النموذج النبوي في الإدارة
لقد مهّد النبي (صلى الله عليه وسلم ) بهجرته الى المدينة المنورة الطريق لأقامه وبناء الدولة الاسلاميه بشكل فعلي والبدء بتنفيذ الخطوات الرئيسية لإقامتها ،وبما ان الدول لا تقوم ولا تبنى الا بشروط واضحة ومحددة ، فقد أدرك (صلى الله عليه وسلم) ان إقامتها في مكة أمر مستحيل ، لذا كان لابد من البحث عن مكان امن ، فاختر له الله سبحانه وتعالى الهجرة إلى طيبه الطيبة لتكون نقط البدء في انتشار الإسلام وأقامه كيانه العزيز .
ان الأسلوب والطريقة التي استخدمها النبي (صلى الله عليه وسلم) في بناء الدولة تدل على القيادة الاداريه الناجحة الذكية فقد استخدم (صلى الله عليه وسلم) أسلوبا مبنيا على التسلسل المنطقي والتدرج في البناء ليحظى بالقبول والدعم ولا يكون محل استهجان واستغراب ونفور ،وما الخطوات العملية التي قام بها (صلى الله عليه وسلم) كبناء المسجد والمواخأه وإعلان الدستور ...الخ إلا تنفيذا لمخطط إداري عظيم مبني على أسس ووظائف الإدارة كلها من تخطيط وتنظيم وتوظيف وتنسيق ...الخ ، وقد تجلت وظهرت هذة الوظائف في كافه مراحل بناء الدولة وسنرى ذلك بوضوح من خلال استعراضنا لما قام به (صلى الله عليه وسلم) من إجراءات وخطوات .
الخطوة الأولى :بناء المسجد :
أدرك النبي (صلى الله عليه وسلم) أهميه بناء المؤسسات السياسية والاداريه والاجتماعين والمالية وغيرها وقد أدرك (صلى الله عليه وسلم) بثاقب بصيرته أهميه المسجد كمكان للعبادة أولا لترسيخ وتقويه جذور هذا الدين الجديد في نفوس الناس وجامعه للعلوم المختلفة ينهلون منها معارفهم وعلومهم عن دينهم ولغتهم ويستمعون فيه لمحاضرات معلمهم وأستاذهم الأول محمد (صلى الله عليه وسلم) ، أضافه إلى استخدامه كمقر ومركز لحكومته وبرلمانا للتشاور في شؤون المسلمين العامة،أضافه الى استخدامه كمقر لقيادة الجيش الإسلامي تعقد فيه الويه الجهاد وترسل منه البعوث والجيوش ، وكذلك كان دارا للقضاء ونزلا لاستقبال الوفود والرسل القادمين الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ،لقد كان المسجد خطوة هامه من خطوات بناء المجتمع الجديد ينصهر فيها جميع المؤمنين في بوتقة الإسلام لا فرق بينهم إلا بالتقوى ،لقد لعب المسجد دورا سياسيا وإداريا ودينيا كبيرا يدل على أهميه رسالته ودورها في بناء ألامه ،وهذا ما تحتاج إليه امتنا في حاضرها وهو تفعيل دور المسجد كجامعه ومدرسه وأداة للنهوض بالامه من كبوتها .
الخطوة الثانية :المؤاخاة :
ان التآلف الاجتماعي ضرورة لا غنى عنها لأقامه المجتمعات الخالية من الأحقاد والاضغان والتناحر والفرقة ولا يكون ذلك الا بصهر أعضاء المجتمع كلهم في بوتقة فكريه واحدة وتلاقيهم على هدف واحد وغاية سامية مشتركه، وهذا ما أدركه (صلى الله عليه وسلم) كأساس لبناء المجتمع الجديد فعمد (صلى الله عليه وسلم) لأسلوب التآخي بين جميع إفراد المجتمع من قادمين جدد(مهاجرين )وبين أصحاب الأرض (الأنصار ) حيث أمرهم (صلى الله عليه وسلم) بذلك فقال :" تآخوا في الله اخوين " ،لقد كان لنظام التآخي فوائد جمة ساهمت في بناء وتقويه أركان الدولة الجديدة ،حيث يرى كثير من الباحثين والمؤرخين ان هذا النظام انطوى على فوائد اقتصاديه وسياسية وروحيه وفكرية ودينيه ، أضافه إلى فائدته الاجتماعية العظيمة ،حيث شكل هذا النظام تعويضا للمهاجرين عما فقدوة من أموال ومساكن وأزواج ،
وخوفا من ان تبقى في النفوس غصة من جراء ذلك فقد اقتسموا هم وأخوتهم من الانصهار الأملاك والأموال بل حتى الزوجات وفي ذلك أيضا إيثار وتعالي على ألذات وتسامي على كل الروابط الا رابطه العقيدة التي الفت بين الأبيض والأسود وبين العربي والعجمي فكانت هي أساس الترابط ولاشيء غيرها .
الخطوة الثالثة :إصدار(الوثيقة) الدستور :
الوثيقة (الدستور): سماها بعض المفكرين والمؤرخين (الدستور الأول) حيث لا يمكن أن تتصور دولة بلا دستور فهي نظرة ثاقبة وخطوة عظيمة لتحديد معالم النظام السياسي الجديد، هذا الدستور نظم العلاقة بين المسلمين بعضهم ببعض وكذلك علاقتهم مع غيرهم مثل اليهود.
أعطت هذه الوثيقة الرسول(صلى الله عليه وسلم) مكانة متميزة كزعيم سياسي ومرجع لكل من في المدينة. وبالرغم من وجود (الدستور) إلا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان لا يستأثر برأيه لوحدة حيث كان يشاور أصحابه في معظم الأمور امتثالا لقولة تعالى: "وأمرهم شورى بينهم " .
وكذلك نظمت (الوثيقة)أمور القضاء والسلطة القضائية وكيفية حل الخلافات والمنازعات وذلك طاعة للرسول(صلى الله عليه وسلم) وامتثالا لأمر الله بطاعة رسوله وأولي الأمر.
اما أهم البنود الاداريه والسياسية التي احتوتها هذة الوثيقة فهي :
1.ان المسلمين من أهل يثرب ومن قريش كل من لحق بهم أمه واحدة .
2.ان المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس .
3.ان المؤمنين كلهم يد على من بغى ولو كان ولد احدهم .
4.انه من تبعنا من اليهود له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
5.لا ينبغي لمشرك ان يجير مالا او نفسا لقريش ولا يحول دونه على مؤمن .
6.ان أي خلاف مردة الى الله ورسوله .
هذا وقد اشتملت الوثيقة(الدستور ) أيضا على بعض البنود التي تنظم أمور الأسرى والقصاص والديه وحفظ الجوار وكيفيه التعامل مع المظلومين وعقد الصلح ....الخ من الأمور الاداريه والتنظيمية والسياسية والتي تدل على سعه افق النبي (صلى الله عليه وسلم) واهتمامه ببناء المجتمع المنظم الذي تحكمه إدارة ناجحة كفؤة.
نص وثيقة المدينة(الدستور )
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم امه واحدة من دون الناس ،المهاجرين من قريش على ربعتهم ،يتعاقلون بينهم ،وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ،وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ،وكل طائفه منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفه منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم الاول يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ،وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفه تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو الاوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى وكل طائفه منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وان المؤمنين لايتركون مفرحا بينهم ان يعطوة بالمعروف في فداء او عقل ،وان لايحالف مؤمن مولى مؤمن من دونه ،وان المؤمنين المتقين على من بغى منهم ،او ابتغى وسيعه ظلم او اثم ،او فساد بين المؤمنين ،وان ايديهم عليهم جميعا ،ولو كان ولد احدهم ،ولا يقتل مؤمنا مؤمن في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وان ذمه الله واحدة يجير عليهم ادناهم ،وان المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس ، وانه من تبعنا من يهود فله النصرة والاسوة ،غير مظلومين ولا متناصرين عليهم ،وان سلم المؤمنين واحدة ،ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله الا على سواء وعدل بينهم ، وان كا غازيه غزت معنا يعقب بعضها بعضا ،وان المؤمنين يسيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله ،وان المؤمنين المتقين على احسن هدى واقومه ،وانه لايجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن ،وانه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينه فنه قود به الا ان يرضى ولي المقتول ،وان المؤمنين عليه كافه ،ولا يحل لهم الا قيام عليه ، وانه لايحل لمؤمن اقر بما في هذة الصحيفه وامن بالله واليوم الاخر ،ان ينصر محدثا ولا يؤبه ،وانه من نصرة او اواة فان عليه لعنه الله وغضبه الى يوم القيامه ،ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ، وانكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مردة الى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ،وان يهود بني عوف امه مع المؤمنين ،لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وانفسهم الا من ظلم واثم ،فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته ، وان ليهود بني النجار ما ليهود بني عوف ، وان ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف ، وان ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف ، وان ليهود بني جشم ما ليهود بني عوف ، وان ليهود بني الاوس مثل ما ليهود بني عوف ، وان ليهود بني ثعلبه مثل ما ليهود بني عوف ،الا من ظلم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته ،وان جفنه بطن من ثعلبه كأنفسهم ،وان ليهود بني الشطيبه مثل ما ليهود بني عوف ،وان البر دون الاثم ،وأن موالي ثعلبه كأنفسهم ،وان بطانه يهود كأنفسهم ،وانه لا يخرج احد منهم الا بأذن محمد صلى الله عليه وسلم ،وانه لا ينحجز على ثأرجرح ،وانه من فتك فبنفسه فتك ،اهل بيته ،الا من ظلم وان الله على ابر هذا ،وان على يهود نفقتهم وان على المسلمين نفقتهم ،وان بينهم النصر على من حارب اهل هذة الصحيفه ،وان بينهم النصح والنصيحه ، والبر دون الاثم ،وأنه لم يأثم امروء بحليفه ،،وان النصر للمظلوم، وان اليهود مع المؤمنين ما داموا ،محاربين ،وان يثرب حرام جوفها لاهل هذة الصحيفه ،وان الجار كالنفس غير مضار ولا أثم ،وانه لا تجار حرمه الا بأذن اهلها ،وانه ما كان من اهل هذة الصحيفه من حدث او أشتجار يخاف فسادة ،فأن مردة الى الله عز وجل والى محمد صلى الله عليه وسلم ،وان الله على من اتقى ما في هذة الصحيفه وابرة ،وانه لاتجار قريش ولا من نصرها ،وان بينهم النصر على من دهم يثرب ،واذا دعوا الى صلح يصالحونه ويلبسونه ،فأنهم يصالحونه ويلبسونه ،وانهم اذا دعوا الى مثل ذلك ،فأنه لهم على المؤمنين ،الا من حارب في الدين على كل اناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم وأن يهود الاوس ،مواليهم انفسهم على مثل ما لاهل هذة الصحيفه مع البر المحض من اهل هذة الصحيفه.
الخطوة الرابعة:تشكيل الجهاز الإداري (الكّتاب):
لقد عين الرسول (صلى الله عليه وسلم) من يرعى شؤون الأمة ويقوم بإدارتها وهذا ما يسمى (بالتنظيم الإداري) الذي سمي سابقا (بالكتابة) وهي مرحلة متقدمة في بناء الدولة. وبذلك وضع الرسول(صلى الله عليه وسلم) الأسس الأولى لبناء الدولة الإسلامية الجديدة ونظم علاقات الناس فيما بينهم وجعل منهم أمه واحدة عقيدتها واحدة دينها واحد دستورها القرآن الكريم تطيع أوامر قائدها المنبثقة من وحي الهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي من عند الله.
وبذلك يكون الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد أنشأ دولة الحضارة العربية الإسلامية وهو شيء لم يناله العرب من قبل.
ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا بأن القائد وما يتمتع به من صفات هو علامة الدولة وميزتها الرئيسية، والدولة الجديدة برئاسة القائد العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) كانت سمتها الإشراق والعظمة نظراً لما يتمتع به قائدها من صفات لم يتمتع بها أحد قبله ولا بعده.
ومن الأشياء التي كان لها كبير الأثر في صنع الدولة الإسلامية - وهي جزء مما كان يتمتع به محمد (صلى الله عليه وسلم) - هو الحق الذي ساد في أرجاءها والعدل والمساواة واحترام حقوق الناس والابتعاد عن التعصب والغلو والتطرف وغيرها الكثير،من الصفات والمعاني التي اتسمت بها الدولة الإسلامية والفكر السياسي الإسلامي الأول وهي أيضا جزء مما نادى به الإسلام كأسس قوية لبناء أي دولة أو نظام سياسي.
مواقف إداريه راشدة
لقد سار الخلفاء الراشدون عليهم رضوان الله على ذات النهج النبوي في القيادة والإدارة فكانوا خير القادة وأفضل السادة وانجح الرؤساء والمديرين،كيف لا وهم خريجوا مدرسه النبوة التي استقت مناهجها ودروسها من لدن رب العزة جل وعلا ،فكان لهم الفضل في استمرار دوله الإسلام التي بنى أسسها الرسول القائد والمعلم الأول محمد عليه الصلاة والسلام ،فامتدت واتسعت أركانها وزادت قوتها وهيبتها وانتشر دين الله حتى غمر نورة أركان الكون كله ،وذلك خلال فترة قياسية من الزمن .
لقد تخلق هؤلاء القادة والخلفاء بأخلاق الإسلام العظيم وطبقوا أخلاقياتهم هذة أثناء حكمهم للامه متنسمين قول نبيهم الكريم :"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ،فاعتنوا بالعيه وحافظوا عليها ورعوها حق الرعاية فكفلوا اليتيم وعطفوا على الفقير ،وصانوا الأرامل والعجائز ومنعوا الناس من ذل السؤال فوفروا لرعيتهم كل أسباب الكرامة والعيش الكريم فضربوا بذلك أروع الامثله في مبادئ القيادة والإدارة ما زال الزمان يسطرها بحروف من نور في أنصع صفحات التاريخ الإنساني على الإطلاق ،وسنرى ذلك من خلال بيان منهجيه بعض من خلفاء رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في القيادة والإدارة .
أولا : منهجيه ابو بكر الصديق في الإدارة والقيادة :
ابو بكر الصديق هو أول الخلفاء الراشدين وهو الصديق الحميم لرسول الله رافقه في أعسر وأصعب لحظات حياته امن به حين كفر به الناس وصدقه حين كذبه الناس ، وأيده ونصرة حين خذله قومه ، وأذوه فهاجر معه الى المدينة في رحله من أصعب رحلات الفرار من الظلم والقهر فكان له أوفى صديق وخير رفيق ، ذكره رب العزة في القران الكريم مادحا صحبته لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال الله تعالى :"ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " دعم وتأييد من الله عز وجل لرسول الله ولرفيقه الصديق ،لقد كان لهذة الصحبة دور كبير في تخلق ابي بكر بأخلاق المصطفى وإتباعه لكل ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يطبق ويلتزم به في حياته وقد ظهر ذلك منذ اللحظة الأولى لتولي أبو بكر مقاليد المسؤولية كخليفة للمسلمين ،حيث طبق ابو بكر كثيرا من مبادئ القائد الإداري الناجح والتي يمكن إيجازها بما يلي:
1.احترام القائد والثقة به :
ان الإخلاص والولاء للقائد ورب العمل مبدأ هام من مبادئ الإدارة الناجحة لأنه يشكل دافعا وحافزا نحو العطاء وزيادة الإنتاج والإقبال نحو تحقيق الأهداف وهذا ما أثبتته النظريات الاداريه الحديث ، ويكفي ان نعرف في هذا المقام ان أبا بكر طبق هذا المبدأ في أعسر وأصعب اللحظات التي كان يعيشها القائد محمد (صلى الله عليه وسلم) وهي الأيام الأخيرة من حياته عليه الصلاة والسلام عندما تراجع ابو بكر عن إمامه الناس في الصلاة في مرض النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما سمع صوته قد دخل المسجد احتراما وتقديرا وولاء له ،وهذا ينفي طابع الاستغلال الذي تمارسه الإدارات المتسلطة حيث يتم تولي السلطة والمسؤولية فور السماع بنبأ مرض القائد او المدير لان الثقة تكون بين القائد ومرؤوسيه على حافة الهاوية .
2.الحكمة والتعقل :
لقد اثبت ابو بكر قدرته على ضبط النفس والتروي والتصرف بحكمه عندما سمع بنبأ وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) فقد كان رابط الجأش رزينا متعقلا لم يندفع الى زعامة ولا رئاسة بل كان هدفه ضبط أمور المسلمين وإرشادهم الى الطريق التي تستمر فيها المسيرة كما كانت عليه في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) ،فبعد ان بايعه الناس قام فيهم خطيبا بخطبه موجزة ترسم ملامح السياسة التي سينتهجها والطريقة التي سيتبعها في إدارة شؤون البلاد والعباد حيث قال :" اما بعد ايها الناس فأني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني،الصدق أمانه ،والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى ارجع عليه حقه ان شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف حتى اخذ الحق منه ان شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم " إنها سياسة حكيمة تراوح ما بين التطمين والتحذير والترهيب والترغيب وهذا هو ديدن القائد الناجح وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي كانت تمر بها دوله المسلمين آنذاك .
3. الحزم والقوة :
تقول عائشة رضي الله عنها عن تلك اللحظة التي تولى بها ابو بكر الخلافة :"لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اشرأب النفاق ، وارتدت العرب وانحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بابي لهاضها ، فما اختلفوا في نقطه إلا طار أبي بفضلها " ان ألامه كانت بحاجه الى هذا النوع من القادة يحفظون عليها دينها ويستمرون بمسيرتها الى ما كان يريدة الله ورسوله ،حيث قال ابو بكر في أنفاذ ما كان يريدة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخاضه استمرار جيش أسامه في مهمته:"..... والذي لا اله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما رددت جيشا وجهه رسول الله ولا حللت لواء عقدة .." انه الحزم والقوة والتصميم على الاستمرار والنجاح .
4.التصميم والإرادة:
لا تتحقق الأهداف والغايات بدون عزيمة قويه وإرادة صلبه ،فما بالك ان كانت هذة الأهداف تتعلق بمصير أمه ودوله ودين ورسالة ،ان قول أبي بكر عندما أراد محاربه مانعي الزكاة :"والله منعوني عناقا كانوا يؤدونها الى رسول الله لقاتلتهم على منعها ..." ،هذا القول يدل على الإرادة والعزم والتصميم على تحقيق الأهداف والاستمرار بالمسيرة لان فيها حياة ألامه وبقاء الدين وفيها أيضا زجر وترهيب لمن يحاول الخروج عن صف ألامه وشق غبارها .
5. الإنصاف والعدالة:
لقد وضح ابو بكر ملامح سياسته القادمة في خطابه الأول للامه والذي سبق ان أوردنا نصه ، والذي يدل على عزمه وتصميمه على اقتفاء اثر النبي الكريم في رفع الظلم عن الناس وإحقاق الحق وإنصاف المظلومين ،فبعد أن بويع أبا بكر جاء إلى مكة فطاف بالبيت العتيق ثم جلس قريبا من دار الندوة فقال :" وهل من احد يشتكي مظلمته او يطلب حقا ، فما أتاة احد ، وأثنى الناس على واليهم وبهذا العدل وهذة الطمأنينة التي شملت جميع مواطني الدولة انتقل الإسلام من المدينة الى العالم كله ، ليغمر نورة أرجاء الكون وتنتشر أشعته الى أطراف الدنيا كلها فتصيب أطراف الصين شرقا فترتد الى أطراف فرنسا غربا .
6.المتابعة والاهتمام :
مواقف كثيرة تجلت بها متابعه الراعي لرعيته واهتمامه بكل صغيرة وكبيرة واهتمامه بدقائق وتفاصيل الأمور وخاضه عندما يتعلق الأمر بالناس ومصالحهم وقضاياهم ، فوصيه أبي بكر لجيش أسامه بن زيد خير دليل على ذلك فهاهو يوصيه فيقول له :" لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوا ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا الا لمأكله ،وسوف تمرون على أقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له....الخ " .
7.الانسانيه والرحمة :
ان وصيه أبي بكر التي أوردناها في البند السابق هي خير دليل على رحمه القائد وإنسانيته وتسطيرة لكثير من بنود القانون الدولي الإنساني الذي توصلت له البشرية المعاصرة والتي تطمح الأمم التي تعاني من ويلات الحروب ان يتم تطبيقه ،لقد عانت البشرية الحديثة من ويلات الحروب والقتل والدمار وهلاك الزروع والثمار وابادة الأرض والإنسان بحروب طاحنه سميت بالحروب العالمية والتي تجاوزت خسائرها ابشريه أكثر من خمسين مليون إنسان ومثلهم بل أكثر من الجرحى والمشردين والنازحين والمشوهين والمعوقين ..الخ ، بالاضافه الى الخسائر المادية الفادحة ،فأين الانسانيه اليوم من التهم التي توجه للإسلام بأنه دين العنف والتطرف والإرهاب ؟ ،بل انه دين الرحمة والانسانيه والأخلاق الفاضلة والمتعامي عن حقائق التاريخ كالذي يريد ان يغطي الشمس بالغربال .
إن صفات أبي بكر القيادية كثيرة ومتعددة وهي تدل على تخلق هذا الخليفة العظيم بأخلاق صاحبه الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) وتنسمه ذكراة وإقتدائه به في حكمه وقيادته ورعايته للامه ،فكان خير القائد بعد الرسول الكريم ، جرى الخير على يديه وانتشر في عهدة الدين الجديد وغمر أجزاء وأسعه وكبيرة من الكون تحت مظله الرحمة والانسانيه وبعيدا عن العنف والتطرف والتعنت .
ثانيا :منهجيه الفاروق في القيادة والإدارة
لقد استطاع عمر بن الخطاب ان يسجل - وبحروف من نور- اسمه في قائمه القادة الاعدل والأقوى والأجدر على القيام بأعباء القيادة وتبعاتها ،انه فاروق الحق والباطل ،انه الخليفة الذي ما عرفت البشرية اعدل ولا أجسر بالحق منه ،فحكم الناس بخير طريقه وبأفضل نهج وسار بهم الى ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفتح البلاد وسير الجيوش الى الشام والى العراق وفتح بيت المقدس وصلى فيه ،وضرب أروع الامثله في مجال احترام حقوق الإنسان وخاصة حقوق الأقليات غير المسلمة في دوله الإسلام ،لقد صنع عمر بن الخطاب منهجا متكاملا من مناهج الحكم يحوي كل الفنون والأساليب الاداريه والقيادية الناجحة ويكفي فيه قول الرسول الكريم :" قد كان في الأمم محدثون فان يكن في أمتي فعمر "وكذلك قال (صلى الله عليه وسلم) بحقه:" والذي نفسي بيدة ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك "،وقال (صلى الله عليه وسلم) أيضا :" لو كان نبي بعدي لكان عمر " .
ان مبادئ الإدارة التي طبقها الفاروق في إدارته للبلاد والعباد كثيرة يصعب علينا الاحاطه بها ولكن يمكننا ان نجمل بعضها بما يلي:
1 . الوضوح والدقة:
الإدارة ليست سلطة يتولاها شخص يصبح بموجبها الآمر الناهي، وليست وسيلة بناء مجد شخصي وتحقيق غرض ذاتي، إنما هي مسؤولية ينوء بحملها من لهم قوة وعزم... هكذا يفهمها عمر رضي الله عنه، حيث يقول في أول خطبة "أيها الناس، إني قد وليت عليكم، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم ما توليت ذلك منكم، ولكفى عمرَ انتظار موافقة الحساب.. "ولن يغيّر الذي وليت من خلافتكم من خُلقي شيئا إن شاء الله، إنما العظمة له وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولي، أعقل الحق من نفسي وأتقدم". ويقول: "أنا مسؤول عن أمانتي، لا أكِلُه إلى أحد إلا الأمناء وأهل النصح منكم، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله".
ان عمر بن الخطاب في خطابه الأول للامه يعتبر ان الحكم مسؤولية كبرى لا يقوى على حملها الا من تمتع بالكفاءة والقدرة والقوة ، وفيه أيضا تعهد أمام الناس بالحفاظ على هذة الامانه العظيمة والقيام بها حق القيام ، ويبين لهم ان الرجل المناسب سيوضع في المكان المناسب أيضا وسيتم توزيع الصلاحيات والواجبات وتقسيم العمل والتخصص فيه ، ولن يتم التهاون مع المقصر والمتخاذل في اداء واجباته ، وان الرئاسة هي تكليف لا تشريف وأنها لن تغير منه أبدا – وهذا ما كان - ان هذة الكلمات شكلت شعارا تعامل به عمر بن الخطاب في رئاسته للامه فصنع بهم دوله قويه يسودها منطق العدل والحق والقوة ، هذه المبادئ الإدارية لم يطلقها عمر شعارا بل واقعا حيا التزم بها في كافة جوانب سنوات خلافته الراشدة.
2. تحديد الأهداف والتزامه بتحقيقها:
لقد أدرك عمر بن الخطاب ان تحديد الأهداف عامل مهم في تحقيقها بأقل التكاليف وبأقصر الأوقات حيث حدد أهدافه منذ اللحظة الأولى لتوليه المسؤولية حيث قال للناس: "ولكم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أجتبي شيئا من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك ولا أجمدكم في ثغوركم، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم؛ فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم".
وهل هناك أعظم من هذة الأهداف ،والتي احتوت على كل ما يبغيه الفرد في حياته اليومية من اطمئنان على ماله وعياله وتحسين مستوى معيشته ، والحفاظ على المال العام وحماية الأوطان والذود عنها ،ورعاية أسرته في حال غيابه ،ويكون عمر بذلك قد اقر عمة مبادئ أداريه هامه تطمح لتحقيقها الإدارة المعاصرة أولها الرعاية الاجتماعية والاسريه والضمان الاجتماعي ورفع مستوى المعيشة ....الخ من المبادئ الادرايه العظيمة .وقد طبق عمر ما وعد وكان خير من التزم بتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل.
3 .أسس نجاح العمل:
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "القوة في العمل ألا تؤخر عمل اليوم لغد، والأمانة ألا تخالف سريرة علانية، واتقوا الله عز وجل...". هذه القواعد الثلاثة الهامة التي أقرها عمر رضي الله عنه التزمها في كافة أعماله الإدارية، فما أجل عملا إلى غير وقته، وحزم كل أمره حتى اعتقد البعض مركزية القيادة في منهج عمر.
والأمانة كانت العنصر الأساسي في مراحل إدارته للدولة، فكانت خشية الله نصب عينيه، فالتزم التقوى في رعيته.
ومن منهجيه عمر في الحكم وسياسة الناس قوله :" لا تتكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله ولا تمشي مع الفاجر فيعلمك من فجورة ولا تطلعه على سرك ولا تشاور في أمرك الا الذين يخشون الله عز وجل " .
4 . معرفه المرؤوسين وإسناد الواجبات :
من العوامل المساعدة على اتخاذ القرار المناسب فهم خصائص الأفراد والجماعات الذين يشملهم القرار، وفي ممارسة الفاروق لهذا الأساس في إدارته اعتماد معيارين للتمييز بين الأفراد:
أ - الأسبقية في اعتناق الإسلام وممارسة شعائره.
ب - السمات الخاصة بالإنسان.
وقد ورد عنه في ذلك قوله: "لي رأي في هذا المال: لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه". وقد فضّل في العطاء بني هاشم والذين حضروا بدرا.. وقد فضل أسامة بن زيد في العطاء على ولده عبد الله لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه.
ولم يكن هذا التفضيل في مجال المال فحسب بل كان في مجال الشورى والرأي ومجال الاستقبالات وقضاء الحاجات. وقد ذكر عمر رضي الله عنه في قيادته للعرب قوله: "إنما مثل العرب مثل جمل أَنِف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده، فأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق". وقد التزم عمر هذا المنهج أولا مع ولاته فحملهم على الحق، فكان لا يتردد في التحقيق معهم ومعاقبة المسيء منهم .
ولم يكن الفاروق متساهلا في الحق حتى في المواقف البسيطة، لأن الخطأ البسيط يولد خطأ كبيرا، والتاريخ حافل بالروايات حول بأس عمر وشدته في سبيل إقرار الحق، ولعل منها حادثة جبلة بن الأيهم، وهي دليل صادق على ذلك، كما كان يميز بين الأفراد في مواقفهم الخاصة وتاريخهم الفردي ، ومن دلائل معرفته بالرجال قوله لأبي بكر يوم الردة:بعد ان قبل رأسه :" انا فداؤك ولولاك لهلكنا " ، وقال في خال بن الوليد :" عجزت النساء ان يلدن مثل خالد ،رحم اله ابا بكر فلقد كان اعلم مني بالرجال " إنها من ضرورات القيادة الناجحة والإدارة الحكيمة معرفه الرجال وإنزالهم منازلهم التي يستحقونها .
5 – القدوة الحسنه والنموذج الامثل :
من أبرز مشاكل الإدارة المعاصرة غياب النموذج أو القدوة.. وقد كان اهتمام الفاروق بتطبيق القدوة الصالحة والنموذج الأمثل لذلك يقول: "الرعية مؤدية إلى الإمام ما أدى الإمام إلى الله فإن رتع الإمام رتعوا".
لقد كان عمر النموذج والقدوة ألحقه ، كيف لا ، وهو الذي وافقه القران في سبعه عشر موطنا وهو من هاجر جهارا نهارا ، وهو أول من دعي بأمير المؤمنين ، وهو أول من كتب التاريخ للمسلمين ، وأول من جمع الناس على صلاة التراويح ، وأول من وضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة ودون الدواوين وفرض الاعطيات ، وهو صاحب الفتوح وهو من سالت بين يديه الأموال انهارا وبطنه يقرقر من الجوع ، عمر الذي اشبع كل الجياع وما شبع ،عمر الذي كسا العراة وثوبه مرقع، عمر من هز العروش وزلزل الممالك فهابته الدنيا كلها ،فكان خير الرجال وخير القادة وهو قدوة ما بعدها قدوة .
ثم حدد علاقته بخزينة الدولة وهي أكثر الجوانب حساسية في العمل الإداري فقال: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلتها من مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف".
وقد التزم ذلك بدقة متناهية فلا ينال من بيت مال المسلمين زيادة عن راتبه إلا إقراضا، وقد ساعده ذلك على إلزام ولاته بهذا المنهج القويم،وقد كان زاهدا لدرجه ان ثوبه كان به اثنتا عشر رقعه ،فقالت له حفصه يا أمير المؤمنين هلا اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير،فقال :"اني سأخاصمك الى نفسك ،اما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش وكذلك أبو بكر ،فما زال يذكرها حتى أبكاها ،فقال لها :أما والله لاشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرغيد " وقد عرفه الرجال والقادة والسادة وقالوا بحقه ما يجب ان يقال بحق رجل كعمر ،حيث قال فيه ابو بكر :" ما على ظهر الأرض رجل أحب إلى من عمر " وقال فيه عثمان بن عفان :" لن تلقى مثل عمر ،ولن تلقى مثل عمر ،ولن تلقى مثل عمر" ، وفيه يقول بن عباس :" كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام،ومحل الأيمان ،ومنتهى الإحسان ، ونادي الضعفاء ومعقل الخلفاء " .
ولم يكن يمارس هذا المنهج في المال فحسب بل في كافة شؤون الحياة، وقد القاعدة الذهبية "من استعمل رجلا لمودة أو قرابة لا يستعمله إلا لذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".
يكفي أن نعلم أن عمر الشديد القوي الذي كان الشيطان يخافه ،كان يقبل النقد من الآخرين ويتحمل نصحهم وإرشادهم له بل انه كان يطلب منهم ذلك ، فيروى ان رجلا قال له :"اتق الله ،فنهرة رجل من المسلمين،فقال عمر دعة ،لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها " ، ويروى عنه أيضا انه قال :" أحب الناس الي من رفع الي عيوبي " .
6. نشر الوعي بين الجمهور حول الأهداف والصلاحيات:
لكي يحدث التفاعل في العملية الإدارية لا بد أن تحقق درجة من الوعي لدى الجمهور.. ويتحقق ذلك الوعي بالمعرفة الواضحة بأهداف المؤسسة والتحديد الدقيق لصلاحيات ومسؤوليات أعضاء الهيئة الإدارية؛ تحسبا لاستغلال عدم وضوح رؤية الجمهور بالاستغلال السيئ للصلاحيات والمسؤوليات.
ولقد أدرك الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية هذا الأساس.. ورغم محدودية وسائل الإعلام في عهدة فإن العزيمة والصدق والأمانة ساهمت في نشر الوعي المطلوب.
فقال: "أيها الناس إني ما أرسل إليكم عمالا ليضربوكم ولا ليأخذوا أموالكم، وإنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فُعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه...". ثم خاطب الولاة قائلا: "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".
كما قال أيضا: "أيما عامل لي ظلم أحدا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته". وعمر هو صاحب المقولة المشهورة :" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا "، وكذلك توضيحه للجمهور أسباب عزله لخالد بن الوليد عن قيادة الجيش تجنبا للفتنة كان يصب في ذات المنهج القويم.
ولم تقتصر هذه التوعية على مجال دون آخر بل توعية لكافة المجالات المالية والعسكرية والاجتماعية.
7 .الإدارة الشاملة (الرفاهية ،الخدمة ،الضمان الاجتماعي، الأمن .....):
لقد كانت الإدارة الاسلاميه في عهد عمر بن الخطاب إدارة تقوم على خدمه الناس والسعي لرفاهيتهم والعناية بكل فئات المجتمع فقد كان المولود ومنذ ولادته يحظى بالعناية والرعاية حيث خصص عمر بن الخطاب لكل طفل يولد نصيب من المال يؤدى إليه حيث يوجد ،وقد كان شعار القائد الإداري الناجح :" لو ان دابة بصحراء الشام كبت لسئل عمر لماذا لم تصلح لها الطريق " ، ويقول بحقه الرسول الكريم :" ارحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر " ، ويقول احد الباحثين عن إدارة عمر بن الخطاب :" لقد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسليقته كل معاني الإدارة العامة الحديثة بل ووصل الأمر الى ابعد مما توصلت إليه كثير من الدول الحديثة التي تفاخر بنظمها الاداريه ، والفرق بين ما اخذ به عمر بن الخطاب وما تأخذ به الدول الحديثة يكمن في الصياغة لا في الجوهر .." ،كيف لا وهو الذي يقض مضجعه بكاء الطفل الصغير يريد ان يرضع من أمه ، فتقول لعمر انه مفطوم قبل أوانه لأنها لم تنال الأعطية المخصصة له ، فيبكي عمر لأنه اعتبر نفسه هو من أذى أطفال المسلمين فيأمر بتخصيص اعطيات لأطفال المسلمين منذ لحظه ولادتهم،ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ان عمر بن الخطاب أعطى حق الضمان الاجتماعي لغير المسلمين في الدولة الاسلاميه والدليل على ذلك ،ما ورد عن عمر بن الخطاب انه رأى شيخ كبير يسأل ،فقال له:"من أي أهل الكتاب أنت ؟ ،فقال الرجل :يهودي ،فقال له:ما الذي دفعك لذلك ؟ ،فقال الرجل :اسأل الجزية والحاجة والسن ،فأخذ عمر بيدة وذهب به إلى منزله فاعطاة شيء من المنزل ثم أرسل الى خازن بيت المال فقال له :" انظر هذا وحاجته ، فوالله ما انصفناة ان أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم ،"إنما الصدقات للفقراء والمساكين "، والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وعن ضربائه".
لقد وضع عمر نظام العسس(الحرس الليلي)وكان هو نفسه كان يتجول بين الأحياء والبيوت ويتفقد أحوال المسلمين ويراقب الدور والبيوت والأحياء ،مما ساهم بشعور الناس بالأمان ، وتكفل بتحقيق الأمن الغذائي للناس حيث انشأ دارا للدقيق لتزود الناس المحاجين بما يريدون من الطعام ، وبنى دور الاستراحة على طرق القوافل للمسافرين والحجاج ،وبذلك حفظ عمر الاستقرار الاجتماعي في الدولة وغرس في نفوس الناس الشعور بالمسؤولية ألاجتماعيه .
8.بناء الأجهزة والمؤسسات :
ان من أهم أسس بناء الإدارة الصحيحة هو قيامها على المؤسسات والأجهزة الاداريه المختلفة المتينة الأركان والجوانب ،وقد أدرك عمر بن الخطاب ذلك -وقد فرضت عليه ظروف اتساع الدولة الاسلاميه أيضا ذلك- ، فقام بتأسيس الأجهزة الرسمية (الدواوين)والتي هي بمثابة الوزارات والدوائر الرسمية التي توثق وتحفظ القيود والسجلات والمعلومات الخاصة بكل جوانب حياة الدولة ومن فيها من الإفراد ،حيث انشأ عمر بن الخطاب ديوان الجند وديوان الخراج وبيت المال ورتب الأرزاق للمسلمين على أساس منازلهم وأسبقيتهم في الدخول الى الإسلام وبذلك يكون عمر بن الخطاب هو اول من وضع الأسس الاداريه وطبقها من خلال بناء الأجهزة والمؤسسات المختلفة .
هذة هي أهم الأسس التي قامت عليها إدارة الفاروق عمر رضي الله عنه فنفذها وأداها وقام بها حق القيام فهي لم تكن شعارات نظريه بل كانت وقائع وأحداث حقيقية سجلها التاريخ بحروف من نور ، ويكون بذلك عمر بن الخطاب قد غرس المفاهيم الأولى للإدارة الحقة القائمة على الأمانة والصدق والعدل والحق والمسؤولية والتقوى والقوة. وحيث إن الإدارة عمل متواصل يبدأ بتحديد الهدف وينتهي بتحقيقه؛ فقد كان الفاروق خير من مارس الإدارة.
اما في زمن عثمان بن عفان :
لقد اتسعت الدولة الاسلاميه وشملت العديد من الأقطار والأمصار البعيدة وبقي كثير من الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب على هذة البلاد فيها وقد دفع اتساع رقعه الأراضي الاسلاميه عثمان بن عفان الى اقتطاعها ومنحها لهؤلاء الولاة مما زاد من رفاهيتهم وغناهم وزاد من ثرواتهم وأموالهم فازداد المال وجرى كالأنهار في زمن عثمان بن عفان ،وقد كان هذا الغنى سببا لغضب اهل هذة البلاد ونقمتهم على الولاة والعمال وبالتالي على الخليفة مما كان له الأثر الأكبر على زعزعه الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة الاسلاميه.
ثالثا :منهجيه علي بن ابي طالب في الإدارة :
لقد تولى علي بن ابي طالب قيادة ألامه الاسلاميه وهي تعيش أدق وأصعب الظروف التاريخية حيث بويع على بن ابي طالب خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان ،وقد سار علي بن ابي طالب على نهج من سبقوة في الإدارة ورسم سياسة الحكم منذ اللحظة الأولى مفتتحا مرحله حكمه بخطاب الحكم الأول الذي يرسم من خلاله منهجيته وطريقته في إدارة الدولة ومرافقها وفق مقتضيات المرحلة التي تمر بها ،وقد ألقى علي خطبته الأولى في الناس قائلا:" ان الله عز وجل انزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر ، فخذوا بالخير ودعوا الشر والفرائض أدوها الى الله سبحانه وتعالى يؤدكم الى الجنة،ان الله حرم حرما غير مجهول وفضل حرمه المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين ،والمسلم من سلم الناس من لسانه ويدة إلا بالحق ، ولا يحل آذى المسلم الا بما يجب ، بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فأن الناس أمامكم وان خلفكم الساعة ،اتقوا الله عز وجل ولا تعصوة وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوة " ويذكر بعض المؤرخون انه قال أيضا في خطبته :".....وان الله داوى هذة ألامه بدوائين :السيف والسلطة فلا هوادة عند الإمام فيهما ،استتروا بيوتكم وأصلحوا بينكم والتوبة من ورائكم ...".
لقد تولى علي بن ابي طالب الخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه في مرحله تعتبر من ادق وأصعب مراحل حياة الدولة الاسلاميه مما ألقى أعباء جديدة على علي بن طالب لمواجهه هذة التغيرات واحتوائها فكان لابد له أن يجري إصلاحات أداريه وسياسية تحفظ المجتمع المسلم وتمنع بعثرة الأموال الكثيرة وجعلها في خدمه المسلمين أجمعين تحقيقا للعدالة والرفاة الاجتماعي الشامل ،لذا فان علي بن ابي طالب استخدم الأساليب والطرق الاداريه التالية بقصد إصلاح الأوضاع الاداريه والسياسية في الدولة وهي:
1.تغيير الولاة والعمال في كافه أرجاء الدولة الاسلاميه لان في التغيير بعث للحياة من جديد وتجديد للعمل والنشاط وضخ دماء جديدة تقوم بأعمال جديدة بعيدا عن الروتين والبيروقراطية، ووضع بدلا منهم أشخاصا من ذوي الصفات الطيبة والسيرة الحسنه والمقبولين من قبل الناس ولديهم القدرة على استيعاب المستجدات والظروف المحيطة ، وكان يقول :" ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا لا تولهم محاباة واثرة " .
2.مصادرة الأموال الكثيرة والفائضة التي كانت بحوزة هؤلاء العمال وإعادتها الى بيت المال لاستخدامها من قبل كل المسلمين على قدم المساواة .
3.إخراج المتمردين على الخليفة من المدينة تحقيقا للأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي ومنعا لإثارة الفتن والمشاكل بين الناس ،حيث قال لهم :" يا ايها الناس اخرجوا عنكم الأعراب وقال أيضا : يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم " .
4.لقد كانت الفتن تحيط بحكم علي بن ابي طالب أحاطه السوار بالمعصم،وكان لابد من إتباع سياسة حكيمة مع من يغذي الفتن ويقوم عليها ، حيث استخدم الحكمة والسياسة وتهدئه النفوس والخواطر وتدرج في أساليب إدارة هذة الفتن وكان عندة "أخر الدواء الكي" .
5.ومن اجل أقامه مجتمع الحق والعدل اهتم بالقضاء واولاة جل العناية والرعاية وعين افضل القضاة في الأمصار والأقطار حيث عين عبد الله بن عباس وأبي الأسود على البصرة وعين القاضي شريح على الكوفة .
6.طور علي بن ابي طالب نظام الشرطة (العسس ) الذي كانت نواته قائمه زمن عمر بن الخطاب وذلك لضبط الأمور وخاصة بعد ظهور عناصر غير مواليه للحكم وازدياد المشاكل والفتن ، وعين له معقل بن قيس .
أما أهم المبادئ الاداريه التي اتبعها علي بن ابي طالب فكانت :
1.وضع الرجل المناسب في المكان المناسب :
لقد اشرنا في موضع سابق الى أهميه هذا المبدأ ،وذلك لأنه الأساس الذي يقوم عليه العمل الإداري السليم ،فالشخص الذي يتم اختيارة وفق أسس الكفاءة والنزاهة والخبرة والدراية والعلم هو الأجدر والأقدر على القيام بالعمل من غيرة ، فقد وضع علي بن ابي طالب شروطا ومواصفات لمن يجب ان يتولى شأن ألامه ومنها : الثقة والامانه والإخلاص وقد شدد على ذلك من خلال خطبه ووصاية لعماله وولاته حيث يقول لأحدهم : " ثم انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا ....وتوخ منهم أهل التجربة والحياء ،من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام ...فإنهم أكرم أخلاقا وأصلح أعراضا واقل في المطامع إشرافا ،وابلغ في عواقب الأمور نظرا ، ثم أسبغ عليهم الأرزاق ،فأن ذلك قوة لهم على الصلاح وغنى لهم ما تحت أيديهم وحجه عليهم ان خالفوا أمرك او ثلوا أمانتك " .
2.المراقبة ومتابعه الأمور :
لاشك ان القائد او المدير الناجح هو الذي يراقب كل كبيرة وصغيرة ولا يغيب عن باله شيء ولا حدث من الأحداث التي تدور في المكان الذي هو مسؤول عنه ، وقد كان هذا حال علي بن ابي طالب حيث كان يوصي ولاته وعماله ان يتابعوا كل صغيرة وكبيرة تدور في أرجاء البلاد فها هو ويكتب الى احد عماله فيقول له :" وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم قدوة لهم على استعمال الامانه والرفق بالرعية وتحفظ في الأعوان فان احد منهم بسط يدة الى الخيانة أجمعت عليه عندك أخبار عيونك ،اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ورسمته بالخيانة وقلدته عار التهمه " .
3.إعطاء كل ذي حق حقه :
ان ما سبق من خطاب علي رضي الله عنه الى احد ولاته لهو دعوة - بل امر- الى الولاة لإعطاء كل شخص حسب ما يستحق وحسب ما يقوم به من عمل وحسب ما يبذل من جهد ،تطبيقا للمبدأ الذي يقول "الجزاء من جنس العمل " وأيضا يدل على ان مبدأ الحساب الفوري عدم تأجيل المحاسبة يؤدي الى سير الأمور بشكل سليم واهتمام كل شخص بعمله والقيام بواجبة ومسؤولياته الموكلة له .
4.العدالة ونبذ الظلم :
كان علي بن ابي طالب يحرص على ان لا يقوم ولاته وعماله بظلم الرعية وهضم حقوقها ويخوفهم دائما بالله حيث يوصيهم فيقول :"...ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عبادة ..." ،وهذا هو قمة احترام الإنسان وتقديرة لإنسانيته وهو أيضا يدل على الخوف من الله ومراقبته ، ويدل أيضا على الزهد والتقوى والورع وبأن المسؤولية أمانه وتكليف وليست مفخرة وتشريف .
5.الاعتدال والوسطية :
ان التشدد في الأمور يؤدي الى التمرد والعنف والرفض والجفاء،والاعتدال والتوسط يؤديان الى القبول والمحبة والإقبال على العمل برضا ومحبه وقد أوصى علي بن ابي طالب ولاته بالتوسط فقال لأحدهم :"...وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة .... ".
6.الرحمة وحسن التعامل مع الرعية :
القائد الناجح هو الذي يتلمس احتياجات افرادة ويسأل عن أخبارهم وأحوالهم وشؤونهم الاسريه والعائلية ويعمل على حل مشكلاتهم لأنها تؤثر على عطائهم وأدائهم ، وقد طبق ذلك علي بن ابي طالب خير تطبيق حيث يقول :" وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان ،إما أخا لك في الدين وأما نظيرا لك في الخلق " .
7.التواضع ولين الجانب :
كان علي رضي الله عنه يأمر ولاته بالتواضع وعدم التكبر على الناس وكان يطلب منهم اللين بغير ضعف والقسوة بغير عنف ،حيث يوصي احدهم فيقول له:" ...واخلط الشدة بضغث من اللين وأرفق ما كان الرفق أرفق واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك الا الشدة واحفظ للرعية جناحك وابسط لهم وجهك وان لهم جانبك واس بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك " وهنا إشارة الى التحلي بأخلاق الإسلام ومبادئه السمحة التي تدعوا الى الرفق واللين والتواضع واحترام الناس والبعد عن الغلظة والجفوة لان ذلك أدوم للمحبة واستقرار البلاد وسير الأعمال على خير ما يكون .
8.احترام الناس وعدم شتمهم وسبهم :
لقد أمر علي بن ابي طالب ولاته بعدم التطاول على الناس واحترام إنسانيتهم ، وهذا مبدأ إداري هام له دور كبير في عطاء الأفراد وإخلاصهم لقيادتهم ومسؤوليهم ،فقد أوصى احد الولاة قائلا:" إني أكرة ان تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وابلغ في العذر وقلتم مكان سبكم اياهم : اللهم احقن دمائنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله " .
9.الامانه والنزاهة :
لاشك ان الامانه والنزاهة في العمل ضرورة لاغنى عنها ،وقد شدد علي بن ابي طالب على هذا المبدأ حيث حاسب كل من خان الامانه وضيعها من الولاة ولم يتهاون معه ، وقد كتب الى احد عماله الذين خانوا الامانه فقال له:" فقد بلغني عنك أمر ان كنت تفعله فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك ، وبلغني انك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك ، فارفع ألي حسابك واعلم ان حساب الله أعظم من حساب الناس" .
ان ما سبق ذكرة من مبادئ أداريه طبقها علي بن ابي طالب هي قليل من كثير فقد كان لاختلاف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية واتساع رقعه الدوله اثر كبير في تطبيق مبادئ أداريه جديدة والتشدد في تطبيقها وذلك لكي تستقيم الأمور وتستقر الدولة وينعم الناس بخيراتها وثرواتها ،لقد كان علي منهجا إداريا بحد ذاته فصفاته العظيمة وقربة من الرسول الأكرم صحبه ونسبا كان لهما الدور الأكبر في شخصيته وفي أدارته وقيادته لأمور البلاد والعباد ،ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) بحق علي :" من أحب عليا فقد أحبني ومن ابغض علي فقد ابغضني ومن سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله فعلي مني بمنزله راسي من بدني ، علي مع القران والقرآن مع علي لم يفترقا حتى يرد علي الحوض " مسند احمد 5/30،ويقول (صلى الله عليه وسلم) :" انا سيد العالمين وعلي سيد العرب " .
أما الإدارة السياسية والعسكرية لعلي بن ابي طالب :
لقد كان علي بن ابي طالب حاله كحال بقيه الصحاب رجلا شجاعا وفارسا مغوارا وقائدا عسكريا وسياسيا فذا وذلك لانه اكتسب الخبرات والمعارف منذ صغرة فتشكلت فيه شخصيه القائد الإداري والسياسي والعسكري الناجح فكان رجل المبادئ والمثل والأخلاق الفاضل ،وقد طبق في حياته العملية العسكرية والسياسية مبادئ كثيرة كانت وما زالت منارات يهتدي بها من اراد الوصول الى قمة النجاح الإداري والسياسي والعسكري،ومن هذة المبادئ نذكر ما يلي :
1.الشجاعة والإقدام :
لقد كان الامام علي رضي الله عنه رجلا شجاعا وفارسا مغوار له نزالات كثيرة ومبارزات متعددة مع فرسان المشركين وقادتهم ،وكان دائما هو الغالب والمنتصر ويقول احد الباحثين في حقه :" لقد كان شجاعا في الحرب لا يعرف الفرار منها مهما أحكمت ظروفها الصعبة ..." .
2.الحذر واليقظة والانتباة :
وهي صفه لابد منها في الحروب والمعارك وخاصة المكشوفة منها،حيث تحتاج الى دقه وانتباة وحذر ويقظة تامة كي لا يؤخذ الفارس على حين غرة من عدوة ، وقد كان الإمام علي "حذرا في الحروب شديد الروغان من قرنه،لا يكاد احد يتمكن منه وكان درعه صدرا لا ظهرا له ..." .
3.الحكمة:
لقد امتاز علي بن طالب بالحكمة والتروي وكان يوصي قادة جيشه بهذة الصفة لان فيها تحقيق المبتغى والهدف ، حيث يقول لأحد قادته :"فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الإشراف او سفاح الجبال او أثناء النهار كي لا يكون لكم رداءا ودونكم مردا ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد او اثنين ..." .
4.الاستطلاع :
لا يمكن للحروب او الخطط ان تنجح وتؤتي ثمارها الا اذا كانت محاطة بأكبر قدر من السرية واليقظة ،وكذلك فأن لغلبه على العدو لا تكون الا بعد كشف اسرارة ومعرفه اخبارة والإطلاع على تفاصيل قوته ،ولا يكون ذلك الا بالعيون والجواسيس والاستطلاع والاستخبارات ، وقد تنبه علي رضي الله عنه لذلك فكان يأمر قادة جندة بهذا الأمر ،حيث يقول لأحدهم موصيا :" ...واجعلوا لكم رقباء في فيافي الجبال ومناكب الهضاب لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن واعلموا ان مقدمه القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم ، ..." وهذا يدل على بعد النظر والحنكة العسكرية والخبرة القتالية ، ولاشك ان ما ورد في وصيه علي ما زال يطبق الى اليوم من قبل الجيوش أثناء مسيرها وتحركها الى أهدافها .
5.تكتيكات الانسحاب :
ان مرحله الانسحاب مرحله خطرة تكون فيها القوات بأضعف حالاتها،فأذا لم تنتبه وتأخذ حذرها فأن العدو سيتمكن منها ، وقد اوصى علي بن ابي طالب قادته بالانتباة الى هذة اللحظة ،فيقول:" ..... وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا ، واذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفه ولا تذوقوا النوم الا غرارا او مضمضمه " .
6.الدعوة للصمود والصبر في القتال :
يقول الامام علي صحابه :" لا تستصعبوا فرة تفرونها بعدها كرة تجبرون عليه انما الذي ينبغي عليكم ان تستصعبوا فرة لا كرة ، "ويقول ايضا : " ..... ولا تشددن عليكم فرة بعدها كرة ولا جوله بعدها حمله وأعطوا السيوف حقوقها ..واميتوا الأصوات فانه اطرد للفشل " .
7.طاعة القائد وامتثال اوامرة :
وهذا لاشك هو سمه الجنود المخلصين بأهدافهم وقيمهم ومبادئ أمتهم وهو سبب النجاح والانتصار ليس في الحروب فحسب بل في كل أنواع المسؤولية مهما صغرت او كبرت ، وكان رضي الله عنه يوصي جندة بالطاعة وامتثال الأوامر حيث يقول :" ...وجعل الوالي منكم بمنزله الوالد من الولد وبمنزله الولد من الوالد ....وان حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم فازا فعل ذلك معكم وجبت طاعته بما وافق الحق ونصرته على سيرته والدفع عن سلطان الله فإنكم وزعه الله في الأرض فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ان الله لا يحب المفسدين " .
8.البعد عن الغرور :
يوصي علي بن ابي طالب القائد والجندي بعدم الغرور والزهو بالنفس لأنه مقتله الرجل ، ولان التواضع من شيم الناس الكرام أصحاب الخلق الحسن ، فيقول في هذا :" إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فان ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ..زاياك والمن على رعيتك بإحسانك او التزيد فيما كان من فعلك ....فان المن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور الحق ..."
9.مشاركه القائد لجنودة والاختلاط بهم :
هذا وقد استمر تطور النظم الاداريه في الدولة الاسلاميه والبناء على ما أنجز وتحقق في عهد ابي بكر وعمر وقد توسعت أركان وأجهزة الدولة ومؤسساتها واتسعت بأتساع رقعه الدولة الاسلاميه وامتدادها ،حيث تم تأسيس دواوين (وزارات )مختلفة لتوم بالمهام والواجبات التي تتزايد وتتسع فقد تشكل –أضافه الى ديوان الجند والخراج – ديوان الرسائل ، وديوان البريد ، وديوان المستغلات - وهو الذي يدير أموال الدولة الغير منقولة - ، وديوان النفقات وديوان الصدقات ، وديوان الخاتم وديوان الطراز ، وبذلك تكون أجهزة الدولة قد كبرت وامتدت وأصبحت تقوم بواجبات ضرورية ومهمة لحفظ حقوق الناس ومعرفه كل ما يتعلق بهم من قيود ومعلومات وهو ما شكل نواة لأجهزة أداريه متكاملة ظهرت في زمن الدولة الأموية والعباسية.
10.الثناء على المجتهد وإعطاء كل ذي حق حقه:
من غير المشكوك فيه ان المرؤوس ترتفع معنوياته ويبلي بلاء حسنا ويعطي أقصى ما عندة من طاقه ويقبل على العمل باندفاع وحماس ،عندما يشعر ان هناك من يقدر تعبه وجهدة وهذا ما فعله علي رضي الله عنه مع مرؤوسيه فكان يوصي قادته وولاته وعماله قائلا:" وواصل في حسن عليهم وتعديد ما أبلى ذوي البلاء منهم فان كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض المتكاسل ان شاء الله تعالى، ثم اعرف لكل امرئ منهم ما ابلى ولا تضيفن بلاء امرئ لغيرة " وهنا تأكيد على ان يأخذ كل ذي حق حقه وان لا يعطى احد ما لا يستحق من التقدير والمدح والثناء لان ذلك مدعاة إلى الشعور بالغبن والظلم والقهر .
11.قبول الصلح والهدنة :
لقد رأينا ان هذا المبدأ هو مبدأ إداري حربي نبوي طبقه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفعله ودعا اليه علي رضي الله عنه عندما أوصى احد قادة جيشه قائلا:" ولا تدفعن صلحا دعاك أليه عدوك لله فيه رضا ،فأن الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك وليكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فأن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم ..." .
12.الوفاء بالعهد وحفظ الوعد:
إنها شيم الكرام والقادة الخيرين وصفه العرب الطيبين وهو أمر الرسول الكريم لأتباعه من أمته الى يوم الدين ، وقد اخذ به علي بن ابي طالب قائلا:" ....وان عقدت بينك وبين عدو لك عقدة او البسته منك ذمه فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانه واجعل نفسك جنه دون ما اعطيت " .
ان ما سبق بيانه وذكرة من شيم وصفات تدل وبما لا يدع مجالا للشك ان عليا رضي الله عنه كان قائدا اداريا وسياسيا وعسكريا فذا ناجحا وبكل المقاييس ،بل كان قدو يحتذى باخلاقياته ومبادئه الاداريه والسياسيه والعسكريه ،كيف لا وهو خريج مدرسه النبوة الطاهرة، وهو من خير بيت من العرب من آل البيت الاطهار الاخيار عليهم سلام الله ، " انما يريد الله ان يذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " .صدق الله العظيم
واجبات الإدارة الاسلاميه
لاشك ان الإدارة في الإسلام والتي تقوم عليها مؤسسات أداريه منظمه ومرتبه تخاف اله وتؤدي ما هو مطلوب منها على أكمل وجه لها واجبات ومهام رئيسيه يجب عليها ان تؤديها على أتم وجه ومن هذة الواجبات:
اولا :الدعوة الى الله وعبادته وتوحيدة :
ان امر الدعوة الى الله هو واجب على كل فرد من أفراد هذة ألامه وذلك لبيان طريق الحق للناس وإنقاذهم من براثن الجهل والضياع والظلام وإيصالهم الى نور الله وهدايتهم الى ما يصلح شأنهم في الدنيا والآخرة ،وهذا الواجب هو أمر من الله لعبادة المؤمنين الموحدين، حيث قال تعالى في كتابه العزيز:" ولتكن منكم أمه يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " ال عمران 104،والدعوة مهمة ليست سهله بل أنها تتطلب من المؤمن المسلم الذي يريد ان يكون داعية الى الله شروطا وواجبات وصفات يجب ان يتحلى بها، كالعلم والحكمة والقدوة الحسنه والفكر السليم البعيد عن الانحراف والانجراف والتشدد والتعصب والغلو والتطرف ،لان ذلك مدعاة للنفور والهروب من دين الله وفي هذا المقام يقول ربنا جل وعلا :"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن "النحل 125، وقال أيضا :"قل هذة سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني" يوسف 108، ان هذة الشروط الواردة في هذة الآيات الكريمات تبين ان الإسلام ليس فيه اكراة ولا إجبار ولا تعصب ولاغلو على اعتناق شيء ، بل انه دين الرحمة واليسر والحكمة ،وهذا يوضح للدعاة المنهج والطريق التي عليهم أتباعها في الدعوة الى الله وإرشاد الناس الى الحق وكذلك الحال فان على الإدارات الاسلاميه والأجهزة الرسمية في الدول الاسلاميه تسخير امكاناتها وطاقاتها الاعلاميه وأجهزتها المختلفة لتحبيب الناس بالإسلام وترغيبهم به من خلال البرامج الهادفة ألبنائه والابتعاد عن كل ما يسيء الى سمعه الدين وسمعه المسلمين لتكون صورة الدين مشرقه ناصعة في أذهان العالم وخاصة في وقتنا الحاضر الذي تتعرض فيه ألامه الاسلاميه لهجمة شرسة عليها وعلى دينها واتهامها بالتطرف والإرهاب والتعصب والاصوليه ، وان انتشار الفضائيات ووسائل الأعلام يسهل مهمة الإدارة الاسلاميه بالدعوة الى الله أينما كانت وفي أي بلد .
ثانيا :تنفيذ السياسة الشرعية وتحقيق الآمن :
ان مهمة الإدارة في الإسلام هي تطبيق شرع الله وأقامه شعائر الدين لان في ذلك حماية لحقوق العباد وحقوق الله وتحقيق العدالة بين الناس ومنع الظلم والتسلط وتجبر فئة على أخرى ، لان الناس في ظل هذة الحال متساوين لا فرق بين احد واحد الا بمقدار ما يقدم لدينه ووطنه وأمته من خدمات وتضحيات .
ان تنفيذ السياسة الشرعية هو مدعاة الى تحقيق الأمن والأمان للناس وصيانة لكل ما يملكون من ضرورات هامه لأدامه حياتهم واستمرارها وهي :
-حفظ الدين :
لاشك ان حفظ الدين وأقامه شعائر الله فيه الخير والفلاح والسداد للامه ،وفيه استقامة للأخلاق وصلاح لكافه النظم في الدولة ،فالمتمعن باركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج....الخ، يرى انها تحتوي على أخلاقيات وقيم سامية تدفع بالإنسان أولا وبالمجتمع ثانيا الى الصلاح والنجاح والخروج من دائرة غضب الله وسخطه.
- حفظ النفس:
لقد حفظ الإسلام النفس البشرية ومنع انتهاكها سواء بالقتل او الإيذاء لان الإنسان هو أكرم مخلوقات الله وقد جعله الله خليفته في الأرض فصان حياته ونفسه من الإيذاء والهلاك ،فقال تعالى :" ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤة جهنم خالدا فيها " النساء 93، وكذلك منع الإنسان من إيذاء نفسه بالانتحار حيث قال تعالى :" ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما " النساء 29، وهنا يقع على عاتق الإدارة الاسلاميه اتخاذ كافه الإجراءات لحماية الناس وحفظهم من القتل والترويع او الإيذاء وذلك بسن القوانين الرادعة وعدم التهاون في تطبيقها على كل من تسول له نفسه إيذاء المسلمين وترويعهم .
- حفظ العقل :
العقل في الاسلام هو مناط التكليف ،وقد اكد الاسلام على ضرورة حفظ العقل وحمايته وبقائه متيقضا منتبها لان فقدان العقل وزواله يؤديان بالانسان الى الطيش وزالاستهتار والحماقه ،لذا فقد حرم الاسلام كل ما يذهب بالعقل من مسكرات ومخدرات حيث قال (صلى الله عليه وسلم):" ما اسكر كثيرة فقليلة حرام " لذا فان من واجب الإدارة الاسلاميه هو حماية المجتمع من الآفات السيئة التي تؤدي الى هلاك عقول الناس وتلفها وضياعها .
-حفظ المال:
أكد الإسلام على حفظ المال بنوعيه العام والخاص وقد كرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) للناس أضاعه الأموال وبعثرتها هباء منثورا من غير فائدة ،حيث قال (صلى الله عليه وسلم) :"كرة الله لكم ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وأضاعه المال "،وقد شدد الإسلام على ضرورة حفظ المال العام حيث منع الرشوة والسرقة والنصب والاحتيال والتزوير ورتب على كل ذلك العقوبة المناسبة والتي وصلت الى حد قطع يد السارق حيث قال تعالى :"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا " ،المائدة 38 ،وقال تعالى أيضا :" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون "البقرة 188،وقال (صلى الله عليه وسلم) :" لعنه الله على الراشي والمرتشي " لذا فان واجب الإدارة الاسلاميه حفظ الأموال وإنشاء الدوائر المختصة للقيام بها وجبايتها وحمايتها .
- حفظ العرض:
شدد الإسلام على حفظ الأنساب والأعراض وحرم انتهاكها ، حيث منع النظر الى المحرمات والخلوة بالاجنبيه وحرم التبرج والتزين والاختلاط بالرجال واحترم المرأة ودعاها الى الحجاب والحشمة والوقار ووضع لها الضوابط والقيود التي تحفظ عليها عفتها وكرامتها وأنوثتها لأنها أساس المجتمع ونواة الرئيسية التي تشكل الأسرة والتي هي في النهاية اللبنة الأولى من لبنات المجتمع ،والآيات والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن هذا الأمر كثيرة ومتنوعة في معانيها ومضامينها ،لذا فان من واجب الإدارة الاسلاميه هو حفظ أعراض الناس وأنسابهم وذلك بمنع التسيب في المجتمع وسد أبواب الرذيلة والفجور حفاظا على المجتمع والأمة ، ومن أهم هذة الأبواب هو تشجيع الزواج بين الشباب المسلم منعا للعزوبية التي ليس لها سوى العواقب الوخيمة، وقد بدأت تظهر في مجتمعاتنا الاسلاميه – ولله الحمد – ظواهر طيبه كالزواج الجماعي المتواضع من حيث التكاليف وإنفاق الأموال التي لا طائل لها والتي هي في الغالب من اهم موانع الزواج في المجتمعات الاسلاميه .
ثالثا :تنظيم وادارة مرافق الدوله وتحقيق التنميه في المجتمع :
يقع على عاتق الإدارة الاسلاميه مهمة تنظيم وإدارة مرافق البلاد كافه من مرافق سياسية واقتصاديه واجتماعيه وفكرية ...الخ وذلك من اجل النهوض بالمجتمع وتحقيق أفضل مستويات المعيشة للإنسان المسلم ليعيش بكرامه واحترام ، عزيز الجانب مهابا من قبل غيرة من الشعوب ، بعيدا عن الذل والمسأله ،لذا فان تحقيق التنميه الشامله هو مطلب هام وواجب رئيسي من واجبات الإدارة الاسلاميه التي تخاف الله وترعى حق الناس ومصالحهم ، والتنمية والتطور تكون في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة ...الخ وكافه مناحي الحياة ،ففي الجانب السياسي فان الإدارة الاسلاميه مكلفه باقامه المؤسسات السياسية التي تتخذ القرار السليم والصائب من خلال المشاركة الفاعلة للمواطنين وتفعيل مبداء الشورى في ألامه ليكون قرارها سديدا رشيدا ، واما التنمية الاقتصادية فهي امر هام وضروري لتبقى ألامه تنعم بثرواتها وخيراتها ولتكون هي صاحبه القرار فيها بعيدا عن الهيمنة والتعبعيه للآخرين وتفعيل الأسس الاسلاميه في الاقتصاد وضرورة تدخل الدولة لتنظيم الأعمال الاقتصادية اليومية في المجتمع خوفا من الاحتكار والغش والتلاعب بقوت الناس وأموالهم ،أما التنمية الاجتماعية فهي ليست بأقل أهميه مما سبقها ،حيث ان تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وإعطاء الناس حقوقهم ورعايتهم صحيا وتربويا هو واجب لابد من أدائه لانه الطريق نحو مجتمع نظيف من الأحقاد والضغائن ، اما التنمية الفكرية والتربوية فهي أساس النهوض والتطور في المجتمع المسلم الذي ينبغي ان يكون متقدما متطورا في مجالات التأليف والإبداع والترجمة والعلم الحديث ...الخ لا ان يبقى متلقيا لثقافة وعلوم الآخرين ، وهنا لابد من إنشاء المؤسسات الثقافية والفكرية والمراكز العلمية والبحثية التي تعنى بأبناء المسلمين وترعاهم فكريا وثقافيا وعلميا .
رابعا :توفير الأمن وحماية البلاد من العدوان الخارجي :
إن الذود عن الأوطان وحمايتها من العدوان الخارجي هو واجب لابد من القيام به من قبل كافه أجهزة الإدارة في الدولة ، وذلك من خلال إنشاء الجيش القوي المدرب الجاهز للرد على أي عدوان من الخارج ، وكذلك إنشاء قوات امن تحمي الإنسان والمقدرات والثروات وتذود عن العقيدة والدين لتكون البلاد الاسلاميه مهابة الجانب ليست خاضعة لاستعمار وهيمنة أية قوة.
من خلال ما سبق يتضح لنا عظم الدور الذي يجب ان تقوم به الإدارة في الإسلام ،إنها واجبات شامله عامه تغطي كل ما يتعلق بالدولة وأجهزتها ومرافقها وكذلك كل ما يحيط بالإنسان وأحواله وشؤونه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: طشطوش، هايل عبد المولى، كتاب: أساسيات في القيادة والإدارة، النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة، دار الكندي للنشر والتوزيع، إربد- الأردن ، الطبعة الأولى لعام 2008 .