د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

د. محمد العامري

مدرب معتمد من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني

خبير استشاري معتمد

مختص في علم النفس الإداري

كبير مدققي الجودة

محلل تلفزيوني وإذاعي مرخص

الالتزام التنظيمي Organizational Commitment

نتعرف في هذا المقال على مفهوم الالتزام التنظيمي، ومراحله ومحدداته وما هي أبعاده السلوكية على الفرد والجماعة والتنظيم؟ بشكل معمق يساعدنا على فهم القيادة الإدارية

January 20, 2025 عدد المشاهدات : 353

الالتزام التنظيمي Organizational Commitment

مقدمة 
يعتبر الالتزام التنظيمي ضمن أبرز المتغيرات السلوكية التنظيمية التي تناولتها الدراسات والأبحاث الغربية نتيجة تطور الفكر الإداري في النصف الأول من القرن العشرين، وظهور مدرسة، العلوم السلوكية بعد الحرب العالمية الثانية التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بمدرسة السلوك الإنساني، واهتمت أساسًا بما وصفته بالطريقة العلمية لدراسة السلوك الإنساني، واستيعاب محتواه الفكري، واستعملت في ذلك مفاهيم علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإنسان لتوسيع المعرفة بسلوك الفرد. وقد توالت الجهود البحثية الهادفة لتأطير مفاهيمه، وبناء نماذج تشخص أبعاده وارتباطاته، وتُطور أدوات قياسه، منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي وقد كان تركيز المدرسة السلوكية على حركة النشاط الإنساني من جهة ومدى ارتباط هذه الحركة بالمناخ الثقافي والحضاري الذي يجري فيه هذا النشاط وكذلك تركيزها على الفهم المتبادل بين أعضاء المنظمة لأن توافر مثل هذا الفهم يساعد على تحقيق الأهداف، أما في العالم العربي فإن مفهوم الالتزام التنظيمي يعتبر من المفاهيم الإدارية الحديثة في أدبيات الإدارة العربية بشكل عام. والمتوفر منها ينطلق من الدراسات الغربية ويسعى إلى التركيز على القطاع الخاص.
ومما لا شك فيه، حاجة المؤسسات الحكومية إلى دراسة الالتزام التنظيمي، نظرًا لأهميته المتزايدة والآثار المترتبة عليه، سواء على الفرد أو الجماعة أو المؤسسة أو المستوى الوطني. فقد أثبتت العديد من الدراسات التي دارت حول الالتزام التنظيمي في المؤسسات الحكومية وجود إجماع بأن الموظف الحكومي أقل التزامًا من موظف القطاع الخاص، وأنه كلما ازداد الالتزام التنظيمي قل معدل دوران العمل وانخفضت نسبة الغياب والتأخير عن الدوام، وازداد مستوى فاعلية المنظمات وتحسن الأداء الوظيفي، كذلك فإن أثر الالتزام التنظيمي على العاملين قد يمتد إلى حياتهم الخاصة خارج نطاق العمل.فقد اتضح أن الموظف صاحب الالتزام التنظيمي المرتفع يشعر بدرجة عالية من الرضا والسعادة والارتباط العائلي، وأكدت نتائج العديد من الدراسات ارتفاع تكلفة التغيب والتأخر عن العمل وتسرب العمالة من المنظمات وانخفاض درجة الرضا الوظيفي، وحثت على ضرورة البحث عن الأسباب المؤدية لخلق مثل تلك الظواهر المكلفة والتي تستنزف الكثير من إمكانيات المنظمات، وما لذلك من عواقب على الدخل القومي، ويعتبر الالتزام التنظيمي من العناصر الرئيسة لقياس مدى التوافق من الأفراد من جهة وبين المنظمات من جهة أخرى، فالأفراد ذوو الالتزام التنظيمي المرتفع يميلون إلى بذل المزيد من الجهد لأجل منظماتهم، وإلى تأييد قيم المنظمة والبقاء فيها.
ويرتبط الالتزام أيضًا بعلاقات العمل ما بين الرئيس وتابعيه، «فالقيادة مثلا مسئولة مسؤولية مباشرة عن ربط الموظف بالوظيفة المناسبة، وبالتالي لا يمكن تجاهل دور القيادة في عدم التزام الموظف أو ضعف علاقته بوظيفته ومنظمته».
وخلاصة القول إن الالتزام التنظيمي يتأثر بجملة العوامل التنظيمية الداخلية أي السياسات التنظيمية، نمط القيادة، خصائص المرؤوسين، الدافعية والمناخ التنظيمي...الخ، والعوامل الخارجية (البيئية) أي محدودية فرص العمل، قوانين العمل، الثقافة المجتمعية السائدة، نظم التعليم الجامعي التي لا تتلاءم مخرجاتها من الخريجين مع متطلبات المنظمات في سوق العمل، وإن أدت إلى الالتزام البقائي فإنها لا تحقق مستوى الأداء المطلوب، وتزيد من عجز ميزانية الدولة.
ونظرًا لأهمية الالتزام التنظيمي وأثاره على المستوى الفردي والجماعي والتنظيمي والقومي، فإن التعرض لهذا الموضوع بمختلف مظاهره وأبعاده في هذا الفصل، من شأنه تحقيق الفائدة المرجوة في مؤسسات القطاعين العام والخاص على حد سواء.


أولاً: مفهوم الالتزام التنظيمي:
الالتزام «Commitment»، والولاء «Loyalty» لفظان اختلف على كونهما مترادفين. وقد ورد في كثير من أدبيات الالتزام التنظيمي والولاء التنظيمي، على أنهما كلمتان مترادفتان بالعربية وترجمة لكلمة (Commitment) رغم أن الترجمة الحرفية لهذين المصطلحين تظهر في القاموس أنهما مختلفين، حيث تعني (Commitment)الالتزام، بينما الولاء هي ترجمة لكلمة (Loyalty).
والالتزام التنظيمي أحد أكثر المفاهيم صعوبة، حيث تتعدد مضامينه وتتباين تباينًا كبيرًا. ذلك أن الالتزام التنظيمي الذي يعد أحد مفاهيم العلوم السلوكية وظاهرة نفسية، يتأثر بالعديد من المتغيرات، ولذلك لم يتم الاتفاق على تعريف محدد له رغم الاهتمام الذي حظي به من قبل العديد من الباحثين، بسبب تعدد المنطلقات وزوايا النظر التي أعتمدها أولئك الباحثون، الأمر الذي أدى إلى تعدد تعريفاته وتصنيفاته. وفيما يلي بعض هذه التعريفات حسبما وردت في الأدبيات الأجنبية والعربية.


1- مفهوم الالتزام التنظيمي في الأدبيات الأجنبية:
ورد تعريف الالتزام التنظيمي لغويًا بقاموس ويبستر بثلاثة مجالات هي:

  • المجال الأول للالتزام مرتبط بالإرسال والشحن وهو «الثقة بالتزام فرد معين لإيصال عهدة أو شحنة معين».
  • والمجال الثاني للالتزام مرتبط بالإنجاز أو إتمام أمرًا ما.
  • والمجال الثالث للالتزام التنظيمي يقصد به حالة ارتهان أو ارتباط الفرد بمجموعة محددة من المهام أو المبادئ أو المواقف. 

وقد عرفت كانتور «kantor» الالتزام على أنه «استعداد الأفراد لبذل الطاقة والوفاء للتنظيم». وعرفه هريبنياك والوتر (Hrebiniak &Allutto) بأنه «عدم الرغبة في ترك التنظيم لأسباب تتعلق بالزيادات في الراتب أو الموقع الوظيفي، أو الحرية المهنية، أو تتعلق بصداقات الزمالة الأوسع».
أما (Bruce) قد عرف الالتزام التنظيمي بأنه «المناصرة والتأييد للجماعة من قبل الفرد العامل في المنظمة، والمودة أو الصداقة المؤثرة في اتجاه تحقيق أهداف وقيم المنظمة، وهو ناتج عن تفاعل عناصر ثلاثة هي:
1- التطابق Identificatin: أي تبني أهداف المنظمة وقيمها باعتبارها أهدافًا وقيمة للفرد العامل في التنظيم.
2- الاستغراق Involvement: والمقصود به الانهماك أو الانغماس أو الانغمار النفسي في أنشطة ودور الفرد في العمل.
3- الإخلاص والوفاء Loyalty: أي الشعور بالعاطفة والارتباط القوي إزاء المنظمة.
وهذا التعريف يشير إلى رابطة مشاعر عاطفية إزاء الأهداف والقيم الخاصة بالتنظيم بغض النظر عن قيمته العملية. وأن الأفراد الذين لديهم ولاء لمنظماتهم هو أولئك الذين يعملون بوفاء ويكرسون كل طاقاتهم لما يفعلون، وأن أنشطتهم وإخلاصهم غالبًا ما تكون على حساب اهتماماتهم الأخرى. وأنهم ينظرون لمشكلات المنظمة على أنها مشكلات شخصية لهم، وأن منازلهم (بيوتهم) تكون امتدادًا لعملهم».

ويعد تعريف بورتر (Porter) للالتزام التنظيمي من أشهر تعاريف الالتزام التنظيمي شيوعًا، فقد عرف بورتر الالتزام التنظيمي بأنه «قوة تطابق الفرد مع منظمته وارتباطه بها، وأن هناك صفات لها تأثير كبير في تحديد الالتزام التنظيمي للأفراد وهي:
1- الاعتقاد القوي بقبول أهداف المنظمة وقيمها.
2- الاستعداد لبذل أقصى جهد ممكن لصالح المنظمة.
3- الرغبة القوية في المحافظة على استمرار عضويته في المنظمة.
يلاحظ أن هذا التعريف يركز على أن الفرد الذي يظهر ولاء لمنظمته تظهر لديه حالة تفاعلية من الاتفاق والانسجام مع منظمته، والتفاعلية -هنا- تشمل تفاعل الفرد داخليًا لكون الفرد يتفاعل دائمًا مع نفسه ومع الأفراد الآخرين. إن التفاعلية هي موقف داخلي سلوكي للفرد نحو منظمته. وهذا المفهوم للالتزام هو مفهوم إدراكي معرفي، وبالنظر للصفات التي لها تأثير كبير في تمديد الولاء (الالتزام) التنظيمي للأفراد، يلاحظ أن فهم واستيعاب الأشخاص لأهداف المنظمة، واستعدادهم لتكريس (أو تخصيص) معظم طاقاتهم من أجل هذه الأهداف، سيجعلهم ميالين للبقاء في المنظمة، لتحقيق أو إدراك أهداف ذات موضع تقدير عالٍ، مما يعني الصورة الإيجابية والقدوة العالية التي يتمتع بها الأفراد العاملون، والتي توجه نحو المنظمة.


أما أورلي وكالدويل (Orielly &Caldwell) فقد عرفا الالتزام بأنه «سلوك وليس مفهومًا إدراكيًا معرفيًا»، لأن من غير المحتمل أن يكتسب الالتزام باعتباره وجهة نظر معرفية (أو إدراكية)، موضوعيته من المواقف اللاحقة كالرضا الوظيفي، حيث أن الرضا الوظيفي يأتي نتيجة للالتزام التنظيمي. فالفرد في بداية عمله،لا يملك أي قرار حازم بشأن الاستمرار في الوظيفة، ولكن بعد فترة يبدي هذا الفرد ولاءه للمنظمة نتيجة لمواقف متعددة ومقارنة عقلانية( )، غير أن فريقًا من الباحثين نظر لهذا المفهوم باعتباره متعدد الأبعاد من حيث الطبيعة، مشتملا على ولاء العامل للمنظمة، واستعداده لبذل الجهد، ودرجة انسجام أهداف الفرد وقيمه مع أهداف المنظمة وقيمها، والرغبة في الاستمرار في عضويتها».

بناء على ما سبق من تعريفات الالتزام التنظيمي، يتضح أنه مفهوم مركب ذو عدة أوجه حيث تؤثر فيه الصفات الشخصية للفرد العامل، وخصائص العمل، وكذلك الأبعاد التنظيمية وأنه يرتكز على حالة من التآلف والانسجام بين الفرد وعمله تجعله راغبًا في إنجازه. ولقد أشار هذا المفهوم ضمنيًا إلى أن ولاء الفرد يكون لإدارة العمل، ورؤسائه وزملائه ومتطلباته، وقدرات الفرد واستعداداته.


2- مفهوم الالتزام التنظيمي في الأدبيات العربية:
عرف (هيجان) الالتزام التنظيمي بأنه «قوة تطابق الفرد واندماجه مع منظمته وارتباطه بها. والالتزام التنظيمي حالة من الولاء والشعور الداخلي الذي يبديه الفرد في بذل مجهود عالي المستوى يأمل من خلاله زيادة فاعلية المنظمة» ، ويعرف (العجمي) الالتزام التنظيمي بأنه «الحالة التي يكون فيها الموظف معروفًا من خلال منظمة معينة وأهدافها، ويرغب الاستمرار فيها» وبدورها ترى (السيد) أن الالتزام التنظيمي يعني «التعهد بأداء أو واجبات العمل وما ينبغي أن يقوم به الفرد ويداوم عليه تجاه مهنته وعمله».
كما عرف ريان الالتزام التنظيمي بأنه شعور داخلي يكمن في الخصائص التالية:
1- إيمان قوي بأهداف المنظمة وقيمها وقبول الفرد لهذه الأهداف.
2- الرغبة في بذل جهد معقول بالنيابة عن المنظمة.
3- الرغبة القوية في البقاء بالمنظمة.
وقد عرف (العبادي) الالتزام التنظيمي بأنه «قوة تطابق الفرد مع منظمته وارتباطه بها، وأن الفرد الذي يظهر مستوى عاليًا من الولاء التنظيمي تجاه منظمة ما، لديه الصفات التالية:
 1- اعتقاد قوي بقبول أهداف وقيم المنظمة.
2- استعداد لبذل أقصى جهد ممكن نيابة عن المنظمة.
3- رغبة قوية في المحافظة على استمرار عضويته في المنظمة.
بينما قد أوضح (الطعامنه) أن الالتزام التنظيمي هو «حاصل تفاعل ثلاثة عناصر أساسية هي:
1- التطابق: هو درجة تبني الفرد لأهداف وقيم المنظمة التي يعمل بها باعتبارها تمثل أهدافه وقيمه.
2- الانهماك «الاستغراق»: أي انهماك الفرد وانغماسه بصورة متكاملة في كافة نشاطاته وأدواره التي يقوم بها في المنظمة التي يعمل بها.
3- الإخلاص والوفاء: هو الشعور بالارتباط القوي والعاطفة للمنظمة التي يعمل بها الفرد بحيث يحس بأنه المنظمة جزء من ذاته وكينونته».

يلاحظ من المفاهيم السابقة وجود اتفاق واضح على مفهوم الالتزام، يتجسد في ثلاثة عناصر هي 
1- الاعتقاد القوي في قيم التنظيم وأهدافه ومدى تقبلها.
2- الاستعداد والميل لبذل جهد وافر للتنظيم.
3- الرغبة الجامحة للبقاء عضوًا في التنظيم.

وبالتالي يمكن القول أن الالتزام التنظيمي هو حالة نفسية تتمثل في تمسك الفرد بمنظمته واقتناعه بأهدافها، الأمر الذي ينعكس على سلوكياته حيث يسعى لنجاح هذه المنظمة وبذل قصارى الجهد والالتزام لتحقيق ذلك، كما يمكن القول أن أغلب المفاهيم التي تمت الإشارة إليها قد ركزت على الالتزام الطوعي «الذي ينبع من إرادة الفرد وباختياره، دون النظر إلى الالتزام القسري، أو ما يطلق عليه بالإذعان، الذي يفرض على الفرد عن طريق قوى خارجية، بما فيها القوانين والتعليمات. والذي يستخدم الأسلوب القسري لرفع درجات الالتزام عند الأفراد كطريق يؤدي في النهاية إلى خلق الالتزام الطوعي أو الإرادي».


ثانيًا: خصائص الالتزام التنظيمي:
يمتاز الالتزام التنظيمي بعدد من الخصائص منها:
1- أنه حالة غير ملموسة يستدل عليها من ظواهر تنظيمية تتابع من خلال سلوك الأفراد العاملين في التنظيم والتي تجسد مدى ولائهم.
2- أنه حصيلة تفاعل العديد من العوامل الإنسانية والتنظيمية وظواهر إدارية أخرى داخل التنظيم.
3- أنه يفتقد خاصية الثبات، بمعنى أن مستوى الالتزام التنظيمي قابل للتغيير حسب درجة تأثير العوامل الأخرى فيه. 
4- أنه متعدد الأبعاد. ورغم اتفاق غالبية الباحثين في هذا المجال على تعدد أبعاد الالتزام، إلا أنهم يختلفون في تحديد هذه الأبعاد، ولكن هذه الأبعاد تؤثر في بعضها الآخر. ويمكن تحديد أسباب التعدد في هذه الأبعاد كما يلي:

  • أن المنظمة مكونة من عدة فئات، لكل منها أهدافها الخاصة بها، وليس من الضرورة اشتراك هذه الفئات في هدف واحد.
  • عادة يوجد داخل كل منظمة تكتلات، أي مجموعة من الأفراد يكونون كتلة واحدة لها اهتمام واحد، وكل تكتل من هذه التكتلات يحاول الحصول على منافع خاصة له دون الآخرين.

وبناء على تعدد الفئات والتكتلات داخل المنظمة، فإن لكل فئة وتكتل أهدافًا وقيمًا تحاول تحقيقها، هذه الأهداف والقيم تختلف من فئة إلى أخرى ومن تكتل إلى آخر وبالتالي فإن ولاء الأفراد والتكتلات لهذه الأهداف والقيم تكون مختلفة نسبيًا.


ثالثًا: مراحل تطور الالتزام التنظيمي:
تتنوع أراء الباحثين حول مراحل الالتزام التنظيمي، فهناك من يرى أن للالتزام مرحلتين ترتبطان بعملية ارتباط الفرد بالمنظمة، هما:
1- مرحلة الانضمام للمنظمة التي يريد الفرد العمل بها: غالبًا ما يختار الفرد المنظمة التي يعتقد أنه تحقق رغباته وتطلعاته.
2- مرحلة الالتزام التنظيمي: أي المرحلة التي يصبح الفرد فيها حريصًا على بذل أقصى جهد لتحقيق أهداف المنظمة النهوض بها.

وهناك من يرى أنه يمكن حصر مراحل الالتزام التنظيمي في ثلاث، هي:
1- الإذعان أو الالتزام: حيث يكون التزام الفرد في البداية، مبنيًا على الفوائد التي يحصل عليها من المنظمة؛ وبالتالي فهو يقبل سلطة الآخرين ويلتزم بما يطلبونه.
2- مرحلة التطابق والتماثل بين الفرد والمنظمة: حيث يقبل الفرد سلطة الآخرين وتأثيرهم، رغبة منه في الاستمرار بالعمل في المنظمة؛ لأنها تشبع حاجاته للانتماء والفخر بها.
3- مرحلة التبني: حيث يعتبر الفرد أن أهداف المنظمة وقيمها مطابقة لأهدافه وقيمه، وهنا يحدث الالتزام نتيجة تطابق الأهداف والقيم.

ويؤكد المعاني (1996) المراحل الثلاث للالتزام التنظيمي، هي:
1- مرحلة التجربة: هي المرحلة التي تمتد من تاريخ مباشرة الفرد لعمله ولمدة عام واحد، يكون الفرد خلالها خاضعًا للتدريب والإعداد والتجربة، حيث ينصب اهتمامه على تأمين قبوله في المنظمة، ومحاولة التأقلم مع الوضع الجديد، والبيئة التي يعمل فيها، وتكييف اتجاهاته مع اتجاهات التنظيم، وإدراك ما يتوقع منه، وإظهار خبراته ومهاراته في أدائه.
2- مرحلة العمل والإنجاز: تتراوح مدة هذه المرحلة بين عامين وأربعة أعوام تلي مرحلة التجربة، يسعى الفرد خلالها إلى تأكيد مفهومه للإنجاز ويتبلور في ذهنه وضوح الولاء للعمل والمنظمة.
3- مرحلة الثقة بالتنظيم: هي المرحلة التي تبدأ تقريبًا من السنة الخامسة من التحاق الفرد بالمنظمة وتستمر إلى ما بعد ذلك، حيث يزداد ولاؤه وتتقوى علاقته بالتنظيم وينتقل إلى مرحلة النضج.

 

رابعًا: أهمية الالتزام التنظيمي:
1- يمثل الالتزام التنظيمي عنصرًا هامًا بين المنظمة والأفراد العاملين بها لاسيما في الأوقات التي لا تستطيع فيها المنظمات أن تقدم الحوافز الملائمة لدفع هؤلاء الأفراد العاملين للعمل وتحقيق أعلى مستوى من الإنجاز.
2- إن ولاء الأفراد للمنظمات التي يعملون بها يعتبر عاملا أكثر أهمية من الرضا الوظيفي في التنبؤ ببقائهم في منظماتهم أو تركهم العمل.
3-  إن ولاء الأفراد لمنظماتهم يعتبر عام ً لا هامًا في التنبؤ بفاعلية المنظمة.
4- إن الالتزام التنظيمي من أكثر المسائل التي أخذت تشغل بال إدارة المنظمات كونها أصبحت تتولى مسؤولية المحافظة على المنظمة في حالة صحية وسليمة تمكنها من الاستمرار والبقاء وانطلاقًا من ذلك برزت الحاجة لدراسة السلوك الإنساني في تلك المنظمات لغرض تحفيزه وزيادة درجات ولائه بأهدافها وقيمها.
5- إن ولاء الأفراد لمنظماتهم يعتبر عاملا هامًا في ضمان نجاح تلك المنظمات واستمرارها وزيادة إنتاجها.


خامسًا: أبعاد الالتزام التنظيمي وطرق قياسه:
1- أبعاد الالتزام التنظيمي:
سعت الدراسات التي تناولت الالتزام التنظيمي إلى تشخيص عدد من الأبعاد للاستدلال بها على مستوى الالتزام وتحديد طبيعة تأثيره في عدة متغيرات تنظيمية وسلوكية ويمثل بورتر Porter (1969) رائدا في هذا المجال من خلال إسهامه في تحديد بعدين، هما التطابق والارتباط بالمنظمة، ومثلت تعريفات الالتزام وقيمه الأبعاد التي حددها «نموذج الالتزام مدى الحياة» لمارش ومانري Marsh &mannari (1977)( )، حيث تم تسمية كل من الولاء، المسؤولية، الرغبة في العمل، والإيمان بالمنظمة، أبعادًا يمكن من خلالها التعبير عن الالتزام التنظيمي( ) وميز أوريلي وكالدويل O’reilly & Caldwell (1981) بين نوعين من الالتزام هما: الالتزام الإتجاهي والالتزام السلوكي، وقد تم تحديد كل من الالتزام القيمي والالتزام للبقاء في المنظمة، مؤشرات للالتزام التنظيمي أما بوتي وزملاؤه  Putti et.al. (1989) فقد اعتمدوا التطابق والارتباط بالمنظمة بعدين عبروا بها عن الالتزام.

وقد وفرت العديد من الدراسات التي حاولت البحث في ظاهرة الالتزام التنظيمي سواء ما تعلق منها بالأسباب أو النتائج، عدة نماذج يعرضها البحث مرتبة حسب تسلسلها التاريخي، على النحو التالي:
1- نموذج اتزيويني Etzioni (1961):
يعبر هذا النموذج عن الرأي المستند إلى أن القوة أو السلطة التي تملكها المنظمة على حساب الفرد، نابعة من طبيعة اندماج الفرد مع المنظمة، والذي يسميه أحيانًا الالتزام أو الولاء، يتخذ ثلاثة أشكال هي: 
أ- الالتزام المعنوي: ويمثل الاندماج الحقيقي بين الفرد ومنظمته، والنابع من قناعة الفرد بأهداف المنظمة وقيمها ومعاييرها التي يعمل بها، وتمثله لها.
ب- الالتزام القائم على أساس حساب المزايا المتبادلة: وهو أقل درجة في رأيه، من حيث اندماج الفرد مع منظمته والتي تحدد بمقدار ما تستطيع أن تلبيه المنظمة من حاجيات الفرد حتى يتمكن أن يخلص لها ويعمل على تحقيق أهدافها، لذا فالعلاقة علاقة متبادلة الطرفين الفرد والمنظمة.
ج- الالتزام الاغترابي: ويمثل الجانب السلبي في علاقة الموظف مع المنظمة التي يعمل بها حيث اندماج الفرد مع المنظمة، غالبا ما يكون خارجًا عن إرادته بسبب طبيعة القيود التي تفرضها المنظمة على الفرد.


2- نموذج ستيرز Steers (1977):
يرى هذا النموذج أن الخصائص الشخصية وخصائص العمل وخبراته تتفاعل معا كمدخلات، وتكون ميل الفرد للاندماج بمنظمته ومشاركته لها واعتقاده القوي بأهدافها وقيمها، ورغبته الأكيدة في بذل أكبر جهد لها مما ينتج رغبة قوية للفرد في عدم ترك التنظيم الذي يعمل فيه وانخفاض نسبة غيابه وبذل المزيد من الجهد والولاء لتحقيق أهدافه التي ينشدها، وقد بين ستيرز Steers (1977) في نموذجه العوامل المؤثرة في تكوين الالتزام التنظيمي، وما يمكن أن ينتج عنه من سلوك متبعًا منهج النظم ومصنفًا هذه العوامل والسلوك في مجموعتين تمثلان مدخلات الالتزام التنظيمي ومخرجاته هما:
* مدخلات الالتزام التنظيمي:
أ- الخصائص الشخصية: (الحاجة للإنجاز، التعلم، العمر، تحديد الدور).
ب- خصائص العمل: (التحدي في العمل، الرضا عن العمل، فرصة التفاعلات الاجتماعية، التغذية المرتدة).
ج- خبرات العمل: (طبيعة ونوعية خبرات العمل لدى العاملين، اتجاهات العاملين، وأهمية الشخص بالنسبة للتنظيم).
* مخرجات الالتزام التنظيمي: 
أ- الرغبة والميل للبقاء في التنظيم.
ب- انخفاض نسبة دوران العمل.
ج- الميل للعمل طواعية لتحقيق أهداف التنظيم.
د- الميل لبذل جهد لتحقيق إنجاز أكبر.


3- نموذج ستاو وسلانيك Staw &Salanick (1977):
يؤكد هذا النموذج ضرورة التفريق بين نوعين من الالتزام هما:
أ - الالتزام الموقفي: يعكس هذا النوع من الالتزام وجهة نظر علماء السلوك التنظيمي بأنه  يشبه «الصندوق الأسود»، الذي تتضمن عوامل تنظيمية وشخصية مثل: السمات الشخصية، وخصائص الدور الوظيفي، والخصائص التنظيمية، وخبرات العمل، ولذا فإن مستوى الالتزام الناجم عن هذه الخصائص يحدد سلوكيات الأفراد في المنظمة من حيث التسرب الوظيفي والحضور والغياب والجهود التي تبذل في العمل ومقدار المساندة التي يقدمها الأفراد لمنظماتهم.
ب- الالتزام السلوكي: يعكس هذا النوع من الالتزام وجهة نظر علماء النفس الاجتماعي الذي تقوم فكرته على أساس العمليات، التي يعمل من خلالها السلوك الفردي وتحديدًا الخبرات المكتسبة، على تطوير علاقة الفرد بمنظمته، حيث يصبح الأفراد مقيدين بأنواع خاصة من السلوك أو التصرف داخل المنظمات، نتيجة إطلاعهم على بعض المزايا والمكافآت التي ترتبت على هذا السلوك، مما يخلق لديهم الخوف من فقدان هذه المزايا بالإقلاع عن هذا السلوك.


4- نموذج ستيفنز وزملائه (1978)
ينقسم هذا النموذج للالتزام التنظيمي إلى اتجاهين نظريين، هما:
أ- الاتجاه التبادلي: يركز هذا الاتجاه على مخرجات الالتزام التنظيمي كعمليات متبادلة بين المنظمة والعاملين فيها، كما يركز على العضوية الفردية كمحدد أساسي لما يستحقه الموظف من مزايا ومنافع من خلال العملية التبادلية بين الفرد والمنظمة. وبموجب هذه الطريقة فإن انتماء الفرد للمنظمة يزداد بازدياد ما يحصل عليه من حوافز وعطايا، وتتلخص محددات الاتجاه التبادلي بأن هذا الاتجاه يقيس درجة رضا الشخص عن الحوافز المقدمة له، وإمكانية بقائه فيها، فإذا توفرت له مزايا أفضل في منظمة أخرى، فإن ينزع إلى ترك المنظمة التي يعمل فيها، فمثل هذا الاتجاه يوفر المعلومات اللازمة للتنبؤ بإمكانية ترك الفرد للمنظمة أو البقاء فيها.
ب- الاتجاه النفسي: وهذا الاتجاه أورده أيضا ستيفز وتبناه بورتر وسميث Porter & Smit (1996) حيث وصفوا الالتزام التنظيمي بأنه نشاط زائد وتوجه إيجابي نحو المنظمة، وجهد مميز يبذله الفرد لمساعدة المنظمة في تحقيق أهدافها، وكذلك رغبة قوية في البقاء عضوًا فيها. فهذا الاتجاه يصور الالتزام التنظيمي على أنه توجه الفرد بإيجابية عالية نحو المنظمة وأهدافها، وهو يغطي أبعادا أكثر شمولية من الاتجاه التبادلي الذي ركز على بعد الحوافز ودرجة رغبة الفرد في ترك المنظمة مقياسًا لدرجة التزامه، ومن ومنظور النموذج النفسي يعد الالتزام التنظيمي نوعا من التوافق بين الأهداف الفردية وأهداف المنظمة، وعليه، فالعاملون الذين يؤمنون بأهداف المنظمة يشعرون بانتماء لها ويظهرون رغبة قوية في العمل فيها، وإيمانا كبيرًا في قيم المنظمة وأهدافها.


5- نموذج انجل وبيري Angle &Perry (1983):
يعتبر هذا النموذج أن النماذج التي تقوم على أساس البحث عن أسباب الالتزام التنظيمي، يمكن تصنيفها في نموذجين رئيسين هما:
أ- نموذج الفرد كأساس للالتزام التنظيمي: يعتبر هذا النموذج أن جوهر الالتزام التنظيمي يبنى على أساس خصائص الفرد وتصرفاته، باعتبارها مصدر للسلوك المؤدي إلى هذا الاتجاه، وأن يكون هذا السلوك عامًا، واضحا وثابتا وطوعيًا. وتبعًا لهذا النموذج فإنه ينظر إلى خصائص الفرد كالعمر والجنس والتعليم والخبرات، باعتبارها محددات سلوك الفرد، لذا فإن هذا النموذج يركز على ما يحمله الأفراد من خصائص شخصية إلى المنظمة، إلى جانب ما يمارسونه داخل المنظمة والتي يتحدد على أساسها ولاء الأفراد لمنظماتهم.
 ب- نموذج المنظمة كأساس الالتزام التنظيمي: يقوم هذا النموذج على أساس أن العمليات التي تحدث في المنظمة هي التي تحدد الالتزام التنظيمي، حيث يتم التفاعل بينها وبين الفرد نتيجة العمل فيها لذا ينظر إلى الفرد في هذه الحالة على أساس أن لديه بعض الحاجات والأهداف التي يتوقع تحقيقها من المنظمة، وأنه في سبيل تحقيق هذه الأهداف لا يتردد في تسخير مهاراته وطاقاته في سبيل تحقيق هذه الأهداف مقابل قيام المنظمة بتلبية تلك الحاجات والأهداف أي أن هذه العملية تبادلية بين الفرد والمنظمة، وأن جوهر هذا التبادل هو ما يسمى «بالعقد النفسي» الذي يتضمن مجموعة من الالتزامات والتعهدات التي تكون محددة أو غير محددة بالنسبة لكلا الطرفين – الفرد والمنظمة – لكنها لابد وأن تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى رضا الفرد عن العمل في هذه المنظمة. بالتالي فإن الطريقة التي تعامل بها المنظمة الفرد وتعالج بها حاجاته، تمثل أساسًا الآلية التي تقود إلى التزام الفرد أو عدم التزامه للمنظمة التي يعمل بها بحيث أن المنظمة التي تأخذ على عاتقها الالتزام بتلبية احتياجات الفرد سوف تؤدي به في النهاية إلى أن يتشرب قيمها ويعتبرها قيمه، وبالتالي يكون هناك نوع من الالتزام المتبادل بينه وبين منظمته.


6- نموذج كانتر Kanter (1986)
يرى هذا النموذج أن هناك ثلاثة أنواع من الالتزام التنظيمي نابعة من متطلبات السلوك المختلفة، التي تفرضها المنظمات على أفرادها، هي:
أ- الالتزام المستديم: ويمثل المدى الذي يستطيع فيه الأفراد التضحية بجهودهم وطاقاتهم مقابل استمرار المنظمات التي يعملون فيها. لذا فإن هؤلاء الأفراد يعتبرون أنفسهم جزءًا من منظماتهم، وبالتالي فإنهم يجدون صعوبة في الانسحاب منها أو تركها.
ب- الالتزام التلاحمي: ويتمثل في العلاقة النفسية الاجتماعية التي تنشأ بين الفرد ومنظمته، والتي يتم تعزيزها من خلال المناسبات الاجتماعية التي تقيمها المنظمات، وتعترف فيها بجهود الأفراد العاملين، إضافة إلى الامتيازات التي تمنحها تلك المنظمات، كإعطاء البطاقات الشخصية الخاصة أو توفير السيارات وبعض الخدمات مثل الإسكان والمواصلات والتي من شأنها تعزيز التلاحم بين الفرد والمنظمة.
ج- الالتزام الرقابي: ينشأ هذا النوع من الالتزام عندما يعتقد الموظف أن المعايير والقيم الموجودة في المنظمة تمثل دليلاً مهمًا لتوجيه سلوك الأفراد، وبالتالي فإن سلوك الفرد في المنظمة يتأثر بهذه المعايير.


7- نموذج ألين وماير Allen &Mayer (1990):
يعرف هذا النموذج «بنموذج العناصر الثلاثية للالتزام التنظيمي»، لأنه يستند في نظرته للالتزام إلى ثلاثة عناصر مكونة له، هي:
أ- الالتزام العاطفي: يعبر عن الارتباط الوجداني بالمنظمة ويتأثر بمدى إدراك الفرد للخصائص المتميزة لعمله، من استقلالية واكتساب المهارات، وطبيعة علاقته بالمشرفين، كما يتأثر بدرجة إحساس الموظف بان البيئة التنظيمية التي يعمل فيها تسمح بالمشاركة الفعالة في عملية اتخاذ القرارات، سواء فيما يتعلق بالعمل أو العاملين، كذلك فإن هذا المكون «يحدد درجة اندماج الفرد مع المنظمة وارتباطه بعلاقات اجتماعية تعكس التضامن الجماعي».
ب- الالتزام المستمر: يعبر عن إدراك الموظف لحساب الربح والخسارة في الاستمرار في المنظمة. ويستند هذا النوع من الالتزام إلى افتراض أن الالتزام التنظيمي يعبر عن تراكمات المصالح المشتركة مثل (الترقيات والتعويضات والمكافآت) بين الفرد والمنظمة، أكثر من كونها عملية عاطفية أو أخلاقية، وتتحدد درجة التزام الفرد في هذه الحالة بالقيمة النفعية الاستثمارية التي يمكن أن يحققها الفرد لو بقي في المنظمة وبصفة عامة، يلاحظ أن تقييم الموظف لأهمية. بقائه في المنظمة يتأثر بالخبرة الوظيفية والتقدم في العمر.
ج- الالتزام المعياري: يعبر عن إحساس العاملين بالالتزام الأدبي للبقاء في المنظمة وغالبًا ما يكون المصدر الأساسي لهذا الإحساس نابعًا من القيم التي اكتسبها الفرد قبل التحاقه بالمنظمة، أي من الأسرة أو التطبيع الاجتماعي، أو عقب التحاقه بالمنظمة من التطبيع التنظيمي وبالتالي يكون سلوك الفرد انعكاسًا لما يشعر به، ولما يعتقد بأنه أخلاقي.
وتؤثِّر هذه المكونات للالتزام التنظيمي فيما بينها، لتعبر عن رابطة مشتركة بينها، تتمثل في اعتبار الالتزام التنظيمي حالة نفسية تعكس علاقة الموظف بالمنظمة التي يعمل فيها، وتختلف باختلاف طبيعة الالتزام فالموظف الذي لديه التزاما عاطفيًا يبقى في المنظمة بدافع الرغبة، أما الذي يتمتع بالتزام مستمر فيبقى لأنه يحتاج إلى ذلك، ومن المتوقع أن الفرد يمكن أن يحصل على تفهم أفضل لعلاقته مع المنظمة، عندما ينظر إلى أنواع الالتزام هذه مجتمعة.


8- نموذج مدرسة الثقافة التنظيمية:
تعد مدرسة الثقافة التنظيمية من أحدث المدارس في دراسة المنظمات، وقد قدمت نموذجًا جديدًا لدراسة وتفسير ظاهرة الالتزام التنظيمي باعتبار أن ثقافة المنظمة التي تتمثل في القيم الموجودة بها وبالذات قيم المديرين، والجوانب الملموسة في المنظمة والمتعلقة ببناء المنظمة ماديًا وتنظيميًا، المكون الأساسي للالتزام التنظيمي للأفراد، كما أن الالتزام التنظيمي يعد من وجهة نظر هذه المدرسة، أسلوبًا قويًا لضبط الموظفين، باعتبار أن من أكبر المشكلات التي تعاني منها إدارة المنظمات، الأسلوب الذي يمكن به ضبط وتوجيه الموظفين، والالتزام التنظيمي يقدم أسلوبًا ملائمًا للمديرين لحل هذه المشكلة، وحسب وجهة نظر هذه المدرسة فإن الالتزام التنظيمي يتضمن توحد الشخص وقبوله لقيم وأهداف المنظمة التي يعمل بها كما لو كانت قيمه وأهدافه الشخصية وعليه فإن الالتزام التنظيمي للمنظمة يعد عاملا أخلاقيًا يتعدى مجرد رضا الفرد عن عمله داخل المنظمة بسبب الحوافز والمكافآت والزملاء ذلك أن لدى الموظف الموالي لمنظمته نوعًا من الالتزام إلى جانب استعداده للدفاع الشخصي عن سمعة منظمته إذا ما تطلب الموقف ذلك وعليه فإن الالتزام التنظيمي حسب هذا النموذج يكون نابعًا من الإحساس الذاتي للفرد الذي يرتبط ببعض المظاهر التنظيمية، بل يحد من هذه المظاهر المتمثلة في التسرب الوظيفي الغياب، والعمل خارج وقت الدوام وعدم لجوء الموظفين إلى استغلال فرص الإجازات لترك المنظمة.


2- طرق قياس الالتزام التنظيمي:
طور بعض المهتمين بدراسة الالتزام وتحليله عددا من المقاييس بهدف رصد حركة التزام الفرد بالمنظمة وقد تباينت تلك المقاييس في طبيعتها ومكوناتها وكان أبرزها: 
أولا: مقياس ثورنتن Thornton (1981): تضمن المقياس (8) فقرات، سداسية الاستجابة لقياس الالتزام التنظيمي كما تصمن (7) فقرات أخرى رباعية وخماسية الاستجابة، تقيس الالتزام المهني.
ثانيا: مقياس بورتر وزملائه Porter et. al., (1969): وقد أطلق عليه استبانة الالتزام التنظيمي (OCQ)، وهو يتكون من (15) فقرة تستهدف قياس درجة التزام الأفراد بالمنظمة وولائهم وإخلاصهم لها، والرغبة في مضاعفة الجهد لتحقيق أهداف المنظمة، وقبولهم لقيامها، واستعان بمقياس (IIKERT) السباعي لتحديد درجة الاستجابة. ويستخدم المقياس لوصف الالتزام بشكل عام.
ثالثًا مقياس مارش ومانري: Marsh & Mannari (1977): الذي يقدم مقياسًا للالتزام مدى الحياة (الأعراف والقيم) ويتكون من (4) فقرات. وقد أستخدم أداة لقياس إدراك الفرد لكيفية تعميق الالتزام مدى الحياة وتعزيز استحسان المنظمة وحث الفرد الالتزام يقيم العمل والولاء لها حتى إحالته على التقاعد، وأخيرا إبراز نية (مقاصد) الفرد للبقاء في المنظمة.
رابعا: مقياس جوش وزملائه Jauch et.al., (1978): وهو محاولة لقياس الالتزام القيمي من خلال (6) فقرات عبرت كل منها عن واحدة من القيم التالية: استخدام المعرفة والمهارة، زيادة المعرفة في مجال التخصص،العمل مع الزملاء بكفاءة عالية، بناء سمعة جيدة له،العمل على مواجهة الصعوبات والتحديات، المساهمة بأفكار جديدة في حقل التخصص. وقد استخدام من أجل تحديد الأهمية النسبية لكل فقرة من الفقرات أعلاه، مقياس خماسي الاستجابة.
خامسا: مقياس كوردن وزملائه Gordon et.al. (1980): ساهمت في بناء المقياس ثلاثة مصادر لتحديد خصائص المشاعر، القيم والأعمال المتعلقة بالانتماء للنقابة، وتم ذلك من خلال (22) فقرة خماسية الاستجابة مراجعة الأدبيات، التي ركزت على قياس الالتزام، والخروج منها بـ (20) فقرة، (استهدفت الاستدلال على التزام الأفراد بالمنظمة. في حين ضم المصدر الثالث (48) فقرة، منها (45) فقرات ذات مؤشرات إيجابية و(23) فقرة ذات مؤشرات سلبية.

 

سادسًا: العوامل المؤثرة في الالتزام التنظيمي:
اعتمادا على ما توصلت إليه نتائج هذه الدراسة في الفصول السابقة، من أهمية الدور الذي تلعبه القيادة على كافة المستويات التنظيمية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك الدور الذي يرتهن به نجاح المنظمات أو فشلها، والذي اعتبره الباحثون في مجال إدارة الأعمال بأنه «جوهر العملية الإدارية وقلبها النابض»، فإن من الأهمية بمكان، التنويه بأن العوامل المؤثرة في الالتزام التنظيمي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنمط القيادي. ويمكن إجمال هذه العوامل أو المصادر على النحو التالي:
1- السياسات التنظيمية: هي جملة الإجراءات والسياسات التي تعتمدها المنظمة من أجل تحقيق أهدافها، وتلعب هذه السياسات دورًا ناجحًا في توحيد أهداف المنظمة وأهداف الأفراد، من خلال تبني سياسات وإجراءات داخلية تساعد على إشباع حاجات الأفراد العاملين في التنظيم، إذ من المعروف أن لدى أي إنسان مجموعة من الحاجات المتداخلة التي تساعد على تشكيل السلوك الوظيفي الذي يعتمد سواء في إيجابياته أو سلبياته على قدرة القائد على إشباع هذه الحاجات؛ والتي تؤدي بالضرورة في حال إشباعها إلى نمط سلوكي إيجابي يساهم في تكوين ما يسمى «بالسلوك المتوازن الناتج عن مساندة التنظيم للفرد والشعور بالرضا والاطمئنان والانتماء ثم الالتزام التنظيمي. فخصائص العمل مثلا لابد أن تعطي نوعًا من الإشباع لحاجات الفرد ورغباته حتى يقوم بالأداء المطلوب ويحقق الإنتاجية المتوقعة منه، لأن الالتزام التنظيمي يزداد من خلال سعي المنظمة إلى العمل على إشباع هذه الحاجات الإنسانية للعاملين لديها والعكس صحيح.
2- وضوح الأهداف والأدوار: يساعد وضوح الأهداف التنظيمية على زيادة الالتزام التنظيمي لدى الأفراد العاملين؛ فكلما كانت الأهداف واضحة ومحددة، ازدادت عملية إدراك وفهم الأفراد للمهام المنوطة بهم، والمعايير المقررة لها،مما يؤدي إلى إحساس الفرد بالالتزام التنظيمي. الذي يتأثر بالنهج والفلسفة والكفاءات الإدارية.
3- مشاركة العاملين في التنظيم: تساعد المشاركة من قبل الأفراد العاملين بصورة إيجابية على تحقيق أهداف التنظيم؛ وذلك بإتاحة الفرصة لهم للمساهمة بأفكارهم وتشجيعهم لتحمل المسؤولية وإيجاد الجو النفسي والاجتماعي البناء في بيئة العمل فقد عرفت المشاركة بأنها «اندماج الفرد عقليًا وعاطفيًا في عمل الجماعة، بعدما تتيح الجماعة لهذا الفرد فرصة المساهمة بالأهداف والمشاركة في المسؤوليات، وتقوم عملية المشاركة على ثلاث أسس ومحاور تتمثل فيما يلي:

  • أنها تنطوي على المشاركة العقلية والفكرية القائمة على استخدام الأسس العلمية لجعل عملية المشاركة ناجحة وفعالة.
  • أنها تعمل على زيادة حافزية الأفراد وتدفعهم للعمل، من خلال توفير الفرص الجيدة للمشاركة وإطلاق الطاقات والمبادرات الرامية إلى تحقيق الأهداف.
  • أنها تعمل على تنمية مهارات الأفراد في العمل وتقبل المسؤولية. 

وقد أكدت بعض الدراسات أن المشاركة تعمل على زيادة الالتزام التنظيمي؛ وتجعل الأفراد يرتبطون ببيئة عملهم بشكل أكبر بحيث يعتبرون أن ما يواجه الفرد من مشكلات هو تهديد لهم ولأمنهم واستقرارهم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تقبلهم لروح المشاركة برغبة جامحة وروح معنوية عالية. كما أن المشاركة في اتخاذ القرارات وتحديد الأهداف التنظيمية هي نقطة البداية المنطقية لأي نشاط تنظيمي، وأن نقطة النجاح الأولى للمنظمة تكمن في قدرة تلك المنظمات على تحديد أهداف تنظيمية واقعية توفر الدافع القوي لدى أعضاء المنظمة، كما توفر لهم العائد المناسب مقابل مساهماتهم الفعالة في تحقيق تلك الأهداف التي تؤثِّر بالضرورة على التزامهم التنظيمي وكذلك على شعورهم بالشعور بالعدالة التنظيمية.
4- المناخ التنظيمي: يقصد بالمناخ التنظيمي «محصلة الظروف والمتغيرات، والأجواء الداخلية للمنظمة كما يعيها أفرادها ويحللونها عبر عملياتهم الإدراكية ليستخلصوا منها مواقفهم واتجاهاتهم والمسارات التي تحدد سلوكهم وأداءهم، ودرجة انتمائهم وولائهم للمنظمة. كما يقصد بالمناخ التنظيمي «مجموعة الخصائص الداخلية للبيئة والتي تتمتع بدرجة من الثبات النسبي أو الاستقرار يفهمها العاملون ويدركونها فتنعكس على قيمهم واتجاهاتهم وسلوكهم ومن المفترض أن المنظمات والعاملين على حد سواء يسعون للوصول إلى بيئة عمل ذات مناخ تنظيمي جيد لكلا الطرفين، وقد بينت الأبحاث في هذا المجال أن المنظمات ذات البيئات المتسلطة والمثبطة لمعنويات العاملين والتي تتصف بعدم المبالاة وعدم الحيوية هي تنظيمات تشجع على تسرب العاملين ولا تنمي فيهم قيم الالتزام التنظيمي ولذا من الضروري الاهتمام بالبيئة التنظيمية وتحقيق التوافق بين الإنجاز وتحقيق الأهداف من جهة، والعناية بالإنسان في سبيل تنمية الالتزام التنظيمي لدى العاملين.
5- الحوافز: بعبر الحافز عن ذلك الأسلوب أو الوسيلة التي تقدم للفرد الإشباع المطلوب بدرجات متفاوتة لحاجاته الناقصة، وتركز نظرية الحوافز للعمل، على الحوافز الداخلية، . وهي تتعامل أصلا مع الأسباب التي تدفع الناس للعمل أو تركهم للمنظمات، أو بقاؤهم فيها. لذا فإن توافر أنظمة مناسبة من الحوافز مادية أو معنوية يؤدي إلى زيادة الالتزام التنظيمي وارتفاع معدلات الإنتاج وتقليل التكاليف وقد أشار أحد الباحثين أن المنظمات العامة في القطاع العام هي أقل المنظمات استخدامًا للحوافز وتطبيقًا لأنظمة الحوافز الجيدة، وبالتالي تقع عليها مسؤولية الاهتمام بهذا الجانب لضمان تحقيق مستويات عالية من الالتزام التنظيمي لدى الأفراد العاملين.
6- العمل على بناء ثقافة مؤسسة: إن الاهتمام بإشباع حاجات العاملين والنظر إليهم كأعضاء في بيئة عمل واحد يرسخ معايير أداء متميز لأفرادها، ويعمل على توفير درجة كبيرة في المشاركة في اتخاذ القرارات، مما يترتب عليه زيادة تماسك المنظمة وزيادة الالتزام التنظيمي بالمنظمة والولاء لها.
7- الثقافة التنظيمية: هي محدد هام من محددات الالتزام التنظيمي، لأنها تمارس تأثيرًا كبيرًا على سلوك الأفراد في المنظمات وتركز على أيجاد قيم وأهداف مشتركة بين العاملين، الأمر الذي جعلها تفرض على القادة والمديرين الاهتمام بها في محاولة الوصول إلى فهم أبعادها وعناصرها إذا أن الثقافة التنظيمية هي منظومة المعاني والحضور والمعتقدات والطقوس والممارسات التي طورت مع الزمن، وأصبحت سمة خاصة للتنظيم، بحيث تخلق منها عاما بين أعضاء التنظيم، حول ماهية السلوك المتوقع من الأعضاء فيه ذلك أن للثقافات في المجتمعات لها تأثيرًا واضحًا على السلوك خارج المنظمات وداخلها، لتؤثر في عملية اتخاذ القرارات وتحديد أنماط السلوك والاتجاهات نحو المنظمة سواء تعلق الأمر بالمدير أو بمرؤوسيه».
8- نمط القيادة: إن الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به الإدارة هو إقناع الآخرين، وفي جو عمل مناسب، بضرورة إنجاز الأعمال بدقة وفاعلية؛ فالإدارة الناجحة هي الإدارة القادرة على كسب التأييد الجماعي لإنجاز الأعمال من خلال تنمية مهارات الأفراد الإدارية باستخدام أنظمة الحوافز المناسبة، فالقائد الناجح هو الذي يستطيع زيادة درجات الالتزام التنظيمي لدى الأفراد.
وتجدر الإشارة هنا أن النمط القيادي يؤثِّر تأثيرًا بالغًا على اتجاهات الأفراد نحو الثقة في المنظمات التي يفتقدها الكثير من العاملين، ممن يعتقدون أن الوساطة الاجتماعية هي السبيل الوحيد للحصول على الوظيفة المناسبة.كما يؤثِّر النمط القيادي في الحفاظ على الموارد البشرية العاملة في المنظمات من خلال تحقيق درجة عالية من الرضا الوظيفي للعاملين بما يضمن بقاءهم واستمرارهم في المنظمة، والتزامهم التنظيمي في تحقيق شعورهم بعدالة الأجور والحوافز ومزايا العمل والأمن الوظيفي.
وبناء على ما توصل إليه البحث في نظريات القيادة وأنماطها، فإن النمط الديموقراطي في القيادة مثلا، الذي يتيح للمرؤوسين قدرًا كبيرًا من حرية المشاركة في اتخاذ القرارات والتعبير عن الآراء واعتماد سياسة الباب المفتوح، والسعي إلى تلبية حاجات المرؤوسين هو النمط الأمثل في القيادة، خلافًا للنمط الاستبدادي الذي ينفرد بالصلاحيات الرسمية الممنوحة له، ويركز على الإنتاج وحده دون اعتبارات للعوامل الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والذي يجعل المرؤوسين يكرهون العمل معه ولا يعملون إلا بضغط منه، مما يؤدي إلى تدني كل من الأداء ومستوى الالتزام التنظيمي فالفرد الذي يشعر بأنه يعمل تحت إمرة رئيس لا يقدر أدميته ويحول كيانه إلى آلة ويحتكر طاقاته لخدمة أهداف المؤسسة، يصاب بحالة من الاحتراق النفسي التي تطال جسده وتصيبه بنوع من الأمراض الجسدية التي تخلق لديه أحيانًا رغبة الانتقام من رئيسه ومؤسسته كشكل من أشكال الدفاع عن الذات وحمايتها.
9- الخصائص الشخصية للفرد:
أثبتت نتائج العديد من الدراسات والأبحاث تأثر الالتزام التنظيمي بجملة الخصائص الشخصية للفرد مثل العمر، الجنس، المؤهل العلمي، عدد سنوات الخبرة، الراتب، والمستوى الوظيفي.
* العمر:
ويقصد به عمر الفرد الذي يعمل في المؤسسة، كأحد المتغيرات الشخصية التي تؤثر في مستوى الالتزام التنظيمي فلقد أثبتت لوثانز وتايلور Luthans &Taylor (1989)، وجود علاقة موجبة بين العمر والالتزام التنظيمي، وأن كبار السن أكثر التزامًا بالمنظمة من نظرائهم صغار السن، بينما توصل باحثون آخرون إلى وجود علاقة ضعيفة بين هذين المتغيرين، في حين توصل آخرون إلى عدم وجود علاقة معنوية بين العمر والالتزام التنظيمي، ورغم تباين نتائج الدراسات السابقة فيما يختص بالعلاقة بين العمر والالتزام التنظيمي غير أن غالبية النتائج تميل إلى تأكيد الارتباط الموجب بين هذين المتغيرين.
* عدد سنوات الخبرة: 
اختلفت نتائج الأبحاث والدراسات حول العلاقة بين عدد سنوات الخبرة والالتزام التنظيمي، فقد توصلت بعض الدراسات إلى وجود علاقة معنوية موجبة بين مدة الخدمة في المؤسسة الحالية والالتزام التنظيمي، إلا أن بوشانان Buchanan (1994) توصل إلى أن معدل الالتزام التنظيمي يرتفع مع تقدم سنوات خبرة العاملين وذلك نتيجة التفاعل الاجتماعي فيما بين الموظف وزملاء العمل من جهة، والموظف وقيادته المباشرة من جهة ثانية. 
ويمكن القول أن وجود ارتباط موجب ما بين مدة الخدمة والالتزام التنظيمي يرجع إلى أسباب عديدة منها، أنه مع تقادم وجود الفرد في محيط العمل تزداد خبرته في أداء الأعمال ويكتسب الطرق والأساليب الجديدة للتعامل مع الزملاء والتابعين إضافة إلى ارتفاع معدل الفرص لديه لتحقيق مراكز وظيفية متقدمة علاوة على إمكانية تحقيق بعض الامتيازات الوظيفية أخرى معنوية كانت أو مادية، لذلك لا يميل الفرد الذي أمضى سنوات خدمة طويلة وحقق مراكز وظيفية متقدمة إلى ترك منظمة للعمل في منظمة جديدة.
* الراتب: 
يقصد به العائد المالي الذي يتقاضاه الموظف مقابل عمله في منظمة معينة وبوظيفة محددة المهام، وهو يمثل أحد أهم المتغيرات المؤثِّرة على إحساس العاملين بالالتزام التنظيمي، ذلك أن المتقدم لشغل وظيفة ما يسعى غالبًا أن يفي راتبه بالتزاماته المادية، وهو يتوقع أن يسفر جهده وإخلاصه للعمل عن بعض العوائد أو النواتج المرغوبة. ولئن كان المديرون هم ممثلي المنظمة في مكافأة المرؤوسين،فإن الموظف يتوقع من مديره نوعًا من رد الفعل الإيجابي نحوه المتمثل في الراتب، فإن تحقق هذا التوقع،أدى إلى نوع من الالتزام التنظيمي عامة، أما إذا لم يتحقق هذا التوقع وبقي الموظف مستمرًا في عمله فإن التزامه يكون في الغالب بقائيًا. ومن الملاحظ ندرة الدراسات التي تناولت تأثير الراتب على الالتزام التنظيمي منها دراسة زايد التي توصلت إلى وجود علاقة معنوية موجبة بين الالتزام العاطفي والالتزام المستمر والراتب الشهري الذي يتقاضاه الموظف باعتباره أحد مصادر الدخل.
* الجنس والحالة الاجتماعية: 
رغم تعدد الدراسات الإدارية التي تفحصت اثر الجنس (الذكور والإناث) كمتغير أساسي، إلا أنها في سعيها لتكوين الكيان المعرفي في مجال الإدارة، لم تقدم نظرية خاصة بالمرأة، بل كانت معظم الصياغات عامة وغير محددة للنوع غير أن النظرة إلى المرأة العاملة ودورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية قد تغير عبر الزمن، والشاهد على ذلك أن العديد من مجالات العمل التي كانت مناطق عمل مخصصة للرجال فقط في وقت ما أصبحت الآن مفتوحة على مصراعيها أمام المرأة، وأن مناصب إدارية معينة كانت حكرا على الرجال أصبح للمرأة العاملة فيها نصيب كبير. وقد توصلت العديد من نتائج الدارسات على تأكيد أثر نوع أو جنس الموظف على الالتزام التنظيمي. فقد توصلت نتائج دراسة هالر وروزنماير Haller & Rosen Mayer (1971) إلى وجود ارتباط موجب فيما بين المرأة العاملة والالتزام التنظيمي شريطة تمتع تلك المرأة بعلاقة زوجية مستقرة وطويلة( )، وعلى العكس جاءت نتائج دراسة اندرساني وشابيرو Andrisani & Shapiro (1978)( )، خاصة فيما يتعلق بتأثير الحالة الاجتماعية على اتجاهات المرأة العاملة نحو العمل حيث وجد أن المرأة غير المتزوجة أكثر رضا وارتباطًا بوظيفتها من المرأة المتزوجة.
وعلى الرغم من أن بعض الباحثين يرى أن النوع أو الجنس لا علاقة له بالاستقرار والالتزام التنظيمي، لأن طبيعة ومستوى وعلاقات وظروف كل وظيفة هي المؤشر الأساسي في مستويات الالتزام والاستقرار التنظيمي، إلا أن عددًا من الباحثين يؤكد أنه كلما ارتفع التأهيل العلمي للمرأة ارتفع معدل الالتزام التنظيمي لديها.
* المؤهل العلمي:
وعلى صعيد العلاقة بين المؤهل العلمي ومستوى الالتزام التنظيمي لدى الفرد فقد تباينت نتائج الدراسات، وإن كانت غالبية النتائج تميل إلى تأكيد الارتباط السالب فيما بين التأهيل العلمي للموظف ومعدل التزامه التنظيمي، وذلك نتيجة لأسباب عديدة يرجع معظمها لارتفاع معدلات توقعات وطموحات الفرد المؤهل وسعيه المستمر لتحقيق عائد مادي ومعنوي أفضل، علاوة على تزايد الخيارات والبدائل الوظيفية أمام الفرد كلما ارتفع تأهيله العلمي، في حين وجد العتيبي أنه كلما ارتفع معدل عمر الفرد وارتفع تأهيله العلمي، ارتفع معدل التزامه التنظيمي.
* المستوى الوظيفي للفرد:
أما بالنسبة للعلاقة بين المستوى الوظيفي للفرد ومستوى التزامه التنظيمي فقد تباينت نتائج، الدراسات، فبينما وجد العتيبي وجود علاقة ايجابية بين متوسط الالتزام للفرد والمستوى الوظيفي له، أكد الفضلي علاقة سلبية بين متوسط الالتزام للفرد والمستوى الوظيفي له، إذ أنه كلما ارتفع المركز الوظيفي للفرد، تراجع متوسط التزامه، ولعل السبب في ذلك، هو أن الموظف يكتشف مع تقدمه في المراكز الوظيفية، وجود معايير ربما لا تتصف بالموضوعية خاصة فيما يتعلق بنظام الترقية لمراكز أعلى وتوزيع المكافآت. وتزدادا الأمور تعقيدًا بالنسبة لشاغلي المواقع القيادية بدرجة مدير إدارة، حيث يكاد يكون الطريق شبه مغلق أمام العديد من هؤلاء نتيجة وجود معايير أخرى لا علاقة لها بجودة الأداء لشغل المواقع الأعلى، خاصة على مستوى وكيل وزارة مما يتوقع أن ينعكس سلبًا على اتجاهاتهم نحو العمل والتنظيم.

 

سابعًا: أثار الالتزام التنظيمي:
يمكن القول أن الالتزام التنظيمي للمنظمة يؤدي إلى نتائج ايجابية عمومًا، وسلبية أحيانًا إذا ما وصل درجة المبالغة، ويمكن إيجاز هذه الآثار على النحو التالي: 
أ- الآثار الايجابية:
تعزيز رغبة الفرد في الاستمرار في العمل، الأمر الذي ينعكس على رضاه الوظيفي ويجعله يتبنى أهداف المنظمة ويعتبرها اهدافه، فيسعى جاهدًا لتحقيق هذه الأهداف وقد اعتبر الرضا الوظيفي عاملاً هامًا في تطور الالتزام التنظيمي خاصة في المراحل الأولى من التوظيف.

  • خلق حالة من الرضا النفسي للفرد نتيجة المنافع المزايا التي يحصل عليها، مما يؤدي إلى امتداد هذا التأثير إلى علاقاته العائلية وضمان استقرارها وتوازنها.
  • زيادة درجة فعالية الجماعات وتماسكها، واستقرار العمالة والانتظام في العمل، والعمل بروح الفريق.
  • زيادة الجهد والطاقة المبذولة، مما يؤثر على انخفاض تكلفة العمل، وانخفاض معدل دوران العمل ونسبة الغياب والتأخير واللامبالاة، وزيادة الإنتاجية وتحقيق النمو والازدهار للمنظمة.

ب- الآثار السلبية:
العزلة الاجتماعية، وسيطرة هموم العمل على تفكير الفرد خارج أوقات العمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: أبو ندا، سامية خميس، رسالة ماجستير بعنوان: تحليل علاقة بعض المتغيرات الشخصية وأنماط القيادة بالالتزام التنظيمي والشعور بالعدالة التنظيمية - دراسة ميدانية على الوزارات الفلسطينية في قطاع غزة- قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول
على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية- غزة - عمادة الدراسات العليا - كلية التجارة - قسم إدارة الأعمال لعام 1428هـ/ 2007م.

تحميل محتوى الصفحة رجوع