الهوية الجندرية
مقدمة:
لماذا يكون السؤال الأول الذي يطرحه الناس عادة عندما يعرفون أو ينتظرون قدوم مولود جديد "ولد أو بنت"؟ لماذا يهتم الناس بمعرفة جنس المولود؟ لماذا تكون نوعية الجنس أول معلومة ترتبط بالمولود؟ وسواء كانت الإجابة ببنت أو ولد فإن الأمر يتعدى حدود التمييز البيولوجي، فهذه التسميات ترتبط أساليب تربية كل من الجنسين، وبالتوقعات الثقافية الاجتماعية للذكورة والأنوثة، وهذه القضايا مجتمعة تشكل ما اصطلح العلماء على تسميته بالجندر.
أولاً: المصطلحات الأساسية في مجال الجندرية:
استخدم الباحثون مصطلحي الجنس Sex والجندر Gender في السابق كمترادفين، ولكن يتجه الكثير من السيكولوجيين في الوقت الراهن إلى تبني تعريفات أكثر دقة لكلا المصطلحين.
ومع ذلك فليس هناك تمييز قاطع بين الجنس والجندر، فالتوقعات الثقافية للنساء والرجال (الجندر) ليست منفصلة عن الوعي بالأبعاد الجسدية للرجال والنساء (الجنس) (lips, 1993).
وفيما يلي تعريف بالمصطلحات الأساسية في هذا المجال
أولاً: مفاهيم أساسية
الجنس Sex: يشير إلى التصنيف البيولوجي للذكورة والأنوثة اعتماداً على التركيب الجيني والتشريحي والهرموني، وهو المصطلح الوحيد الذي يتناول البعد البيولوجي من بين المصطلحات المطروحة في هذا المجال.
الجندر gender: يصف الخصائص والسلوكات التي تعتبر الثقافة مناسبة للرجال والنساء، الجندر مصطلح سيكولوجي أو ثقافي وليس وصفاً بيولوجياً.
نافذة (1) |
الخصائص الجنسية الأولية للرضيع تمثل الجنس، لكن كونه يلبس ملابمس زرقاء أو زهرية فذلك يمثل الجندر، فألوان الملابس وشراشف السرير توجهنا لأن نتعامل معه كولد أو كبنت. |
الهوية الجندرية Gender Identity: تشير إلى تصنيفنا لأنفسنا (وللآخرين) كذكر أو أنثى، ولد أو بنت. فهي وعي الفرد بالفئة الجندرية التي ينتمي إليها وكل ما تتضمنه هذه الفئة، وهي بعد هام في تطور مفهوم الذات، والمعنى الذي تحمله الهوية الجندرية يتأثر بعمق الثقافة التي ينشأ فيها الفرد خلال عملية التنشئة الاجتماعية.
الأدوار الجندرية: Gender Roles: هي السلوكات والاهتمامات والاتجاهات والمهارات وخصائص الشخصية التي تعتبرها الثقافة مناسبة للذكور والإناث، فكل المجتمعات لديها أدوار جندرية.
نافذة (2) |
منذ القدم تتوقع معظم الثقافات من المرأة أن تكرس معظم وقتها لرعاية الأطفال وللأعمال المنزلية، بينما تتوقع من الرجل أن يكون نشيطاً وعدوانياً ومناقشاً، لكن أصبحت هذه الأدوار الجندرية أكثر مرونة وتنوعاً من السابق (Papalia and Olds, 1998) |
التنميط الجندري Gender typing: وهو تعلم الطفل لدوره الجندري منذ فترة مبكرة من حياته أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، لكن توجد الكثير من الاختلافات بين الأفراد في درجة تبنيهم للأدوار الجندرية.
الصور النمطية الجندرية Gender Stereotypes: وهي مجموعة من المعتقدات المشتركة بين أفراد المجتمع حول السلوك الذكري أو الأنثوي فالإناث سلبيات واعتماديات والذكور عدوانيون واستغلاليون، وتتراوح الصور النمطية بين سلوكات تتعلق بالمسافات التي يختارها الطلاب إلى المهن التي يرتادها الناس، فالذكر على سبيل المثال من غير المحتمل أن يسجل في مساق الاقتصاد المنزلي كذلك الأمر في ممارسة أعمال البناء بالنسبة للمرأة (Davis and Palladino, 2004) ويعتقد أفراد المجتمع أن هناك صفات تناسب الذكور وأخرى تنطبق على الإناث، ويبين الجدول أدناه بعض هذه الصفات.
مفهوم الجندر من وجهة النظر الإسلامية وتأثره
مفهوم (الجندر) الذي أصبح يمثل (حجر الزاوية) في معظم بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بقضايا النساء والشباب والأطفال في سياق محاربة التمييز ضد النساء والدفاع عن حقوقهن..
هذا المفهوم له جذور تاريخية تبدأ من حركات تحرير المرأة في الغرب ثم الحركات النسوية (الفيمينزم) Feminism رغم تنوع مراحلها.
المؤيدون له يدافعون عنه بأنه وسيلة لرفع التمييز ضد النساء في العالم!! والمناهضون له يدركون عمق وخطورة ما يحمله من مضامين وأبعاد تجلت في بنود المؤتمرات الدولية ومؤتمرات المرأة وعلى وجه الخصوص ما جاء في بعض بنود (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي تم اعتمادها في عام 1979م وأصبحت سارية المفعول في عام 1981م. بعد توقيع خمسين دولة عليها وانضم الى تلك المجموعة عدد من الدول العربية والإسلامية التي تحفظت على عدد من البنود.
هذا المفهوم.. لا بد لمن يرغب معرفته لغوياً ووظيفياً من إدراك أنه يرتبط (ارتباطاً قوياً) بأهداف (الحركة النسوية) في الغرب.
وإذا انطلقنا من تعريفه سنجد أن هناك عدم وضوح في ترجمة هذه التعريفات فأحياناً يكون المرادف لكلمة Gender هو النوع الاجتماعي، الجنس الاجتماعي، الدور الاجتماعي، الجنس البيولوجي... والجندر gender كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني وتعني في الإطار اللغوي Genus أي الجنس من حيث الذكورة والأنوثة.
وإذا عدنا الى تعريف (أوكلي) أستاذة الأنثروبولوجيا والتي أدخلت هذا المصطلح الى علم الاجتماع سنجد أنها توضح أن كلمة Sex التي تترجم لدينا بأنها الجنس أي هل هو ذكر أم أنثى.. أي التقسيم البيولوجي.. بينما تشير كلمة gender الى التقسيمات الموازية وغير المتكافئة اجتماعياً للذكورة والأنوثة.
وهم يرون أن هذا (المصطلح) يشير الى المثل والصور النمطية الثقافية للرجولة والأنوثة أي ان الثقافات السائدة هي التي تحدث التغيير في فكرة (الأنثى) حول نفسها ودورها في المجتمع ثم مكانتها.. وبالتالي ما ينال المرأة من ظلم وتدن في المكانة وعدم حصولها على حقوقها سببه النمطية Stereotype التي يضعها المجتمع وثقافته فيما يخص دور المرأة أو دور الرجل.. وهم يرون أن تشكيل هذه الصورة النمطية للجندر هو نوع من تصورات عقلية مبالغ فيها ومتحيزة للرجال والإناث بحيث تنتشر وتتكرر في الحياة اليومية.. وكان الاهتمام منصباً لدى علماء الاجتماع والنفس في فترة السبعينيات على توضيح وجود (النوع) بمعنى توضيح أن (الفروق والتقسيمات بين الرجال والنساء) لا يمكن تفسيرها من خلال الفروق البيولوجية أي كون الرجل ذكراً والمرأة أنثى. وإنما من خلال أن الأفكار السائدة ثقافياً حول الرجولة والأنوثة هي صورة (نمطية) ليس لها علاقة دقيقة بالواقع.. واتضح لديهم - كما يقولون - وجود فروق هائلة بين الثقافات في الأفكار المتعلقة بالجندر (النوع) وحول (أدوار) الرجال والنساء.. وظهرت دراسات حول الطريقة التي يتحول بها الأطفال الصغار بنين وبنات الى رجال ونساء بالغين.. عبر عمليات (التنشئة الاجتماعية) طوال مراحل تربية الطفل، والتعليم، وثقافة الشباب، والممارسات المهنية وأيديولوجية الأسرة.. هذه النظرة التي من خلالها تم تشكيل (إطار الجندر) نجد أنها خاصة بالدور الثقافي وليس التقسيم البيولوجي الذي لا يمكن تجاوزه أو تغييبه لتمرير أفكار معينة ترغب في (مساواة مطلقة) بين الرجال والنساء دون مراعاة للفارق البيولوجي وما يتطلبه من المجتمع الذي يرغب (استثمار جهود النساء والرجال) ولكن وفق (منظومته العقدية) ووفق الأصل الإنساني للخليقة منذ ميلاد آدم.. وهي حقيقة لا ينبغي تجاوزها ثقافياً أو اجتماعياً!! أو إلغاؤها وفق أجندة (رائدات الجندرة)..
ونشير هنا إلى أن الإسلام أقر بالفروق بين الذكر والأنثى من حيث الخلقة والطبيعة، وأنه يترتب على هذا اختلاف في الأدوار المجتمعية، وهي – في الإسلام- قسمة عقلية، تتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة، فهناك (أدوار) خاصة بالرجل لا تستطيع المرأة القيام بها، لأنها تتنافى مع طبيعتها، وهناك (أدوار) خاصة بالمرأة، لا يستطيع الرجل القيام بها، وهناك (أدوار مشتركة) يمكن للمرأة أن تقوم بها كما يقوم بها الرجل، وهذه الأدوار المشتركة تدخل في حيز (الاختيار) لا الإجبار.
وقد أبان القرآن عن تلك الفروق الأصيلة في أصل الخلقة، كما في قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، بل إن المرأة العربية ( خولة بنت ثعلبة) رضى الله عنها– بفطرتها- أدركت تلك الفروق، حين حكم النبي – صلى الله عليه وسلم– بطلاقها، على ما هو معهود قبل نزول آيات الإيلاء، فقالت للنبي – صلى الله عليه وسلم-:” يا رسول الله، إن لي منه أولادا، إن تركتهم له ضاعوا، وإن أخذتهم منه جاعوا”، فأبانت عن فوارق الوظائف الاجتماعية بين الرجل والمرأة، وهذه الفروق والاختلافات لا تعني التناحر بين الذكر والأنثى، بقدر ما تدلل على أنه لا استغناء لكل من الرجل والمرأة عن الآخر، فكلاهما بحاجة إلى الطرف الآخر، وأن تلك الفروق تقود إلى الحاجة إلى التكامل، وهذا التكامل هو أحد أعمدة البناء الاجتماعي بين كل بني البشر، ليس فقط بين الذكر والأنثى، وقد قال الله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]، فكل يخدم بعضه، وكل بحاجة إلى الآخرين.
جدول: بعض الصفات المرتبطة بالذكور أو الإناث
الصفات المرتبطة بالذكور | الصفات المرتبطة بالإناث |
نشيط | عاطفية |
عدواني | حالمة |
مؤكد لذاته | انفعالية |
واثق من نفسه | لطيفة |
شجاع | متذمرة |
منطقي | حساسة |
عقلاني | طيبة القلب |
جريء | مطيعة |
قوي | ثرثارة |
عنيف | جبانة |
قاس | ضعيفة |
ثانياً: التفسيرات النظرية لتطور الهوية الجندرية واكتساب الأدوار الجندرية:
يستطيع معظم الأطفال في سن الثانية والثالثة تسمية أنفسهم على أنهم أولاد أو بنات، كما أن بإمكانهم تصنيف الآخرين على أنهم أعضاء في أي من هاتين الفئتين، بعد الثالثة يتوقع من معظم الأطفال أن يعرفوا التوقعات الثقافية للذكور والإناث، فكثيراً ما نسمع من الأطفال "أن الأولاد لا يلعبون بالدمى" و"تكبر البنات ليصبحن ممرضات" و"لا بأس من أن تتسخ ملابس الأولاد أما البنات فيجب أن يكن أنيقات". يتعلم الأطفال في ثقافة ما، أن هذه السلوكات أو الأدوار الاجتماعية تناسب الذكور أو الإناث خاصة فيما يتعلق بالملابس وطرق اللعب ونوعية الألعاب والأدوار المستخدمة فيه، وبين السنتين الرابعة والخامسة يعي الأطفال أن بعض المهن خاصة بالرجال وأخرى بالإناث، كما يتعلم الأطفال أن الرغبة في الاستقلالية والقوة لا تناسب الإناث، وأن الشعور بالضعف والاتكالية ليست من سمات الذكور (Davis and Palladino, 2004) ولكن كيف نفسر تطور الهوية الجندرية لدى الأطفال واكتسابهم للأدوار الجندرية؟
ثمة أربع نظريات بهذا الشأن لكل منها تركيز مختلف عن الأخرى وهي: التحليلية والتعلم الاجتماعي والنمو المعرفي والسكيما الجندرية.
1- نظريات التحليل النفسي Psychoanalytic Theory
يعتبر فرويد والتحليليون الكلاسيكيون التقمص أو التوحد Identification عاملاً هاماً في تطور الشخصية في مرحلة الطفولة المبكرة. والتقمص هنا عبارة عن تبني خصائص ومعتقدات واتجاهات وقيم وسلوكات الوالد من نفس الجنس.
يعتقد فرويد بأن التقمص يحدث عندما يكبت الطفل رغبته في امتلاك الوالد من الجنس المغاير، ولذلك يحل هذه المشكلة بتوحده مع الوالد من نفس الجنس، وعلى الرغم من أن هذا التفسير لتطور الهوية الجندرية قد ساد لفترة طويلة، إلا أن الدراسات قد يبنت أن السلوك المنمط جندرياً لا يشبه سلوك الوالدين كثيراً، ويفضل الكثير من السيكولوجيين في الوقت الراهن اعتماد النظريات المعرفية ونظريات التعلم الاجتماعي في تفسير التطور الجندري (Papalie and Olds, 1998).
2- نظرية التعلم الاجتماعي Social Learning Theory
يتعلم الأطفال الهوية الجندرية والأدوار الاجتماعية وفقاً لهذه النظرية بنفس النظرية التي يتعلمون بها السلوكات الأخرى، وذلك من خلال الملاحظة وتقليد النماذج، وعادة ما يكون الوالد من نفس الجنس أحد هذه النماذج، وكذلك فإن الأطفال يقلدون نماذج أخرى على نفس النحو.
تشير العديد من الدراسات إلى أن لدى الأطفال ميلاً لتقليد النماذج التي يرونها متشابهة مع أنفسهم أكثر من النماذج التي تختلف عنهم، فليس مستغرباً أن تتشابه سلوكات الأطفال مع أبائهم من نفس الجنس أكثر وأكثر كلما نما الأطفال عبر الزمن، كما تتعزز المحاكاة من خلال الراشدين اللذين يصدرون أحكاماً من مثل "أنها تشبه أمها تماماً" أو "يشبه أباه كثيراً". (Baron, 1998).
عندما يلاحظ الطفل أنه أشبه بوالده من أمه من الناحية الجسدية ويعمل على تقليده فإنه يكافأ لأنه تصرف كولد (ذكر)، ونفس الشيء يحدث مع البنت، وفي نهاية الطفولة المبكرة يكون الطفل قد تعلم هذه الأمور وليس بحاجة لأن يمدح أو يعاقب أو أن يتصرف بأساليب مناسبة اجتماعية بحضور النموذج، فمنذ أن يتم تعلم الهوية والأدوار الجندرية يستطيع الأطفال تعديل سلوكاتهم بما يتسق مع الموقف.
على الرغم من أن هذه النظرية تبدو معقولة وواضحة، إلا أن إثبات صحتها يبدو أمراً صعباً فالأطفال يقلدون الراشدين من الجنسين وليس من نفس الجنس فقط، والأطفال قد لا يشبهون والديهم في شخصيتهم، وأن حصل ذلك فقد لا يشبهون الوالد من نفس الجنس، ومما لا شك فيه أن لهذه النظرية صلة باكتساب الأطفال للهوية والأدوار الجندرية، ولكن يبدو أن آليات التعزيز والتقليد البسيط غير كافية لأن تفسر ما يحدث تماماً.
3- النظرية المعرفية النمائية لكولبرج
Kohlberg's Cognitive – Development Theory
يعتقد كوبرج أن تعلم الأطفال لهويتهم الجندرية لا يعتمد على الراشدين كنماذج أو كعوامل للتعزيز وللعقاب، وإنما يقوم الأطفال بتصنيف أنفسهم والآخرين كذكور أو إناث، ومن ثم ينظمون سلوكاتهم بما يتسق وهذا التصنيف، وبالتالي يتبنون سلوكات تناسب جندرهم، وانطلاقاً من هذا التوجه فإن الإناث يفضلن الدمى على الشاحنات ليس لأنهن حصلن على الموافقة أو القبول للعب بالدمى من الكبار (كما تشير نظرية التعلم الاجتماعي) وإنما لأنهن طورن وعياً معرفياً بأن اللعب بالدمى متسق مع فكرتهن عن أنفسهن كبنات (إناث).
وهكذا فإن كولبرج قد طرح نظرية في التنميط الجندري مختلفة عن النظريات الأخرى التي تمت الإشارة إليها، والتي ترى أن الأطفال يتعلمون أولاً أن يكونوا أولاداً أو بناتاً لأن والديهم يشجعانهم على ذلك، من ثم يقومون بالتوحد (التحليلية) أو بتقليد النماذج من نفس الجنس (التعلم الاجتماعي) وبذلك يكتسبون هوية جندرية تتسم بالثبات، وقد يتجهون بفعالية نحو نماذج من نفس الجنس ويحصلون على المعلومات ذات الصلة ليتعلموا كيف يتصرفون كأولاد أو كبنات، والقضية بالنسبة لكولبرج ليست كما تدعي نظرية التعلم الاجتماعي: "يتم التعامل معي كولد، إذن يجب أن أكون واحداً منهم". وإنما هي: "انظروا أنا ولد ولذلك فمن الأفضل أن أفعل كل شيء لمعرفة كيف أتصرف (Shaffer, 2000).
يعتقد كولبرج أن التطور الجندري يسير عبر المراحل التالية:
- لا يستخدم الأطفال الجندر قبل سن الثانية لتصنيف أنفسهم أو الآخرين، فتارة يشيرون إلى أنفسهم على أنهم إناث، وتارة أخرى ذكور، فليس لديهم بعد أي فهم عن أن الجندر خاصية لدى الفرد لا تتغير.
- مرحلة الهوية الجندرية: تبدأ هذه المرحلة في السنة الثانية من عمر الطفل حيث يستطيع الأطفال تسمية أنفسهم والآخرين كذكور أو إناث، ولكن على أساس الخصائص الجسدية فالشخص أنثى لأن شعره طويل أو يرتدي تنورة، والشخص ذكر لأنشعره قصير ويضع ربطة عنق، ويتغير التصنيف الجندري مع تغير هذه الخصائص الجسدية.
- مرحلة استقرار الجندر Gender Stability تبدأ هذه المرحلة في السنة الرابعة من عمر الطفل حيث يفهم الطفل في هذه المرحلة أن الشخص الذي يعتبر ذكراً أو أنثى في الوقت الراهن كان كذلك في السابق وسيبقى في المستقبل كما هو، فالبنات يكبرن ليصبحن أمهات وليس آباء والأولاد يكبرون ليصبحوا أباء وليس أمهات، ففي المرحلة الثانية يدرك الأطفال أن الجندر مستقر عبر الزمن، إلا أنهم لا يدركون أن الجندر ثابت عبر المواقف، فإذا شارك طفل ما في نشاطات ذات طابع أنثوي مثل اللعب بالدمى فإن طفل هذه المرحلة يعتقد أن مثل هذا الذكر قد تحول إلى أنثى.
- مرحلة ثبات الجندر Gender Constancy: تبدأ هذه المرحلة في حوالي السنة الخامسة من العمر، يدرك طفل هذه المرحلة أن الجندر ثابت عبر الزمن والمواقف، يعرف الأطفال أن الجندر لن يتغير بغض النظر عن ملابس الشخص أو النشاطات التي يشترك فيها (Golombok and Fivash, 1995).
4- نظرية السكيما الجندرية Gender Schema Theory
طورت هذه النظرية ساندرا بيم عام (1983)، تحتوي النظرية على عناصر من كلا النظريتين المعرفية والتعلم الاجتماعي، والسكيما (تشبه السكيما في نظرية بياجيه) في هذه النظرية عبارة عن أنماط معرفية منتظمة من السلوك تساعد الطفل في تصنيف المعلومات، أما السكيما الجندرية فهي نمط من أنماط السلوك المتسق مع الجندر (Papila and Olds, 1998) يشير هذا الاتجاه إلى أن اكتساب الهوية الجندرية يعتمد إلى حد ما على نشوء السكيمات الجندرية.
فالسكيمات الجندرية عبارة عن أطر مرجعية معرفية تعكس خبرات الأطفال المتصلة بالمعتقدات الاجتماعية المتعلقة بصفات الذكور والإناث مثل: تعليمات الوالدين وملاحظاتهم المتعلقة بتصرفات الذكور والإناث في مجتمعهم (Baron, 1998).
ينتبه الأطفال إلى أن ثقافتهم تصنف الأفراد إلى ذكور وإناث يرتدون ملابس مختلفة ويلعبون بألعاب مختلفة، ويذهبون لمدارس منفصلة، عندئذ يقوم الأطفال بتكييف اتجاهاتهم وسلوكاتهم وفقاً للسيكمات الجندرية التي تسود في ثقافاتهم، أي ما يفترض أن يكون عليه الأولاد والبنات، وعندما يتصرف الأفراد وفقاً لمعايير جندرهم فإن تقديرهم لذواتهم يرتفع، وعندما لا يفعلون ذلك يشعرون بعدم الكفاية.
عندما تتشكل السكيمات فإنها تبدأ بالتأثير على معالجة الأطفال للكثير من أنماط المعلومات الاجتماعية، على سبيل المثال، فإن الأطفال من ذوي السكيمات الجندرية الراسخة يميلون إلى تصنيف سلوك الآخرين على أنه إما ذكري أو أنثوي، كما أن استدعاء السلوكات المتسقة مع سكيماتهم الجندرية يكون أسهل بالنسبة إليهم.
لا تنظم السكيمات الجندرية معلوماتنا المتعلقة بالجندر فحسب، وإنما توجه طريقة فهمنا للمعلومات الجديدة عن الجندر، وعموماً، فنحن نميل لتوجيه اهتمام أعلى للمعلومات التي تؤيد ما لدينا من سكيمات أكثر من تلك التي تنفيها، ونحن قد ننسى أو نشوه المعلومات بطرق تجعلها أكثر اتساقاً مع سكيماتنا (Goloinbok & Fivash, 1995).
عندما يتم تعلم السكيمات الجندرية فمن الممكن تعديلها كما هو الحال في نظرية التعلم الاجتماعي وقد بينت بيم Bem أن بإمكان الراشدين تعليم أطفالهم سكيمات أخرى جديدة عوضاً عن تلك التي تعزز الدور الجندري التقليدي.
يستطيع الراشدون تغيير السكيمات الجندرية التقليدية لدى الأطفال من خلال:
- مشاركة الآباء في الأعمال المنزلية.
- تقديم هدايا غير تقليدية (مدى للأولاد وشاحنات للبنات).
- تعريف الأطفال على رجال ونساء في مهن غير تقليدية.
- التمييز بين الرجال والنساء بناء على الخصائص التشريحية والإنجابية بدلاً من الملابس.
الطفل الذي ينشأ في مثل هذه البيئة الثقافية ينمو بشخصية اندروجينية Andrygenous. فالشخص الاندروجيني هو الذي يعمل على دمج الخصائص الإيجابية التي يعتقد أنها ذكرية مع تلك التي ينظر إليها عادة على أنها أنثوية، على سبيل المثال من المحتمل أن يكون الشخص الاندروجيني مؤكداً لذاته ومسيطراً استقلالياً (خصائص ذكرية) وقد يكون في نفس الوقت شفوقاً ومتعاطفاً ومتفهماً (خصائص أنثوية).
أن كلمة Androgynous مشتقة من ndro تعني ذكر male وgyne وتعني أنثى female
استثار هذا الاتجاه الذي طرحته بيم Bem العديد من الدراسات التي حاولت معرفة ما إذا كان الشخص الاندروجيني يتمتع بصحة نفسية أفضل وقدرة أعلى على التكيف من أولئك الأفراد الذين يتصفون إما بالذكورة أو الأنوثة على نحو لا مرونة فيه.
بينت العديد من الدراسات أن الأفراد الاندروجينيين يسجلون علامات أعلى على مقاييس تقدير الذات من الأفراد المنطمين جنسياً بشدة، بينما وجدت دراسات عديدة أخرى فروقاً قليلة أو معدومة بين الاندروجينين والنمط الذكري على مقاييس تقدير الذات، وقد يعزى السبب إلى أن الخصائص الذكرية تحتل عادة المكانة الأعلى في معظم المجتمعات من الخصائص الأنثوية، وربما أن الجوانب الذكرية للشخص الاندروجينية هي التي ترتبط بالمرونة السيكولوجية والتكيف (Malim and Birch, 1998).
نافذة رقم (3) |
حظيت نظرية السكيما الجندرية بقبول واسع بين علماء علم النفس بسبب شموليتها، إنها تقدم وجهة نظر متوازنة للتطور الجندري تتمثل في أخذها للوجهتين الاجتماعية والمعرفية في فهم هذا التطور. (Acudemic. Pg. cc. md. Us) |
نشاط رقم (1) |
1- اقرأ نصاً من نصوص أدب الأطفال، ابحث فيها عن المفاهيم النظرية التي عرضت. 2- اقرأ نصوصاً من مجلات الأطفال وابحث فيها عن المفاهيم أو النظريات الجندرية. 3- شاهد بعض الحلقات التلفزيونية أو الصور المتحركة الخاصة بالأطفال وبين ما إذا كانت نصوصها تأخذ بعين الاعتبار مفاهيم النظريات الجندرية. |
هل يختلف الذكور عن الإناث؟ وإن كان الأمر كذلك فعلاً فما هي أوجه هذا الاختلاف؟
ساد الاعتقاد لفترات طويلة أن الفروق بين الجنسين توجد لدى الأفراد منذ الولادة، وأنه من الطبيعي تقسيم الأفراد إلى نساء ورجال وفقاً لخصائص معينة كالعدوانية والنشاط والسيطرة وتأكيد الذات وحل المشكلة وما إلى ذلك، إلا أن هذه الفطرة واجهت تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة. (Kimura, 2000).
من المستحيل طبعاً أن نتجاهل الاختلافات الجسدية بين الجنسين، فهي واضحة وعالمية إلا أن الفروق السيكولوجية ليست كذلك، لأنها تتأثر بالمضمون الثقافي/ الاجتماعي الذي ينشأ الفرد في إطاره والذي هو في الواقع غامض وغير متسق (Kail, 1998) وسنتناول فيما يلي بإيجاز الفروق الجندرية في بعض الجوانب السيكولوجية.
ثانياً: الفروق الجندرية في السلوك الاجتماعي:
الكثير من الصور النمطية المرتبطة بالسلوك الاجتماعي تعكس صورة النساء على أنهن يمارسن مهام الرعاية وحساسات انفعالياً، بينما الذكور مسيطرون وعدوانيون فما مدى حقيقة هذه الاختلافات؟
بالنسبة للحساسية الانفعالية تبين أن النساء يظهرن مهارة أعلى من الرجال في تمييز انفعالات الآخرين من الإشارات غير اللفظية: كالتعبيرات الوجهية ولغة الجسد وهكذا. كما أنهن أفضل في التعبير عن مشاعرهن بطريقة غير لفظية (Baron, 1998).
الحساسية الانفعالية جزء من الذكاء الانفعالي.
أما بالنسبة للسلوك العدواني فهل الذكور فعلاً أكثر عدوانية؟ يبدو أن الإجابة على هذا التساؤل تعتمد على نوعية العدوان، فالذكور أكثر عدوانية من الإناث عند الحديث عن العدوان الجسدي على الآخرين، خاصة في غياب الاستفزازات القوية والواضحة، ولكن تميل هذه الفروق بين الجنسين إلى التضاؤل عند وجود الاستفزازات القوية، إلا أن للعدوان أشكالاً أخرى غير مباشرة من قبل: نشر الشائعات حول الآخرين، وعدم الدفاع عنهم في غيابهم وهكذا. وتشير الدراسات إلى أن الإناث يشاركن بمثل هذه الأنواع من العدوان غير المباشر أكثر من الذكور(Baron, 1998).
العدوان الجسدي يتفوق فيه الذكور على الإناث بينما تتضاءل هذه الفروق في أشكال أخرى
نافذة رقم (4) |
الفروق الجندرية موجودة لدى فئات كبيرة من الأولاد والبناء ولكن ليس لدى أفراد بحد ذاتهم، إن معرفتنا بجنس الطفل لا تمكننا من التنبؤ بأن هذا الولد أو هذه البنت سيكون أسرع أو أقوى أو أكثر طاعة أو تأكيداً لذاته من أي طفل آخر. |
تفكير ناقد |
- هل الذكور أفضل من الإناث في الحساب؟ - هل الإناث أفضل من الذكور في القدرة اللفظية؟ - هل النساء غير ثابتات انفعالياً مقارنة بالرجال؟ - هل النساء أرقى أخلاقاً مقارنة بالرجال؟ - هل الرجال الأشد عنفاً؟ - هل لكل من الرجال والنساء أساليبه الخاصة في الحكم الأخلاقي؟ |
رابعاً: الفروق الجندرية في التكيف السيكولوجي:
التكيف النفسي من المجالات التي اتضح وجود فروق جندرية واضحة فيها، فعلى سبيل المثال تعاني الإناث من الاكتئاب أكثر مما يعاني الذكور ويحتمل أن تعاني النساء أعراض الحزن وفقدان الطاقة وانخفاض الإحساس بالمتعة في النشاطات التي تعتبر عادة ممتعة أكثر من الرجال. هذا بالإضافة إلى أن اضطرابات الأكل مثل الانركسيا Anarexix nervosa والبيوليميا Bulimia تصيب الإناث أكثر من الذكور (Doman, 1998) وهناك تقديرات تشير إلى أن 95% من الذين يعانون من اضطرابات الأكل هم من النساء (Crawfold and Unger, 2000).
ولكن لماذا الإناث أكثر عرضة من الرجال لمعاناة خبرات الاكتئاب؟
إن من يفتقد إلى القوة والمكانة والدخل أكثر احتمالاً لأن يواجه خبرات الإحساس بالعجز، وهذا الإحساس المدمر يعتبر بمثابة النذير لحدوث الاكتئاب وبما أن الإناث أكثر تعرضاً لمثل هذه المواقف من الذكور فمن المحتمل أن ترتفع نسبة إصابتهم بالاكتئاب بالمقارنة مع الجنس الآخر (Damon, 1988).
الصورة التي ترسم للمرأة في الكثير من المجتمعات الحديثة فيها تأكيد على الرشاقة والجاذبية وإذا أخذنا هذه الحقيقة بعين الاعتبار فليس مستغرباً أن تعاني الإناث أكثر من الذكور من الاضطرابات السيكولوجية المرتبطة بهذا المعيار (Doman, 1988) وعلى الرغم من أن عدم الرضا عن المظهر الخارجي إحساس يصيب الذكور والإناث، إلا أن الإناث أكثر معاناة على هذا الصعيد. (Crawford and Unger, 2000).
تفكير ناقد |
حاول أن ترسم الصورة المتوقعة للمرأة مع بدايات القرن الواحد والعشرين |
خامساً: الفروق الجندرية في القدرات العقلية
تؤكد الصور النمطية السائدة والمنتشرة على أن الإناث يتفوقن على الذكور في القدرة اللفظية، بينما يتفوق الذكور على الإناث في الرياضيات والقدرة المكانية، فما مدى حقيقة هذه الفروق؟
يفيد البحث في هذا المجال أن مثل هذه الفروق إن وجدت فهي أصغر مما تفترضه هذه الصور النمطية (Damon, 1988) فهي صغيرة جداً وفي الغالب لا معنى لها، كما أنها بدأت بالتضاؤل في السنوات الأخيرة (Papalia Olds, 1998)
نشاط رقم (2) |
1- عدد المجالات التي كنت تعرف أن فيها فروق جندرية قبل دراستك للنمو الجندري. 2- ما هي المجالات التي لم تتفق مع توقعاتك بعد أن درست هذه المادة؟ |
تفكير ناقد |
ورد في الجدول رقم (2) صفات كل من الذكور والإناث كما ارتأتها الثقافة الغربية. أي من هذه الصفات تنطبق على الذكور والإناث في ثقافتنا العربية الإسلامية. |
سادساً: الفروق الجندرية المستندة إلى الدماغ:
على الرغم من أن نظرية النصفين الكرويين للدماغ قد بدأ تناولها في الأدب التربوي منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، وعلى الرغم مما تعرضت له هذه النظرية من نقد ورفض من بعض السيكولوجيين وبعض علماء الدماغ إلا أن البحث والاستقصاء فيها مستمر حتى الآن.
فقد خصص ديفيد سوسا (D. Sousa) فصلاً في كتابه (How the brain learns) لتفسير هذه النظرية، ووضع الاستراتيجيات الصفية التي تستند إلى شقي الدماغ والتي يستخدمها المعلمون لتأكيد دور النصفين معاً في عملية التعلم (Sousa, 1995)
ورد في الفصل الخاص بالدماغ وتحت عنوان الفروق الدماغية بين الجنسين أن هناك فروقاً في الحجم الكلي للدماغ لصالح المواليد الذكور وبنسبة 12 – 20%، وفي محيط الرأس بنسبة 2% لصالح الذكور أيضاً، وبالمثل بالنسبة للوزن حيث أن دماغ الذكر البالغ يزن أكثر من الأنثى البالغة، هذا في حين أن الأنثى تمتلك جسماً جاسئاً Corpus Callosum أكبر مرده إلى زيادة في الألياف بنسبة 3 – 10% مما هو لدى الذكر، كما أن هناك فروقاً بنائية في الهيبوتلاموس بين الذكور والإناث في عدد من مناطقه، كما أن هناك زيادة في نسبة السيروتونين لدى الإناث مما هو لدى الذكور، حيث ترتبط زيادته بزيادة نسبة الخوف والخجل وانخفاض الثقة في النفس، أما انخفاضه فيرتبط بانخفاض مستوى العدوان والتهور والانتحار والإدمان والاكتئاب كما جاء في كتاب جينسن (Jensen, 1998) أن النصف الكروي الأيسر يتطور بسرعة أكبر من النصف الأيمن لدى الإناث، في حين أن النصف الأيمن لدى الذكور يتطور قبل الأيسر. هذه الفروق تلعب دوراً في الانضباط الصفي والتفضيلات الرياضية. كما لوحظ أن وظائف التفكير لدى الإناث تنتشر في منطقة واسعة من الدماغ مما يؤدي إلى صعوبات تعلم أقل، ويضيف جنسن أن لدى الإناث تقلبات في هرمونات البروجيسترون والاستروجين، أن انخفاض مستويات هرمون الاستروجين يؤدي إلى تحسن في الدرجات على اختبارات الرياضيات والقدرة المكانية، أما المستويات المرتفعة من هذا الهرمون يتبعها تحسن في المهارات اللغوية والحركية الدقيقة. (Jensen, 1998).
وتفيد نتائج دراسات الدماغ أن الإناث يفضلن استعمال النصف الأيسر للدماغ مقارنة بالذكور، وعليه يتفوقن في القدرة اللفظية ويتوجهن أكثر إلى التحليل، ويكن أفضل في حل المشكلات، هذا في حين أن الذكور يكونون أفضل من الإناث في الرسم والتلوين والرياضيات، ويتعاملون أكثر مع العالم المرئي مقارنة بالعالم اللفظي.
نشاط رقم (3) تساؤلات تبحث عن إجابات |
- هل الجندر يكمن في جيناتنا؟ - هل تسلط الرجال مرده إلى هرمون التستوستيرون؟ - هل أن هرمون الاستروجين يجعل النساء أطوع للتنشئة؟ - كم من سلوكنا الجندري مرده إلى البيولوجيا وكم من سلوكنا الجندري مرده للتنشئة الاجتماعية؟ - هل الفروق الجندرية مردها إلى فروق في التكوين أم إلى فروق في الأساليب المتعلمة؟ |
تفكير ناقد |
هل أن الفروق في تركيب الدماغ بين الجنسين تؤدي إلى فروق في السلوك؟ |
النمو الأخلاقي
- مقدمة
شغلت القضايا الأخلاقية أذهان طلبة الفلسفة منذ عهد أرسطو، وفي علم النفس يلقي النمو الأخلاقي اهتماماً متزايداً من العلماء والباحثين.
لا يستطيع أي مجتمع أن يعمل بشكل سليم دون أن يكون لديه اتفاق على ما هو صح وما هو خطأ.
الأسباب الرئيسية لتأكيد الاهتمام على هذا البعد تنجم عن ضرورته في تنظيم المجتمع من جهة ولعلاقته بالصراع الذي يعيشه الفرد بين حاجاته الخاصة من جهة، والمتطلبات الاجتماعية من جهة أخرى (Hoffman, 1988). والأخلاق عبارة عن مجومعة من المبادئ والمثاليات التي تساعد الفرد في التمييز بين الصح والخطأ والتصرف بناء على ذلك التمييز. (Shaffer, 1993 in Eysenck, 1997)
يصبح المجتمع في حالة فوضى أن تباينت الآراء حول الموضوعات ذات الصبغة الخلقية
يبحث النمو الأخلاقي في كيفية تطوير الأطفال للقيم الأخلاقية ودراسة العمليات التي يتم من خلالها تبني وتذويت Internalize القوانين والمعايير السلوكية المقبولة في المجتمع، والتذويت هو تلك العملية التي من خلالها تصبح المعايير والقيم جزءاً من النظام المحرك والموجه للسلوك حتى في غياب ضغوط الآخرين (Malim and Birch, 1998).
يشير دامون (Damon, 1988) إلى أن الأخلاق تنمو على نحو طبيعي من خلال العلاقات الاجتماعية، وأخلاقيات الأطفال ليست استثناء لتلك القاعدة، فحينما توجد علاقات تفاعلية متبادلة مع الآخرين سيتلو ذلك قواعد للسلوك ومشاعر الرعاية والإحساس بالالتزام، يشارك الأطفال في العلاقات الاجتماعية منذ فترة مبكرة من حياتهم، فأفكارهم ومشاعرهم الأخلاقية هي نتائج حتمية لهذه العلاقات المبكرة والعلاقات الأخرى التي تظهر خلال حياتهم.
أولاً: التفسيرات النظرية للنمو الأخلاقي:
تصنف الاتجاهات النظرية التي تناولت النمو الأخلاقي بالبحث والتفسير في ثلاث فئات رئيسة هي:
1- الاتجاه التحليلي والذي نشأ عن نظرية فرويد.
2- اتجاه التعلم الاجتماعي والذي يعتمد على أعمال سكنر وباندورا.
3- الاتجاه المعرفي النمائي والذي يبدو واضحاً في أعمال بياجيه وكولبرج.
يؤكد كل من هذه الاتجاهات على جانب معين من خبرات الطفل ويغفل اعتبارات أخرى هامة. فعلى سبيل المثال: تركز النظرية التحليلية على الجانب الانفعالي للنمو الأخلاقي، بينما تؤكد نظريات التعلم على دور التعزيز العقاب والتعلم بالملاحظة، أما النظرية المعرفية النمائية فتهتم بالعلاقة بين مستوى التفكير الأخلاقي ومراحل النمو المعرفي عند الأطفال.
1- نظرية التحليل النفسي Psychoanalytic Theory
طور فرويد Freud نظرية شاملة تفسر تطور الشخصية والأخلاق والجندر وافترض أن شخصية الفرد الواحد فينا مؤلفة من ثلاثة أجزاء هي:
الهو Id وتتضمن القوى الغريزية الجنسية والعدوانية التي نولد ونحن مزودون بها، فعندما تظهر حاجة ما مثل الجوع أو العطش فنحن مدفوعون لإشباعها مباشرة ولهذا يعتقد فرويد أن الهو يعمل وفقاً لمبدأ اللذة Pleasure Principle
الأنا Ego: يتطور الأنا عندما نبدأ بإدراك أن ليس باستطاعتنا دائماً أن نحصل على ما نريد وأنه لابد من إشباع حاجتنا بطرق واقعية، وبهذا فإن الأنا يعمل وفقاً لمبدأ الواقع Reality Principle
الأنا الأعلى Superego: وهو الجزء الأخلاقي من الشخصية ويتألف من جزئين الأنا المثالي Ego Ideal ويتعلق بأي الأشخاص نرغب أن نكون، كما يجعلنا نشعر بالرضا عندما نسلك بما يتفق وتحقيق أهدافنا، أما الجزء الثاني فهو الضمير Conscience الذي يراقب ويضبط الانتهاكات، فعندما نسيء التصرف يجعلنا نشعر بالذنب، ويعمل الأنا الأعلى وفقاً لمبدأ الأخلاقي Morality Principle
يعتقد فرويد أن الأطفال يكتسبون قيمهم الأخلاقية من خلال عملية التوحد مع الوالد من نفس الجنس في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يتذوت الطفل المعايير والقيم الأخلاقية التي يتسم بها الوالد الذي يتوحد معه، ويعتقد فرويد أن الخوف من فقدان الحب الأبوي هو الذي يدفع بالطفل لعملية التوحد بالوالد، إلا أن هذه الفرضية قد حظيت بقليل من الدعم في دراسات التأديب الوالدي (Hoffman, 1988)
التوحد وعلاقته بتطور الهوية
2- نظرية التعلم الاجتماعي Social – Learning Theory
لا يعتبر أنصار التعلم الاجتماعي أن السلوك الأخلاقي نشاط خاص له مسار نمائي خاص به، وإنما يعتقدون أنه يكتسب كغيره من الاستجابات الأخرى من خلال التعزيز Reinforcement والعقاب Punishment.
يهتم علماء نفس التعلم بالسلوك الملاحظة ويعتقدون أن الخبرات التي يمر بها الطفل عندما يعاقب لأنه انتهك القوانين (التي وضعها الوالدان في البداية) سوف تؤدي به إلى الشعور بالقلق المؤلم – وتجنباً لهذا القلق فإن الطفل يتصرف على نحو أخلاقي في المواقف الجذابة أو المغرية حتى عندما لا يكون هناك من يراه، ويقترب هذا التفسير من مفهوم الأنا الأعلى عند فرويد: (Malim and Birch, 1998)، ولكن يبدو أن الإشراط الإجرائي وحده غير كاف لاكتساب الاستجابات الأخلاقية.
نافذة رقم (5) |
يشير مفهوم الإشراط الإجرائي هنا أن السلوك الجيد لدى الطفل لابد أن يتبع بأي شكل من أشكال التقبل أو العاطفة أو أي تعزيز آخر. |
فالسلوك الذي يعزز لابد من أن يحدث على نحو تلقائي، ونحن نعرف أن الكثير من السلوكات الاجتماعية من مثل المشاركة والمساعدة أو تخفيض المعاناة عن رفيق لا تحدث في البداية على نحو يكفي لتعزيزها إذن فكيف نفسر النمو الأخلاقي السريع في الطفولة المبكرة.
أسهمت أعمال باندورا Bandura في مجال التعلم بالملاحظة في تفسير السلوك الأخلاقي الذي يظهر عند الأطفال منذ مرحلة مبكرة من أعمارهم. حيث افترض أن الأطفال يتعلمون كيف يتصرفون بأخلاقية من خلال ملاحظة النماذج التي تعاقب بسبب سلوكها اللأخلاقي، فتعرض الطفل لخبرة العقاب بالإنابة يؤدي به إلى تجنب هذا السلوك وعندما يكتسب الأطفال استجابة أخلاقية مثل المشاركة أو المساعدة أو قول الصدق (الحقيقة) فإن التعزيز الذي يقدم للطفل يعمل على تكرار هذا النمط من الاستجابات.
ولكن هل يقلد الطفل كل النماذج التي يتعرض لها؟
تشير بيرك Berk (2003) إلى أن توفر الخصائص التالية في النماذج تؤثر في رغبة الطفل لتقليدها. (Berk, 2003).
1- الدفء والاستجابية Warmth and responsiveness من الأكثر احتمالاً أن يقلد أطفال ما قبل المدرسة السلوكات الاجتماعية للراشد الذي يتصف بالدفء والاستجابة لهم أكثر من راشد آخر يتسم بالبرود والصد.
2- الكفاية والقوة Competence and Power يعجب الأطفال بالنماذج التي تتمتع بالكفاية والقوة ويعملون على تقليدها، وهذا ما يفسر رغبتهم في تقليد سلوك الرفاق الأكبر سناً والراشدين.
3- الاتساق بين التصريحات والسلوك Consistency between assertions and behavior يزيد تقليد الطفل للراشد الذي يتسق قوله مع فعله. أما عدم الاتساق فيظهر لدى النموذج الذي يعبر عن أهمية مساعدة الآخرين، على سبيل المثال، ولكن نادراً ما يقوم بأفعال تحمل مضمون المساعدة، هذا النموذج تكون احتمالات تقليده أقل كثيراً من النموذج السابق.
يظهر التأثير القوي للنماذج في سنوات الطفولة المبكرة، ففي نهاية هذه المرحلة يميل الأطفال الذين تعرضوا لتاريخ متسق من رعاية الكبار لأن يسلكوا على نحو مقبول اجتماعياً بغض النظر عن وجود النماذج حيث يكونون قد تعلموا خلال هذه الفترة السلوك الجيد والقوانين الأخرى ذات الصلة من خلال الملاحظات المتكررة للآخرين والتعزيز المقدم من قبلهم.
ولكن من الملاحظ أيضاً أن الآباء يعملون على معاقبة أطفالهم عندما يسيئون التصرف فما هي التأثيرات التي يتركها الاستخدام المتكرر للعقاب؟ وما هي فعالية العقاب المستخدم في هذا المجال؟
- يعزز الاستخدام المتكرر للعقاب الخضوع المؤقت وليس التغيرات المستديمة في سلوك الأطفال وغالباً ما تظهر الاستجابات غير المقبولة في حالة غياب الراشد عن الموقف. فالأطفال الذين يتعرضون للعقوبات الوالدية على نحو متكرر يظهرون عدوانية أعلى خارج المنزل.
- للعقاب البدني القاسي نتائج غير محددة فكلما زاد العقاب البدني كلما ارتفعت نسبة السلوك اللاتكيفي بما في ذلك الاكتئاب والسلوك اللاجتماعي وانخفاض التحصيل المدرسي.
- عندما يضرب الآباء أطفالهم فإنهم يطرحون أنفسهم كنماذج عدوانية.
- لأطفال الذين يتعرضون للعقاب المتكرر يتعلمون تجنب الراشدين المعاقبين مما يقلل من الفرص المتاحة لهؤلاء الراشدين ليعلموا الأطفال السلوكات المرغوب فيها.
والآن ما هي البدائل التي يطرحها أنصار اتجاه التعلم الاجتماعي للعقاب القاسي الذي يمارسه المربون مع الأطفال في كثير من الأحيان؟
هناك العديد من البدائل المتوفرة التي يمكن أن تستخدم بدلاً من النقد والضرب والشتم ومن هذه البدائل:
أ- العزل Time out
يتضمن هذا الأسلوب استبعاد الطفل عن الموقف الحالي، على سبيل المثال إرساله إلى غرفته لحين يكون مستعداً للتصرف على نحو جيد، هذا الأسلوب مفيد عندما لا يكون الطفل قادراً على السيطرة على ذاته.
ب- سحب الامتيازات Withdrawal of Priviledges
تسحب بعض الامتيازات من الطفل مثل مشاهدة برنامجه المفضل أو الذهاب للسينما أو الحصول على هدية، يثير سحب الامتيازات استياء الأطفال عادة، لكنه يتيح المجال للآباء لتجنب القسوة في المعاملة والتي قد يترتب عليها سلوكات عدوانية شديدة.
وماذا لو كان للعقاب ضرورة، وشاء الآباء استخدامه، فما هي النصائح التي يمكن أن تقدمها لهم لتفعيل هذا الأسلوب وللتقليل من مخاطره على الأطفال؟ فيما يلي عدد من هذه النصائح.
ج- الاتساق Consistency
عندما يسمح الآباء للأطفال بالتصرف في مواقف معينة بينما يعاقبون نفس السلوك في مواقف أخرى، فإنهم يسببون الإرباك للطفل وعدم القدرة على معرفة السلوك المناسب للموقف، وبذلك يستمر السلوك غير المقبول لديهم بدلاً من أن ينتهي، لذلك على الآباء استخدام سياسة واحدة متسقة عبر المواقف المختلفة.
العلاقة الدافئة بين الوالد والطفل Warm parent – Child Relationship
الأطفال الذين يعيشون خبرة الرعاية الوالدية الجيدة يشعرون بعدم الارتياح لو توترت هذه العلاقة وبذلك فإنهم يرغبون في استعادة العلاقة الحميمة والقبول الوالدي بأسرع ما يمكن.
د- التفسير Explanation
يساعد التفسير الأطفال على تذكر السلوك السيئ وربطه بالسلوك المستقبلي المتوقع منهم وبذلك فإن تفسير أسباب العقاب العادي، غير الشديد، (مثل العزل) يؤدي إلى انخفاض عال في السلوكات السيئة فيما لو استخدم العقاب منفرداً.
3- النظرية المعرفية النمائية Cognitive – Development Theory
على الرغم من البحث المتكامل للنمو الأخلاقي في نظرية التحليل النفسي، إلا أن معظم البحث المتعلق بالتفكير الأخلاقي Moral Reasoning في أدب الموضوع مستمد من الاتجاه المعرفي النمائي.
وكما هو الحال في الكثير من موضوعات علم نفس النمو فإن بياجيه يعتبر أول المنظرين Theorist في طرح الأساس المعرفي لنمو التفكير الأخلاقي من خبرات اللعب مع أطفال الفئة العمرية من 6 – 12 سنة بالبي Marbles وقد اهتم بكيفية فهم الأطفال لقواعد اللعبة من حيث: كم كان مهماً بالنسبة لهم إطاعة قوانين اللعبة؟ وقادته ملاحظاته إلى افتراض المراحل المتعاقبة التالية:
- مرحلة ما قبل الأخلاقية (0 – 5 سنوات) Premoral Period يكون فهم الأطفال للقوانين أو الأوجه الأخرى للأخلاق قليلاً.
- مرحلة الأخلاقية الواقعية أو التبعية الأخلاقية (5 – 10 سنوات) Moral Realism or Heteronomous Period
يفتقر أطفال هذه المرحلة إلى المرونة في تفكيرهم، فهم يعتقدون أن القوانين يجب أن تطاع مهما كانت الظروف.
العدالة والقواعد ثابتة لا تتغير.
على سبيل المثال "من الخطأ أن تكذب حتى لو كنت فعلت ذلك لمراعاة مشاعر شخص ما".
ينصب اهتمام الأطفال في هذه المرحلة على نتائج السلوك وليس على النوايا التي يجب أن يتلقاه طفل كسر صحناً واحداً عندما كان يحاول سرقة قطعة بسكويت من العلبة بالمقارنة مع طفل آخر كسر عدداً من الصحون عندما كان يساعد في إعداد المائدة فكانت الإجابة أن الطفل الثاني يجب أن يعاقب أكثر من الأول لأنه كسر عدداً من الصحون دون الأخذ بالحسبان نوايا الفاعل.
نتائج الأفعال لا النوايا هي التي تحدد الحكم الأخلاقي.
يتسم التفكير الأخلاقي في هذه المرحلة بما يلي:
- يؤمن أطفال هذه المرحلة بالعقاب التفكيري Expiatory Punishment فكلما ازداد السلوك سوءاً كلما اشتد العقاب بغض النظر عن مدى ملاءمة العقاب للخطأ (الجريمة).
- الإيمان الشديد بالعدالة، فالسلوك السيئ يجب أن يعاقب دائماً وبطريقة ما.
مرحلة الأخلاقية النسبية أو الاستقلالية الأخلاقية (10 سنوات فما فوق)
Moral Relativism or Outonomous Morality
يفكر أطفال هذه المرحلة بمرونة أعلى في القضايا الأخلاقية ويفهمون أن القوانين الأخلاقية تنبثق عن العلاقات الإنسانية، ويدركون وجود التفاوت في المعايير الأخلاقية، واحتمال خرق أي من هذه المعايير في بعض المواقف. على سبيل المثال "إذا سئل أحد الأفراد من قبل شخص مسلح ببندقية ويتسم بالعنف الشديد عن موقع أو مكان شخص ما. من المقبول في مثل هذه الحالة أن يكذب بقوله "لا أعرف أين يوجد" على الرغم من أنه يعرف مكانه.
الحكم الأخلاقي يستند إلى النية
الفروق الرئيسية بين هذه المرحلة من النمو الأخلاقي والمرحلة التي سبقتها ما يلي:
- يدرك أطفال هذه المرحلة أن السلوك الخاطئ يعتمد إلى حد بعيد على نوايا الفرد أكثر من نتائج هذا السلوك.
- يدرك الأطفال أن العقاب يجب أن يتناسب مع طبيعة الخطأ (الجريمة).
- يدرك الأطفال أن بعض الأفراد يخطئون ولكن ينجحون في الإفلات من العقاب، مما يخفف (يقلل) من إيمانهم بالعدالة الموضوعية.
ولكن لماذا يتغير التفكير الأخلاقي على هذا النحو؟ يطرح بياجيه عاملين رئيسيين في هذا المجال:
الأول: يتسم التفكير عند الأطفال الصغار بالتمركز حول الذات، بمعنى أنهم يرون العالم من وجهة نظرهم فحسب. وفي حوالي السنة السابعة يتحررون من هذه الخاصية، حيث ينمو لديهم الوعي بحقيقة أن الأفراد الآخرين لديهم وجهات نظر مختلفة مما يؤدي إلى تطوير تفكير أخلاقي أكثر نضجاً لديهم.
الثاني: يطور الأطفال الأكبر سناً أفكاراً أخلاقية أكثر مرونة بسبب تفاعلهم مع جماعة الرفاق، وتعرضهم لوجهات نظر مختلفة أثناء التفاوض وحل النزاعات، وتقتضي هذه الأمور تفهم وجهات نظر الآخرين والتنسيق بينها، ومثل هذه الخبرات تؤدي بالأطفال إلى محاكمة قيمهم، بينما يكون التفكير الأخلاقي لدى صغار الأطفال على العكس من ذلك حيث يتسم بالجمود وينحصر تفسيرهم للسلوك الجيد أو السيء بردود فعل الوالدين إلى حد كبير.
نافذة رقم (6) |
اعتقد بياجيه أن فهم طبيعة القوانين يبدأ لدى الذكور على نحو أبكر من الإناث، كما أن قدرتهم على التنسيق بين وجهات النظر المتعددة هي أعلى مما لدى الإناث مما يؤدي إلى تطور مستوى أعلى من التفكير الأخلاقي لديهم، أما المنطق الذي اعتمده بياجيه لتبرير هذه الفرضية فيستند إلى أن الذكور يلعبون في مجموعات كبيرة بينما الإناث يتجمعن في مجموعات صغيرة (Golombok and Fivush, 1995) |
طور كولبرج فكرة بياجيه في التفكير الأخلاقي وبنى نظرية في النمو الأخلاقي على امتداد الطفولة والمراهقة والرشد المبكر. درس كولبرج التفكير الأخلاقي للأفراد باستخدام سلسلة من المعضلات الأخلاقية، كل معضلة تقدم للمفحوص تحثه على اتخاذ قرار معين، ولتوضيح هذا الأمر يمكن تقديم مثال على المعضلات التي استخدمها كولبرج في دراسته.
مشكلة هاينز:
هاينز رجل لديه زوجة تشرف على الموت بسبب مرض نادر، والدواء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ حياتها موجود بحوزة صيدلي واحد فقط، ويطلب منه ثمناً باهظاً وبرغم المحاولات العديدة المضنية للحصول على الدواء لم ينجح هاينز في الحصول عليه، والمشكلة الأخلاقية التي تبرز في هذه القضية تتعلق بما إذا كان يحق لهاينز أن يسرق الدواء لينقذ حياة زوجته.
أمثلة من الأسئلة التي كان كولبرج يطرحها:
- هل يجب على هاينز أن يسرق الدواء؟
- هل تتغير الأمور لو أن هاينز لا يحب زوجته؟
- هل تختلف الأمور لو أن الذي يموت هو شخص غريب؟
واستناداً لطريقة استجابة المفحوصين نحو هذه المعضلات، خاصة الأسباب التي كانوا يطرحوها لتبرير قراراتهم افترض كولبرج ثلاثة مستويات رئيسة للنمو الأخلاقي يتضمن كل منها مرحلتين أخلاقيتين:
- المستوى الأول: ما قبل التقليدي Preconventional
يعتمد التفكير الأخلاقي في هذا المستوى على النتائج المادية للسلوك.
المرحلة الأولى: تقيم القرارات الأخلاقية والطاعة على أساس القوة، خوف الفرد من أن يعاقب من قبل قوة أكبر منه، ويسلك الفرد باتجاه تجنب العقاب (كان يتوجب على هاينز أن لا يسرق الدواء المعيار الأخلاقي: طاعة سلطة الوالدين طبعاً في ثوابهم خوفاً لعقابهم.
لأنه سيعاقب). المرحلة الثانية. يسلك الفرد باتجاه الحصول على المنفعة الشخصية مثل المكافأة
أو المساعدة من شخص آخر. (كان يتوجب على الصيدلي مساعدة هاينز في مسألة تأجيل دفع النقود لأنه سيحتاج إلى مساعة من المعيار الأخلاقي: المصلحة الفردية
هاينز يوماً ما).
- المستوى الثاني: التقليدي Conventional
يعتمد الأفراد في قراراتهم الأخلاقية على القواعد والقوانين المتعارف عليها في المجتمع المرحلة الثالثة سواء كان السلوك صحيحاً أم خاطئاً فإن الأمر مرهون بموافقة أو عدم موافقة الجماعة. فالفرد يتصرف وفقاً لمعايير الجماعة التي ينتمي إليها، وتعتمد القرارات هنا على نية الشخص المرتكب للخطأ وليس على نتائج سلوكاته. الأخلاق هنا تعتمد على أن يكون الفرد جيداً نحو الآخرين وكذلك يكون الآخرون جيدين نحوه (كان يجب على هاينز أن لا يسرق الدواء لأنه لا يحب أن يسرق أحداً منه أي شيء).
المعيار الأخلاقي: الأعراف
المرحلة الرابعة: يعتمد التفكير الأخلاقي في هذه المرحلة على تجنب الشعور بالذنب واحترام القانون والنظام، لا تعتمد القرارات الأخلاقية على سلطة أناس معينين كالوالدين، وإنما على المعايير الاجتماعية العامة والالتزام بالواجب، وحل أي مشكلة أخلاقية لدى الفرد يجب أن يكون في الإطار القانوني لتجنب المساءلة القانونية بغض النظر عن الرضا أو عدم الرضا عن السلوك "يتوجب على هاينز أن لا يسرق الدواء لأن السرقة ضد القانون".
المعيار الأخلاقي: القوانين
المستوى الثالث: ما بعد التقليدي Postconventional
تعتمد الأحكام الأخلاقية في هذا المستوى على حقوق الفرد والعدالة وهي الأعلى في مستوى التفكير الأخلاقي، لأنها تعتمد على اهتمام عام بحقوق الناس كافة وعلى أسس مبادئ المساواة في العدالة.
المرحلة الخامسة: على الرغم من أهمية القوانين إلا أن العدالة تقتضي أحياناً ضرورة تغييرها أو إهمالها، فعلى سبيل المثال تعتبر مسألة المحافظة على حياة الإنسان أهم من انتهاك قانون السرقة. فالفرد هنا يتخطى شكل القانون إلى جوهره فأساس القانون حماية المجتمع وأن عجز عن ذلك فلابد من إبطاله أو تغييره، من واجب الزوج أن ينقذ زوجته، إن حقيقة أن حياتها معرضة للخطر تتجاوز أي معيار آخر يمكن أن تستخدمه للحكم على فعل، إن الحياة أكثر أهمية من التملك.
المعيار الأخلاقي: العقد الاجتماعي.
المرحلة السادسة: يتحمل الأفراد المسؤولية الشخصية نحو أ فعالهم (سواء حصلوا على موافقة المجتمع أم لم يحصلوا) وانتهاكهم لقوانين المجتمع. يعتمد التفكير الأخلاقي في هذه المرحلة على المبادئ الأخلاقية الإنسانية العامة، وتتضمن المفاهيم المجردة للعدالة (الكرامة الإنسانية والمساواة)، مبادئ العدالة تتطلب منا أن نتعامل مع مطالب كل الأطراف بطريقة حيادية غير منحازة ومجردة محترمة كرامة لكل إنسان كفرد، مبادئ العدالة إذن عامة تنطبق على الجميع، وهكذا فلا ينبغي أن نصوت لصالح قانون يساعد بعض الناس على إلحاق الضرر بالآخرين، إن مبادئ العدالة تقودنا نحو قرارات تقوم على الاحترام المتساوي للجميع.
المعيار الأخلاقي: مبادئ الضمير
انهمك كولبرج حتى (1975) في رصد بعض أفراد المرحلة السادسة، لكنه توقف عندئذ عن مواصلة هذا العمل بسبب أنه وباحثين آخرين، وجدوا أفراداً قلائل هم الذين يفكرون بثبات بهذا الشكل (أي طبقاً لمفهوم المرحلة السادسة) وأيضاً لأن كولبرج انتهى إلى أن مقابلاته لم تكشف عن فروق بين تفكير أفراد المرحلة الخامسة أو السادسة، نظرياً المرحلة السادسة يظهر فيها مفاهيم أوسع وأوضح حول المبادئ العامة (مثل العدالة وحقوق الإنسان) لكن المقابلات لم تكشف عن وجود هذا الفهم الواسع، لذا فقد أسقط المرحلة السادسة من تقسيمه وأطلق عليها "المرحلة النظرية" (Crain, 1992).
افترض كولبرج، كما هو الحال في النظريات النمائية الأخرى أن التفكير الأخلاقي عند الأفراد يتطور عبر المراحل. لم يربط المستويات بأعمال معينة، إلا أن الباحثين اقترحوا أن المستوى الأول يمتد حتى سن العاشرة، والمستوى الثاني يمتد من العاشرة وحتى الرشد، وإن ندرة من الناس تبلغ المرحلة الأخيرة كما وجد أن الرجال يصلون لمراحل أعلى من النساء (Woods, 1997).
نافذة رقم (7) |
في الدراسة الرئيسة التي أجراها كولبرج كانت عينته كلها من الذكور، وعندما بدأ الباحثون باستخدام نموذج كولبرج في دراسة النمو الأخلاقي عند الإناث أظهرت النتائج أن الإناث كمن يسجلن درقات أقل من درجات الذكور، معظم الإناث لم يصلن إلى المرحلة الثالثة (الاهتمام بتوقعات الآخرين) بينما الذكور كانوا يصلون إلى المرحلة الرابعة. (Golombok and Fivush, 1995). |
تفكير ناقد |
حلل معايير الحكم الأخلاقي لديك |
هاجمت كارول جيلجان Gilligan نظرية كولبرج واتهمته بالتحيز الجنسي وإهماله لحقيقة أن النساء والرجال لديهم قيم مختلفة وأن النساء لسن أقل منزلة من الناحية الأخلاقية (Eysenck, 1997) وقدمت جيلجان بيانات من مقابلات أجرتها مع نساء يواجهن مشكلات أخلاقية حقيقة ومن خلال تحليلها لهذه البيانات قدمت إثباتات تشير إلى أن التوجه الأخلاقي لدى الإناث يختلف عن التوجه الأخلاقي لدى الذكور (Golombok and Fivush, 1995).
تعتقد جيلجان أن الأولاد يطورون أخلاقية العدالة Morality of Justice حيث يركزون على استخدام القوانين والمبادئ الأخلاقية بينما تطور البنات أخلاقيات الرعاية Morality of Care والتي تتضمن قضايا الرعاية الموجهة نحو الآخرين والمحافظة على العلاقات معهم.
فإحدى المشاكل الرئيسية في نظرية كولبرج حسب اعتقاد جيلجان تكمن في أنه يعتبر أخلاقيات العدالة متفوقة على أخلاقيات الرعاية (Eysenck, 1997).
طرحت جيلجان Galigan ثلاثة مراحل للنمو الأخلاقي عند الإناث:
1- مرحلة المصلحة الشخصية Self - Interest
تستند القرارات الأخلاقية في هذه المرحلة إلى أسس أنانية تماماً وهذه المرحلة مشابهة للمستوى ما قبل التقليدي لدى كولبرج.
2- مرحلة التضحية بالذات Self - Sacrifice
تتمركز هذه المرحلة حول الاهتمام بالآخرين والتضحية بالحاجات والرغبات الذاتية من أجل مساعدة الآخرين، يحتل الاهتمام بالآخرين منزلة أعلى من اهتمام المرأة بذاتها.
3- وتتضمن المرحلة الثالثة التكامل بين الاهتمام بالذات والاهتمام بالآخرين والمرأة التي تصل إلى هذا المستوى تكون قادرة على التوفيق وتحقيق التوازن بين حاجاتها وحاجات الآخرين.
نافذة رقم (8) |
المعضلة الأخلاقية لدى المرأة تكمن في إيجاد التوازن بين إشباع حاجاتها وإشباع حاجات الآخرين فالمرأة لا ترى أن هذه الأهداف متناقضة لكنها تسعى لجعلها متكاملة. |
تفكير ناقد |
استعرض حجج كل من كولبرج وجيلجان في النمو الأخلاقي حدد موقفك من كل منهما. |
ثانياً: العوامل المؤثرة في التفكير الأخلاقي:
تشير بيرك Berk (2003) إلى العوامل التالية:
1- الشخصية Personality: ترتبط المرونة الذهنية والانفتاح على الخبرات الجديدة بتطور التفكير الأخلاقي. فالمراهق المنفتح ذهنياً أكثر مشاركة في الحياة الاجتماعية وهذا بالتالي يزيد من تعرضه لآراء ووجهات نظر مختلفة تمكنه من القدرة على إصدار الأحكام الأخلاقية أما الذي يجد صعوبة في التكيف مع الخبرات الجديدة فيكون أقل اهتماماً بالأفكار والتبريرات المنطقية لدى الآخرين.
2- التفاعل مع الأقران Peer interaction تؤيد الدراسات فكرة بياجيه التي تشير إلى أن التفاعل مع الأقران يزيد من الفهم الأخلاقي فالمراهقين الذين لديهم علاقات حميمة ويشاركون في النشاطات ويتناقشون مع الرفاق واعتبروا قادة وسجلوا درجات أعلى على الحكم الأخلاقي، كما أن الصراع مع الرفاق يتيح المجال للأطفال للوعي بوجهات نظر الآخرين مما يسهم في تحسين التفكير الأخلاقي لديهم.
3- أساليب التنشئة الاجتماعية Child – rearing practices ترتبط أساليب التنشئة المتسمة بالدفء وتبادل الأفكار بنضج التفكير الأخلاقي لدى الأطفال فالآباء الذين يناقشون ويستخدمون التعليل والتفسير والتعزيز ولديهم حب الرعاية يكون أطفالهم أكثر تطوراً في الفهم الأخلاقي في السنوات اللاحقة من أطفال الآباء الذين يستخدمون التهديد والوعيد والتعليقات الساخرة. كما تشير الأبحاث إلى أن الآباء الذين يستخدمون مستويات عالية من الود ومستويات أقل من تأكيد القوة ويشجعون المشاركة في القرارات العائلية يكون النضج الأخلاقي لدى أطفالهم أعلى من غيرهم.
4- التعلم Schooling يعتبر إتمام سنوات الدراسة من أكثر المؤشرات قوة على مستوى التفكير الأخلاقي، فالتفكير الأخلاقي الذي يتطور في مرحلتي المراهقة الرشد المبكر مرتبط ببقاء الفرد في المدرسة، وربما أن التعلم العالي أيضاً تأثير نوعي على النمو الأخلاقي لأنه يعرض الشباب لقضايا تمتد خارج نطاق العلاقات الشخصية إلى الجماعات السياسية والثقافية.
5- الثقافة Culture تبين الدراسات عبر الثقافة أن الأفراد في المجتمعات المتقدمة تكنولوجياً وفي الثقافات المدنية ينتقلون إلى المراحل التي أشار إليها كولبرج بسرعة أكثر ويصلون إلى المستويات الأعلى من الأفراد في المجتمعات غير الصناعية وفي البيئات القروية. فأعضاء هذه المجتمعات الصغيرة لا يصلون المرحلة الرابعة وما يعلوها بينما فئة المراهقين والشباب في المدارس والجامعات في الدول المتقدمة تستطيع ذلك.
أحد الآراء المطروحة لتفسير هذه الاختلافات الثقافية يؤكد على دور المؤسسة الاجتماعية في تطور الفهم الأخلاقي، فالتعاون الأخلاقي في المجتمعات القروية يعتمد على العلاقة المباشرة بين الأفراد. بينما في المراحل من الرابعة وحتى السادسة فإن التفكير الأخلاقي يعتمد على دور القوانين والمؤسسات الحكومية في حل النزاعات.
تفكير ناقد |
قيم العوامل التي ترى أنها أثرت في تفكيرك الأخلاقي. |
ثالثاً: الفروق الجندرية في التفكير الأخلاقي:
افترضت العديد من النظريات السيكولوجية وجود اختلافات بين الذكور والإناث في طريقة تطور التفكير الأخلاقي، فنظرية التحليل النفسي لفرويد تشير إلى أن الأنا الأعلى (الضمير) الناجم عن حل عقدة أوديب أعلى في ذويته وقسوته وضغطه لدى الذكور، مما يجعل الشخصية الأخلاقية لدى الذكور أكثر وضوحاً بالمقارنة مع الإناث، كما طرحت النظرية المعرفية النمائية لبياجيه اعتقاداً مشابهاً للتفوق الذكري على البعد الأخلاقي، حيث يشير إلى أن مفهوم الإنصاف Equity والذي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية لكل فرد، هو شكل أكثر فعالية وتطوراً بالنسبة للعدالة Justice وقد لاحظ أن الأولاد يتبنون مفهوم الإنصاف بينما الإناث يتبين مفهوم المساواة (Lips, 1993).
وربما أن أكثر النظريات شهرة في مجال النمو الأخلاقي هي نظرية كولبرج، والتي افترضت أن النمو الأخلاقي يسير عبر ثلاثة مستويات في ستة مراحل. وقد أشار كولبرج إلى أن النساء والرجال عموماً يحققون تطوراً حتى منتصف المستوى الثاني (التقليدي) في الحكم الأخلاقي ولكن وفي هذا المستوى فإن النساء يرتقين إلى المرحلة الثالثة المعتمدة على النوايا الحسنة والقبول الاجتماعي، بينما يرتقي الرجال إلى المرحلة الرابعة المستندة إلى المحافظة على النظام الاجتماعي ... وعلاوة على ذلك فإن الرجال من الأكثر احتمالاً أن يصلوا إلى المستوى الأعلى للتفكير الأخلاقي بالمقارنة مع النساء، وافترض أن النساء لن يصلن إلى المرحلتين الأعلى في المستوى الثالث ما لم يمارسن أدواراً مهنية شبيهة بتلك التي يمتهنها الرجال. كما عكست نظرية كولبرج تحيزاً قوياً ليس على مستوى الفروق بين الرجال والنساء والمتطلبات الأخلاقية الخاصة بأدوارهم، وإنما أيضاً في تفوق بعض أنواع التفكير الأخلاقي على الأنواع الأخرى فمن المحتمل أن تكون الأنواع الأخرى المختلفة من التفكير الأخلاقي ذات فائدة وفعالية على نحو لم تتم الإشارة إليه في نظرية كولبرج، هذا بالإضافة إلى أن هذه النظرية قد تم تطويرها استناداً لمعلومات اشتقت من عينة ذكور فقط وكأن الذكور يمثلون المعيار للإنسان العادي (Lips, 1993).
أما جيلجان فقد افترضت نظرية معرفية في النمو الأخلاقي كمحاولة لتصبح التحيز الذكوري الوارد في نظرية كولبرج وغيرها من النظريات الأخرى وقد توصلت جليغان نتيجة للأبحاث التي قامت بها إلى أن الأخلاقية النسائية تؤكد على أخلاقيات الرعاية وهذا الأمر لم يأخذه كولبرج بعين الاعتبار، كما استنتجت أن هناك مراحل لنمو أخلاقيات الرعاية على نفس النحو الذي يحدث في أخلاقيات العدالة (الحقوق)، كما تيشير جيلجان أيضاً إلى أن أخلاقيات العدالة وأخلاقيات الرعاية قد توجه التفكير الأخلاقي لدى الرجال والنساء، إلا أن الرجال يعطون أهمية وتأكيداً أكبر على العدالة (الحقوق) بينما النساء يؤكدون على نحو أعلى على أخلاقيات الرعاية.
وتعزو Golombk and Fivush (1995) هذه الفروق الجندرية في الحكم الأخلاقي إلى عاملين هما: الفروق الجندرية في المستوى التعليمي، والفروق الجندرية في الخبرات المبكرة لعملية التنشئة الاجتماعية.
فالمستوى التعليمي يرتبط على وجه العموم بمستوى الحكم الأخلاقي كما يقاس وفقاً لمقياس كولبرج. لأن التعليم الرسمي يؤكد على مبادئ التجريد، والأفراد في مستوى التعليم العالي قد يستخدمون مبادئ التجريد على نحو أعلى في قضايا الحقوق والعدالة. وعلاوة على ذلك، فإن الذكور يحصلون على مستويات عليا من التعليم الرسمي أكثر مما تفعل الإناث، وكنتيجة لذلك فمن المتوقع أن يستخدم الذكور مستويات أعلى في الحكم الأخلاقي من الإناث.
أما بالنسبة للتفسير الثاني المحتمل للفروق الجندرية في الحكم الأخلاقي فيؤكد على الفروق الجندرية في التنشئة الاجتماعية، وهذا البعد يمثل الأساس للطروحات التي قدمتها جيلجان، فلأن الإناث تتم تنشئتهن نحو العلاقات فإنهن يتجهن نحو الرعاية والاهتمام بالآخرين في أحكامهن الأخلاقية، وعلى العكس من ذلك يتم تنشئة الذكور نحو الاستقلالية وبذلك فإنهم يتجهون نحو التركيز على مبادئ حقوق الفرد والعدالة في أحكامهم الأخلاقية، وأن صدق هذا الاستنتاج فإننا نتوقع اختلافات في الأحكام الأخلاقية اعتماداً على الدور الجندري للفرد.
ويبقى طرح جليغان هاماً من حيث أن البحث في مجال النمو الأخلاقي كان محدوداً من حيث أنه أعطى أهمية أكبر للحقوق والعدالة وهي مثاليات ذكوريات Masculine ideals واهتماماً قليلاً بالرعاية والاستجابية Responsiveness وهي مثاليات أنثوية Fiminine ideals وفي الأغلب يظهر الاختلاف في التركيز في مواقف الحياة الواقعية أكثر من المعضلات الافتراضية والتي تكون ناتجة، إلى حد بعيد، عن اندماج المرأة الكبير في نشاطات الحياة اليومية بما في ذلك الرعاية والاهتمام بالآخرين، ومع أن الأدلة الحديثة تشير إلى أن العدالة والرعاية ليست أخلاقيات خاصة بالجندر، إلا أن أعمال جليغان قد وسعت من إدراكنا إلى أن الشخص الذي يتمتع بالأخلاق العالية هو ذلك الشخص الذي يؤكد على أهمية تحقيق العدالة لكل شخص وفي نفس الوقت يعتني بالآخرين ويهتم بهم (Berk, 2003).
الخلاصة:
1- هناك مصطلحات لابد من معرفتها لمن يدرس النمو الجندري، من هذه المصطلحات، الجنس، الجندر، الهوية الجندرية، الأدوار الجندرية، التنميط الجندري، الصورة النمطية الجندرية.
2- تطور الهوية الجندرية واكتساب الأدوار الجندرية من منظور التحليل النفسي يتم من خلال عملية التقمص، بها يتبنى الطفل خصائص ومعتقدات واتجاهات وقيم وسلوك الوالدين من نفس الجنس، أما من منظور التعلم الاجتماعي فإن تطور الهوية الجندرية واكتساب الأدوار الجندرية تتم من خلال التعلم بالملاحظة والتقليد والنمذجة. أما النظرية المعرفية النمائية فتبهذ إلى أن الأطفال يتعلمون أولاً أن يكونوا أولاداً أو بناتاً لأنهم يشجعون على ذلك ويزودون بالمعلومات اللازمة والسلوكات المطلوبة من كل جنس.
3- نظرية السكيما الجندرية والتي تحتوي على عناصر من نظريتي التعلم الاجتماعي والنظرية المعرفية النمائية تذهب إلى أن تطور الهوية الجندرية واكتساب الأدوار الجندرية، يعتمد على نشوء السكيما الجندرية كأطر مرجعية معرفية.
4- تتحدث نتائج أبحاث الدماغ عن فروق جندرية مستندة إلى فروق في تركيب الدماغ، أما الفروق في القدرة العقلية بين كل من الذكور والإناث فهي لا تكاد تذكر.
5- النمو الأخلاقي يتضمن تطوير الأطفال للقيم الأخلاقية، ودراسة العمليات التي يتم من خلال تذوت القوانين والمعايير السلوكية المقبولة في المجتمع.
6- تطور النمو الأخلاقي يفسر من خلال نفس الأطر النظرية التي فسرت تطور الهوية الجندرية واكتساب الأدوار الجندرية. فالتحليل النفسي الفرويدي تحدث عن مكونات الشخصية (الهو، الأنا، الأنا الأعلى)، ورأى أن الأطفال يكتسبون قيمهم الأخلاقية من خلال عملية التوحد مع الوالد من نفس الجنس في مرحلة الطفولة المبكرة، أما اتجاه التعلم الاجتماعي فيعتقد أن السلوك الأخلاقي يكتسب كغيره من السلوكات من خلال التعزيز والعقاب وملاحظة النموذج وتقليده طالما تتوفر فيه خصائص جاذبة كالدفء والاستجابية، والكفاية والقوة، والاتساق بين القول والفعل. أما الاتجاه المعرفي النمائي ممثلاً في بياجيه وكولبرج فقد تتبعا النمو الأخلاقي عبر مراحل: مرحلة ما قبل الأخلاقية (الميلاد – خمس سنوات)، مرحلة الأخلاقية الواقعية أو التبعية الأخلاقية (5 – 10 سنوات) مرحلة الأخلاقية النسبية أو الاستقلالية الأخلاقية (10 سنوات فما فوق) (بياجيه). يفسر بياجيه هذا التطور بعاملين. التمركز حول الذات في البداية، ثم الوعي بحقيقة أن الأفراد الآخرين لديهم وجهات نظر مختلفة (نظرية العقل) ثم يطور الأطفال الأكبر سناً أفكاراً أخلاقية أكثر مرونة بسبب تفاعلهم مع جماعة الرفاق، أما كولبرج فقد قسم مراحل تطور الحكم الأخلاقي إلى ثلاثة مستويات: ما قبل التنفيذي، التقليدي، وما بعد التقليدي، وقيم كل مستوى إلى مرحلتين فرعيتين.
7- هناك عوامل مؤثرة في التفكير الأخلاقي منها: الشخصية، والتفاعل مع الأقران، وأساليب التنشئة الاجتماعية، والتعليم، والثقافة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ