أولاً: تعريف الاضطراب النفسي:
تعتبر الاضطرابات النفسية والسلوكية حالات مرضية تتميز بتغير التفكير أو المزاج أو العواطف، أو السلوك على أن يكون هذا التغير شديداً وأدى إلى عدم الارتياح والمعاناة لدى الشخص أو أثر على أدائه.
الاضطرابات النفسية والسلوكية ليست نوعاً من السلوك الذي يقع ضمن السلوك المتعارف عليه والمقبول في مجتمع ما "الطبيعي" ولكنها من الواضح أنها خارج هذا الإطار مع أن مصطلح "طبيعي" وغير طبيعي مصطلح فضفاض وغير ثابت مع الوقت ولا مع الظروف المحيطة ولا في المجتمعات المختلفة.
إن حادثاً واحداً من السلوك غير الطبيعي لفترة قصيرة لا يدل بذاته على وجود مرض نفسي، ولكن من أجل وصف الاضطراب النفسي أو السلوكي كمرض يجب أن يكون شديداً حاضراً لفترة طويلة أو كثير التكرار، ويجب أن يؤدي إلى المعاناة لدى الشخص ويعيقه عن أداء واحد أو أكثر من واجباته الحياتية.
الاضطرابات النفسية حالات مرضية تتميز بتغير التفكير أو المزاج أو السلوك.
الاضطرابات النفسية والسلوكية تتصف بأعراض خاصة بكل اضطراب وبدون تدخل أو علاج عادة ما تتبع مسار طبيعي معروف تقريباً، هذا ويجب الأخذ بعين الاعتبار بأن ليس كل معاناة للإنسان هي اضطراب نفسي حيث أن الناس من الممكن أن يعانوا بسبب أمور شخصية أو اجتماعية، وما لم تتوفر جميع الشروط الضرورية لتشخيص اضطراب نفسي ما فإن هذا الاضطراب ليس مرضاً، فمثلاً هناك اختلاف بين المزاج المكتئب الذي من الممكن أن يمر به مؤقتاً أي شخص ومرض الاكتئاب الذي يصيب الناس وبحاجة للمعالجة.
إن الطرق المختلفة في التفكير والسلوك في المجتمعات المختلفة من الممكن أن تؤثر على الطريق التي تظهر بها الاضطرابات النفسية والسلوكية مع أنها ليست بحد ذاتها مؤشراً على الاضطراب النفسي، ولهذا فإن هذا الاختلاف لا يجب أن ينظر إليه كاضطراب نفسي أو سلوكي، خاصة من قبل الأشخاص الذين لا ينتمون إلى هذه المجتمعات وهذا ينطبق على المعتقدات الاجتماعية والدينية والسياسية.
هناك عدة أنماط لتفسير الاضطرابات النفسية وكل واحد من هذه الأنماط يركز على واحد أو أكثر من العناصر المسببة للاضطراب، من الممكن اعتبار أن جميع الأنماط صحيحة جزئياً وأنه لفهم الاضطراب النفسي والسلوكي يجب أن نعتمد على المعلومات والتحليلات المعتمدة على جميع الأنماط.
ثانياً: تأثير الاضطرابات النفسية على الفرد والمجتمع:
للاضطرابات العقلية والسلوكية أثر كبير على الأشخاص، العائلات والمجتمعات. حيث يعاني الأفراد من أعراض الاضطراب المزعجة وكذلك عدم قدرتهم على العمل والمشاركة في النشاطات. نتيجة للتحيز ضدهم، إنهم دائمو القلق بسبب شعورهم بعدم القدرة على تحمل المسؤولية اتجاه عائلاتهم وأصدقائهم وخوفهم أن يكونوا عبئاً على الآخرين.
يقدر أن واحدة من كل أربع عائلات لديها فرد أو أكثر يعاني في الوقت الحاضر من اضطراب عقلي أو سلوكي، على هذه العائلات أن توفر للمصاب الدعم المادي والمعنوي وأن تتحمل التأثير السلبي للوصمة والتمييز ضد أحد أفرادها وهذا بتفاوت موجود في جميع أنحاء العالم.
العبء على عائلات المصابين يتراوح بين الصعوبات المالية وردود الفعل العاطفية، صعوبات التعامل مع السلوك المضطرب، واضطراب نظام العائلة وجو المنزل، وتحديد النشاطات الاجتماعية والمهنية (WHO, 1996) إن تأثير الاضطراب النفسي على المجمعات كبير جداً، هناك تكلفة توفير العناية والعلاج، الخسارة في الإنتاج وبعض المشاكل القانونية التي لها علاقة بالمرض النفسي أحياناً مثل العنف مع أن العنف بشكل عام يصدر من الناس الأصحاء أكثر من المضطربين نفسياً.
الاضطرابات النفسية تشكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً على الفرد والمجتمع.
إن عبء الأمراض النفسية على الصحة والإنتاجية في جميع أنحاء العالم كان دائماً أقل تقديراً من الواقع، وأثبتت دراسة العبء العالمي للأمراض التي قامت بها منظمة الصحة العالمية مع البنك الدولي وجامعة هارفارد عام 1993 أن الأمراض النفسية بما فيها الانتحار تشكل 15% من عبء الأمراض عامة في المجتمعات ذات الاقتصاد القوي مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أكثر من العبء الذي تسببه جميع أنواع السرطانات.
طورت دراسة العبء العالمي للأمراض مقياساً واحداً يسمح بالمقارنة بين عبء مرض ما بين الأمراض المختلفة وذلك بتضمين الموت والإعاقة، هذا المقياس سمي سنوات الإعاقة في الحياة (Disability adjusted life years) (DALYS) وهو يقيس سنوات الصحة الجيدة الضائعة سواء من خلال الموت المبكر أو الإعاقة وخاصة شدتها، مثلاً وجد أن الإعاقة التي يسببها الاكتئاب الشديد تساوي الإعاقة التي يسببها العمى أو شلل الأطراف السفلى بينما الذهان الحاد يؤدي إلى إعاقة تساوي شلل الأطراف السفلية والعلوية.
وباستعمال هذا المقياس وجد أن الاكتئاب الشديد جاء في المرتبة الثانية من حيث شدة الإعاقة والعبء المرضي وسبقته فقط أمراض شرايين القلب في البلدان المتقدمة اقتصادياً.
ساهمت كذلك في رفع مستوى العبء بشكل ملحوظ أمراض الفصام العقلي، الهوس الاكتئابي، الوسواس القهري، الفزع، واضطراب ما بعد الكرب الجرحي.
تشير التوقعات أنه مع زيادة أعمار الناس حول العالم، والنجاح في علاج الالتهابات، فإن العبء المرضي للأمراض النفسية والعصبية سوف يزيد بنسبة 50% أي من 10.5% من العبء العام للأمراض إلى 15% عام 2020.
ثالثاً: النماذج النظرية المفسرة للاضطرابات النفسية:
تم اقتراح الكثير من النماذج لتفسير "لماذ" و"كيف" تحدث الاضطرابات النفسية والسلوكية هذه النماذج كانت مؤثرة ومهمة لأنها أثرت على نوع المعالجة المتبعة والتي عادة ما تتبع السبب المفترض، النموذج المسيطر هو النموذج الطبي أي أن الاضطراب النفسي هو مرض وهذا ما يتبعه أغلب أطباء الأمراض النفسية ولكن أخصائي علم النفس وبعض أطباء الأمراض النفسية لا يؤيدون ذلك إلى حد ما لصالح النماذج النفسية المسببة للاضطراب، حيث أن هناك أربعة نماذج نفسية رئيسية مسببة للاضطراب هي النموذج السلوكي، والنموذج المعرفي والنموذج الإنساني، والنموذج التحليلي.
1- النموذج الطبي Medical Model
إن كنه النموذج الطبي هو أن الاضطراب النفسي أو السلوكي هو نتيجة خلل عضوي ويجب معالجته طبياً أو عضوياً (Halgin & Whitbourne, 1997) أي أن الاضطرابات النفسية تشبه الأمراض العضوية وأنها جميعاً مرض الجسم ويجب معالجتها ضمن منظور طبي عضوي، وأن الأسباب المحتملة للاضطراب النفسي والسلوكي هي العوامل الوراثية أو الاضطراب البيوكيميائية أو اضطرابات في تركيبة الدماغ أو الميكروبات تماماً كما في الأمراض الجسمية، فمثلاً يؤمن متبعوا هذا النموذج أن زيادة مادة الدوبامسين (Dopamine) في الدماغ لها علاقة بمرض العضام العقلي (Schizophrenia)، أو أن اضطراب الذاكرة قد يحدث بسبب عطب في بعض أجزاء الدماغ المسؤولة عن تخزين الذاكرة.
الاضطراب النفسي كما يراه النموذج الطبي نتاج خلل عضوي.
إن النموذج الطبي يبدو جلياً في حالة Phenylketonuria (pku) وهي حالة مرضية ينتج عنها "التخلف العقلي" وتنتج عن نقص وراثي في إنزيم مسؤول عن تحويل مادة (Phenylalanine) إلى مادة (Tyroosine) مما يؤدي إلى زيادة المادة وتأثيرها سلباً على الدماغ، ويكون العلاج بإعطاء الأطفال المصابين بهذا الاضطراب غذاء خالياً من (Phenlyalalnine) وعندما لا ينتج عن نقص الإنزيم أي تأثيرات سلبية (Davis & Palladino, 2004).
إن الاضطرابات النفسية موجودة في كافة المجتمعات حول العالم وموجودة بين النساء والرجال في جميع مراحل الحياة، موجودة بين الأغنياء والفقراء وبين قاطني المدن أو المناطق الريفية، وفكرة أن الاضطرابات النفسية هي مشكلة الدول الصناعية الغنية هي فكرة خاطئة، وكذلك الاعتقاد أن المجتمعات الريفية غالباً لا تتأثر بالاضطرابات النفسية هو اعتقاد خاطئ أيضاً.
إن إحصاء منظمة الصحة العالمية للأمراض حول العالم عام (2000) أشار إلى أن حوالي 10% من البالغين حول العالم يعانون اضطرابات نفسية في أية لحظة، وهذه الاضطرابات تضم الاكتئاب النفسي، الفصام العقلي، اضطراب المزاج ثنائي القطب، الصرع، إدمان الكحول، الرهاب، الفزع، الوسواس القهري واضطراب ما بعد الكرب الجرحي.
أغلب الدراسات وجدت تساوي انتشار الاضطرابات النفسية بين النساء والرجال ما عدا الاكتئاب وهو أكثر شيوعاً بين النساء بينما مشاكل الإدمان أكثر شيوعاً بين الرجال.
التأثيرات العلاجية Treatment Implication
إن النموذج الطبي له تأثير واضح على العلاج، بما أن الاضطراب النفسي هو اضطراب في الجسم فإن المعالجة يجب أن تؤدي إلى تصحيح هذا الاضطراب.
وبناءاً عليه استعملت العقاقير بنجاح لعلاج الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والفصام والقلق النفسي، ولكن هذا النجاح لا يثبت بالضرورة أن هذه الاضطرابات سببها عضوي.
التأثيرات الأخلاقية:
إن النموذج الطبي في اعتبار الاضطراب النفسي أو السلوكي ناتج عن أسباب عضوية يقلل من آثار الوصمة التي تصاحب الأمراض النفسية وهذا النمط يخدم المرضى النفسيين ويجعلهم في مصاف المرضى الآخرين ويعفيهم من المسؤولية عن حالتهم ويشجعهم لطلب العلاج ووضع مسؤولية التعافي كاملة على كاهل الأطباء، وحيث أن العوامل الوراثية تدخل ضمن هذا النمط فإن أقارب الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية قد يشعرون بالذنب لأنهم ربما ساهموا في توريث الاضطراب النفسي لهم أو يزيد قلقهم من زيادة احتمال إصابتهم هي أنفسهم بالاضطراب النفسي، كما أن العقاقير المختلفة لعلاج الاضطرابات النفسية تثير الكثير من القضايا الأخلاقية نظراً للمضاعفات الجانبية المزعجة التي تسببها ومن الممكن أن تؤدي إلى الإدمان أحياناً كما أن إهمال الجانب النفسي والاجتماعي كلياً في حالات اعتماد هذا النمط قد يؤخر الشفاء ويطيل فترة العلاج.
تقييم هذا النموذج:
كم من المفيد اعتماد النموذج الطبي في التعامل مع الاضطرابات النفسية؟ إن الجانب الإيجابي في هذا النموذج أنه يعتمد على أساس علمي راسخ كالطب والكيمياء الحيوية، والكثير من الاضطرابات النفسية مثل الفصام والاكتئاب من الممكن فهمها من خلال النمط الطبي والمعالجات المعتمدة على هذا النمط غالباً ما تكون فاعلة في تحسين أعراضها، أما من الجانب السلبي فإن هناك مقارنة ضعيفة بين المرض النفسي والعضوي، ومن الأسهل كثيراً إيجاد أسباب الأمراض العضوية، بينما أسباب الاضطرابات النفسية هي غالباً غير ملموسة، وأن النمط الطبي قد ينطبق على بعض الاضطرابات النفسية أكثر من الأخرى، ويكون التركيز في هذا النمط على الأعراض بشكل رئيسي وليس على تجارب المريض وما يدور في داخله وغالباً ما يصرف النظر عن العوامل النفسية (الصعوبات الشخصية، الأحداث الحياتية) في التفسير.
2- النموذج السلوكي Behavioral Model
تطور النموذج السلوكي للاضطراب النفسي من نظريات العلماء السلوكيين في علم النفس والتي أسسها بشكل رئيس (J. Watson & B. F. Skinner) وحسب هذا النموذج فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية لديهم سلوك "سلبي" لا يساعدهم على تحقيق أهدافهم والاستمتاع بعلاقاتهم وهذا السلوك هو سلوك متعلم، ومعظم التعلم يتم من خلال الإشراط الكلاسيكي أو الإجرائي، ويقول العالم باندورا Bandura (1986) أن التعلم بالملاحظة أو التقليد مهم أيضاً في هذا السياق. حسب هذا النمط فإن جميع أنواع التعلم هذه تؤدي إلى تغير مهم في سلوك الناس خاصة إذا عززت.
الاضطراب النفسي من منظور سلوكي نتاج سلوك سلبي لا يساعد صاحبه على تحقيق أهدافه والاستمتاع بالحياة.
يقول لوينسون Lewinsohn (1974) أن الاكتئاب يحدث نتيجة قلة تعزيز السلوك، إذ عندما يتلقى الناس تعزيزات قليلة تقل لديهم الاستجابات ونتيجة لذلك فإنهم يستقبلون تعزيزات أقل وهذا يجعلهم يعانون من الاكتئاب.
إن التعلم بالملاحظة أو التقليد ربما يلعب دوراً في بعض الاضطرابات النفسية ومراقبة شخص لديه أعراض اضطراب نفسي يزيد فرصة الإصابة بهذه الأعراض. (Davis & Palladino, 2004).
التاثير على العلاج Treatment Implications
كما ذكر سابقاً فإنه من المفترض من خلال هذا النموذج أن الاضطرابات النفسية هي نتيجة تعلم سلوكات سلبية معتمدة على الأشراط والملاحظة. من الطبيعي أن تكون طرق العلاج لها علاقة بتعلم سلوكات إيجابية لمحو السلوكات السلبية التي اكتسبت سابقاً، أن نقطة البداية في العلاج السلوكي هو تعيين الأوجه السلبية من السلوك التي هي بحاجة للتغيير وتستعمل تقنيات الاشراط والتعزيز والملاحظة هذه السلوكات السلبية. أن التركيز هنا هو على الأعراض وليس على الأسباب الكامنة وراءها.
التأثير الأخلاقي:
إن النموذج السلوكي لديه بعض الفوائد من الناحية الأخلاقية، أولاً أنه يفترض أن الاضطراب النفسي والسلوكي هو نتيجة تعلم سلبي ولهذا لا يجب اعتباره "مرضاً" وثانياً فإن التركيز يكون على خبرات الفرد وتاريخه الأشراطي وهذا يجعل هذا النمط حساس للعوامل الثقافية والاجتماعية، وثالثاً فإن النمط السلوكي في التعامل مع الاضطراب لا يعطي حكماً على الأشخاص وإنما يوصي بالعلاج فقط عندما تسبب أعراض الاضطراب النفسي مشكلات للشخص نفسه أو من هم حوله، ورابعاً يفترض من خلال هذا النمط أن الاضطراب النفسي يسببه عوامل بيئية ونتيجة لهذا فإن الشخص المضطرب ليس مسؤولاً عن هذا الاضطراب.
هناك بعض القضايا الأخلاقية المتصلة ببعض المعالجات السلوكية مثل العلاج التعييفي (التكريهي) (Aversion Therapy) حيث يتم إعطاء مثيرات مزعجة مثل تيار كهربائي أو مواد تسبب التقيئ من أجل أن يوقف المريض بعض السلوكات السلبية مثل شرب الكحول.
جميع المعالجات السلوكية تركز على تغيير السلوك فقط وهذا يقلل إنسانيتها حيث تتجاهل شعور الشخص وخبراته.
تقييم هذا النموذج:
هذا النموذج صحيح من جهة افتراض أن خبرات الإنسان خلال حياته بما فيها الأشراط الذي تعرض له من الممكن أن يلعب دوراً في إظهار الاضطراب النفسي ولكن على أي حال فإن الاشراط في الإنسان أقل أهمية منه في الحيوانات التي درست في المختبر، إذ أن الأشراط الإجرائي (Operant) والانطفاء (Extinction) في الإنسان يعتمد بشكل كبير على معرفة العلاقة بين الاستجابة وإعطاء التعزيز وهذا على الأغلب ليس ما يجري في الحيوانات.
إن هذا النمط يبالغ في دور البيئية في إحداث الاضطرابات ويقلل من الأسباب الأخرى مثل الوراثة ولهذا تقل قدرته على تفسير بعض الأمراض النفسية مثل الفصام العقلي، وبشكل عام فإن النمط السلوكي يبسط الأمور كثيراً، ضيق الأفق، وقادر على تفسير جزء بسيط من الاضطرابات النفسية التي تعتمد على الأشراط مثل المخاوف (الرهاب).
3- النموذج المعرفي Cogntive Model
طور هذا النموذج البيرت Albert (1962 وبيك Beck (1976) أحد الأفكار الرئيسية التي يعتمد عليها هذا النمط أوضحها كوراكس ويلو (1978) وتشير إلى أن الاضطرابات النفسية من الممكن أن تنتج من إجراءات حياتية عادية مثل التعلم الخاطئ، التحليل الخاطئ للأحداث بسبب قلة المعلومات أو خطأهم وعدم التفريق الكامل بين الحقيقة والخيال.
المفهوم الرئيسي في النموذج المعرفي هو أن العديد من أفكار الأشخاص الذين يعانون من اضطراب نفسي هي أفكار غير منطقية ومشوهة ومحرفة.
أظهر كل من وارن وزجورديس Warren & Zgourides (1991) أن هذه الأفكار غالباً ما تحوي "يجب" عن أنفسهم. مثال على ذلك "يجب أن أعمل جيداً حتى أحصل على رضى الآخرين"، "يجب أن تعاملني بعدالة واحترام وألا تحبطني بشدة أو أنه شيء فضيع" يجب أن تمنحني ظروف حياتي الأشياء التي أريدها بسهولة وإلا فإن الحياة لا تطاق.
الاضطراب النفسي من منظور معرفي نتاج إجراءات حياتية من مثل التعلم الخاطئ، التحليل الخاطئ، قلة المعلومات، أفكار غير منطقية.
هذه الأفكار والاعتقادات المشوهة تؤثر على الشعور والسلوك ومن الممكن أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الاضطرابات النفسية، ويعتقد ميشنبوم Meichenbaum (1977) أن التخاطب الداخلي للمريض النفسي يشكل وجهاً مهماً في الكثير من الاضطرابات النفسية.
من الملاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك الكثير من نقاط الالتقاء والتلاحم بين النموذج السلوكي والنموذج المعرفي وحسب هذا النموذج السلوكي المعرفي فإن الاضطراب يحدث بسبب السلوك السلبي والأفكار والاعتقادات المشوهة والسلبية (Davis & Palladino, 2002).
التأثيرات العلاجية:
إن الهدف الرئيس في العلاج حسب هذا النموذج هو اتخاذ خطوات ناجعة من أجل استبدال الأفكار والاعتقادات غير المنطقية والمشوهة بأخرى منطقية وغير مشوهة. ويستعمل تعبير (إعادة البناء المعرفي) (Cognitive restructuring) لوصف هذه التقنية التي تجعل أفكار المريض واعتقاداته منطقية وأكثر إيجابية.
من الممكن أن يشكك أو يتحدى المعالج أفكار المريض أو يجعله يفحص هذه الأفكار في مواقف الحياة الحقيقية ليتأكد من عدم منطقيتها. مثلاً الشخص الذي يعاني من القلق الاجتماعي ويعتقد أن زملاءه في العمل لا يحبونه يتم إقناعه بدعوة زملائه على القهوة مثلاً ليتأكد من صحة أو خطأ اعتقاده.
وجادل بك Beck (1979) أن أفضل طريقة لتغيير افتراض معين هو العمل ضد هذا الافتراض.
ويمكن عمل هذا مع المرضى ذوي الأفكار السلبية بطرق عدة إحداها "زيادة النشاط" والتي من خلالها يكافأون على زيادة اشتراكهم في النشاطات، وطريقة أخرى هي "إعطاء الواجبات المتصاعد" ويمكن عمل هذا مع المرضى بإعطائهم واجبات عمل متزايدة ومكافأتهم عند زيادة سلوكهم الإيجابي.
التأثيرات الأخلاقية:
حسب النموذج المعرفي فإن الأشخاص الذين يعانون اضطراباً نفسياً لديهم أفكار واعتقادات مشوهة وهكذا يتولد لديهم الاضطراب وهذا المفهوم يثير بعض القضايا الأخلاقية، أولاً أن المرضى قد يجدون أن من المقلق جداً أن يقبلوا المسؤولية عن اضطرابهم النفسي وثانياً ربما ليس من العدل أن نلوم أشخاصاً على اضطرابهم النفسي بينما من الممكن أن يكون الأشخاص المحيطون بهم هم السبب الرئيس. وثالثاً أن الأفكار والاعتقادات السلبية تكون أحياناً منطقية وتعكس الظروف السلبية التي يعيشون فيها، أن محاولة وضع اللوم على المرضى قد يعيق الجهود من أجل خلق التغير المرغوب فيه في المجتمع.
تقييم النموذج:
أصبح هذا النموذج ذا تأثير كبير في السنوات الأخيرة، لا شك أن المعتقدات المشوهة وغير المنطقية شائعة بين المرضى النفسيين، مثل هذه المعتقدات ذات أهمية مركزية في اضطرابات القلق والاكتئاب (Beck & Clerk, 1998). ولكن أهميتها لم تظهر في أغلب الاضطرابات النفسية الأخرى، من الجانب السلبي فإن هذا التفسير للاضطراب يعتبر محدوداً، حيث أنه لا يأخذ بعين الاعتبار العوامل الوراثية والقليل من الاعتبار لدور العوامل الاجتماعية والشخصية في إحداث الاضطراب النفسي فليس من الواضح في كثير من الأحيان هل المعتقدات المشوهة هي سبب أم نتيجة للاضطراب النفسي.
نشاط رقم (1) |
قارن بين النموذج المعرفي والنموذج السلوكي من حيث رؤية كل منهما للاضطراب النفسي. |
نافذة رقم (1) |
يعاني الناس المكتئبين من ثلاثية خبيثة صورها بيتك Beck على النحو التالي:
كل ذلك يفرز افكار سلبية عن الحياة تستجيب لها الغدد |
4- النموذج الإنساني Humantistic Model
طور الاتجاه الإنساني في علم النفس روجرز وماسلو (Carl Rogers & Abraham Maslow) في الولايات المتحدة في الخسمينات من القرن الماضي، هذا الاتجاه يركز بشكل رئيس على المسؤولية الشخصية، وحرية الإرادة والكفاح من أجل النمو وتحقيق الذات، حيث يفترض أن الناس بحاجة إلى "تحقيق الذات" والذي يشمل اكتشاف وتحقيق الأشخاص لإمكاناتهم في جميع أوجه الأداء.
الاضطرابات النفسية من منظور إنساني نتاج الفشل في تحمل المسؤولية والنمو وتحقيق الذات وضعف الإرادة.
إن النموذج الإنساني هو نموذج متفائل، يعتمد بشكل رئيسي على الافتراض أن أغلب الناس جيدين بطبيعتهم ولديهم الإمكانات من أجل تنمية الذات في الظروف المناسبة.
ركز روجرز (1959) أكثر من ماسلو على الاضطرابات النفسية، مع أنه لم يميز بين الطبيعي وغير الطبيعي، ونتيجة لذلك فإن النمط الإنساني يمكن تطبيقه على الأشخاص الذين يعانون مشاكل واضطرابات شديدة ولكن يجب عدم اعتبارهم كنموذج للاضطراب (غير الطبيعي).
ميز روجرز بين مفهوم الذات المدركة والذات المثالية، حيث أن مفهوم الذات (Self – Concept) هو الذات كما يحس بها الشخص في الوقت الحاضر، بينما الذات المثالية هو مفهوم الذات الذي يرغب الشخص بامتلاكه. هناك اختلاف كبير بين مفهوم الذات المدركة والذات المثالية لدى الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية وهذا الاختلاف يكون عادة أكثر بكثير من الأشخاص العاديين.
ولتقليل هذا الاختلاف بين مفهوم الذات والذات المثالية أثناء النمو، وحسب روجرز تنشأ الكثير من المشاكل نتيجة وضع الأهل والآخرين شروطاً لقيمة الإنسان وهكذا يمتثل الأطفال لهذه الشروط والتي هي أصلاً لا تخصهم (قيم الآخرين). ومن الممكن أن يقودهم هذا إلى عدم القدرة على الالتزام بها حيث أنها عالية جداً بالنسبة لهم ولا يستطيعون تحقيقها وهكذا يصابون بالإحباط وفقدان الثقة بالنفس، الشيء المثالي أن يعطي الأطفال تقديراً إيجابياً من الوالدين والآخرين بدون أي شروط ومنذ الصغر وهذا يسمح لهم بخبرة الحياة بدون تشويه لمفهومهم لذواتهم وليس من قبل حاجات وقيم الآخرين.
التأثير على العلاج:
حسب النموذج الإنساني الناس لديهم حرية الخيار وقادرون بشكل عام على اتخاذ القرارات المنطقية حول حياتهم، ونتيجة لهذا على المعالج أن يوفر الجو الداعم الذي من خلاله يستطيع أن يطور ثقته بنفسه ويصبح أكثر قدرة على تحقيق ذاته من الممكن تحقيق ذلك من خلال إظهار التقييم الإيجابي غير المشروط للمريض وهذه هي النقطة الرئيسة لما يسمى "المعالجة المتمركزة حول الشخص" (Person – Centred Therapy) وهكذا فإن المعالجة تركز على تجارب الشخص ونظرته لنفسه وللعالم حوله وليس على سلوكه.
التأثيرات الأخلاقية:
النموذج الإنساني يعتبر من الناحية الأخلاقية جيداً لأنه يركز على الشخص ويرفض مبدأ الوصمة وهكذا من الممكن أحياناً أن يطيل المرض والمعاناة غير الضرورية كون النموذج الإنساني يضع المسؤولية عن الحياة والمرض بين أيدي الأشخاص. من الممكن أن لا يستطيع شخض ما تحمل المسؤولية نظراً لشدة إعراضه واضطرابه، ونظراً لأن هذا النموذج يعتبر أنه من الممكن أن يكون سبب الاضطراب أفعال الآخرين من أصدقاء وأقارب فإن هذا المبدأ يعرضهم للشعور بالذنب لأنهم لم يعطوا هؤلاء الأشخاص الفرصة لتحقيق ذاتهم وتطويرها.
تقييم النموذج:
قل تأثير النموذج الإنساني في علم النفس الإكلينيكي هذه الأيام بسبب إهماله العوامل الوراثية والنفسية والتي تعتبر مهمة كسبب للاضطرابات النفسية والسبب الآخر أن روجرز كان ضد تشخيص الحالات النفسية. وبعد تطور نظم التشخيص في هذه الأيام، أصبح ذلك غير مقبول، وكذلك أثبتت الأبحاث أن المعالجات التي تعتمد على النمط الإنساني لوحده ذات فعالية محدودة.
تفكير ناقد |
النموذج الإنساني نموذج أخلاقي في رؤيته للإنسان في اضطرابه وفي سوائه. |
5- النموذج النفسي الدينامي Psychodynamic Model
أسس فرويد Freud (1856 – 1939) مدرسة التحليل النفسي، وكان أكثر الأشخاص تأثيراً في علم النفس الإكلينيكي، وجادل أن العقل له ثلاثة أجزاء هي: الهو (id) والتي تعبر عن الدوافع الغريزية الجنسية والعدوانية اللاشعورية، والأنا (Ego) والتي تعبر عن المنطق والجزء الواعي من العقل، والأنا الأعلى (Superego) أو الضمير. غالباً ما تكون الأجزاء الثلاثة في صراع فيما بينها وخاصة بين الهو والأنا الأعلى حيث تريد الأولى إشباع الغرائز والثانية تراعي المعايير الأخلاقية في السلوك.
الاضطرابات النفسية من منظور النموذج النفسي الدينامي نتاج الصراع بين مكونات الشخصية الهو، الأنا، الأنا الأعلى
النموذج النفسي الدينامي (Psychodynamic) الذي وضعه فرويد ارتكز بشكل رئيس على التطور الجنسي النفسي، حيث يمر الطفل بمراحل: (الفمية، الشرجية، الأوديبية، والكمون والتناسلية). إن وجود صراع شديد أو إشباع في أحد المراحل من الممكن أن يجعل الطفل يمضي وقتاً أكثر مما يجب فيها – وهذا ما يسمى التثبت (Davis & Fixation, Palladino, 2004). إن الصراعات تخلق القلق وتدافع الأنا (Ego) عن نفسها بواسطة عدة دفاعات من أجل عدم وصول خبرة مقلقة أو شعور مقلق إلى الوعي. ومثال على ذلك فإن وسيلة الدفاع النفسي "الكبت" (Repression) ترسل خبرات أو شعور مقلق إلى اللاشعور.
التأثير على العلاج:
من الواضح أن هدف العلاج من خلال هذا النموذج هو جعل المريض يدرك أفكاره وصراعاته المكبوتة وجعله يركز على ما يظهر من اللاوعي، أطلق فرويد على هذه العملية "التبصر" حيث افترض أن التبصر يسمح للصراعات المكبوتة أن تتحد مع الأنا والوعي حيث يصبح الشخص أقدر على التعامل بكفاءة مع الحياة.
التأثيرات الأخلاقية:
حسب هذا النموذج فإن الأشخاص غير مسؤولين عن اضطراباتهم النفسية، حيث تعتمد هذه الاضطرابات على عمليات في اللاوعي والتي ليس للشخص قدرة على التحكم بها، وحسب هذا النموذج فإن جذور الاضطرابات النفسية ترجع إلى مرحلة الطفولة وهذا قد يجعل الوالدين أو من يهتمون بالأطفال مسؤولين ولو جزئياً عن هذه الاضطرابات، ومن الممكن أن يولد ذلك لديهم شعوراً بالذنب.
تقييم النموذج:
يعتبر النموذج النفسي الدينامي الذي اقترحه فرويد أول نموذج منظم يفسر الاضطرابات النفسية ركز على العوامل النفسية كسبب للاضطرابات النفسية وعلى المعالجات النفسية لها، وهكذا فتحت الطريق للمعالجات النفسية اللاحقة، وركز كذلك على الخبرات المؤلمة في مرحلة الطفولة، ولكنها تناست ما يجري في المرحلة الحاضرة من حياة المريض وركزت على العوامل الجنسية كسبب للاضطرابات النفسية.
وبشكل عام فإن هذا النموذج محدود بسبب أنه لا يعتبر انتباهاً للعوامل الوراثية في أسباب الأمراض النفسية ويصب التركيز بشكل كبير على خبرات الطفولة والمشاكل الجنسية.
نشاط رقم (2) |
قارن بين أثر النموذج الطبي والنموذج السيكودينامي في رؤية كل منهما للاضطراب النفسي سواء من حيث الأسباب أو العلاج. |
نافذة رقم (2) |
النموذج الثقافي الاجتماعي Sociocultural Model يمثل وجهة النظر التي تؤكد على أهمية دور المجتمع والثقافة كمسببين للاضطرابات النفسية ويؤثران في نسبة انتشارها وتشخيصها. فعوامل مثل الفقر والتمييز العرقي تخلق المناخات المناسبة لبروز الاضطرابات النفسية، كما أن المعايير الثقافية تقرر ما إذا كان السلوك عادياً أو غير عادي، وقد تعمل على نشر بعض المعتقدات الخرافية التي يصدق بها البعض (Davia & Palladino, 2004). |
نافذة رقم (3) |
العوامل البيولوجية مثل الناقلات العصبية (السيروتونين)، والهرمونات (الأدرينالين)، والظواهر غير العادية في تركيب الدماغ، تلعب دوراً في تطور بعض الاضطرابات النفسية من مثل: الاكتئاب، والرهاب (الناشئ عن النشاط الزايد للأميجدالا) (Kosslyn & Rosenberg, 2004). |
نافذة رقم (4) |
النموذج البيولوجي – النفسي – الاجتماعي |
رابعاً: العوامل المسببة للاضطرابات النفسية:
أحد أهم القضايا في "علم النفس المرضي (Abnormal Psychology) هي فهم لماذا يعاني بعض الناس الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب النفسي أو الفصام العقلي، وهذه قضية ليست سهلة ومن الممكن أن نبدأ بالتمييز بين النمط الأحادي البعد (Uni – dimentional) والنمط المتعدد الأبعاد (Mulli – Dimentional) لأسباب الاضطرابات النفسية (Barlow & Durand, 1995).
حسب النمط الأحادي البعد فإن أصل الاضطراب النفسي يعود لسبب واحد مثلاً الاكتئاب النفسي سببه وفاة شخص عزيز، أو أن الفصام سببه العوامل الوراثية يعتبر هذا النمط هذه الأيام تبسيطاً شديداً للعوامل المسببة للاضطرابات النفسية، لذا استبدل هذا النمط بالنمط المتعدد الأبعاد والذي يميز أن تفاعل عدة عوامل معاً تؤدي لإظهار الاضطرابات النفسية.
ثمة نمطان لتفسير الاضطرابات النفسية النمط الأحادي البعد والنمط المتعدد الأبعاد.
إن النمط المتعدد الأبعاد لأسباب الأمراض النفسية يعتمد على عاملين:
1- الاستعداد: ويمثل الاستعداد الوراثي والاستعداد البيولوجي للجسم.
2- الكرب (التوتر) الناتج من بعض الأحداث الحياتية على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي.
خامساً: تصنيف الاضطرابات النفسية:
1- الذهان – الفصام الفعلي، الهوس الاكتئابي (اضطراب المزاج ثنائي القطب)
2- اضطراب المزاج – الاكتئاب، الهوس، عسر المزاج.
3- اضطرابات القلق النفسي، الفزع، الوسواس القهري، الرهاب.
4- اضطرابات إساءة استخدام المواد: الكحول، الأفيون، الحشيش، المذيبات الطيارة.
5- اضطرابات الأكل ... فقدان الشهية العصبي، الشره العصبي.
6- اضطرابات الشخصية: الشخصية الضد اجتماعية، الشخصية النرجسية، الشخصية المتقلبة المزاج.
7- اضطرابات التطور: التوحد، التبول الليلي، اضطرابات الانتباه.
8- اضطرابات التعلم: اضطراب التعلم البسيط، اضطراب التعلم الشديد، اضطرابات القراءة.
9- اضطرابات المعرفة: الخرف، اضطراب الذاكرة.
10- الاضطرابات النفسية الناتجة عن اضطراب جسمي مثل: نقص إفراز الغدة الدرقية، إصابات الدماغ.
نشاط رقم (3) |
ابحث عن تصنيف الجمعية الأميركية للاضطرابات النفسية وتعرف عليه (DSMIV) سنتناول بعض الاضطرابات النفسية الشائعة بشيء من التفصيل. |
سادساً: بعض الاضطرابات النفسية الشائعة:
1- الفصام العقلي Schizophernia
الفصام العقلي هو مرض ذهاني شديد ومزمن، وتأتي التسمية من اللغة اليونانية وتعني فصم العقل ويصيب حوالي 1% من الناس أثناء حياتهم في جميع الثقافات، وتكثر الإصابة في منتصف العشرينات وأوائل الثلاثينات من العمر، تزيد الإصابة في الطبقات الاجتماعية الدنيا، ويؤثر الفصام على التفكير، والإدراك، والسلوك، والعاطفة، والمعرفة.
وحسب الإصدار الرابع لتشخيص وإحصاء الأمراض (DSMIV The diagnostie & Statistical Manual 4th edition) فإن تشخيص الفصام يعتمد على:
1- وجود عرضين أو أكثر من الأعراض التالية على أن تكون موجودة لمدة شهر على فترات واضحة: أوهام، هلاوس، كلام غير منظم، سلوك مضطرب، فقدان التعبير العاطفي في الوجه، فقدان الدافعية وقلة الكلابم.
2- استمرار علامات الاضطراب لمدة ستة شهور على الأقل.
3- ينتج عن الأعراض اضطراب في الأداء والعلاقات الاجتماعية والمهنية.
مرض الفصام بشكل عام يضطرب تفكيرهم ويعانون من الأوهام وبعض هذه الأوهام على شكل إعطاء معاني شخصية للأحداث العامة مثل: رؤية جاره يتكلم مع شخص آخر يتوهم أنهم يتكلمون عنه شخصياً، وكذلك يعانون من الهلاوس وخاصة السمعية إذ يسمعون أصوات تتكلم عنهم مع غياب هكذا أصوات. هناك ما يسمى الأعراض الإيجابية والسلبية لمرض الفصام: الأعراض الإيجابية هي: الهلاوس، الأوهام، السلوك الغريب أما الأعراض السلبية فهي تبلد الشعور، والانعزال، قلة الكلام، وغياب التعابير العاطفية عن الوجه، وضعف الدافعية.
ليس هناك سبب واضح لمرض الفصام العقلي، ولكن يعتقد أن هناك عدة عوامل لها علاقة في مرض الفصام:
1- العوامل الوراثية: أثبتت الدراسات العائلية أن مرض الفصام يكثر في عائلات وأقارب مرضى الفصام، وأن احتمالية الإصابة بالمرض تزيد (10) أضعاف عند إخوان المريض و(14) ضعفاً عند أبناء المريض.
وكذلك أثبتت الدراسات أن توافق المرض بين التوائم المتماثلة أعلى (42%) منه في التوائم غير المتماثلة (9%) (Gottesman & Shields, 1972). وكذلك دراسات التبني أثبتت أن 10% من أبناء مريضات الفصام الذين تم تبنيهم منذ الولادة أصيبوا بمرض الفصام مقارنة بـ صفر% في العينة الضابطة (Heston & Denny, 1968) وكذلك أثبت أن الأطفال الذين تبناهم مصابون بمرض الفصام لم يزيد معدل المرض لديهم (Wender, 1974).
2- اضطراب الناقلات العصبية: أكثر النظريات شيوعاً هي أن هناك اضطراب في مادة الدوبامين (Dopamine) أو النظام المتعلق بها وهناك بعض الدلالات أن هناك اضطراب في مادة السيروتونين (Serotonin) أو النظام المتعلق بها وكذلك الحال بالنسبة لمادة النور أدرينالين (Noradrenaline) ومواد عصبية أخرى.
3- اضطراب العلاقات العائلية: أشار باتسون (Bateson, 1956) إلى أن تضارب الرسائل في كلام الوالدين للطفل يخلق لديه صراع أي الرسائل هي الصحيحة ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى الانعزال والسلوك المضطرب والتردد وفي النهاية الفصام العقلي.
4- أخرى، عوامل نفسية، عوامل اجتماعية وعوامل عصبية،
علاج مرض الفصام:
1- العقاقير والمعالجة الكهربائية.
2- العلاج الاجتماعي.
3- العلاج النفسي
مآل مرض الفصام:
مرص الفصام مزمن بشكل عام، حوالي الثلث يتحسنون بشكل كبير بعد أول مرض، حوالي الثلث مرضهم يتصف بالتحسن والانتكاس وحوالي الثلث تتدهور أحوالهم ولا يتحسنون بشكل ملحوظ، وحوالي 11% بحاجة إلى إقامة دائمة في المستشفى (Davis & Palladino, 2004).
مؤشرات المآل السلبي لمرض الفصام العقلي:
1- ظهور المرض في عمر مبكر وعلى شكل تدريجي.
2- عم وجود مسبب واضح للمرض.
3- تدني الذكاء وتدني الطبقة الاجتماعية.
4- شخصية مضطربة قبل المرض.
5- تاريخ عائلي إيجابي لمرضى الفصام.
6- الأعراض السلبية واضحة.
7- عدم الانتظام بتناول العلاج الموصوف.
نافذة رقم (5) |
دراسة الحالات غير العادية للدماغ من المساحات البحثية الواعدة في مجال تفسير الفصام العقلي، خاصة مع امتلاك تقنيات متقدمة لدراسة الدماغ (انظر الفصل الثالث) فقد أشارت العديد من الدراسات إلى وجود فروق في دماغ المصاب بهذا المرض لم تظهر في أدمغة غير المصابين من الأمثلة على ذلك. منطقة النظام الحشوي Limbic area بما فيه الهيوكامبس أصغر لدى المصابين بالمرض (Davis & Palladino, 2004). |
2- اضطرابات المزاج Mood disorders
المزاج هو الحالة العاطفية السائدة على فكر وسلوك الشخص وعادة تكون سائدة في فترة ليست قصيرة وتدل على كيفية شعور الإنسان من الناحية العاطفية.
إن اضطرابات المزاج عادة ما تسبب الشعور بالضيق أو الانبساط الشديد واضطراب في الأداء والمعرفة والعلاقات الاجتماعية، تقسم اضطرابات المزاج إلى:
أ- الاكتئاب النفسي.
ب- اضطراب المزاج ثنائي القطب (الهوس الاكتئابي).
ج- عسر المزاج.
د- اضطراب المزاج الدوري.
أسباب اضطرابات المزاج:
1- اضطراب في نشاط الناقلات العصبية وخاصة السيروتونين والنورادرينالين.
2- اضطراب نفسي اجتماعي مثل فقدان الوالدين أثناء الطفولة، أو شخص عزيز، قلة الثقة بالنفس، تفسير الأحداث بشكل سلبي والتشاؤم.
نافذة رقم (6) |
أثبتت دراسة بعض الناس المكتئبين وجود نشاط منخفض غير عادي في منطقة واحدة من النصف الأمامي Frontal lobe المسؤولة عن الاتصال المباشر بمناطق كثيرة في الدماغ ذات العلاقة بالانفعال كالاميجدالا، وكذلك على اتصال بالأنظمة المنتجة لمادة السيروتونين والنورادينارلين والدوبامين، كما وجد أن الهيبوكاميس أصغر لديهم مقارنة بغير المصابين، وهو المسؤول عن الذاكرة (Kosslyn & Rosenbory, 2004) |
أ- الاكتئاب النفسي
أعراض الاكتئاب (ليس بالضرورة تواجد جميع الأعراض)
- تدني المزاج مع الشعور بالحزن في أغلب الأوقات.
- عدم القدرة على الاستمتاع وفقدان الاهتمام.
- اضطراب في النوم والشهية والرغبة الجنسية.
- تدني الأداء الجسمي والفكري والمعرفي والإدراكي.
- الشعور بأن الحياة تافهة مع أفكار انتحارية.
- أعراض جسمية مختلفة ليس لها أساس عضوي.
- القلق النفسي أو تبلد الشعور والانعزال
بعض الحقائق عن الاكتئاب:
- إذا لم يعالج فإنه يتحسن لوحده ويستمر حوالي ستة شهور.
- حوالي 50% من المكتئبين لا يدركون ذلك ويظهر اكتئابهم كأعراض جسمية.
- حوالي 10 – 15% من المكتئبين يموتون انتحاراً خاصة في الفترات الأولى من تحسن الاكتئاب.
علاج الاكتئاب:
1- العقاقير المضادة للاكتئاب.
2- المعالجة الكهربائية
3- المعالجة النفسية والاجتماعية.
ب- مرض الهوس
يمكن تشخيص مرض الهوس من خلال الأعراض التالية بعضها أو جميعها:
- الزهو أو ارتفاع المزاج والمختلف عن السرور والانبساط كما هو معروف.
- كثرة الحركة والكلام والمزاح.
- فقدان الخجل والحياء.
- الشعور بالعظمة وكثرة الانشغال بمشاريع وهمية.
- كثرة الانتقال في الحديث من موضوع لآخر.
- قلة النوم والأكل.
- هلاوس أو أوهام.
- العصبية الزائدة وسرعة الإثارة والتبذير.
اضطراب المزاج ثنائي القطب (الهوس الاكتئابي):
هو اضطراب مزاجي ذهاني شديد ويأتي إما بطور الهوس أو بطور الاكتئاب بالأعراض الآنفة الذكر. تتابع الأطوار ليس بالضرورة منتظماً، عادة ما يعود المريض بين الحالات إلى مستوى طبيعي تقريباً من حيث خلوه من الأعراض وقدرته على الأداء.
ج- عسر المزاج:
هو عبارة عن اكتئاب بسيط إلى متوسط الشدة ويكون ملازماً للشخص لسنتين على الأقل ولا يؤثر على أدائه بصورة كبيرة، وليس على صورة نوبات مرضية واضحة وأثناء هذه الفترة ويعال عادة بمضادات الاكتئاب.
د- اضطراب المزاج الدوري:
الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب تأتيهم نوبات من تقلب المزاج بين الهوس الخفيف والاكتئاب الخفيف بحيث لا تؤثر على أدائهم بشكل واضح ولمدة سنتين على الأقل، ويعالج بمثبتات المزاج.
جدول يلخص بعض جوانب اضطرابات المزاج
المرض | معدل الإصابة أثناء الحياة | عمر الإصابة بالمرض | المآل (ما يؤول إليه المرض) |
الاكتئاب النفسي |
2 – 5% للرجال 10- 20% للنساء |
معدل أعمار الإصابة 40 سنة | 5 إلى 6 نوبات على مدى 20 عاماً تزداد الحدة والعدد مع تقدم السن حوالي 75% من المرضى يتعالجون بنجاح. |
اضطراب المزاج ثنائي القطب (الهوس الاكتئاب) | 1% من الناس ليس هناك فروق بين الجنسين | أول نوبة هوس قبل سن الثلاثين عاماً | مآل هذا المرض أسوأ من الاكتئاب، الفترات بين نوبات الاكتئاب والهوس (6 – 9 شهور) تنقص مع تقدم المرض. |
عسر المزاج |
6% من الناس 2 – 3 مرات أكثر بين النساء |
50% من المصابين يبدأون قبل سن 25 سنة | من الممكن أن يتطور إلى اكتئاب أو هوس اكتئابي |
اضطراب المزاج الدوري | 5.5 – 1% متساوي بين الجنسين | 15 – 25 سنة | يبقى مدى الحياة وحوالي 30% من المرضى يتطور مرضهم إلى هوس اكتئابي. |
نشاط رقم (4) |
1- ما هي اضطرابات المزاج؟ 2- ما هي أسبابها؟ |
3- اضطرابات القلق النفسي Anxiety Disorders
أنواع اضطرابات القلق
أ- القلق العام Generalized anxiety disorder
ب- الفزع Panic
ج- المخاوف (الرهاب) Phobia
د- الوسواس القهري Obsessive – Compulsive Disorder (OCD)
هـ- اضطراب ما بعد الكرب الجرحي Post Traumatic Strers Disorder (PTSD)
جميع هذه الأمراض تشترك بشكل كبير بالأعراض وهي أعراض القلق النفسي ولكن لكل مرض خصوصيته في الأعراض التي تميزه عن الأمراض القلقية الأخرى. وفيما يلي عرض لبعض هذه الاضطرابات:
أ- القلق العام
أعراض القلق:
1- أعراض نفسية:
- شعور مزعج بالتوتر والخوف من المجهول.
- سرعة الإثارة وردة الفعل.
- صعوبة في التركيز والانتباه.
- الشعور بعدم الارتياح وقلة النوم.
2- أعراض جسمية:
- تسارع دقات القلب.
- الرجفة والآلام في الجسم.
- التعرق والنمنمة في الجسم.
- الدوخة والشعور بالتعب.
- الشعور بالاختناق.
- كثرة التبول.
- اضطرابات في المعدة والأمعاء وغيرها.
أسباب اضطرابات القلق بشكل عام:
1- أسباب جسمية، ونفسية، واجتماعية، ووراثية
2- اضطراب في الناقلات العصبية – السيروتونين، النورأدرينالين.
3- إساءة استعمال بعض المواد مثل: زيادة شرب القهوة، نقص فيتامين B12 زيادة إفراز الغدة الدرقية وغيرها.
ب- الفزع:
يأتي على شكل نوبات قلق شديد بسبب أو بدون سبب بالأعراض الآنفة الذكر مع شعور المريض بدنو الأجل والخوف من فقدان السيطرة على سلوكه مع الرغبة الشديدة في مغادرة المكان الذي هو فيه.
تستمر النوبات حوالي 20 دقيقة وتنتهي، من الممكن أن تؤدي إلى تجنب المريض المواقف التي تؤدي إلى الفرزع وهكذا تحدد حركته ونشاطه وعندها يعاني ما يسمى باضطراب الفزع.
بعض الحقائق عن الفزع:
• معدل الإصابة أثناء الحياة 1.5 – 3.5% يصيب النساء أكثر من الرجال.
• معدل عمر الإصابة 25 سنة.
• هناك عامل وراثي للإصابة.
• يعتبر اضطراباً مزمناً مع تحسن وانتكاس.
• يستجيب على العلاجات ولكن نسبة عالية تصاب بالانتكاس بعد وقف العلاج.
ج- الخوف المرضي (الرهاب) Phobias
الرهاب هو خوف وقلق نفسي شديد أكثر ما يتطلبه الموقف المثير، مقارنة بالخوف الذي تكون الأعراض متناسبة مع المثير، يدرك الشخص أن ما يقوم به ليس منطقياً ولكنه لا يسطيع السيطرة على سلوكه، ويقود تكرار الأعراض عادة إلى تجنب الموقف الذي يثير الرهاب.
أمثلة على ذلك رهاب الحيوانات، رهاب الأماكن المرتفعة، رهاب السوق، الرهاب الاجتماعي، الرهاب مرض شائع ويصيب 5 – 10% من الناس هو الأكثر بين النساء.
من الممكن أن يؤثر بشكل كبير على علاقات الشخص وقدرته على الأداء.
الخوف الاجتماعي:
وهو الشعور بالقلق الشديد والفزع عند مقابنة الأشخاص الغرباء، أو الحديث إلى مجموعة من الناس أو الأكل والشرب في مكان عام، يصيب الرجال والنساء بشكل متساو، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل المصاب عن مزاولة حياته بشكل طبيعي، ويعرض المصاب إلى إساءة استعمال الكحول والمهدئات، علاج الرهاب عادة يكون بالعلاج النفسي السلوكي وهي تعريض الشخص للمواقف التي تثير الخوف لديه.
د- الوسواس القهري:
الوسواس القهري هو عبارة إما عن فكرة أو خيال أو رغبة تأتي بصورة متكررة على التفكير رغم إرادة الشخص، يحاول طردها ولا يستطيع وعادة تكون مزعجة وتسبب القلق للشخص وتؤدي إلى حدوث مقاومة لديه مثال على ذلك: يدخل فجأة إلى تفكير الشخص أنه يديه متسختين يحاول مقاومة الفكرة، لا يستطيع يغسل يديه يرتاح قليلاً لتعاوده الفكرة من جديد وهكذا. من الممكن أن تكون هذه الوساوس معطلة لحياة المصاب في الحالات الشديدة.
- تبدأ الإصابة عادة في سن مبكر.
- تصيب 2 – 3% من الناس.
- لها علاقة بالوراثة.
- مرض مزمن يتسم بالتحسن والانتكاس.
- حوالي 75% من المرضى يستجيبون على العلاج بشكل مقبول والبقية استجابتهم بسيطة.
- له علاقة بالاكتئاب واضطرابات الأكل والشخصية الوسواسية.
القلق النفسي العام:
الأشخاص الذين لديهم قلق نفسي عام يعانون بشكل دائم من أعراض القلق النفسي، وليس فقط في بعض الموافق كما هي الحال في الرهاب، لها علاقة وثيقة بالاكتئاب وعسر المزاج.
- غالباً ما يبدأ في سن مبكرة ويصيب النساء أكثر من الرجال.
- اضطراب مزمن يتميز بالتحسن والانتكاس وبحاجة دائماً للعلاج مما يجعل المصابين عرضة للإدمان على المهدئات أو الكحول.
هـ- اضطراب ما بعد الكرب الجرحي:
يحدث هذا الاضطراب بعد تعرض الشخص لموقف خطير يهدد الحياة، أو هكذا يدركه المصاب، أو يرى هذا الموقف لدى أشخاص آخرين، يعاني الشخص وبعد مرور أسبوعين إلى أربعة أسابيع من أعراض القلق النفسي حالة من التيقظ، وأحلام بالموقف الذي حدث، وتكرار تخيل هذا الموقف.
- يصيب 1 – 4% من الناس أثناء حياتهم و3 – 5% بين الناجين من الكوارث والزلازل.
- حوالي نصف المصابين يتحسنون تماماً خلال ثلاثة شهور من الإصابة والبقية تبقى لديهم الأعراض لمدة سنة أو أكثر.
نشاط رقم (5) |
1- عرف اضطراب القلق. 2- فسر الوسواس القهري. 3- صف اضطراب ما بعد الكرب الجرحي. |
سابعاً: اضطرابات استخدام المواد المؤثرة عقلياً (الإدمان):
تطور مفهوم الإدمان منذ الخمسينات من القرن الماضي، فبعد أن كان ينظر إليه كانحراف أخلاقي يعاقب عليه القانون أصبح ينظر إليه "كمرض" بحاجة للمعالجة، وأوصت منظمة الصحة العالمية إطلاق كلمة "إدمان" على حالات إساءة استعمال مادة ما وعدم مقدرة الشخص التخلي عنها، وفي عام 1964 أوصت باستعمال كلمة "اعتماد" بدلاً من إدمان، وبعدها في عام 1977 اعتمد مصطلح إساءة استعمال العقاقير وبعدها في التسعينات اعتمد مصطلح "اضطرابات استخدام المواد" لأن الكثير من المواد المدمنة يصعب إطلاق اسم عقار عليها.
الإدمان: هو نمط سلوكي ومعرفي يقوم على الاعتماد على مادة/ مواد مؤثرة عقلياً ويكون مصحوباً برغبة جامحة لتعاطيها ونزعة داخلية شديدة لتوفير هذه المادة والاستمرار في هذا السلوك على الرغم من المعرفة بالمضار الناتجة عن هذا العاطي:
أسباب الإدمان:
1- أسباب تعود للفرد: وجود مشاكل نفسية، واجتماعية، ومصاحبة رفاق السوء، والفراغ، وسهولة الحصول على المادة، والتجربة، وحب الاستطلاع، وغيرها.
2- أسباب تعود للأسرة: القدوة السيئة، وغياب الرقابة على الأبناء، والقسوة، وتوفير المال بكثر.
3- أسباب تعود للمجتمع: جزء من التقاليد الاجتماعية، والهجرة من الريف إلى المدينة، والكوارث، والحروب والهجرة.
4- أسباب اقتصادية: توفر المال مع سوء الإدارة، البطالة والفقر، الرغبة في عمل ساعات إضافية للحصول على المال.
5- أسباب تعود للمادة: بعض المواد لها تأثيرات في تخفيف القلق، الشعور بالانبساط، وزوال الشعور بالتعب وهذه التأثيرات تعزز تكرار استعمالها.
وباختصار فإن الإدمان يحدث بوجود المادة المناسبة، والشخص المناسب والظروف المناسبة.
تشخيص الإدمان:
يتم تشخيص الإدمان إذا توفرت ثلاثة أو أكثر من الشروط التالية:
- التحمل: وهو الحاجة إلى زيادة كمية المادة المتعاطاة، للحصول على نفس الأثر السابق.
- الانسحاب: هو وجود أعراض معينة عند ترك المادة أو إنقاص كمية تعاطيها وتزول الأعراض باستئناف التعاطي.
- الاستمرار في تعاطي المادة على الرغم من الأضرار الواضحة من تعاطيها.
- فشل الجهود في السيطرة على استعمال المادة، تركها أو تقليل كمية تناولها.
- صرف الكثير من الوقت والجهد في سبيل توفير هذه المادة.
- تدهور العلاقات الاجتماعية والأداء الوظيفي والنشاط اليومي جراء التعاطي.
- تعاطي المادة بجرعات أكبر من المعتاد ولفترة أطول من الموصى به.
الأسباب التي تجعل من الإدمان مشكلة صحية خطرة:
تجتمع في الإدمان كمشكلة صحية من العوامل السلبية الكثيرة التي نادراً ما تجتمع في سواها مما يجعلها مشكلة صحية خطرة وصعبة نظراً للعوامل التالية:
- مشكلة صحية شائعة في جميع دول العالم.
- تصيب بشكل رئيس فئة الشباب وتعطلهم كقوة عاملة في مجتمعهم.
- صعوبة مكافحة مصادر تزويد مواد الإدمان بسبب الأموال الطائلة التي تجنى منها.
- الإدمان يؤثر على جميع مناحي المدمن وحياته نفسياً وجسمياً واجتماعياً.
- يمتد تأثير الإدمان خارج نطاق الشخص ليطال المجتمع بكامله.
- صعوبة علاج الإدمان
كل هذه العوامل تظهر ضرورة التركيز على الوقاية قبل وقوع المشكلة.
المواد التي يسبب استعمالها المتكرر الإدمان:
- الكحول.
- الأفيونات: الهيروين، المورفين، الكودائين.
- المنشطات: الإمفيتامين ومشابهاته، والتبغ، والقات، والقهوة والكوكائين.
- القنابيات: الحشيش والمريوانا.
- المهدئات: الأدوية المضادة للقلق، والمنومات.
- المذيبات الطيارة: اللواصق، والتنر، وسوائل التنظيف.
بعض الحقائق عن الإدمان حول العالم:
- حسب تقدير برنامج الأمم المتحدة لضبط المؤثرات العقلية عام 2003 (3.3 – 4.1%) من سكان العالم يستعملون المواد المؤثرة عقلياً.
- يعتبر الهيروين أخطر المواد المؤثرة عقلياً ومع هذا يقدر متعاطوه بحوالي 9.47 مليون شخص حول العالم وهذا العدد بازدياد.
- يقدر متعطي الكوكائين بحوالي 14.08 مليون وإما الحشيش فهو الأكثر استعمالاً ويقدر متعاطوه بحوالي 162.81 مليون حول العالم.
- الغالبية العظمى من المواد المؤثرة عقلياً المستعملة في الوقت الحاضر مستخرجة من النباتات بشكل طبيعي ولكن موجه من المواد المصنعة مخبرياً تجتاح الأسواق وتزيد سنوياً حيث يقدر متعاطي الأمفيتامين ومشابهاته (وهي أكثر المواد المصنعة) بحوالي 42 مليون حول العالم.
- الأموال التي تصرف على المواد المؤثرة عقلياً أكثر من الأموال التي تصرف على الصحة والتعليم حول العالم.
- حوالي 60% من المصابين بمرض نقص المناعة المكتسب (AIDS) هم من المدمنين.
- أكثر من 80% من المدمنين عن طرق الحقن مصابون بالتهابات الكبر C , B وهي التهابات مزمنة وخطيرة.
- علاج الإدمان صعب جداً لأنه يعتمد على إرادة الشخص ورغبته في التعافي ومتابعته للعلاج ونسبة النجاح لا تتعدى 15% في كثير من الأحيان.
علاج الإدمان:
يتم علاج الإدمان بشكل عام في مراكز متخصصة في علاج وتأهيل المدمنين. ويعتمد النجاح في العلاج على قوة الدافعية والإرادة للمدمن ومتابعته للعلاج. وبشكل عام ولجميع مواد الإدمان يمر بمراحل وهي:
1- إزالة السمية: أي السحب التدريجي للمادة أو تقليل أعراضها الانسحابية بواسطة العقاقير وعلى مدى أسبوعين إلى أربعة أسابيع حيث تزول بعدها الأعراض الانسحابية للمادة.
2- برامج تأهيلية نفسية واجتماعية من أجل إعادة المدمن لأخذ دوره ضمن أسرته ومجتمعه بعد الانقطاع بسبب الإدمان من خلال الجلسات العلاجية الفردية والجمعية وجلسات تحفيز المدمن لترك التعاطي وتدريبه على مهارات تساعده عن الحصول على عمل بعد خروجه من مركز العلاج.
3- الرعاية اللاحقة بعد الخروج من أجل متابعة حالته، ومساعدته في حل المشاكل التي تواجه وتقديم العلاج والمشورة عند الحاجة وبالتعاون مع العائلة في كثير من الأحيان.
ثامناً: اضطرابات السلوك عند الأطفال:
اضطرابات التصرف Condut disorder
هي اضطرابات سلوكية شديدة ودائمة ولافتة للانتباه ومخالفة للعرف الاجتماعي. مثل السرقة، والعناد، والكذب، والتهرب من المدرسة، وإشعال النار، والسلوك العدواني، والشبق.
حتى يكون الاضطراب مرضياً يجب أن يؤدي إلى اضطراب في القدرة الأدائية أو شعور بالمعاناة والتعاسة ويجب تمييزه عن الجنوح (Delingquency).
تصنيف اضطراب التصرف:
1- اجتماعي: حيث ينظر إلى السلوك على أنه طبيعي ضمن الفئة الاجتماعية للطفل مثل الهروب من المدرسة وتشكيل عصابة.
2- غير اجتماعي: يكون السلوك ضد اجتماعي بكل المعايير وغالباً مع اضطراب في الشخصية، وقلة الارتباط الاجتماعي.
3- مختلط: حيث يكون السلوك ضد اجتماعي مع اضطراب عاطفي:
- اضطراب التصرف أكثر بكثير بين الأولاد من البنات.
- أكثر من الطبقات الاجتماعية الدنيا.
- يصيب حوالي 5% من الأطفال في سن الثانية عشرة.
- حوالي 3% من الأطفال مضطربي التصرف يعانون من تأخر في القراءة.
الأسباب المحتملة:
1- في اضطراب التصرف غير الاجتماعي: رفض الوالدين، قسوة الوالدين، تربية في مؤسسة للتبني وكون الطفل لقيطاً.
2- في اضطراب التصرف الاجتماعي: كبر العائلة، وعضو في عصابة، وغياب الأب. وبشكل عام الاضطراب أكثر لدى أبناء مدمني الكحول، والأشخاص الذين يعانون من شخصية ضد اجتماعية.
مآل اضطراب التصرف:
نسبة عالية من الذين يعانون اضطراب التصرف الاجتماعي يستطيعون التكيف مع الوقت. ونسبة عالية من مضطربي التصرف اللاجتماعي يطور شخصية ضد اجتماعية عندما يكبرون.
العلاج:
يهدف إلى إزالة الأسباب المحتملة للاضطراب وتهيئة ظروف أفضل بواسطة:
- العلاج العائلي.
- تعليم خاص.
- الإرشاد النفسي.
- إيجاد بدائل لأصدقاء السوء كالانتساب لنادي مثلاً.
الخلاصة:
1- الاضطرابات النفسية والسلوكية حالات مرضية تتميز بتغير التفكير والمزاج والعواطف والسلوك.
2- تم اقتراح الكثير من النماذج لتفسير لماذا وكيف تحدث الاضطرابات النفسية، من هذه النماذج: النموذج الطبي الذي يرد الاضطراب النفسي إلى خلل عضوي وبالتالي يعالج طبياً أو عضوياً. والنموذج السلوكي الذي ينظر للاضطراب النفسي باعتباره سلوكاً متعلماً بالأشراط الكلاسيكي أو الإجرائي أو بالتعلم الاجتماعي. والنموذج المعرفي الذي يرد الاضطراب النفسي إلى التعلم الخاطئ أو التحليل الخاطئ للأحداث بسبب قلة المعلومات أو خطئها وعدم التفريق بين الحقيقة والخيال، مما يؤدي إلى أفكار غير منطقية أو مشوهة ومحرفة، والنموذج الإنساني الذي يعزو الاضطرابات النفسية إلى الفشل في تحقيق الذات مما يؤدي إلى الإحباط وفقدان الثقة في النفس، وأخيراً النموذج النفسي الدينامي (التحليلي) الذي يرى الاضطراب النفسي نتاج للصراع بين الهو (الدوافع الغريزية الجنسية والعدوانية اللاشعورية) وبين الأنا الأعلى أو الضمير.
3- في ضوء النماذج المقترحة لتفسير الاضطراب النفسي برز ما عرف باسم النموذج الأحادي البعد الذي يعزو الاضطراب النفسي إلى سبب واحد، والنموذج المتعدد الأبعاد الذي يعزوه إلى أكثر من سبب واحد، هذا النمط يعتمد على عاملين، الاستعداد الوراثي والبيولوجي والكرب (التوتر) الناتج عن الأحداث الحياتية.
4- تتنوع الاضطرابات النفسية، فتشمل الذهان، اضطراب المزاج، اضطرابات القلق النفسي، اضطرابات استخدام المواد، اضطرابات الأكل، اضطرابات الشخصية، اضطرابات التطور، اضطرابات التعلم، اضطرابات المعرفة، الاضطرابات السيكوسوماتية.
5- الفصام العقلي مرض ذهاني شديد ومزمن. من أعراضه: الأوهام، الهلاوس، اضطراب التفكير فقدان التعبير العاطفي، والدافعية. يعود هذا المرض إلى عوامل وراثية، واضطراب الناقلات العصبية، واضطراب العلاقات العائلة، يعالج بالعقاقير والصدمات الكهربائية أولاً ثم بالعلاج الاجتماعي والنفسي لاحقاً.
6- اضطرابات المزاج وتشمل: الاكتئاب النفسي، واضطراب المزاج ثنائي القطب (الهوس الاكتئابي) عسر المزاج، واضطراب المزاج الدوري. تعزى هذه الاضطرابات إلى اضطراب في نشاط الناقلات العصبية وخاصة السيروتونين والتوادرينالين، وكذلك الاضطرابات النفسية الاجتماعية.
7- اضطرابات القلق النفسي (الفزع، المخاوف المرضية (الرهاب) الوسواس القهري، القلق العام، اضطراب ما بعد الكرب الجرحي تعزي هذه الاضطرابات إلى أسباب جسمية ونفسية واجتماعية ووراثية واضطراب في الناقلات العصبية، وعوامل أخرى.
8- اضطرابات استخدام المواد المؤثرة عقلياً (الإدمان) أسبابها متعددة وتتضمن وجود مشاكل نفسية اجتماعية، ومصاحبة رفاق السوء، والفراغ، وسهولة الحصول على المادة، وهناك أسباب اجتماعية (التقاليد، الهجرات، الكوارث، الحروب)، وأسباب اقتصادية (توفر المال مع سوء الإدارة، البطالة والفقر، وأسباب تعود للمادة التي يتعاطاها المدن. من أعراض الإدمان: التحمل، الانسحاب، الاستمرار تدهور العلاقات الاجتماعية، وتعاطي المادة بجرعات أكبر، يعالج الإدمان بإزالة السمية أولاً، ثم برامج تأهيلية نفسية اجتماعية، ثم الرعاية اللاحقة.
9- اضطرابات السلوك عند الأطفال (اضطرابات التصرف) مثل: السرقة العناد، الكذب، التهرب من المدرسة، إشعال النار، السلوك العداني، الشبق، تعزي هذه الاضطرابات إلى عوامل اجتماعية، تربوية ديمغرافية، تعالج بإزالة الأسباب المحتملة وتهيئة ظروف أفضل بواسطة العلاج العائلي، التعليم الخاص، الإرشاد النفسي، تخليصه من رفاق السوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ