د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

التنشئة الاجتماعية والتعلق Socialization and Attachment

تعرف على مفهوم التنشئة الاجتماعية والمؤسسات التي تتولاها، ومعنى التعلق وأهميته في نمو الشخصية، وأنواع التعلق والتفسيرات النظرية لهذا السلوك.

January 4, 2024 عدد المشاهدات : 2279

مقدمة 
تعد التنشئة الاجتماعية أحد مظاهر التفاعل الاجتماعية التي يتم خلالها ترتيب الأحداث والمواقف الاجتماعية لتساعد على اكتساب الفرد أنماطاً سلوكية تسهل عملية اندماجه في المجتمع، أي أنها تمثل تعلم الفرد لقيم مجتمعه وخبراته، وهي تهدف إلى استدخال قيم المجتمع المشتركة إلى ذات الفرد وجعلها جزءاً مركزياً من شخصيته وكيانه مما يسهل التوافق والانسجام بين الفرد والمجتمع. 
كما يعد التعلق أحد أنماط السلوك الاجتماعي الانفعالي الهامة لدى الفرد في مراحل نموه المختلفة وبخاصة في مرحلة الطفولة، ويمكن القول إن سلوك التعلق قد حظي باهتمام كثير من الباحثين والمنظرين الذين حاولوا تفسيره وبيان أشكاله وآثاره في نمو الفرد وصحته النفسية.
وسنتناول في هذا الفصل التنشئة الاجتماعية والتعلق، إذ سيتم عرض مفهوم التنشئة الاجتماعية والمؤسسات التي تتولاها، وسيتم التعرف كذلك إلى معنى التعلق وأهميته في نمو الشخصية، كما سيتم بيان أنواعه والتفسيرات النظرية لهذا السلوك.
التنشئة الاجتماعية 
أولاً: مفهوم التنشئة الاجتماعية: 
تعددت تعريفات التنشئة الاجتماعية بتعدد النظريات التي حاولت تفسير هذه العملية من جهة، وبتعدد حقول المعرفة التي تناولتها من جهة أخرى. ويمكن تعريف التنشئة الاجتماعية بأنها العملية التي يكتسب من خلالها الأفراد المهارات والمعايير وأنواع السلوك التي تمكنهم من أن  يكونوا أعضاء فعالين في الجماعة والمجتمع (عقل، 1988)، ويرى الريحاني (1985) أن التنشئة الاجتماعية هي عملية تربية وتعلم وتتم من خلال التفاعل الاجتماعي، وتؤدي إلى إكساب الفرد المعايير والعادات والتقاليد والأدوار الاجتماعية الضرورية التي تمكنه من مسايرة الجماعة والاندماج معها وتساعده على تحقيق التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه. فالتنشئة الاجتماعية هي أداة الثقافة في تعليم أعضائها أن يسلكوا بطرق مقبولة اجتماعياً، وهي عملية ضرورية لأن البشر يجب أن يتعلموا كيف يشعرون ويفكرون ويتصرفون في الأوضاع المختلفة.

 التنشئة الاجتماعية عملية تربية وتعلم بها يذود الطفل المهارات والمعايير وأنواع السلوك التكيفي. 

 تتم عملية التنشئة من خلال عملية التفاعل الاجتماعي. 

ويتولى هذه العملية مؤسسات اجتماعية متعددة مثل الأسرة، والمدرسة والرفاق ووسائل الإعلام والجهات الدينية. وأن عملية التنشئة الاجتماعية عملية مستمرة في جميع مراحل حياة الفرد وذلك لمساعدته على اكتساب الأدوار الاجتماعية الملائمة في كل مرحلة من هذه المراحل، ولكنها تبدو أكثر أهمية في مرحلتي الطفولة والمراهقة بسبب سرعة النمو وقابلية الشخصية للتشكل خلال هاتين المرحلتين (Lioyd, 1985)، وتبدأ عملية التنشئة الاجتماعية منذ الولادة، وتتم من خلال عملية التفاعل الاجتماعي بهدف إكساب الطفل معايير المجتمع وتوقعاته، ومساعدته على تذويت هذه المعايير ليصبح قادراً على الاندماج في مجتمعه (Cole and Cole, 1993) ويعني التذويب استدخال معايير المجتمع وقيمه وتبنيها من قبل الفرد لتصبح جزءاً من مكونات الذات الأساسية وتصبح ضوابط للسلوك لا يجوز انتهاكها، وإن أية مخالفة لها ستؤدي إلى الشعور بالذنب، فهي تلعب دوراً هاماً في تطور سلوك الفرد ومبادئه الأخلاقية (عدس وتوق 1998). لذا فقد تعامل نيو كمب (Newcomb) مع مفهوم التنشئة الاجتماعية ومفهوم التعلم الاجتماعي على أنهما مفهومان مترادفان (زهران، 1977) ويبدو أن وظيفة التنشئة الاجتماعية تقوم على تشكيل سلوك الفرد وتحويله من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي يراعي في سلوكه قواعد المجتمع ومعاييره وأعرافه وتوقعاته، فمن خلال هذه العملية يكتسب الإنسان صفة الإنسانية (زهران، 1977). 
ويتعلم الفرد عن طريق التنشئة الاجتماعية ثقافة المجتمع ولغته وعاداته وتقاليده وأعرافه وتاريخه وآدابه وموروثاته الدينية ومهاراته وفنونه ويتعلم كيف يحترمها ويتقيد بها ويعتز بها ويعمل على تطويرها (موسى، 1988).
ويكتسب الفرد كذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية الأدوار الاجتماعية مثل الدور الجندري (المرتبط بالجنس) ودوره في الأسرة كأب أو أم أو أخ أو أخت أو زوج أو زوجة، ودوره خارج الأسرة ضمن مجموعة الأصدقاء كقائد أو تابع وكرئيس أو مرؤوس، ودوره في العمل والمهنة وغيرها من الأدوار اللازمة لتحقيق التكيف النفسي والتوافق الاجتماعي.

تفكير ناقد 
استخرج تعريفات التنشئة الاجتماعية ناقشها وحاول أن تجد لنفسك تعريفاً لها. 

 ثانياً: خصائص عملية التنشئة الاجتماعية: 
من خلال استعراض المعاني المتعددة لمفهوم التنشئة الاجتماعية يمكن استخلاص بعض خصائص هذه العملية على النحو التالي: (ميس وكونجر وكاغان، 2001؛ زهران، 1977).
1- إن عملية التنشئة الاجتماعية عملية نمو وتغير يتحول خلالها الفرد من كائن بيولوجي يعتمد على غيره في إشباع حاجاته البيولوجية والفيزيولوجية إلى فرد اجتماعي يراعي القواعد الاجتماعية لدى إشباع حاجاته ويتمتع بالاستقلالية ويتحمل المسؤولية تجاه ذاته وتجاه الآخرين. 
2- إنها عملية مستمرة في جميع مراحل الحياة ولكنها أشد ما تكون حساسية وإلحاحاً في مرحلة الطفولة ثم مرحلة المراهقة لأنها مراحل التغير السريع التي تتشكل فيها شخصية الفرد.
3- إنها عملية تعلم اجتماعي يتعلم خلالها الفرد الأدوار الاجتماعية التي سينهض بها وتساعده على تحقيق التكيف ضمن محيطه الاجتماعي، وهي تختلف باختلاف الطبقة الاجتماعية والثقافة الفرعية التي ينتمي إليها الفرد. 
4- تقوم عملية التنشئة الاجتماعية على مساعدة الفرد على استدخال قيم المجتمع ومعاييره وقواعده الأخلاقية وتوقعاته، الأمر الذي يساعده على الوصول إلى حالة من الاندماج والتوافق في المؤسسات الاجتماعية المختلفة. 
5- تعد عملية التنشئة الاجتماعية عملية تفاعل دينامي بين الفرد ومن يقوم على تنشئته من مؤسسات وأفراد مثل الأسرة والمدرسة، والرفاق ودور الإعلام ودور العبادة وغيرها، والفرد خلال هذه العملية يؤثر ويتأثر ويتعلم الأدوار والمعايير الاجتماعية ويعلمها.
6- تستخدم في عملية التنشئة الاجتماعية أساليب عدة من أجل تشكيل سلوك الفرد مثل التعليم المباشر والملاحظة والتقليد وأساليب الإقناع والثواب والعقاب والتقمص.

تفكير ناقد 
التنشئة الاجتماعية عملية تعلم اجتماعي، عملية نمو وتغير، عملية تربية، تهدف إلى تحويل الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، فسر وناقش. 

ثالثاً: العوامل المؤثرة في عملية التنشئة الاجتماعية: 

دوافع الفرد الاجتماعية ونزوعه الفطري للتعلم تساعده على الاستفادة من الأنشطة التي تتم عبر عملية التنشئة. 

هناك عوامل تساعد في إنجاح عملية التنشئة الاجتماعية، بعض هذه العوامل يتعلق بالفرد، وبعضها يتعلق بالمجتمع وهناك عوامل تعيق تحقيق أهداف تلك العملية:
أ- العوامل الخاصة بالفرد
يتوفر لدى الفرد مجموعة من السمات تساعده على الاستفادة من النشاطات والممارسات التي تتم في هذه العملية وهي: 
1- دوافع الفرد الاجتماعية مثل دافعية الانتماء والاندماج في المؤسسات التي يتواجد فيها. 
2- النزوع الفطري للتعلم الاجتماعي من خلال ملاحظة سلوك الراشدين وتقليده.
3- إمكانات الفرد الفطرية المتعلقة بالقدرة على اكتساب السلوك من خلال التفاعل مع الآخرين وإمكانية صقل هذا السلوك من خلال الممارسات والتدريب.
4- امتلاك الفرد لأنماط من السلوك الاجتماعي مثل التعاطف والتعاون والتضحية تمكنه من تكوين علاقات ودية وعاطفية متينة مع الآخرين. 
ب- العوامل المساندة الخاصة بالمجتمع: 
يتوفر في المجتمع عدة عناصر ومؤسسات من شأنها أن تسهل عملية التنشئة الاجتماعية وتوفر لها عناصر النجاح ومن هذه العوامل ما يلي: 
1- يعمل المجتمع على تحقيق الاتساق الاجتماعي بين أفراده من خلال إكسابهم عادات واتجاهات وقيم ومثل تنسجم مع تلك السائدة في ذلك المجتمع وذلك من خلال ما تمارسه المجموعة من ضغوط على أفرادها لتحقيق ذلك الهدف.

العوامل الاجتماعية من مثل: الانسياق الاجتماعي، ومعايير السلوك، والأدوار، والمؤسسات، الثقافة والقيم، يحرص المجتمع على تحقيقها لدى أفراده عبر عملية التنشئة. 

2- تتوصل كل مجموعة إلى معايير للسلوك الاجتماعي المناسب، وتطالب الأفراد باحترام هذه المعايير في نشاطاتهم وسلوكهم اليومي، فكل فرد مطالب بالتخلي عن بعض جوانب فرديته لصالح الالتزام بمعايير الجماعة. 
3- يحدد كل مجتمع لأفراد أدواراً اجتماعية في الأسرة والعمل والحياة العامة، ويطالب أفراده بالالتزام بخصائص هذه الأدوار وما تمليه على أصحابها.
4- وجود مؤسسات تتولى عملية التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة والمدرسة والرفاق ودور الإعلام وغيرها، وتعد التنشئة الاجتماعية هدفاً رئيساً تعمل هذه المؤسسة على تحقيقه.
5- يتضمن كل مجتمع قطاعات ثقافية وإعلامية واقتصادية ومهنية كما يتضمن طبقات اجتماعية واقتصادية وجماعات ثقافية فرعية يحاول كل منها العمل على إكساب أعضائه الثقافة والقيم والأعراف والمعايير الخاصة بذلك القطاع من جهة وثقافة المجتمع وقيمه وأعرافه ومعاييره من جهة أخرى.
العوامل المعيقة لعملية التنشئة الاجتماعية: 
ورغم وجود هذه العوامل التي تساعد في تسهيل عملية التنشئة الاجتماعية لدى الفرد والمجتمع إلا أن هنالك عوامل أخرى تعمل على عرقلة هذه العملية وإعاقتها، إذ قد يعيق الفقر والجهل الأسرة والمؤسسات الاجتماعية ويمنعها من النهوض بمسؤولياتها.

الفقر والجهل، والغزو الثقافي والإعلامي عوامل معيقة لعملية التنشئة الاجتماعية. 

كما قد تتأثر عملية التنشئة الاجتماعية بعمليات الغزو الثقافي والإعلامي الأمر الذي يربك المجتمع ويجعل من الصعب على الفرد التمييز بين القيم والمعايير الخاصة بمجتمعه وتلك القيم والمعايير الوافدة وبخاصة الغربية منها. ولكن المجتمع يملك من آليات الدفاع الاجتماعي الذاتي ما يساعده على إصلاح الخلل وتعديل المسار. وتستمر المؤسسات الاجتماعية والأفراد في بذل الجهود المتواصلة للتقليل من الآثار السلبية على أبنائها. 

تفكير ناقد 
قيم دور كل من العوامل الفردية والعوامل المجتمعية في عملية التنشئة الاجتماعية. 

رابعاً: مؤسسات التنشئة الاجتماعية: 
تتولى عملية التنشئة الاجتماعية عدة مؤسسات مثل الأسرة والمدرسة ومجموعة الأقران (صوالحة وحوامدة، 1994؛ موسى، 1998؛ زهران، 1977) وسنتناول فيما يلي هذه المؤسسات ودورها في عملية التنشئة الاجتماعية. 
أ- الأسرة: 
تلعب الأسرة دوراً أساسياً في عملية التنشئة الاجتماعية، فهي الوكيل الاجتماعي الأول الذي يستقبل الطفل بعد الولادة في أيام عجزه الشديد، واعتماده الكبير على الراشدين للقيام برعايته والعناية به وإشباع حاجاته البيولوجية والنفسية، وهي تنفرد في تقديم الرعاية للطفل والتفاعل معه دون أن يشاركها بذلك أي مؤسسة أخرى، أن اعتمادية الطفل تحصر إمكانية تفاعله بالتفاعل الثنائي مع أمه ثم تتسع الدائرة لتشمل باقي أفراد الأسرة.
ويؤكد الباحثون أن الخبرات التي يتعرض لها الطفل في نطاق الأسرة تترك آثاراً هامة في تكوين شخصيته المستقبلية وتشكيل سماته النفسية وتطوير كفايته الاجتماعية والانفعالية وبالتالي تحدد مدى امتلاكه لإمكانات تحقيق التوافق النفسي والأسري والاجتماعي. 
وتعمل الأسرة على تزويد الطفل بالاتجاهات والقيم والمعايير الأخلاقية والأدوار الاجتماعية الملائمة التي تسود بين أفراد المجتمع، كما تدربه على ممارسة السلوك الديني والاجتماعي المناسب وتساعده على تشرب ثقافة المجتمع وتحقيق مطالبه (صوالحه، وحوامدة، 1994) لذا فإن الأسرة تنهض بوظيفة اجتماعية ونمائية في حياة الفرد. 
الأسرة كنظام 
كانت النظرة السابقة في تنشئة الطفل تركز على دور الوالدين بشكل أساسي، فسلوك الوالدين المباشر وغير المباشر هو الذي يحدد نمو الطفل وتطوره، وقد شكلت هذه النظرة جزءاً أساسياً من نظريات علم النفس في الحقبة المبكرة، ومن الأمثلة على ذلك نظرية واطسون في العشرنات من القرن الماضي، ويبدو أن التوجهات الحديثة تنظر إلى الأسرة على أنها نظام من العناصر المتفاعلة التي تؤثر في بعضها بعضاً.
فالأهل يؤثرون في أبنائهم من خلال التشجيع على الدراسة مثلاً، أو من خلال حثهم على أن يعاملوا الآخرين بلطف واحترام، كما أن الأبناء يؤثرون في الوالدين من خلال سلوكاتهم واتجاهاتهم واهتماماتهم، الأمر الذي سيؤثر في طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم. فعندما يقاوم الأطفال تأديب آبائهم لهم يميل الأهل للعنف ويصبحون أقل لجوءاً إلى المنطق.
إضافة إلى ذلك فإن معاملة الزوج لزوجته تؤثر في طريقة تربيتها لأبنائها وذلك من خلال كثرة المطالبة التي لا تترك للزوجة وقتاً لرعاية أبنائها، أو من خلال سوء المعاملة التي تنعكس على شكل ضغوط نفسية ومتاعب تمنعها من القيام بمسؤولياتها، فالأسرة التي تعاني من الصراعات والمشاكل ليس لديها وقتاً تقضيه للعناية بأبنائها، ويشكل الجد أو الجدة وأقارب الأب والأم عوامل مؤثرة في تربية الأطفال خاصة عندما تكون الأسرة ممتدة، كما قد يؤثر الجيران في تربية الأبناء، خاصة عندما يستعين بهم الأهل في رعاية الأطفال أثناء غيابهم في أوقات محددة من النهار أو الليل، وأن للمؤسسات الدينية والمهنية دوراً فعالاً ومؤثراً في تربية الأبناء.
أبعاد الرعاية الوالدية: 
يمكن أن توصف الرعاية الوالدية كأبعاد عامة شبيهة بسمات الشخصية إذ أنها تمثل مظاهر مستقرة للسلوك الوالدي تبقى ثابتة عبر المواقف المختلفة وتشير الأبحاث إلى بعدين في الرعاية الوالدية هما: 
أ- درجة الدفء والتقبل الذي يبديه الوالدان تجاه الطفل ب- كمية الضبط الذي يمارسه الوالدان لسلوك أبنائهم. 
فإذا نظرنا للبعد الأول وهو الدفء والتقبل فيمكننا تصور متصل ثنائي القطب له طرفان، يقع في أحد الطرفين الوالدان اللذان يتصفان بالدفء والتقبل لأبنائهم، إنهم يهتمون بهم ويستجيبون لحاجاتهم البيولوجية والفيزيولوجية بسرعة ويستمتعون بالاستماع إليهم وهم يتحدثون عن مجريات الأحداث التي تواجههم، بينما نجد على الطرف الآخر الآباء غير المهتمين أو المعادين والذين يعتبرون الاستماع لأبنائهم مضيعة للوقت. يستطيع الأب الدافئ أن يحس بمشاعر ابنه أو ابنته عندما يكون منزعجاً فيحاول مساندته والتخفيف عنه، بينما غير المهتم أو المعادي لا ينتبه إلى حالة أبنائه الانفعالية ولا يقضي معهم وقتاً كافياً للتخفيف من انزعاجهم والتعرف على مشاكلهم ومساعدتهم في حلها. 

أن الأهل الذين يتصفون بالدفء والحساسية والتقبل هم أكثر فائدة لأبنائهم لأنهم سيشعرون بالأمن والسعادة بقربهم، ويلتزمون بحسن التصرف في وجودهم. وفي المقابل عندما يكون الأهل معادين أو غير معنيين سيكون أبناؤهم أكثر قلقاً وأقل انضباطاً واحتراماً للذات. 
أما البعد الرئيس الثاني من أبعاد التنشئة الوالدية فيتعلق بدرجة التحكم الذي يمارسه الأهل على سلوك أبنائهم. ففي أحد طرفي المتصل يقع الوالدان اللذان يتصفان بالتحكم والسيطرة، هؤلاء الآباء شديدو التمركز حول الذات يريدون مصادرة حق أبنائهم في تصريف شؤون حياتهم، ويمثل هذا النمط من الأبوين الآباء الذين يريدون أن يعرفون في كل وقت أين أبناؤهم وماذا يفعلون. أما الطرف الثاني من المتصل فيقع عليه الوالدان اللذان يمارسان أقل قدر من التحكم والمطالبة في حياة أبنائهم، يعطون لأبنائهم الحرية الكاملة فيما يفعلون، ولا يتدخلون في شؤونهم وربما لا يهتمون بما يفعلون سواء أصابوا أم أخطأوا. 
إن هذين النمطين المتطرفين غير مرغوبين، فالسيطرة المتطرفة تحرم الأبناء من تكوين معايير سلوكية خاصة بهم والتي هي الهدف الأساس لعملية التنشئة الاجتماعية فينشأون غير قادرين على اتخاذ القرار في أبسط أمور حياتهم، والسيطرة الضعيفة تفشل في تعليم الأبناء معايير الثقافة التي يعيشون فيها، ويتولد لديهم الاعتقاد بأنهم غير مسؤولين عن سلوكاتهم، وهو أمر خاطئ بالتأكيد. 
يحتاج الوالدان إلى تحقيق قدر من التوازن بالمحافظة على مستوى ملائم من التحكم والإبقاء على حرية أبنائهم في اتخاذ قراراتهم، ويمكن أن يتم ذلك من خلال وضع معايير للسلوكات التي تلائم المراحل العمرية لأبنائهم، ومن خلال التوضيح لهم  كيف يحققونها ومن ثم مكافآتهم على الالتزام بها، ولدى تحديد المعايير يجب الحرص على تنفيذها بشكل دائم، وقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال والمراهقين سيكونون أكثر التزاماً عندما يتم تطبيق القواعد بشكل مستمر، فإذا طالبت الأم ابنتها مثلاً القيام بعمل ما في بعض المناسبات ولم تطالبها بذلك في أحيان أخرى فإنها ستنظر إليه مستقبلاً على أنه أمر اختياري لا على أنه قاعدة ملزمة وبالتالي يمكن أن لا تلتزم بها مستقبلاً.
ومما يساعد الأهل على ضبط سلوك أبنائهم التواصل الفعال معهم فعندما تضع الأم قواعد للسلوك وتطلب من أبنائها الالتزام بها يكون من الأفضل أن توضحها وتبررها. فإذا طالبت ابنها بأن لا يلعب بالتراب فعليها أن توضح له أن اللعب بالتراب يجعل الملابس تتسخ، وقد يتسبب بوصول الجراثيم للجسم عن طريق اليدين أو الفم ويصبح الطفل عرضة للأمراض، كما أن الاتصال والتواصل المناسب هو الذي يتيح للأبناء المناقشة وطرح الأسئلة وإبداء وجهة نظرهم إذا لم يتفقوا مع والديهم، فإذا شعر الابن أن والدته قد فهمته خطأ، وأنه كان يزرع البذور في الأرض فلابد أن يشعر بالحرية في طرح هذا الموضوع. 

 التواصل الفعال بين الأهل والأبناء يساعد على ضبط سلوك الأبناء. 

وعليه يمكن القول بأن الضبط المتوازن يقوم على وضع معايير عمرية ملائمة، والحزم والاتساق في تطبيق هذه المعايير، والتواصل لتفسيرها. وذلك يحول دون وجود مشكلات التحكم المفرط لأن المعايير تراعي مستوى النضج وهي قابلة للنقاش والإيضاح. وإذا تم وضع المعايير وطلب من الأبناء الالتزام بها فإننا سنتجنب الوضع التسيبي الذي يتيح للأبناء أن يفعلوا ما يشاءون دون رقابة أو محاسبة.
أنماط التنشئة الوالدية الأساسية وتأثيرها في الأبناء: 
وصفت ديانا بومريند (Baumrind) الأنماط الأساسية للأساليب الوالدية في التنشئة والناتجة عن تفاعل بعدي التقبل والتحكم وأشارت أنها تنقسم إلى أربعة أنماط كما يلي: (Hockenbugy and Hochenbury, 2000). 
1- النمط التسلطي (Authoritarian Parenting Style) ويتصف بالضبط المرتفع والتقبل المنخفض ويضع الوالدان في هذا النمط القوانين ويتوقعان اتباعها دون نقاش، ويؤكدان على العمل الجاد والاحترام والطاعة من قبل الأبناء، ولأن الأهل المتسلطين لا يهتمون بحاجات الأبناء ورغباتهم، فإنهم لا يفتحون باب النقاش وإبداء الآراء أمامهم، إنهم لا يهتمون بحاجات أبنائهم ورغباتهم، ويعتقدون بأنهم يجب أن يشكلوا سلوك أبنائهم، ويتحكموا بهم ليتماشوا مع المعايير التي يضعونها، ويلزمون أبنائهم بما يريدون باستخدام العقاب الجسدي غالباً. 

2- النمط الديمقراطي (authoriatative parenting style) إن الآباء الديمقراطيين دافئون وسريعو الاستجابة، ويستشعرون حاجات أبنائهم، ويهتمون بها. وهم عادة يضعون معايير سلوكية واضحة ملائمة للمستوى العمري لأبنائهم، ويتوقعون منهم الاستجابة لمطالبهم، وكذلك يتوقعون في نفس الوقت أن يكون لأبنائهم مطالب منهم وهم مستعدون للاستجابة لها إذا كانت معقولة، وهم يمارسون درجة معتدلة من التحكم ودرجة عالية من التقبل، إنهم يوضحون القواعد ويشجعون النقاش، ويحترمون الأبناء ولكنهم حازمون في تطبيق القوانين الأسرية (Kail, 2001). 
3- النمط المتساهل (Permissive Parenting Style) ويتصف هؤلاء بالتقبل والدفء المرتفع، ويمارسون درجة قليلة من التحكم. إنهم يتقبلون سلوك أبنائهم، ونادراً ما يعاقبونهم أو يمنعونهم من تحقيق ما يريدون، ويرتبط النمط المتساهل للوالدين بنقص الكفاءة الاجتماعية وخاصة المتعلقة بضبط الذات (Halonen & Santrock, 1996) ويعتقد بعض الآباء أن الأسلوب المتساهل في الضبط يتيح الحرية للطفل في أن يكون مبدعاً واثقاً من نفسه.
4- النمط المهمل (Neglectful Parenting Style) وهؤلاء لا يقدمون الرعاية والتقبل، وكذلك لا يحاولون التحكم بسلوك أبنائهم، إنهم يوفرون لأبنائهم الحد الأدنى من الحاجات الجسدية والعاطفية، ويحاولون التقليل من الوقت الذي يقضونه مع أبنائهم، ويتجنبون أن تكون لهم مع أبنائهم علاقات عاطفية، فيترك الطفل دون توجيه إلى ما يجب أن يقوم به وما ينبغي عليه أن يتجنبه، وقد يؤدي إهمال الطفل في وقت الرضاعة وعدم الاستجابة لمطالبه ونقص التفاعل الاجتماعي معه إلى نمو اتجاه سلبي لديه، وإذا وصل الأمر إلى درجة الإهمال الشديد فقد يؤدي إلى الاضطراب الاجتماعي والانفعالي عند الطفل. 
ويمكن النظر إلى الأنماط الوالدية على أنها مستقرة عبر الزمن فالأهل الذين يوصفون بأنهم ديمقراطيين مع أبنائهم في المرحلة الابتدائية يبقون كذلك عندما يصبح أبناؤهم مراهقين، وأن التنشئة الوالدية تؤثر في نمو الأطفال من نواح عدة منها: 

1- يعاني أطفال الآباء المتسلطين من انخفاض التحصيل وانخفاض احترام الذات، وتدني مستوى المهارات الاجتماعية. 
2- بينما يتمتع أطفال الآباء الديمقراطيين بارتفاع مستوى التحصيل ويتصفون بأنهم يتحملون المسؤولية ويعتمدون على الذات وأنهم ودودون. 
3- يتصف أطفال الآباء المتساهلين بأنهم يعانون من التحصيل المنخفض وأنهم متسرعون ويحبطون بسهولة. 
4- يعاني أطفال الآباء المهملين من انخفاض احترام الذات وأنهم متسرعون وعدوانيون ومزاجيون. 
وقد أجرت لامبورت وزملاؤها عام (1991) دراسة لمعرفة أثر أنماط التنشئة الأسرية في تحصيل طلبة المرحلة الثانوية ونموهم النفسي، وقد أشارت النتائج إلى أن المراهقين من الأسر الديمقراطيين حصلوا على أعلى العلامات في جميع الاختبارات، فهم أكثر المفحوصين اعتماداً على النفس، ويتمتعون بأعلى الدرجات التحصيلية، أما المراهقون من الأسر المهملة فكانوا على النقيض من ذلك إذ حصلوا على أقل الدرجات، فهم أقل المفحوصين اعتماداً على أنفسهم وأقلهم تحصيلاً وهم الأكثر ممارسة لسوء السلوك المدرسي، 
أما أبناء الأسر المتسلطة والمتساهلة فقد جاءوا بين المجموعتين السالفتين. لقد كان أبناء الأسر المتسلطة أقل المراهقين اعتماداً على أنفسهم ولكنهم جاءوا في التحصيل والانضباط المدرسي بعد أبناء الأسر الديمقراطية، وجاء أبناء الأسر المتساهلة بعد أبناء الأسر الديمقراطية فيما يتعلق بالاعتماد على الذات ولكن تحصيلهم وانضباطهم السلوكي كان منخفضاً.

نشاط رقم (1) 
قابل عشرة أفراد من الفئة العمرية 18 إلى 22 سنة، واطرح عليهم أسئلة تدور حول نمط التنشئة الوالدية التي تعرضوا لها، استفسر عن سجلاتهم الأكاديمية (معدلاتهم في الثانوية العامة ومعدلاتهم التراكمية)، حاول أن تصنف أنماط تنشئتهم الأسرية إلى تسلطي، ديمقراطي، تساهلي، مهمل ورتبها وفق التحصيل الأكاديمي الأعلى. 

 

تفكير ناقد
أكتب مقالة تتراوح بين 100 إلى 150 كلمة حول العنف في المدارس وأسبابه. حاول أن تجد رابطاً في هذه المقالة بين شيوع السلوك العدواني وأنماط التنشئة الأسرية. 

أساليب الوالدين في التنشئة الاجتماعية: 
كيف يسلك الوالدان في المواقف المحددة تجاه أطفالهم أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، أي كيف يدربون أبناءهم وبناتهم على استدخال قيم المجتمع ومعايير السلوك الاجتماعي وكيف يتأثر تطور الأبناء ونموهم بهذا السلوك، أشار الدارسون إلى عدة أنواع من الممارسات الوالدية على صعيد التنشئة الاجتماعية: وهي إعطاء التعليمات المباشرة، والنمذجة والتغذية الراجعة (Kail, 2001) والتقمص (ميسن، وكونجر، وكاغان، 2001). 
1- التعليمات المباشرة: 
يوجه الأهل أبناءهم مباشرة إلى ما يجب عليهم القيام به، ولا يكون إصدار التعليمات المباشر للأبناء فعالاً إلا إذا كان مصحوباً بتقديم تفسيرات لهذه التعليمات ومبررات تنفيذها إذ تكون طريقة توجيه التعليمات أو الأوامر فعالة فقط عندما يتم إخبار الطفل بما يجب عليه عمله ولماذا عليه أن يفعل ذلك (Kail, 2001). 

الممارسة الوالدية إبان عملية التنشئة إعطاء التعليمات

ويحتاج الأبناء بالإضافة إلى توجيه التعليمات المباشرة إلى تعليمهم وتدريبهم على المهارات الاجتماعية والانفعالية المطلوبة منهم. كما يمكن أن يكون توضيح الروابط بين السلوك والانفعال مفيداً، ويمكن أن يستفيد الأبناء من تعليمهم طريقة التعامل المناسبة في المواقف الاجتماعية المختلفة. فمثلاً يمكن أن تقول الأم للطفل "عندما تريد أن تنصح أخاك بتغيير سلوكه قدم له النصح على انفراد حتى لا تؤذي مشاعره". 
إن الأبناء الذين تقدم لهم التعليمات مفسرة ويدربون على طريقة أداء المهارات الاجتماعية وعلى كيفية التعرف على انفعالاتهم وانفعالات الآخرين وعلى كيفية إدارتها والتحكم فيها وتوجيهها يميلون إلى أن يصبحوا أكثر مهارة اجتماعية من غيرهم ويطورون علاقات اجتماعية تساهم في تحقيق التوافق مع أقرانهم.
2- التعلم من خلال الملاحظة والتقليد Social Learning
يتعلم الأبناء والبنات كثيراً من السلوكات خلال مراقبتهم لوالديهم أثناء القيام بها، وتعد السلوكات الاجتماعية من ضمن السلوكات التي يتعلمها الأبناء والبنات من خلال ملاحظة الوالدين كيف يسلكون في المواقف الاجتماعية المختلفة، فيتعلمون منهم كيفية مخاطبة الآخرين واحترامهم والتودد إليهم والتعاون معهم والإحسان إليهم والتضحية من أجلهم، إذ يعتبر الأطفال الوالد والوالدة قدوة ونموذجاً يحتذي به يلاحظون سلوكه ويقلدونه، ويؤدي التعلم بالملاحظة والتقليد ليس فقط إلى تقليد السلوك، بل أيضاً إلى تقليد عدم القيام به وكفه عندما تتم معاقبته (Kail, 2001) فيمكن أن يتعلم الأطفال السلوك العدواني من خلال الملاحظة والتقليد، كما يمكن أن يتعلموا كف هذا السلوك أيضاً، إذ يتعلم الأفراد خلال عملية التنشئة الاجتماعية كف كثير من السلوكات غير اللائقة اجتماعياً.
وتشير الدراسات إلى أن الأبناء يمكن أن يتعلموا كيفية القيام بأدوارهم الاجتماعية من خلال عملية الملاحظة والتقليد. فيتعلمون آداب الزيارة وآداب الحديث وآداب مخاطبة الوالدين وصلة الرحم من خلال ذلك، كما يتعلمون كيف يقومون بالسلوك الملائم لأدوارهم المرتبطة بالجنس وأدوار العمل والمهن المختلفة (ميسون، كونجر، كاجان، 2001).
ويشكل الوالدان والأخوة والأخوات والراشدون في الأسرة الأكبر سناً نموذجاً أمام ناظري الطفل يراقبه ويتعلم منه ويقلده في سلوكه المعرفي والمهاري والانفعالي والاجتماعي (الريماوي، 1998). 
3- التغذية الراجعة Feedback
يتعلم الأطفال كثيراً من السلوكات بتأثير من التغذية الراجعة التي يقدمها الأب والأم لهم، فمن خلال التغذية الراجعة يستطيع الطفل أن يتعلم التمييز بين السلوك المقبول أخلاقياً واجتماعياً والسلوك غير المقبول، وتقسم التغذية الراجعة إلى قسمين رئيسين: هما التعزيز والعقاب، وتستمد المبادئ التي يقوم عليها هذين الأسلوبين من نظريات التعلم السلوكية بشكل خاص أمثال نظريات ثورندايك: المحاولة والخطا، وبافلوف: الإشراط الكلاسيكي، وسكنر: الإشراط الإجرائي.
والتعزيز هو كل حدث أو فعل يتبع السلوك فيؤدي إلى تقوية وزيادة احتمالات تكراره، فعندما يكافئ الوالدان ابنهما على تعاونه مع زميله ومساعدته له بنظرة استحسان أو كلمة تشجيع أو قطعة من الحلوى أو مبلغاً من النقود فإن الابن مستقبلاً سيميل إلى تكرار هذا السلوك في المواقف المشابهة، وقد تتكرر هذه الممارسة إلى أن تصبح عادة لديه. 
أما ثوراندايك فقد تحدث عن الآثار الهامة للتدريب والتغذية الراجعة في تعلم السلوك وصقله وإتقانه، كما أشاد باستغلال لحظة التعلم المناسبة عندما يكون الطفل مستعداً للتعلم معرفياً وجسمياً وانفعالياً. وقدم سكنر مبدأ تشكيل السلوك واستخدام التعزيز المستمر في ذلك. إذ يتم تحديد السلوك المستهدف وتقسيمه إلى أجزاء متسلسلة وتوجيه المتعلم إلى أداء السلوك جزءاً جزءاً، ويتم تقديم التعزيز على نحو مستمر كلما أدى جزءاً منها، وهكذا إلى أن يستطيع أداء السلوك كاملاً. 

تشكيل السلوك تقسم المهمة السلوكية إلى أجزاء يعزز المتدرب على كل

وبالإضافة إلى التعزيز الإيجابي وهو تقديم مثير مرغوب إثر سلوك ملائم يؤدي إلى زيادة هذا السلوك وتدعيمه، يمكن أن يكون التعزيز سلبياً وذلك عن طريق استبعاد مثير غير مرغوب بعد السلوك الصحيح الذي يقوم به المتعلم، ومثال ذلك التخفيف من بعض واجبات الطفل بعد إنجازه عملاً مرغوباً. 
أما العقاب فهو أي مثير أو حدث يأتي بعد سلوك ما ويؤدي إلى تناقص احتمالات تكرار هذا السلوك مستقبلاً، ومن الأمثلة على ذلك أن يوبخ الوالد ابنه بسبب اعتدائه على أحد زملائه مما يؤدي مستقبلاً إلى التقليل من سلوكه العدواني، ويقسم العقاب إلى قسمين رئيسيين: هما عقاب التقديم وعقاب الإزالة، فعقاب التقديم يعني أن يتم تقديم مثير غير مرغوب فيه للمتعلم بعد قيامه بسلوك غير ملائم مثل التوبيخ والشتم وغير ذلك مما يجعله مستقبلاً يقلل من ممارسة هذا السلوك وربما يقلع عنه، أما عقاب الإزالة فيعني استبعاد مثير مرغوب فيه أو حرمان المتعلم من مثير يرغب في الحصول عليه نتيجة قيامه بسلوك خاطئ، ومثال ذلك أن يحرم الوالدان ابنهما من مشاهدة التلفزيون بسبب تقصيره في أداء واجباته الأمر الذي يجعله مستقبلاً يحافظ على أداء هذه الواجبات. 
وقد أشارت الأبحاث إلى وجوب مراعاة بعض الأمور لدى تطبيق العقاب حتى يكون هذا الإجراء فعالاً وهي كما يلي: 
1- يجب أن يطبق العقاب بعد السلوك الخاطئ مباشرة. 
2- يجب أن يتم تطبيق العقاب على نحو متسق، أي أن يتم تطبيق العقاب في كل مرة يحدث فيها السلوك الخاطئ.
3- يجب أن يرافق العقاب تفسيراً يوضح وجهة الخطأ وكيف يمكن تجنب العقاب. 
4- أن تكون العلاقة بين من يطبق العقاب والطفل ودية ودافئة، ولا يجوز إشعار الطفل بأن العقاب نوع من الانتقام أو التنفيس عن مشاعر مصدر العقاب وانفعالاته. 
ورغم فعالية هذا الإجراء في التقليل من السلوك الخاطئ إلا أنه غير مستحب تربوياً، وذلك بسبب بعض مساوئ العقاب التي أشارت إليها الأبحاث، ومنها أن العقاب يضعف السلوك أو يخفيه مؤقتاً، وأنه سيعاود الظهور بعد فترة أو لدى غياب مصدر العقاب، فعندما يتم عقاب طفل لأنه تشاجر مع زملائه، فإن سلوك الشجار سيتوقف مؤقتاً ثم سيظهر في مناسبات أخرى حيث لا يكون المعاقب موجوداً، ومن مساوئ العقاب أيضاً ما يسببه من آثار جانبية غير مرغوبة، إذ يسبب الإحباط وكراهية المعاقب وربما الهرب من المنزل أحياناً، وفي أحيان أخرى قد يتعلم الأطفال الكذب والخوف وضعف الشخصية نتيجة تعرضهم للعقاب، إضافة إلى ذلك فإن إيقاع العقاب على الطفل يجعله يمارس هذا السلوك بدوره على الآخرين ونظراً لمساوئ العقاب الآنفة الذكر يحبذ المربون عدم استخدامه.
ويمكن أن يكون أسلوب العزل وهو شكل من أشكال العقاب فعالاً في تعديل السلوك دون أن تكون له الآثار السلبية لأشكال العقاب الأخرى، وهو يعني أن يوضع الطفل الذي يسيئ السلوك وحده في مكان خال من المثيرات لفترة من الوقت، وقد يكون هذا المكان غرفة الطفل أو غرفة أخرى في المنزل شريطة أن تكون خالية من وسائل التسلية، ويعد هذا الأسلوب عقاباً لأن الطفل يتوقف عن ممارسة النشاط الذي كان يزاوله ويعزل الطفل عن باقي أفراد العائلة وعن ألعابه ووسائل تسليته وجميع المعززات الأخرى، ويكون العزل لفترة قصيرة هي بضع دقائق، وبعد انتهاء فترة العزل يمكن أن يتحدث الوالدان لابنهما أو ابنتهما حول السلوك الخاطئ الذي ارتكبه والسلوك الصحيح الذي يجب أن يقوم به ليتجنب العقاب.

تفكير ناقد 
قارن عقاب التقديم وعقاب الإزالة 

4- التقمص Identification
يمكن تعريف التقمص على أنه توحد الطفل مع النمط الكلي لسمات نموذج ما ودوافعه واتجاهاته وقيمه وأفكاره ومشاعره وتكرار أداء السلوكات التي يمارسها النموذج إلى حد الاستاق والإتقان.
ويتضمن التقمص وجود مشاعر ودية وعواطف قوية لدى الطفل تجاه النموذج، وهذا ما يميزه عن مجرد التقليد، إذ يمكن أن يقلد الطفل سلوك نموذج ما دون أن يكون لديه ميل عاطفي نحوه، إضافة إلى أن السلوك المتعلم عن طريق الملاحظة قابل للتغيير في حين يبدو السلوك المكتسب عن طريق التقمص وكأنه ذاتي أي سلوك خاص بالطفل وهو ثابت نسبياً، ويتضمن التقمص عمليتين على النحو التالي: 
1- أن يعتقد الطفل أنه يشبه في صفاته شخصاً آخر. 
2- أن يندمج الطفل مع هذا الشخص في عواطفه وانفعالاته وسلوكه وإنما يقوم بذلك عوضاً عن ذلك الشخص كبديل له. 
لذا يغلب أن يتقمص الطفل أحد والديه، فعندما يتقمص الطفل الذكر والده يشعر بالأمن والطمأنينة لما للوالد من قدرة ومكانة وسيطرة على مجريات الأمور، ويشعر كذلك بالفخر إذ يتولد لديه الإحساس بأنه يشارك والده في إنجازاته وقدراته وبراعته وفضائله، ولكن عندما يتعرض الوالد للإهانة أو عندما يرتكب بعض الأعمال المشينة فيدخل السجن مثلاً، فسيعاني الطفل من مشاعر الخزي والعار الذي لحق بوالده وأنه يتصف بكل عيوبه ويتحمل كل النقد الموجه إليه. 
ويمكن التساؤل هنا عن دور الجنس في عملية التقمص، أي هل يتقمص الذكور آباءهم والإناث أمهاتهم؟ 
وبما أن التقمص يقوم ابتداءاً على إدراك التشابه والخصائص المشتركة بين الطفل والراشد، فمن الطبيعي أن الطفل فيه قدر من الشبه بكل من والديه الأب والأم، وقد يتوحد إلى حد ما مع كل منهما، ولكن الشبه يكون أكبر بين الابن والأب، وبين الإبنة والأم فيزداد تركيز الطفل على من يشبهه من حيث الجنس، ومن خلال تقديم الطفل في عملية التقمص يكتسب كثيراً من الصفات التي تجعله أكثر شبهاً بموضوع التقمص فيزداد ميل الطفل إلى تبني خصائصه ومعاييره وقيمه واتجاهاته واعتقاداته وطريقة تفكيره.

تفكير ناقد
قيم آثار التقمص 

 وفي الخلاصة لابد أن نلاحظ أن الأساليب الوالدية المستخدمة في التنشئة الاجتماعية سواء التعليمات المباشرة أو التغذية الراجعة أو الملاحظة أو التقليد أو التقمص تعمل بشكل تفاعلي تكاملي في التأثير على شخصية الأبناء وفي عملية تحويلهم من كائنات بيولوجية إلى كائنات اجتماعية. 
ب- المدرسة: 
تقوم المدرسة بدور أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية. وتعد الوكيل الاجتماعي الثاني بعد الأسرة التي تناط به هذه المهمة، وتقوم بها على نحو مقصود ومنظم (عقل 1988) فهي تقوم بوظيفة التربية التي تعني مساعدة الفرد على النمو المتكامل جسمياً ومعرفياً واجتماعياً وانفعالياً كي يصبح أكثر قدرة على التكيف ومواجهة الحياة (زهران، 1977). وهي إذ تنهض بهذه المسؤولية، إنما تبني على ما أسسته الأسرة في غرسها للقيم وتطويرها للاتجاهات وتزويدها للفرد بالمعايير الاجتماعية، ومن الواضح أنها تعمل على توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية للفرد، فبعد أن كان تفاعله الاجتماعي محصوراً ضمن نطاق الأسرة والجيران، تتيح له المدرسة التعامل مع أعضاء آخرين في المجتمع وهم المعلمون والطلبة، وتهيئ له التعرض لمواقف اجتماعية منظمة، كما تساعده على التعرف على قواعد وتعليمات وأنظمة وواجبات جديدة وتطالبه بالالتزام بها، كما تمكنه من التعرف على حقوقه وتعلمه كيفية التمسك والمطالبة بها. 

 المدرسة وكالة التنشئة الاجتماعية.

وتقوم المدرسة بتزويد الأطفال بالمهارات الأكاديمية مثل القراءة والكتابة والحساب، وهي مهارات ضرورية لعملية مواجهة الحياة، كما تطور لديهم مهارات التفكير وحل المشكلات، وتساعدهم على اكتساب السلوك الاجتماعي وتعلمهم الانضباط السلوكي في الصف والمدرسة وتعلمهم على ضبط انفعالاتهم والتحكم بمشاعرهم وتقبل مشاعر الآخرين وحسن التعامل معهم، كما تضعهم في مواقف القيادة والمسؤولية أحياناً وتطالبهم أحياناً أخرى بأن يكونوا تابعين جيدين يلتزمون بما عليهم من واجبات.
ويشير زهران (1977) إلى أن مسؤوليات المدرسة في عملية التنشئة الاجتماعية هي تقديم الرعاية النفسية للطفل ومساعدته في حل مشكلاته الشخصية والأكاديمية والنفسية وتقديم خدمات الإرشاد والتوجيه النفسي والمدرسي، وتدريب الطفل على تبني أهداف تتفق مع المعايير الاجتماعية والسعي لتحقيقها، وأكد عقل (1988) أن المدرسة تكسب الطفل اللغة وأساليب إشباع الحاجات وفق المعايير الاجتماعية المقبولة، كما تكسبه قيماً واتجاهات جديدة في سياق مواقف اجتماعية متنوعة تتطلب استجابة الآخرين له واستجابته لهم، الأمر الذي يمكنه من لعب كثير من الأدوار الاجتماعية واكتساب كثير من المعايير التي تحكم السلوك، وتساعد المدرسة الطفل على تذويت المعاني والمثل والاتجاهات والقيم والمعايير التي تشكل ثوابت الفرد ورؤيته الإدراكية وبالتالي أطره المرجعية. 

تفكير ناقد 
قيم دور المدرسة في عملية التنشئة الاجتماعية 

ج– جماعة الأقران Pears
تلعب مجموعة الأقران أو الرفاق دوراً أساسياً في عملية التنشئة الاجتماعية، وتتكون مجموعة الرفاق من أطفال يشتركون مع الطفل أو المراهق في كثير من الخصائص مثل المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمستوى التعليمي والعمر والجنس، وتوفر جماعة الرفاق للطفل فرصة التفاعل الاجتماعي مع أفراد مساويين له بعكس الأسرة والمدرسة التي يتلقى فيها الطفل التعليمات من الكبار، لذا نجد أن الطفل يتفاعل مع هذه المجموعة ويطور طرقاً ملائمة للتعامل معها ويدرك مكانته وشعبيته من خلالها، كما يتعرف على ما لديه من مهارات وإمكانات ومواهب أثناء أدائه لأدوار متنوعة ضمن هذه المجموعة، وهو بالتالي يطور مفهومه عن ذاته بمساعدة هذه المجموعة، وتؤثر مجموعة الرفاق في تشكيل سلوك الفرد من خلال اتباع أساليب الثواب والعقاب والمتمثلة غالباً في قبول عضويته في المجموعة أو رفضها. ومن خلال ما تمنحه من أدوار اجتماعية مرموقة أو حرمانه منها، كما يمكن أن يتعلم الفرد في مجموعة الرفاق من 
خلال الملاحظة والتقليد لمن هم أكبر منه سناً أو أعلى مكانة أو أكثر مهارة، كما أن التقمص أسلوب هام من أساليب تعلم الفرد وتشكيل سلوكه الاجتماعي ضمن المجموعة، وتشكل المشاركة في اللعب أسلوباً فعالاً في تعلم الكثير من القيم والقواعد والأدوار والأعراف الاجتماعية، ويمكن تصنيف جماعات الأقران من حيث مستويات البساطة والتعقيد في أربعة مستويات (عثمان، 1986؛ زهران، 1977؛ صوالحة وحوامدة، 1994). وهذه المستويات هي جماعة الأقران وهي أبسط الجماعات، ثم جماعة اللعب وهم المشاركون في لعبة جماعية معينة، ثم الشلة التي تربط بين أفرادها علاقة صداقة حميمة ويتشابهون في بعض الخصائص الاجتماعية والسلوكية وتربط بينهم الاهتمامات والميول المشتركة الأمر الذي يجعلهم يقضون كثيراً من الأوقات معاً لدرجة أن  تصبح الجماعة مصدراً للدعم الاجتماعي والإشباع الانفعالي، أما أكثر أنواع الجماعات نفوذاً فهي العصابة، وهي جماعة رسمية متماسكة معقدة البنية ذات ثقافة خاصة تشارك في صراع مع عصابة أخرى أو مع السلطة أو بعض رموزها.

جماعة الرفاق وكالة للتنشئة الاجتماعية غير المقصودة. 

ويشير صوالحة وحوامدة (1994) إلى عدة وظائف وإسهامات لجماعة الرفاق في عملية التنشئة الاجتماعية كما يلي:  
1- إتاحة فرص التفاعل الاجتماعي مع أفراد متساويين. 
2- توفير فرص الاستقلال عن الراشدين سواء كانوا أفراد الأسرة أو المعلمين أو أي من رموز السلطة الآخرين.
3- تقدم للطفل كثيراً من المعلومات التي لا تقدمها الأسرة أو المدرسة مثل الألعاب الشعبية والألعاب الجديدة والنزعات الفنية والاتجاهات الثقافية والفكرية والأدبية والتكنولوجية، وتتيح لهم فرص التجريب بعيداً عن رقابة الأسرة والمدرسة والكبار بشكل عام.
4- تهيئ للأطفال والمراهقين فرص لعب أدوار اجتماعية غير تلك التي توفرها الأسرة والمدرسة.  
5- تنمي لدى الفرد الوعي بحقوق الآخرين ووجهات نظرهم وتدربهم على احترامها والاعتراف بها. 
6- تساعد مجموعة الأقران أعضاءها على ضبط سلوكهم، وتحول بينهم وبين التطرف والانحراف، وتجاوز القواعد والأعراف السائدة في هذه الجماعة.

نشاط رقم (2) 
راقب لعبة يؤديها نفر من الأقران، حلل هذه اللعبة إلى مكوناتها، وبين أهدافها وكيف تحقق تلك الأهداف. 

تضمينات وتطبيقات
كيف تكون ديمقراطياً مع أبنائك؟ 
إن الوالد/ الوالدة الديمقراطي لديه مستوى مرتفعاً من التقبل والمحبة ومن التحكم، وفيما يلي بعض التوجيهات التي تساعد الأب/ الأم على أن يكون ديمقراطياً (Hockenbury & Hockenbury, 2000). 
1- دع ابنك يعرف أنك تحبه, ويمكن أن تفعل ذلك من خلال الانتباه له، واحتضانه وتقبيله، ولتكن اتجاهاتك نحو إيجابية، إن الأبناء الذين خبروا الدفء والعلاقات الإيجابية مع آبائهم سيصبحون راشدين سعداء. 
2- استمع لطفلك، اسمح لطفلك أن يعبر عن رأيه، واحترم رغباته عندما تكون معقولة، وعندما تريد أن تضع قاعدة أو تتخذ قراراً استمع لآراء أبنائك وضعها في اعتبارك، وحاول أن تكون عادلاً ومرناً خاصة في القضايا العادية. 
3- استخدم المنطق عندما تؤدب، إن استخدام المنطق هو أفضل أنواع التأديب لأنه يجمع بين ضبط سلوك الطفل وتعليمه، وهو يعني توضيح ما يلي: أ- أسباب منع أو أسباب السماح ببعض السلوكات ب- عواقب السلوك على الطفل ج- أثر سلوك الطفل على الآخرين. ويمكن أن يتضمن بالنسبة للأطفال الكبار وصفاً لما يجب أن يقوم به الطفل لإصلاح ما نتج عن سلوكه الخاطئ.
4- تعرف على نوعية مزاج طفلك، وحاول أن تتعامل مع نوعية مزاجه، ولا تعمل ضده، فإذا كان لطفلك نشاط زائد فليس من الحكمة أن تجبره على الهدوء، ولكن يمكن أن تحضر له مجلات وكتب ملونة وألعاب مسلية لتشغله فيها.
5- تفهم قدرات طفلك المعرفية المرتبطة بالعمر وحدودها. يتعامل بعض الآباء مع الطفل وكأنه راشد صغير، فلا يتسامحون مع سلوكه ويعتبرونه خطأ، ويحكمون عليه بأنه طفل مزعج، إن توقعك للسلوك المناسب يجب أن يأخذ في الحسبان عمر الطفل، وأن دراسة مساق في علم النفس يمكن أن يساعدك في ذلك.
6- لا تتوقع الكمال وتعلم أن تمشي مع التيار. الأطفال يخطئون ويزعجون، ويقصرون، ويسيئون التصرف، خاصة عندما يكونون جياعاً أو متعبين أو خائفين أو قلقين، فلا تسخط عندما لا يكون سلوك طفلك مثالياً، كن صبوراً وتحمل أخطاء الأطفال فهي جزء من مجريات نموهم، إن من الصعب أن تتحكم بسلوك الأطفال وأن تتقبلهم في نفس الوقت، وعندما ترتكب خطأ ما، اعترف بذلك لنفسك ولطفلك فأنت بذلك تعلم طفلك أن يعترف بأخطائه. 


التعلق 
أولاً: مفهوم التعلق: 
أثار موضوع التعلق اهتمام العديد من الباحثين والمهتمين بنمو الطفل وتنشئته الاجتماعية أمثال فرويد، وولبي، واينزروث وهارلو، ولورنز وغيرهم، ويعد التعلق في مرحلة الطفولة موضوعاً شديد الأهمية لأنه يمثل نقطة انطلاق لحياة الطفل الاجتماعية وارتباطاته العاطفية مع الآخرين ويساعد الطفل على تكوين توقعات أولية عن سلوك الراشدين وتعاملهم معه خلال حياته المستقبلية. 
ويعرف شيفر (Shaffer) التعلق بشكل عام بأنه علاقة عاطفية قريبة بين شخصين تتصف بالعاطفة المتبادلة والرغبة في المحافظة على القرب بينهما، ويكون التعلق الرئيس للطفل بوالدته في سياق الأحداث الطبيعية، ولكن يمكن أن يتشكل تعلق قوي بين الطفل وأناس آخرين 
ممن يتعامل معهم بشكل منتظم مثل الأب أو أحد الجدين أو بعض الأقارب (Eysenck, 2001) ويؤكد عدس وتوق (1998) أن التعلق نزعة فطرية تظهر على شكل رغبة شديدة لدى الأطفال في أن يكونوا قريبين إلى حد الالتصاق من أفراد آخرين لهم مكانة معينة في حياتهم، وينزعون إلى الاستجابة الواضحة لعنايتهم، ويحدث لديهم أقل درجة من الخوف في حضوره. ويغلب عليهم الفرح والسرور لدى استقبالهم والغضب والحزن والصراخ عند الانفصال عنهم.

التعلق نزعة فطرية تظهر على شكل رغبة قوية لدى الأطفال نحو شخص آخر.

ويرى بولبي (Bowlby) أن التعلق يمثل علاقة اجتماعية عاطفية دائمة مع شخص راشد، وأن الطفل الذي يتمكن من تشكيل هذه العلاقة يحظى باحتمالات عيش كبيرة، ورغم أن الأم هي المرشحة الأولى لتكون موضوع التعلق، فقد لا تكون كذلك بالضرورة، فموضوع التعلق قد يكون أي شخص يتعامل مع الطفل بشكل متكرر ويتصف بأنه شخص سريع الاستجابة لحاجات الطفل ويغدق عليه الرعاية والحنان (Kail, 2001). 

التعلق علاقة اجتماعية انفعالية دائمة نسبياً مع شخص آخر. 

وتؤكد باباليا وأولدز (Papalia and Olds, 1995) أن التعلق يمثل علاقة حيوية وحميمة ومتبادلة ومستقرة بين شخصين يغذيهما التفاعل المستمر ويجعل الروابط بينهما أكثر قوة، وترى إينزورث (Ainsworth) أن التعلق يشكل جزءاً هاماً من المخطط الوراثي للكائن البشري، فالطفل يتجه نظرياً للتعلق بالأم أو من يمثلها، إذ ليس من الضروري أن يكون موضوع التعلق هو الأم البيولوجية، بل يمكن أن يكون أي شخص يقدم له الرعاية (Papalia and Olds, 1995) وتظهر بوادر التعلق والسلوكات التي تقود إليه في سن مبكرة جداً أي بعد الولادة مباشرة ويكون في مراحله الأولى عاماً وغير مميز وصولاً إلى التعلق المحدد ابتداءاً من عمر سبعة أشهر، ويبين شيفر وإيمرسون (Schaffer and Emerson) أن التعلق لدى الأطفال يتطور خلال ثلاث مراحل كما يلي: (Eysenck, 2001)
1- المرحلة الاجتماعية وتستمر لمدة ستة أسابيع بعد الولادة وتظهر خلالها سلوكات انفعالية غير محددة ولا تكون موجهة نحو أفراد معينين. ومن هذه السلوكات الابتسام والبكاء.
2- مرحلة التعلق اللامميز، وتمتد من الأسبوع وحتى الشهر السابع، ويسعى الطفل خلالها إلى جذب انتباه عدد كبير من الأفراد الذين يتعاملون معه، ويشعر بالسعادة عندما ينجح في كسب انتباه بعضهم 
4- مرحلة التعلق المحدد، وتبدأ من عمر سبعة أشهر وتستمر حتى عمر أحد عشر شهراً، ويتعلق الطفل بقوة في هذه المرحلة بشخص محدد واحد.

جدول مراحل التعلق

التعلق الاجتماعي  التعلق اللامميز  التعلق المحدد 
0 – 6 أسابيع  6 أسابيع – 7 أشهر 7 – 11 شهراً 
سلوكات ابتسام وبكاء غيرموجهة إلى أفراد معينين البحث عن الانتباه من  أفراد متعددين  تعلق قوي بشخص معين 

ويرى إيزنك أن تطور التعلق ضمن المراحل الآنفة الذكر يعتمد على دفء الأم ومحبتها للطفل وسرعة استجابتها له من جهة وعلى استجابات الطفل الإيجابية مثل الابتسام وإبداء مشاعر السعادة والسرور من جهة أخرى.

تفكير ناقد 
تعددت الآراء في طبيعة التعلق، استحضر هذه الآراء ثم قيمها. 

 ثانياً: التوجهات النظرية التي فسرت التعلق: 
تشير بعض التوجهات النظرية إلى أن التعلق مرتبط بإشباع الحاجات البيولوجية للطفل. وأن الشخص الذي يشكل موضوع التعلق بالنسبة للطفل هو الذي يرتبط بخفض التوتر وإشباع الحاجات، أي أن التعلق ينشأ على هامش إشباع الحاجات وأن حالة الارتياح والسعادة الناتجة عن التلامس مع الأم تعمل على تقوية التعلق بالأم من قبل الطفل، في حين يرى بعض المنظرين أن الطفل يميل بشكل فطري إلى أن يكون قريباً جسدياً وعاطفياً من الكبار الذين يعيش معهم. وأن حاجته إلى التلامس والاستثارة والانتباه من قبل الناس الذين يتعاملون معه لا تقل أهمية عن حاجته البيولوجية، والشخص الذي يحتضن الطفل ويلاعبه ويبتسم له ويبدي له الانتباه هو الذي يتعلق به الطفل وليس الشخص الذي يهتم بتغذية الطفل وتنظيفه دون أي شحنة عاطفية، ويمكن استعراض بعض التوجهات النظرية التي حاولت تفسير التعلق على النحو التالي: 
1- النظرية التحليلية 
يعد سيجموند فرويد المنظر الرئيسي في هذا الاتجاه. إذ تلعب عملية التعلق دوراً رئيساً في نظريته التطورية، وهو يرى أن التفاعل المبكر بين الطفل وبيئته الاجتماعية تحدد نمط شخصيته ونموه الاجتماعي لاحقاً، وكما يعتقد فرويد فإن حالات الاستثارة الناشئة عن الجوع العطش والألم تحث العضوية على تحقيق متطلبات بقائها الضرورية. لذا فإن الدوافع البيولوجية تشكل محركات السلوك الأساسية لدى البشر، وعندما يظهر دافع ما، فإن العضوية تسعى لإشباع الحاجات التي تؤدي إلى ظهوره ويشعر الفرد بالمتعة عندما يتم إشباع الحاجة وخفض الدافع إذ يعود الفرد عندها إلى حالة الارتياح والتوازن البيولوجي.
ويرى فرويد أن عضواً من أعضاء الجسم يكون موطن اللذة في كل مرحلة من مراحل التطور، وأن الفم يعد موطن اللذة الأولى خلال السنة الأولى من عمر الطفل، وسمي مرحلة النمو الأولى التي يمر بها الطفل بالمرحلة الفمية، ويتعلق الطفل في هذه المرحلة بالأشياء أو الأشخاص الذين يشبعون حاجة الجوع لديه، والأم عادة هي الشخص الذي يقوم على تغذية الطفل في هذه المرحلة، ويعتقد فرويد بأن تعلق الطفل بالأم له وظيفة مركزية في تشكيل شخصية الطفل أثناء مراحل النمو المستقبلية، وتشكل العلاقة بالأم نموذجاً لكل علاقات الحب التي يكونها الفرد في سن الرشد.
أما في المرحلة الثانية التي تسود خلال السنة الثانية من العمر، فيصبح الشرج هو عضو الجسم الذي يكون مركز اللذة بالنسبة للطفل وسميت هذه المرحلة بالمرحلة الشرجية، ويحقق الطفل اللذة من خلال الإخراج ويظهر ميولاً نحو الضبط الذاتي والاستقلال بعد أن كان في المرحلة السابقة (الفمية) معتمداً ويبحث عن عناية الكبار.
إلا أن الأبحاث الميدانية لم تدعم توجهات فرويد النظرية ولم تظهر أن إشباع الحاجات البيولوجية هو سبب التعلق لدى الأطفال، وربما كان الدفء العاطفي وتزويد الطفل بالشعور بالأمن سبباً أقوى للتعلق كما أظهرت دراسات هارلو عام 1959، كما أن نظريته تشير إلى أن مجرد الانتقال إلى المرحلة الشرجية يجعل الطفل ينزع إلى السلوك الاستقلالي، كما أنهم لم تفسر الانزعاج الذي يبدو على الأطفال عندما يتم فصلهم عن أمهاتهم. 
وهذا ما أشارت إليه دراسة شيفر وإميرسون Schaffer & Emerson عام (1964) التي أجريت على عينة من الأطفال وكانت النتائج أنهم أظهروا تعلقاً بالأشخاص الذين كانوا يستجيبون لهم بسرعة ويقدمون لهم خبرات الملامسة والاحتضان واللعب أكثر من تعلقهم بمن كانوا يقدمون لهم التغذية والحمام وتبديل الملابس (Eysenck, 2001). فعملية التعلق لا تنشأ نتيجة لإشباع الحاجات البيولوجية فقط، بل أنها تنتج عن سلوكات العناية والقرب والملامسة والعناية العاطفية. 
2- نظرية النمو النفسي – الاجتماعي: 
ورغم أن إريكسون (Erikson) يصنف كعالم نفس تحليلي، إلا أن له وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر فرويد بالنسبة لموضوع التعلق.
وتسمى نظريته بنظرية النمو النفسي – الاجتماعي. ويرى إريكسون أن النمو يتم عبر ثمان مراحل إبان العمر كله يتميز كل منها بنوع من الصراع على الفرد أن يحله. ويكتسب الفرد خلال محاولات حله لهذه الصراعات مهارات جديدة مثل إنجاز سلوكات مستقلة عن الوالدين أو القيام
بسلوكات منتجة تفتح أمامهم فرصاً جديدة وأن هذه الفرص الجديدة ترتب عليهم مسؤوليات ومتطلبات إزاء المجتمع الذي يعيشون فيه، وبالتالي يخلق لهم صراعات جديدة، وأن الأفراد الذين يفشلون في حل هذه الصراعات بشكل ملائم يظلون في حالة معاناة من تلك الصراعات في المستقبل. 

مراحل النمو النفسي الاجتماعي للطفل الثقة × عدم الثقة.

 الاستقلالية × الشعور بالخجل

إن الصراعات التي تميز أول مرحلتين من مراحل نمو الطفل تقدم تفسيرات للقلق المتزايد الذي يعاني منه الأطفال عندما ينفصلون عن أمهاتهم في نهاية السنة الأولى من العمر، والتناقص التدريجي لهذا القلق في السنة الثانية. ففي المرحلة الأولى من العمر والتي تسةود في السنة الأولى تقريباً يحاول الطفل أن يحل الصراع المتعلق بالتوصل إلى إجابة عن سؤال الثقة، هل ستأتي أمي عندما أناديها؟ هل سأجدها إلى جانبي عندما سأحتاج إليها؟ هل أنا واثق بأنها ستقدم لي العناية والحماية عند الحاجة؟ يتعلق الأطفال بالأشخاص الذين يتولون رعايتهم وتلبية حاجاتهم بشكل يعتمد عليه، أي بالأشخاص الذين ينمون لديهم مشاعر الثقة, وبعد أن يحل الأطفال هذا الصراع وتنمو لديهم الثقة بمن يقدمون لهم الرعاية ينتقلون إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاستقلالية مقابل الشعور بالخجل والشك ويكون ذلك في السنة الثانية حيث تتزايد حاجتهم إلى الاستقلال والابتعاد عن موضوع التعلق، عندها يتوقفون عن الانزعاج عند الانفصال لفترة وجيزة لأنهم يعتقدون بأن الأم أو من يقدم لهم الرعاية سيعود قريباً.
3- النظرية التطورية: 
إن صاحب هذه النظرية هو الطبيب النفسي البريطاني جون بولبي (John Bowlby) الذي كلفته منظمة الصحة العالمية عام 1950 بدراسة الصحة النفسية للأطفال الذين حرموا من أمهاتهم ووضعوا في مراكز خاصة للرعاية (Cole and Cole, 1993) وقد ظهرت الحاجة إلى ذلك بسبب فقدان الكثير من الأطفال لأسرهم أثناء الحرب العالمية الثانية.
درس بولبي من عدة مصادر معلومات عن الأطفال الذين فقدوا والديهم أو فصلوا عنهم لفترات طويلة. ومن هذه المصادر سجلات ملاحظة في المستشفيات ودور الحضانة والمياتم، كما اطلع على تقارير لمقابلات علاجية لمراهين أو راشدين يعانون من متاعب نفسية أو انحرافات سلوكية، توصل بولبي إلى وجود نمط من السلوكات المتشابهة لدى الأفراد الذين تمت ملاحظتهم أو دراستهم، إذ أظهر الأطفال لدى انفصالهم بداية هياجاً وخوفاً شديداً، ومرت بهم نوبات بكاء شديدة، ثم حاولوا الهرب من المكان الذي وجدوا فيه وبعد ذلك تعرضوا لمرحلة من اليأس والاكتئاب.
وإذا استمرت حالة الانفصال ولم يتم تكوين علاقات اجتماعية مستقرة يصبح الأطفال غير مبالين بالآخرين، وقد سمي بولبي هذه الحالة من عدم الاكتراث بـ (اللا تعلق).
حاول بولبي تفسير ظاهرة الانزعاج الناتجة عن الانفصال عن الوالدين، متبنياً من أجل ذلك وجهة نظر تطورية، واعتمد في ذلك على دراسة العلاقة بين صغار القردة وأمهاتهم، إذ أن هذه الصغار تمر بفترة طفولة طويلة تكون خلالها ضعيفة وغير قادرة على العناية بنفسها أو الدفاع عنها أمام الأخطار المحدقة بها، فلابد أن تبقى قريبى من أمهاتها لتحافظ على بقائها، وتشبع حاجتها إلى الأمن. 
وفي مقابل حاجة القردة إلى القرب من أمهاتهم تظهر رغبة ملحة لديها لممارسة أنشطة تبعدها عنها مثل الاكتشاف واللعب. 
ومن أجل التوفيق بين حاجة الصغار للأمن وحاجتها للاستكشاف واللعب، اقترح بولبي وجود ميكانيزم يقوم بوظيفة تحقيق التوازن بين هذه الحاجات المتعارضة وسماه "التعلق" (Cole and Cole, 1995) وأشار بولبي إلى أن التعلق نظام تحكم متقدم، يتطور خلال السنة الأولى من العمر وينتج نوعاً من التوازن الدينامي بين الأم وطفلها، فعندما تصبح المسافة بينهما طويلة يقوم أحدهما بسلوك ليقصرها، لذا فإن التعلق يزود الطفل بالشعور بالأمن، وتكون الأم هي المصدر الذي يزود بهذا الأمن وعندما يقوم الطفل بمحاولات التعلم والاستكشاف يعود إلى هذا المصدر ليتقرب منه ويطمئن إلى وجوده، قبل أن يستأنف لعبه واستكشافه مرة أخرى ولعل قوة الطفل تكمن في ضعفه وحاجته إلى الرعاية. وإن مساق التطور الإنساني يؤدي إلى ظهور سلوكات لدى الأطفال مثل سلوك المناعاة والمص والبكاء والابتسام تجلب لهم العناية من الكبار.

التعلق من منظور بولبي نظام تحكم متقدم يتطور خلال السنة الأولى من الطفولة

ويؤكد بولبي أن التعلق يتطور خلال الأشهر الأولى من عمر الطفل متأثراً بالتطورات الإدراكية والمعرفية التي تطرأ على الطفل، إذ تبدأ العملية بتطور قدرة الطفل على التمييز بين الأشخاص المختلفين والاستجابة إلى أعضاء عالمه الاجتماعي. وخلال هذه الأشهر تبدأ العلاقة الحميمة بين الأم والطفل بالتشكل إذ تستغل الأم حالات النشاط واليقظة عند الطفل، فتبتسم له وتتحدث إليه وتلاعبه، ويبدأ هو بالاستجابة لها من خلال إطالة النظر إلى وجهها وإبداء علامات الفرح والارتياح. 
وإذا لم تقم الأم بذلك حتى عمر ثلاثة أو أربعة أشهر فسيبدأ الطفل بالشعور بالانزعاج ويظهر عليه ذلك من خلال النظر بعيداً عن الأم وأحياناً البكاء.
وتشكل هذه التفاعلات أساساً لاتصالات أكثر تعقيداً، وتطور لدى الطفل الثقة بأن أمه ستستجيب له على نحو متوقع وأكيد (Kaily, 2001) وفي عمر سبعة أو ثمانية أشهر يكون الطفل قد حدد موضوع التعلق وتكون عادة الأم، وصار ينظر إليها على أنها شخص مميز وعزيز يبتسم لها ويتقرب منها أكثر من غيرها، وتصبح مصدراً اجتماعياً وانفعالياً مستقراً. وصار الطفل قادراً على استكشاف عناصر بيئته الجديدة وأثناء ذلك يعاود النظر إلى أمه ليطمئن إلى أنها موجودة، ويشير هذا السلوك إلى أنه أصبح لدى الطفل تمثيلات عقلية للأم، وصار يفهم أنها ستكون موجودة عندما يحتاج إليها وهذا مؤشر على أنه نما عقلياً. 
تتطور روابط التعلق عادة بين الطفل والأم أولاً، ثم يحدث التعلق بين الطفل والأب ولكن بطريقة مختلفة فدور الأب في معظم الثقافات شريك لعب ولا يقدم العناية والتغذية، وغالباً ما يكون لعب الآباء مع الأبناء جسدياً، بينما تقضي الأمهات وقتاً أكثر في القراءة للأطفال والتحدث معهم وعرض الألعاب عليهم، لذا فإن تعلق الأطفال بالآباء يختلف عن تعلقهم بالأمهات، ففي حين يفضل الطفل اللعب مع والده، فهو يلجأ إلى والدته عندما يشعر بالانزعاج والخوف (Kail, 2001). 

تفكير ناقد 
الأم تشكل موضوع التعلق الأول. فسر ذلك. 

 

تفكير ناقد 
التعلق يتبع تغير الجنس، فكل يتعلق بالمماثل لجنسه 

 

نشاط رقم (3) 
- فسر التعلق من وجهة نظر التحليل النفسي ووجهة النظر التطورية. 
- قدم مقترحات تربوية لجعل تعلق الطفل تعلقاً آمناً. 

4- نظرية التلامس: 
يصعب إجراء دراسات تجريبية لإثبات سبب التعلق عند بني البشر لأسباب أخلاقية، لذا لجأ هاري هارلو Harry Harlow عام (1959) وهارلو وهارلو (Harlw and Harlow) عام (1969) إلى إجراء سلسلة من الدراسات على صغار القردة لتفسير سلوك التعلق وأسبابه، ولاختبار مدى صحة نظرية التعلق المسماة: نظرية خفض الدافع، قام الباحث في واحدة من هذه الدراسات بعزل ثمانية قردة عن أمهاتهم بعد الولادة باثنتي عشرة ساعة أو أقل، تم وضع كل قرد منها في قفص مع أمين بديلين غير متحركتين إحداهما مصنوعة من السلك والأخرى مغطاة بالوبر.

 نظرية خفض الدافع من مثل تناول الطعام يؤدي إلى خفض دافع الجوع مما قد يكون سبباً في نشوء التعلق. 

تلقى أربعة قرودة منها الحليب من الأم السلكية، بينما تلقت الأربعة الأخرى الحليب من الأم الوبرية، تساوت الأمان في أن كلاً منهما كان مصدراً للتغذية، وجميع القردة توفرت لها كميات متساوية من الحليب، وكسبت وزناً بنسب متساوية، وكان الاختلاف الوحيد هو اختلاف ملمس الأم الوبرية عن الأم السلكية.
استمرت التجربة لمدة (165) يوماً أظهرت خلالها صغار القردة تفضيلاً واضحاً للأم الوبرية عن الأم السلكية، حتى عندما كانت ترضع من الأم السلكية، كانت تذهب وتلتصق بالأم الوبرية، وهذا يخالف نظرية خفض الدافع، إذ أن توقعات هذه النظرية تشير إلى أن القردة التي كانت ترضع الحليب من الأم السلكية يجب أن تفضل قضاء الوقت معها، لأن الأم الوبرية في هذه الحالة لا تشبع دافعاً بيولوجياً مثل الجوع أو العطش.

الملامسة بما توفره من وراحة تؤدي إلى 

 وعلى ضوء هذه النتائج أشار هارلو إلى الأهمية القصوى للتلامس وما يوفره من راحة في تشكيل تعلق الطفل بأمه، وحاول هارلو وهارلو عام (1969) اختبار نظرية بولبي التطورية عندما حاولا استقصاء أثر التعلق بالأم البديلة في سلوك الاكتشاف لدى القردة، عرض هارلو وهارلو القردة إلى مثير مخيف وهو مجسم دب متحرك يضرب على طبل فيصدر عنه صوت مرتفع، في حالة مثل هذه يهرع صغار البشر وصغار القردة إلى أمهاتهم عادة طلباً للأمن والراحة، لكن لاحظ الباحثان أن القردة التي تغذت من الأم السلكية كانت تهرع إلى الأم الوبرية أوقات الخوف، وبعد أن تتغلب القردة على خوفها بالالتصاق بالأم الوبرية والتمسح بها، كانت تنظر إلى الدب لإشباع حب الاستطلاع لديها، وبعضها كان يقترب منه كثيراً.
أظهرت هذه الدراسة عدم صحة التفسير الذي يقول أن التعلق يتشكل نتيجة خفض الدافع، وأن الصغار يتعلقون بمن يقدم لهم التغذية، ودعمت الفكرة البديلة القائلة بأن الملمس الناعم يولد إحساساً مهدئاً يوفر للطفل الشعور بالأمن وهو عامل أكثر أهمية من الطعام في تشكيل التعلق، ورغم أن الأحاسيس التي يولدها الملمس المهدئ ضرورية للنمو السليم فإنها ليست كافية، فبعد أن كبرت هذه القرود وجد الباحث أنها غير متوافقة اجتماعياً وتسئ معاملة القرود الأخرى، وأن الملمس المهدئ والتغذية غير قادرة على إنتاج مراهق أو راشد طبيعي متكيف، فالأم البديلة لا تستطيع أن تحضن الطفل أو التواصل معه بأصوات القردة وإشاراتها، وهي لا تقدم التعزيز للسلوك الصائب والعقاب للسلوك الخاطئ، كما أنها لا تعرف الوقت المناسب للانفصال الجسدي عن الطفل وإتاحة الحرية له كي يكون مستقلاً عنها. 
إن السلوك النهائي للقرود التي كونت عينة الدراسة يدعم التفسير الذي قدمه بولبي وهو أن التعلق نظام عالي التطور لتنظيم العلاقة بين الأم والطفل، وهو نظام ثنائي القطب ويتطلب تفاعلاً اجتماعياً بينهما لتحقيق النمو السليم (Cole and Cole, 1993; Eysenck, 2001; Palpalis and Olds, 1995). 

نشاط رقم (4) 
في محاولة بعض العلماء تفسير التعلق قدموا ثلاث نظريات الأولى نظرية خفض الدافع، والثانية نظرية التلامس، والثالثة نظرية التفاعل الاجتماعي، قيم كل نظرية وكون رأيك الخاص بك في تفسير التعلق. 

ثالثاً: أنماط التعلق: 
آثار سلوك القردة غير التكيفي الذي سبق الحديث عنه في دراسة هارلو تساؤلاً حول ماهية التفاعل المناسب بين الأم والطفل الذي يشكل أساساً ناجحاً لعلاقة إنسانية تكيفية.
ولكن لا يمكن تحديد نمط واحد مناسب للتفاعل بين الأم والطفل وذلك نتيجة لوجود العاملين التاليين: 
1- تباين خصائص الأطفال وتباين خصائص الأمهات وبالتالي تباين أنماط العلاقات التفاعلية بين كل طفل وأمه. 
2- تباين الظروف البيئية التي يولد فيها الأطفال وينشؤون (Cole and Cole, 1993l; Kail, 2001) لذا لا يجب أن نتوقع أن يكون هنالك نمط واحد صحيح للتعلق، بل إن هنالك عدة أنماط للتفاعل الاجتماعي بين الطفل وأمه تؤدي إلى تعلق مناسب ويوفر المتطلبات الضرورية للنمو الاجتماعي السليم. 
إلا أن بعض الباحثين أكد أنه يمكن التعرف على أنماط عامة من التفاعل بين الأم والطفل يمهد الطريق للنمو المستقبلي للطفل، وتعد ماري آينزورت (Mary Ainshorth) من أبرز من أسهم في البحث في مجال التفاعل بين الطفل وأمه، إذ أجرت العديد من الأبحاث في الأعوام (1962، 1978، 1982، 1993) في أفريقيا والولايات المتحدة لاحظت فيها العلاقة بين أزواج من الأطفال وأمهاتهم (طفل + أم). 
أظهرت نتائج الدراسات أن هنالك أنماطاً متسقة ومتمايزة نوعياً للطريقة التي يتفاعل فيها الأطفال مع أمهاتهم خلال السنة الثانية والثالثة من العمر، وبينت دراساتها أن معظم الأزواج المكونة من الأمهات والأبناء الذين لاحظت سلوكهم استطاعوا أن يتوصلوا إلى علاقة مريحة وآمنة مع نهاية السنة الثالثة، ولكن بعض هذه العلاقات اتصفت بالتوتر الدائم وشابها كثير من الصعوبات في تنظيم أنشطة مشتركة. 
ابتكرت آينزورت طريقة لدراسة علاقات التعلق مستخدمة إجراءات صارت تعرف بالموقف الغريب Strange Situation وهدفت هذه المنهجية لملاحظة الاختلاف في استجابات الأطفال نحو شخص غريب عندما يكونون مع أمهاتهم، وعندما يتركون وحدهم، وعند عودة أمهاتهم لهم وقد بررت ذلك في أن الاختلاف في أنماط ردود الفعل يعكس أنواعاً مختلفة من علاقات التعلق. 
يتكون الموقف الغريب من ثلاثة مواقف فرعية يستمر كل منها لمدة ثلاث دقائق، ويمكن عرض إجراءات الموقف الغريب في خطوات متسلسلة (Kail, 2001) على النحو التالي: 
1- يقوم المجرب بتعريف الأم وطفلها على الغرفة التي ستتم فيها التجربة ثم يغادر. 
2- يسمح للطفل باستكشاف غرفة اللعب لمدة ثلاث دقائق في حين تراقب الأم الطفل دون أن تشارك. 
3- يدخل شخص غريب إلى الغرفة ويبقى صامتاً لمدة دقيقة، ثم يتحدث إلى الطفل لدقيقة، ثم يقترب من الطفل وتغادر الأم بشكل خفي.
4- لا يلعب الغريب مع الطفل ولكن يحاول أن يجعله مرتاحاً عند الضرورة. 
5- تعود الأم بعد ثلاث دقائق، تطرح التحية، وتداعب الطفل.
6- وعندما يعود الطفل إلى اللعب تغادر الأم ثانية وتقول هذه المرة عند مغادرتها Bye – Bye. 
7- يحاول الغريب أن يهدئ الطفل ويلعب معه. 
8- بعد ثلاثة دقائق، تعود الأم ويغادر الغريب. 
وتتم خلال ذلك ملاحظة الطفل وتسجيل استجاباته، أي تسجيل ردود فعل الطفل للانفصال عن الأم وعودتها إليه وقد أظهرت دراسات أينزورث وجود أربعة أنماط رئيسة للتعلق هي كما يلي: (Ainsworth, 1993)
1- التعلق الآمن: قد يبكي الطفل وقد لا يبكي عندما تغادر الأم، ولكن عندما تعود، فإن الطفل يريد أن يبقى معها، وإذا كان يبكي فإنه يتوقف، ولسان حاله يقول لقد افتقدتك كثيراً، ولكن بما أنك عدت فأنا الآن بخير. 
2- التعلق التجنبي: لا ينزعج الطفل عندما تغادر الأم، وقد يتجاهلها عندما تعود ويشيح بوجهه عنها، ولسان حاله يقول لقد تركتني مرة أخرى، على دائماً أن أعتني بنفسي. 
3- التعلق المقاوم: ينزعج الطفل عندما تغادر الأم ويبقى منزعجاً وغاضباً عندما تعود، ويكون من الصعب تهدئته، ولسان حال هذا الطفل يقول لماذا فعلت ذلك؟ أنني بحاجة ماسة إليك ومع ذلك فعلتها مرة أخرى دون تحذير، إنني أغضب كثيراً عندما تفعلين ذلك. 
4- التعلق غير المنظم: يكون الطفل مرتبكاً عندما تغادر الأم وعندما تعود يبدو أنه لم يفهم ماذا حدث. تظهر على وجه الطفل نظرة استغراب ولسان حاله يقول: ماذا يجري؟ أريدك معي ولكنك غادرت ثم عدة مرة ثانية، لا أدري هل أبكي أم أضحك. 
ومما يجدر ذكره أن أنواع التعلق الثلاثة الأخير هي تعلق غير آمن، كما أن التعلق الآمن وأنواع التعلق غير الآمن موجودة في جميع الثقافات في العالم، ومن حسن الحظ أن التعلق الآمن هو الأكثر شيوعاً لدى أطفال الأمم المختلفة لأنه يشكل القاعدة الأساسية للتطور الاجتماعي، وأن الطفل الذي يتعلق بأمه تعلقاً آمناً، يتعلق بأبيه تعلقاً آمناً كذلك كما أن الأخوة لديهم عادة نفس نمط التعلق مع الوالدين (Kail, 2001).

نشاط (2) 
رتب مكاناً يصلح لإجراء تجربة الموقف الغريب، ضع فيه عشرة أطفال من عمر 2 – 18 شهراً واحداً واحداً. ولاحظ كيف يتصرفون في هذا الموقف عندما تغادر أمهاتهم وعندما يعدن إليهم مرة أخرى، سجل هذه السلوكات، ثم صنف نوع التعلق لدى كل منهما، ما نوع التعلق الأكثر شيوعاً؟ قابل الأمهات واطرح عليهن أسئلة عن أنماط التفاعل القائمة بين كل أم وطفلها، صف نوع التفاعل الذي يلقاه كل نوع من أنواع التعلق. 

 

تفكير ناقد 
قم بزيارة دار حضانة، ثم لاحظ جوانب النشاط الاجتماعي والخصائص النفسية للأطفال. اكتب مقالة بناء على ملاحظاتك بحدود 100 – 150 كلمة. حاول خلالها أن تجد رابطاً بين النشاط الاجتماعي والكفاءة الاجتماعية للأطفال وأنماط التعلق لديهم. 

الآثار المترتبة على أنماط التعلق: 
يعد التعلق أول علاقة اجتماعية تتشكل عند الطفل، لذا فهي بمثابة حجر الأساس لجميع العلاقات الاجتماعية اللاحقة مع الآخرين، فالطفل الذي يمر بخبرات ثقة وحميمة في مرحلة الطفولة المبكرة ويطور تعلقاً آمناً سيتفاعل مع أقرانه في مرحلة ما قبل المدرسة والمدرسة الابتدائية بثقة ونجاح. أما الطفل الذي تكون علاقات التعلق لديه ليست ناجحة ولا مرضية ويطور تعلقاً غير آمن، فسيكون عرضة للمشكلات في تفاعله في مرحلة ما قبل المدرسة. وقد تم دعم هذه التوقعات من خلال نتائج العديد من الدراسات، إذ أظهرت نتائجها أن الأطفال الذين طوروا تعلقاً آمناً مقارنة بالأطفال الذين طوروا تعلقاً غير آمن يتصفون بأنهم يمتلكون صداقات أكثر، ومهارات اجتماعية أفضل، ولديهم أصدقاء مقربون أكثر، ومشاكل سلوكية أقل، ويبدو أن التعلق الآمن يزيد الثقة بالآخرين ويحسن مهارات التفاعل الاجتماعي لدى الفرد، ويجعل الطفل أكثر استقلالية من ذوي التعلق غير الآمن. 
أما الأطفال الذين يطورون تعلقاً غير آمن فعلي الأرجح أنهم سيعانون من مشكلات سلوكية مثل العدوانية الزائدة والتمرد وعدم مسايرة الكبار. ونقص الكفاءة الاجتماعية، ويمكن أن تمتد هذه المشكلات إلى مراحل النمو اللاحقة (Kail, 2001; Wortman, loftus and weaver, 1999). 
إن هذه النتائج متسقة مع نظرية إريكسون التي تؤكد على أن تطوير الثقة في مرحلة الطفولة المبكرة أثناء تفاعل الطفل مع والديه مهمة ضرورية ومتطلب للنمو السليم في المراحل اللاحقة، فمن الواضح أن التعلق الآمن هو الأساس العاطفي الذي يتيح للطفل فرص التوافق مع المطالب والتحديات المستقبلية، وإنه يمكن أن يكون له تضمينات هامة في مستقبل الطفل النمائي.
العوامل التي تحدد نمط التعلق: 
حاول الباحثون دراسة العوامل التي تحدد نمط التعلق بسبب أهميته وتأثيره في سلوك الفرد وقدرته على التكيف. ويبدو أن طبيعة التفاعل بين الطفل ووالديه أهم العوامل المؤثرة في نوعية التعلق، فالطفل يطور تعلقاً آمناً عندما تستجيب له الأم أو من يقوم مقامها في تقديم الرعاية للطفل بسرعة وبطريقة مرضية يتوقعها الطفل. 
فمن المفيد في هذا الصدد أن تكون استجابة الأم فورية، ومناسبة وعلى نحو متسق ومصحوبة بالتعبير الانفعالي (Palpalia and Olds, 1995; Cole and Cole, 1993) وأن ذلك يجعل الطفل يتوقع بأن من يعتني به سيكون موجوداً، ومستجيباً بشكل سريع وفعال لمواجهة المثيرات التي تزعج الطفل، وسيؤدي هذا النمط من تعامل الأم مع ابنها أو ابنتها إلى غرس الثقة لدى الطفل التي هي أساس التعلق الآمن. وسيمكنه ذلك من تطوير نموذج عمل داخلي يتضمن مجموعة من التوقعات المتعلقة بمدى توفر الأم أو بديل الأم وسرعة استجابتها في جميع الأوقات بشكل عام وفي أوقات الضيق بشكل خاص، وإنها تهتم بحاجات الطفل وستحاول إشباعها فوراً، فإذا عرف الطفل بأن الأهل يمكن الاعتماد عليهم وأنهم يهتمون برعايته، فسيثق بهم ويطمئن إلى أنه سيجدهم إلى جانبه عند الحاجة. 
وفي المقابل، يشعر بعض الأطفال بأن الشخص الذي يرعاه لا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق أمنه وراحته عند الحاجة، وقد نما لديه هذا الشعور لأن والدته/ من يقدم له الرعاية تسلك تجاهه بشكل متذبذب وغير مستقر وبطئ، فلا تستجيب له إلا بعد البكاء الشديد لفترة طويلة، وتكون منزعجة وربما قاسية، تعامل الطفل ببرود عاطفي وأسلوب رافض، وتبدي ميلاً واضحاً للتسلط والتحكم الزائد، وقد تكون مهملة أو متجاهلة لحاجات الطفل. إن مثل هؤلاء الأطفال سيدركون العلاقات الاجتماعية على أنها غير مستقرة ومحبطة ولا تدعو للثقة، وقد استطاح الباحثون التمييز بين خصائص الأمهات اللواتي يعاني أبناؤهن من التعلق غير الآمن المقاوم والأمهات اللواتي يعاني أبناؤهن من التعلق غير الآمن التجنبي. 
إذ كان لدى أمهات الأطفال الذين يعانون من التعلق غير الآمن المقاوم اهتمام بهم، ولكن كن يسئن فهم سلوك الطفل، وكن يعاملنه بطرق متباينة تتذبذب بين التقبل وعدم التقبل والمحبطة والكراهية والرعاية والإهمال (Eysecnk, 2001). 
وقد قدم باحث ياباني تفسيراً للتعلق غير الآمن بأن الأم اليابانية التقليدية قلما تترك لغيرها العناية بأبنائها، وهي في العادة تسلك تجاههم سلوكاً ينمي لديهم الاعتماد عليها فقط، وأن بقاء الطفل وحيداً مع شخص غريب أمر مزعج إلى درجة كبيرة بالنسبة للطفل، وقد تم تدعيم هذا التفسير بنتائج دراسات أجريت على أطفال أمهات يابانيات عاملات، أظهرت نتائجها، أن نسبة التعلق الآمن بين أبنائهن أعلى من نسبته لدى أبناء غير العاملات في حين كانت نسبة التعلق غير الآمن المقاوم لدى أبنائهن أقل من نسبته لدى أبناء غير العاملات (Cole and Cole, 1993). 
أما بالنسبة للأطفال الذين يعانون من التعلق غير الآمن، فتتصف أمهاتهم برفض الأبناء، ويملن إلى التمركز حول الذات، والسلوك المتصلب، وبعض أمهات هذا النوع من الأطفال يتعاملن مع أبنائهن بصورة خانقة تتجاهل حالة الطفل الانفعالية، فيتفاعلن معهم بشكل دائم حتى عندما لا يكون الطفل راغباً في ذلك (Eysenck, 2001). 
ويبدو أن الثقافة تلعب دوراً في طريقة تعامل الأسرة مع أبنائها، فكما أن الثقافة اليابانية قد تنتج تعلقاً غير آمن مقاوم، فإن الثقافة الألمانية قد تسبب تعلقاً غير آمن تجنبي، إذ أشارت إحدى الدراسات إلى أن الأسر الألمانية تلتزم بقيم ثقافية تدعو إلى إبقاء مسافة طويلة بين الأشخاص، وأن الأطفال يجب أن يفطموا عن الاتصال الجسدي عندما يصبحون قادرين على التحرك من مكان إلى آخر، وترى الأمهات أن الطفل المثالي هو الطفل المستقل والذي ليس له مطالب من والديه بل ينفذ الأوامر دون طرح أسئلة (Cole and Cole, 1993). 
ولكن لماذا يتمتع بعض الآباء والأمهات بقدرات تفوق قدرات غيرهم على تطوير التعلق الآمن لدى أبنائهم؟ ولماذا يفشل بعض الوالدين في تحقيق ذلك؟ أشار الباحثون إلى أن تطور التعلق الآمن قد يتوقف على  العوامل التالية: 
1- شخصية الوالدين 2- مستوى الضغوط التي يتعرض لها، والدعم الاجتماعي الذي يتلقيانه 3- مزاج الطفل أو طريقة إدراك الأم أو من يقدم الرعاية للطفل لمزاج الطفل. 
تتبعت دراسة بيلسكي وإيزابيلا (Belsky and isubella) عام (1988) آباء وأمهات وأبناءهم من مراحل الحمل الأخيرة وحتى عمر (12) شهراً، وجد الباحثان أن الأطفال غير الآمنين في تعلقهم في عمر 12 شهراً غالباً كانت درجات أمهاتهم منخفضة على سمتين هامتين من سمات الشخصية، وهما: 1- الاستقرار العاطفي والنضج الانفعالي. 2- التعاطف مع الآخرين والإحساس بمشاعرهم، كما أن أمهات الأطفال ذوي التعلق غير الآمن، تعرضن إلى تراجع كبير في مستوى الرضا الزواجي وكان يسود لديهن اعتقاد بأن الطفل كلما زاد عمره أصبحت تربيته أصعب، وكن يعتقدن أن البيئة الاجتماعية غير ودية وغير داعمة، ويبدو أن هذه العوامل السلبية أسهمت بشكل تدريجي في الوصول بأطفالهن إلى التعلق غير الآمن، وفي الخلاصة يمكن القول إن النساء اللواتي تعرضن لجميع هذه العوامل السلبية يطور أبناؤهن التعلق غير الآمن، في حين أن النساء اللواتي لم يتعرضن لأي من هذه العوامل يطور أبناؤهن التعلق الآمن (Wortman, loftus, and weaver, 1999). 
إن العوامل السلبية التي تناولتها الدراسة هي فقط بعض العوامل التي قد تؤدي إلى التعلق غير الآمن لدى الطفل، ولكن قد تعاني الأم أو الأسرة بشكل عام من عوامل سلبية أخرى تزيد مخاطر أن يطور الطفل تعلقاً غير آمن. فبالإضافة إلى عوامل مثل الطفل الصعب، والرضا الزواجي، ونقص الدعم النفسي، قد يعاني الأب أو الأم مشكلات في العمل مثل التعب وهموم الإنجاز الوظيفي، وعدم الرضا عن العمل، والعلاقة المتوترة مع الوالدين، وبعض المتاعب القانونية، والهموم المالية، إن كل هذه العوامل تؤثر في نوعية المعاملة الوالدية وبالتالي تؤدي إلى وجود مخاطر التعلق غير الآمن. 
أما فيما يتعلق بمزاج الطفل، فقد أظهرت دراسة لويس وفيرنج (Lewis and Feiring) عام 1989 أن الأطفال الذين يقضون وقتاً في اللعب بالأشياء المادية أطول من الوقت الذي يقضونه في التفاعل مع أمهاتهم يغلب أن يظهر عليهم التعلق غير الآمن في عمر 12 شهراً (Cole and Cole, 1993)، أما الدراسات التي تناولت العلاقة بين مزاج الطفل ونمط تعلقه، فلم تظهر نتائجها وجود علاقة جوهرية بينهما. 
أما فيما يتعلق باستقرار أنماط التعلق فقد أشارت دراسات أجريت في الولايات المتحدة وألمانيا إلى أن أنماط التعلق الآمن وغير الآمن تبقى ثابتة على الأقل لعدة أشهر (Cole and Cole, 1993) إلا أن استقرار أشكال التعلق يعتمد على استقرار ظروف حياة الطفل، فإذا تعرضت الأسرة إلى مخاطر مفاجئة مثل البطالة والفقر والمرض والصراع بين الوالدة والوالد فإن أنماط التعلق الآمن التي ظهرت لدى الأطفال من عمر 8 – 12 شهراً ستكون عرضة للتغيير. 


الخلاصة: 
1- التنشئة الاجتماعية عملية تربية وتعلم بها يتذوت الطفل المهارات والمعايير وأنواع السلوك التكيفي. 
2- العوامل الذاتية المساندة لعملية التنشئة الاجتماعية تتضمن دوافع الطفل الاجتماعية كالانتماء والاندماج، والنزوع الفطري للتعلم الاجتماعي واكتساب سلوك الآخرين من خلال التفاعل معهم وإمكانية صقل هذا السلوك. 
3- العوامل المساندة لعملية التنشئة الاجتماعية والخاصة بالمجتمع تتضمن الاتساق الاجتماعي، اكتساب معايير السلوك، والأدوار والقيم التي تحددها الثقافة. 
4- العوامل المعيقة لعملية التنشئة الاجتماعية تتضمن الفقر والخجل والغزو الثقافي والإعلامي. 
5- الأسرة أول وكالة للتنشئة الاجتماعية، وهي مكون من مكونات النظام الأصغر Microsystem في التصور الإيكولوجي. 
6- أبعاد الرعاية الوالدية تصنف تبعاً لدرجة الدفء والتقبل من جهة وكمية الضبط الذي يمارسه الوالدان على سلوك أبنائهم، وعليه نحصل على أربعة أنماط للتنشئة الوالدية الأساسية هي: النمط التسلطي، النمط الديمقراطي، النمط المتساهل، والنمط المهمل (التسيبي). 
7- أساليب الوالدين في التنشئة الاجتماعية تتضمن: إعطاء التعليمات المباشرة، النمذجة التغذية الراجعة، التقمص. 
8- المدرسة كوكالة للتنشئة الاجتماعية منظمة رسمية، تزود الأطفال بالمهارات التي لم تستطع الأسرة تذويدهم بها، كالقراءة والكتابة والحساب والعلوم والانضباط وضبط الانفعالات، والرعاية النفسية، وحل المشكلات. 
9- جماعة الأقران وكالة غير رسمية للتنشئة الاجتماعية تتيح الفرصة للتفاعل بعيداً عن أعين الراشدين وتوجيهاتهم، وتنمي لديهم الوعي بوجهات نظر الآخرين وحقوقهم. 
10- التعلق نزعة فطرية تظهر على شكل رغبة قوية لدى الأطفال نحو الآخرين الراشدين، وتعلن عن نفسها كعلاقة انفعالية ذات ثبات نسبي، ويتطور التعلق عبر ثلاث مراحل: المرحلة الاجتماعية، مرحلة التعلق اللا مميز، مرحلة التعلق المحدد. 
11- تعددت التوجهات النظرية المفسرة للتعلق، وتتضمن النظريات التحليلية (خفض الدافع) (فرويد وإريكسون)، النظرية التطورية (بولبي)، نظرية التلامس (هارلو وهارلو).
12- تتنوع أنماط التعلق تبعاً لأنماط التفاعل بين الطفل وأمه، ابتكرت آينزورت طريقة الموقف الغريب لدراسة أنماط التعلق فكشفت عن: التعلق الآمن، التعلق التجنبي، التعلق المقاوم، والتعلق غير الآمن ويترتب عن كل نمط من أنماط التعلق آثار تميزها عن غيرها. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ

تحميل محتوى الصفحة رجوع