أن السجع وليس الأنواع الأخرى في اللغة أحدث نشاطاً في التلفيفة الجبهية السفلى في جانبي الدماغ في النساء ولكن نفس المهمة في الرجال أحدثت نشاطاً في نفس المنطقة ولكن في الجهة اليسرى فقط.
وفي دراسة أخرى على مرضى الفصام وجد أن الهلاوس السمعية التي يعانون منها تحدث نشاطاً في القشرة السمعية الأولية في دماغهم تماماً كما لو كانوا يسمعون أصواتاً طبيعية من الخارج. وفي دراسة أخرى وجد أن الموسيقى وصوت النساء تحدث نشاطاً في نفس المنطقة من دماغ الرجال ولكن صوت الرجال يحدث نشاطاً في منطقة أخرى من دماغهم. 
تعتبر طريقة التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي من أوسع الطرق انتشاراً في دراسة الاضطرابات المعرفية وعلاقتها بالمناطق المختلفة من الدماغ. استعمل (غابريلي Gabrieli) وفريقه هذه الطريقة لدراسة أجزاء الدماغ التي لها علاقة بمعالجة المعاني حيث أعطى المفحوصين مهتمين

(1) تقرير إن كانت مجموعة من الكلمات حرفية أي تدل على اشياء أو مجردة. 

(2) تقرير إن كانت مجموعة كلمات مكتوبة بحروف كبيرة. كان وجهة نظر الباحثين أن المهمة الأولى كان لها علاقة بمعالجة المعاني بينما المهمة الثانية ليس لها علاقة بذلك. أهم النتائج التي ظهرت من خلال تصوير الأشخاص أثناء تأديتهم المهمة بواسطة التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي إن هناك أجزاء من قشرة الدماغ الجبهية الأمامية اليسرى (Pfrefrontal Cortex) كانت أكثر نشاطاً عندما كانت المهمة لها علاقة بمعالجة المعاني. ووجدوا في نفس الوقت أن هناك نشاطاً في المنطقة السفلية اليسرى من القشرة الدماغية الجبهية الأمامية عزوها إلى مهمة البحث عن معنى. ووجدوا كذلك أن الكلمات ذات المعنى التي تعاملوا معها كان تذكرها أسهل من الكلمات الأخرى التي لا معنى لها وكذلك كشفت هذه الطريقة في الأبحاث التي أجريت على الأشخاص الذين يعانون من عسر القراءة (Dyslexia) وهم يلقون الشعر (كلام سجعي) إن منطقة (Wernick's) والجزيرة (Insula) لا تنشط في هؤلاء الأشخاص بينما تنشط هاتان المنطقتان في الأشخاص الأصحاء عند قيامهم بنفس المهمة. (Myrs, 2004). 


5- التصوير بالرنين المغناطيسي الطيفي Magnetic Resonance Spectroscopy (MRS)
يعتمد التصوير بالرنين المغناطيسي الطيفي على أن جهاز التصوير قادر على التقاط الطاقة الصادرة من البروتونات والنيوترونات الطليقة من ذرات مواد عدة موجودة في دماغ الإنسان بعكس التصوير الوظيفي القادر على التقاط الطاقة الصادرة من ذرة الهيدروجين فقط، وهذا يجعلها أكثر ملاءمة لدراسة عمليات التمثيل والتحول، وأماكن تواجد المواد في الدماغ وخاصة الناقلات العصبية. 
أمكن بواسطة هذه الطريقة من التصوير التعرف على أماكن تواجد الكثير من الناقلات العصبية مثل glutamate, GABA. وفي إحدى الدراسات وجد أن الفص الصدغي لمرضى الخرف (Alzheimer's) يحوي تركيزاً قليلاً من مادة N-acety – 1 – aspirate (NAA) وزيادة في تركيز مادة (Anositol) في الفص الخلفي في جبهتي الدماغ. 
وكذلك وجد أن مادة (NAA) قليلة في الفص الصدغي والجبهي لمرضى الفصام العقلي، من الممكن من خلال التصوير الطيقي أن نتعرف على تركيز العلاجات النفسية في المناطق المختلفة في الدماغ أثناء فترة العلاج. 
وفي دراسة أخرى من خلال هذه الطريقة وجد أن مرضى الهلع لديهم تركيز أكثر من الطبيعي في دماغهم من مادة الـ (Lactate)، وكذلك وجد أن الدماغ يتعامل مع العلاجات النفسية تبعاً لطور المرض فمثلاً في مرض الهوس الاكتئابي يكون مستوى دواء الليثوم في الدماغ نصف مستواه في الدم عندما يكون الشخص مكتئباً أو طبيعياً ويزداد هذا التركيز عندما يكون المرض في طور الهوس.


6- التصوير الطبقي بقذف الإلكترون الإيجابي (البوزيترون) Positron emission Tomography (PET)
من مجمل طرق تصوير الدماغ المختلفة نالت هذه الطريقة الاهتمام الأكثر في وسائل الإعلام في العشرين سنة الأخيرة. يعتمد التصوير بهذه الطريقة على الإلكترون الإيجابي (البوزيترون) وهي جزيئات ذرية تقذف من بعض المواد المشعة مثل الجلوكوز والأكسجين التي تحقن في الدم وعندما تصبح منطقة ما من الدماغ نشطة يتحرك الدم ومعه المادة المشعة إلى هذه المنطقة وتبدأ بقذف أشعة غاما. وهناك آلة مسح دائرية حول الرأس تبدأ بالتقاط هذه الأشعة وترسلها إلى كمبيوتر يحول هذه المعلومات إلى صورة عن درجة النشاط في هذه المنطقة من الدماغ وكذلك بعض المعلومات عن حجم الدم الذي يمر في هذه الأجزاء وعن حالة "الاستقلاب الدماغي" (metabolism). 
أحد الفوائد التي قدمتها هذه الطريقة لعلماء النفس هو ما قام به (Tulving, 1989) حيث باستعماله هذه الطريقة توصل إلى أن مقدمة الدماغ تكون نشطة جداً عندما يفكر الشخص بأحداث شخصية مرت به (Episodic Memory) بينما تكون مؤخرة الرأس نشطة جداً عندما يفكر الشخص بأحداث عامة (Semantic Memory) ليست لها علاقة شخصية به، وأدى ذلك إلى معرفة أن أجزاء مختلفة من الدماغ تضطلع بأنواع مختلفة من التفكير والذاكرة. 
وفي بحث آخر وجد أنه باستعمال هذه الطريقة في تصوير شخص يقرأ بصوت عال زاد نشاط القشرة الدماغية في منطقة الحركة ومنطقة السمع ومنطقة البصر بينما عند تصوير شخص يقرأ نفس الصوت بصمت وجد أن هناك نشاطاص في منطقة البصر فقط. (Visual Cortex). 
وساهمت هذه الطريقة في التعرف على تطور ونمو دماغ الإنسان منذ الولادة وحتى سن البلوغ، حيث وجد أنه عند بلوغ الطفل السنة الأولى من عمره يصبح طابع استهلاك دماغه لمادة الجلوكوز (مصدر الطاقة) مثل الكبار ولكنها تكون مختلفة قبل ذلك. 
وفي دراسة أخرى استعملت هذه الطريقة في تصوير أشخاص استمعوا بسرعة إلى قائمة من الكلمات لها علاقة ببعضها من حيث الموضوع وعندما سئلوا أن يعيدوا هذه الكلمات، ذكر بعضهم كلمات لها علاقة بالموضوع ولكن لم تكن في القائمة التي تليت عليهم ولكنهم قالوا أنهم سمعوها. تبين من التصوير أن قرن أمون (Hippocampus) كان نشطاً عند التذكر سواء كان حقيقياً أو غير حقيقي، بينما القشرة السمعية (Auditory Cortex) كانت نشطة أثناء التذكر الحقيقي للكلمات التي وردت في القائمة، وعند الضغط على الأشخاص ليقرروا أي الكلمات وردت في القائمة أم لا أصبح النشاط مركزاً في الفص الجبهي (Frontal Lobe). 
ساهمت هذه الطريقة في اكتشاف الناقلات العصبية مثل الدوبامين (Dopamine) وأماكن تواجدها وأماكن انطلاقها ومستقبلات هذه الناقلات والأدوية التي تغلق هذه المستقبلات وكذلك ساهمت في التعرف على مناطق الدماغ التي لها علاقة في طريقة إدراك الشكل، واللون والسرعة في جهاز الإبصار (Kosslyn & Rosenberg, 2004). 
يمكن تلخيص وسائل تصوير الدماغ وميزات كل منها على النحو التالي: 

وسائل تصوير الدماغ إيجابياتها وسلبياتها 

طريقة التصوير الإيجابيات  السلبيات
1- التصوير الطبقي المحوري تصوير الأجزاء التالفة من الدماغ في ضحايا الحوادث والأورام والجلطات، رخيصة وشائعة صعوبة تعيين موقع التلف بدقة ولا تظهر وظائف الدماغ. 
2- التصوير بالرنين المغناطيسي صورة واضحة وقدرة على تصوير الأجزاء الصغيرة جداً.  تظهر التركيب ولا تظهر الوظيفة.
3- التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي صورة ثلاثة الأبعاد تظهر التركيب والوظيفة  الصورة تكون بعد نشاط الدماغ بثانية، تظهر مقدار تدفق الدم وليس النشاط المباشر
4- التصوير بقذف البوزيترون تظهر الصورة أثناء تأدية الأجزاء لوظيفتها  لا تعطي النشاط أولاً بأول ولكن على مدى دقيقة.

          
ثانياً: الطرق التداخلية في دراسة وظائف الدماغ Invasive Techniques
1- إحداث أضرار محددة في الدماغ (Ablations)
هذه هي أحد الطرق الرئيسية والقديمة لتحديد أماكن الوظائف المختلفة للدماغ. وتعتمد على ملاحظة نتائج تدمير أو إحداث أضرار محددة في دماغ الحيوانات، على افتراض أن أي وظيفة أو قدرة تختفي أو تتأثر بشكل كبير بعد تدمير جزء معين من الدماغ تكون هذه الوظيفة لهذا الجزء ومعتمدة عليه. 
بعد تخدير الحيوان ووضع رأسه في جهاز تثبيت للرأس والاستعانة بالصور الشعاعية للدماغ لتحديد المكان المقصود، يتم إحداث ثقب في الجمجمة ومن خلال هذا الثقب تتم العملية إما بشفط الجزء المقصود بواسطة شافطة هوائية أو قطعه بالسكين الجراحي أو حرقه بواسطة الأمواج أو الأقطاب الكهربائية.
وبواسطة هذه الطريقة درس (لاشي، Lashley، 1931) تحديد أمكنة وظائف الدماغ المختلفة في الفئران بواسطة تعليم الفئران المرور في متاهة وبعد أن تعلم الفئران المرور في المتاهة بسهولة أحدث أضراراً في قشرة دماغهم محاولاً معرفة مكان تخزين الذاكرة في قشرة 

الدماغ والشيء المفاجئ الذي وجده في ذلك الوقت أن أي ضرر من نفس الحجم في أي جزء من قشرة الدماغ يؤدي إلى نفس النتائج وهذا أدى به إلى وضع مبدأ التساوي (Equipotentiality) وينص على أن جميع أجزاء قشرة الدماغ تعمل بالتساوي في تخزين الذكريات. وأدى ذلك إلى اقتراح مبدأ العمل الجماعي وينص على أن الذكريات تتخزن في جميع أنحاء قشرة الدماغ ولكن هناك الكثير من الدلالات في الوقت الحاضر على أن المناطق المختلفة في قشرة الدماغ مسؤولة عن وظائف مختلفة. 
وفي مثال آخر: ما قام به الطبيبان كلوفر وبوسي (Kluver & Bucy) من جامعة شيكاغو حيث وجدا في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي أن إزالة الفص الصدغي من جانبي دماغ قرود الريزوس كان له تأثير كبير على ردود فعل هذا الحيوان نحو الخوف. ونتج عن هذه الجراحة عدة اضطرابات سلوكية غريبة صنفها الباحثان في خمس مجالات. عمى نفسي. التعرف على الأشياء عن طريق الفم، الميل للمس الأشياء وتفحصها، تغير في السلوك الجنسي وتغيرات عاطفية وبشكل رئيسي عدم الخوف من الأشياء التي عادة تسبب الخوف، عرفت هذه الأعراض فيما بعد بتناذر "كلوفروبوسي" وجميع هذه الأعراض لوحظت على الناس الذين يعانون من تلف الفص الصداغي. في تفسير الأعراض التي نتجت عن إزالة الفص الصدغي في جانبي الدماغ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن إزالة هذين الفصين تزيل معها بالإضافة إلى قشرة الدماغ بعض المراكز الموجودة تحت قشرة الدماغ مثل (Amygdala & Hippocampus) أي اللوزة وقرن أمون بعض الأعراض مثل العمى النفسي (عدم القدرة على التعرف على الأشياء من خلال النظر) ربما نتجت عن إزالة القشرة البصرية في الفص الصدغي والاضطرابات العاطفية نتجت عن إزالة اللوزة حيث أن هناك الكثير من الأدلة على علاقة اللوزة بالعواطف وليس الخوف فقط.
مع أن هذه الطريقة قادرة على توفير معلومات عن مواقع وظائف الدماغ المختلفة ولكن هناك بعض المحددات التي تؤثر على تفسير نتائجها وهي: 

  • من الصعب أحياناً تفسير النتائج بدقة بسبب أن أجزاء الدماغ مرتبطة ببعضها بقوة ووظائفها متداخلة ومن الممكن أن تدمير منطقة يعطل وظيفة ما، نتج لأن هذه المنطقة توصل الأوامر إلى المنطقة المسؤولة فعلياً عن هذه الوظيفة. 
  •  إن تدمير منطقة ما يؤثر سلباً على المناطق المحيطة بها وهذا يجعل تفسير النتائج بدقة صعباً.
  •  كثيراً ما يفشل الباحثون في التدمير الدقيق لمنطقة الدماغ المراد تدميرها. 
  • هناك قضايا أخلاقية متصلة باستعمال الحيوانات في مثل هذه الأبحاث. 


2- إصابات الدماغ: (Lesions): 
لا يمكن استعمال طريقة إزالة أجزاء أو إحداث أضرار في دماغ الإنسان لأسباب واضحة، ولكن هناك الكثير من الناس الذين يعانون أمراضاً تؤدي إلى إصابات في مناطق مختلفة من الدماغ هذه الإصابات من الممكن أن تنتج عن حوادث الطرقات، واستعمال الكحول المزمن، والجلطات الدماغية، والأورام الدماغية وغيرها. إن النتائج التي تنتج من هذه الإصابات من الممكن الاستدلال من خلالها عن كيفية عمل الدماغ البشري السليم. 
يطلق اسم "علم النفس العصبي" على الأبحاث المتعلقة بمعرفة كيفية عمل النظام المعرفي في الدماغ بدراسة الأشخاص المصابين بتلف دماغي في المناطق المختلفة من الدماغ والنتائج المترتبة عن هذا التلف. قبل ظهور الطرق الحديثة في تصوير الدماغ كان يتم التعرف على مكان الضرر في الدماغ بواسطة تشريح الدماغ بعد الوفاة. 


- دراسة حالة فينس قيج Phineas Gage
واحدة من أشهر وأقدم الحالات التي تظهر علاقة إصابات الدماغ بتغير الشخصية كانت حادث صناعي حدث عام 1848 وكان ضحيته مراقب عمال في الخامسة والعشرين من عمره وكان يدعى فينس قيج (Phineas Gage) حيث أنه أثناء دكه لمسحوق البارود بواسطة قضيب معدني في صخرة ليفجرها انفجر البارود واخترق القضيب المعدني رأس مراقب العمال. 
ونتائج هذا الحادث كما وصفها الدكتور جون هارلو (John Harlow) عام 1848 في مقالة طبية عنوانها "مرور قضيب حديد من خلال الرأس" يصف الدكتور هارلو أن طول القضيب كان حوال متر ووزنه 6 كلغم وأنه اخترق رأس مراقب العمال قريباً من عينه اليسرى من الأسفل وبعد مروره من خلال فص دماغه الجبهي الأيسر خرج من قمة رأسه، وبصورة غير متوقعة بعد أن حمله رفاقه إلى إحدى العربات جلس مراقب العمال جلسة طبيعية في العربة وهو في الطريق إلى الفندق الذي يقيم فيه ونزل من العربة لوحده و مشى مسافة طويلة من الأدراج ليدخل إلى الفندق. عندما رأى الدكتور هارلو مراقب العمال لأول مرة في الفندق عليه بأن الوضع "مخيف" كان قطر الثقب في جمجمته 9 سم وكان د. هارلو يدخل كامل أصبح السبابة من قمة الرأس ومن خده من الأسفل. عالج الدكتور هارلو الجرح بقدر ما استطاع وحدثت بعض الالتهابات في الجرح في الأسابيع التي تلت ذلك ولكن لدهشة الجميع خرج مراقب العمال من سريره وبدأ يتجول في شوارع البلد بعد شهر واحد من الحادث.
بقي د. هارلو على اتصال بعائلة المريض ونشر عنه في عام 1868 مقالة طبية أخرى عنوانها "التعافي من مرور قضيب في الرأس" يصف فيها حياة مراقب العمال قيج بعد الحادث. كان يبدو طبيعياً بعد تعافيه من الجروح إلا من شيء واحد هو شخصيته التي تغيرت بشكل كبير ودائم وعندما حاول العودة إلى عمله السابق وجدت الشركة أنه تغير كثيراً فرفضت إعادة استخدامه. كان مراقب العمال قبل الحادث يعتبر شخصاً كفئاً ومقتدراً، وكان عقله متزناً، وأحكامه على الأمور جيدة، وكان ينظر إليه من قبل زملائه أنه ذكي وفطن ويعمل بجد وإخلاص. ولكن كما وصفه د. هارلو بعد الحادث بعدة سنوان بأنه شخص متوتر وغير وقور ومنغمس في الملذات ومستهتر، ولا يحترم أصدقاءه، غير صبور ولا يطيق النصيحة إذا كانت مخالفة لرغباته، أحياناً عنيد جداً، ويترك كثيراً من المخططات المستقبلية دون تنفيذ أي منها، عقله تغير بشكل كبير لدرجة أن أصدقاءه كانوا يقولون "أنه لم يعد الشخص الذي نعرفه".
لم يكن هناك فحوصات نفسية لتعلمنا ماذا حدث لقواه العقلية المعرفية ولكن يبدو من وصف د. هارلو أن شخصيته تأثرت بالحادث أكثر من ذكائه. عاش قيج بعد الحادث اثني عشر عاماً مليئة بالفوضى وقلة التنظيم. بعد وفاته لم تشرح جثته ولكن جمجمته وقضيب الحديد حفظا في متحف كلية طب جامعة هارفرد. 
أعيد البحث على رأس قيج باستعمال طرق التصوير الحديثة وإعادة تمثيل دماغه وأعادوا رسم الأحداث وظهر أن القضيب أعطب بشكل كبير الفص الجبهي من الجبهتين، ويبدوا أن ذلك هو السبب في جعله كطفل سيئ السلوك يعبر عن عواطفه بصورة قوية جداً. إن حادث قيج كان من أوائل المؤشرات على علاقة الفص الجبهي بالعواطف ودرجة إظهارها.

 
دراسة حالة المريض "تان" 
هناك إحدى الحالات المرضية الأخرى التي أثرت في اكتشاف علاقة منطقة معينة من الدماغ بالقدرة على التعبير بالكلام. كان بروكا (Broca) من الأطباء الذين درسوا اضطرابات اللغة في القرن التاسع عشر وأشهر مريض درسه بروكا Broca هو المريض الذي بات يعرف بـ "تان" ودعي هكذا لأن هذا هو اللفظ الوحيد الذي كان قادراً عليه. كان تان مشلولاً من الجهة اليمنى من جسمه لسنين عندما تابعه د. بروكا، حيث وجد أن قدرة تان على الكلام كانت جيدة ولكنه كان غير قادر على التعبير وهذا الشيء آثار استغراب بروكا وفضوله. وعندما توفي تان وتم تشريح دماغه وجد أن هناك منطقة في النصف الأيسر من الدماغ قد أصابها التلف الواضح وهذه المنطقة أصبحت تعرف بمنطقة بروكا الدماغية وتعرف حالة تان الآن بفقدان اللغة التعبيري (Broca's/ expressive aphasia). 

من المفيد أن نعرف أن هناك منطقة قريبة من منطقة بروكا تسمى منطقة (Wernicke's) عند تلفها يصبح الشخص غير قادر على فهم الكلام ولكنه قادر على الكلام ولكن بدون معنى وتسمى فقدان اللغة الاستقبالي (Wernicke's – receptive aphasis) وهناك مناطق أخرى مجاورة لهاتين المنطقتين في الجهة اليسرى من الدماغ تنتج عن إصابتها اضطرابات مختلفة في اللغة. 


3- التسجيل من وحدة عصبية واحدة Single – Unit Recording: 
إن تسجيل النشاط الكهربائي لوحدة عصبية واحدة هو إحدى الطرق الدقيقة والحساسة جداً وقد طورت في الستينات من القرن الماضي ونستطيع تسجيل نشاط كهربائي بقوة واحد من المليون من الفولت. 
استعمل Hubel & Wiesel (1962) هذه التقنية لدراسة الفسيولوجيا العصبية للإبصار في القطط عندما يعرض عليها مثير بصري ما. بشكل عام وجدا أن أجزاء مختلفة من الدماغ لها علاقة بأوجه مختلفة من المثير البصري وهذا الاكتشاف أدى إلى إيجاد نظريات جديدة عن الإدراك البصري.

 
4- الإثارة الكهربائية Electrical Stimulation: 
الإثارة الكهربائية للدماغ تتم بوضع قطب يمر فيه تيار كهربائي ضعيف. إذا عمل ذلك بشكل جيد فإن الدماغ عند مرور التيار الكهربائي يستجيب وكأن هناك ومضة عصبية حقيقة تمر فيه، لكن هناك مشكلة في تفسير النتائج من خلال هذه الطريقة حيث أن الإشارة الكهربائية تختلف عن الومضة العصبية الطبيعية حسب قول كارلسون Carlson (1994). 
من خلال طريقة الإثارة الكهربائية تبين أن إثارة منطقة تحت المهاد (Hypothalamus) بقطب مثبت فيها يؤدي إلى شعور بالمتعة لدى الفئران وعند تعليمهم أن يضغطوا مكبساً لتلقي الإثارة يقضي الفئران معظم وقتهم يفعلون ذلك مما حدا بالكثير إلى تسمية هذه المنطقة بـ "مركز الانبساط".
من العلماء المشهورين في هذا المجال كان (Penfield) حيث أجرى كثيراً من العمليات الجراحية على مرضى الصرع في الستينات من القرن الماضي وخلال هذه العمليات كان يستعمل طريقة الإثارة الكهربائية على قشرة الدماغ وكثيراً ما كان المرضى نتيجة هذه الإثارة يستعيدون خبرات وأحداث سابقة بشكل حي وكأنها تحدث الآن، استدل (Penfield) من ذلك أن هناك مخزناً دائم للمعلومات في دماغ الإنسان. 
يبدو أنه من الصعب قبول استنتاجات Penfield ذلك أن القليل من المرضى استعادوا ذكريات منسية من زمن طويل والحقيقة الأخرى أن المرضى كانوا يعانون الصرع الذي غالباً ما يكون نتيجة تلف دماغي ومن الصعب التنبؤ أن تنسحب هذه النتائج على الناس الطبيعيين. 
في تجارب أخرى على القطط أدى إثارة اللوزة (Amygadala) بواسطة تيار كهربائي إلى زيادة اليقظة والتنبه والتركيز وحسب المنطقة المثارة من اللوزة فمثلاً إثارة الجزء الجانبي من اللوزة في القطط يؤدي إلى حالة من الخوف والعدوانية الشديدة، وإثارة اللوزة في الإنسان تؤدي إلى ظهور حالة من الخوف والقلق.


5- الصبغات البصرية (Optical dyes): 
استعملت الصبغات البصرية لدراسة وظائف القشرة الدماغية وأهم الطرق التقنية في هذا المجال هو ما استعمله بلاسدل Blasdel, (1992) حيث أزال جزءاً من جمجمة قرد فوق القشرة وحقنت هذه المنطقة بصبغة بصرية حساسة للتيار الكهربائي حيث يتغير لونها عند مرور تيار كهربائي فيها. عند وضع مثيرات بصرية أمام القرد تغير لون الصبغة وعند تمرير المثير البصري أمام عين واحدة من عيون القرد وجد أن بعض خلايا القشرة البصرية استجابت للمثيرات البصرية من العين اليمنى فقط أو العين اليسرى فقط بينما خلايا أخرى كانت تستجيب للمثير بغض النظر عن العين يسرى أو يمنى.


6- دراسات فصل جزئي الدماغ (Split – brain Studies): 
الكثير من المعلومات التي نعرضها عن اختصاص نصفي الدماغ وعن سيادة أحدهم على الآخر كان مصدرها دراسات المرضى الذين عمل لهم عملية فصل نصفي الدماغ بقطع الجسر الرئيس الواصل بينهما الجسم الجاسئ (Corpus Callosum). هؤلاء المرضى على الأغلب كانوا يعانون مرض الصرع الشديد غير المستجيب للعلاج وعملت لهم هذه العملية لحصر النشاط الصرعي في أحد نصفي الدماغ فقط، والجسم الناشئ يتكون من حوالي 25 مليون شريط عصبي تربط نصفي الدماغ ببعضهما البعض مع العلم أن هناك جسرين آخرين يربطان نصفي الدماغ. ولكن الجسم الجاسئ يعتبر أهمها من حيث توصيل المعلومات من نصف الدماغ إلى النصف الآخر. 

ولهذا تعتبر دراسة هؤلاء المرضى مثيرة لمعرفة ماذا يجري في كل نصف من الدماغ على حدة. في البداية ظن الجراحون أن قطع هذا الجسم لن ينتج عنه مشاكل ذات أهمية لدى هؤلاء المرضى بعد أن شاهدوا ذلك في القردة لسنوات حيث كان القرود التي أجريت لها هذه العملية تبدوا عادية في سلوكها وقدراتها.
بعد العملية لا يستطيع هؤلاء المرضى نقل المعلومات من أحد نصفي الدماغ إلى النصف الآخر. ولكنهم يحرصون على أن المعلومات البصرية من المحيط تصل إلى نصفي الدماغ بسهولة بواسطة تحريك أعينهم فيما حولهم. ولهذا يجب عمل فحوصات دقيقة ومحضرة بعناية لمعرفة النتائج السلبية الناتجة عن هذه العملية.
مثل هذه الدراسات عملت في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل سبيري وغازنجلا Roger Sperry و Michael Gazzanlga وفريقهم. أغلب الدراسات كانت متعلقة بالمثيرات البصرية حيث روعي أن بعض المعلومات ذهبت إلى النصف الأيسر من الدماغ وبعض المعلومات ذهبت إلى النصف الأيمن. إن تركيب الممر البصري معقد نوعاً ما حيث أن  الأعصاب من الجزء الخارجي من كلا شبكتي العينين تذهب إلى نفس النصف في جهة كل منهما. بينما الأعصاب القادمة من الجزء الداخلي من كلا شبكتي العينين يذهب كل واحد إلى النصف الآخر من الدماغ (انظر الصورة) شكل رقم (3 : 10) حيث يتقاطعان في التقاطع البصري ونتيجة لذلك فإن أية معلومة تصل إلى النصف الأيسر من الشبكية تصل إلى نصف الدماغ الأيسر فقط وأية معلومات تصل إلى النصف الأيمن من الشبكية تصل إلى نصف الدماغ الأيمن فقط. 


التجربة التالية قام بها سبيري Sperry (1972) وآخرون حيث عرض على مرضى انشطار الدماغ (تقسيم الدماغ) صورة وجوه فيها النصف الأيسر من وجه شخص موضوع بجانب النصف الأيمن لوجه شخص آخر. هذه الصور عرضت عليهم بسرعة لتجنب حركة العين مما جعل الباحثين متأكدين أن المعلومات عن النصف الأيمن من الصورة ذهب إلى النصف الأيسر من الدماغ والمعلومات من النصف الأيسر من الصورة ذهبت إلى النصف الأيمن من الدماغ. سئل المرضى ماذا رأوا. بشكل عام كان الجواب أنهم رأوا النصف الأيسر من الصورة وعندما سئلوا أن يؤشروا بأصابعهم عما رأوا، معظم المرضى أشاروا إلى النصف الأيسر من الصورة، هذا دليل على أن مركز اللغة بشكل رئيس أو حصري في النصف الأيسر من الدماغ بينما معرفة المحيط والتأثير على الأشياء المحيطة فيه تعتمد بشكل رئيسي على النصف الأيمن من الدماغ. 
وفي تجربة أخرى في هذا المجال عرضت صورة شيء ما بسرعة على النصف الأيمن من الدماغ، لم يستطع مرضى الدماغ المنشطر تسمية هذه الأشياء المعروفة ربما بسبب ضعف قدرة النصف الأيمن اللغوية وبعدها وضع المرضى أيديهم اليسرى وراء ستارة للتعرف على الأشياء التي ظهرت في الصورة، غالبية المرضى نجحوا في ذلك على الأغلب بسبب قدرة النصف الأيمن من الدماغ على التعرف على الأشكال وأجزاء المحيط. 
ومن أجل تقييم هذه التجارب على مرضى "تقسيم الدماغ" يجب أن لا يأخذنا الاعتقاد أن نصفي الدماغ في الناس الطبيعيين يعمل كل واحد مستقلاً عن الآخر. يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه في الناس الطبيعيين تنتقل المعلومات من أحد نصفي الدماغ إلى الآخر خلال أجزاء من الألف من الثانية ونتيجة لذلك فإن نصفي الدماغ يعملان بتعاون مع بعضهما وفي الواقع حتى في مرضى انشطار الدماغ يكون أداؤهم جيداً ما لم يعمل دراسات خاصة لتبين النواقص في قدراتهم. ويجب أن لا ننسى أن المرضى الذين درسوا قد عانوا من الصرع لسنوات وعادة ما يكون مرض الصرع ناتج عن عطب دماغي مما يجعل تفسير النتائج أصعب. 
 
دراسات على الأشخاص الطبيعيين (Studies on normales): 
هناك الكثير من الدراسات التي أجريت على أشخاص طبيعيين لمعرفة دور كل من نصفي الدماغ في معالجة المعلومات الواردة إليه.
من هذه التجارب "تقنية المجال البصري المقسوم" والذي من خلالهما يعرض مثيران بصريان في نفس الوقت واحد لكل نصف دماغ. ومن معرفة أي من المثيرين التقط يدل ذلك على أن نصف الدماغ الذي التقطه أو أدركه أولاً هو النصف الأفضل في مقدرته على هذه العملية من النصف الآخر. 
وهناك تقنية مشابهة وهي تقنية "السماع المقسوم" أي أن كلمتين أو رقمين مختلفين كل واحد يحكي في أحد الأذنين وبسؤال المشاركين ماذا سمعوا علماً بأن ما يحكي في الأذن اليمنى يذهب أولاً إلى النصف الأيسر من الدماغ وما يحكي في الأذن اليسرى يذهب أولاً إلى النصف الأيمن ولكن على أي حال سوف تنقل هذه المعلومات إلى الجهة الأخرى من الدماغ من خلال (Corpus Callosum) في 1/1000 من الثانية أو أقل دلت نتائج السماع والبصر المقسوم كما لخصها جرين Green (1999) على النحو التالي: 
في تجارب المجال البصري المقسوم وجد أن النصف الأيمن من الدماغ أفضل من الأيسر في تمييز الوجوه وتمييز الأشكال وتمييز قوة الإضاءة والألوان وإدراك العمق وإدراك الخطوط بينما النصف الأيسر أفضل من الأيمن في إدراك الكلمات والحروف والأرقام. 
أما في مجال السمع فإن النصف الأيمن أفضل في إدراك أصوات المحيط والموسيقى خاصة طول فترة العزف والجانب العاطفي، بينما النصف الأيسر أفضل في إدراك قول الأرقام والكلمات والجمل غير المترابطة والكلام المعكوس والطبيعي.
وفي مجال ذي علاقة وجدت كيموراي Kimura, (1989) أن النصف الأيسر من الدماغ كان أفضل في التعرف على الكلمات بينما الجانب الأيمن أفضل في إدراك الألحان. يبقى السؤال هل الاختلافات بين نصفي الدماغ عائدة إلى أن نوع الإثارة المقدمة لكل منهما أو أن الاختلاف يعتمد على طريقة معالجة هذه الإثارة من قبل الدماغ. 
بحث في هذا المجال Bradshaw & Sherlock, (1982) إذ عرضا على المشاركين في البحث وجوه على شكل مربعات، ومثلثات أو مستطيلات وفق تقنية المجال البصري المقسوم حيث وجدوا أن المشاركين كانوا أفضل في تمييز الوجوه ذات الأنف الطويل إذا عرضت على النصف الأيسر هذه النتائج تؤشر على أن الاختلاف بين جزئي الدماغ يعتمد على طريقة المعالجة اللازمة وليس فقط على نوع المثير .. وحسب هذين الباحثين فإن النصف الأيمن من الدماغ أفضل في إدراك الأشياء ككل (تقارب أجزاء الوجه) بينما النصف الأيسر أفضل في إدراك الأشياء بطريقة تحليلية جزءاً جزءاً. (الأنف الطويل). 


الدماغ والكمبيوتر Computer and the brain
لمعرفة مدى التقدم الذي حدث في مجال علم الكمبيوتر بالتعاون مع الدماغ لخدمة أصحاب الاحتياجات الخاصة نورد المثال التالي والذي يبدو وكأنه خيال علمي مع أنه ليس كذلك. هناك رجل في السابعة والخمسين من عمره أصيب بالشلل نتيجة جلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة والاتصال اللغوي، زرع له في قشرة الدماغ المسؤولة عن الحركة مخروطات صغيرة من السيليلكون بها أقطاب كهربائية صغيرة جداً. ولتحفيز الأعصاب على النمو في هذه المنطقة حقنت بعصارات كيميائية من ركبة الشخص نفسه، عندما نمت الأعصاب اتصلت بالأقطاب الكهربائية المزروعة مما سمح للكمبيوتر أن يلتقط إشارات الدماغ من خلال الأقطاب الموصلة بمرسل موجات موضوع تحت فروة الرأس، يستطيع هذا الشخص أن يتحكم بشاشة الكمبيوتر بالتفكير. وحسب Pritdiard, (1998) فإن هذا الرجل يستطيع استعمال هذا النظام للحكم بشاشة الكمبيوتر باختيار جمل على الشاشة والاتصال بالعالم الخارجي. إن حركة مؤشر الكمبيوتر محدودة بالتحول إلى الأسفل أو الأعلى أو إلى اليمين أو اليسار ولكن هذه المقدرة المحدودة يجب أن لا يستهان بها للأشخاص غير القادرين على الحركة أو الاتصال بالعالم الخارجي. هذا فقط واحد من المشاريع الكثيرة التي تدرس من أجل إيجاد طرق جديدة للاتصال مع الكمبيوتر من خلال الدماغ.


الخلاصة: 

  • إن التطور الكبير الذي حدث في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في وسائل تصوير الدماغ والتعرف على وظائفه وفر العديد من التقنيات التي أثرت معلومات الباحثين والعلماء وأتاحت فرصاً أثرى لدراسة الدماغ. 
  • الطرق غير التداخلية تعني تلك الطرق التي لا يتعرض فيها الدماغ إلى أي تدخل بهدف إحداث اضطرابات في وظائفه وتقتصر هذه الطرق على التصوير أو المراقبة للدماغ أثناء أدائه لوظائفه.
  • تخطيط الدماغ الكهربائي يعتمد على التقاط التغيرات الكهربائية الضعيفة جداً والتي تتم في قشرة الدماغ، وتحويل هذه التغيرات إلى رسم يسمى "الموجات الدماغية". 
  • التصوير الطبقي المحوري لها يمكن الحصول على صورة واضحة لأجزاء الدماغ، مما يمكن الباحثين من التحديد الدقيق لأماكن إصابات الدماغ كالأورام والالتهابات والجلطات الدماغية. 
  • التصوير بالرنين المغناطيسي يؤدي وظيفة التصوير الطبقي المحوري وبشكل أكثر وضوحاً.
  • تصوير الدماغ الوظيفي بالرنين المغناطيسي بها أمكن التقاط صور لمناطق الدماغ وهي تعمل. وهذه الطريقة الأوسع انتشاراً في دراسة الاضطرابات المعرفية وعلاقتها بالمناطق المختلفة للدماغ.
  • التصوير بالرنين المغناطيسي الطبقي، تتميز هذه الطريقة بفاعليتها في دراسة عمليات التمثيل والتحول وأماكن تواجد الناقلات العصبية في الدماغ.
  • التصوير الطبقي يقذف الإلكترون الإيجابي (البوزيتون) يمكن بواسطتها دراسة حالة الاستقلاب الدماغي، وتصوير درجة النشاط في مناطق الدماغ، ومعرفة بعض المعلومات عن حجم الدم الذي يمر في هذه الأجزاء. مثال ذلك: مقدمة الدماغ تكون نشطة جداً عندما يفكر الشخص بأحداث شخصية مر بها، بينما تكون مؤخرة الرأس نشطة جداً عندما يفكر الشخص في أحداث عامة.
  • الطرق التداخلية، تعتمد هذه الطرق على إحداث أضرار في الدماغ عن قصد لأغراض الدراسة، أو نتيجة لوقوع حوادث أو إصابات في الدماغ. في الحالة الأولى تجري التجارب على الحيوانات، وفي الحالة الثانية يمكن إجراء الدراسات على دماغ الإنسان. 
  • التسجيل من وحدة عصبية واحدة. بها أمكن تسجيل النشاط الكهربائي بقوة واحد من المليون من الفولت. واستخدمت لدراسة الفسيولوجيا العصبية للإبصار لدى القطط. 
  • الإثارة الكهربائية لدراسة آثارها في بعض مناطق الدماغ.
  •  الصبغات البصرية استعملت لدراسة وظائف القشرة الدماغية.
  •  فصل جزئي الدماغ يتم بقطع الجسم الجاسئ الرابط بين النصفين الكرويين للدماغ لمعرفة وظائف كل منهما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ

تحميل محتوى الصفحة رجوع