مقدمة:
لا شك أن لكلمة "الشخصية" سحراً خاصاً لدى العامة، الذين يستخدمونها كثيراً في حياتهم اليومية ويطلقون أحكاماً تقويمية بشأنها، وعندما يتحدث الرجل العادي عن الشخصية، فغالباً ما يشير إلى المهارة الاجتماعية، أي الجاذبية والسحر، الذي يحدثه الفرد في الآخرين، وقد يقصد بها أقوى الانطباعات التي يخلفها الفرد في الآخرين، لذلك نجده يردد عبارات من مثل "فلان شخصية عدوانية" أو "شخصية متسامحة" أو "شخصية مبدعة" ... إلخ، أي أنه يختار الصفة الأكثر تميزاً فيمن يتم وصفه، ويعنون شخصيته بها.
وتتميز الشخصية عن غيرها من موضوعات علم النفس بتركيزها على التنظيم الديناميكي المعقد داخل الفرد (أي بالنظر إليه ككل متكامل)، وعلى الفروق الفردية في الوظائف النفسية (كالدافعية والإدراك والانفعال والتعلم ...). وفي الوقت ذاته، يسعى علماء نفس الشخصية للتوصل إلى قوانين عامة تنطبق على جميع البشر.
أولاً: مفهوم الشخصية:
ما الذي جعل من صلاح الدين الأيوبي وخالد بن الوليد وطارق بن زياد قادة عظاماً، هل ثمة خصائص شخصية معينة تصف القائد الناجح؟ لقد ربط القرآن الكريم القيادة بخاصيتي العلم والقوة في قوله تعالى (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) (البقرة، 247). ويلخص عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – خصائص القائد في قوله المشهور "لن يقيم أمر الناس إلا امرؤ حصيف العقدة، بعيد الغور، لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخاف في الله لومة لائم". ويكشف استعراض الخصائص الشخصية للقادة في تاريخنا الإسلامي عن اشتراكهم في عدد من الخصائص لعل أبرزها التالية: الذكاء والفطنة، التعقل وبعد النظر، العلم، القدرة على اتخاذ القرار، التقوى، الحلم والاتزان، القدرة على التأثير والإقناع، التواضع، التسامح، الأمانة، الصبر، الصدق، والشجاعة.
شخصية القائد مهمة، ولكن ماذا عن شخصيتك أنت؟ فكر في خصائصك الشخصية وسجل سبع خصائص تصفك أكثر ما يمكن، هل يصفك الآخرون بأنك مؤثر مقنع، خجول، واثق من نفسك، متردد، متسامح، عنيد، ذكي ...؟ هل تشترك مع جميع البشر في بعض الخصائص؟ هل تشبه مجموعة معينة من البشر في خصائص أخرى؟ هل لك نمط خاص يميز طريقتك في التفكير والسلوك والتعبير عن العواطف؟ هل يتغير هذا النمط من يوم إلى آخر ومن موقف إلى آخر، أم أنه يتسم بالثبات النسبي؟
عندما يفكر الرجل العادي في الشخصية، فغالباً ما يتجه تفكيره نحوه التأثير الذي يحدثه الفرد في الآخرين، لذلك نجده يعني بأمور من شأنها أن تجعل منه شخصية مؤثرة اجتماعياً، وقادرة على كسب الصداقات، ولكن كيف يفكر عالم النفس في الشخصية؟
اختلف علماء النفس حول تحديد مفهوم الشخصية؛ فالشخصية عند روجرز Rogers تعني الذات، أي الكيان الموضوعي المنظم، المستقر نسبياً، الذي يمكن إدراكه والذي يعد قلب الخبرة، أما البورت Allport فيعرف الشخصية على أنها حقيقة الفرد الداخلية التي تحدد طريقة الفرد في الانتفاع من الخبرة الحياتية، في حين يرى إريكسون Erickson أن الفرد يمر خلال مسيرة حياته بسلسلة من الأزمات النفسية، بحيث تكون الشخصية وظيفة لتوابعها، فيما يرى باندورا Bandura الشخصية على أنها نمط معقد من التفاعل المستمر بين الفرد والسلوك والبيئة (Hjelle & Ziegler, 1992)، هذا ويمكن القول بوجود (150) منظراً في الشخصية، كل له تعريفه الخاص لها.
وقد يعزى تعدد تعريفات الشخصية إلى الاختلاف حول الإطار المرجعي النظري الذي ينظر من خلاله إلى الطبيعة الإنسانية، وعلى الرغم من ذلك، فثمة قواسم مشتركة في النظرة إلى مفهوم الشخصية مؤخراً؛ فيعرف مايرز (Myers, 2004) الشخصية على أنها النمط المتسق الذي يميز الأفكار والمشاعر والسلوك. ويعرفها سانتروك (Santrock, 2003) على أنها الأفكار والمشاعر والسلوكات الدائمة نسبياً التي تميز الطريقة التي يتكيف بها الفرد مع البيئة، كما يعرفها كوزلين وروزنبرج (Kosslyn & Rosenberg, 2004) بأنها مجموعة متسقة من الخصائص السلوكية التي يظهرها الفرد في المواقف المختلفة وفي الأوقات المختلفة، والتي تميزه عن غيره من البشر.
الشخصية: نمط متسق يميز الأفكار والمشاعر والسلوك التي تميز الطريقة التي يتكيف بها الفرد مع البيئة.
وهكذا يمكن القول بأن النظرة الحديثة لمفهوم الشخصية تشير إلى النمط الدائم نسبياً للأفكار والمشاعر والسلوك، الذي يميز الفرد عن غيره، وتتضمن هذه النظرة أمرين هامين هما: (1) أن لكل فرد نمطاً خاصاً من التفكير والمشاعر والسلوك يميزه عن غيره، (2) أن الشخصية ثابتة نسبياً خلال الزمن، فشخصياتنا لا تتسم بالثبات الكلي (Davis & Palladino, 2004) الذي يسمح بتعديل السلوك وتزكية النفس.
وثمة من يجادل بفكرة الثبات النسبي ومنهم والتر ميشيل Walter Mischel الذي يرى أن السلوك تحدده المواقف لا السمات الداخلية للمرء، فقد يختلف سلوكك كثيراً عندما تكون مع زملائك في الجامعة عنه عندما تكون مع إخوتك في البيت، إلى الحد الذي يصعب فيه القول بأنك الشخص نفسه في الموقفين. ويؤكد الموقفيون، عموماً بأننا نخلق مواقفنا في كثير من الأحيان، ليس بالضرورة من خلال سلوكاتنا، بل ببساطة لمجرد من نكون، وبعبارة أخرى، فإن بعض الخصائص الشخصية (كالعمر والجنس والعرق والدين والوضع الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن تحدد سلوك الآخرين تجاهنا، مما يخلق موقفاً مختلفاً، يمكن أن يؤدي بدوره إلى فروق في السلوك (Davis & Palladino, 2004), وهناك من يرى أن السمات والمواقف والتفاعل بينها تؤثر في الأفكار والمشاعر والسلوك (Kosslyn & Rosenberg, 2004). هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهناك من يؤيد اتساق السلوك عبر المواقف المختلفة وبمرور الزمن، ومنهم بم وألن (Ebm & Allen)؛ فالطفل الهادئ يبقى هادئاً عبر المواقف، لذلك نجد أن الوالدين يصابان بالصدمة عندما يعلمان أن ابنهما الهادئ يظهر سلوك الشغب في المدرسة، فيردون بعبارات من مثل "هذا غير معقول، فإبننا لا يظهر قط سلوكاً كهذا في البيت" وهم صادقون في قولهم، لأن ابنهم لا يظهر سلوك الشغب في البيت (Davis & Palladino, 2004).
وخلاصة القول فإن السلوك يعتمد على الموقف من جهة، ومع ذلك فهناك ميل لثبات السلوك واتساقه خلال المواقف المختلفة، يجعل من الممكن التنبؤ بالسلوك في المواقف المماثلة، كما أن هناك ثباتاً في الميول والدوافع والاتجاهات والقيم وهوية الشخصية ... إلخ، غير أن ثبات الشخصية لا يعني سكونها الأبدي، بل الثبات النسبي الذي يحتمل التغير والتطور وتزكية النفس أو ارتدادها.
نشاط (1) |
- ما المقصود بالشخصية؟ - ما مظاهر الشخصية التي تعتقد أنها ثابتة وما المظاهر التي ترى إمكانية حدوث تغير عليها بتغير الموقف أو بمرور الزمن؟ - هل ترى أن شخصيتك، عموماً، تتسم بالثبات أم بالتغير؟ قدم أمثلة توضح ما تذهب إليه. |
ثانياً: المناحي الرئيسة في دراسة الشخصية:
يعني منظرو الشخصية بالسؤال التالي: لماذا يستجيب الأفراد لموقف واحد بطرق مختلفة؟ ويقدمون إجابات مختلفة له. فعلى سبيل المثال، لماذا تكون ساجدة اجتماعية عند مقابلة شخص ما لأول مرة، فيما تكون علياء خجولة في الموقف ذاته؟ لماذا تكون سناء مطمئنة على نتيجتها في امتحان الثانوية العامة، في حين تكون رانية قلقة على نتيجتها في الامتحان ذاته؟ يعتقد بعض منظري الشخصية أن العوامل الجينية والبيولوجية هي المسؤولة عن الفروق الفردية في الشخصية، فيما يعتقد آخرون أن الخبرات الحياتية هي العوامل الأكثر أهمية.
كما يرى بعض منظري الشخصية أن الطريقة التي نفكر بها هي بمثابة المفتاح لفهم الشخصية، في حين يرى آخرون أن فهم الشخصية لا يتم إلا بمعرفة الطريقة التي نتصرف بها إزاء بعضنا بعضاً، وفي ضوء تعدد النظرة إلى مفهوم الشخصية، تعددت نظريات الشخصية. وعليه، يكون من المفيد تصنيف هذه النظريات في مناحي (أي توجهات) عامة، رغم الفروق بين النظريات داخل المنحى الواحد، كذلك فقد يتم تصنيف بعض النظريات في أكثر من منحى. ورغم ذلك، فإن التصنيف يقدم للقارئ صورة عامة عن الإطار العام لتوجهات نظريات الشخصية.
هذا وسنعرض فيما يلي خمسة مناح رئيسة لدراسة الشخصية هي: المنحى الإسلامي، والمنحى السيكودينامي، والمنحى السلوكي والمعرفي الاجتماعي، والمنحى الإنساني، ومنحى السمات.
1- المنحى الإسلامي:
جاء في القرآن الكريم وصف للنفس (وهو المصطلح الذي يرادف الشخصية في علم النفس الحديث) الإنسانية يشير إلى المكونين المادي والروحي، فالنفس الإنسانية، بعد خلق آدم وحواء، تتكون من ماء، يتحول إلى نطقة ثم علقة ثم إلى مضغة، ثم تكسى المضغة عظاماً، فلحماً، مكونة بذلك الجانب المادي للشخصية، ثم تنفخ فيه الروح فينشأ خلقاً آخر، مصداقاً لقوله تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" (المؤمنون، 12 – 14). غير أن هذين المكونين ليسا كيانين مستقلين عن بعضهما البعض، بل متفاعلين معاً ليشكلا وحدة متكاملة، تمثل الكيان الكلي للنفس (الشخصية)، فالمكون المادي يؤثر في المكون الروحي ويتأثر به، وكذا الحال بالنسبة إلى المكون الروحي، كما أكد الإسلام ضرورة الاعتدال والتوازن في إشباع كل من المكونين بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، ففي الوقت الذي يدعو إلى إشباع الدوافع المادية والروحية، فإنه لا يسمح بإشباعها دون قيد أو ضابط، لذا فإن حالة الصراع في الشخصية تقتضي تنظيم إشباع الدوافع وردها إلى الاعتدال. وبدون هذه
النظرة الديناميكية لبنية الشخصية (بمكونيها المادي والروحي)، يبقى فهم الشخصية مبتوراً وعاجزاً عن تفسير جميع أشكال السلوك الإنساني، الذي يتسم بالتعقيد، وعن سبر حقيقته وأعماقه، فالسلوك الإنساني محصلة التفاعل بين المكونين المادي والروحي للشخصية ولا يفهم إلا في ضوئها معاً.
مصطلح النفس في القرآن الكريم مرادف لمصطلح الشخصية في علم النفس الحديث.
تتكون النفس من مكون مادي ومكون روحي يشكلان وحدة متكاملة.
وتتحدد الشخصية بعاملي الوراثة والبيئة، ويتضح دور الوراثة في قوله تعالى: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ..." (الإنسان، 2) أي من ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، كما بين رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم دور الوراثة في قصة الزوج الذي اتهم زوجته وشك في أبوته للغلام الأسود الذي ولد له، ذلك أن الغلام لا يشبهه ولا يشبه أمه، ولا يوجد له شبه في أخواله أو أجداده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا هذا إنه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقاً كلها تضرب في النسب فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق تسأل الله الشبه لها، فهذا من تلك العروق التي لم تدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك ... خذ إليك إبنك" (أخرجه البخاري في كتاب الطلاق، باب إذا عرض في نفي الولد). وللبيئة دور هام في تحديد الشخصية، فالوالدان قد يحرفان الطفل عن الفطرة القويمة التي فطر عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (رواه مسلم – كتاب القدر – باب معنى كل مولود).
تتحدد أنماط الشخصية بتفاعل عاملي الوراثة.
وينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خير بطبعه، عقلاني، مكرم، سجدت له الملائكة، وسخر الله تعالى له ما في الكون لخدمته، لتمكينه من أداء رسالته في الحياة من عمارة وخلافة لتحقيق الغاية من وجوده وهي عبادة الله سبحانه، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات، 56)، وهو مخلوق على الفطرة القويمة، قال تعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" (الروم، 30). وعليه، فقد ساوى الله تعالى بين الخلق كلهم في الفطرة، فلا تفاوت بين الناس في ذلك، هذا وقد أوقع الله سبحانه وتعالى في النفس طريقي التقوى والفجور، مصداقاً لقوله تعالى: "فألهمها فجورها وتقواها" (الشمس، 8). وهداها بالفطرة إلى التمييز بين الطريقتين، فإذا بقيت على أصل الفطرة، فإنها لا تأمر إلا بالخير. أما إذا انحرفت عن هذا الأصل فإنها تأمر بالفجور، وللنفس ثلاثة أحوال هي: النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس المطمئنة، وفيما يلي توضيح لكل منها على حدة (التل، 2004):
1- النفس الأمارة بالسوء الواردة في قوله تعالى: "إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي" (يوسف، 53). وتصف حال النفس التي تنحرف عن الفضيلة وتنساق وراء الشهوات والغرائز الحيوانية، فتدعو صاحبها إلى ارتكاب المعصية إلا من ثبتها الله وأعانها، وقد امتحن الله سبحانه وتعالى الإنسان بالنفس الأمارة بالسوء، فالشيطان قرينها؛ يقذف فيها الباطل ويزينه لها ويمنيها، وهي التي تستجيب وتنفذ.
2- النفس اللوامة الواردة في قوله تعالى "ولا أقسم بالنفس اللوامة" (القيامة، 2)، وقد اختلف المفسرون فيها؛ فمنهم من رأى أنها تصف حال النفس المترددة المتقلبة التي تنيب وتجفو، وتتقي وتنفجر ... ومنهم من رأى أنها تصف حال المؤمن وتصف نفسه، ومنهم من رأى أنها نفس المؤمن توقعه في الشر ثم تلومه عليه، وهذا اللوم دليل الإيمان، ومنهم من رأى أنها نفس السعيد تلوم صاحبها على ارتكاب الذنب ونفس الشقي تلوم صاحبها على فوات حظها، ومنهم من رأى أن اللوم يكون يوم القيامة عندما تلوم النفس صاحبها على الذنب إن كان مذنباً، وعلى التقصير إن كان محسناً.
3- النفس المطمئنة الواردة في قوله تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي (الفجر، 27 – 30)، وفي حال النفس المنيبة المخبتة التي أيقنت أن الله ربها فأطاعت أوامره فاطمأنت إلى عبوديته ومحبته وإلى لقائه
ووعده، لذلك تشعر بالسعادة في الدنيا (عن الدين الذي اختارته) وعن السلوك الذي انتهجته فاطمأنت لنتيجته في الدنيا والآخرة.
للنفس ثلاثة أحوال: الأمارة بالسوء، واللوامة والمطمئنة.
هذا ومن الجدير بالذكر أن أحوال النفس الإنسانية تتفاوت في مقاصدها ونياتها وأفعالها، والنفس تتقلب من حال إلى حال، ولكنها نفس واحدة؛ تكون أمارة تارة ولوامة أخرى ومطمئنة ثالثة.
ويصف ابن القيم في كتابه "الروح" الصراع بين حالي النفس (الأمارة بالسوء والمطمئنة) بصورة ديناميكية بقوله: "وقد انتصبت الأمارة في مقابل المطمئنة، فكلما جاءت به تلك من خير ضاهتها هذه وجاءت من الشر بما يقابله حتى تفسده عليها، فإذا جاءت بالإيمان والتوحيد جاءت هذه بما يقدح في الإيمان من الشك والنفاق وما يقدح في التوحيد من الشرك ومحبة غير الله وخوفه ورجائه ... فتقوم الحرب بين هاتين النفسين، والمنصور من نصره الله، وهذا حال أكثر هذا الخلق" (ابن قيم الجوزية، 1986، ص308 – 309).
ويؤكد الإسلام تفاعل النفس الإنسانية (بما فيها من دوافع) مع البيئة (بما فيها من زينة لتشكيل أنماط الشخصية. فقد أودع الله سبحانه في النساء والمال والبنين شهوات حببها إلى النفس وزينها لها، قال تعالى: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب" (آل عمران، 14). كما أودع الله سبحانه في النفس البشرية دوافع فسيولوجية وروحية ونفسية واجتماعية لابد من إشباعها، ولو جزئياً، لاستمرار حياة الفرد ولحفظ النوع من الانقراض، كما ألهم الله سبحانه النفس طريقي التقوى والفجور، ومنحها حرية الاختيار ويترتب على اختيارها، عند تفاعلها مع البيئة، مجموعة من السلوكات تحدد نمط الشخصية، وقد اقتضت المشيئة الإلهية أن يكون الطريق الذي تختاره النفس في حل الصراع بين المكون المادي (رغبة النفس وأهواؤها) والمكون الروحي (الامتثال بأوامر الله) هو الابتلاء الحقيقي لها في الحياة، فعليها التوفيق بين طاعة الله والانتفاع بزينة الحياة الدنيا، وعليه؛ فإن اختارت النفس طريق التقوى، فإنها تتجه نحو العمل الصالح الذي يقود إلى شكر النعمة وتزكية النفس وتعظيم الإيمان، وهذا هو حال المؤمن النموذج، فيما ينطوي اختيار طريق الفجور على التوجه نحو العمل السئ الذي يقود إلى كفر النعمة وتعظيم المتعة، وهذا هو حال الكافر النموذج، أما المسلم الواقعي فينطوي سلوكه على تعاقب دالتي الإيمان والمتعة، نتيجة أعماله الصالحة أحياناً والسيئة أحياناً أخرى.
هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى فشل البشر عموماً في التوفيق بين المكونين المادي والروحي؛ فعظموا المتعة وكفروا بالنعمة، قال تعالى: "وقليل من عبادي الشكور" (سبأ، 13)، وقال سبحانه: "ولكن أكثر الناس لا يشكرون" (يوسف، 38)، وتبقى القلة من البشر الذين اتقوا فآثروا الحياة الآخرة ولم ينسوا نصيبهم من الدنيا.
وقد صنف القرآن الكريم البشر إلى ثلاثة أنماط هي: المؤمنون والكافرون والمنافقون، ولكل نمط سماته التي تميزه عن النمطين الآخرين، وتوجه سلوكه. وقد أفرد لكل نمط منهم سورة خاصة هي: سورة "المؤمنون"، وسورة "المنافقون"، وسورة "الكافرون". وقد توصل نجاتي (1987) إلى
وجود تسع مجموعات من السمات تميز الأنماط الثلاث للبشر هي: سمات تتعلق بالعقيدة (كالإيمان بالله)، وسمات تتعلق بالعبادات (كأداء الفرائض) وسمات تتعلق بالعلاقات الاجتماعية (كالتعاون) وسمات عقلية معرفية (كطلب العلم) وسمات تتعلق بالعلاقات الأسرية (كبر الوالدين) وسمات خلقية (كالصبر) وسمات عاطفية انفعالية (كحب الخير للناس) وسمات تتعلق بالحياة العملية والمهنية (كالإخلاص في العمل) وسمات بدنية (كالطهارة)، ويمكن القول بأن السمات التي تتعلق بالعقيدة تعد سمات حاسمة في توجيه السلوك الإنساني.
أنماط الشخصية في المنحى الإسلامي ثلاثة: المؤمن، الكافر، والمنافق.
نشاط (2) |
- ما محددات السلوك في الإسلام؟ - لخص المنحى الإسلامي في الشخصية. |
2- المنحى السيكودينامي: Psychodynamic Perspective
يرى أصحاب هذا المنحى أن الشخصية، في معظمها لا شعورية، وأنها تتطور عبر مراحل، كما يؤكدون أهمية الخبرات المبكرة (خبرات الطفولة) في تشكيل شخصية الفرد. ويعتقدون أننا إذا أردنا أن نفهم شخصية المرء بصورة حقيقية، علينا أن نكتشف الدلالات الرمزية لسلوكه، وسبر أعماق شخصيته من الداخل، ولا نقتصر على دراسة سلوكه الظاهري. هذا وسنعرض تحت هذا المنحى نظرية التحليل النفسي عند فرويد ونظريات "الفرويديين المتجددين" (أي ما وراء فرويد) ومنهم يونج وآدلر وهورني.
أ. نظرية التحليل النفسي عند فرويد: Freud's Psychoanalytic Theory
طور سيجموند فرويد أفكاره حول نظرية التحليل النفسي من خلاله عمله مع المرضى العصابيين، فهو يرى أن اللاشعور هو مفتاح فهم الشخصية، فحياتنا تزخر بالضغوط والصراعات، وللحد منها فإننا نضع الخبرات المؤلمة والمزعجة في اللاشعور، وقد تنكشف هذه الخبرات على شكل هفوات اللسان أو زلاته، وقد تظهر في الأحلام ... والأحلام، عند فرويد، تمثيل لاشعوري للصراع والضغوط الحياتية التي يكون من المؤلم التعامل معها بصورة شعورية، والأحلام هامة لأنها تحمل دلالات رمزية، جنسية أو عدوانية، وتحتل الغريزة الجنسية مكان الصدارة من حيث تأثيرها على السلوك اللاحق.
شبه فرويد الشخصية بجبل الثلج، بحيث يقع معظمها تحت مستوى الشعور، تماماً، كما أن الجزء الأكبر من جبل الثلج يقع تحت مستوى سطح الماء، كما يتضح في الشكل رقم (15: 1). تتكون الشخصية من ثلاث مكونات (أبنية) هي: الهو (Id) والأنا (Ego) والأنا الأعلى (Superego). يتكون الهو من الغرائز (الجنس والعدوان) وهي مصدر الطاقة النفسية، والهو لا شعوري، ولا يتصل بالواقع، وهو أول مكون ينمو في الشخصية، يعمل الهو وفق مبدأ اللذة وتجنب الألم، وعندما يدرك الأطفال متطلبات الواقع والمعيقات التي تحول دون إشباع اللذة، يتشكل المكون الآخر للشخصية (وهو الأنا)، يتعلق الأنا بمتطلبات الواقع ويعمل وفقاً لمبدأ الواقع، فهو يحاول أن يجلب اللذة للمرء وفق معايير المجتمع.
اللاشعور هو مفتاح فهم الشخصية.
الميكانزمات هي استراتيجيات حل الصراع والحد من القلق.
وبخلاف الهو الذي يقع كلياً في اللاشعور، فإن الأنا يكون شعورياً بصورة جزئية، وهو المكون النفسي للشخصية والجهاز التنفيذي لها الذي يتخذ القرارات العقلانية، ويؤدي الوظائف العقلية العليا. أما المكون الثالث للشخصية فهو الأنا الأعلى، وهو المكون الأخلاقي لها، ويضم الأنا المثالية والضمير، ويعمل الأنا الأعلى على كبح دوافع الهو، الأمر الذي يقتضي أن توفق الأنا بين دوافع الهو ومتطلبات الأنا الأعلى وحل الصراعات بينهما. وقد تعجز الأنا عن حل الصراع، فتستدعي عدداً من الاستراتيجيات التي تسمى ميكانزمات الدفاع (Defence Mechanism) (الحيل الدفاعية) لحل الصراع والحد من القلق عن طريق التشويه اللاشعوري للواقع، وهذه الميكانزمات هي (Pervin & John, 2001):
- الكبت (Representation): أكثر الحيل الدفاعية انتشاراً وفاعلية، ويعمل على دفع الأفكار والرغبات غير المقبولة إلى اللاشعور، ومن أمثلته كبت مشاعر العدوان في مجتمع يعمه الأمن والسلام
- التبرير (Rationalization): ويحدث عندما يكون الدافع الأصلي للسلوك غير مقبول فتعمل الأنا على تغطيته بدافع أكثر قبولاً، ومن أمثلة عندما لا يقبل الطالب في التخصص الذي يرغب بدراسته في الجامعة، يبرر عدم قبوله بالقول بأنه لو بذل جهداً أكبر لتم قبوله في التخصص المرغوب.
- الإبدال (Displacement): ويعني إزاحة المشاعر غير المقبولة من الموضوع الأصلي إلى موضوع آخر أكثر قبولاً. مثال ذلك الموظف الذي لا يستطيع أن يوجه مشاعر الغضب نحو رئيسه في العمل، نجده يحول مشاعر الغضب نحو أبنائه.
- التسامي (Sublimation): وفيه تستبدل الدفعات الغريزية غير المقبولة بأعمال خلاقة اجتماعياً. مثال ذلك الطبيب الجراح الذي يحول الدفعات العدوانية إلى غايات مفيدة وبناءة من خلال إجراء العمليات الجراحية.
- الإسقاط (Projection): ويعني أن يسقط المرء ما بداخله، أي أن يعزو نقائصه الشخصية ومشكلاته وأخطائه إلى الآخرين. مثال ذلك الشخص الذي يحمل العدوان في داخله، يرى الآخرين على أنهم عدوانيون.
- تكوين رد الفعل المعاكس (Reaction Information): ويعني إبدال مشاعر مثيرة للقلق في الشعور بنقيضها، كأن تبدل مشاعر الكراهية بالحب، والدفعات العدوانية بالدعوة إلى السلام.
- الإنكار (Denial): ويعني رفض الأنا الاعتراف بالواقع الذي يؤدي إلى القلق. مثال ذلك الرجل الذي لا يعترف بأنه مريض بالسرطان على الرغم من أن فريق الأطباء شخصوا المرض لديه.
- النكوص (Regression): ويحدث عندما يسلك المرء بطريقة تخص مرحلة نمائية سابقة، في حال وجود التهديد. مثال ذلك عودة المرأة إلى أمها والبكاء على كتفها كلما تشاجرت مع زوجها.
هذا ويرى فرويد أن الشخصية تتطور استجابة لأربعة مصادر رئيسة للتوتر هي: عمليات النمو الفسيولوجي والإحباطات والصراعات والتهديدات، فيتعلم الفرد أساليب جديدة لخفض التوتر هي: الكبت والتمثل، كما يعتقد بأنا نمر بخمس مراحل لتطور الشخصية، تعد المراحل الأولى حاسمة في تشكيل الشخصية، وفي كل مرحلة منها نخبر اللذة في واحد من أجزاء الجسم أكثر من غيره، وأن شخصية الراشد تعتمد على الطريقة التي يحل بها الصراعات بين مصادر اللذة ومتطلبات الواقع.
مراحل النمو الجنسي: الفمية الشرجية، القضيبة الكمون، والتناسلية.
1. المرحلة الفمية (Oral Stage) (الولادة – 18 شهر): وفيما تتمركز لذة الرضيع على الفم، فيكون المضغ والمص والعض مصادر رئيسة لجلب اللذة وخفض التوتر.
2. المرحلة الشرجية: (Anal Stage) (16 – 18 شهر): وهنا يتمركز المصدر الرئيس للذة حول الشرج والوظائف ذات العلاقة به.
3. المرحلة القضيبية (Phallic Stage) (3 – 6 سنوات): وهنا تتجه اللذة نحو الأعضاء التناسلية للفرد نفسه، ولهذه المرحلة أهمية خاصة في تطور الشخصية عند فرويد، لأن الطفل يمر بعقدة أوديب Oedipus Complex (مشتقة من الأسطورة اليونانية التي تتحدث عن قتل أوديب – على غير دراية – والده والزواج من أمه. تشير عقدة أوديب إلى تطور الرغبة الداخلية لدى الطفل لأخذ دور والده بالاستمتاع العاطفي مع أمه. ويرى سانتروك أن من المحتمل أن تكون فكرة عقدة أوديب مشتقة من التعلق الجنسي لفرويد بأمه التي كانت جميلة وتصغر والده بعشرين عاماً (Santrock 2003). وفي حوالي سن الخامسة يدرك الطفل أن الأب يمكن أن يعاقبه إذا كشف رغباته الجنسية نحو الأم، ولحل هذا الصراع يتمثل الطفل بأبيه ويكبت رغباته الجنسية نحو أمه.
4. مرحلة الكمون (Latency Stage) (6 سنوات – البلوغ): وفي هذه المرحلة يكبت الطفل رغباته الجنسية، ويطور مهارات اجتماعية ومعرفية تعينه على نسيان الصراع الذي كان يمر به في المرحلة السابقة.
5. المرحلة التناسلية (Gential Stage) (البلوغ وما بعده): وهي مرحلة يقظة جنسية مرة أخرى، غير أن مصدر اللذة الجنسية يكون شخصاً آخر.
ب. الفرويديون المتجددون:
واجهت نظرية التحليل النفسي الفرويدي العديد من الانتقادات التي دارت حول نسبة الرغبات الجنسية للطفل والمبالغة في دور كل من اللاشعور وخبرات الطفولة في تشكيل الشخصية وعالمية عقدة أوديب، لذلك برز منظرون من أمثال: يونج وآدلر وهورني وغيرهم ممن رأى أن السلوك الإنساني يتأثر بالعوامل الاجتماعية والحضارية، بالإضافة إلى العوامل البيولوجية.
السلوك الإنساني يتأثر بالعوامل الاجتماعية والحضارية إضافة إلى العوامل البيولوجية
1. النظرية التحليلية عند يونج:
يرى يونج (Jung) أن النفس (المصطلح الذي يستخدمه للتعبير عن الشخصية) تتكون من ثلاثة أبنية منفصلة ومتفاعلة هي: الأنا (مركز العقل الشعوري) واللاشعور الشخصي (ويضم الخبرات المكبوتة التي تخص الشخص بذاته واللاشعور الجمعي (Hjelle & Ziegler, 1992) ويرى أن أن فرويد قلل من دور العقل اللاشعوري في الشخصية، لذلك طور يونج مفهوم اللاشعور الجمعي، وهو الطبقة الأعمق، غير الشخصية من العقل اللاشعوري، التي تضم الخبرات والذكريات الكامنة التي ورثها الإنسان عن ماضي الأسلاف والأجداد، والتي يشترك فيها جميع البشر نظراً لتشابه بناء العقل بينهم.
يطلق يونج على المكونات البنائية للاشعور الجمعي (Collective unconscious) اسم "الأنماط الأولية" وهي أشكال فكرية مشاع مشحونة بالانفعال، تخلق صوراً لها معان رمزية غنية لدى جميع البشر، تسهم في مساعدتهم على فهم أنفسهم وعلى فهم الآخرين. ومن أمثلتها النمط الأولي للبطل والأم والحكيم. فوجود نمط أولي مثلاً لدى الطفل يسهم في كيفية إدراك الطفل لأمه، وقد تطورت الأنماط بحيث أصبحت أنظمة منفصلة هي: الأنيما (Anima) والأنيموس (Animus) والقناع والظل (Shadow) وتشير الأنيما إلى النممط الأولي الأنثوي عند الرجل، أما الأنيموس فتشير إلى النمط الأولي الذكري عند المرأة.
اللاشعور الجمعي في مقابل اللاشعور الفردي.
وبفضل هذين النمطين الأوليين يتفهم أفراد أحد الجنسين طبيعة الجنس الآخر، وهناك نمط أولي آخر هو الظل، ويمثل الجانب المظلم اللا أخلاقي من الشخصية وهو المسؤول عن مفهوم الخطيئة الأولى (من وجهة نظر يونج). أما القناع فيشير إلى الشخصية العامة، كما يراها الآخرون، فالمرء يرتدي قناعاً ليلعب الدور الذي ينسبه له المجتمع ويتوقعه منه في الحياة.
2. علم النفس الفردي عند آدلر
يرى آدلر (Adler) أن الأهداف النهائية الغائبة هي التي تدفع البشر لبذل الجهد، وهي التي تحدد سلوكاتهم ... ولكن ما هي الغاية النهائية التي يندفع البشر إلى بلوغها، يرى آدلر أنها التفوق(Superiority) فنحن نكافح من أجل التفوق، ويمثل الكفاح من أجل التفوق استجابتنا
لمشاعر النقص التي نخبرها جميعاً منذ أن كنا أطفالاً نتفاعل مع آخرين يكبروننا سناً ويتفوقون علينا في القوة، وكثيراً ما نحاول تعويض مشاعر النقص العضوية أو النفسية (Inferiority) من خلال التدريب المعمق، أو تطوير القدرات في مجال آخر. فقد عوض ديموستين الذي كان يتلعثم في طفولته، عند نقصه العضوي، بالتدريب حتى أصبح واحداً من أبرز خطباء العالم، وقد يعوض الطالب متوسط التحصيل عن مشاعر النقص لديه بالتفوق الرياضي. وقد تحدث آدلر عن التعويض الزائد (Over Compenation) وهو محاولة المرء إنكار الموقف الحقيقي (بدلاً من الاعتراف به) أو هو الجهد المبالغ فيه للتعويض عن النقص. وقد وصف نمطين للتعويض الزائد هما: عقدة النقص (وتشير إلى المبالغة في مشاعر النقص وعدم الكفاية) وعقدة التفوق (وتشير إلى تضخيم أهمية الذات بغية تغطية مشاعر النقص).
التفوق هو الغاية النهائية التي تدفع بالفرد لبذل الجهد والاستمرار فيه حتى يتحقق في إطاره الاجتماعي.
ويعتقد آدلر أن الاهتمام الاجتماعي فطري، فالإنسان اجتماعي بطبعه، لذا فإنه يدخل في شبكة من العلاقات الاجتماعية المتبادلة التي تسهم في تشكيل شخصيته وتساعده على التعويض الحقيقي الذي يمكن المجتمع من بلوغ هدفه وهو المجتمع الكامل، وبذا يتخذ الكفاح من أجل التفوق طابعاً اجتماعياً؛ فبالتعويض من أجل المجتمع يعوض المرء عن مشاعر النقص لديه.
3- الاتجاه الثقافي الاجتماعي عند هورني:
تعترض هورني (Horney) على بعض أفكار فرويد التحليلية، وتعدها مجرد فرضيات تحتاج إلى دعم بالبيانات قبل قبولها كحقائق. وترى أهمية التأثيرات الثقافية الاجتماعية في تطور الشخصية؛ فالحاجة إلى الأمن (Need for Security) وليس إلى الجنس أو العدوان، هي الدافع الرئيس للوجود الإنساني، فالشخص الذي أشبع حاجته إلى الأمن يكون قادراً على تطوير قدراته إلى أقصى حد ممكن. أما الشخص القلق الذي ينعدم لديه الشعور بالأمن فقد يصبح عدوانياً لينتقم لنفسه ممن نبذوه أو أساءوا معاملته، وقد يكون لنفسه صورة غير واقعية لتعويض مشاعر النقص لديه، وقد يغرق في الإشفاق على نفسه ليكسب تعاطف الآخرين ... إلخ.
الحاجة للأمن هي الدافع الرئيسي للوجود الإنساني.
وترى هورني أننا نطور الاستراتيجيات التالية خلال جهودنا لمواجهة القلق:
(1) التوجه نحو الآخرين (Move toward) بحثاً عن الحب والدعم.
(2) التوجه بعيداً (Move away) عن الآخرين لتحقيق الاستقلالية
(3) التوجه ضد الآخرين (Move against) لتحقيق القوة والمنافسة والسيطرة.
استراتيجيات مواجهة القلق في مقابل الميكانيزمات الدفاعية.
كما ترى أن الشخص الذي يشعر بالأمن يستخدم الاستراتيجيات الثلاث على نحو معتدل ومتوازن، فيما يستخدم الشخص الذي لا يشعر بالأمن واحداً من هذه الاستراتيجيات أو أكثر، على نحو مبالغ فيه، فيصبح معتمداً على الآخرين أو مستقلاً عنهم أو عدوانياً عليهم بصورة مبالغ فيها. وباختصار، ترى هورني أن الشخصية، ليست ببساطة، مسألة بيولوجية، فالخبرات الاجتماعية والثقافية تسهم في تشكيل الشخصية أيضاً.
تفكير ناقد (1) |
- ناقش أبرز القضايا الخلافية بين فرويد والفروديين المتجددين. - حدد الأفكار السيكودينامية التي يمكن تطبيقها وتلك التي لا يمكن تطبيقها في المجتمع العربي الإسلامي. |
3- المنحى السلوكي والمعرفي الاجتماعي: Behavioral and Social Cognitive Perspective
يؤكد المنحى السلوكي والمعرفي الاجتماعي أهمية الخبرات البيئية في فهم الشخصية الإنسانية، وضمن الإطار الواسع لهذا المنحى، يركز السلوكيون على السلوك الملاحظ للفرد، فيما يركز المنظرون المعرفيون الاجتماعيون على العمليات المعرفية وضبط الذات، إضافة إلى السلوك الملاحظ.
أ. سلوكية سكنر
سرى سكنر (Skinner) أن الشخصية هي السلوك الظاهري الملاحظ للمرء، الذي تحدده البيئة الخارجية، وعليه، فإننا لسنا بحاجة إلى فهم العمليات العقلية والمعرفية الداخلية لتفسير السلوك (أي الشخصية)، ويجادل سكنر بأننا لا نستطيع ملاحظة الشخصية بصورة مباشرة، وأن كل ما نستطيع ملاحظته هو سلوكات البشر، فمثلاً، يمكن أن تكشف ملاحظاتنا لسلوك سناء محافظتها وتوجهها نحو التفوق الدراسي، واهتمامها بالآخرين. وعليه، فإن سلوكاتها هذه تكون شخصيتها. وعلاوة على ذلك، يرى سكنر أن عمليات الثواب والعقاب في البيئة هي التي شكلت شخصيتها لتصبح محافظة ومتوجهة نحو التفوق الدراسي ومهتمة بالآخرين. ففي ضوء التفاعل مع أفراد العائلة ومع زميلاتها ومعلماتها في المدرسة ومع الآخرين، تعلمت سناء أن تتصرف على النحو الذي تمت ملاحظته.
الشخصية هي السلوك الظاهري المتعلم للفرد.
ويؤكد سكنر أن سلوكاتنا قابلة للتغيير والتعديل، إذا واجهنا خبرات جديدة. وعليه، فإن محافظة سناء وتوجهها نحو التفوق الدراسي ومهتمة بالآخرين قد لا تكون سلوكات دائمة لها؛ فقد تظهر سلوكاً متحرراً أو أن تكون غير مدفوعة للتفوق في العلوم، أو قد تؤذي أحياناً أختها الصغرى. فثبات السلوك مرهون بثبات الخبرات البيئية، فإن تم تعزيز سلوك المحافظة وسلوك التوجه نحو التفوق الدراسي وسلوك الاهتمام بالآخرين، لدى سناء، بصورة متسقة، فإن نمط سلوكها سيكون متسقاً كذلك.
ولما كان السلوكيون، عموماً، يؤمنون بأن الشخصية متعلمة، وأنها تتغير بتغير الخبرات والمواقف البيئية، فإن إعادة تنظيم (ترتيب) الخبرات والمواقف البيئية، يؤدي إلى تعديل في شخصية المرء. وعليه، يمكن تعديل السلوك الانطوائي ليصبح سلوكاً انبساطياً، كما يمكن تعديل السلوك العدواني ليصبح سلوكاً وادعاً.
ب. النظرية المعرفية الاجتماعية عند باندورا
يؤيد بعض علماء النفس ما ذهب إليه سكنر من حيث أن الشخصية متعلمة، وأنها تتأثر كثيراً بالخبرات البيئية، ولكنهم يعتقدون، في الوقت ذاته، أنه – أي سكنر – ذهب بعيداً عندما العوامل المعرفية هي التي تحدد ما نحن عليه من أشخاص.
صرح بأن خصائص المرء ليست ذات علاقة بفهم الشخصية. فباندورا (Bandura) مثلاً، منظر معرفي اجتماعي، يرى أن السلوك والبيئة والعوامل المعرفية للشخص جميعها مهمة لفهم الشخصية، فالعوامل المعرفية هي التي تحدد ما نحن عليه كأشخاص.
يستخدم باندورا مفهوم "الحتمية التبادلية" لوصف الطريقة التي يتفاعل بها السلوك والبيئة والشخص (العوامل المعرفية) لتكوين الشخصية. فالبيئة تحدد سلوك الشخص، كما يعمل الشخص على تغيير البيئة، كذلك فإن العوامل المعرفية للشخص يمكن أن تؤثر في السلوك وأن تتأثر به، ويرى باندورا أننا نتعلم بالملاحظة وأننا من خلال التعلم بالملاحظة نكون أفكارنا حول سلوكات الآخرين، ومن المحتمل أن نتبنى هذه السلوكيات لأنفسنا، فعلى سبيل المثال قد يلاحظ الصبي ثورة غضب والده نحو أمه، فيظهر ثورة غضب مماثلة على أخته الصغرى مقلداً بذلك سلوك والده، إننا نتعلم الكثير من السلوكات والأفكار والمشاعر والمهارات الحركية التي تشكل جزءاً هاماً من شخصياتنا، عن طريق الملاحظة.
وبخلاف سلوكية سكنر، تؤكد النظرية المعرفية الاجتماعية قدرتنا على تنظيم سلوكاتنا وضبطها، على الرغم من البيئة المتغيرة التي نعيش فيها، ولتوضيح ذلك، افرض أن زميلك يحاول إقناعك بالانضمام إلى حزب سياسي ما. لا شك أنك ستفكر في الأمر آخذاً بعين الاعتبار معتقداتك واهتماماتك وأهداف الحزب ... إلخ. وفي ضوء ذلك قد تقرر في النهاية عدم الانضمام إليه. وهكذا فإن معرفتك أنت (أي فكرك) هي التي قادتك إلى ضبط سلوكك ومقاومة تأثير البيئة في هذا الأمر.
تفكير ناقد (2) |
- لخص أوجه التشابه والاختلاف بين نظرية سكنر وباندورا للشخصية الإنسانية. - قيم المنحى السلوكي والمعرفي الاجتماعي. |
4- المنحى الإنساني Humanistic Perspective
يؤكد علماء النفس الإنسانيون خيرية الإنسان، وتفاؤله وفضائله، وحريته في اختيار النظرة التفاؤلية للإنسان مصيره، وقدرته على النمو، فهم يؤمنون بأن الإنسان قادر على مواجهة الضغوط الحياتية وعلى ضبط شؤون حياته وتحقيق رغباته، كما أنه قادر على فهم ذاته وفهم الآخرين، ولعل من أبرز منظري المنحى الإنساني ابراهام ماسلو وكارل روجرز.
أ. نظرية ماسلو
يعد ماسلو (Maslow) واحداً من أبرز الشخصيات المؤثرة في تاريخ الحركة الإنسانية في علم النفس، وقد سمي المنحى الإنساني بالقوة الثالثة في علم النفس (تذكر أن القوة الأولى في علم النفس هي قوة التحليل النفسي وأن القوة الثانية هي قوة السلوكية) فهو البديل الحاسم للقوتين الأولى والثانية في علم النفس.
يرى ماسلو أن الإنسان مدفوع لإشباع حاجاته الفطرية، ولو جزئياً، لتحقيق إمكاناته الكامنة، وهذه الحاجات مرتبة هرمياً على النحو التالي: الحاجات الفسيولوجية، والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى الانتماء والحب، والحاجة إلى الاحترام والتقدير، والحاجة إلى المعرفة والفهم، والحاجات الجمالية، فالحاجة إلى تحقيق الذات، وكما تعلم، يرى ماسلو أن تحقيق الذات يمثل أعلى حاجة إنسانية، فهي تقع في قمة هرم الحاجات، ويقصد بتحقيق الذات قدرة الفرد على استغلال طاقاته وقدراته – كإنسان إلى أقصى حد ممكن، بحيث يصل إلى ما يمكن أن يصل إليه. وقد كشف ماسلو خصائص أولئك الذين حققوا ذواتهم، فتبين أنهم: يقاومون الخضوع الاجتماعي، يتوحدون بالبشرية، واقعيون، يتقبلون الذات والآخر كما هو، مبدعون، تلقائيون (عفويون)، يتمركزون حول المشكلة (لا على صاحبها)، يقيمون علاقات اجتماعية مع البشرية جمعاء مع وجود الحاجة إلى الخصوصية (وقلة عدد الأصدقاء المقربين جداً)، مستقلون، ديمقراطيون، لا يخلطون بين الوسائل والغايات، ويمرون بخبرات (سرحات) روحية أو غيبية دون أن تكون ذات طابع ديني بالضرورة.
وعلى الرغم من اعتقاد ماسلو بصعوبة تحقيق الذات والوصول إلى قمة هرم الحاجات، إلا أن عدداً من الشخصيات حققوا ذواتهم، لعل أبرزهم: آينشتاين (عالم الفيزياء)، روزفلت (دبلوماسي)، إمرسون (كاتب)، وليام جيمس (عالم نفس)، جيفرسون (سياسي)، ولنكولن (سياسي).
ب. نظرية روجرز:
يعتقد روجرز Rogers أن معظمنا يعاني من صعوبات ملحوظة في تقبل مشاعرهم الفطرية الخيرة، فخلال مسيرة نمونا، يعلمنا أشخاص ذوو تأثير حاسم في حياتنا، الابتعاد عن فطرتنا الخيرة ومشاعرنا الإيجابية، فكثيراً ما نسمع آباءنا أو أشقاءنا أو معلمينا أو حتى زملاءنا يقولون لنا عبارات من مثل: "لا تفعل هذا" أو "لم تفعل هذا على الوجه المطلوب" أو "كيف تكون غبياً هكذا؟" وعندما لا نؤدي السلوك بالصورة المرغوبة، فكثيراً ما يتم عقابنا، وكثيراً ما يهددنا الوالدان بألوان من العقاب إذا لم نخضع إلى معاييرهم. فماذا تكون النتيجة؟ إنها انخفاض احترام الذات لدينا.
وتستمر هذه المعوقات والتغذية الراجعة السلبية في التأثير على حياتنا، ونتيجة لذلك فإننا نجد أنفسنا أمام طريقين فإما أن نخضع لمتطلبات الآخرين ورغباتهم، وإما أن نكتنف علاقتنا معهم غيوم من الصراع. فإن وقع الاختيار على الطريق الأول، فإننا خلال مسيرة كفاحنا، سنتصرف وفق معايير المجتمع ومتطلباته، وبذا نشوه ونقلل من قيمة الذات الحقيقية لنا. وقد نفقد (كلياً) الشعور بالذات، عندما نجد أنفسنا بمثابة مرآة لما يريده الآخرون منا.
الذات: هي الجزء المتمايز من المجال الظاهري الذي يتكون من نمط الإدراكات والقيم الشعورية المرتبطة بهذه الإدراكات.
ويرى روجرز أن الذات (Self) تظهر من خلال خبرات الفرد مع العالم، ويقصد بها (أي الذات) الجزء المتمايز من المجال الظاهري والذي يتكون من نمط الإدراكات (كم أنا قادر على إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين، كما أنا مقنع ومؤثر، كم أنا جذاب ...) والقيم الشعورية المرتبطة بهذه الإدراكات (جيد/ سيئ، أستحق/ لا أستحق ...) بالنسبة للضمير "أنا" (I) وضمير المتكرم (Me). ولا يعتقد روجرز بأن جميع أبعاد الذات شعورية، غير أنه يرى أنها قابلة لأنها تكون جميعها شعورية.
ويميز روجرز بين الذات الحقيقية (وهي الذات الناتجة عن الخبرة والتي تعكس حقيقة الفرد). والذات المثالية (وهي الذات التي يرغب الفرد أن يكون عليها). وكلما اتسعت الهوة بين الذات الحقيقية والذات المثالية زاد سوء التوافق، الأمر الذي يسلتزم استعادة التوافق النفسي، ويمكننا أن نحقق ذلك من خلال تطوير إدراكات أكثر إيجابية عن الذات الحقيقية لنا، وزيادة خبراتنا الإيجابية في العالم، دون أن نقلق بشأن ما يريد الآخرون أن نكون عليه، هذا ويقترح روجرز ثلاث طرق لمساعدة الفرد على تطوير مفهوم ذات إيجابي هي:
(1) الاعتبار الإيجابي غير المشروط للفرد من الآخرين: أي قبول الفرد كما هو واحترامه ومحبته بصرف النظر عن سلوكه الذي قد لا يكون مقبولاً للآخرين، الأمر الذي يسهم في رفع مستوى تقدير الفرد لذاته.
(2) التقمص العاطفي من خلال الاستماع الجيد للفرد وتفهم مشاعره الحقيقية.
(3) الأصالة والبعد عن التكلف والانفتاح بكل المشاعر، رامين وراءنا الخبرات السابقة والمظاهر الكاذبة.
للفرد ذات حقيقية تعكس حيقيته، وذات مثالية يرغب أن يكون عليها.
نشاط (3) |
- لماذا يعد المنحى الإنساني بديلاً حاسماً للقوتين الأولى والثانية في علم النفس؟ - ما أوجه التشابه بين المنحى الإنساني والمنحى المعرفي الاجتماعي؟ - ما الفرق بين تحقيق الذات عند ماسلو وروجرز؟ |
5- منحى السمات Trait Perspective
تعود جذور هذا المنحى إلى القرن الخامس قبل الميلاد، فقد رأى الفيلسوف الإغريقي أبو قراط (Hippocrates) (المعروف بأبي الطب) أن الجسم يحتوي على سوائل أو أخلاط أربعة هي: الصفراء والسوداء والدم والبلغم، وأن الشخصية الإنسانية تعتمد على السائل الذي يكون له السيادة عند الشخص. وعليه، فإن هناك أربعة أنواع للشخصية هي: الشخصية الصفراوية والشخصية السوداوية والشخصية الدموية والشخصية البلغمية، ويذكر الجاحظ في كتابه "التاج في أخلاق الملوك" هذه الأمزجة (الشخصيات) وما يرتبط بها من سمات. فالمزاج الصفراوي يرتبط بكثرة الحركة وسرعة القلق، ويرتبط المزاج البلغمي بالنوم والكسل والتثاؤب، أما المزاج الدموي فيرتبط بالنشاط والمرح والانطلاق، فيما يرتبط المزاج السوداوي بالحزن والاكتئاب.
والآن فكر كيف يمكن أن تصف نفسك وتصف صديقك. هل أنت اجتماعي ومتحرر، أما صديقك فهادئ وخجول؟ هل أنت متزن انفعالياً، غير أن صديقك لا يتمتع بالاتزان الانفعالي؟ وكما تعلم فإننا على الدوام نستخدم سمات الشخصية عند وصف أنفسنا والآخرين.
وتحت منحى السمات، سنتحدث عن كل من: نظريات السمة، والعوامل الخمسة الكبرى للشخصية، والتفاعل بين السمة والموقف.
أ. نظرية السمة Trait Theories
السمة عبارة عن خاصية مستقرة، دائمة نسبياً للشخصية، تميل بها إلى أداء سلوكات معينة في المواقف المتعددة (Santrock, 2003)، أو هي أبعاد محددة تختلف مواقع شخصيات الأفراد عليها بصورة متسقة وثابتة نسبياً (Baron & Kalsher, 1998). وتتكون الشخصية من عدد من السمات المستقرة التي تكشف ميل الفرد إلى الاستجابة بطرق متسقة في المواقف المختلفة (Kosslyn & Rosenberg, 2004). وعلى الرغم من أن منظري السمات يختلفون حول السمات التي تكون الشخصية، إلا أنهم يتفقون حول كونها (أي السمات) تمثل اللبنات الأساسية لبناء الشخصية، ولعل من أبرز منظري السمة كاتل وأيزنك. يرى ريموند كاتل (Cattel) أن السمة هي "بنيان عقلي"، يتم استنتاجه من خلال السلوك الملاحظ، ويفسر اتساق السلوك في المواقف المختلفة (Hall, Lindzey, 1978). وباستخدام التحليل العاملين توصل إلى وجود (16) عامل 16 Personality Factors أو سمة مصدرية (وهي السمات المركزية التي تمثل المتغيرات الكامنة التي يعتقد أنها تفسر معظم السمات الظاهرة الهامة للشخصية) لوصف الشخصية والتنبؤ بالسلوكات المستقبلية، والعوامل هي: التحرر – المحافظة، الدهاء – السذاجة، الاتزان الانفعالية – التأثر بالمشاعر، السيطرة – الخضوع، عدم الجدية – الجدية، قوة الضمير – ضعف الضمير، المخاطرة – الجبن، الحساسية الانفعالية – التبلد الانفعالي، التوتر – الاسترخاء، الشك – الثقة، التخيل – الاهتمام العملي، الخوف – تأكيد الذات، التجريب – الحذر، الاكتفاء الذاتي – الاعتماد على الجماعة، الضبط – عدم الضبط، الذكاء المرتفع – الذكاء المنخفض (Kosslyn & Rosenberg, 2004).
السمات هي اللبنات الأساسية لبناء الشخصية.
أما هانز إيزنك (Eysenck) فقد توصل، من خلال تطبيق اختبارات الشخصية على عدد كبير من الأفراد وتحليل نتائجهم، إلى وجود ثلاث سمات رئيسة (أو كما أسماها أبعاد الشخصية) حاسمة في وصف الشخصية هي التالية:
1. الانطوائية – الانبساطية Introversion – Extroversion فالشخص الانطوائي هو شخص هادئ وغير اجتماعي وسلبي وحذر، في حين أن الشخص الانبساطي شخص نشيط واجتماعي ومتحرر.
2. الاتزان – عدم الاتزان Stable – Unstable (ويعرف أيضاً ببعد العصابية): فالشخص المتزن هو شخص مطمئن وهادئ المزاج وقادر على القيادة وخال من الهم. أما الشخص غير المتزن فهو شخص مزاجي وقلق لا يهدأ وسريع الغضب.
3. الذهانية Psychoticism يعكس هذا البعد درجة اتصال الفرد بالواقع وضبطه لدوافعه الغريزية واهتمامه بالآخرين. ويصف شخصية الأفراد ذوي الاضطرابات النفسية؛ كانفصام الشخصية والإجرام والاعتماد على المخدر وعدم احترام المعايير الاجتماعية.
هذا ويعتقد إيزنك أن اتحاد الأبعاد المختلفة للشخصية يؤدي إلى سمات شخصية معينة، فالشخص الذي يكون انبساطياً وغير متزن يتوقع أن يكون مندفعاً.
ب. العوامل الخمسة الكبرى للشخصية The Big Five Personality Factors
أسفرت نتائج البحوث الحديثة التي استخدمت التحليل العاملين عن وجود خمسة عوامل عليا، ثابتة نسبياً خلال مراحل الحياة وخلال الثقافات المتعددة، تصف الأبعاد الرئيسة للشخصية، يقع كل عامل (سمة عليا) منها على متصل بحيث يقع اسم العامل على أحد طرفي المتصل، وتسمى هذه العوامل العليا أحياناً "بنموذج العوامل الخمسة" أو "الخمس الكبرى" (Myers, 2004; Baron & Kalsher, 1948; Santrock, 2003) كما يتضج في الجدول التالي:
جدول العوامل الخمسة الكبرى وسماتها
(المصدر: Kosslyn & Rosenberg, 2004)
العوامل العليا | السمات |
الانبساطية (Extroversion) وتسمى أيضاً الاجتماعية |
الدفء، الاجتماعية، البحث عن المتعة، العواطف الإيجابية |
العصابية (Neuroticism) وتسمى أيضاً الانفعالية |
القلق، العدوان، الاكتئاب، الاندفاعية، الحساسية للنقد |
المقبولية (Agreableness) | الثقة، الخضوع، الحشمة، الإيثار، الاستقامة |
الضميرية (الإنجاز) وفقاً لما يمليه الضمير (Conscientiousness) ويسمى أيضاً الاعتمادية |
التنافس، النظام، الكفاح من أجل التفوق، القصدية، انضباط الذات، الشعور بالواجب |
الانفتاح على الخبرة (Opennes to Experience) |
المغامرة، الرياضة، المشاعر، الأفعال، الأفكار، القيم، الاستقلالية |
وفي ضوء مقاييس الشخصية التي يستخدمها الباحثون، فإن عدداً من السمات الفرعية (المنفردة) المختلفة يمكن أن تشكل في مجموعها عاملاً من العوامل الخمسة العليا، وعليه، يتوقع أن لا يتفق الباحثون تماماً حول أسماء تلك العوامل. هذا ومن الجدير بالذكر أن أسماء العوامل الخمسة الكبرى الواردة في الجدول رقم (1) هي الأسماء الأكثر شيوعاً لدى الباحثين.
ويحدد الباحثين في العوامل الخمسة الكبرى مدى ظهور العوامل في بروفيل (الصفحة) الشخصية في الثقافات المختلفة، ومدى استقرار هذه العوامل خلال الزمن، كما يحدد القدرة التنبؤية لهذه العوامل بالصحة العقلية والجسمية، وكلما أثبت البحث أن هذه العوامل أكثر عالمية واستقراراً وقدرة تنبؤية، كلما كلنا أكثر ثقة بأنها تصف بالفعل السمات الرئيسة الهامة للشخصية.
ج. التفاعل بين السمة والموقف:
يعتقد معظم علماء النفس أن فهم الشخصية يقتضي الأخذ بالحسبان كلاً من السمة (الشخص) والموقف، وأن اتساق الشخصية يعتمد على الأشخاص والمواقف والسلوكات المختارة ... ولتوضيح ذلك، افرض أنك تريد تقدير سعادة ساجدة (منطوية) وعلياء (منبسطة)، بحسب نظرية التفاعل بين السمة والموقف، فإننا لن نتمكن من التنبؤ بمن ستكون أكثر سعادة من الأخرى ما لم نعرف شيئاً عن الموقف الذي هما فيه، تخيل أنك تقوم بملاحظة سلوكها في موقفين (في المكتبة وفي حفل زواج صديقتهن). هل تعتقد أن ساجدة، أم علياء، ستشعر بارتياح أكبر في حفل الزواج؟ ومن منهن ستكون أكثر ارتياحاً في المكتبة؟ الاحتمال الأكبر أن تكون علياء (المنبسطة) أكثر استمتاعاً أثناء وجودها في الحفل، غير أن ساجدة (المنطوية) ستكون أكثر استمتاعاً خلال وجودها في المكتبة.
إن فهم الشخصية يعتمد على تفاعل كل من السمة والموقف.
وقد كشفت نتائج الدراسات الحديثة على التفاعل بين السمة والموقف (Santrock, 2003) النتائج التالية:
(1) كلما كانت السمة أكثر تحديداً كلما زاد احتمال التنبؤ بالسلوك.
(2) يظهر بعض الأفراد اتساقاً على السمات، فيما يظهر آخرون اتساقاً على سمات أخرى.
(3) يكون لسمات الشخصية تأثير أكبر على سلوك الفرد عندما يكون تأثير الموقف أقل فاعلية.
نشاط (4) |
- حدد مفهوم السمة من وجهة نظر كل من كاتل وإيزنك. - ما العوامل الخمسة الكبرى للشخصية وما هي السمات التي ترتبط بكل عامل منها؟ - ما تعليقك على القدرة التنبؤية للسمات بالسلوك الإنساني؟ |
تفكير ناقد (3) |
ما تصورتك حول نظرية الشخصية؟ كيف يمكن بناء شخصية وسطية في مجتمع متغير؟ |
ثالثاً: قياس الشخصية Personality Assessment
طور علماء النفس طرقاً متعددة لقياس الخصائص الدائمة نسبياً في الشخصية، والمتحررة من تأثيرات الموقف، ومن أبرز مقاييس الشخصية الاختبارات الإسقاطية وقوائم التقدير الذاتي والمقاييس السلوكية والمعرفية.
1- الاختبارات الإسقاطية Projective Tests
تعرف الاختبارات الإسقاطية بأنها أدوات قياس (الشخصية) تتطلب من الفرد أن يستجيب إلى مثيرات غامضة (مبهمة وغير منتظمة) من خلال حكاية قصة حولها أو بوصف هذه المثيرات؛ أي بأن يسقط معانيه ومشاعره ورغباته وحاجاته واتجاهاته على المثيرات الغامضة،
وقد يستجيب الفرد، في بعض الاختبارات الإسقاطية بالرسم (مثال: رسم الرجل أو رسم العائلة ..) أو بتكملة جمل ناقصة (مثال: أعتقد أن الآخرين ....) ومن هنا كان للاختبارات الإسقاطية جاذبية بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بالفكر التحليلي النفسي ودوره في سبر أعماق الشخصية، ونظراً لعدم وجود إجابة صحيحة وإجابة خاطئة، يعتقد مطورو الاختبارات الإسقاطية أن المستجيب لن يلجأ إلى الكذب عند الإجابة على الاختبار.
الاختبارات الإسقاطية بنيت على أفكار نظرية التحليل النفسي
ولعل من أبرز الاختبارات الإسقاطية وأكثرها شيوعاً: اختبار بقع الحبر لرورشاخ (Rorshach Inkblot Test) واختبار تفهم الموضوع (Thematic Appreception Test: TAT).
أ. اختبار بقع الحبر
طور هيرمان روروشاخ في العشرينات من القرن العشرين اختبار بقع الحبر نتيجة تجارب طويلة. يتكون الاختبار من عشر بطاقات؛ خمس بطاقات منها باللونين الأبيض والأوسد، أما الخمس الأخرى فملونة، يطلب من المستجيب أن ينظر إلى كل صورة منها على حدة كما في الشكل رقم (15 : 3)، ثم يذكر ما يراه في كل منها (أي ماذا تشبه، وماذا تبدو له، أو ماذا يمكن أن تكون). وبعد الانتهاء من تسجيل الإجابات على البطاقات العشر، يعرض الفاحص ثانية كل بطاقة منها على حدة لغاية التحقق من الاستجابات الأولية للمستجيب، وللتحقق من مكانها ومحدداتها الشكلية (أي هل كان الشيء المدرك ساكناً أم متحركاً، ومدى تأثير اللون والظلال والشكل في الاستجابة). وفي ضوء ذلك يتم التعرف على شخصية المستجيب، فقد يشير الاعتماد الشديد على اللون، في الاستجابة إلى السلوك الاندفاعي للمستجيب، فيما تشير ندرة الاعتماد على اللون، إن وجدت، إلى اكتئاب المستجيب، هذا ومن الجدير بالذكر أن الفاحص يلاحظ تعبيرات وجه المستجيب واتجاهاته، خلال تطبيق الاختبار.
ب- اختبار تفهم الموضوع:
طور موراي (Murray) ومورجان (Morgan) في الثلاثينات من القرن العشرين اختبار تفهم الموضوع (المغزي) لقياس دافعية الإنجا، وللتنبؤ عن السلوكات ذات العلاقة بالإنجاز، يتكون الاختبار من (20) بطاقة عليها صور أو رسومات غامضة، باللونين الأبيض والأسود، تصور في معظمها رجالاً ونساء (وقد لا يكون الجنس واضحاً) في مواضع متعددة ، ويطلب من المستجيب أن يشرح ما يحدث في الصورة، وبماذا يفكر الأشخاص فيها، وبماذا يشعرون، وما هي الأحداث التي أدت إلى الموقف الموضح في الصورة، وما يتوقع حدوثه (النتيجة)، ومن المتوقع أن يتقمص المستجيب الشخصيات في الصورة، وأن يكشف ما بداخله من دوافع وصراعات وتهديدات ... إلخ.
هذا ويستخدم اختبار تفهم الموضوع في المواقف العيادية (لغاية رسم خطة علاجية، إضافة إلى استخدامه لقياس خصائص دافعية معينة كالدافعية للإنجاز).
2- اختبارات التقدير الذاتي: Self – Report Tests
وتسمى أحياناً الاختبارات الموضوعية، وتعد من أكثر مقايس الشخصية شيوعاً، تضم هذه القوائم مجموعة من العبارات التي تصف سمات الشخصية (مثال: أشعر بالسعادة معظم الوقت)، وتسأل المستجيب بصورة مباشرة، ما إذا كانت العبارة تصف سمات شخصية أم لا، وذلك بالإجابة بنعم، لا أو صح/ خطأ أو أوافق/ لا أوافق ... إلخ. ومن أبرز قوائم التقدير الذاتي للشخصية اختبار (قائمة) مينسوتا المتعدد الأوجه: (MMPI) Minnesota Multiple Personality Inventory.
قوائم التقدير الذاتي تتكون من عبارات تصف سمات الشخصية وعلى المفحوص تقدير مدى وجود السمة لديه.
أ. اختبار مينسوتا المتعدد الأوجه للشخصية:
يعد هذا الاختبار أكثر اختبارات التقدير الذاتي شيوعاً، وقد طوره هاثاواي وماكينلي (Hathaway & Mckinley) عام (1943) في جامعة مينسوتا لغايات تقديم صورة متكاملة عن الجوانب المتعددة في شخصية المستجيب، يستخدم الاختبار لغايات تشخيص الاضطرابات النفسية كالاكتئاب وفصام الشخصية والهستيريا وتوهم المريض وغيرها. ويستخدم أيضاً لغايات كشف الكذب، كما يستخدم الاختبار في التنبؤ عن أفضل المرشحين للمهن وفي التوجيه المهني.
بدأ هاثاواي وماكينلي بعدد كبير من الفقرات التي تتطلب الإجابة عنها بنعم أو لا. وفي الثمانينات من القرن العشرين تم تطوير الصورة الأصلية للاختبار، تضم الصورة المطورة للاختبار (MMPI) (567) فقدرة تتدرج تحت عشرة أبعاد إكلينيكية (عيادية صممت لقياس أعراض ترتبط بعدد من الاضطرابات النفسية الرئيسة وهي: توهم المرض، والاكتئاب، والهستيريا، والانحراف السيكوبائي، والذكورة – الأنوثة، وجنون التوهم (العظمة)، والوساوس والمخاوف المرضية، والفصام، والهوس الخفيف، والانطواء الاجتماعي. تتراوح مدة الاختبار بين (60 – 90) دقيقة، وهناك نموذج مختصر للاختبار يتكون من (370) فقرة فقط، هذا وقد تمت ترجمة الاختبار إلى (22) لغة، كما تم تقنينه ليناسب عدة ثقافات (Davis & Palladino, 2004).
وفيما يلي نموذج لفقرات من اختبار مينسوتا المتعدد الأوجه (صالح، 1988):
- كثيراً ما أشعر في بعض أجزاء جسمي بما يشبه القشعريرة أو التنميل أو التخدير.
- أشعر في معظم الأوقات بألم في رأسي.
- عندي عادة عد الأشياء غير الهامة كلمبات الكهرباء في الطريق أو ما شابه ذلك.
- غالباً ما أتوقف وأفكر قبل أن أعمل حتى في الأمور التافهة.
- لا أشعر بالخوف من الدخول بمفردي إلى غرفة بها أناس يتحدثون.
- معظم الناس يكرهون في قرارات أنفسهم مساعدة الآخرين.
- أعتقد أن هناك مؤامرة تدبر ضدي.
- أعتقد أن هناك من يتعقبني.
وبعد أن يفرغ المستجيب من الإجابة عن فقرات الاختبار، تلخص إجابته على ورقة تسمى بروفيل (الصفحة النفسية)، ثم يقارن الفاحص درجات المستجيب بالدرجات المشتقة من العينة المعيارية، وفي ضوء ذلك يصف جوانب شخصية المستجيب.
3- المقاييس السلوكية والمعرفية: Behvioral and Cognitive Assessment
بخلاف الاختبارات الإسقاطية واختبارات التقدير الذاتي، فإن القياس السلوكي للشخصية يعتمد على الملاحظة المباشرة للسلوك. إذ لا يمكن قياس السلوك بمعزل عن البيئة، وقد انبثق القياس السلوكي المباشر للشخصية عن تعالم تعديل السلوك، ويقتضي إحداث تغيير (تعديل) على البيئة وتحديد ما إذا كان التغيير فاعلاً في تقليل حدوث السلوك غير التكيفي لدى الفرد، من خلال الملاحظة المباشرة للسلوك. وفي حال عدم القدرة على الملاحظة المباشرة للسلوك، لسبب أو آخر، يمكن أن يطلب من الأفراد أن يقيسوا سلوكاتهم بأنفسهم، وفي هذه الحالة ينبغي حثهم على توخي الدقة في تحديد المواقف التي أدت إلى السلوك وإلى نواتج السلوك (توابعه).
القياس السلوكي للشخصية يعتمد على الملاحظة المباشرة للسلوك.
وقد أسهمت النظرية المعرفية الاجتماعية في انتشار استخدام القياس المعرفية للشخصية الذي يهدف إلى كشف الفروق الفردية في معالجة المعلومات من خلال المقابلة والاستبانات. وتعتمد استراتيجية القياس المعرفي للشخصية على اكتشاف الأفكار التي تكمن وراء السلوك، أي كيف يفكر الفرد في مشكلاته، وما هي الأفكار التي تسبق السلوك غير التكيفي، وما هي الأفكار التي ترافق ظهور المشكلة وتلك التي تتبعها؟ بعدئذ يتم قياس العمليات المعرفية (كالتوقعات والتخطيط والتذكر) من خلال مقابلة الفرد والطلب منه أن يجيب عن فقرات استبانة مصممة لهذه الغاية. وقد تتضمن المقابلة أسئلة تدور حول ما إذا كان المستجيب يبالغ في تقدير أخطائه (أي يضخمها) ويدين نفسه أكثر مما ينبغي، كما قد تتضمن أسئلة تدور حول الأفكار التي تنتابه بعد حدوث الموقف المزعج، وتلك التي تدور في خلده أثناء حدوث الموقف (Santrock, 2003).
القياس المعرفي للشخصية يعتمد على المقابلة والاستبيانات بهدف اكتشاف الفروق الفردية في معالجة المعلومات.
ويعد مركز الضبط (Locus of Control) مفهوماً رئيساً في المنحى المعرفي الاجتماعي. وقد طورت جوليان روتر (Julian Rotter) عام 1966 مقياساً لمركز ضبط السلوك (ضبط داخلي/ ضبط خارجي). يهدف المقياس إلى الكشف عن الطريقة التي تؤثر بها بعض الأحداث الهامة على الفرد. وتتكون كل فقرة من فقرات المقياس من عبارتين (عبارة منها تشير إلى مركز الضبط الداخلي والأخرى إلى مركز الضبط الخارجي)، ويطلب من المستجيب أن يقرأ العبارتين، وأن يختار منها العبارة التي يعتقد أنها تنطبق على حالته أكثر من الأخرى، وفيما يلي أمثلة على فقرات المقياس (محمود، 2001).
1- أ. يقع الأولاد في المشاكل لأن آباءهم يعاقبونهم كثيراً.
ب. مشكلة غالبية الأولاد في هذه الأيام تساهل آبائهم الزائد معهم.
2- أ. مهما تبذل من جهد لكسب ود الآخرين فسيظل هناك أناس يكرهونك.
ب. الذين لا يستطيعون كسب ورد الآخرين لا يعرفون كيفية التعامل معهم.
3- أ. بمزيد من الجهد نستطيع القضاء على الفساد السياسي.
ب. من الصعب على الناس العاديين أن يكون لهم سيطرة كافية على الأعمال التي يقوم بها السياسيون وهم في مراكز الحكم.
4- أ. لا أستطيع أحياناً أن أفهم كيف يتوصل المدرسون للعلامات التي يعطونها للطلبة.
ب. هناك ارتباط مباشر بين ما أبذله من جهد في الدراسة والعلامات التي أحصل عليها.
يعتقد الأفراد ذوو الضبط الداخلي بقدراتهم على ضبط الحوادث في حياتهم، فيما يعتقد الأفراد ذوو الضبط الخارجي بأن حوادث الحياة (كالثواب والعقاب) ناتجة عن عوامل خارجة عن إرادتهم كالحظ والصدفة والقدر ... إلخ.
ويمكن القول بأن الأفراد ذوي الضبط الداخلي يكونون أكثر إدراكاً من ذوي الضبط الخارجي، وأكثر استعداداً للتعلم مما حولهم، ويطرحون أسئلة أكثر، كما يظهرون مهارات أعلى في حل المشكلات (Pervin & John, 2001).
تفكير ناقد (5) |
- حدد الأسباب وراء استخدام علماء النفس لمقاييس الشخصية. - أي من مقاييس الشخصية تعتقد أنها الأفضل والأكثر دقة في إعطائك صورة واضحة عن شخصيتك؟ برر اختيارك. - هل يمكن التوفيق بين المناحي الرئيسة لدراسة الشخصية وطرق قياسها؟ كيف ذلك؟ |
الخلاصة:
1- اختلف علماء نفس الشخصية حول مفهوم الشخصية، غير أن النظرة الحديثة تشير إلى أن الشخصية تعني النمط الدائم نسبياً للأفكار والمشاعر والسلوك، الذي يميز الفرد عن غيره، وتتسم الشخصية بالثبات النسبي، مما يسمح بتعديل السلوك من جهة وبالتنبؤ عنها من جهة أخرى.
2- وفي ضوء هذا الاختلاف حول مفهوم الشخصية، تعددت مناحي دراسة الشخصية. ينطلق المنحى الإسلامي من خلال النظرة إلى الطبيعة الإنسانية، فالإنسان مخلوق مكرم، ومولود على الفطرة القويمة، وقد أوقع الله في النفس طريقي التقوى والفجور ومنحها حرية الاختيار، وفي ضوء اختيارها تتحدد شخصية صاحبها (مؤمن/ منافق/ كافر) وتتسم بسمات تميزه عن غيره، وللنفس أحوال هي: النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس المطمئنة.
=3- ويؤكد أصحاب المنحى السيكودينامي أهمية اللاشعور وخبرات الطفولة في تحديد السلوك، تحدث فرويد عن ثلاثة مكونات للشخصية هي: الهو والأنا والأنا الأعلى. وللحد من القلق والصراع، تلجأ الأنا إلى عدد من ميكانزمات الدفاع هي: الكبت والتبرير والإبدال والتسامي والإسقاط وتكوين رد الفعل المعاكس والإنكار والنكوص. وقد اقترح فرويد ثلاث مراحل حاسمة في تطور الشخصية هي: المرحلة الفمية والمرحلة الشرجية والمرحلة القضيبية، كما تم الحديث في هذا الفصل عن الفرويديين المتجددين وهم: يونج وآدلر وهورني. يرى يونج أن النفس تتكون من ثلاثة أبنية منفصلة ومتفاعلة هي: الأنا واللاشعور الشخصي وعقده واللاشعور الجمعي وأنماطه الأولية (الأنيما والأنيموس والقناع والظل). أما آدلر فأكد أن الاهتمام الاجتماعي فطري، وأن الفرد يكافح من أجل التفوق والتعويض عن مشاعر النقص، كما تؤكد هورني أهمية التأثيرات الثقافية الاجتماعية في تطور الشخصية.
4- وتحت المنحى السلوكي والمعرفي الاجتماعي، تم الحديث عن سلوكية سكنر وعن النظرية المعرفية الاجتماعية، يرى سكنر أن الشخصية هي السلوك الظاهري الملاحظ، الذي تحدده البيئة الخارجية، وأن عمليات الثواب والعقاب تشكل الشخصية، وهي – أي الشخصية – قابلة للتعديل من خلال إعادة تنظيم المواقف البيئية، كما يؤكد باندورا أن الشخصية متعلمة، غير أنه يرى أن التفاعل بين السلوك والبيئة والعوامل المعرفية للشخص هو العامل الحاسم في تكوين الشخصية.
5- ويرى علماء النفس الإنسانيون أن الإنسان خير، حر في اختيار مصيره، قادر على مواجهة الضغوط الحياتية وفهم ذاته والآخرين. ويعد ماسلو الحاجة إلى تحقيق الذات مفهوماً مركزياً في نظريته، فيما يعد روجرز مفهوم الذات المفهوم المركزي في نظريته، ويقترح طرقاً لمساعدة الفرد على تطوير مفهوم إيجابي للذات.
6- وتحت منحى السمات، تم الحديث عن نظريات السمة، والعوامل الخمسة الكبرى، والتفاعل بين السمة والموقف، فباستخدام التحليل العاملي، توصل كاتل إلى وجود (16) عامل أو سمة مصدرية، فيما توصل إيزنك إلى ثلاثة أبعاد للشخصية هي: الانطوائية – الانبساطية، والاتزان – عدم الاتزان، والذهانية، وتكشف نتائج البحوث الحديثة خمسة عوامل كبرى للشخصية هي: الإنبساطية، والعصابية، والمقبولية، والضميرية، والانفتاح على الخبرة، هذا ويرى معظم علماء النفس أن فهم الشخصية لا يتم إلا من خلال التفاعل بين السمة والموقف.
7- وقد طور علماء النفس طرقاً متعددة لقياس الشخصية، ومن أبرزها: الاختبارات الإسقاطية (اختبار بقع الحبر لرورشاخ واختبار تفهم الموضوع)، وقوائم التقدير الذاتي (اختبار مينسوتا المتعدد الأوجه) والمقياس السلوكي (من خلال الملاحظة المباشرة للسلوك) والمقياس المعرفي (كمقياس مركز الضبط لروتر).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ