تمهيد:
لم يكن هدف الحرب في الإسلام في يوم من الأيام القتل والتدمير والتخريب واستعمار واستغلال مقدرات الشعوب والأمم ، ولم تكن تهدف الى إجبار الناس على إتباع شيء لا يريدونه بالقوة ، بل انها كانت حربا عادله ،اخلاقيه ، لها أهداف سامية ،ونبيلة ،كان هدفها إخراج الناس من الظلمات والجهالة والتخلف ،... الخ الى نور الإسلام وعدله وسماحته ورحمته ،لم تكن حربا عدوانية ،بل انها كانت لرد العدوان إذا ما وقع على ديار الإسلام والمسلمين ،لذا فقد كانت مهمة الفتح الإسلامي مهمة ميسرة وسهله ،حتى أنها وخلال زمن قياسي وصلت رسالة الإسلام الى معظم أجزاء العالم المعروف آنذاك ، وذلك برضا وقبول وترحيب من اهل الديار التي دخلها المسلمون وذلك لما شاهدوة من رحمه وأخلاق المسلمين الفاتحين ،وفي هذا الصدد يقول (جوستاف لوبون ) في كتابه "حضارة العرب " :" ان العالم لم يعرف فاتحا ارحم من المسلمين "، وفي قادم الصفحات سنعرض لهذة الحرب الاخلاقية أهدافها وغاياتها ومسيرتها ومواقف خالدة منها .
تحديد المفاهيم :
لابد لنا قبل التفاصيل في هذا الموضوع أن نعرف بعض المفاهيم التي سنستعملها بكثرة في هذا الفصل والتي من أهمها :
- الحرب العادلة : " هي الحرب التي توجة ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب آخر ولم يشأ رفعة ، ويشترط فيها ان تكون مطابقة للقواعد الإنسانية ، وتكون بهدف تحيق سلم دائم، كما يشترط فيها احترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معامله الأسرى والرهائن ."
- معنى القتال في الإسلام : "هو قتال العدو لتامين حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام، مع مراعاة حرب الفروسية الشريفة في القتال ."
- حرب الفروسية:هي كفاح شرف لا يجوز أن يلجأ المحاربون فيه إلى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف ".
أهداف وغايات الحرب في الإسلام
سبق أن أسلفنا أن الحرب في الإسلام لم يكن مقصدها التدمير والتخريب وقتل الأبرياء وترويع الآمنين ، بل أن مقاصدها وغاياتها شريف ونبيلة ،وهي تتلخص فيما يلي:
1.تامين حريه نشر الدين :
القاعدة الربانية التي بنى عليها المسلمون عقيدتهم القتالية في هذا الخصوص هي قوله تعالى : "لا اكراة في الدين ، قد تبين الرشد من الغي " البقرة 256، ، لذا فان اعتناق وإتباع الدين في الإسلام ليس بالاكراة وبحد السيف ، بل هو بالدعوة اللينة الحسنه ،المبنية على أسلوب الإقناع وليس الاكراة والإجبار ، قال تعالى :" ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي احسن " النحل 125، ،لذلك فان أسلوب الإسلام في جذب الناس الى الدين هو الحكمة والموعظة الحسنه والإقناع العقلي لذلك فان المسلمين لم يقاتلوا من اجل اجبار الناس على اعتناق الإسلام بالقوة ،بل كان الهدف هو تامين الحماية لحرية العقيدة وتامين حرية انتشارها بين الناس ، لان الإسلام قد صان حرية الرأي والتعبير وضمنها للناس ، وذلك قبل ان تتنادى إليها الأمم المتمدنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالآلاف السنين ،وترك للناس الحرية في اتخاذ الطريق الذي يريدون متحملين مسؤولية اختيارهم ، قال تعالى :" ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" ، " يونس 99، وهذا يدل على حضارية الإسلام وشموليته وإنسانيته.
إما ما يقوله غير المسلمين بحقهم ، فهي شهادات كثيرة حيث يقول (جوستاف لوبون) :" ان القوة لم تكن عاملا في نشر القران ، وان العرب تركوا المغلوبين أحرارا في أديانهم ....." ، هذة شهادة من مفكر غربي ليس بمسلم ولعمري أن شهادة الأعداء هي ابلغ من شهادة الأصدقاء لأنها تمتاز بالحياد والبعد عن التحيز.
2. الدفاع عن الدعوة :
لابد ان تكون الدعوة محفوظة ومصانة من عبث العابثين ومن اعتداء المعتدين لتكون عزيزة الجانب مهابة الحمى ،لقد تعرض المسلمون في بداية الدعوة الى ألوان مختلفة من العذاب والظلم والاعتداء ، لدرجه أنهم هاجروا وتركوا أموالهم وديارهم وأهليهم ، وجلسوا في المدينة يتحملون الظلم ويصبرون عليه ولم يردوا بالحرب والعدوان منتظرين أمر الله ،حيث كان يقول لهم (صلى الله عليه وسلم) :" لم أومر بقتال ، لم اومر بقتال " ، إلى أن جاء أمر الله بالدفاع عن الدعوة ورد الظالمين ، وحماية الدين وتوفير الأجواء المناسبة لهم للعبادة ونشر الدين الجديد وتامين حمايته ، حيث قال تعالى :" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير " الحج 39،عندها استجاب المسلمون لأمر الله فكانت حربهم حربا دفاعيه ليست أداة للهدم والتخريب والإفساد وإذلال الناس وتحقيق المنافع وإشباع المطامع ، بل هي حفظ لتوازن ومنعا للظلم والتعسف والطغيان ، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى :" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين " البقرة 190 ، وتنبه الآيات الكريمة إلى ان على المسلمين ان ينتهوا من القتال عندما يرتفع العدوان عنهم .
3.رد العدوان الخارجي :
وذلك امتثالا لقوله تعالى : "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين " ، لذا فان المسلمين لا يذهبون للاعتداء على ديار الآخرين ولا يدمروا بيوتهم وصوامعهم ولا يروعوا الآمنين المسالمين ، بل يردوا وبكل قوة من يعتدي على بلادهم وديارهم ويدنس أرضهم ،وهذا يدلنا على ان الحرب في الإسلام تتخذ من مبدأ الدفاع منهجيه وأسلوبا لها تسير وفقه ولا تتخطاة ، فهي حرب دفاعيه وليست عدوانية او هجومية بغير وجه حق ،فهم لا يلجاؤن إليها الا مكرهين مجبرين ، ويطبقون خلالها مواثيق الشرف والأخلاق ولا يقومون بما يتنافى مع مبادئ الإسلام السمحة وقيمه النبيلة ،لذا فان الحرب في الإسلام ليست حربا للإفناء إنما هي لرد الاعتداء ، وهذا المبدأ فرض على المقاتلين أخلاقيات عظيمة أثناء العمليات القتالية ، ولا ابلغ من نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه بقوله :" لا تقتلوا أصحاب الصوامع " ،وقوله لخالد بن الوليد :" لا تقتلوا ذريه ولا عسيفا "، وكذلك قوله :".... ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية ".
4.تحقيق السلام وتثبيت أركانه :
لا يمكن أن يكون للامه هيبة بغير جيش قوي يدافع عنها عند الشدائد والمحن ، ويمنع العدو من ان تسول له نفسه ان يعتدي عليها ، وان جاهزيه هذا الجيش للحرب في كل وقت وحين ، يجعلها مهابة الجانب عزيزة كريمه يهابها أعدائها ويحترمون إرادتها ،ويمنعهم من التعرض لها عند ذلك يسود الأمن والسلام ،ان السلام – وليس الحرب – هو غاية الإسلام وهدفه ، مصداقا لقوله تعلى :" يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه " وقوله تعالى أيضا:" وان جنحوا للسلم فاجنح لها " ،فلم يدعوا الإسلام إلى الحرب والقتال بل ان من أهداف الإسلام العامة هو تحقيق السلام بين الأمم ،لان الهدف المتوخى من إتباع الإسلام هو تحقيق السلام وليس الحرب والنزاع ، ويكفي ان نعلم ان لفظه ( السلم ) ومشتقاتها وردت في القران الكريم أكثر من 133 مرة، وهذا يدل على عظمه وقداسه الغاية المبتغاة من الحرب في الإسلام .
بعد هذا السرد الموجز لأسباب الحرب في الإسلام يبدو وبما لا يدع مجالا للشك بان الإسلام لم يدع الى الحرب بحد ذاتها كغاية ، ولم يدع إلى القتل والتخريب والدمار ، بل على العكس من ذلك دعا الى احترام الناس وعدم ترويعهم او قتلهم او إخراجهم من ديارهم او هدم بيوتهم ، بل كانت غايته هي رد العدوان والدفاع عن النفس ، وتامين حرية العبادة ، وهذا يدلنا على الحرب في الإسلام هي الحرب العادلة ( المثالية ) او (المشروعة) ، التي تكون غايتها رد العدوان ودفع الاعتداء (الدفاع عن النفس ) ، وكذلك حماية حقوق الدولة المعتدى عليها من قبل دوله أخرى ،وعكسها هي الحرب غير المشروعة التي تهدف الى السيطرة وبسط النفوذ واحتلال الأراضي واستغلال الخيرات وممارسه القمع والظلم والإرهاب وترويع الآمنين وقتل المتعبدين .
أخلاقيات الحرب في الإسلام
الحرب في الإسلام هي حرب أخلاقية وليست حربا انتقاميه، وذلك لان القصد منها هو هداية الناس وإخراجهم من الظلمات الى نور الإسلام وعدله وسماحته ، ولأنها كذلك فقد امتازت بأخلاقيات مثاليه وحضارية اقتدت بها الأمم المتمدنة واتخذتها كقوانين إنسانيه تطبقها أثناء الحروب والقتال ،ومن ابرز مثاليات وأخلاقيات الحرب العادلة في الإسلام ما يلي:
1.احترام العهد:
إنها شيمه منة شيم الإسلام العظيم وصفه من صفات نبيه الكريم ،حتى انه قبل الإسلام كان يسميه قومه الصادق الأمين ، بل انه كان صادقا حتى في المزاح والمداعبة ، فقد اخرج الترمذي عن أبي هريرة انه قال : قالوا يا رسول الله انك تداعبنا ، قال :" إني لا أقول إلا حقا " ، حيث كان (صلى الله عليه وسلم) يحترم العهد الذي يقطعه على نفسه ولا يحنث به ولا ينكثه ، بل انه كان يحث أصحابه اذا عاهدوا ان يحترموا العهد ولا ينقضوة مهما كانت الظروف والأحوال ، وان موقفه (صلى الله عليه وسلم) في غزوة خيبر خير دليل على ذلك ، رغم ان اليهود نكثوا العهود مع المسلمين وحرضوا القبائل على قتالهم ، الا انه (صلى الله عليه وسلم) منع أصحابه ان يعتدوا على بيوتهم او ثمارهم أو الاعتداء على نسائهم ، ومنعهم من دخول بيوت اليهود الا بإذنه ،وان موقفه(صلى الله عليه وسلم) من الرجل الذي استجار بأم هانئ ، خير شاهد على ذلك حيث قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لام هانئ عندما أجارت رجلا من المشركين :" قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" ،لان القاعدة في الإسلام هي حديثه (صلى الله عليه وسلم) :" المؤمنون تتكافأ دماهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " رواة الحاكم وابن ماجه والدار قطني ، وهنا اعتبار ذمه أي مسلم
مهما كان هي ذمه لكل المسلمين ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : " الا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها " وهنا دعوة نبوية لاحترام المعاهدين وعدم التعرض لهم ، مستجيبا بذلك لقوله تعالى :" وان احد من المشركين استخارك فاجرة حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه " التوبه 6، ومن صور احترام العهد والوفاء بالوعد عند النبي (صلى الله عليه وسلم) انه كان (صلى الله عليه وسلم) يقسم غنائم هوازن بحنين فوقف رجل من الناس فقال : ان لي عندك موعدا يا رسول الله ، قال :" صدقت فاحتكم ما شئت ، قال :احتكم ثمانين ضائنه وراعيها ، قال :" هي لك وقال :" احتكمت يسيرا " .
ومن الصور الأخرى ما رواة البخاري أن هرقل لما سال أبو سفيان عن محمد هل يغدر ، فأجاب أبو سفيان : لا ، فقال هرقل بعد ذلك ، وسألتك هل يغدر فزعمت انه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر ".
ويقول عروة بن مسعود الثقفي يصف حال النبي وأصحابه :"إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه ، واني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه " .
وان قصه أبي سفيان عندما جاء مع العباس عم النبي عليه الصلاة والسلام ليقابل الرسول (صلى الله عليه وسلم) فرأه عمر بن الخطاب ، فذهب الى خيمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ،فلما وصل قال:" يا رسول الله دعني اضرب عنقه " قال العباس " يا رسول الله إني قد أجرته " فلما أكثر عمر قال العباس:" مهلا يا عمر ما تصنع هذا الا انه من بني عبد مناف ، ولو كان من بني عدي ما قلت هذة المقالة " فقال عمر :" مهلا يا عباس فوالله إسلامك يوم أسلمت كان أحب الي من إسلام الخطاب لو اسلم " إنها قصه تدل على احترام الصحابة لعهودهم ووفائهم بها وبرهم بمن عاهدوا .
وقد ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) انه قال :" ذمه المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ".ومن صور الوفاء بالعهد واحترام الميثاق أيضا حديثه (صلى الله عليه وسلم) الذي يقول فيه :" من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمدة أو ينبذ أليهم على سواء" ، وقال (صلى الله عليه وسلم):" من امن رجلا على نفسه فقتله فانا بريء من القاتل ".
ان نماذج صدق النبي واحترام للعهد كثيرة تكاد لا تعد ولا تحصى فهو لم يخلف عهدا ولم يحنث بوعد ، بل انه (صلى الله عليه وسلم) اعتبر إخلاف الوعد من صفات المنافقين ، وقد علم محمد (صلى الله عليه وسلم) على هذة الصفة الطيبة وساروا من بعده على ذات النهج ونفس الخط .
وهنا نورد شهادة من شخص غير مسلم تدل على احترام العهد والميثاق من قبل المسلمين ، حيث يقول (فريمان ) في كتابه تاريخ العرب :" ...وكان هؤلاء الرجال _المسلمين_ مع شراستهم في القتال شديدي الدماثة بعد النصر ، فقد حفظوا عهودهم تمام الحفظ ولم نسمع عن مجازر لا تمييز فيها قد ارتكبوها ،......الخ ).
2.الوفاء بالوعد:
ان صور الوفاء بالوعد عند النبي (صلى الله عليه وسلم) كثيرة ومتعددة فهو لم يخلف وعدا قطعه على نفسه لأحد من الناس حتى ولو كان مشركا ، ومن ابلغ صور الوفاء بالوعد عندة (صلى الله عليه وسلم) ، انه عندما عقد الهدنة مع قريش كانت شروط الهدنة فيها الغبن والظلم الواضح للعيان حيث كان من شروطها ان يسلم محمد(صلى الله عليه وسلم) من يلجاء إليه من المسلمين بغير إذن وليه وان لا يطالب بتسليم من يلجاء الى قريش من أتباعه ، حيث أثار هذا الشرط أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وأغضبهم وخاصة عمر بن الخطاب الذي اعتبرة شرطا مهينا ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول لعمر :" انا عبد الله ورسوله لن أخالف أمرة ولن يضعني "، ويقول أبو بكر اشهد انه رسول الله، ومن صور وفاءه (صلى الله عليه وسلم) بالوعد ما أخرجه ابو داوود عن عبد الله بن أبي الخنساء قال :" بايعت النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل ان يبعث وبقيت له بقيه ، فواعدته ان أتيه بها في مكانه ذلك ، فنسيت يومي والغد فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه ، فقال يا فتى :" لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث انتظرك"، واخرج الحاكم عن حويطب بن عبد العزى في قضيه إسلامه وكيف انه عندما كان مشركا تولى مطالبه الرسول بالجلاء عن مكة في عمرة القضاء بعد انقضاء مدة ثلاثة أيام المتفق عليها فيقول حويطب :" ولما قدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى عمرة القضاء وخرجت قريش من مكة كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو لان نخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اذا مضى الوقت فلما انقضت الثلاثة أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا : قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا فصاح يا بلال لا تغيب الشمس وواحد من المسلمين في مكة ممن قدم معنا ". ويكفينا قوله (صلى الله عليه وسلم):" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد اخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " صحيح البخاري –ص567.
3.معامله الأسرى :
ان أخلاقيات الحرب في الإسلام عديدة ومتنوعة ومثاليه ، ولا أدل على ذلك من ان الأمم المتمدنة قد ضمنتها نصوص القانون الدولي الإنساني ، وهذا يدل على الإسلام قد جاء بالمبادئ والقيم الانسانيه النبيلة قبل مئات السنين من اكتشاف الأمم المتمدنة لها ، والحرب في الإسلام حرب اخلاقيه حضارية مثاليه لأنها تطبق كل المثل الانسانيه الرفيعة وتبتعد عن الفتك والدمار والتلذذ بجريان الدماء كما هي حال كثير من الحضارات التي قامت ومازالت تقوم على مجاري الدماء وبين أنقاض بيوت الآمنين ، قال تعالى مادحا محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحبه الكرام:"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " ،إنهم فعلا يستحقون هذا المدح الإلهي ، فها هو قائدهم وزعيمهم محمد(صلى الله عليه وسلم) يقول لأصحابه بعد أن جاؤا بثمامه بن اثال بعد ان وقع أسيرا في أيدي المسلمين،:"أحسنوا أسارة "وقال لهم :" اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به اليه "بل انهم كانوا يقدمون له لبن ناقة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام،وبعد ان رأى هذا الأسير هذة الأخلاقيات العظيمة من محمد (صلى الله عليه وسلم) وحبه دخل في الإسلام ،وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول لأصحابه في أسرى بدر :" استوصوا بهم خيرا"،وسياسة الإسلام في التعامل مع الأسرى كانت مثاليه لدرجه انه جعل فداء الواحد منهم ليس مالا ولا إكراها على إتباع الدين ولا الأشغال الشاقة ، بل انه جعل فدائهم تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة ، هل هناك أعظم من القيام بمهمة التعليم والتدريس ، وهذا بحد ذاته إكرام للأسرى عز نظيرة حتى في القوانين الانسانيه المعاصرة ،ان موقف النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم فتح مكة موقف تاريخي عظيم يشهد على ان حربه (صلى الله عليه وسلم) هي حرب مثاليه اخلاقيه ، فهم لم متعطشا لدماء ولا هاويا للحرب بل ان هدفه هو دخول الناس في دين الله أفواجا عن رغبه ومحبه ، فقد وقف عليه الصلاة والسلام مخاطبا قريش وقال لهم :" يا معشر قريش ما تظنون اني فاعل بكم ؟ ، فقالوا : خيرا،اخ كريم وابن اخ كريم ، فقال :" اذهبوا فانتم الطلقاء " ، الم يكن قادرا على أبادتهم وقتلهم وسفك دمائهم وتخريب ديارهم وتشريدهم انتقاما منهم لما فعلوة به من تشريد وإذلال وأهانه ؟ بلى ، ولكن أخلاقه العظيمة التي حباة به ربه تأبى عليه ذلك،قال تعالى :" انك لعلى خلق عظيم " ، هذة هي المبادئ التي تنادت بها البشرية كدستور إنساني تحتكم إليه في النزاعات والحروب قد سبقها اليه محمد عليه الصلاة والسلام بمئات السنين .
4.احترام الجرحى والمرضى والعزل :
من الآداب العظيمة للحرب في الإسلام هي عنايته بالجرحى والمرضى واحترامه لهم وخاصة الناس المسالمين والذين لاعلاقه لهم بالقتال،فقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه وأوصاهم بان لا يتعرضوا للنساء والأطفال والشيوخ الكبار في السن وكل من اعتزل القتال ،فها هو (صلى الله عليه وسلم) يوصي جندة فيقول لهم :" انطلقوا باسم الله تعالى وعلى بركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا امرأة ولا تغلوا (أي تخونوا ) وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " وقال (صلى الله عليه وسلم) لخالد بن الوليد :" لا تقتل ذريه ولا عسيفا (أي أجيرا )" ، ونهى (صلى الله عليه وسلم) كذلك عن تعذيب الجرحى بل انه أمر أن يداوى ومن ثم يفدى ، وقال (صلى الله عليه وسلم) في ذلك :" لا تعذبوا عباد الله "، وكان (صلى الله عليه وسلم) يغضب عندما يقوم احد من أصحابه بقتل الضعفاء بل انه (صلى الله عليه وسلم) كان يظهر الشفقة والعطف على أعدائه إذا رأى فيهم الضعف عن قتاله كما حصل في الحديبية ،ان هذة النصوص الكريمة أصبحت فيما بعد لأهميتها وحضاريتها نصوصا وموادا من مواد القانون الدولي الإنساني حيث أوجب القانون الدولي الإنساني الاعتناء بالمرضى والجرحى وقرر حيادية المستشفيات ومنع الاعتداء على الأطباء والممرضين وكل ما يتعلق في إسعاف ونقل المرضى والجرحى من ممرضين وكوادر طبية .
5.دفن القتلى ومنع التمثيل بهم :
نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن التمثيل بالقتلى في الحرب حيث كانت من عادة المنتصر في الحرب ان يمثل بالقتلى ويشوة الجثث ويسيء الى إنسانيتها ، ولكن الإسلام والذي هو دين حقوق الإنسان التزم جندة بأمر الله عز وجل :ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " ، وذلك لان الحرب في الإسلام ليست لتشفي والانتقام وليست حرب غل وحقد بل هي حرب دعوة وهداية القصد منها إخراج الناس من الظلمات الى النور وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم ،قال (صلى الله عليه وسلم) موصيا وموجها أصحابه :"إياكم والمثله " ، بل انه (صلى الله عليه وسلم) أمر بدفن جثثهم واحترامها من ان تكون طعاما للوحوش الكاسرة والطيور الجارحة ،ففي بدر أمر (صلى الله عليه وسلم) بدفن قتلى المشركين في القليب ،بل انه (صلى الله عليه وسلم) نهى عمر بن الخطاب عن قطع لسان سهيل بن عمرو الذي كان يهجوا النبي ويؤلب الناس عليه ، حيث قال (صلى الله عليه وسلم) لعمر :" لا امثل به فيمثل الله بي وان كنت نبيا ".
6.صيانة الأعراض والأموال :
علمنا من خلال ما سبق ان الحرب في الإسلام لا تشن للعدوان والبغي والانتقام بل أنها تشن لتوطيد أركان السلام وتصون الأرواح وتحفظ الأعراض والأموال وقد كانت أخلاقيات الحرب في الإسلام سببا رئيسيا لدخول كثير من الناس الى هذا الدين أفواجا وجماعات لقناعتهم بأنه دين الرحمة والسلام ، يقول (مونتغمري) عن أخلاقيات الحرب في الإسلام :"كان المسلمين يستقبلون في كل مكان يصلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية وذلك لما اتصفوا به من التسامح والانسانيه والحضارة ،مما زاد من إيمان الشعوب بهم علاوة على تميزهم بالشجاعة والصلابة في القتال وقد ادى هذا الى اعتناق معظم الشعوب التي انتصر عليها العرب الدين الإسلامي " ، هذة شهادة الأعداء وليس الأصدقاء لذا فهي بريئة من التحيز والتزلف .
وهل أعظم من وصايا الرسول الكريم لجندة عند خروجهم للقتال ،فها هو يوصيهم فيقول :" اغزوا باسم الله ،...... ويوصيهم الى ان يصل الى قوله:"لولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع " وقد نهى (صلى الله عليه وسلم) عن قتل الضعفاء والنساء والأطفال ، وقد بلغت إنسانيه النبي الكريم لدرجه انه نهى أصحابه ان يدخلوا بيوت اليهود الا بإذنه ومنعهم ان يضربوا نساء اليهود او ان يعتدوا على ثمارهم في عزوة خيبر ، نعم لقد ان أعراض أعدائه اليهود ولم يرد لأصحابه ان ينتهكوا حرمات البيوت او يطلعوا على أستارها حتى ولو كانت لأعدائه ،وقد سار على نهجه الشريف خلفائه من بعدة فها هو ابو بكر الصديق يوصي قائد جيشه الخارج للقتال فيقول له :"....وذا نصرتم فلا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ، ولا تحرقوا زرعا ولا تقطعوا شجرا ، ولا تذبحوا بهيمة إلا ما يلزمكم للأكل ولا تغدروا إذا هادنتم ولا تنقضوا اذا صالحتم ...." ، وكذلك فعل عمر بن الخطاب حين أوصى سعد بن أبي وقاص قائلا:"..... واعلموا ان عليكم في سيركم حفظه من الله ، يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله ..." وهنا النهي عن ارتكاب المحرمات والاعتداء على الحرمات لان الله رقيب على عبادة يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور .
7.عدم الاعتداء على المتعبدين:
لقد كان من قواعد الحرب في الإسلام احترام المتعبدين في صوامعهم حتى ولو كانوا على غير دين الإسلام، وهذا يدل على سماحه وعدل الإسلام وبأنه لا يجبر احد على ترك دينه والتحول الى الإسلام لان قاعدته هي " لا اكراة في الدين" ،ونعود نتذاكر معا وصيه الرسول الكريم الى قائد جيشه حين قال له :" ....اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع"،أي المتعبدين في صوامعهم ودور العبادة الخاصة بهم، وروى ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تقتلوا أصحاب الصوامع " أي الرهبان والمتعبدين ،وقد بلغ من كرم الإسلام ورحمته ان اسقط الجزية عن الرهبان والمنقطعين للعبادة ، فأي إنسانيه أعظم من ذلك ؟ ، فهو لم يأمر بأبادة المدن عن بكرة أبيها ومسحها عن وجه الأرض كما فعل كثير من القادة العسكريين أثناء حروبهم فها هو هتلر يقول لجنودة في الحرب العالمية الثانية :" يجب محو موسكو ولينينغراد من على الأرض" ، وكذلك فعل القائد الروماني (ماريوس) عندما غزا بلاد اليونان حيث قال لجندة:" لا تدعوا على ظهرها إنسانا حيا إلا قتلتموه ولا زرعا الا أحرقتموه ليعرف الناس إنكم الرومان " ، انه تناقض رهيب بين مبادئ الإسلام السمحة القائمة على الرحمة والتسامح والفضيلة والأخلاق الكريمة وبين من يدعوا إلى القتل والاباده والدمار والهلاك ، ان هذا وغيرة من الادله الكثيرة دليل على ان حرب الإسلام هي حرب اخلاقيه مثاليه سمحة !!.
8.عدم هدم البيوت وتخريب العمران :
بما ان الحرب في الإسلام غايتها بعيدة كل البعد عن الحقد والانتقام ، ولم يخرج لها المسلمون إلا مجبرين ،ورغم تمتعهم بالقوة والتفوق على أعدائهم ، كل ذلك لم يجعلهم متغطرسين حاقدين ،بل أنهم لم يتخلوا عن أعظم القيم السامية والمثل الاخلاقيه الطيبة في أحلك الظروف ،ورغم قدومهم على بلاد هي غريبة بالنسبة لهم ، ومن عادة الجيوش القادمة للحرب ان تدمر وتخرب وتسعى الى ما يسمى (بسياسة الأرض المحروقة) من اجل تحطيم معنويات العدو والتأثير على قوته ، لكن ذلك لم يحصل ولا في معركة من معارك الإسلام، وان وصايا الرسول الكريم إلى أصحابه وجندة المتوجهين الى القتال لهي خير شاهد على ذلك، فها هو (صلى الله عليه وسلم) يوصي جيشه الخارج إلى مؤته بان :" ....لا يقتلوا النساء ولا الأطفال ولا المكفوفين ولا يهدموا المنازل ولا يقطعوا الشجر ... ".
9.احترام السفراء والرسل:
تبادل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام السفراء مع الدول المجاورة له وبعث الرسل إلى الملوك والأمراء والزعماء يدعوهم الى الدين الجديد او لإجراء المفاوضات حول أمر ما سواء كان امرا حربيا ام سلميا ، فكانت تأتيه الرسل للرد على رسائله او لتبين له موقف بلادهم ورأيها في الدين الجديد او في القضية المتفاوض حولها ،وقد كان لهؤلاء الرسل عند نبينا الكريم كل الاحترام والتقدير وتوفير الحماية لهم ومنع التعرض او الاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال ، لان أخلاقيات الإسلام العظيم ومكارم الأخلاق النبوية تأبى ذلك ،لذا فان الرسل في الإسلام آمنون لا يقتلون ولا يعتدى عليهم ولهم حق الجوار والعهد ما داموا داخل ديار الإسلام ،ومن سيرته (صلى الله عليه وسلم) في هذا الخصوص انه قال لرسولي مسيلمه عندما سمع منهما كلاما جارحا :"لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما " ، وقد كان لهذة السنة الكريمة اثر كبير في بيان أخلاق الإسلام للشعوب الأخرى مما دفع بالكثير من الرسل وملوكهم وشعوبهم إلى الدخول في الإسلام أفواجا وجماعات ، وقصه أبي رافع رسول قريش تؤكد صحة ذلك ، حيث قدم أبو رافع رسولا لقريش للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لنبي :"يا رسول الله إني لن ارجع إليهم ابدا " ، فقل له الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) :" إما إني لا اخيس بالعهد ولا احبس البرد ولكن ارجع فان كان في قلبك الذي في قلبك فارجع " قال: فرجعت ، ثم أقبلت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأسلمت "، هذة هي الأخلاق النبوية التي كانت القدوة الحسنه والحافز والدافع لكثير من أمم الأرض للدخول في هذا الدين والانضمام تحت لواءه وذلك لأنه (صلى الله عليه وسلم) يقول عن نفسه:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ، ولقد استقت القوانين الدولية من هذة السنة الكثير الكثير حيث منعت الاعتداء على البعثات الدبلوماسية والقنصلية واعتبرت ذلك من الأمور الخطيرة التي يؤدي الى توتر العلاقات الدولية وقد تؤدي الى حروب طاحنه ، ولعل تاريخ العلاقات الدولية يحفل بالكثير من القضايا في هذا الخصوص .
10.العفو والصفح :
إن الله بعث محمد عليه الصلاة والسلام رحمه للعالمين وذلك مصداقا لقوله تعالى :" وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين " ،فقد كانت رحمته (صلى الله عليه وسلم) في كل وقت وحين فهي في الحرب كما هي في السلم والنماذج من ذلك كثيرة ، يقول سعيد حوى في كتابه (الرسول (صلى الله عليه وسلم)):"والناس الذين يخوضون المعارك ويسوسون البشر تقسو قلوبهم وتجف دموعهم ، ونادرا ما تجد الموغل في ذلك متصفا بصفه الرحمة ، ولكن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومن اقتدى به ليسوا من هذا الطراز ، فمهما شئت عندهم من شجاعة وقوة وشدة وصبر وجدت ،ولكنها صفات لا تطغى على خلق الرحمة أبدا ، بل كما ان هذة الصفات في كمالها فكذلك خلق الرحمة عندة صلى الله عليه وسلم في كماله".
وقد سجل التاريخ مواقف كثيرة من سيرة الفتوحات التي قام بها جند الإسلام تدل على الرحمة والتسامح والعفو والصفح مما ترك أثارا عميقة في نفوس سكان الديار المفتوحة فكان دافعا لهم يدخلوا في دين الإسلام عن رغبه ومحبه ،فقد كتب المسيحيون في بلاد الشام إلى ابي عبيدة عندما نزل في طبقه فحل أثناء فتح الشام يقولون له :"يا معشر المسلمين انتم أحب إلينا من الروم وان كانوا على ديننا وانتم أوفى لنا وارأف بنا واكف عن ظلمنا وأحسن ولاه علينا ..." ،هذة شهادة أهل البلاد المفتوحة في المسلمين ،ومثل حال هولاء القوم الكثير كالفرس الذين لم يقاوموا المسلمين الفاتحين لبلادهم لان حكامهم قد استبدوا وظلموا ، وكذلك الحال في أسبانيا عندما دخلها المسلمون فوجدوا سكانها يتعرضون لمذله والإهانة على يد القوط فرحب السكان بهم وفتحوا بسهوله ويسر ، يقول الكونت (هنري دي كاستري) :" ان المسلمين امتازوا بالمسالمة وحرية الأفكار في المعاملات ومحاسنه المخالفين .." ،شهادات وشواهد كثيرة تدل على رحمه الرسول الكريم في اشد المواقف وأعسرها وفي أحلك ساعات القتال بل وهو في اوج قوته ، ويكفي ان نتذكر هنا موقفه من الناس الذين أذوه وضربوة وطردوه من بلدة التي وولد فيها ، فعندما جاءها فاتحا وهو في عز قوته فقال لهم :"اذهبوا فأنتم الطلقاء" ، إنها رحمه نبوية ليس بعدها رحمه ،حتى أنها طالت الحيوان قبل الكانسان ، فها هو يأمر جندة الذين افزعوا الطيور من أعشاشها فيقول لهم :"من فجع هذة بولدها ردوا ولدها إليها " ، أي رحمه وأية رأفة هذة التي يتصف بها محمد عليه الصلاة والسلام ،وهنا دعوة للجاحدين المنكرين لان يعلموا ان محمد لم يكن إرهابيا قاتلا ولم يكن دمويا مخربا بل كان رحمه مهداة ونعمه مسداة لكل العالمين .
11.عقد الصلح والمعاهدات:
أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ان يرضى بالصلح وان يقبل دعوة السلم اذا ما دعي إليها حيث قال تعالى :"وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع البصير "الأنفال 61 ، والهدنة هي اتفاق بين الطرفين المتحاربين على وقف القتال لمدة يتفق عليها الطرفان وهي أنواع "فهي إما عامه او جزئيه (محليه) ، فالهدنة العامة يسري وقف إطلاق النار فيها على كل القوات المتحاربة وعلى كل جبهات القتال ، والجزئية هي التي يقتصر وقف إطلاق النار فيها على جزء من القوات المتحاربة وليس كلها، وشروط الصلح في الإسلام ان يكون فيه مصلحه عامه وان لا يكون فيه أباحه لما حرمته الشريعة او تحريم لما أباحته الشريعة مصداقا لقوله (صلى الله عليه وسلم):"الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا ".
مبادئ الحرب (القتال ) التي طبقها النبي (صلى الله عليه وسلم)
لاشك ان النبي (صلى الله عليه وسلم) كان قائدا عسكريا وإداريا فذا ،والشواهد على ذلك كثيرة وواضحة للعيان ، ولعل ما سردناة من حقائق في الفصول والمباحث السابقة يبين جزءا من عبقرية القيادة التي كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتمتع بها ،ولا شك أيضا ان للقتال فنون وأساليب ومبادئ وطرائق ، فالعسكري الذي مارس القيادة العسكرية يعرف هذة الحقيقة ،فالقتال يحتاج إلى الذكاء والفطنة والنباهة ورجاحة العقل والإدراك وبعد النظر والفهم العملي والعلمي للوقائع والإمكانيات الموجودة أضافه الى معرفه الرجال والمكان والزمان معرفه مفصله تؤدي الى تحقيق الأهداف والنجاح في العمليات المنوي تحقيقها ، إما مبادئ الحرب فهي حقائق أساسيه تؤثر على كيفيه تنفيذ القتال وهي عبارة عن مجموعه من الآراء والأفكار المنطقية والتي جاءت كنتيجة لتجارب القادة الفعلية في الحروب والمعارك التي خاضوها وهي مترابطة ومتشابكة مع بعضها البعض وتشكل مجتمعه الأسس التي تبنى عليها العمليات القتالية ،وقد عرفها اللواء الركن محمود شيت خطاب بأنها :" الجوهر الذي ينشئ في القائد السجية الصحيحة في تصرفاته في الحرب ، وهي العنصر الذي يتكون منه مسلك القائد في أعماله بصورة طبيعية وغير متكلفه "، لذا فقد استخدم (صلى الله عليه وسلم) مبادئ في حروبه ومعاركه درسها القادة المحدثون وعرفوا قيمتها وأدركوا أهميتها بل أنهم سعوا إلى تطبيقها في حروبهم ومعاركهم واقتدوا بها لإدراكهم انها طريق النصر وتحقيق الأهداف ،ومن أعظم المبادئ التي طبقها النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحرب ما يلي:
1.القيادة المثالية :
لاشك ان القائد هو أساس المعركة وهو السبب الأول في النجاح او الخسارة ، وقد رأينا فيما سبق كيف مارس النبي (صلى الله عليه وسلم) القيادة بأبهى صورها ، فقد تجلت قيادته بكل مقومات النجاح المطلوبة فقد تراوحت مابين الحزم والقوة وبعد النظر والشورى والعطف والرحمة واحترام الرأي الآخر والشجاعة والإقدام والنظام والضبط والمعنويات العالية والعقيدة الراسخة والثقة المطلقة بالله وبجندة ، والصبر وبعد النظر والمحبة المتبادلة بين القائد والجنود .....الخ من مقومات القيادة المثالية التي لم يسجل عليها نقطه سوداء واحدة في حياتها حتى انه كان (صلى الله عليه وسلم) يلقب بالصادق الأمين من قومه الذين حاربوة ، ويكفي ان يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء ،فها هو (وليام مايور ) يقول عنه :" .. ينسب الى محمد في شبابه من سيرة التواضع والاحتشام وطهارة الخلق على صورة نادرة بين المكيين ،.... لم يولع محمد بالثراء ابدا ، كانت حياته لا سيما في فجرها المبكر تتميز بالحنو والعطف على اليتيم والفقير والأرامل والبائس والضعيف والرقيق ول يذق الخمر أبدا ولم يلعب الميسر ....." ، بل يكفي فيه قوله تعالى "وانك لعلى خلق عظيم " ،ان قيادة بهذة الخصائص وهذة الصفات لهي جديرة بالثقة والاحترام من قبل المرؤوسين والأتباع وهذا ما كان حيث كان جند الإسلام يفدون قائدهم وإمامهم بالمهج والأرواح ويتبعونه الى حيث يريد ولسان حالهم يردد: "امض والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناة معك..." .
2.المفاجأة :
إنها من اكبر العوامل ألهامه والمؤثرة في الحرب وأكثر ما يتجلى تأثيرها على المعنويات لأنها تسبب إرباك والدهشة للعدو ، والمفاجأة قد تكون بالزمان او المكان او التكتيك او السلاح ....الخ الذي تستخدمه القوات ،ان نتائج المفاجأة الناجحة ستكون عظيمة على العدو لأنها تفقد توازنه وتشتت قواته وجهدة ، وقد طبقها النبي (صلى الله عليه وسلم) في مواطن كثيرة ومنها استخدامه المنجنيق والدبابة في حصار الطائف، وكذلك فان استخدام الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأسلوب الصف في بدر كان تعبئه جديدة ساعدت على السيطرة وضبط القوات والاحتفاظ باحتياط للطوارئ وفاجأت العدو ، وكذلك فقد كان حفر الخندق مفاجأة ما بعدها مفاجأة فهو أسلوب جديد دخل في أساليب العرب الحربية لأول مرة ، وقد كان فكرة من صحابي جليل هو سلمان الفارسي الذي اعتبرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أهل البيت تكريما وتقديرا وتشجيعا لفكرة وإبداعه ، حيث قال فيه (صلى الله عليه وسلم) :" سلمان منا أهل البيت" وفي هذة المقولة الشريفة دروس كثيرة تدل على عظمه هذة الرسالة وهذا الرسول يستنبطها من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ، وكذلك فان مسير الاقتراب ليلا الذي طبقه المسلمون في مسيرهم الى خيبر ووصولهم ليلا إليها دون ان يتمكن اليهود من معرفه وصولهم كان مثلا عظيما على المفاجأة التي حققت أفضل النتائج والانتصارات ، ان الامثله على المفاجأة في العسكرية الاسلاميه كثيرة ومواقفها عديدة ولكن ذكرنا بعضا منها لنبين كيف طبقها النبي (صلى الله عليه وسلم) وما هي ثمراتها.
3.حشد القوة (الجهد) :
ان تجميع القوات الكافية والمناسبة في الزمان والمكان المناسبين هو سبب كاف من أسباب التغلب والانتصار على العدو وقد طبقه المسلمون في كل معاركهم وغزواتهم تقريبا فقد طبقه النبي (صلى الله عليه وسلم) في فتح مكة عندما جمع حشدا كبيرا من العرب الذين شكلوا أساس الدولة الإسلامية المتينة حيث تشكلت قوة المسلمين من المهاجرين والأنصار وقبيلة سليم ومزينه وتميم وأسد وغفار وجهينة وقيس وغطفان وعدد كبير من قبائل العرب زاد عددهم على عشرة ألاف مقاتل ، ولقد كان للاستخدام المناسب لهذة القوات اكبر الأثر في تحقيق النصر العظيم بفتح مكة بكل كبرياء وعظمه وعزة واستسلمت قريش وهي صاغرة لهذة القوة العظيمة ودخل الناس في دين الله أفواجا .
4.الاقتصاد بالجهد:
ان ظروف الحرب أحيانا تفرض على القائد استخدام القوة والموارد المتوفرة لديه بحذر وبعناية فائقة واستخدامها في الزمان والمكان المناسبين ، لان الإسراف والتبذير يؤديان الى تشتيت وبعثرة الجهود وبالتالي الخسارة المادية والمعنوية ، وقد نبذ الإسلام الإسراف والتبذير ودعا الى الاقتصاد في كل شيء حيث يقول (صلى الله عليه وسلم):" ما عال من اقتصد " ، وكذلك يقول:"الاقتصاد نصف المعيشة " ،وأيضا :"كلوا واشربوا في غير إسراف ولا مخيلة " ،لذا فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستخدم ما يتوفر له من قوة ماديه ومعنوية – خاصة في الحرب – بكل تدبير وحكمه واقتصاد.
5.الأمن :
اعتمد النبي (صلى الله عليه وسلم) كثيرا على هذا المبدأ وذلك لأهميته في إخفاء القصد والنية عن العدو مما يحقق المباغتة والمفاجأة ويشتت القوات المعادية ويبعثر جهودها مهما بلغت من القوة ، وقد اهتمت الجيوش الحديثة بهذا المبدأ كثيرا حيث جعلت للاستخبارات والاستطلاع إدارات مستقلة مدعومة بأفضل الإمكانيات المادية والمعنوية والطاقات البشرية الكفؤة والمؤهلة ،ولعل مسير جيش الإسلام الفاتح العرمرم الى مكة ووصوله الى ضواحيها دون ان يشعر به أهل مكة لهو خير دليل على حرص النبي وجندة على الأمن وإخفاء القصد والنية ، وقد استخدم المسلمون ما يسمى بدوريات الاستطلاع من اجل الحصول على المعلومات عن العدو والتي كان لها اكبر الأثر في تحقيق النصر في معارك كثيرة ولعل معركة بدر خير مثال على ذلك .
6.الإدارة :
ان الإدارة الناجحة المبنية على التخطيط السليم هي أساس نجاح أي عمل مهما كان ، وتزداد أهميه إدارة الموارد في المعركة وذلك بسبب الظروف الطارئة التي تنشأ أثناء القتال ، فالإدارة في المعركة تتطلب حسن التصرف بالإمكانيات الموجودة واستخدامها بأفضل طريقه ، ويدخل في إطار الإدارة كل ما يتوفر في الدولة من إمكانيات ماديه ومعنوية بهدف تسخيرها لخدمه الأعمال العسكرية وهذا يتطلب تهيئه الاقتصاد القومي وحشد كل الإمكانيات المتوفرة لخدمه المهمة ،هذا وقد طبق المسلمون ما يسمى بمفهوم (الحرب الاجماعيه) والتي تعني إعداد الشعب كله ماديا ومعنويا للمعركة وتسخير اقتصاديات البلاد للحرب وهو ما يسمى بعصرنا الحالي (التعبئة العامة ) او النفير العام ، وهذا الأمر لا ينجح بدون إدارة ذكيه وواعية ومبنية على أسس علميه صحيحة ، وهذا المبدأ طبقه الرسول (صلى الله عليه وسلم) طيلة حياته لأنها كانت كلها جهاد وتضحية ودفاع عن الدين ، فالإعداد للحرب كان مستمرا ومتصلا تنفيذا لأمر الله عز وجل "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " وفي مجال الإعداد والتهيئة يقول (صلى الله عليه وسلم) :" من جهز غازيا فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله فقد غزا " رواة الترمذي والبخاري ومسلم. ويدخل في إطار الإدارة الناجحة تهيئه الأرزاق والمياة والطبابه والذخيرة للمقاتلين وفق خطط مدروسة ومحكمه ، وقد سبق ان بينا كيف كان تعاون الصحابة عليهم رضوان الله وتسابقهم لتوفير كل مستلزمات الحرب من طعام وشراب وسلاح وأموال حتى ان بعضهم قد تبرع بكل ما يملك ولم يبق لأهله شيء مؤمنين بان ما عند الله هو خير وأبقى .
7.المعنويات:
تحدثنا في موضع سابق عن أهميه المعنويات في النصر في المعركة،والمعنويات في الجيوش تنبع من مصادر مختلفة تهيأت وتوفرت للمسلمين كان أهمها: الثقة بالنفس والسلاح والقيادة الفذة العبقرية ، والإيمان بالهدف ، عدالة القضية التي يدافع عنها ،تحرر النفس من الخوف من الموت او الرزق والإيمان المطلق بان كل ذلك بيد الله عز وجل ،ولا شك ان جند الإسلام قد تحلوا بالمعنويات العالية التي كانوا يستلهمونها من قائدهم محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يقدم على القتال بروح معنوية عالية واندفاع كبير وكان من الشجاعة بحيث يلوذ به المقاتلون إذا حمي الوطيس واشتد القتال واحمرت الحدق " ومواقفه (صلى الله عليه وسلم) في رفع المعنويات كثيرة وأساليبه متنوعة ، وان استعراضا بسيطا لبعض الغزوات والمعارك يظهر لنا الأساليب والوسائل التي كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستخدمها لرفع معنويات جندة فها هي معركة بدر وفتح مكة وتبوك كلها تحطيم لمعنويات العدو ورفع لمعنويات جند الإسلام ، وقد تنبهت الجيوش الحديثة لأهمية المعنويات فأولتها كل الاهتمام والرعاية والعناية وأنشأت لها الادارت المختصة التي تقوم ببث وغرس المعنوية في نفوس الجند .
8. التعاون :
في الجيوش يصعب النجاح والانتصار في المعركة بدون تعاون كافه الصنوف والقطاعات المتواجدة في ارض المعركة مع بعضها البعض ،وكذلك بين القوات المقاتلة والقوات الاحتياطية والخلفية ، وكذلك التعاون بين كافه قطاعات وأجهزة الدولة مدنيه وعسكريه وصولا الى ما ذكرنا سابقا وهو التعبئة العامة او النفير العام الذي يلعب دورا كبيرا في تحقيق الأهداف والغايات ، ولعل استعراضا بسيطا للأساليب التعبوية التي كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يطبقها في غزواته ومعاركه تنبئنا بما لا يدع مجالا للشك بان التعاون كان جليا بين صنوف المقاتلين من فرسان ورماة ومشاة وتمريض وطبابه وإمداد وتزويد ، وللتدليل على أهميه التعاون بين المقاتلين في المعركة هو ما قام به الرماة من مخالفه لأوامر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعدم تعاونهم في إنجاح المهمة ، كيف كان السبب الرئيسي في صعوبة تحقيق النصر التام في معركة احد .
9.التعرض :
هو مبدأ من مبادئ الحرب الهامة التي تمكن من السيطرة على العدو ، وذلك من خلال عدم السماح بضياع او تفويت أي فرصه دون إحكام الهيمنة والسيطرة عليه وإيقاع اكبر قدر من الخسائر به ، والتعرض وسيله هامه تمكن من سحق العدو والقضاء عليه وليس هناك من وسيله غير التعرض تمكن من تحقيق النصر على العدو ،وقد طبق النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا المبدأ في كل غزواته تقريبا حيث كانت الروح القتالية هي الحاضرة ، وهناك مبدأ عسكري حديث يقول ان خير وسيله للدفاع هي الهجوم ،لان الدفاع وحدة لا يحقق النصر وهذا ما سار عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في معاركه وغزواته .
10 .اختيار القصد :
ان الخطط العسكرية لا تبنى بشكل عشوائي فلا بد من تحديد الأهداف والغايات لها ليعرف المقاتلون ما هي وجهتهم ومن هو عدوهم وما هو الهدف من قتالهم ، وفي الغالب فان مقصد القتال هو تحقيق النصر من خلال تدمير قوة العدو وسحقه ، والقائد الحاذق هو الذي يختار هدفه بعناية فائقة وفق إمكانياته وإمكانيات جنودة وبما يتلائم مع الإمكانيات المادية والمعنوية المتوفرة لديه ، فان كان الوضع يسمح له بالقتال والاشتباك أقدم عليه وان عجز عن ذلك - لأسباب هو اعلم بها- لجاء إلى أسلوب أخر قد يكون الهدنة او الصلح او المعاهدة ...الخ ، وقد طبق الرسول الكريم هذا المبدأ بشكل متقن ودقيق حيث كان لكل حركه من تحركاته في السلم او الحرب مقصد وغاية ، ومن أمثله ذلك ما فعله (صلى الله عليه وسلم) في الحديبيه حيث كان مقصدة منها هو التأثير على معنويات قريش بدون ان يقاتلها وبقي مصرا على مقصدة رغم اقتراب قوات قريش من قواته وتهيئها لقتاله الا انه لم يرد قتالها والدليل على ذلك هو انه أطلق سراح المشركين الذين هاجموا معسكر المسلمين دون ان يلحق بهم الأذى ، وبقي (صلى الله عليه وسلم) مصمم على هدفه حتى تحقق له وهو عقد الصلح وليس القتال .
هذة بعض مبادئ الحرب التي طبقها النبي (صلى الله عليه وسلم) في حياته العسكرية والتي كانت دروسا لكل من احترف العسكرية وأرادها مهنه شريفه يحقق من خلالها الأهداف العلياء السامية لبلادة وأمته ووطنه دون ان يؤذي الآخرين او ينتهك أعراضهم او حرماتهم او يدمر منازلهم او يمثل بقتلاهم او يحرق حضارتهم ، وهذة المبادئ هي رسالة لكل سلك درب القتال ليتعلم ان الإسلام كان رحيما خلوقا شريفا طاهرا حتى في أحلك اللحظات وأصعبها وهي لحظات القتال والتي يباح فيها- ومن وجهه نظر الحروب الحديثة التي نراها اليوم – كل الممنوعات ، إنها مدرسه عسكريه مثاليه أخلاقية تصلح أن تكون قدوة ونبراسا يهتدي به واضعوا نظم الحرب والقتال في هذا الزمان .
أسباب النصر
لا يأتي النصر من فراغ فلابد لتحقيقه من أسباب ومسببات ،والأسباب التي سنوردها ليست لنصر المسلمين في الحروب والمعارك العسكرية فقط بل هي أيضا سبب نجاحهم في بناء دولتهم الجديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على أسس متينة وقواعد راسخة لولاها لما استطاعوا –وخلال الوجيز من الزمن – الوصول إلى ما وصلوا إليه من رفعه ومجد وسؤدد ،إنها أسباب لو أخذت بها أية أمه وأي شعب كان مصيرة النجاح والتقدم ،فهي نظريات عظيمة في الإدارة والقيادة الناجحة بل في القيادة الاداريه الرشيدة السليمة ،ويمكن ان نوجز أسباب انتصار المسلمين ورفعتهم في حياتهم العسكرية بما يلي:
1.العقيدة الراسخة:
لقد تطرق الدارسون والباحثون لتعريف العقيدة حتى وصلوا الى قاسم مشترك بينهم أجمعين يعرف لنا معنى العقيدة ،وقد سبق لنا ان وضحنا- في موضع سابق معنى العقيدة بكافه تفاصيله واجزائة - ،ونورد هنا تعريف العقيدة الصحيحة كما ذكرة شيخنا د.محمود شويات بأنها:" هي الإدراك الجازم المطابق للواقع كاعتقادنا بوجود الله وانه واحد لا شريك له " ،وفي الإسلام الحنيف فان سر قوة ألامه ومنعتها هي عقيدتها وإيمانها الراسخ بالله وبثوابت دينها الحنيف لان العقيدة لها من القداسة والأهمية ما يفوق الأرض والوطن والمال والجاة والنفس ،لأنه لا نفع لكل ذلك اذا تهددت العقيدة وتعرضت للخطر ،وفي الإسلام لا تحمى المكتسبات المادية للامه بدون عقيدة مصانة محفوظة في الصدور وفي سويداء القلوب .
أما في زمن الإسلام الأول فقد استقر الأيمان بالله وبنبيه وبرسالته في نفوس أولئك القوم حتى أصبح هو المحرك والباعث لهم في جميع تصرفاتهم وتحركانهم ،لقد كان إيمانهم مطلقا راسخا بالله لا يتزعزع رغم كل المغريات والأسباب ،لقد كان هاجس القوم هو إعلاء كلمه الله ونشر الدين الجديد والدفاع عن العقيدة التي رسخت في نفوسهم وضمائرهم ،فبذلوا من اجل ذلك المال والولد وكل ما يملكون بل أغلى ما يملكون وهو نفوسهم التي بين أظهرهم حبا لله ولرسوله وتنفيذا لأوامر الله بالدفاع عن الدين وحمايته من العدوان ونشرة في بقاع الأرض كلها .
لقد حولت العقيدة الراسخة هؤلاء القوم الى قوم أشاوس شجعان لا يهابون الموت ويقدمون عليه بنفوس مطمئنه لأنهم امنوا وتيقنوا بان ما عند الله خير وأبقى وبان ثمن ذلك كله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،لقد كان إيمانهم بلا تهور ،ولا حماس أهوج ولا اندفاع جاهلي متغطرس ،ولا إقبال غبي ،بل كان وفق أسس مدروسة وثوابت عميقة وقواعد سليمة وأهداف سامية ،لقد حولت العقيدة الراسخة هؤلاء القوم الى مقاتلين أشداء يقاتل الواحد فيهم اقرب الناس إليه رغم كل الصلات الأبوية والأخوية والعصبية العشائرية ، فها هو الأب ينزل لمبارزة ابنه وكذا الابن ينزل لمبارزة أبيه ،والأخ يلتقي بسيفه مع ابن عمه وقريبه الذي يجتمع معه في عصبيه واحدة!!! انه الأيمان الراسخ والعقيدة السامية العظيمة التي ليس لها هدف سوى نشر السلام والعدل والمساواة والإخاء والرحمة بين بني الإنسان .
لقد لعب هذا السبب دورا حاسما في بناء الدولة الاسلاميه وتطورها وتقدمها ونموها وامتدادها واتساع رقعتها في زمن قياسي ،انه الإيمان والعقيدة ليس سواهما،ولا أدل على ذلك من عودة النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى مكة مرفوع الرأس قوي الجانب عزيز المكانة بعد ان خرج منها قبل سنوات قلائل مطرودا ضعيفا،"إنها العقيدة، عقيدة الإسلام السمحة العقيدة الديناميكية الحركية التي لا يؤمن بها إنسان عن فهم ووعي وإدراك حتى ترتفع به وتنقله من حياة الى حياة ومن سلوك الى سلوك ومن تفكير إلى تفكير أكثر رقيا وتحضرا ،ترتفع به الى مستوى الإنسان الذي أرادة الله خليفة له سيدا على كل المخلوقات ،لقد شكلت العقيدة السبب المباشر والهام في انتصار المسلم وبناء قوتهم وهيبتهم وانتصار دولتهم بزمن قياسي.
2.القائد المثالي:
يعرف العسكريون بان القائد هو السبب المباشر في الانتصار والنجاح في المعارك والحروب ،لأنه هو الذي يخطط ويفكر ويصدر الأوامر السليمة الصحيحة في الوقت المناسب والمكان المناسب ،لقد لعبت شخصيه الرسول القائد بما فيها من صفات مثاليه الدور الأكبر والسبب المباشر للنصر ، لقد تجمعت بهذة الشخصية مجمل الأسباب بل كلها ، فلقد كانت شخصيه شجاعة يشهد لها القاصي والداني ،شهد لها الأصحاب والأعداء ،فقد كان الرسول الكريم شجاعا في السلم كما هو شجاع في الحرب ،صمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين هرب الناس وقاتل بضراوة وشدة وبسالة ورجولة وقوة ،صمد صمودا فرديا كما صمد صمودا جماعيا ،فها هو في الخندق القائد البطل الذي لم يخف من خطر اليهود وجمعهم وتحزبهم ،وفي بدر كذلك الحال ، فها هو علي يقول فيه (صلى الله عليه وسلم) :" انا كنا إذا اشتد الخطب واحمرت الحدق اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو أقربنا الى العدو " !!! ،ان صمودة (صلى الله عليه وسلم) في حنين دليل لاشك فيه على شجاعته وبطولته وجسارته ،ولو لم يصمد آنذاك لتغير وجه التاريخ الإسلامي كله!،مواقف كثيرة تدل على شجاعته وجسارته عليه الصلاة وأتم التسليم .
ان صفات الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) كثيرة يكاد المرء يعجز عن وصفها وذكرها ،فمن صفاته القيادية أيضا الشخصية الفذة المتميزة بما فيها من أخلاقيات ،فهو الكريم ،الرؤوف ، الحليم ،الرحيم ،صاحب الهيبة والوقار ، نال محبه أصحابه حتى ان احدهم كان يفديه بكل ما يملك من مال وولد ونفس وكل نفيس ،ولا أدل على ذلك من قول عروة بن مسعود الثقفي مندوب قريش للمفاوضات في الحديبية عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ،حيث يقول لأصحابه :"يا معشر قريش أني جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ،واني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد ،لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوؤه ، ولا يسقط من شعرة شيء الا أخذوه ، وإنهم يسلمونه لا لشيء أبدا "،هذة شهادة الأعداء فكيف بالأصحاب والمقربين الذي خبروا وعرفوا صفاته عن كثب وقرب ،فهو بحق قائد مثالي نموذجي كان السبب المباشر في انتصار المسلمين ورفعتهم وتحقيقهم للرفعة والمجد والسؤدد.
3.تكتيكات جديدة في الحرب :
لقد طبق (صلى الله عليه وسلم) أساليب جديدة في القتال لم يعتد عليها الأعداء ولم يروا او يسمعوا بمثلها ،فقد شكلت لهم مفاجأة ساهمت في دحرهم وانتصار المسلمين،وهذا هو شأن القادة المبدعين الأذكياء في الحروب والمعارك ،يبحثون عن كل ما هو جديد من الأساليب والمناورة والمعدات والخطط ،ليفاجئوا بها الأعداء ،ان استخدام أسلوب الخندق كان له دور كبير في هزيمة الأحزاب الذين تجمعوا لقتال المسلمين في المدينة ،واستخدم عليه الصلاة والسلام أيضا أسلوب الصفوف في المعركة وهو تكتيك جديد لم تعتد عليه قريش ،فكان مفاجأة ساهمت بتحقيق النصر المبين ،وكذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) ذكيا وحاذقا باختيار ]ساعة الصفر[ والتي يعرف العسكريون ان اختيارها المناسب يشكل نصف الانتصار في المعركة ،فقد اختار (صلى الله عليه وسلم) الهجوم فجرا في غزوة بني المصطلق ،فشكل ذلك مفاجأة قويه لهم ، وما كان (صلى الله عليه وسلم) ليختار هذا الوقت لولا معرفته وثقته بجنودة المدربين الأقوياء الاكفيأ ،وفي مجال الأمن ابتكر (صلى الله عليه وسلم)أساليب تدل على الوعي وبعد النظر وتحقق استباق الأحداث واخذ زمام المبادرة من الأعداء ، هذا وغيرة الكثير من الأساليب المبتكرة والإبداعية التي استخدمها النبي (صلى الله عليه وسلم) في قيادته لمعاركه وحروبه وطبقها من بعدة أصحابه وخلفائه عليهم رضوان الله .
4.أتباع مخلصون وجنود مثاليون :
لقد ربى النبي (صلى الله عليه وسلم) جندة على أسس قيم الدين الإسلامي العظيم القائمة على الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة وحسن المعشر ولين الجانب ،وبنى فيهم نفوسا وأجساما اصلب وأقوى من راسيات الجبال ،فكان الواحد فيهم يعد بألف رجل فهم الدعاة كما هم المحاربون ، وهم القادة كما هم الجنود في ذات الوقت ،لذا فقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل من أتباعه قادة أشداء في الحرب كما هم في السلم فكانوا فعلا كما أرادهم (صلى الله عليه وسلم) والدليل على ذلك ان الإسلام استمر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس القوة والاندفاع، لأنه كان هناك قادة من بعده يحملون الرسالة ويدافعون عن هذا الدين، ويشعرون بالمسؤولية تجاه نشره، ولديهم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب .
والناظر في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، يجد كيف كان يتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه على أنهم أسود، بمعنى أنهم قادة لهم رأي، ولهم مواقف، ويشاركون في صنع القرار، ومن أمثله ذلك؛ ما حدث في غزوة بدر حينما نزل النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في مكان معين، جاءه رجل لم يكن قائدا في الجيش بل جندي عادي ، هو الحباب بن المنذر رضي الله عنه، فقال: "يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله (أي إذا كان وحي فلا يد لنا فيه ولا اعتراض) أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟" ،قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) قال: "فما هذا بمنزل"، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، وغيّر مكان الجيش الذي اختاره هو، وغير الخطة كلها بناءاً على اقتراح وجيه جاءه من جندي في الجيش .
لقد اهتم (صلى الله عليه وسلم) بتدريب جندة وإعدادهم إعدادا عسكريا صحيحا ليدافعوا عن هذا الدين لأنه بغير الجنود الأشاوس الأقوياء يضعف الجيش وينهار ،فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يحثهم على إتقان فن الرمي والفروسية فقد قال (صلى الله عليه وسلم):" من ترك الرمي بعد ما علمه فإنما هي نعمه كفرها " وهذا دليل على أهميه التدريب العسكري وإتقان فنون القتال وأساليبه ، وكذلك الحال اهتم بتسليحهم وتجهيزهم وإمدادهم بالسلاح الذي يقوي من عزيمتهم ،فقد مدهم بالدروع والسهام والسيوف ،ودليل ذلك كتيبته (صلى الله عليه وسلم) المعروفة باسم الكتيبة الخضراء التي ووصف أفرادها بأنه لا يرى منهم إلا الحدق بسبب كثرة ما يلبسون من الدروع والحديد ،ولم يكتفي عليه الصلاة والسلام بذلك بل انه شجعهم على احتراف مهنه صناعه السلاح فقال (صلى الله عليه وسلم) :" ان الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه المحتسب في عمله الخير ، والرامي به ، والمعد له ، فارموا واركبوا ، وان ترموا أحب إلي من أن تركبوا " ،لذا فقد كان أصحابه عليه السلام جنود مثاليون وأتباع مخلصون يفدون دينهم وقائدهم بالمهج والأرواح ولو طلب منهم ان يخوضوا معه غمار البحر لما ترددوا .
لعل القوة التي تجتمع لها هذة المقومات الأربع هي أحق وأجدر بالنصر ، لقد شكلت هذة الأسباب المرتكزات الأساسية لتحقيق النصر للمسلمين ،فالثوابت الراسخة في نفوس الجيش ، والقائد المثالي الناجح الحاذق العبقري ، والمهارات وفنون القتال ، والجنود الأشداء الأقوياء الأوفياء ،لا شك أنها عوامل النصر لأيه قوة عسكريه ، ولعل التاريخ العسكري قديمة وحديثه يصدق هذا الزعم بل ويجزم به ،والعلوم العسكرية والفنون القتالية التي تدرب القادة والجنود على أسباب النصر لعلها لا تخرج عن هذة المقومات الأربع كركائز نصر لمعركتها القادمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: طشطوش، هايل عبد المولى، كتاب: أساسيات في القيادة والإدارة، النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة، دار الكندي للنشر والتوزيع، إربد- الأردن ، الطبعة الأولى لعام 2008 .