أولاً: استكشاف النمو الإنساني عبر دورة الحياة:
النمو Development في منظور علماء النفس يشير إلى نمط التغيير في القابليات الإنسانية التي تبدأ مع لحظة الإخصاب وتستمر طول الحياة. ويتضمن النمو مفهوم الزيادة الكمية Growth إلا أنه قد يشهد بعض التراجع أحياناً، فالزيادة تكون في الطول والوزن والحجم وتبدل نسب أبعاد الجسم، والتراجع يكون في بعض المهارات خاصة مع التقدم في العمر، من مثل معالجة المعلومات من حيث السرعة والدقة، ولعل مما أثار اهتمام هؤلاء العلماء الخصائص العالمية للنمو من جهة، والتنوعات الفردية من جهة أخرى. فإذا كانت طريقة الابتسام واحدة لدى أفراد النوع البشري، وأن كل طفل في العالم يمشي في حوالي نهاية عامه الأول، وأن كل طفل في العالم يؤدي أفعالاً منعكسة من مثل منعكس الركبة، ورمش العين، ومنعكس الخطو ... إلخ، فإن كل طفل يمتاز عن غيره حتى في نفس الأسرة الواحدة، فكل فرد يتميز ببصمة الإبهام، وبصمة الصوت، وقزحية العين، والشيفرة الوراثية (DNA).
النمو يؤشر إلى أنماط التغيرات في القابليات البشرية التي تبدأ منذ لحظة الإخصاب وتستمر عبر دورة الحياة
إن النمو الإنساني ظاهرة معقدة لأنها نتاج عمليات متعددة ومتفاعلة وهذه العمليات تصنف إلى: (Santrock, 2003).
عمليات جسمية Physical تتضمن تغيرات في الطبيعة البيولوجية للفرد، فالجينات التي يرثها الطفل من والديه، والتغيرات الهرمونية إبان البلوغ والتغيرات المستمرة في الدماغ وتزايد الطول والوزن وتبدل نسب أبعاد الجسم، والمهارات الحركية، كلها تعكس الدور النمائي لهذه العمليات البيولوجية، ويطلق علماء النفس على هذه التغيرات البيولوجية اسم النضج "maturation".
- عمليات معرفية Cognitive تتضمن تغيرات في تفكير الفرد وذكائه ولغته وذاكرته ومخيلته ... إلخ. هذه التغيرات تعكس آثار العمليات المعرفية.
- عمليات اجتماعية Socio emotional انفعالية تتضمن التغيرات في علاقات الفرد بالآخرين، والتغيرات في الانفعالات، والتغير في الشخصية.
هذا من حيث العمليات، أما من حيث تفاعل العمليات فيتفق علماء النفس على التفاعلات التالية:
- التفاعل بين الطبيعة والبيئة:
تساءل علماء علم نفس النمو خاصة وعلماء علم النفس عامة عن مقدار الأثر الذي يتركه كل من العوامل الطبيعية والعوامل البيئية على نمونا. وانقسموا مع بدايات القرن الماضي إلى مؤيدين للعوامل الطبيعية ومؤيدين للعوامل البيئية. إلا أنهم انتهوا إلى اتفاق حول دور كل من هذين العاملين الرئيسين الطبيعي والبيئي في إحداث النمو دونما تفضيل أي منهما على الآخر. وهكذا وافقوا على جذرين رئيسين للظواهر النفسية هما الجذر الطبيعي والجذر البيئي.
الطبيعة Nature : نظرية تقرر أن النمو الجسمي والنمو المعرفي تحدده عوامل جينية
البيئة Nature : نظرية تقرر أن النمو الجسمي والنمو المعرفي تحدده عوامل بيئية.
ونشأ مجال جديد يجمع بين علم النفس وعلم البيولوجيا يدرس آثار كل من الوراثة والبيئة على السلوك ويحمل اسم (Davis & Palladino, 2004) Bahavior Genetics و(Santrock, 2003).
- التفاعل بين النضج والتعلم:
هذه الصيغة من التفاعل صورة أخرى للتفاعلية الأولى فالنضج مؤشر دال على العوامل البيولوجية والتي ترتد إلى العوامل الجينية سواء من حيث التركيب الوراثي Genotype أو التركيب الظاهري Phenotype في حين أن التعلم مؤشر على العوامل البيئية الخارجية ممثلة فيما يكتسبه الفرد إبان عملية التعلم. فالتزاوج بين علم النفس وعلم البيولوجيا يمثل هذا التفاعل بين النضج والتعلم (Biopsychology).
التركيب الوارثي: ميراث الفرد الوراثي (الطاقة أو الاستعداد الكامن)
التركيب الظاهري: الخصائص المعبرة عن التركيب الوراثي للفرد والتي يمكن ملاحظتها وقياسها.
ومن الجدير بالذكر أن علماء كل من علم النفس البيولوجي وعلماء الجينات والسلوك قد وجدوا أن الوراثة تلعب دوراً أكبر في الذكاء والشخصية، وبعض أنواع السلوك غير العادي (Plumin, et al., 1997) المشار إليه في (Davis & Palladino, 2004) في حين أن التفكير والسلوك والدوافع والانفعالات تلعب العوامل البيئية أو عمليات التعلم الدور الأكثر بروزاً.
ويتفق علماء النفس بعامة وعلماء علم النفس النمو بخاصة على مبادئ النمو الرئيسية التالية: (education.calument.purdue.edu)
1- النمو يسير وفق ترتيب نسبي (Relatively Orderly) وعليه إذا فهمنا كيف تتطور الخصائص النمائية، فإننا نستطيع وضع تنبؤات دقيقة نسبياً ومفيدة للمتعلمين، وتصميم استراتيجيات تعليمية فاعلة تستند إلى معارفنا عن النمو.
2- بينما يكون نمط النمو متشابهاً لدى جميع الأفراد فإن نتائج عمليات النمو (الجسمية والمعرفية والاجتماعية الانفعالية) وسرعته تختلف من فرد إلى آخر.
لما كان النمو نتاج التفاعل بين الوراثة والبيئة، وحيث أن الوراثة والبيئة مختلفة من فرد لآخر، فمن الواضح أن الأفراد سيواجهون عوامل تجعل منهم أفراداً مختلفين، وعليه فإنه بالإمكان أن ننتباً بالفروق الفردية، والخصائص النمائية، والتنوع تبعاً للعمر الزمني عندما يواجه الناس خبرات تؤثر في نموهم.
3- النمو تدرجي: بينما يتم الوعي ببعض التغيرات في ومضة استبصار إلا أنها غالباً ما تأخذ أسابيع أو أشهر أو سنوات لتؤثر في خصائص النمو تأثيراً ملحوظاً.
4- هناك طرق مختلفة وأحياناً متصارعة لتفسير النمو الإنساني وكلها صادقة إلى حد كبير. فقد تكون بعض نظريات النمو (السلوكية، المعرفية، الاجتماعية، المعرفية، الإنسانية) أفضل من البعض الآخر إلا أنه لا توجد نظرية واحدة صادقة على الإطلاق مفسرة لجميع مظاهر النمو. فأية نظريتين حتى لو كانتا متصارعتين يمثل كل منهما مدخلاً لفهم الظاهرة النمائية.
وترد في كتب علم النفس النمو مبادئ أخرى متفق عليها نذكر منها: (Macaulay, 1991) المشار إليه في (الريماوي، 1998).
1- النمو يسير من العام إلى الخاص.
2- النمو عملية مستمرة.
3- النمو الإنساني متجه إلى غاية.
4- النمو يتجه من أعلى إلى أسفل من الداخل إلى الخارج.
5- عقول الأطفال أكبر من أجسامهم.
6- عملية النمو أهم من نتائجه.
7- الأطفال ينمون أفضل بعيداً عن أعين الرقباء.
8- الطفل مفطور على إنجاز ما هو مبرمج لإنجازه.
9- يميل الجسم إلى تحقيق حالة من التوازن الحيوي (بيولوجياً وعقلياً واجتماعياً وانفعالياً).
من ناحية أخرى فإن نتائج أبحاث الدماغ بدأت تشكل أرضية جديدة يلتقي عليها علماء النفس بعامة وعلماء علم النفس المعرفي بخاصة مع علماء علم الأعصاب المعرفي
Neuro Cognitive لبلورة بعض نقاط الاتفاق في هذا المجال من هذه النقاط: (www.mareprensity.com).
1- المثيرات المختلفة تغير من تركيب الدماغ عبر دورة الحياة.
2- المثيرات المختلفة تؤثر في طريقة تفكير الناس على مدى حياتهم.
3- أنماط التفكير تتغير تبعاً للخبرات الخاصة التي يتعرض لها الفرد.
4- الثقافات المختلفة تتيح طرائق تفكير مختلفة.
5- استخدام الحاسوب يولد طرائق تفكير مختلفة لدى من يستخدمونه مقارنة بمن لم يستخدموه.
6- الوسائط الرقمية تولد طرائق تفكير مختلفة لدى مستخدميها مقارنة بمن لم يستخدمها.
7- أطفال الديجتال يمتازون بمرونة عصبية أكثر Neuro Plasticity ومطواعية أكبر للتشكل Malleability وبالتالي يفكرون بشكل مختلف.
إذا كان علماء النفس قد اتفقوا على كثير من الأمور ذات العلاقة بالنمو فإن هناك قضايا كثيرة ما زالت لم تجد حلاً وظلت قضايا حلافية تؤثر في فهم وتفسير مسار النمو ونواتجه والتنبؤ بها من هذه القضايا:
1- الاستمرارية × الانقطاع Continuity Discontinuity
بعض علماء علم نفس النمو يعتقدون أن النمو يتضمن تغيرات تدريجية تراكمية من لحظة الميلاد وحتى الوفاة، بينما يرى آخرون أن النمو يسير في مراحل متمايزة لكل منها خصائصها تشكل في مجموعها دورة الحياة، يكون التغير في كل منها تغيراً نوعياً أكثر منه تغيراً كمياً، وجهتا النظر هاتان لم يحسما لصالح أي منهما حتى الآن.
اللامرحلية × المرحلية صورة أخرى من القضية الأولى
2- الثبات × التغير Change Stability
هذه القضية تطرح سؤالاً مفاده: أي الوصفين أصدق للنمو صفة الثبات أم صفة التغير؟ البعض يعتقد أن التغيرات الرئيسة تكون قد أخذت مجراها في مرحلة الطفولة بينما تكون قليلة أو لا تكاد تذكر في مرحلة الرشد وبالتالي يميل النمو إلى الثبات في تلك المرحلة، بينما يرى آخرون أن التغير هو السمة التي تطبع النمو في جميع مراحله، هذه الرؤية أطلق عليها ريغل Riegal المشار إليه في سانتروك (1999) النموذج الجدلي Dialectical Model فكل فرد يتغير باستمرار بفعل قوى متنوعة تدفع بنموه وتجذبه إلى أمام، فالفرد النامي يؤثر ويتأثر بالظروف الاجتماعية والتاريخي.
معظم علماء النمو الذين يثبتون مدخل دورة الحياة يعتقدون أنه ليس من الحكمة اتخاذ مواقف متطرفة في أي من هذه القضايا.
3- الخبرات المبكرة × الخبرات المتأخرة:
أي الخبرات تحدد نمو الشخص خبرات الطفولة المبكرة في السنوات الخمسة الأولى من حياته أم الخبرات المتأخرة؟ البعض يعطي الأهمية الكبرى للخبرات المبكرة في تحقيق النمو الأمثل فيما بعد. بينما يرى آخرون أن الخبرات المتأخرة لا تقل أهمية عن الخبرات المبكرة. من بين هؤلاء كاغان Kagan المشار إليه في سانتروك (1999) في حين تمثل أفكار فرويد ومن يعتقد بها في الثقافة الغربية وجهة النظر الأولى. وجهة النظر الثانية تعتقد أن الخبرات التي تحدث في الطفولة المتوسطة وتتوازي مع تطور مهارات التفكير لا تقل أهمية في مسيرة النمو فيما بعد.
كيف سندرس مصادر النمو البشري:
قلنا أن النمو في منظور علماء علم النفس يعني التغيير في القابليات الإنسانية، هذا التغيير يبدأ من لحظة اكتمال الإخصاب من خلال عمليات جسمية ومعرفية واجتماعية انفعالية.
عندما تدرس هذا التغيير عليك أن تتعرف على خصائص المحطة الأولى التي ينطلق منها التغيير وكذلك خصائص المحطة الثانية التي سيصل إليها هذا التغيير في لحظة زمنية من عمر الكائن الإنساني إضافة إلى ذلك لابد وأن تقف على العمليات التي تمت ما بين هاتين المحطتين، كل محطة تحمل استعدادات وقابليات تؤسس للمحطة التي تليها.
وتسهيلاً لدراسة واستيعاب النمو سنتوقف عند محطات زمنية من عمر الكائن الإنساني فنبدأ بمحطة الإخصاب، اللحظة الأولى في مسار النمو، فمحطة الميلاد، فمحطة الفطام، فمحطة التحاق الطفل بالمدرسة ثم محطة البلوغ فمحطة بدايات الشباب وأخيراً محطة بدايات الشيخوخة، وسنعرض بإيجاز ما يتم من عمليات جسمية ومعرفية واجتماعية وانفعالية فيما بين محطة وأخرى قدمت للمحطة التالية وأحدثت التغيرات النوعية التي طبعت ملامح تلك المحطة، وشكلت الأرضية التي ستنطلق منها التغيرات التي تلي.
نشاط (1) |
- كيف يفكر علماء النفس في النمو؟ - سم وصف العمليات النمائية الرئيسة الثلاثة. - ناقش أثر الخبرات المبكرة والمتأخرة على النمو البشري. - اقترح أنشطة حياتية تجعل النمو أفضل. |
تفكير ناقد (1) |
إن نموك باعتبارك كائن إنساني يتحدد بفعل عوامل متعددة. فكر في اللحظة الراهنة من حولك وتأمل العمليات التي تمت في هذا النمو وجعلتك على ما أنت عليه الآن. |
نافذة رقم (1) |
1- النظرية الأيثولوجية Ethological theory تنحاز إلى العوامل البيولوجية في تقرير مصير النمو 2- النظرية الأيكولوجية Ecological theory تنحاز إلى العوامل البيئية في تقرير مصير النمو |
ثانياً: النمو من الإخصاب إلى الميلاد (مرحلة الحمل)
المحطة الأولى: الإخصاب Conception
بدأت حياة كل منا عندما نجح حيوان حيوي Sperum قادم من الأب في تلقيح بويضة Ovum أنتجتها الأم باختراق جدار البويضة. هذه البويضة الملقحة هي الخلية الأولى التي تلخص مشروع الكائن البشري، لا يتجاوز حجمها رأس إبرة ومع ذلك فإنها تحمل التركيب الوراثي كاملاً ممثلاً في (46) كروموسوم (Chromosomes) وهي العدد اللازم ليكون هذا المشروع الذي تم بشرياً سينتج عنه بشر سوى وليس أي نوع آخر من المخلوقات.
الزيجوت: عضوية مكونة من خلية ناتجة عن اتحاد الحيوان المنوي مع البويضة
هذه الكروموسومات نصفها من الأب ونصفها الآخر من الأم، تحمل الجينات المحددة لخصائص هذا المشروع البشري سواء من حيث الشكل أو من حيث القابليات، وذلك من خلال الشيفرة الوراثية المعروفة باسم الحمض الريبونووي ناقص أكسجين Deoxyribonuclic Acid (DNA). الكروموسوم قطعة من المادة الوراثية المنوي البويضة (Davis & Palladino)
الإخصاب يتم باختراق الحيوان المنوي البويضة
إضافة إلى ما سبق فإن البويضة الملقحة تحمل جنس الكائن البشري ذكراً كان أو أنثى. فالبويضة (الأنثى) تحمل زوجاً من الكروموسومات هو الزوج الثالث والعشرين الخاص بالجنس من نوع واحد يرمز إليه بالرمز(X) بينما يحمل الحيوان المنوي (الذكر) زوجاً من نوعين مختلفين (y)، (x)، بعد التلقيح وامتزاج الكروموسومات إما أن ينتج تركيباً من نوع (xx) أحدهما من الذكر والآخر من الأنثى عندئذ يكون الإنسان الناتج أنثى. الاحتمال الثاني أن ينتج تركيباً من نوع (xy) عندئذ يكون الناتج ذكراً وفي كلتا الحالتين يكون يكون هذا المخلوق سوياً من الناحية الجنسية (ذكراً أو أنثى)
الجين وحدة المادة الوراثية تحمل الشيفرة التي تنبئ عن شكل ووظائف كل خلية.
DNA الاسم الكيمئاي للمادة الوراثية الكائنة على الكروموسومات في نواة الخلية.
وعليه فإن النقطة الأولى فيحياة أي منا تبدأ ببويضة ملقحة تحمل نوع وجنس الكائن البشري، وخصائصه الوراثية من نمط ظاهري وقابليات قابلة للتحقق.
في بعض الحالات تتكون تراكيب وراثية تنتج حالات غير عادية مثل xyy أو xxx
المحطة الثانية الميلاد:
ما لم يولد الجنين قبل الأوان فإن الولادة ستحدث بعد حوالي (266) يوماً بعد حدوث الإخصاب أو بعد (280) يوماً من آخر "عادة شهرية". بعض الولادة قد تتأخر أو تتقدم بضعة أيام (Davis – Palladino, 2004).
خصائص الوليد
- الجسمية
- السلوكية
- المعرفية
لعل أول مظهر في هذه المحطة هو مظهر الوليد كإنسان كامل المواصفات الظاهرية، رؤية هذا المظهر ضرورية لطمأنة الأم وإراحتها.
هذا الوليد يزن ما بين 3 – 3.5 كغم ويصل طوله إلى حوالي 50 سم ذو جسم غضروفي، متورد، بالكاد يتميز عن غيره من المواليد، قادر على الصراخ، وقادر على الرضاعة (الضغط، المص، والبلع).
هذا الوليد كائن فاعل نشط لديه إمكانيات لا يستهان بها، فهو يمتلك جسماً يحتوي على كافة الأجهزة: جهاز الدورة الدموية، الجهاز العصبي، الجهاز الغدي، جهاز المناعة، الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي، الجهاز البولي، الحواس الخمس، ولديه الحاجات البيولوجية التي على إشباعها تتوقف استمرارية حياته، ضربات قلبه ضعف ضربات قلب البالغ (120 ضربة/ الدقيقة)، ويتنفس بسرعة تساوي ضعف سرعة تنفس الراشد (33 مرة في الدقيقة)، يتبول 18 مرة في اليوم ويخرج ما بين أربع إلى سبع مرات، ينام حوالي 12 ساعة في اليوم، وهو مزود بمخزون من مادة الجلايكوجين التي تزوده بالطاقة التي يحتاجها، كذلك مزود بكمية من الدهون والسوائل التي تمكنه من البقاء حياً، وهو قادر على هضم ما يصل إلى معدته وامتصاص المواد البروتينية والسكرية والدهنية وتمثلها، قادر على مقاومة البرد والميكروبات لمدة ستة أشهر بعد الميلاد.
هذا من الناحية الجسمية والفسيولوجية أما سلوكياً فيولد الوليد وهو قادر على أداء مجموعة من الأفعال المنعكسة أداءً لا إرادياً.
إدراكياً يكون الوليد قادراً على ملاحظة الفروق بين الأشكال المتعددة (الوجه، دوائر متعددة المركز) والأشكال غير المحددة ذات اللون الواحد، وهو قادر على إرسال اللغة الإشارية واستقبالها كأن يزم شفته في حالة الألم، وإدارة رأسه من جانب إلى آخر في حالة وضع قطعة قماش على وجهه تعيق تنفسه، وإدارة رأسه إلى الجهة التي يمسد فيها بأسفل الصدغ (منعكس الانتحاء)، قادر على الاستجابة للمثيرات السمعية والبصرية والذوقية والشمية واللمسية. بالتالي فهو قادر على التعلم الناتج عن اقتران مثيرين أو الناتج عن ارتباط بين مثير واحد واستجابة ناتجة عنه (Santrock, 1999).
هذا الوليد يكون قادراً على التآزر ما بين حركات اللسان والبلع والتنفس، كل ذلك يتم بشكل آلي فطري يعلن عن جهاز عصبي وإن كان لم ينضج بعد إلا أنه قادر على تمكين الوليد من التعامل مع المثيرات البيئية.
يقول مايرز Myers: "إن ما توفر من تكنولوجيا متعددة مكنتنا من اكتشاف الإمكانيات الهائلة للوليد وإسقاط معظم مقولات السلبية والضعف عنه. فقد اكتشف علماء علم الأعصاب أن الوليد قادر على أن يخبرنا بأشياء كثيرة إن عرفنا كيف نسأله".
الوليد قادر على أن يخبرنا بأشياء كثيرة شريطة أن نعرف كيف نسأله.
ومن جملة ما تم اكتشافه، أن الوليد يفضل المناظر والأصوات التي تسهل الاستجابات الاجتماعية، فيدير رأسه نحو مصدر الصوت الآخر ويبحلق لمدة أطول في الرسم الكاريكاتيري للوجوه. كما يحدث أطول في العينين ورسومات العين. ميال إلى النظر للأجسام التي تبعد عنه ما بين (16 و 24) سم. (Myers, 2004).
العمليات التي تتوسط ما بين المحطتين:
1- عملية انقسام الخلية Mitosis حيث تحتوي كل خلية نفس التركيب الوراثي، أثناء هذه العملية يواصل الزيجوت إعادة إنتاج ذاته ويندفع عبر قناة فالوب ليصل عدد الخلايا الناتجة عن عملية الانقسام حوالي ما بين (60 – 80) خلية في ظرف أربعة أيام بعد الإخصاب (Davis & Palladino, 2004).
2- عملية تخلق أنظمة الجسم المختلفة، بها تبدأ الخلايا بالتمايز والاختلاف العميق، وبينما تتابع خلايا الأمبريون (العلقة) انقسامها وتمايزها تتم عملية حاسمة أخرى تتمثل في حدوث أول اتصال بين الأمبريون والغشاء المخاطي للرحم حيث يتغذى من الدم المتجمع في هذا الغشاء، ويستمد الغذاء والأكسجين من الأوعية الدموية الكائنة في جدار الرحم.
ثم يبدأ تشكل الأعضاء وظهور جميع الأعضاء الحيوية والأجزاء الرئيسة في الجسم من:
الطبقة الخارجية ينشأ عنها: الحواس والجلد والأظافر والجهاز العصبي المركزي
الطبقات الثلاثة: الخارجية والوسطى والداخلية التي سيتكون منها الجسم، ويتشكل الأنبوب العصبي، ويبدأ تكون العينين، وتبدأ الدورة الدموية، وينغلق الأنبوب العصبي، ويتطور جهاز الدورة الدموية، ويبدأ تكون الرأس والذيل، ويكبر الدماغ، وتظهر بدايات منطقة الفم، والقناة الهضمية، ويمكن تمييز نتوءات الأطراف، وتظهر ملامح الوجه والفم والعينين، ويظهر الذراعان واليدان والقدما، ويكتمل التطور الرئيسي للأعضاء، كل ذلك يتم في الفترة ما بين اليوم الثاني عشر والأسبوع الثامن من الحمل.
الطبقة الوسطى ينشأ عنها العظام والعضلات والجهاز الدوري
3- عملية اكتمال نمو أجزاء الجسم الرئيسة
حيث ينضج الجهاز العصبي أكثر، يثني الجنين جذعه كاملاً كرد على استثارة ما، وتظهر عليه بعض المنعكسات، تعمل الكليتان، ضربات القلب تصير مسموعة، تنمو الرموش والحواجب، يحرك الجنين ذراعيه وساقيه، يبتلع ويتنفس السائل الأميني، تلاحظ حركة الشفتين والأصابع، يطور دورة النوم – اليقظة، ويستكشف الوضع المريح للنوم، تنزل الخصيتان إلى الصفن، تمص بعض الأجنة الإبهام أو اليد أثناء النوم، يفتح عينيه ويغلقهما وتستجيبان للضوء، يستجيب للأصوات، يشم ويتذوق بعض المثيرات، ويصل إلى مرحلة القابلية للحياة، كل ذلك فيما بين الأسبوع العشرين والأسبوع السابع والثلاثين (Santrock, 2003).
الطبقة الداخلية ينشأ عنها الجهاز الهضمي، الجهاز التنفسي، الجهاز المعدي.
إن ما يتم إبان الحمل من عمليات هي عملية جسمية مبرمجة وراثياً ضمن أجندة ثابتة لدى أفراد النوع تتم ضمن محددات الوراثة ومحددات بيئة قناة فالوب وبيئة الرحم وبالتالي جسم الأم الحامل باعتباره البيئة الحاضنة.
عوائق تحول دون النمو السوي: التعاطي، التدخين، الكحول، الأخطاء الوراثية.
نشاط (2) |
- صف التغيرات التي تطرأ على البويضة الملقحة (الزيجوت) إبان مرحلة الحمل. - حدد ما يتقرر من مصير الكائن الحي بعد إتمام عملية الإخصاب. |
تفكير ناقد (2) |
النمو محصلة للتفاعل بين الوراثة والبيئة. في دور كل منهما في النمو إبان الحمل |
ثالثاً: النمو من الميلاد إلى الفطام (مرحلة الرضاعة)
المحطة الثالثة: الفطام
مع اكتمال السنة الثانية من العمر يصل وزن الطفل إلى ما بين 13 و 16 كغم، ويبلغ طوله ما بين 80 إلى 85 سم، وتبلغ ساعات نومه ما بين سبع وثمان ساعات وبالتالي فإن فترة استيقاظه تكون أثناء النهارة وفترة نومه تكون في الليل. من المتوقع أن يفطم الطفل بالتدريج ويتحول طعامه من السائل إلى الصلب، كما أنه من المتوقع أن يضبط عمليات الإخراج، في هذه المحطة يتوقع من الطفل أن يمشي ويتكلم ويجري ويبتسم ويعبس. ويصل نمو الدماغ إلى 75% مما سيكون عليه في مرحلة الرشد، كما تنشأ الوصلات العصبية بفعل ما يتعرض له الرضيع من مناظر وأصوات وروائح ولمسات، ولغة، وتواصل بالعينين.
يمكن للطفل في هذه المحطة ابتكار وسائل جديدة بواسطة "الدمج العقلي"، حيث يتخلى عن المرحلة الحسية الحركية ويبدأ مرحلة التمثل العقلي لحل المشكلات. ويستخدم قدرته على الاستبصار بدلاً من المحاولة والخطأ. والتفكير يقود أفعاله ويجري التجربة في عقله أولاً قبل أن ينفذها في الواقع ويتقن استراتيجيات الملمح والصورة الذهنية في التعرف على العالم الخارجي، وهو في تعامله مع عالمه الخارجي، يؤكد قدرته على الانتباه والإدراك والتذكر، والمعالجة البسيطة.
أما على صعيد النمو الاجتماعي الانفعالي فمن المتوقع أن يبني الرضيع الثقة فيمن حوله أو عدم الثقة تبعاً لطبيعة المعاملة التي يكون قد تلقاها من طرف الوالدين أو ممن يعتني به، كما أنه من المتوقع أن يعلن عن بعض مظاهر كفايته الذاتية والتي تنبئ في بعض مظاهرها عن رغبته في الاستقلالية باعتماده على نفسه في قضاء بعض أموره (الفطام النفسي). ويظل الثواب والعقاب الممارس في حقه من طرفي الوالدين الدافع وراء السلوك الذي يؤديه (Santrock, 2000).
العمليات التي تتوسط ما بين المحطتين الثانية والثالثة:
1- العمليات الجسمية
وتتمثل في نضج الدماغ تركيباً ووظيفة بحيث تنضج مكونات الدماغ الثلاثة: الدماغ الخلفي Hindbrain ويقع في مؤخرة الجمجمة ويحتوي على المخيخ Cerebellum الذي يلعب دوراً هاماً في التطور الحركي والضبط، والدماغ الأوسط الذي يعمل على نقل المعلومات ما بين العينين والأذنين والدماغ (مثال: انتباه الطفل إلى شيء مرئي). والدماغ الأمامي Forebrain وهو أكبر جزء في الدماغ، به قشرة الدماغ التي تلعب دوراً مهماً في جميع الوظائف العقلية المهمة كالإدراك واللغة والتفكير (Santrock, 1999). (انظر التفاصيل الكاملة للدماغ تركيباً ووظيفة في الفصل الرابع).
2- العمليات المعرفية وتتمثل في:
أ. عملية تطور الأفعال المنعكسة من كونها استجابات آلية فطرية إلى كونها ردود أفعال دائرية أولية (تكرار الأفعال التي تترك لدى الطفل آثاراً سارة)، إلى كونها ردود أفعال دائرية ثانوية تتجه نحو الأشياء الموجودة في بيئة الطفل، إلى تنسيق ردود الأفعال الدائرية الثانوية حيث يحسن الطفل من أدائه للحصول على هدف ما في عقله، وأخيراً ردود الأفعال من الدرجة الثالثة بها يجرب الطفل أكثر من طريقة للحصول على الهدف (الريماوي، 1998).
ب. عملية التعلم التي تتم بفعل الاستعداد الفطري للخلية العصبية والوظائف التي هيئ الدماغ لأدائها خاصة التفكير والتذكر. وكذلك التعلم الذي يتم بفعل الإشراط الكلاسيكي (اقتران مثيرين باستجابة واحدة أحدهما طبيعي والآخر شرطي). أو بفعل الإشراط الإجرائي (مثير استجابة تعزيز). أو تقليد الآخرين (ملاحظة النموذج وتقليد سلوكه وتذكر هذا السلوك كلما ظهر النموذج).
ج. التعامل مع العالم الخارجي من خلال: (Myers, 2004)
- السكيما (المخطط) Schema إطار لتنظيم وتفسير المعلومات.
- المماثلة Assimilation تفسير خبرات الفرد الجديدة بالاعتماد على ما لدى هذا الفرد من سيكمات سابقة.
- المواءمة Accomodation تكييف ما لدى الفرد من سيكمات ليتلائم مع المعلومات الجديدة.
- الصورة الذهنية Mental Image إطار لتمثل العالم الخارجي تمثلاً عقلياً.
- إدراك دوام وجود الشيء حتى لو اختفى عن النظر (Object Permanence).
3- العمليات الاجتماعية الانفعالية وتتضمن:
أ. عملية التعلق
نشوء رابطة قوية بين الوليد وأمه أو من يعتني به، كمقدمة لنشوء التعلق Attachment، إلا أنه يطور أيضاً الخوف من الغرباء أو القلق من الغرباء الذي يعبر عنه بالبكاء والعودة السريعة للأم وكأنه يقول لها لا تتركيني، إنه يتعرف ويتذكر سيكمات وجوه الأقربين عليه خاصة أمه، فلا يستطيع تمثل الوجه الغريب وهذا يؤكد أن الدماغ والعقل والسلوك الاجتماعي الانفعالي ينمون معاً. (Myers, 2004).
قال أرسطو: "الإنسان حيوان اجتماعي مكتوب عليه أن يعيش في علاقة حميمة بالآخرين المهمين"
الاتصال الجسدي بين الوليد وأمه يخلق نوعاً من الألفة بينه وبين أمه، في فترة هامة بعد الميلاد بقليل يتم فيها طبع Imprinting نوع من التعلق، فحوالي 60% من المواليد يطورون تعلقاً آمناً كنتيج للاستجابات الوالدية المريحة والمشبعة لحاجات الواليد (Santrock, 2000).
ب. استعمال اللغة الإشارية:
وذلك للتعبير عن حاجات الوليد وانفعالاته فالصراخ والابتسام والعبوس، والنكد، واللعب بالأصوات، والنوم الهادئ والاستيقاظ النشط وحركات الطفل وانشغله بما حوله من مثيرات .. إلخ كلها وسائل يوجهها الطفل لمن حوله مخبراً عن معلومات عن إمكانياته أو إجابة عن أسئلة يطرحها عليه من حوله بالإشارة أيضاً أو بطريقة غير مباشرة (Santrock, 2000).
النمو السادس يفعل معه الطفل ما يحلو له مع أقل قدر من المحددات.
ج. المزاج Temerament
يعبر المزاج عن النمط السلوكي وطريقة استجابة الطفل للمثيرات الخارجية. فقد أورد جيس (Chess) ثلاثة أنماط من الأمزجة الطفل السهل، الطفل الصعب، الطفل بطيء الرجع. وأورده غير تصنيفاً آخرورد فيه أيضاً: العاطفي، الاجتماعي، النشط. يشكل الوالدان الحاضن الرئيس للأطفال وعليهما يعتمد تنمية المزاج الإيجابي وذلك من خلال ما يقدمونه لأطفالهم من نماذج تربوية النموذج التربوي يشجع على الاستقلالية ولكنه يحتفظ بالضوابط بين يديه.
النمو التسلطي عقابي للعقاب في حد ذاته.
خاصة نموذج الضبط التربوي Authoritative وتجنب النماذج الأخرى من مثل: النموذج التسلطي Authoritarian، والنموذج التسيبي Neglected الغائب عن حياة الطفل، والنموذج المسايس Indulgent، الذي يترك الطفل يفعل ما يحلو له مع بعض القيود القليلة (Santock, 2004).
النموذج التسيبي الإهمال التام
نشاط (3) |
- صف أهم خصائص الطفل عند فطامه في حوالي نهاية عامه الثاني. - حدد العمليات المعرفية من الميلاد إلى الفطام. |
تفكير ناقد |
"اللغة الإشارية وسيلة فذة يمتلكها الوليد ويتفاهم بها معنا". ما موقفك من هذا القول. |
رابعاً: النمو من الفطام إلى الالتحاق بالمدرسة (مرحلة الطفولة المبكشرة)
المحطة الرابعة: الالتحاق بالمدرسة
مع اكتمال السنة السادسة من عمر الطفل يتوقع منه امتلاك القدرات والخصائص التالية:
1- الكفاية اللغوية ممثلة في قاموس لغوي يصل إلى حوالي (2500) كلمة، وقدرة على استعمال الصياغات اللغوية (السؤال، النداء، الإخبار، الأمر، النهي، وقدرة على التحدث والاستماع).
2- التفكير الحدسي القائم على المحاولة والخطأ كبديل للتفكير الخرافي.
3- الاستقراء والاستنباط وصولاً إلى تكوين المفاهيم وتحليلها.
4- القدرة على الانتباه والإدراك والتذكر والمعالجة وتشغيل هذه القدرات ضمن الخط الإنتاجي لنموذج معالجة المعلومات.
5- التمركز حول الذات تراجع في قوته إلى الدرجة التي تتيح للطفل اللعب الجماعي والالتزام بقواعده، وتكوين رفاق، وإدراك وجهة نظرهم، والأخذ والعطاء والتخاطب والحوار ليعبر كل عن وجهة نظره في حدود ضيقة (Santrock, 2000).
6- تكوين نظرية العقل Theory of Mind المتمثلة في إدراك أن للآخرين عقولهم. وفهم ما الذي أغضب رفيقه، ولماذا اشترت أمه له لعبة ما، والتعاطف مع الآخرين، والتعرف على مشاعرهم وانفعالاتهم، فيعرف أن المواقف المحزنة تولد مشاعر الحزن، وأن الأفكار تولد المشاعر (فلافل Flavel) سواء كانت أفكار قادمة من الخارج أو من الداخل. (Myers, 2004).
7- الوعي بالذات أو الإحساس بالذات كبدايات لتكوين مفهوم الذات، نستدل على ذلك بسلوكات الأطفال في مواقف اللعب داخل البيت وخارجه، وفي رياض الأطفال، فالطفل يدرك جنسه (ذكر، أنثى)، وما يترتب على ذلك من ملابس وأدوار جندرية في اللعب والبيت، إن من يكون مفهوماً إيجابياً لذاته يمتلك الثقة بها، ويكون أكثر استقلالية وتفاؤلاً واجتماعية.
8- المحافظة على مصلحته كمعيار لسلوكه ولأحكامه الأخلاقية مع استمرارية معيار الطاعة للسلطة طمعاً في ثوابتها وتجنباً لعقابتها.
العمليات التي تتوسط ما بين المحطتين الثالثة والرابعة:
1- العملية الجسمية
يستمر تنامي الطفل طولاً ووزناً بمعدل 6 سم و2.5 كغم كل سنة من سنوات ما بين هاتين المحطتين، وإن كانت سرعة هذا النمو تتناقص سنة بعد أخرى، الإناث أقل طولاً ووزناً من الذكور.
كذلك يستمر تطور الدماغ والجهاز العصبي، إلا أن سرعة تطور الدماغ تقل عما كانت عليه ما بين المحطتين الثانية والثالثة، الأجزاء العليا من الرأس والدماغ تنمو بسرعة أكبر من بقية أجزاء الجسم ويعزى تطور الدماغ إلى تناسب عدد وحجم الخلايا العصبية المكونة للدماغ، وكذلك إلى طبقة الميلين التي تغطي محاور هذه الخلايا (Santrock, 1999).
2- العمليات المعرفية:
تتميز هذه الفترات بحدوث عمليات معرفية متنوعة منها: تكوين مفاهيم ثابتة، التفكير، التخلص التدريجي من التفكير الخرافي، الضعف التدريجي المتمركز حول الذات، وبروز التفكير الحدسي المبني على المحاولة والخطأ، والتفكير غير المنظم تنظيماً جيداً، كما يتم التخلص من الإيحائية أين تسود الرمزية الخيالية وافتراض وجود الحياة في الجمادات.
إضافة لهذا التطور في نوعية تفكير الطفل، فإن الخط المعرفي الذي افترضته نظرية معالجة المعلومات يؤكد أن الطفل قادر على إجراء العمليات المعرفية فور تلقيه مدخلات حسية وانتهاء إما بترميز المعلومات الحسية وتخزينها في الذاكرة، أو تقديم مخرجات للمعالجة العقلية التي تتم لتلك المعلومات. ويؤكد الباحثون أن عمليتي الانتباه والتذكر تتطور بشكل أوسع، فالقدرة على الانتباه تتطور تطوراً هاماً بما يمكن الطفل من التعامل التالي مع معطيات العالم الخارجي، وبالمثل التذكر الذي يتضمن تخزين المعلومات المعالجة بعد ترميزها واسترجاعها وقت الحاجة، في نفس الوقت تتزايد سعة الذاكرة قصيرة المدى، كما تتزايد سرعة معالجة المعلومات.
أطفال الديجتال؛ إن تعامل الأطفال مع الأدوات الرقمية (الحاسوب، الألعاب) يكسبه أنماطاً من التفكير متطورة أكثر مقارنة مع الأطفال الذين لا علاقة لهم بهذه الوسائل.
إضافة إلى ما سبق فإن الطفل يطور معرفته بعقله، فبدءاً بمعرفته أن العقل موجود إلى أن العقل على اتصال بالعالم الخارجي، إلى أنه قادر على تمثل الأشياء والأحداث تمثلاً عقلياً
دقيقاً أو غير دقيق، وإلى أن الأنشطة العقلية تتولى تفسير الحقائق والانفعالات التي يخبرها الطفل (Flavel & Miller, 1998) المشار إليه في (Santrock, 1999).
من العمليات الأخرى التي تتم من ضمن العمليات المعرفية تطور اللغة سواء من حيث تنامي القاموس اللغوي أو القدرة على التحدث والاستماع أو استخدام الصياغات اللغوية، أو تزايد طول الجملة، يذهب براون Brown أن طول الجملة يتزايد من (2 – 2.5 كلمة) ليصير (3.75 – 4.5) كلمة (Santrock, 1999).
ينبه فيجوتسكي هنا إلى أن الطفل في هذه الفترة يبني عبر السنوات وبنشاط معارفه Knowledge، بما يمكنه من حل المشكلات، كما يشير إلى مستوى من هذا التطور قد لا يستطيع الطفل بلوغه إلا بمساعدة من الآخرين (Zone of Proximal development).
نظرية العقل:
- يستدل الطفل على وجود العقل بالإشارة إلى الحالات والانفعالات، والحالات العقلية.
- الاتصال المعرفي بالأشياء.
- إدراك أن العاقل مغاير للأشياء المادية.
- المقدرة على التمثل.
- رفض المعتقدات الخرافية.
- فاعلية العقل ونشاطه تجاه ما يتمثله من أشياء
3- العمليات الاجتماعية الانفعالية:
تتضمن هذه العمليات: التطور الاجتماعي الانفعالي للطفل ممثل في اكتساب الاستقلالية والاعتماد على نفسه في قضاء الكثير من شؤونه وكذلك القدرة على المبادرة ليعلن من خلالها مدى كفايته الذاتية وثقته في نفسه، دونما خوف أو شعور بالذنب.
كما تتضمن أيضاً تطور اللعب من اللعب الفردي إلى اللعب الجماعي، ومن الحديث مع الذات إلى الحديث مع الآخر، ومن الانكفاء على الذات إلى التعاطف والمشاركة وإدراك الجنس والدور الجندي والالتزام به سواء في اللعب أو تكوين جماعة الرفاق. أخيراً تتضمن العمليات الاجتماعية الانفعالية عملية تطور معايير الأحكام الأخلاقية كيف يفهمونها وكيف يتصرفون بموجبها، وبماذا يشعرون بعد هذا التصرف. (Santrock, 1999).
الجندر (Gender):
الأبعاد الاجتماعية للذكور والأنوثة.
الهوية الجندرية:
إحساس الطفل بكونه أنثى أو ذكراً.الدور الجندري:
توقعات اجتماعية للكيفية التي على الذكر أو الأنثى التفكير والعمل والشعور بها. (التفاصيل سترد في الفصل التالي)
نشاط (4) |
صف القدرات المعرفية التي يمتلكها طفل فور التحاقه بالمدرسة، وما هي العمليات التي تتم حتى يمتلك تلك القدرات؟ |
تفكير ناقد (4) |
أطفال الديجتال مرشحون أكثر من غيرهم لاكتساب أنماط من التفكير ما هي هذه الأنماط؟ |
خامساً: النمو من الالتحاق بالمدرسة إلى البلوغ (المرحلة المتوسطة والمتأخرة):
المحطة الخامسة: البلوغ:
يعلن "البلوغ Puberty" وصول الطفل إلى المحطة الخامسة من نموه وذلك حوالي السنة الحادية عشرة للإناث والسنة الثالثة عشرة للذكور، ويمكن رصد الملامح الرئيسة التالية لهذه المحطة.
1- يصل طول الإناث إلى 90% والذكور إلى 80% مما سيكون عليه مع بدايات الرشد (Adult). وتكتمل الأسنان الدائمة باستثناء الضرسين الخلفيين، ويلعب الكرة بمهارة أرقى، وتظهر العلامات الثانوية للبلوغ من مثل خشونة الصوت، وظهور الشعر في بعض مواضع الجسم، وتضخم الأعضاء الجنسية، وحدوث أول عادة شهرية عند الأنثى، والقذف الأول عند الذكر.
2- تطور خلايا الدماغ الشبكات العصبية، هذه الشبكات أشبه ما تكون بافتتاح شوارع وتنظيم مسارب تسهل عملية انسياب السيارات وتجعلها أكفأ، إن الشبكات التي يتكرر استخدامها تظل موجودة وجاجزة لأداء وظيفتها بينما تلك التي لا تستعمل تفقد.
3- يؤدي الدماغ وظيفة العمليات الشكلية Formal Operations حيث ينشغل بالتفكير المجرد: ما الذي يمكن أن يحدث إذا ....؟، ويتخيل احتمالات هذا الذي سيحدث، يصوغ ويختبر النظرية، ويفكر تفكيراً منظماً في احتمالات المخرجات (Kosslyn & Rosenberg, 2004). تتحسن الذاكرة أكثر، وتتعدد السيكمات وتتنوع، وكذلك عمليات ما وراء المعرفة (التفكير في التفكير)، والتفكير العلمي، والتفكير الناقد، والمراقبة المعرفية Cognitive Monitoring ممثلة في الانشغال بما يجري الآن، وبالذي سيليه، وبالكيفية التي تجود بها الأنشطة العقلية (Santrock, 1999).
4- يؤدي الدماغ من خلال الاميجدالا العمليات الانفعالية (الذكاء الانفعالي) ممثلة في: إدراك الانفعالات، استخدام الانفعالات لتسهيل التفكير، وفهم الانفعالات، وإدراكها (Meyers & Salovy, 1998). يفيد علماء الأعصاب أن في الدماغ ذاكرتين الأولى ذاكرة الحقائق (وظيفة قرن آمون Hypocampus)، والثانية الذاكرة الانفعالية التي تربط الحقائق بانفعالاتها (facultyfp.Salisbury.edu) يتوقع في هذه المحطة أن يكون الطفل قادراً على توليد الدافعية الذاتية، والتحكم في الدفعات الانفعالية، وتنظيم مزاجه، ومقاومة الإحباطات ومنع
الضغوط النفسية من تعطيل التفكير وأن يكون متعاطفاً ومتفائلاً (الذكاء الانفعالي) (facultyfp.Salisbury.edu).
في الدماغ ذاكرتان:
ذاكرة الحقائق
ذاكرة الانفعالات
5- القدرة على فهم الآخرين (الذكاء الاجتماعي) سواء أكان هؤلاء الآخرون أحياء أو شخوصاً متلفزة، أو أمواتاً، فيتواصل ويتعاطف ويتعاون مع الآخرين الأحياء، ويتقاسم معهم المهمات، ويتلقى منهم التغذية الراجعة، ويشعر بمدى قوة دافعيتهم، ويتعلم منهم ..إلخ، (www.chariho.k12.ri.us) إضافة إلى التزامه بأعراف المجتمع وعاداته وتقاليده كمعيار للسلوك الأخلاقي.
الذكاء الاجتماعي
الذكاء الانفعالي
العمليات التي تتوسط ما بين المحطتين الرابعة والخامسة:
1- العمليات الجسمية:
تتميز العمليات الجسمية فيما بين هاتين المحطتين بالبطء. إنها مرحلة الهدوء التي تسبق عاصفة البلوغ، ولعل أهم نتائج هذه العمليات هو التغيرات التي تمس الهيكل العظمي والجهاز العضلي والمهارات الحركية، فبالنسبة للهيكل العظمي فإن الساقين تصيران أكثر طولاً، والجذع أكثر نحافة، حيث يزداد وزن الجسم ما بين 2.5 و3.5 كغم سنوياً ومرد ذلك إلى زيادة حجم الهيكل العظمي والجهاز العضلي إضافة إلى قياس بعض أجهزة الجسم الأخرى، فتزداد تدريجياً كتلة العضلة وقوتها، هذه الزيادة تتأثر بعاملي الوراثة والتدريب، وتفيد الدراسات أن الذكور أقوى من الإناث.
المجال الثالث الذي تظهر فيه نواتج العمليات الجسمية هو "المهارات الحركية" حيث تصبح هذه الحركات أكثر انسجاماً وسلامة، ويتعلم الأطفال الرياضة والجري والتسلق والتزلج والسباحة وركوب الدراجة ذات العجلتين، والقفز على الحبل، وهذا يترك لديهم الإحساس بالكفاية والمتعة.
إن تنامي طبقة الميلين التي تساعد على سرعة انتقال الدفعات العصبية عبر الجهاز العصبي تحسن من المهارات الحركية للعضلات الدقيقة فمن اللصق واستخدام المطرقة وربط الحذاء وتزرير القميص إلى الاستقرار على استخدام إحدى اليدين، وتفضيل استخدام قلم الرصاص في الكتابة وبخط أصغر، وينتهي ذلك بامتلاك مهارات حركية قريبة مما ستكون عليه في مرحلة الرشد (Santrock, 1999).
2- العمليات المعرفية:
تطور هذه العمليات العديد من القدرات من مثل: قدرته على التصور العقلي للأداء، فقبل أن يثبت الطفل المسمار في الخشب باستخدام مطرقة يتصور هذه العملية تصوراً عقلياً قبل أن ينفذها بالفعل، وقدرته على المعكوسية Reversability فالعملية الفيزيقية انعكاس للعملية العقلية، وقدرته على الاحتفاظ Conservation كإدراك أن كمية السائل لا تتغير بتغير ارتفاع نفس السائل في إناء أطول وأرفع، إضافة إلى هاتين القدرتين، كما يتقن الطفل القدرة على التصنيف إلى فئات وإدراك العلاقات بين تلك الفئات كتعبير عن التفكير المنطقي الذي يحل تدريجياً محل التفكير الحدسي.
إضافة لما تقدم، فإن الذاكرة طويلة المدى تتنامى سنة وراء أخرى بحيث تتقوى عمليات ضبط هذه الذاكرة والتعرف على خصائص المتعلم، وبالتالي يصير بالإمكان أداء عمليات معرفية تحتاج إلى جهد عقلي ولا تتم آلياً من مثل التكرار Rehascal، والتنظيم Organization، والتخيل Imegery. كما أن خصائص المتعلم تقوي الذاكرة من مثل: الاتجاه والدافعية والصحة العامة، وطريقته في في اكتساب المعلومات، (انظر الفصل الخاص بالذاكرة).
توجيهات للمعلم:
1- سهل التعلم أكثر من التوجيه المباشر للتعلم.
2- هيئ الفرص للتفكير الناقد.
3- كن النموذج الجيد للأدوار المعرفية.
4- شجع التعاون بين الأطفال.
5- زود المدرسة ببرامج حاسوبية تنمي التفكير.
6- استشر التفكير الإبداعي (Santrock, 1999)
أما تطور اللغة كنتاج للعمليات المعرفية فإن أهم مظاهر اللغة تتمثل في الالتزام بقواعد اللغة، والقراءة، وثنائية اللغة.
المظهر الآخر لأثر العمليات المعرفية هو التحصيل الدراسي، حيث يشهد دافع التحصيل تطوراً لتحقيق الأهداف والمهمات المدرسية سواء أكان هذا الدافع نابعاً من الداخل أو من الخارج (Santrock, 1999)، وبالمثل تطور المعايير الأخلاقية من "المصلحة الفردية" كمعيار إلى الأعراف والعادات والتقاليد كمعيار للسلوك (Myers, 2004). وتطور الذكاء الأخلاقي ممثلاً في القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، واختيار الصواب والتصرف وفقاً للمعايير الأخلاقية (www.usdsb.on.ca).
3- العمليات الاجتماعية الانفعالية:
هذه العمليات نتاج لعملية التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الأطفال من قبل الآخرين كالآباء، والرفاق والمعلمين، ووسائل الإعلام ودور العبادة. وشيئاً فشيئاً يتسع عالم الأطفال، ويبدون حماساً أشد وواقعية أكبر، ويوجهون طاقتهم نحو التمكن من المعارف Knowledge والمهارات العقلية حتى يتجنبوا الإحساس بالنقص وعدم القدرة على الإنتاج.
من الناحية الانفعالية يتطور تدريجياً الذكاء الانفعالي بدءاً بإدراك الانفعالات، ثم استخدامها لتسهيل التفكير، ثم فهم الانفعالات وأخيراً إدارة الانفعالات، سواء انفعالات الفرد نفسه، أو انفعالات الآخرين (Santrock, 2003).
كما تتميز هذه الفترة من عمر الطفل بتطور الذكاء الاجتماعي لديه المتمثل في فهم وإدارة الآخرين والتصرف بحكمة في علاقته مع أقرانه واستمرارية هذه العلاقة أطول فترة ممكنة، إضافة إلى اتخاذ قرار في الموقف الاجتماعي، وتذكر الأسماء والوجوه وملاحظة السلوك البشري وتمييز الحالات العقلية الكامنة وراء الكلمات، وتمييز الحالات العقلية من تعبيرات الوجوه، وكذلك اكتساب المعلومات الاجتماعية، وحس المرح.
ومن المؤشرات الأخرى على تنامي الذكاء الاجتماعي: قبول الآخرين كما هم، التسامح مع الأطفال الآخرين، الضمير الاجتماعي، التفكير أولاً قبل الفعل الحقيقي، إصدار أحكام عادلة، الحساسية نحو حاجات ورغبات الآخرين، الصراحة والأمانة مع النفس ومع الآخرين، إبداء الدهشة والاهتمام بما يجري (ist – Socrates.barkely).
تفكير ناقد (5) |
- ميز ما بين الذكاء الانفعالي والذكاء الاجتماعي. - قيم العمليات المعرفية التي تتم ما بين الالتحاق بالمدرسة والبلوغ. |
سادساً: النمو من البلوغ إلى بدايات سن الشباب (مرحلة المراهقة)
المحطة السادسة: بدايات الشباب (مرحلة المراهقة):
مع بداية العقد الثالث من العمر تبدأ هذه المحطة، وتتميز خصائص من يصل إليها بما يلي:
1- الصحة الجيدة، ووصول قيمة النضج الجسمي والأداء الحسي سواء من حيث القوة الجسمية، أو حدة البصر والسمع، والانخراط بالتدريبات الرياضية، والتعامل السليم مع الجسد (Davis & Palladino, 2004).
2- تمتين القدرة على التفكير التجريدي مقارنة بما كان عليه الحال في المحطة الخامسة، حيث يصبح الفرد أكثر تنظيماً في مقاربته للمشكلات، وتطويراً للفرضيات والحلول الاستنباطية للمشكلات، في حين يرى بعض علماء علم نفس النمو أن هذه المحطة تشهد تراجعاً في استخدام التفكير المنطقي والتفاؤلي الذي ساد المراهقين، ليبدأ استخدام التفكير البراغماتي الذي يتطلب استراتيجيات تكيفية أقل اعتماداً على التحليل المنطقي في حل المشكلات، كذلك تتمتن العمليات المعرفية أكثر، والأخذ بوجهات النظر المتعددة والمداخل المتنوعة بدلاً من القطبية أبيض/ أسود، خير/ شر. وترى وجهة نظر أخرى أن الأفراد في هذه المحطة يرون أن الحقيقة مشتركة بين الأفراد وليست حكراً على فرد واحد. ويرى آخرون أن هذه المحطة تبرز اهتمام الأفراد بتطبيق المعرفة أكثر من اهتمامهم باكتسابها، ويتحملون المسؤولية خاصة عند تشكيل أسرة (Santrock, 1999).
3- الألفة والواقعية وضرورة العيش مع الآخر والانجذاب إليه وتطوير مشاعر المودة والحميمية والحب تمهيداً لأداء دور الوالدية في نطاق أسرة نووية أو ممتدة. والانخراط الصحي في عجلة النظام الاجتماعي؛ في الجامعة أو في العمل، يشعر أنه جزء من كل متناعم سعيد بوجوده فيه، مندفع نحو المشاركة الفاعلة والعطاء بدون حدود (Zanden, 1998). ويؤكد ليفنسون Levinson أن شخصية الفرد تتسم بالاستقلالية الاقتصادية، والأحلام المتصلة بالحياة التي يتمناها الشاب خاصة فيما يتصل بالزواج والعمل واختيارها في عالم الواقع (Santrock, 1999).
العمليات التي تتوسط بين المحطتين الخامسة والسادسة:
1- العمليات الجسمية:
يشهد النمو الجسمي تزايداً ملحوظاً في سرعة هذا النمو ينعكس في تزايد طول الذكور حتى يتفوقوا على الإناث، ويترافق مع البلوغ (النضج الجنسي) نشاط الفرد الجنسي والإفرازات الهرمونية التي من المحتمل أن تؤثر في المزاج وتسارع النمو طوال السنتين اللتين تليان البلوغ، إن التطور الجسمي المبكر للذكور يجعل منهم أقوى وأكثر رياضة وثقة في النفس وشعبية واستقلالية مقارنة بالإناث أما بالنسبة للدماغ، فإن ما يميز نموه في هذه المحطة يتمثل في التخلص من الخلايا العصبية غير المستعملة، كما ينضج الفص الأمامي مما يؤدي إلى الأحكام الصائبة، وضبط الدفعات العصبية، والتخطيط طويل المدى. فالدماغ الذي تبدأ به المحطة الخامسة هو مختلف عن ذاك الذي تبدأ به المحطة السادسة (Myers, 2004)
إفراز الهرمونات يؤدي إلى تغيرات جسمية سريعة.
يقول دانيال وينبرغر الدماغ في بدايات المراهقة ما زال صغيراً على الأحكام الصائبة.
من العلامات الجسمية الملاحظة: اتساع الكتفين لدى الذكور والحوض لدى الإناث، نمو العضلات الكبيرة، اليدان والقدمان تنموان بسرعة أكبر من الساقين والذراعين لدى الجنسين، الشفتان والأنف والأذنان ينموان بأسرع مما ينمو به الرأس (Davis & Palladino, 2004).
- الهرمونات: هرمون النمو والثيروكسين مسؤولان عن طفرة النمو، هرمون الأندروجين وهرمون الأستروجين المسؤولان عن النضج الجنسي.
- طفرة النمو Growht spurt النضج الجسمي الدراماتيكي – كانت الطفرة الأولى مرحلة الرضاعة وهذه هي الطفرة الثانية.
2- العمليات المعرفية:
من هذه العمليات: عملية التفكير الشكلي التي تتضمن: التفكير المجرد، والتفكير المنظم في مفاهيم مجردة، من مثل: الحق، الخير، الجمال ... إلخ، والتجريب العلمي القائم على متغيرات مستقلة وأخرى تابعة (الذكاء والتحصيل الدراسي) (Kosslyn & Rosenberg, 2004)، والقدرة على رؤية وجهة نظر الآخر، ورؤية أنفسهم كما يتخيلون أن الآخر يراها (الوعي بالذات كما يدركها الآخرون). شيئاً فشيئاً يتطور التفكير البراجماتي، والبحث عن الجديد والخبرات المعقدة، والإقلال من المغامرة مع اقتراب المحطة السادسة (Baron, 1998)، وتطوير التفكير وحل المشكلات ليصير بشكل يقارب ما عليه الحال أثناء الرشد (Davis & Palladino, 2004).
3- العمليات الاجتماعية الانفعالية:
تتضمن العمليات الاجتماعية والانفعالية ما يلي:
- تعلم التمييز بين الصواب والخطأ، وتطوير ضبط الدفعات العصبية، ليفكر أخلاقياً ويتصرف بموجب تلك الأفكار ويتذوت العادات والتقاليد والأعراف، يلي ذلك تذوت القوانين المنظمة لحياة الناس (Myers, 2004)، إن العقل قادر على إنجاز الحكم الأخلاقي كقدرته على إصدار الأحكام الجمالية بسرعة وآلية، حيث نشعر بالقرف عندما نشاهد بعض التصرفات اللأخلاقية، ونشعر بالسمو عندما نرى الناس يتصرفون بكرم نادر وبشجاعة، إن التفكير الأخلاقي والشعور الأخلاقي في هذه المرحلة يؤثران على كلامنا الأخلاقي (Myers, 2004).
- تطوير الهوية وصولاً إلى تحقيق الهوية في مقابل ارتهان الهوية أو تأجيل تحقيقها، أو اضطرابها. (Myers, 2004).
- تطوير الشلة بما يقوي الإحساس بالهوية.
- تطوير حياة أسرية متكيفة، متحابة.
- تطوير "الالتزام" بكل ما يحمله ذلك من مسؤولية (Davis & Palladino, 2004).
نشاط (5) |
صف القدرات المعرفية التي يمتلكها الفرد في بدايات شبابه واربطها بالتغيرات الحادثة في بعض أجزاء الدماغ. |
التفكير الناقد (6) |
قيم أداءات بداية الشباب الاجتماعية والانفعالية في ضوء الذكاءات: الانفعالية والاجتماعية والأخلاقية. |
سابعاً: النمو بين بداية الشباب إلى نهاية الحياة (مرحلة الرشد):
المحطة السابعة: بدايات الشيخوخة:
مع بدايات العقد السابع من العمر تبدأ هذه المحطة التي تتميز بخصائص تستمر في التدهور لتعد المسن للوفاة. من هذه الخصائص:
1- التغيرات الجسمية: وتتضمن تلك المبرمجة وراثياً، وتلك التي تحدثها الظروف البيئية، فالتغيرات التي لا مفر منها من مثل الشيب، وظهور الأمراض الكامنة، وتراجع كفايات الجسم، وفقده للكثير من مرونته وقوته ... إلخ، وتلك التغيرات الناتجة عن التغذية الفقيرة، وقلة التدريبات الرياضية من مثل: هشاشة العظام والسمنة أو النحافة، وأمراض السكري والقلب وتصلب الشرايين، وندرة الأنشطة ذات المعنى التي تقود إلى مشاعر العجز، وتوقف العادة الشهرية وما يرافقه من اضطرابات هرمونية تنعكس على المزاج العام للأنثى، وتتولد بعض الأحاسيس الجسمية من مثل ومضات من الحرارة، وعدم القدرة على التكيف مع هذه المتغيرات مما ينعكس سلباً على تقدير الفرد لذاته ومفهومه لها (Kosslyn & Rosenberg, 2004)، إضافة إلى ما سبق فإن تغيرات تمس الحواس الخمس مما يؤدي إلى ضعف القدرات الجسمية من مثل: تراجع حدة البصر والسمع والشم والذوق، وتباطؤ رد الفعل (Boson, 1998). ثمة نظرية تقول أن خلايا الجسم لم تعد قادرة على الانقسام كما كانت سابقاً (نظرية الساعة الخلوية Cellular – Clock theory). هناك نظرية أخرى تعرف باسم نظرية الجزيئات النشطة (Free – Radical theory) تفترض أن داخل الخلايا توجد جزيئات أكسجين غير ثابت تعمل على تدمير مادة الـ (DNA). هذا التدمير قد يؤدي إلى بعض أمراض السرطان والتهاب المفاصل (Santrock, 2003). ومن الجدير بالذكر أن هذه التغيرات تستمر في التفاقم حتى حلول الوفاة.
2- التغيرات المعرفية وتتمثل في: تراجع طفيف في القدرة على التذكر والتعلم وانخفاض القدرة على التفكير المجرد والسريع، وانخفاض التفكير الاستنتاجي، وتراجع الذكاء غير اللفظي (Myers, 2004). بينما يظل الذكاء اللفظي والذكاء المتبلور (جمع المعلومات) على حاله. في حين تتبلور "الحكمة" لدى البعض خاصة فيما يتصل بالمجالات الحياتية العملية (Santrock, 2003) قد تنخفض القدرة على الإبداع في بعض المجالات ولكنها تستمر في مجالات أخرى (Baron, 1998)
القدرة على تذكر الأسماء الجديدة، والقدرة على استرجاع المعلومات الجديدة تتراجع.
قول مأثور:
"في الشباب نتعلم، في الكهولة نفهم"
3- التغيرات الاجتماعية الانفعالية وتتمثل في الإحساس باليأس يعبر عنه بإحساس الفرد أن ما تم إنجازه من علم أو مال أو أبناء أو علاقات غير مرضي عنها، وعلى العكس فإن "تكامل الأنا" لدى البعض يعبر عنه بالإحساس بالسعادة والرضا والطمأنينة، كما يتوقع أن تشهد هذه المحطة تدهوراً في تنظيم الاستجابات الانفعالية، وقلة في الأصدقاء رغم أنها أكثر حميمية مع هؤلاء الأصدقاء (Kosslyn & Rosenberg, 2004).
العمليات التي تتوسط ما بين المحطتين السادسة والسابعة:
إن الفاصل الزمني ما بين هاتين المحطتين يزيد عن أربعين سنة، حيث تستمر العمليات الجسمية والمعرفية والاجتماعية الانفعالية بنوع من الثبات ما يقرب من ثلاثين عاماً لتبدأ التهيئة للمحطة السابعة والتي ستستمر فيه أجهزة الجسم الداخلية في أداء نفس الوظائف إلا أن كفاية هذا الأداء لأسباب بيولوجية وجينية وبيئية مختلفة، تبدأ بالتراجع التدريجي والذي لا يلاحظ إلا بعد تراكمات طويلة تحدث تغيرات نوعية ينتبه إليها الفرد ويعيها وعليه أن يتوافق معها.
سنتناول مثالاً واحد يجمع ما بين العمليات الجسمية والمعرفية والانفعالية، وهو الدماغ.
تفيد نتائج الدراسات أن الناس كلما يتقدم بهم العمر أكثر فإن الدماغ يتلقى دماً أقل، وهذا يؤدي إلى نقصان كمية الغذاء والأكسجين اللازمين للدماغ، وقد يرد ذلك إلى تضييق الشرايين، كل هذا يفسر كيف أن خلايا الدماغ لم تعد تعمل بنفس الجهد كما كان عليه الحال إبان الشباب، لذا ستحتاج كمية أقل من الدم مما يجعل الأوعية الدموية تتكيف مع الوضع الجديد. ونقص الدم يجعل الخلايا تعمل بكفاية أقل وعليه فإن ندرة التحديات تقلل من فرص الدماغ على العمل وبالتالي تقلل من كفاءته الوظيفية وهذا يرتد سلباً على مستوى تقدير الفرد لذاته وعلى مفهوم لتلك الذات (Kosslyn & Rosenberg, 2004).
تفكير ناقد (12) |
ما هي الاستراتيجيات التي تجعل من الشيخوخة خاتمة سعيدة لمسيرة النمو ومصدراً للحكمة؟ |
الخلاصة:
1- النمو يشير إلى أنماط التغيرات في القابليات الإنسانية التي تبدأ منذ لحظة الإخصاب وتستمر طول الحياة.
2- النمو الإنساني ظاهرة معقدة لأنها نتاج عمليات متعددة ومتفاعلة تسير وفق مبادئ محددة، وله مسار مبرمج يتبعه.
3- نتائج أبحاث الدماغ تشكل أرضية جديدة يلتقي عليها علماء علم النفس المعرفي خاصة مع علماء الأعصاب، ليؤسسوا لفرع جديد هو علم الأعصاب المعرفي.
4- ثمة قضايا خلافية بين علماء علم نفس النمو، حاول مدخل "دورة الحياة" التقليل من هذا الاختلاف.
5- يبدأ النمو منذ لحظة الإخصاب حيث يتقرر النمط الوراثي والنمط الظاهري وقابليات المشروع الإنساني (البويضة الملقحة)، وفي لحظة الميلاد يكون الوليد قادراً على أداء سلوكات مطبوعة (أفعال منعكسة) وحركات وإشارات وصراخ ورضاعة.
6- مرحلة الرضاعة تشهد تطور الأفعال المنعكسة، وظهور بعض العمليات المعرفية كالتذكر والإدراك الحسي، والمعالجة الأولية للمدركات، والإرادة واتخاذ القرار، والتجربة والتأمل العقلي، كما تظهر ظاهرة التعلق والثقة والطاعة، ويبدي الطفل القدرة على التعلم السلوكي.
7- مع اكتمال السنة السادسة من عمر الطفل يكون قد امتلك الكفاية اللغوية، وتخلص من التفكير الخرافي والأحيائية وامتلك التفكير الحدسي، وتخلص من الحوار الذاتي وامتلك القدرة على الحوار الجمعي، وكون نظرية العقل، ووعي ذاته وأدرك مصلحته.
8- تتميز العمليات الجسمية التي تهيئ للحظة البلوغ بالبطء عامة، والتغيرات تمس الهيكل العظمي والجهاز العضلي والمهارات الحركية نتيجة لتنامي طبقة الميلين حول جذع الخلية العصبية، كما تتطور العمليات المعرفية ويظهر التفكير المنطقي وشيئاً فشيئاً التفكير الجريدي، ويطور الطفل أنماطاً جديدة من السكيمات، ويتقن مهارات التواصل اللغوية، ويتسع عالم الطفل الاجتماعي ويتطور ذكاؤه الاجتماعي.
9- تشهد بدايات المراهقة طفرة في النمو الجسمي طولاً ووزناً وحجماً وطفرة في نمو الدماغ، خاصة حيث ينضج الفص الأمامي مما يجعل الطفل أقدر على إنتاج الأحكام الصائبة وضبط الدفعات العصبية والتخطيط طويل المدى وحل المشكلات.
10- يمتاز النمو في الأربعين سنة التالية بالثبات والإنتاج ومع بدايات الشيخوخة يبدأ النمو بالانحدار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: محمد عودة الريماوي وآخرون، ،( كتاب: علم النفس العام)، من إصدار دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الأردن ، عمان، الطبعة الثانية لعام 2006م / 1426هـ