أولاً: استكشاف علم النفس:
1. ما هو علم النفس؟ وكيف تطور؟
كثيرة هي التعريفات التي ترد في كتب علم النفس لعلم النفس، ولعل أكثر هذه التعريفات شيوعاً أنه: "الدراسة العلمية للسلوك" إلا أن هذا التعريف قد ضيق من مجال علم النفس وحدده بالسلوك (Eysenck, 2001)، ليمثل وجهة نظر واحدة في علم النفس.
إن التحليل اللغوي لكلمة "Psychology" يفيد بأنها مكونة من مقطعين Psyche وOlogy. وبالرجوع إلى التعريف القاموسي للكلمة الأولى نجد أنها قد حملت ثلاثة معان هي: الروح Spirit or Sour، والعقل البشري Human Mind، توظيف العقل Mind Functing.
علم النفس هو علم العمليات المعرفية والسلوكية (Kosslyn & Risenherg, 2004)
وعرفت كلمة الروح باعتبارها العناصر الخالدة في الفرد تارة والطبيعة العقلية أو الأخلاقية أو الانفعالية للفرد تارة أخرى. أما كلمة Ology فتعني الدراسة العلمية. أما التعريفات القاموسية للكلمتين معاً (Psychology) فتتضمن: (www.sntp.net)
- دراسة العقل وكيف يعمل.
- الخصائص العقلية (Oxford American Dictionary).
- الدراسة العلمية للعقل البشري ووظائفه.
- الخصائص العقلية أو اتجاهات الفرد أو الجماعة.
- العوامل العقلية التي تقوم الموقف أو النشاط (Concise Oxford Dicationary)
- العلم الذي يتعامل مع العمليات العقلية والسلوك.
- الخصائص الانفعالية والسلوكية للفرد أو الجماعة (American Heritage Dictionary).
إن علم النفس يقدم أكثر من مجرد جمع الحقائق الهامة. إنه يزودك بطريقة جديدة للتفكير في مشاعرك وأفكارك وأفعالك إضافة إلى مشاعر وأفكار وأفعال الآخرين (Baron, 1998, p.3)
السلوك هو الأفعال الملاحظة للفرد أو الجماعة
هذه التعريفات تعبر عن اهتمامات علماء علم النفس في القرن الماضي. تلك الاهتمامات التي تركزت على محاولاتهم لفهم لماذا يتصرف الناس بهذه الطريقة. وحتى يتم هذا الفهم لابد من الأخذ بعين الاعتبار العمليات الداخلية والدوافع. ويمكن أن نجمل التعريفات القاموسية في أن: "علم النفس هو العلم الذي يمكننا من استخدام المعطيات السلوكية من فهم العمليات الداخلية التي تقود الناس أو أفراد الكائنات الحية الأخرى ليتصرفوا بالطريقة التي تصرفوا بها" (Eysenck, 2001).
العمليات المعرفية ما يفعله الدماغ عند القيام بالتخزين والاسترجاع أو استخدام المعلومات أو تكوين مشاعر معينة. (Kosslyn & Rosanberg, 2004)
لقد شهدت نهايات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة تعريفاً جديداً لعلم النفس المعاصر على النحو التالي:
"العلم الذي يتعامل بشمولية مع فسيولوجية الفرد (كيميائية الدماغ، وعلم الأعصاب والمورثات) وسلوك العضوية البيولوجية (مثير > استجابة).
إن هذا التعريف يهمل تماماً "العقل (الذات الداخلية للفرد، وحقيقة الإنسان وذاته الحيوية). (www.sntp.net).
بتعبير آخر فإن علماء النفس المعاصرين يفقدون علم النفس عقله تماماً كما فعل علماء النفس مع بدايات القرن الماضي. فهل ينصاع علماء النفس المعاصرون إلى هذا الموقف؟ وهل يتحول علم النفس إلى أقسام الفسيولوجيا أو علم الأعصاب أو الوراثة بدلاً من وجوده في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية؟
نافذة (1) : تطور علم النفس |
ما قبل علم النفس العلمي (الأفكار النفسية الفلسفية). علم النفس العلمي (ولد عام 1879). تطور علم النفس العلمي: من علم الحياة العقلية > علم السلوك الملاحظ > علم السلوك والعمليات المعرفية > علم السلوك والعمليات المعرفية والعمليات الانفعالية > علم الأعصاب المعرفي > عولمة علم النفس (Myers, 2004). |
2- علم النفس والحس الفطري المشترك:
يتمثل الحس الفطري المشترك Common Sense في الأمثال (Proverbs) والحكم الشعبية (Folk Wisdoms) التي تلخص المعارف العامة التي تتناقلها الأجيال وتعتقد أنها تمثل رؤى الثقافات المختلفة لسلوك الأفراد والجماعات، وأنها على درجة كبيرة من اليقين، هذه المعارف تتركز في العقل الفردي والجمعي لتلعب دوراً حاسماً أحياناً في تصرف الفرد بطريقة معينة. فهل أن معطيات علم النفس وما يصل إليه من نتائج تثبت فقط صدق هذه الأمثال والحكم؟ فإن كنا نعرف هذه الأمثال والحكم فما حاجتنا لعلم النفس؟
في عام (1998) صدرت مقالة لجيرشو Gershaw بعنوان: "علم النفس أكثر من حس فطري مشترك"، ويورد في مقالته بعض الأدلة على ما يقول.
فالحس الفطري المشترك لا يسمح لنا بالتنبؤ بالسلوك. ويبدو أنه فقد يحاول تفسير السلوك بعد وقوعه، وأن الأمثال الشعبية التي يبدو أنها تفسر السلوك بعد وقوعه. لكل مثل منها نقيضه من مثل،
البعيد عن العين بعيد عن القلب × ابعد تحلى
الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك × إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى
الطبخة إذا كثر طباخينها بتخرب × يد الله مع الجماعة
بات على غيظ ولا تصبح على ندم × اطرق الحديد وهو سخن
إن الطيور على أشكالها تقع × وبضدها تتمايز الأشياء
في العجلة الندامة × في التأني السلامة
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد × بيجي بكره ورزقه معه
وتفيد نتائج بعض الدراسات أن أفراد ثقافة ما يعتقدون في المثل الواحد ونقيضه في آن واحد. وأن معظم الأمثال التي خضعت للتحقيق العلمي لم تثبت صحتها وأنها أقرب إلى الفلكلور الشعبي منه إلى الحقائق العلمية.
إن علم النفس هو العلم الذي يتحدى الحكمة الشعبية والمعتقدات الثقافية. ليثبت أن تلك الحكم والأمثال تعمل على تنامي التفكير الخرافي الباحث عن المبررات غير المنطقية للحدث بعد وقوعه. إن ما تقدمه من تبرير قد يريح أحياناً ولكنه لا يحل مشكلة كالثعلب الذي ادعى أن العنب حامض بعدما عجز عن قطفه، وكالفتاة التي غادرها من تحب فأحزنها المثل "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، وسرها المثل المعاكس "ابعد تحلى" (Eysenck, 2001) و (www3.azwestern.edu).
نشاط (1) |
حامل أن تجمع عدداً من الأمثال والحكم الشعبية كل مثل ونقيضه، والمناسبة التي قيل فيها ومتى نردده؟ ومدى قناعتك به؟ وما البديل العلمي له؟ |
ثانياً: مناحي علم النفس:
1- المناحي العلمية المبكرة في علم النفس.
تنوعت المناحي العلمية المبكرة في علم النفس تبعاً لتنوع الأقطار وتنوع اهتمامات علماء النفس فيها وأولويات ثقافة كل بلد.
أ- البنيوية Structuralism
عالم النفس الألماني ولهلم فنت W. Wurdt الذي يعتبر أب علم النفس الحديث افتتح أول مختبر لعلم النفس عام 1879 في جامعة ليبزغ. من التجارب التي أجراها فنت مع اثنين من تلاميذه:
تجربة قياس الزمن الفاصل ما بين سماع المفحوص للصوت واللحظة التي يضغط فيها على مفتاح التلغراف كإشارة على سماعه الصوت. كانت هذه التجربة محاولة لقياس السلوك الإنساني عبر مقياس فسيولوجي. هذه التجربة حول عمل الدماغ من حيث أنها تقيس كمية الزمن اللازم للدماغ والجهاز العصبي لترجمة المعلومة إلى فعل. فأعلن بذلك أن العمليات المعرفية يمكن أن تدرس كمياً أي يمكن أن تقاس.
وتجربة وصف ثلاثة أبعاد مختلفة للشعور: السعادة/ الشقاء، التوتر/ الاسترخاء، الحيوية/ الاكتئاب، تركزت أبحاثهم على استكشاف العناصر الأساسية أو عمليات الوعي فكانوا بذلك مؤسسي البنيوية. اعتمدوا طريقة الاستبطان Introspection ومفاىدها أن يطلب من المفحوص الانكفاء على ذاته وتأمل ما يجري في داخله من عمليات عقلية كرد على موقف أو مثير تلقاه.
البنيوية إحدى مدارس علم النفس المبكرة التي اهتمت ببنية عمليات الوعي. إنها نمط من أنماط التفكير وطريق في تحليل الأنظمة المركبة وفحص العلاقات الرابطة بين العناصر الأصغر للنظام ووظائف كل منها.
ب- الوظيفة Functionalism
على خلاف البنيوية ظهر منحى الوظيفية التي وضع أسسها وليم جيمس W. James الذي أعطي لعلم النفس طابعه الأمريكي. أكد هذا المنحى على الوظائف التكيفية مع البيئة لكل من العقل والسلوك. ففي الوقت الذي ركزت فيه البنيوية على داخل العقل ركزت الوظيفية على تفاعل الفرد مع العالم الخارجي (Santrock, 2003) باحثة عن فهم الطرق التي يساعد بها الدماغ في حدوث وظائف الفرد، أو التكيف مع العالم الخارجي (Kosslyn & Rosenberg, 2004).
جـ- الجشطلت Gestalt
شيد هذا المنحى في علم النفس مجموعة من العلماء الألمان نذكر منهم كوفكا Koffka وكوهلير Kohler وفرتهيمر Wertheimer في بدايات القرن العشرين (1912). من أهم أطروحات هذا المنحى.
- إدراك "الكل" يختلف عن إدراك العناصر المكونة لذلك "الكل"، كل على حدة. وذلك في تحد واضح للبنيوية التي ذهبت إلى أن "الكل" يمكن أن يقسم إلى عناصر أساسية يدرك كل منها على حدة مما يؤدي إلى إدراك "الكل" الذي هو مجموع عناصره. "فالكل" يمتلك من الخصائص المغايرة لخصائص كل عنصر على حدة.
"الكل" Gestalt أكبر من مجرد مجموع أجزائه مثال: نمط التفكير أكبر من مجموع الصور الذهنية والأفكار الداخلة في هذا النمط.
- الحركة الظاهرة Apparent Motion (ظاهرة فاي Phi). ومفادها أن التتالي السريع لنقاط ضوئية ثابتة يخلق وهم الحركة (مثال ذلك الفلم السينمائي، الأضواء الكهربائية المستخدمة في الإعلانات). (Davis & Palladino, 2004).
- ثمة عدد كبير من قوانين الإدراك (ما يزيد عن مئة) وضعها علماء هذا المنحى لوصف الكيفية التي تنظم بها عيوننا وأدمغتنا العالم من حولنا. من هذه القوانين، قانون التشابه، قانون التجاور، قانون المصير المشترك (Kosslyn & Rosenberg, 2004) و(Davis & Palladino, 2004).
نشاط (2) |
|
أ- السلوكية Behaviorism
يعتبر واطسن (John B. Watson) مؤسس هذا المنحى. الذي عرف فيما بعد بالمدرسة السلوكية Behaviorism. ونادى "بعلم السلوك" كعنوان لعلم النفس. هذا العلم لا يدرس إلا ما نستطيع ملاحظته وقياسه. في حين أن الأحداث الداخلية من أفكار ومشاعر وصور ذهنية معالجات عقلية لا يمكن قياسها ولابد أن تستثني من موضوعات هذا العلم (Baron, 1998).
وظل هذا المنحى على مدى الستين عاماً من القرن الماضي يؤكد على الاستجابات السلوكية الملاحظة ومحدداتها البيئية. ولمعت فيه أسماء من أمثال سكنر وباندورا وجوثري وهل وغيرهم كثير. وبلور هذا المنحى مجموعة من المبادئ السلوكية التي بنيت عليها مجموعة من الاستراتيجيات التعليمية التعلمية والاستراتيجيات العلاجية الهادفة إلى تعديل السلوك أو تغييره. من هذه المبادئ (Plato.Stanford.edu).
- علم النفس هو علم السلوك لا علم العقل.
- السلوك يمكن أن يوصف ويفسر دونما حاجة إلى الرجوع للعمليات المعرفية والنفسية الداخلية فمصدر السلوك في العالم الخارجي.
- إذا ما استخدمت بعض المصطلحات أو المفاهيم العقلية في وصف تفسير السلوك، فإما أن تستبدل بمصطلحات سلوكية، أو تترجم إلى مفاهيم سلوكية.
شيئاً فشيئاً برز من رحم السلوكية من حاول تقديم طروحات مغايرة من هؤلاء هل Hull الذي اعتبر الدافعية إحدى المتغيرات المؤثرة في الاستجابة السلوكية، وباندورا الذي أكد على أن السلوك لا يتحدد فقط بالشروط البيئية إنما بالكيفية التي يكيف بها التفكير تأثيرات البيئة على السلوك. وقد طرح باندورا من خلال نظريته المعروفة باسم النظرية الاجتماعية المعرفية عدداً من المبادئ منها مبدأ التقليد، ومبدأ النمذجة ومبدأ الملاحظة.
المنحى السلوكي يؤكد على الدراسة العلمية للسلوك وأن السلوك يتشكل بفعل العالم الخارجي.
النظرية الاجتماعية المعرفية تؤكد على أن السلوك لا يتحدد فقط بالمحيط إنما يتحدد أيضاً بالكيفية التي يعمل بها التفكير على تكييف الضغوط البيئية على السلوك.
ب- المنحى السيكودينامي Psychodynamic
يعتبر سيجموند فرويد S. Freud الأب المؤسس لهذا المنحى والذي عرف وقتها باسم منحى التحليل النفسي. وأعلن عن نفسه عام (1900) بنشر مؤلف فرويد المعنون باسم "تفسير الأحلام"، والذي حاز على قبول شعبي واسع إضافة إلى اهتمام أكاديمي مماثل.
لقد أثارت أفكاره حول الأحلام والعمليات المعرفية جدلاً واسعاً في الدوائر العلمية امتد على مدى ستين عاماً. لقد شكلت دراسته للدافعية
والعمليات المعرفية أسس النظريات السيكودينامية، وغيرت ثقافة مجتمعه بتغيير كيفية رؤية الناس لأنفسهم، وفرضت مصطلحاته من مثل: اللاشعور، الهو، الأنا، الأنا الأعلى، الحيل الدفاعية اللاشعورية (الكبت، الإسقاط، التبرير، الإنكار، التعويض .. إلخ)، الطاقة الجنسية، النمو النفسي الجنسي، الغريزة الجنسية، غريزة الحياة، غريزة الموت ... إلخ، نفسها على لغة علم النفس.
المنحى السيكودينامي يؤكد على المجالات اللاشعورية للعقل والصراع بين القرائن البيولوجية ومتطلبات المجتمع والخبرات الأسرة المبكرة.
لقد ركز المنحى السيكودينامي على التطبيقات الإكلينيكية أكثر من تركيزه على البحث التجريبي، وعليه فإن نظريات هذا المنحى وما طرحته من أفكار قضايا جدلية من الصعب التحقق من صحتها.
ولعل من أبرز أعلام هذا المنحى كارل يونغ C. Jung الذي طرح اللاشعور الجمعي Collective في مقابل اللاشعور الشخصي Personal الذي طرحه فرويد، وقلل من أهمية الغريزة الجنسية والعدوانية باعتبارها دوافع لاشعورية. وقريباً من يونغ كانت أفكار أدلر Adler أيضاً. (www.ryerson.ca).
أما أفكار سوليفان Sullivan فقد نأت به عن أفكار فرويد، من هذه الأفكار: التركيز على المجالات الاجتماعية للشخصية، وعلى التمثلات المعرفية، القلق الذي يعانيه البعض سيكون نتيجة للتفاعلات الاجتماعية، عدم الانتباه الاختياري تقنية يستخدمها الفرد القلق بكامل وعيه في مواجهة قلقه، ثمة ثلاث طرق نرى بها أنفسها: السيئ منا (يحرص الفرد على إخفائه)، الحسن منا (يحرص الفرد على إظهاره)، ليس منا (أشياء مقلقة لا يعتبرها الفرد جزءاً من ذاته. فنكرانه لها مصدر من مصادر القلق لديه). صراعات مرحلة المراهقة تشكل الأساس لاضطرابات مرحلة الرشد. شخصية الفرد توالي تشكلها في مرحلتي المراهقة والرشد تحدد أجندتها التفاعلات الاجتماعية. (Santrock, 2003); (www.cas.usf.edu)
نافذة (2) |
المنحى السيكودينامي: نظرية في الكيفية التي تؤثر بها الأفكار والمشاعر في السلوك. في نفس الوقت تعمل قوى التجاذب المتعارضة لكل من الشعور واللاشعور. (Kosslyn & Rosenberg, 2004) |
جـ- المنحى المعرفي The Conitive Approach
يعتقد علماء النفس المعرفي أن الدماغ يستضيف "العقل"، أو هو تجسيد للعقل، وأن عملياته العقلية تسمح لنا أن نتذكر، نتخذ القرار، نضع الأهداف والخطط، ونبدع، (Santrock, 2001).
إن العمليات المعرفية Cognition تشير إلى النشاط العقلي المتضمن لـ: التذكر، التفكير، التعلم، استعمال اللغة، فهم المعلومات، والمفاهيم، وعندما يصير الفرد على وعي بهذه العمليات وضبطها وقيادة عمليات التعلم يكون قد أتقن ما يسمى بما وراء المعرفة أو التفكير في التفكير (facultyweb.Conrtland.edu) Metacognition.
المنحى المعرفي: يركز هذا المنحى على العمليات العقلية المتضمنة في معرفة كيف نوجه انتباهنا، كيف ندرك، ونتذكر، ونفكر ونحل المشكلات. ونعالج المعلومات ونخزنها ونسترجعها.
إن علماء هذا المنحى يرون الدماغ نظاماً نشطاً حلالاً للمشكلات. إن هذا التوجه يتعارض مع التوجه السلوكي الذي يفترض أن السلوك مضبوط بقوى بيئية خارجية من جهة، ويتعارض مع التوجه المتشائم (كاتجاه التحليل النفسي) الذي رأى أن السلوك الإنساني مضبوط بالغرائز والقوى اللاشعورية الأخرى. فالسلوك وفقاً لهذا الاتجاه مضبوط من خلال الذكريات والإدراكات والصور والأفكار (Santrock, 2003).
تعود جذور هذا المنحى إلى علماء الجشطلت الذين ركزوا على الاستبصار Insight (إدراك العلاقات الرابطة بين عناصر الموقف المشكل). ومن علماء هذا المنحى بياجيه Piaget الذي طور نظرية في النمو المعرفي. وبرونر Bruner الذي طور نظرية في التعلم تعتمد على تصنيف ما في العالم الخارجي إلى فئات وتمثل كل ذلك تمثلاً عقلياً من خلال النشاط والحركة والصور والرموز. وأوزابل Ausubel الذي طور نظرية التعلم ذي المعنى (faculty web. Cortland.edu)
د. منحى علم الأعصاب السلوكي Behavioral Neuroaence Approach
يعتقد علماء علم الأعصاب أن الأفكار والانفعالات لها جذورها الفيزقية في الدماغ، فالدفعات الكهربائية المنطلقة خلال خلايا الدماغ تطلق مواد كيميائية تساعدنا على التفكير والشعور والسلوك. فالقدرات الإنسانية المتميزة ما كانت ممكنة بدون الدماغ والجهاز العصبي.
لقد حقق هذا المنحى خطوات متقدمة في فهم الدماغ ودوره في القضايا النفسية في السنوات الأخيرة (Kolb & Wishaw, 2001) المشار إليه في (Santrock, 2003). وكثير مما نعرفه عن الدماغ جاءنا من خلال الدراسات التي أجريت على الحيوانات التي تمتلك أدمغة أبسط من أدمغتنا وخلايا عصبية أقل. فقد اختبرت ذاكرة عجول البحر Sea Slug بتعريض ذنبه إلى صدمة كهربائية فوجد أنه ينسحب بسرعة وهو المعروف ببطء حركته. وقد وجد أنه ينسحب بسرعة أكبر عندما تتعرض ذنبه لصدمة أخرى مقارنة بسرعة "العجل" الذي يتعرض لأول مرة، وقد اتخذ ذلك دليلاً على أنه يتذكر. فالذاكرة تكتب بإشارات كيميائية. فعندما يصدم ذنب "العبول" يفرز مادة كيميائية تذكره بما حدث سابقاً وهذا يجعل الجهاز العصبي يصدر أوامر كيميائية للذنب كي تعطي رد فعل مناسب. يعتقد علماء هذا المنحى أن ميكانيزم العبول يمكن أن يكون مشابهاً لميكانيزم الدماغ الإنساني (Santrock, 2001).
منحى علم الأعصاب السلوكي. يرى أن فهم الدماغ والجهاز العصبي ضروري لفهم السلوك والتفكير والانفعال.
ولعل من المناحي الواعدة في هذا المجال منحى علم الأعصاب المعرفي (Cognitive neuroscience) الناتج عن التماذج ما بين علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب المتخصص في دراسة الدماغ تركيباً ووظيفة (معالجة المعلومات وتخزينها) (Kosslyn & Rosenberg 2004)
منحى علم النفس التطوري www.psych.uesh.edu
يهدف إلى استكشاف وفهم تصميم الدماغ الإنساني اعتماداً على معارف ومبادئ بيولوجيا التطور النوعي. إنه ليس مجالاً للدراسة إنما هو طريقة في التفكير في علم النفس يمكن أن يطبق على أي موضوع من موضوعاته.
هـ- منحى علم النفس التطوري The Evaluationary Psychology Approach
تمتد جذور هذا المنحى إلى نظرية دارون Darwin في التطور النوعي القائم على "الاختيار الطبيعي" التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وأصبحت أفكاره عن التطور النوعي إطاراً واسع الانتشار لتفسير السلوك.
يؤكد هذا المنحى على أهمية التكيف Adaptation، وإعادة الإنتاج Reproduction، والبقاء للأصلح، في تفسير السلوك. كما يركز على الشروط التي تسمح للفرد باستمرارية البقاء والشروط التي تجعله يفشل في تحقيق ذلك. فالاختبار الطبيعي يفضل السلوك الذي يمكن الفرد من القدرة على تحقيق النجاح والقدرة على نقل الخصائص الجينية للجيل التالي.
يعتقد ديفيد بس (2000) D. Buss أن التطور النوعي يشكل خصائصنا الفيزيقية (شكل الجسم والطول). إضافة إلى أنه يؤثر في الكيفية التي تجعلنا نتخذ القرارات، وكم نحن عدوانيون، ويحدد مخاوفنا.
يفترض هذا المنحى أن بعض الاستراتيجيات والأهداف المعرفية تبنتها في أدمغتنا عملية الاختيار الطبيعي Kosslyn & Rosenberg, 2004
ويذهب ستيفن بنكر (1999) S. Pinker إلى أن علم النفس التطوري منحى مهم لفهم السلوك. ويضيف أن طريقة عمل الدماغ يمكن أن تلخص في ثلاث نقاط:
- أن العقل يحسب.
- أن العقل مصمم ليحسب بفعل التطور النوعي.
- أن هذه الحسابات تتأدى بفعل أنظمة الدماغ المتخصصة التي صممت بفعل "الاختيار الطبيعي" بهدف تحقيق أهداف خاصة كالبقاء على سبيل المثال (Santrock, 2001).
و- المنحى الاجتماعي الثقافي The Socio Cultural Approach
يبحث هذا المنحى في الطرق التي بموجبها تؤثر البيئة الاجتماعية والثقافية في السلوك. فالفهم الشامل لسلوك الشخص يتطلب معرفة بالسياق الثقافي الذي يحدث فيه السلوك.
المنحى الاجتماعي الثقافي يؤكد على التأثيرات الاجتماعية والثقافية على السلوك.
ركز هذا المنحى على المقارنات عبر الثقافية للسلوك وكذلك على سلوك الأفراد عبر الأقليات والمجموعات الثقافية. (Santrock, 2003).
من أعلام هذا المنحى فيجوتسكي Vygotsky صاحب نظرية النمو الاجتماعي. كانت الموضوعات الرئيسة التي طرحها هي:
- تلعب التفاعلات الاجتماعية دوراً رئيساً في النمو المعرفي للفرد.
- الوعي هو الناتج النهائي لعملية التنشئة الاجتماعية.
- النمو المعرفي محدد بمدى معين في كل مرحلة عمرية.
- الثقافة المحدد الرئيس لنمو وتطور الفرد. وهي تحدد كلاً من مستوى وعمليات تفكيرنا.
- تلعب اللغة دوراً حيوياً في النمو فباللغة تتم العمليات العقلية الراقية.
وتعتبر نظرية فيجوتسكي مكملة لنظرية باندورا ويمكن مقارنة أفكارها بما قدمه كل من بياجيه وبرونر وتعتبر مكوناً رئيساً في نظرية التعلم الموقفي Situated Learning Theory (tip.psychology.org)
نشاط (3) |
اختبر فهمك: - عرف بلغتك الخاصة المناحي الستة. - بعض هذه المناحي يؤكد على الذي يجري داخل الفرد، والبعض الآخر يؤكد على العالم الخارجي. قارن بين المناحي وفقاً لهذا التصنيف. |
تفكير ناقد |
هب أنك قابلت عالماً من كل منحى. اكتب سؤالاً واحداً توجهه لكل منهم حول أفكار وسلوك أناس تحبهم. |
ثالثاً: المنحى الإيجابي لعلم النفس:
هل يمكن لعلم النفس أن يجعلنا سعداء؟
يعتقد البعض أن "علم النفس" مرتبط في أذهانهم بالمشكلات من مثل: الاكتئاب، العنف، اضطرابات الأكل محاولاً حلها.
إلا أن علم النفس لا يهتم بالجوانب السلبية للسلوك فقط إنما يهتم وبنفس الدرجة بالجوانب الإيجابية أيضاً.
وقد ظهرت حركتان في علم النفس تهتمان بالجوانب الإيجابية. الأولى ظهرت في أواسط القرن العشرين عرفت باسم الحركة الإنسانية والثانية ظهرت مع بدايات الألفية الثالثة وعرفت باسم الحركة الإيجابية لعلم النفس. وسنتناول فيما يلي هاتين الحركتين.
1- الحركة الإنسانية Humanistic Movement
لعل من أبرز أعلام هذه الحركة ماسلو Maslow وروجرز Rogers وبعض أقطاب الوجودية، تؤكد هذه الحركة على أن الناس قادرون على ضبط حياتهم وليسوا عبيداً للظروف البيئية، وأن الناس ليسوا رهائن للنزعات الجنسية والعدوانية اللاشعورية، ولا يخضعون للحتمية والتعزيز الخاري. الناس قادرون على العيش وفقاً لقيمهم الراهنة من مثل الإيثار والحرية الإرادة. إنها حركة متفائلة تمجد الإنسان ذي الطبيعة الخيرة، والقادر على تحقيق ذاته بكامل وعيه (Santrock, 2001).
الحركة الإنسانية تؤكد على قدرة الشخص على النمو الشخصي، والحرية في اختيار مصيره، وخصائصه الإيجابية.
يعتقد روجرز أن البشر يولدون بدوافع داخلية للنجاح. وطور العلاج المتمركز حول الشخص الهادف إلى مساعدة الناس على تبين مشاعرهم حول من يكونون. أما ماسلو فيعتقد بوجود هرمية للحاجات الإنسانية الكل يعمل على إشباعها. في أسفل الهرم تقع الحاجات الأساسية للبقاء البيولوجي وفي قمة الهرم تقع الحاجات الشخصية كالحاجة إلى تقدير الذات والحاجة إلى أن يحب ويحب، والحاجة للمعرفة، والحاجات الجمالية، وفي أواسط الهرم تقع الحاجات النفسية (الحب والعطف) والحاجات الاجتماعية (الحاجة للانتماء) إن نجاح الفرد في إشباع هذه الحاجات هو التحقق الكامل للذات. (Library.therk quest.org).
2- حركة علم النفس الإيجابي The Positive Psychology Movement
في عام (2000) أصدر العالمان مارتن سيلجمان M. Seligman وزميله Mihaly Csiszentrnihalyi طبعة خاصة من جريدة American Psycholgist وكان موضوعها الأساس علم النفس الإيجابي. قدموا في هذا العدد تحليلاً لعلم النفس في القرن الماضي وخلصا إلى أنه سلبي يركز على الأخطاء التي قد يقع فيها البعض أكثر من تركيزه على الذي يمكنه إنجازه بدقة، وأنه ينظر للإنسان على أنه سلبي وضحية.
الحركة الإيجابية لعلم النفس. تأكيد قوي على الخبرات التي يقدرها الناس تقديراً ذاتياً من مثل السعادة، وسمات الفرد الإيجابية، مثل القدرة على الحياة، والجماعة الإيجابية والقيم المدنية كالمسؤولية.
هذان العالمان يتطلعان إلى الأشياء الإيجابية التي يمكن لعلم النفس أن يحققها للبشرية، وبدأت أبحاث هذه الحركة تدور حول الموضوعات التالية:
- الخبرات التي يقيمها الناس تقييماً ذاتياً كالأمل والتفاؤل والسعادة.
- سمات الفرد الإيجابية كالقدرة على الحب، والعمل، والإبداع، والموهبة، والمهارات بين الأشخاص.
- الجماعة الإيجابية والقيم المدنية من مثل: المسؤولية، التربية، المجاملة، والتسامح.
يعتقد بايلس Baylis أحد علماء هذه الحركة أن التفاؤل دفاع جيد ضد التعاسة. وأن التفاؤل يمكن أن يتعلم. أما سيلجمان فقد ذهب إلى ما هو أبعد من تعليم الناس كيف يفكرون بإيجابية، كما ذهب إلى أن هناك ثلاث طرق للسعادة. "الحياة الممتعة"، "الحياة الجيدة"، "الحياة المفعمة بالمعاني". كما يعتقد أنه عندما تتوفر للفرد متطلباته الحياتية الأساسية من طعام يشبعه وبيت يؤويه فإن ما يفيض من مال لا يزيد إلا قليلاً من سعادتنا، ولكي تكون سعيداً بجد ابحث عن "الحياة الإيجابية" أو "الحياة المفعمة بالمعنى".
تتهم هذه الحركة أحياناً بوضع رأسها في الرمال حتى لا ترى تعاسة الناس وكآبتهم، وأنها لم تحظ بعد بمزيد من الدراسات والأبحاث العلمية المدعمة لطروحاتها، فست سنوات هي عمر هذه الحركة التي ولدت عام 1998 غير كافية لتقييم مسلماتها تقييماً علمياً. (www.guarlian.co.uk).
تفكير ناقد |
فكر فيما تقرأه في الجريدة، وتشاهده في التلفزيون والسينما، هل تركز المعلومات المقدمة أكثر على المجالات السلبية أم الإيجابية من حياة الناس؟ هل يمكن للحركة الإيجابية لعلم النفس تبديل الاتجاهات السلبية لدى وسائل الإعلام؟ |
نشاط (4) |
هل تعتقد أن الناس:
|
تفكير ناقد |
|
رابعاً: الاختصاصات النفسية:
كثيرة هي مجالات الاختصاص داخل علم النفس نذكر منها: (www.gsu.edu).
- علم النفس التربوي: يهتم بدراسة المتعلم الإنساني لفهمه وتطوير فاعليته ودافعيته.
- علم النفس المدرسي: يهتم بتطوير الأطفال في المواقف التربوية، بشكل خاص يركز على تقييم هؤلاء الأطفال ووضع الخطط والتوصيات لتسهيل تعلمهم ويقدم المشورة للآباء ومدراء المدارس.
- علم النفس الإكلينيكي: يهتم بتقييم ومعالجة المشكلات النفسية لدى الفئات العمرية المختلفة والمترددين على المستشفيات أو مراكز الصحة المجتمعية أو العيادات النفسية الخاصة.
- علم النفس الإرشادي يهتم المختص في هذا الفرع من فروع علم النفس بالأشخاص الذين يعانون مشكلات تكيفية أكثر من اهتمامه بالأفراد الذين يتعامل معهم الإكلينيكي.
- علم نفس النمو: يتركز الاهتمام هنا على دراسة تطور الفرد عقلياً واجتماعياً وانفعالياً وأخلاقياً عبر دورة الحياة. والبعض يركز على مرحلة نمائية بعينها (طفولة، مراهقة، رشد). المختص فيه يقدم المشورة في المراكز الصحية، والمدارس، ووكالات الخدمة، المعالجة ... إلخ. يساعد في فهم قضايا النمو والعلاقات الاجتماعية وإدارتها، والوقاية من الاضطراب في العمليات المعرفية.
- علم النفس التجريبي: يهتم العلماء فيه بالأبحاث في مجالات متعددة من مثل التعلم، التذكر، الانتباه، عمليات المعرفة، ألإحساس، الإدراك، الدافعية، اللغة ... إلخ.
- علم النفس الاجتماعي: يهتم هذا العلم بالكيفية التي تتأثر بها معتقداتنا ومشاعرنا وسلوكنا بفعل الآخرين، من الموضوعات التي ينشغل بها العلماء في هذا العلم، الاتجاهات، العدوانية، الحب، التفاعلات بين الأشخاص، والتعصب ... إلخ.
- علم النفس الصناعي/ التنظيمي: يهتم هذا العلم بالعلاقات بين الأفراد في محيط العمل بهدف زيادة الإنتاجية واختيار الأفراد للمهن الصناعية، يتواجد المختصون في هذا العلم في المجالات الصناعية، والهيئات الحكومية، وإدارة الأعمال.
- علم النفس الفسيولوجي: هذا الفرع من الفروع الحديثة والأكثر سخونة من بين الفروع الأخرى نتيجة لمعطيات هذا العلم في مجال فهم السلوك، ينصب الاهتمام على وظائف خلايا الدماغ، وأثر التعاطي في تغير السلوك، والأصول البيووراثية للاضطرابات النفسية المرضية ... إلخ.
- علم النفس البيئي: يهتم بالعلاقة بين العمليات النفسية والمكونات الفيزيائية للعالم الخارجي بدءاً بالمنازل والمكاتب وصولاً إلى أوسع بيئة يعيش فيها الفرد ويتأثر بها، ينصب البحث على الاتجاهات نحو البيئات المختلفة، والفضاء الشخصي، وتصاميم أماكن العمل.
- علم النفس الصحي: ينصب الاهتمام هنا على الناحية الصحية الجيدة وعلى الوقاية من الأمراض المختلفة وعلاجها، وكذلك على بناء برامج وقائية وعلاجية للتخلص من التدخين، وتخفيف الوزن، وإدارة الضغط النفسي ... إلخ. يعمل المختصون فيه في المستشفيات، وكليات الطب، ومراكز إعادة التأهيل ووكالات الصحة العامة، والمراكز الخاصة.
- علم نفس الأسرة: يهتم بالوقاية من الصراعات الأسرية، وتطوير البرامج لعلاج المشكلات الأسرية.
- القياس وعلم النفس الكمي: يهتم بالطرق والتكتيكات التي تستعمل في اكتساب وتطبيق المعارف النفسية، وبشكل خاص يهتم المختص بالاختبارات النفسية وتطبيقاتها واستخراج نتائجها.
- علم النفس المعرفي: ينصب الاهتمام فيه على دراسة العمليات المعرفية والعوامل المؤثرة فيها ووسائل تنميتها، من هذه العمليات الانتباه، الإدراك، التفكير، اللغة، التذكر.
خامساً: علم النفس والتعلم الفعال:
من بين الموضوعات العامة التي سندرسها في هذا الكتاب موضوعات: التعلم، والذاكرة، والدافعية، واكتساب المعرفة، هذه الموضوعات على صلة مباشرة بالتحصيل الدراسي، فعليك أن تمتلك دافعية الإنجاز والدافعية المعرفية وأن تعرف كيف تتعلم أشياء جديدة تخزنها وتسترجعها. علم النفس يقدم لك نصائح مفيدة تساعدك على استثمار وقتك الذي تصرفه في الدراسة.
ليس هذا فحسب بل إن علم النفس سيعلمك كيف تفكر وأي نوع من التفكير أنت بحاجة إليه، حتى تتمكن من التحليل المعمق لما تدرس، وتركيب الجديد من المعلومات الناتجة عن عملية التحليل بحيث تبدع شيئاً جديداً، ولتكن أقدر على مجابهة المشكلات الطارئة التي فرضتها وتفرضها متطلبات الألفية الثالثة التي بدأت بعد عقد التسعينات الذي أعلن عقداً للدماغ. حيث زودتنا أبحاث الدماغ بمعارف ومعلومات مذهلة من المفروض أن تمكننا من توظيف هذه الاكتشافات من أجل تعلم فعال. كل ذلك سندرسه بالتفصيل اللازم لدارس علم النفس أن يعرفه. يقدم لك علم النفس كيف تتعلم تعلماً فاعلاً. وكيف تفكر تفكيراً ناقداً؟
1) كيف تتعلم تعلماً فاعلاً؟
تورد مصادر علم النفس الكثير من الإرشادات التي تمكن الطالب من التعلم الفعال نذكر منها: (www.ucc.ut.edu); (Baron, 1998):
1- ابدأ بمسح (Survey) مادة الفصل بهدف جمع المعلومة الضرورية وصياغة الأهداف.
أ- تفحص "ملخص الفصل" الكائن في بداية كل فصل.
ب- قلب صفحات الفصل أكثر من مرة.
تهدف هاتان العمليتان إلى التعرف على ما هو متوقع منك أن تتعلمه من هذا الفصل، وكيف ترتبت موضوعات الفصل ترتيباً قائماً على إطار معرفي يبين كيف تترابط المعلومات معاً. وكيف تتسلل استعداداً لترتيبها بنفس الصورة في الذاكرة طويلة المدى. لاحظ مساعدات القراءة: ملخصات، تفكير ناقد .... إلخ.
2- تخلص من مشتتات الانتباه من حولك السمعية أو البصرية أو السمعية البصرية (أصوات الراديو والتلفزيون والتلفون). وكذلك مشتتات الانتباه في المتن نفسه من تفاصيل وجداول وأشكال. وركز على الخلاصات المكثفة الكائنة في الحواشي على يمين الصفحة بهذا توفر الكثير من الوقت المخصص لدراسة مادة ما، وتخفف من الحمل (العبء) المعرفي عن الدماغ، إن في عملية المعالجة أو في عملية التخزين في الذاكرة طويلة المدى.
3- اجعل دراستك موزعة. تفيد نتائج الأبحاث أنه من السهل أن تتعلم وتتذكر المعلومات عندما يتم تعلمها تعلماً موزعاً، في جلسات متعددة، لا في جلسة طويلة واحدة. وذلك أن هناك حدوداً زمنية للعمل العقلي. فالدماغ يصل في مرحلة ما إلى الإغلاق shutdown.
4- ضع لنفسك أهدافاً فيها تحد وفي نفس الوقت قابلة للتحقق. فعمل كهذا ينمي الدافعية والأداء
5- كافئ نفسك على كل تقدم تحققه. من هذه المكافآت: مشاهدة برنامج تلفزيوني مفضل، تناول حلوى أو طعام تحبه، زيارة أصدقاء ... إلخ. مثل هذه المكافآت تتوجه مباشرة إلى الدماغ لإراحته من عناء العمل العقلي، وذلك من خلال ما توفره للجسم من استرخاء وراحة.
6- ساعد عقلك على الاندماج والتركيز حتى لا تكون دراستك غير فاعلة (Passive). تكون الدراسة غير فاعلة عندما تشعر أنك تصرف وقتاً طويلاً دون أي إنجاز يذكر عدا أحلام اليقظة. في حين أن الدراسة الفاعلة تتميز بما يتم فيها من عمليات عقلية من مثل: التفكير في المادة المقروءة. اطرح على نفسك عدداً من الأسئلة حول تلك المادة، اربط المعلومات الجديدة بمعلومات سبق وأن عرفتها، لخص المعلومات بكلمات مفتاحية، اربط تلك الكلمات بعلاقات (المنظم الشكلي)، صنف المفاهيم في فئات تبعاً لنوعية العلاقات الرابطة بينها (الخارطة المفاهيمية).
7- حاول أن تملأ البناء المعرفي الذي طورته للمادة المقروءة بالمعلومات الكائنة في النص. وانظر إذا ما كنت بحاجة لأسئلة جديدة، أو معلومات لم ترد في النص.
8- تأكد من أنك قادر على الإجابة عن الأسئلة، التي سبق وأن طرحتها، من الذاكرة، إن لم تكن قادراً عد مرة أخرى لقراءة النص.
9- جود التنظيم المعرفي الذي أنجزته للمادة المدروسة وابدأ ببناء الذاكرة (التخزين). ثم تأكد أنك قادر على استرجاع ما خزن والإجابة عن الأسئلة ذات العلاقة.
استراتيجيات دراسية:
(1) SQIR'S: المسح، الأسئلة، القراءة، السرد، المراجعة.
(2) KWL ما الذي تعرفه – ما الذي تريد أن تعرفه – ما الذي تعلمته
(3) المنظم الشكلي Graphic Organizer.
(4) الخارطة المفاهيمية Conputual Mapping
(5) إدارة الوقت Time Management
(6) جو الدراسة Study Environment
(7) التركيز في الصف Attention in Class
(8) القراءة الفعالة Reading Effectiveness
(9) استخدم علم النفس لدراسة علم النفس
نافذة (3) تذكر |
إن المعلومات التي اكتسبتها من قراءة المادة مهمة. إذا كنت قد قرأتها دون أن تتعلم شيئاً فأنت قد أضعت وقتك. "درب دماغك على التعلم" |
نافذة (4) اعرف |
أن دماغك مفطور على التعلم، وأن الخلية العصبية هي التي تتعلم، وأن هذا التعلم يدعم بالتحدي ويكف بالتهديد. |
نافذة (5) مساعدات تسريع القراءة الفاعلة: |
توفر الرغبة في التسريع، الإدارة لتجريب تكنيكات جديدة، الدافعية للتدرب، التأكد من سلامة العينين، القراءة الصامتة، تجنب تكرار القراءة، وتتبع مدى الرؤية، ومدى الإدراك، وسرعة رد الفعل الإدراكي، تركيز الانتباه، الانتباه الاختياري، التخزين الاختياري. |
2) كيف تفكر تفكيراً ناقداً؟
لا تحاكم الحدث بعد وقوعه بقول: "لو ...." فإن لو تفتح عمل الشيطان
التفكير الناقد من بين المجالات الهامة التي حظيت باهتمام علم النفس، وهو ضروري في جميع مجالات الحياة، فكيف تمارس هذا النوع من التفكير؟ إليك الإرشادات التالية:
- التفكير الناقد لا يعني مجرد النقد البسيط، بمعنى أن تقبل المعلومات دونما نقد أو تقويم.
- جوهر التفكير الناقد لا يتركز على إجابة الأسئلة إنما يتركز على الاستفسار عن الإجابات (التحليل، التركيب، التقويم).
- الإشهار لا يعني الأهمية، فقد تورد إحدى الصحف خبراً في صفحتها الأولى لشعبيته أو إبهاره أو جدته. كل هذه المواصفات لا تعني أنه مهم بالضرورة.
- تفحص المصادر التي اعتمدت عليها المقالة أو النص وتأكد من كونها مصادر أساسية، حديثة التاريخ، ناشرها موثوق بأمانته.
- تفحص الأدلة والقرائن التي تقيم الحجة أو تضحض صحة أخرى.
- ابحث عن البدائل المفسرة ولا تقتصر على بديل واحد فقط.
- كن حذراً في وضع الافتراضات.
- لا تسارع في القفز إلى النتائج.
- ابحث عن السبب – النتيجة.
- كن حذراً عندما تلاحظ موقفاً، فالملاحظ قادر أحياناً على تغيير الموقف نفسه.
- ابحث عن العبارات ذات المعنى.
- أن يكون لديك فهم لأساسيات الإحصاء يمكنك من ترجمتها واستخدامها بما يبعدك عن الأحكام الذاتية.
- لا تثق في السلطة كمصدر للحقيقة، ولا في الحكمة الشعبية.
- فكر فيما وراء السطور.
- تعلم أن تفكر خارج الأطر المقولبة سابقاً (جلباب الأب).
- وأن تفكر فيما لم تفكر فيه من قبل. فكر فيما وراء التفكير.
- فكر بما يفكر به خصمك.
- اختبر تفكيرك من خلال الآخرين من خلال ما تحدثه لديهم من عصف ذهني.
- تدرب على التفكير الناقد، وتابع هذا التدريب، ولا تنزعج إذا ما أرهقك التفكير الناقد. وتذكر أن التفكير الناقد ينتهي بسؤال لماذا؟
- كن ذا عقل منفتح Open – minded وتجنب التفكير الضيق.
- مارس الدهشة العقلية: تعجب، استقص، اسأل، جابه المشكلات.
- مارس الحذر العقلي باحثاً عن الأخطاء، وعدم الدقة، كن محدداً ومنظماً.
- ابحث عن المحددات المتعددة للسلوك.
- فكر كعالم، بتفحص مدى صدق الأدلة، ومدى قوتها في تدعيم الحجة.
التفكير الناقد لا يبنى على الأوهام Fallacy
التفكير الناقد عملية تفكير تأملي منتج مقوم للأدلة والبراهين.
الخلاصة:
1- تطور مفهوم علم النفس إلى أن وصل إلى أنه العلم الذي يتعامل بشمولية مع فسيولوجية الفرد (كيميائية الدماغ، وعلم الأعصاب، والمورثات)، وسلوك العضوية البيولوجية (مثير استجابة).
2- علم النفس أكثر من حس فطري مشترك، إنه يتحدى الأمثال والحكم الشعبية والمعتقدات الثقافية، ليحد من التفكير الخرافي.
3- المناحي العلمية المبكرة في علم النفس تتضمن البنيوية، والوظيفية، والجشطلية.
4- المناحي العلمية المعاصرة في علم النفس تتضمن: المنحى السلوكي، المنحى السيكودينامي، المنحى المعرفي، منحى علم الأعصاب السلوكي، منحى علم النفس التطوري، المنحى الاجتماعي الثقافي.
5- المناحي الإيجابية لعلم النفس تتضمن: الحركة الإنسانية، والحركة الإيجابية لعلم النفس.
6- التنوعية في علم النفس تعلن عن نفسها من خلال:
- تعددية مناحيه.
- تعددية اختصاصات دراسية.
7- يتوقع أن يكون التعلم فاعلاً إذا ما استخدمت فيه استراتيجيات تعليمية تعلمية من مثل: Conceptual Mapping, Graphic Organizer, KWL, SQ3R's
8- إرشادات للدراسة عامة:
ابدأ بالمسح – تخلص من مشتات الانتباه – اجعل دراستك موزعة – ضع لنفسك أهدافاً فيها تحد – كافئ نفسك عن كل تقدم يتحقق – ساعد عقلك على الاندماج والتركيز – تأكد من أنك قادر على الإجابة عن الأسئلة – جود التنظيم المعرفي للمادة المدروسة – حاول أن تملأ البناء المعرفي للمادة المدروسة بالمعلومات التي قدمها النص، وانظر إذا ما كنت بحاجة إلى معلومات جديدة.
9- التفكير الناقد عملية تأملية منتجة مقومة للأدلة والبراهين، متضمنة عمليات التفكير العليا: التحليل والتركيب والتقويم، والاستقراء، والاستدلال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ