القيادة العسكرية
Military leadership
تتميز القيادة العسكرية عن غيرها بما تنطوي عليه من التزامات ومهام وواجبات خاصة تتعلق بطبيعة الخدمة العسكرية في السلم والحرب ، فدور القيادة العسكرية هو إعداد الجرال للحرب ومواجهة المخاطر والقتال بإرادة قوية وعزيمة لا تلين ، وتقديم أرواحهم في سبيل الله ، وتبرز القيادة لكونها (المحور الأساسي للحياة العسكرية الذي يعتمد عليها بناءا لفرد على الرغم من تباين أساليب القتال وتطور الأسلحة) ، وتعرف القيادة العسكرية كذلك بأنها (السلطة التي يمارسها شخص ما في الخدمة العسكرية على مرؤوسيه في ظل ما يخوله ذلك طبقًا لرتبته والوظيفة التي يشغلها) .
ويمكن أن نعرف القيادة العسكرية كذلك بأنها مجموعة الصفات التي تساعد أحد الأشخاص على إقناع أشخاص آخرين للقيام بنشاط قد يكون غير محبب إليهم أو يشكل خطورة عليهم.
6/1 أنماط القيادة العسكرية:
يمكن التمييز بين نمطين من القيادة العسكرية ، وهما القيادة الإرغامية والقيادة الإقناعية.
أ. القيادة الإرغامية:
يقوم هذا الأسلوب على تركيز السلطة في يد القائد واستخدامها للضغط على مرؤوسيه لتأدية أعمالهم ، وقد أظهرت الجماعات التي تقاد بهذه الطريقة قدرًا أكبر من العداء والتعدي على حقوق الآخرين ، وانخفاضًا في المعنويات ومالت إلى الابتعاد عن بعضها البعض أثناء غياب القائد .
ومن عيوب القيادة الإرغامية:
1. توليد شعور عدم الرضا عند المرؤوسين وبالتالي انخفاض روحهم المعنوية.
2. قد تولد شعورًا عدائيًا نحو القائد.
3. قد تؤدي إلى إضعاف كفاءة المرؤوسين في تحقيق الأهداف التي أرغموا على تحقيقها.
4. قد تؤدي إلى تفشي روح السلبية بين المرؤوسين ، والاكتفاء من العمل بذلك القدر الذي يجنبهم عقاب القائد مع الجنوح إلى التهرب من العمل في غيابه.
ب. القيادة الإقناعية:
يقوم هذا الأسلوب على طاعة القائد وتنفيذ أوامره عن طريق الإقناع ، فمن أبرز سمات هذا الأسلوب هو مراعاة أحاسيس ومشاعر المرؤوسين وإشعارهم بأهميتهم وإشراكهم في اتخاذ القرارات وإنجاز الأعمال ، فالقيادة الإقناعية تجعل المرؤوسين يطيعون أوامر القائد عن رغبة واقتناع ذاتي وليس عن رهبة وخوف ، فهي القيادة القائمة على قدرة القائد ومهارته على التأثير في الآخرين بطريقة تضمن إخلاصهم ما يؤدي إلى ارتفاع روحهم المعنوية وبالتالي زيادة إنتاجهم.
ومن مزايا القيادة الإقناعية:
1. توليد شعور الارتياح والرضا عند المرؤوسين وبالتالي ارتفاع روحهم المعنوية.
2. توليد روح المحبة والإخلاص للقائد.
3. تؤدي إلى الكفاءة العالية عند المرؤوسين في تحقيق الأهداف التي يوجههم إليها القائد.
4. تؤدي إلى إيجاد روح الإيجابية في العمل عند المرؤوسين، وإلى الإقبال على العمل بإخلاص وحماس حتى في غياب القائد.
6/2 مبادئ القيادة العسكرية:
في أدبيات القيادة العسكرية استخدام المبادئ التالية:
أ. معرفة القائد لعمله:
وهو أن يعرف تمامًا واجبات وظيفته ومدى مسئولياته وشؤون ومشاكل مرؤوسيه ، ويجب ألا يتناول الصدى للمعلومات التي يعرفها بل عليه أن يزيد معلوماته وأن يكون كثير الاطلاع ليقف أولاً بأول على أحدث الوسائل والتطورات في فنون عمله .
ب. معرفة القائد لنفسه:
المقصود من ذلك هو معرفة القائد لإمكاناته وقدراته وجوانب القوة فيه والعمل على تنميتها والاستفادة منها ، وكذلك معرفة جوانب الضعف فيه والعمل على التغلب عليها وإصلاحها والحرص على التحلي بالصفات القيادية والعمل على تقوية شخصيته ، ومن الجانب الآخر فالقائد الذي لا يعرف نقاط القوة والضعف لديه يصعب عليه السيطرة على نفسه وعلى تصرفاته فضلاً عن قدرته على السيطرة على سلوك وتصرفات الآخرين ، وذلك لأن معرفة القائد لنفسه تعتبر مقدمة لمعرفة الآخرين.
ج. معرفة القائد لرجاله:
على القائد الناجح أن يعرف رجاله ومدى ما يتمتعون به من خصائص وفروق فردية وفنسية من خلال عملهم والاحتكاك بهم فلا يكون هناك تعاون كامل للجماعة إلا إذا تعارف أعضاؤها وعرفوا رئيسهم ووثقوا بأنهم معروفون من قبله ، إن الكائن البشري بحاجة إلى الشعور بأنه معروف ومفهوم ومحترم حتى يستطيع القيام بمهمته.
د. الاهتمام بشؤون رجاله وحسن معاملتهم:
إن الاهتمام الذي يبيده القائد بالمرؤوسين من الأولويات التي أمر بها الإسلام ، فالاهتمام بالعامل الإنساني مبدأ مهم من مبادئ القيادة الناجحة ، فإذا قابل القائد مشكلات جنوده الإنسانية بطريقة باردة ومجردة من الشعور الحقيقي فلن يحصل منهم إلا على القليل ، ولكنه إذا استطاع أن يكسب ثقتهم وأدركوا صدق رعايته مصالحهم وأنهم في أيد أمينة ، يكون بذلك قد امتلك رجالاً ذوي مستوى عال ونادر معنويًا وقتاليًا ، وحقق في نفس الوقت أعظم ما يمكن أن يحققه قائد.
هـ. وضوح المهمة وفهم المرؤوسين لها:
وذلك بأن تكون المهمة الملقاة على عاتق المرؤوسين واضحة للجميع وأنهم مدركون ما يجب عليهم إنجازه من خلال تنفيذ الواجبات والمسؤوليات اللازمة ومما يساعد على ذلك أن تكون الأوامر واضحة وليس فيها مجال لسوء الفهم ، وكلما زاد إعلام القائد لجنوده بالقدر المسموح به من المعلومات التي تعينهم على أداء وظائفهم بإتقان ، كلما زاد حجم إنتاجهم وانفتحت أمامهم سبل المبادأة والابتكار والإبداع.
و. تدريب المرؤوسين للعمل كفريق واحد:
إن تنمية روح العمل الجماعي وإيجاد التعاون بين أفراد الوحدة بمختلف فئاتهم ، من المبادئ التي يتعين على القائد أن يوليها اهتمامه ، بحيث يشعر كل فرد في الوحدة بأنه جزء لا يتجزأ من فريق العمل ، وأن تخلفه أو تقصيره سيؤثر حتمًا على أداء فريقه ، وتتطلب الجماعات العسكرية بسبب الدرجة العالية من الإجهاد والذي يجب أن تتمكن من مقاومته قدرًا كبيرًا من التضامن وروح الجماعة ، وكذلك قدرًا كبيرًا من الاعتماد المتبادل و الثقة المتبادلة بين أفراد الجماعة ، ودرجة عالية من الترابط بالجماعة والوحدة.
ز. اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب
القائد الناجح يتبع الإجراءات الصحيحة قبل اتخاذ أي قرار مبتدئًا بتحديد المشكلة وجمع الحقائق والمعلومات حولها ، ثم فحص هذه الحقائق والمعلومات ومقارنتها ، حتى يتمكن من اتخاذ القرار السليم في وقته المناسب ، وذلك عن طريق:
1. التريث في اتخاذ القرارات حتى يستطيع جمع أكبر قدر من المعلومات.
2. أن تتصف القرارات بالدقة والوضوح.
3. الموازنة بين مزايا القرار وعيوبه.
4. الحرص على أن لا تتعارض أوامره مع أخرى سبق له أن أصدرها.
6/3 صفات القائد العسكري الناجح:
هناك صفات عديدة إذا توفرت في القيادة أدى ذلك إلى إنجاحها وزادت مقدرتها على أداء المهام باقتدار ، وقد تكون هذه الصفات مادية تختص بالشكل العام للقائد ويمكن مشاهدتها بوضوح ، أو قد تكون صفات وخصائص معنوية تختص بالصفات الخلقية والقدرات القيادية الكامنة ، والتي لا يمكن مشاهدتها إلا من خلال تصرفات وأعمال القائد.
أن أهم صفات القيادة هي: الشجاعة ، الشورى الأخلاق ، الحلم ، الأسلوب ، بعد النظر ، ماض ناصع ، صدق النية ، الإحسان والرحمة ، التواضع ، الإيثار.
أن الإسلام أمر القائد يالاتصاف بالصفات الإنسانية التالية:
1. المعرفة: المعرفة المهنية العامة والثقافية.
2. الحزم: القدرة على اتخاذ القرارات السريعة والصائبة.
3. الإبداع الذاتي: القدرة على إيجاد مسلك جديد للوصول إلى الهدف بسرعة وبأقل الخسائر.
4. اللباقة: القدرة على معرفة العلاقات الإنسانية مع المقاتلين.
5. السلوك: وتعني أسلوب التعامل والحديث مع المقاتلين.
6. الشجاعة: السيطرة العقلية على الخوف والثبات والصمود في وجه الأعداء.
7. قوة التحمل: تشمل قوة التحمل البدني والعقلي.
8. النزاهة والاستقامة: تعني أن يكون القائد قدوة ومثلاً أعلى للمقاتلين.
9. العدل: إعطاء كل ذي حق حقه.
10. الحماس: الاندفاع، والاقتناع بالواجب.
ونستخلص بعض الصفات الضرورية للقائد ، والتي رأى أنها ستكون مساعدة له بإذن الله تعالى في أداء مهمته بكفاءة وهي:
أ. قوة العقيدة:
من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها القائد : الإيمان بالله عز وجل ووضوح الهدف، وأجل نموذج في التاريخ البشري هو الرسول القائد صلى الله عليه وسلم الذي جاهد في سبيل الله عز وجل وبعثه الله عز وجل بالدين الحق لإخراج الناس من ظلمات الجهل والأهواء إلى نور التوحيد الصافي والهدى فصلحت دنيا الناس بصلاح دينهم وعقيدتهم، وضرب صلى الله عليه وسلم أعظم المثل وأصحابه من بعده رضوان الله عليهم في الزهد في هذه الدنيا مع عرضه عليه بجميع زينتها فما كانت هدفًا له صلى الله عليه وسلم ولم يبن شيئًا من العقيدة عليها أبدًا ولا في التطلع إلى شيء منها بل علَّم الدنيا كلها أنها متاع فانٍ مهما تزينت وأقبلت فإن الآخرة هي الحياة التي لا شقاء فيها وأن الدنيا لا تصلح إلا بمنهاج الله عز وجل الذي جاء من عند الحكيم العليم ، لا من صنع أهواء البشر الذين يشرعون لأنفسهم ما يكون فيه صالح في ظنهم وكل لقومه ولمجده هو لا لصالح الناس كل الناس ، كما جاء شرع الله عز وجل الغني الحميد.
وقد أثبت التاريخ أن الإيمان والعقيدة الحقة هي التي تقوم سلوك الأفراد وتمدهم بالطاقة والعون على كل ما يلاقون في سبيل الله تعالى، وتدفعه إلى بذل الجهد في سبيل الله تعالى.
ب- الشجاعة:
تبرز شجاعة القائد من قدرته على مواجهة المواقف المحرجة بثبات وحزم وقوة شخصية ، والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة والجريئة بكل ثقة وحزم، وهذا سيكون له تأثير في مرؤوسيه من ناحية الاقتداء به مما يساعد في إنجاز الأعمال المناطة بالقائد ومرؤوسيه بنجاح ، وقد برزت شجاعة القائد الأول صلى الله عليه وسلم في جميع حروبه وبصورة منقطعة النظير والتي لا مثيل لها في التاريخ ، فقد قاد بنفسه الكثير من الغزوات والتي كانت حافلة بالأحداث الجسام والمواقف الصعبة والحرجة فواجهها بقوة وثبات ولم يسر الخوف إليه إطلاقًا حتى أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا اشتد النزال وحمي الوطيس اتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون هو أقرب للعدو منهم كما حدث في غزوة حنين.
وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو خليفة المسلمين وقائدهم يوم صفة (الجبن منقصة) ، وهذا دليل مفاده أن هيكلة البنية القيادية ، إن فقدت صفة الشجاعة القتالية أصابها شيء من الاختلال أو الخلل ، وهو أمر غير محمود في مكنونية القيادة وللقائد نفسه .
ج. التواضع:
أمر الإسلام بالتواضع ونهى عن التكبر والاستعلاء ، فقد قال الله تعالى : ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾[الفرقان: 63].
والتواضع صفة تعني في دلالاتها الظاهرية الخشوع ونبذ هيبة العظيمة ، إلا أنها لا تنم إلا عن صورة رائعة لعظمة القائد وقوة شخصيته ، وعمق جذور الهالة القيادية التي يتمتع بها شخص ذلك القائد المتصف بمثل هذه الصفة.
فتواضع القائد لا ينقص بحال من الأحوال من قيمته أو يقلل من هيبته بل على العكس سوف يكسبه ذلك احترام الجميع مما يساعده على التأثير في مرؤوسيه وبالتالي تحقيق الأهداف المنشودة.
ولما تحقق للمسلمين فتح مكة سنة 629م، كان يعتبر أهم نصر وأعظم فتح قد تحقق ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أكبر معاقل أعدائه آنذاك دون عظيم قتال لهيبة وهالة الجيش الذي قدم به إلى تلك المدينة التاريخية ، وفي مثل هذه المواقف فإن أول ما يخطر ببال القائد الفاتح بهذه الهيبة والمهابة هو الشعور بالغبطة والعظمة ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحظ عليه القوم كمثل ملاحظتهم على شدة تواضعه ، حتى رآه الناس قد انحنى على رحله حتى كادت لحيته تمس رحله وترقرقت عيناه صلى الله عليه وسلم تواضعًا وخشوعًا وشكرًا.
د. العدل:
على القائد توخي العدل والنظر إلى جميع مرؤوسيه بمنظار واحد فلا يحابي أحدًا على حساب أحد ، فإذا عمل ذلك فقد حقق أهم عوامل النجاح في قيادته للآخرين وتوجيههم لإنجاز أعمالهم بطريقة صحيحة ، ومن أهم جوانب العدل هو المساواة بين المرؤوسين في الحقوق والواجبات كل حسب طبيعة عمله ، فيقول للمحسن أحسنت ويكافئه ، ويقول للمسيء أسأت ويعاقبه ، وقد أمر الله تعالى بالعدل والمساواة ، فقد قال عز وجل : ﴿ دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [سورة ص، الآية:26].
وهكذا يجب أن يكون العدل عند القادة على اختلاف مستوياتهم ، وقد تنبه بعض القادة الغربيين مثل مونتجمري وركز على مثل هذه الصفة كشرط أساسي في اختيار القادة ، فقال : وحين يتعلق الأمر بالمرؤوسين ، تصبح المساواة والعدل ، والشعور الحاد بالولاء أمورًا أساسية.
وحقًا هي مطلب أساسي في بناء القاعدة القيادية ، وذلك لأن أول ما يفسد على القائد نشوة قيادته هو الظلم والتفريط بحقوق المستحقين من بني البشر ، وأن الظلم هو أساس كل خراب ودمار.
وكمثال على عدل القادة عدل الفاروق رضي الله عنه والذي يتضح من شهادة رسول من ملك الروم عندما وجده نائمًا في الفلاة ، لا حرس ولا جنود حماية ، فقال وهو يهز رأسه وقد ملأ عليه فكره عجبًا : حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
هـ. الشورى:
القائد الناجح هو من يشارك مرؤوسيه في اتخاذ القرارات ولا يستأثر بذلك ، فأخذ آراء المرؤوسين يساعد على معرفة كل الحقائق والإيجابيات والسلبيات ، لكل خطوة قد تخطوها وكل قرار تقره .
وقد أثبتت التجارب العملية لكل عمالقة القيادة العسكرية والسياسية والإدارية أنه – مهما كان هذا المفهوم – مثمرًا وبناءً ، ولكن على القائد المثالي أن ينظر إلى ذلك من زاوية أخرى وهي على نفس القدر من الأهمية ، ألا وهي أن التشاور مع المرؤوسين وخاصة أولئك المعنيين بالتنفيذ يعمق فيهم روح الولاء ويقوي فيهم نبض التحدي والرغبة الأكيدة والتصميم الفعال على تنفيذ كل بند من المهمة التي ترجو تنفيذها.
والدارس لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والغزوات التي كان يقوم بها يرى كيف أنه كان لا يقدم على أمر إلا ويشاور أصحابه ، وليس ما حدث يوم بدر في السنة الثانية من الهجرة خير شاهد وذلك حينما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه بأدنى ماء من بدر ، فقال الحباب بن المنذر : يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أنزلك الله إياه ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر منه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل هو الرأي والحرب والمكيدة » ، قال الحباب : يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضًا ونملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد أشرت بالرأي » ، وبالفعل نفذ الرسول القائد ما أشار عليه الحباب ، ولقد علمنا كيف كانت نتيجة معركة بدر مع قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين .
و. الهدوء وضبط النفس:
إن الهدوء وضبط النفس وإن كانت موهبة فطرية وسمة خلقية إلا إنه يمكن اكتسابها ، فالهدوء النفسي والتوازن والحكمة صفات يلزم أن يتصف بها القائد ، ولكي يحافظ القائد على هدوئه عليه أن يعود نفسه على مواجهة ومعالجة الأمور المفجعة وكأنها أمور عادية وليس العكس ، وهذا يستلزم أن يسيطر القائد على تصرفاته حتى يتمكن من السيطرة على الآخرين.
إن القائد في الحرب الحديثة يحتاج إلى العقل وحده ، بينما كان القائد في الحرب القديمة يحتاج إلى العقل والشجاعة.
وهذا مدعاة أن الفكر السليم الناضج الناصع وهو من موجودات الحكمة عند الإنسان أمر ضروري لكل ، وبالمقابل فإننا نجد أن غلاظة القلب وفظاظة النفس من الأسباب التي تدعو إلى الانهيار وتأليب التابعين لك عليك.
أن القائد إذا تمكن من ضبط نفسه وتحلى بصفة الهدوء في استقبال الأحداث والمواقف كبيرها وصغيرها عاد عليه ذلك بفوائد عديدة منها :
1. تمكنه من استيعاب الحدث ومعرفة حجمه الحقيقي ، فلا يعطي المواقف البسيطة أكبر من حجمها ، وبالتالي يواجهها بشدة وغلظة على حساب أمور أخرى والعكس صحيح .
2. تمكنه من استيعاب الحدث ومعرفة مسبباته ، فمعرفة السبب تساعد على معرفة أفضل المواقف التي ينبغي اتخاذها.
3. تمكنه من استيعاب الحدث ومعرفة أبعاده المستقبلية، حتى يتمكن من الاستعداد لذلك بعقلية واعية وإدراك سليم.
ز. تحمل المسئولية:
لابد أن يكون القائد قوي الشخصية قادراً على مواجهة مختلف الظروف بحزم وحكمة، وألا يتهرب من توابع تحمل المسئولية بل يجب عليه مواجهتها وإيجاد الحلول اللازمة لها والابتعاد عن التردد خوفاً من المسئولية لأن ذلك سوف يؤدي إلى الفوضى والتي سيكون لها الابتعاد عن التردد خوفاً من المسئولية لأن ذلك سوف يؤدي إلى الفوضى والتي سيكون هو ومرؤوسيه بل ضحاياها. وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: « كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته... الحديث)، فهذا الحديث الشريف يشير إلى جانب مهم من جوانب منهجنا الإسلامي المضي فيربي في النفوس الشعور بالمسئولية أمام الله كل حسب مسئوليته، والقائد وما يناط به من مسئوليات جسيمة هو بأمس الحاجة لاستشعار وفهم مثل هذا الحديث ليتسنى له تنمية الإحساس بالمسئولية في داخله والاستعانة بالله وحده في حمل هذه الأمانة وأدائها على أكمل وجه. وعلى القائد تحمل مسئولية عمله وقراراته وجميع من يعمل تحت إدارته، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم مؤكداً على أهمية المسئولية التي تقع على عاتق ولي الأمر بقوله « ويل للأمراء، وويل للعرفاء، وويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يدلون بين السماء والأرض، وأنهم لم يلو عملاً ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: الصغيّر، محمد بن عبد الله، رسالة ماجستير بعنوان: مدى استخدام ضباط الكليات العسكرية للأساليب القيادية لنموذج هيرسي وبلانشارد (دراسة تطبيقية على ضباط كلية الملك عبد العزيز الحربية وضباط كلية الملك فهد الأمنية) - قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم الإدارية من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، كلية الدراسات العليا، قسم العلوم الإدارية، الرياض ، 1424هـ- 2004م.