نظريات القيادة الإدارية وأنماطها
Administrative leadership theories and Styles
تمهيد:
تأثَّرت نظريات القيادة الإدارية وأنماطها – نشأة وتطورًا – بالسياسة الدولية الأمريكية، وانعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية التي شهدها القرن العشرين، وما واكبها من فلسفات ومذاهب فكرية وسطوع نجم زعامات تاريخية متنوعة، وارتبطت عملية التأثير هذه أيضًا بجملة الحروب والمعاهدات الدولية التي شهدها ذلك القرن في سياق المشروع الأمريكي للسيطرة على العالم والذي يعرف اليوم «بالعولمة الأمريكية»، إذ يلاحظ المتعمق في نظريات القيادة الإدارية التي تزامنت نشأتها مع بداية الحرب العالمية الثانية، ارتباط هذه النظريات بالباحثين الأمريكيين في كل من جامعات «أيوا» (Iowa) و«ميتشغان» (Michigan) و«أوهايو» (Ohayo)، من جهة، وتزامن تطورها، من جهة أخرى، مع أهم المفاصل التاريخية والمتغيرات الأساسية التي شهدها القرن العشرين، والتي مست مختلف جوانب الحياة المعاصرة، وطالت كافة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول على اختلاف درجاتها في التقدم والنمو، وأثَّرت بدورها على هيكل القيم ونسق العلاقات المجتمعية مما أدى بدوره إلى تغيير النظرة إلى المورد البشري ومرتكزات إدارة الموارد البشرية وممارساتها وتغيرت نظرة الإدارة العليا في المنظمات المعاصرة إلى الموارد البشرية وبدأ التحول نحو اعتبارهم المصدر الأساسي للقدرات التنافسية وأكثر الأصول أهمية وخطورة في المنظمة، ولذا بدأت الإدارة المعاصرة تبحث عن مفاهيم وأساليب جديدة لإدارة الموارد البشرية تتناسب مع أهميتها وحيوية الدور الذي تقوم به( )، وقد حاول الكتاب والباحثون، خاصة في العلوم السلوكية والإدارية تفسير الخصائص والسمات والفروق التي تميز القائد عن غيره، وتطورت نتيجة هذه الدراسات والأبحاث المكثفة، الكثير من النظريات والنماذج التي حاولت إبراز المقومات والعوامل التي تساعد على نجاح القيادة وفاعليتها. واستخدمت هذه الدراسات والنظريات معايير مختلفة لقياس تلك الفاعلية، وأهمها: الالتزام التنظيمي والأداء والإنتاجية، والرضا عن العمل، وإشباع حاجات الأفراد، كما استخدمت تلك النظريات معايير مختلفة في تصنيف القادة وحصر أنماطهم، اعتمادًا على أسلوبهم في ممارسة عملية التأثير في مرؤوسيهم، من خلال درجة احتكار سلطة اتخاذ القرار (المركزية)، والاهتمام بالإنتاج أو بالموظفين وطبيعة الجزاء في إيجاد دافعية العمل لدى هؤلاء الموظفين.
وقد أسفرت معظم الجهود التي قام بها علماء الإدارة والنفس والاجتماع من أجل وضع معايير ثابتة لاختيار القادة الأكفاء، عن حصر هذه المعايير في مجموعتين أساسيتين، إحداهما شخصية ترتبط بالسمات الشخصية للقائد وثانيتهما موضوعية مرتبطة بالمركز القيادي وعلاقة القائد بالمرؤوسين، وقد تبلورت هذه الجهود في نظريات أطلق عليها «نظريات القيادة» (Theories of Leadership)، مصنَّفة في ثلاث مجموعات رئيسة هي:
1- نظرية السمات.
2- النظريات السلوكية.
3- النظريات الموقفية.
وفيما يلي عرض لهذه النظريات مُرتَّبة وفقًا لتسلسلها التاريخي.
أولاً: نظرية السمات: (Traits theory)
بدأت الدراسات الموضوعية في تحليل القيادة بالتركيز على القادة أنفسهم بحثًا عن الخصائص التي تجعل من شخص معين قائدًا، ترجع أولى الدراسات تاريخيًا إلى الإغريق والرومان، حيث كان يسود الاعتقاد أن القادة يولدون قادة، وعرفت هذه النظرية باسم «الرجل العظيم»، وقد أفسحت هذه النظرية الطريق أمام منهج أكثر واقعية في دراسة القيادة عرفت باسم «نظرية السمات» التي ظهرت مع بداية الحرب العالمية الثانية واستمرت عقدًا من الزمان أي من عام 1940م حتى عام 1950 م، وما شهدته تلك الحرب من سطوع نجم بعض الشخصيات العالمية التي حققت انتصارات هائلة في تلك الحرب.
وتقوم هذه النظرية على الافتراض بأن هناك مجموعة من الصفات والخصائص التي تفسر القدرات القيادية عند البعض، وهي في مجموعها تكون ما يمكن تسميته بالقائد أو الشخص العظيم، وتتراوح هذه الصفات، ما بين صفات ومظاهر جسمية تتمثل بالشكل ونبرة الصوت والحجم والوسامة، وصفات نفسية: كالحماس، والثقة بالنفس، والقدرة على المبادأة، والنضج الاجتماعي، والدافعية العالية للإنجاز، والقدرة العالية على الحسم وغيرها( ) ولكن هذه النظرية لم تصمد طويلاً أمام الانتقادات الكثيرة التي وجهت لها ومن أهمها:
1- وجود عدد كبير من السمات التي يصعب حصرها.
2- صعوبة قياس الصفات المحددة وتحديد الدرجة المطلوبة من كل سمة.
3- اختلاف الأهمية النسبية لكل سمة من وقت لآخر.
4- إن السمات المذكورة لم تتنبأ بدقة من هم الأفراد الذين أصبحوا قادة في المنظمات، فكثير من الناس يملكون هذه السمات ومع ذلك بقوا تابعين، كما أنه يوجد قادة ناجحون لا يتمتعون بتلك السمات، الأمر الذي لا يمكن معه التسليم بأن توافر السمات الشخصية للقيادة في شخص ما تجعل منه بالضرورة قائدًا.
5- عدم شمولية النظرية لأنها لم تأخذ في الحسبان المتغيرات الأخرى ذات التأثير على فاعلية القيادة.
ومع ذلك لا يمكن إغفال الإسهام الإداري الذي قدمته هذه النظرية والذي نبه الباحثين إلى ضرورة تطوير هذه النظرية مما أدى إلى ظهور النظريتين السلوكية والموقفية اللَّتين لم ُتغفلا أهمية التفاعل الاجتماعي بين كلّ من شخصية القائد وسائر المتغيرات المحيطة بالموقف القيادي، لاسيما ما تعلَّق منها بالمجموعة العاملة.
ثانيًا: النظريات السلوكية (Behavioral Theories)
أدى عجز الباحثين عن تحديد السمات المشتركة بين القادة، إلى البحث في السلوكيات التي ُتمارس من قبل قادة محددين، وفيما إذا كانت هناك سلوكيات متميزة للقادة. ولذا دعت الحاجة خلال ستينيات القرن العشرين إلى دراسة مدى تأثير سلوك القائد على إنتاجية العاملين الأمر الذي دفع كثير من علماء النفس السلوكيين للاهتمام بالجانب السلوكي وقد انطلق أصحاب هذا الاتجاه السلوكي في تفسير القيادة من أهمية التدريب في خلق قادة قادرين على التفاعل مع المرؤوسين وعلى استثارة الدافعية لديهم نحو مزيد من العمل، وقد استفاد أصحاب هذا الاتجاه من الجهود التي بدأها الباحثون في جامعة أيوا (Iowa) في الولايات المتحدة الأمريكية في أربعينيات القرن العشرين نتيجة حدثين هامين:
1- ظهور حركة العلاقات الإنسانية في الإدارة نتيجة دراسات هوثورن.
2- إخفاق نظرية السمات في تقديم تفسير واضح مقبول لفاعلية القيادة.
وتفترض هذه النظرية أن العامل المحدد لفاعلية القيادة هو سلوك القائد الذي يتكون من محصلة تفاعل جملة الأنشطة والتصرفات التي يبديها في العمل، والتي تشكل أسلوبًا أو نمطًا عامًا لقيادته، وهكذا سعى الباحثون إلى تحديد أنماط السلوك القيادي وتعريفها.
فقد كان من بين الاستنتاجات التي توصلت إليها تجارب هوثورن، وجود علاقة بين نمط الإشراف والإنتاجية، وأن لنمط الإشراف المساند تأثيرًا إيجابيًا على أداء العاملين، وأدى هذا الاستنتاج الذي ثبت بطلانه فيما بعد إلى الاعتقاد بوجود الأسلوب الأفضل في القيادة المتمثِّل بالإشراف، وقد عززت دراسات كيرت لوين Kurt Lewin (1989) في المراحل الأولى هذا الاعتقاد حين اتضح أن المرؤوسين يفضلون الأسلوب الديمقراطي على الأسلوبين الأوتوقراطي أو الحر.
أنماط السلوك القيادي:
بدأت الدراسات المبكرة لأنماط القيادة كامتداد لروح حركة العلاقات الإنسانية وما ترتَّب عليها من إبراز أهمية الجانب الإشرافي والدور الذي يلعبه المشرف في تحقيق جماعة العمل لأهداف التنظيم، كما ركزت الدراسات الأولى لأنماط السلوك القيادي على وجود قوالب محددة لأنماط القيادة، ما لبثت أن تطورت لزيادة فهم أبعاد السلوك القيادي. وفيما يلي عرض لتلك النماذج:
أ- النماذج الثابتة لأنماط القيادة: (جامعة إيوا)
كانت بداية الاتجاه السلوكي في دراسة أنماط القيادة، التي عرفت «بأبحاث ديناميات الجماعة» في جامعة إيوا مع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، وقام بإجرائها كل من كيرت لوين ورالف وايت ورونالد ليبيت Kurt Lewin, Ralph K. White and Ronald Lippit (1989) وقد أجريت هذه الدراسة على مجموعة من الشباب في سن العاشرة، تم تشكيلهم في فرق صغيرة، يمثِّل كل منها ناديًا للهواة، وقد وضِعت فرضيات الدراسة على أساس تعريض كل فرقة لثلاثة أنماط مختلفة من القيادة هي:
1- نمط القيادة الأوتوقراطية (Autocratic Leadership).
2- نمط القيادة الديموقراطية (Democratic Leadership).
3- نمط القيادة الَفوضوية (Laissez – Faire leadership).
و من أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:
- تميزت المجموعة التي اتبعت نمط القيادة الاوتوقراطي بتحقيق مستوى أعلى في الإنتاج، من تلك التي اتبعت النمط الديموقراطي، بسبب وجود قائد بين الأفراد يمارس الضغط عليهم.
- تميزت المجموعة ذات النمط الديموقراطي عن ذات النمط الاستبدادي (الأوتوقراطي) بدرجة أعلى في نواحي الابتكار في الأنشطة والدافعية والثبات في مستوى الأداء وروح الفريق والتفاعل الاجتماعي والرضا عن العمل.
- أدت المجموعة التي استخدمت النمط الفوضوي نتائج متدنية في المجالات السابقة جميعها.
ومن الانتقادات التي وجهت للدراسة:
- أن النتائج السابقة كانت محصلة تجارب أجريت على أطفال غير ناضجين ولا يمكن اعتبارهم نماذج يمكن تطبيقها على الأفراد الناضجين العاملين في المنظمات.
- صعوبة الحصول على نتائج مشابهة إذا ما أعيدت التجربة في مجتمع وثقافة غير الثقافة الأمريكية.
وفيما يلي عرض للأنماط الثلاثة:
1) نمط القيادة الأوتوقراطية: (Autocratic Leadership)
ويطلق عليها القيادة التسلطية أو الاستبدادية، ويدور هذا النمط من القيادة حول محور واحد هو إخضاع الأمور كافة في التنظيم لسلطة القائد الذي يقود المنظمة بمفهوم الرئاسة، فيحتكر سلطة اتخاذ القرار ويحدد المشكلات، ويضع لها الحلول بمفرده، ويبلغ المرؤوسين بأوامره ويكون عليهم السمع والطاعة دون إتاحة أية فرصة للمناقشة، ويستخدم أسلوب التحفيز السلبي القائم على التخويف والتهديد.
ويستند هذا النمط من القيادة إلى فريضة أن الإنسان كسول بطبعه يميل إلى قمة العمل والتهرب من المسؤولية. وهذه الصفات تهيئه للانقياد والاعتماد على الغير وتجعله يعمل خوفًا من الجزاء والعقاب وليس حبًا في العمل، ولذا يحتاج إلى متابعة دقيقة وإشراف مباشر من رئيسه للتأكد من القيام بمتطلبات وظيفته.
ويعود تاريخ هذا النمط من القيادة إلى بداية تكون المجتمعات في العصور القديمة حيث كان الرجل القوي يسخِّر الرجل الضعيف لخدمته، وتنطلق فلسفة هذه القيادة من مبدأ إيمان القادة المتسلطين بأن عليهم استخدام سلطاتهم الرسمية كأدوات ضغط على العاملين ليحقِّقوا أهداف التنظيم مع عدم اكتراث القائد بآراء العاملين.
وقد وضع علماء الإدارة مثل: «ماكريجور، وليكرت» مبررات كثيرة لهذا الأسلوب منها:
- إن بعض الناس لا ينفع معهم إلا أسلوب الحزم الذي يوائم بين أهداف الفرد وأهداف التنظيم.
- إن تحقيق الأهداف يتطلب وجود إداري صارم وحازم في نفس الوقت.
- إن بعض الأفراد البيروقراطيين لا يتحملون المسؤولية ولا يخضعون بإرادتهم للنظام مما يستدعي اللجوء للحزم معهم.
- لا يمكن قبول كل آراء أسلوب الشدة كما لا يمكن رفضها بالكلية وكذلك بالنسبة لأسلوب اللين، وبالتالي يتم الجمع بينهما خوفًا من تجريد القائد من سلطته وجعله شكلا بلا مضمون.
- يواجه سلوك الفرد في التنظيم الإداري عدد من العوامل المتغيرة مما يستدعي مرونة في الأسلوب القيادي.
- يتوفر لدى العامل القدرات اللازمة لاكتساب الخبرات في العمل، وبالتالي فهو يستجيب لتلك القدرات ويحاول تجربتها.
- يتجاوب العامل مع ما للقائد من استراتيجيات – أي الانتقال بين الشدة واللِّين - مما يكسب القائد فاعلية في المواقف المختلفة.
- إن الضغوط الخارجية والتهديد بالجزاء ليسا السبيلين الوحيدين لدفع الفرد إلى العمل، فالفرد يقوم بنفسه بتحقيق أهداف المنظمة التي يشعر بالولاء لها، وبالتالي يجب إشباع حاجات الأفراد العاملين في المنظمة.
1-1 أشكال القيادة الأوتوقراطية:
يميز بعض علماء الإدارة بين ثلاثة أشكال رئيسة من نمط القيادة الأوتوقراطية، على النحو التالي:
أ - القائد الأوتوقراطي المتشدد: الذي يتفرد بشؤون التنظيم، ويعطي الأوامر الصارمة للمرؤوسين، ويحاول دائمًا توسيع نطاق سلطاته وصلاحياته لجعل الأمور كافة تحت سيطرته.
ب – القائد الأوتوقراطي الخير: الذي يحاول أن يستخدم كثيرًا من الأساليب المرتبطة بالقيادة الإيجابية ويستخدم الإطراء والثناء وقليلاً من العقاب حتى يضمن ولاء المرؤوسين لتنفيذ قراراته وتخفيف ردود الفعل السلبية التي قد تظهر بينهم.
ج – القائد الأوتوقراطي النادِر أو اللَّبق: الذي يوهِم مرؤوسيه أن بوسعهم مشاركته صنع القرار في الاجتماعات واللقاءات التي يعقدها معهم، وأن أجواء العمل معه تتيح لهم حرية المناقشة وإبداء الرأي، ولكنه فيما بعد ينفرد باتخاذ القرارات.
1-2 الآثار السلوكية لنمط القيادة الأوتوقراطية:
يتضح من صفات هذا النمط أنَّه لا يتماشى مع متطلبات الإدارة الحديثة، وأن الآثار السلبية التي يتركها على المدى الطويل تفوق النتائج المرجوة، والقائد يضطر إلى استخدام هذا النمط في الحالات التالية:
- الحالات الطارئة التي تواجه التنظيم والتي تتطلب نوعًا من الحزم والشدة في التصدي لها.
- الحالات التي يواجه فيها القائد نوعًا من المرؤوسين الذين يخشون تحمل المسؤولية.
- الحالات التي تكون فيها طبيعة العمل متجانسة بحيث يكون جميع العاملين خاضعين لمعلومات وقواعد محددة لتنفيذ العمل.
وتتمثل أهم الآثار السلبية لاستخدام هذا النمط فيما يلي:
- لجوء العاملين إلى الاعتماد الدائم على القائد.
- قتل الروح المعنوية لدى المرؤوسين.
- قتل روح المبادأة والإبداع لدى المرؤوسين، فإصدار التعليمات والأوامر بشكل مفصل، والمطالبة بتنفيذها بحذافيرها لا يتيح للمرؤوسين فرصة ممارسة مهاراتهم في الإبداع والابتكار، وإظهار المواهب مما يولِّد لديهم حالة من القلق والاضطراب النفسي تُؤثَّر سلبًا على أدائهم.
- فقدان سبل التفاهم بين القائد والمرؤوسين.
- حالة من التوتر والاضطراب النفسي لدى المرؤوسين الذين يخشون إيقاع العقاب بهم.
- الإقلال من فرص التعاون بين القادة والمرؤوسين. كما أن عدم اقتناع المرؤوسين وتقبلهم للنمط المستخدم يؤدي إلى فقدان التعاون المطلوب مع القائد، لعدم مراعاته لمشاعرهم وعواطفهم.
- تعارض هذا النمط من القيادة مع الشخصيات ذات الكفاءات العالية في التنظيم، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب هذه الكفاءات، وضياع فرص استثمارها بما يتناسب مع الأهداف المرجوة في العمل.
وأخيرًا فإن النتيجة النهائية لهذا النمط هو خلق حالة من الإحباط والاحتراق النفسي لدى المرؤوسين، الأمر الذي ينطوي على مخاطر جسيمة تهدد الفرد والتنظيم معًا.
2) نمط القيادة الديموقراطية: (Democratic Leadership)
يقوم هذا النمط من القيادة على ثلاث ركائز هي: العلاقات الإنسانية والمشاركة وتفويض السلطة، فالقيادة الديمقراطية تعتمد أساسًا على العلاقات الإنسانية السليمة بين القائد ومرؤوسيه، والتي تقوم على إشباع حاجاتهم وخلق التعاون فيما بينهم، وحل مشكلاتهم. وتنتهج القيادة الديمقراطية أساليب الإقناع واعتبار أحاسيس الأفراد ومشاعرهم وكرامتهم. والقيادة الديموقراطية تقوم على الثقة في المرؤوسين والاستفادة من آرائهم وأفكارهم في دعم السياسيات التي تتبناها المنظمة، وإتاحة الفرصة لمبادرتهم في تخطيط أعمالهم وتوفير جو من الانفتاح والتجاوب الحر مع العاملين، والقيادة الديموقراطية تؤدي إلى رفع الروح المعنوية للعاملين ومضاعفة الطاقة الإنتاجية، وتشجيع روح المبادأة والإبداع والابتكار، وتحقيق التآلف والاندماج بين العاملين والقائد الديموقراطي لا يتسلَّط في عمله وإنَّما يتفاعل من خلال عقد اللقاءات وإجراء الحوار والمناقشات، وهو يطلع مرؤوسيه على المشكلات التي تواجه المنظمة، ويسمح لهم بتبادل الأفكار والاقتراحات لحل تلك المشكلات ويشرك مرؤوسيه في اتخاذ القرارات والقائد الديموقراطي يحظى برضا التابعين عن قيادته في سعيه إلى استمالتهم إليه لمشاركته المسؤولية في اتخاذ القرارات بوصفه أحد أفراد الجماعة التي يقودها.
وقد وضع علماء الإدارة أمثال: «مايو، ماسلو، ماكريجور»، بعض التبريرات والافتراضات التي أدت إلى ظهور هذا النمط من القيادة وهي:
- إن الحاجات الإنسانية هي التي تحفز الأفراد إلى العمل، وليس أسلوب الشدة.
- إن الثورة الصناعية قد جردت العمل من قيمته ومعناه، وتبع ذلك إهمال العنصر البشري، مما استوجب اللين في التعامل معه.
- إن استجابة العامل لقيادته تكون بالقدر الذي يشبع حاجاته الاجتماعية، خاصة حاجته إلى الانتماء.
- إن استجابة الفرد للضغوط الاجتماعية أكثر من تلك التي يفرضها القائد المتشدد.
- إن الحفز السلبي لا يمكن أن يدفع العامل إلى الأداء المتميز، خلافًا لما يحققه الحفز الإيجابي والتعامل اللين من نتائج إيجابية في مستويات الأداء.
- إن لدى الفرد العادي حافزًا ذاتيًا لتعلُّم أداء العمل، إضافة إلى تمتعه بروح المبادأة والابتكار التي تفرض على القائد معاملته باللين.
- إن الفرد قادر على تحمل المسؤولية في العمل وهو يسعى لذلك.
- إن لدى الإنسان نزوعًا طبيعيًا نحو النجاح والإنتاج، الأمر الذي يتطلَّب منحه نوعًا من المرونة والاستقلال.
- إن حاجات الإنسان هي دافعه إلى العمل، وهي مرتَّبة هرميًا، كلما أشبع حاجة ظهرت أخرى.
- إن الدوافع والاحتياجات هي محرك الإنسان، كذلك فإن الضغوط الخارجية هي التي تهدده.
- يعتبر أداء الفرد لعمله جزءًا من تحقيقه لذاته.
وبتحقيق هذه الافتراضات التي يعمل القائد من خلالها على إشباع الحاجات النفسية للمرؤوسين بأكبر قدر ممكن، تتحقق الاستجابة المطلوبة لهذا القائد، وبذلك تم اللجوء إلى هذا النمط حيث فشل النمط الأوتوقراطي.
2-1 أشكال القيادة الديموقراطية:
هناك خمسة نماذج من سلوكيات القائد الديمقراطي هي:
أ- القائد الذي يتيح قدرًا بسيطًا من الحرية للمرؤوسين لمشاركته في صنع القرار وذلك بطرح المشكلة التي تواجهه أمام مرؤوسيه لمشاركته في إيجاد حلول لها، ثم يقوم باختيار الحل الذي يراه مناسبًا.
ب- القائد الذي يحدد المشكلة ويرسم حدود اتخاذ القرار، ويفوض لمرؤوسيه سلطة اتخاذ القرار ضمن تلك الحدود.
ج- القائد الذي يتخذ القرار بنفسه ولكنَّه يحرص على مناقشة القرار الذي سيقوم بتنفيذه، وإذا واجه استياء مرؤوسيه يعمل على تعديله.
د- القائد الذي يتيح لمرؤوسيه فرصة أكبر للمشاركة في اتخاذ القرار وفي طرق تنفيذه.
هـ- القائد الذي يترك لمرؤوسيه أمر اتخاذ القرار الذي يوافقون عليه، وهو بدوره يوافق على أي قرار تم اتخاذه من قِبل المرؤوسين.
2-2 الآثار السلوكية لنمط القيادة الديموقراطية:
يتضح من الأسس التي يقوم عليها هذا النمط أنه يسهم في تحقيق الآثار السلوكية الإيجابية التالية:
- تحقيق مزيد من التفاهم والانسجام بين القائد الديموقراطي ومرؤوسيه نتيجة ممارسته سياسة الباب المفتوح.
- إيجاد نوع من الأمن والاستقرار في نفوس المرؤوسين، يدفعهم إلى زيادة إنتاجهم.
- إتاحة الفرصة للمرؤوسين للنمو، والتقدم إلى مراكز أعلى في التنظيم عن طريق زرع الثقة في نفوسهم للقيام بالأعمال الموكلة إليهم والاستغلال الأمثل لمواهبهم وقدراتهم.
- زيادة الإحساس بالانتماء للتنظيم، فالمرؤوس الذي يشعر باهتمام القيادة به وحرصها على تحقيق مطالبة وإشباع حاجاته الإنسانية والاجتماعية وما يسعى إليه من رقي وتقدم، كل ذلك يزيد من انتمائه وتفانيه في خدمة التنظيم.
- خلق أجواء من التآلف والانسجام داخل التنظيم، خالية من الخلافات والصراعات التي تنشأ عادة بين المرؤوسين وتؤدي إلى تدني مستوى إنتاجيتهم.
يتضح مما تقدم، أن نمط القيادة الديموقراطية هو الأفضل في الإدارة الحديثة، لأنَّه ينطلق من مبادئ إنسانية واجتماعية متكاملة تمكِّن التنظيم من تحقيق الأهداف التي يسعى إليها بكفاءة عالية. لكن هناك أمور يجب مراعاتها في تحديد مدى إمكانية استخدام النمط الديمقراطي ما يلي:
- البيئة الإدارية من حيث درجة تطور النظام الإداري وتقدمه، فالبيئات المختلفة إداريًا لا يصلح فيها استخدام هذا النمط، لأن القائد يجد نفسه محاطًا بمجموعة من العوائق التي تحد من استخدام الديموقراطية كأساس للتعامل مع المرؤوسين.
- الموقف الذي يعايشه القائد: فقد يتطلب الوضع سرعة الإنجاز أو السرية، إلى درجة يكون من الصعب فيها إشراك المرؤوسين في القرار الذي ينبغي اتخاذه.
- نوعية المرؤوسين: قد يفاجأ القائد بنوع من المرؤوسين لا يميلون إلى المشاركة في اتخاذ القرارات أو قبول مبدأ تفويض السلطة لعدم رغبتهم في تحمل نتائج الأعمال، مما يضطر القائد إلى اللجوء إلى العمل بالأسلوب الأوتوقراطي باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تتفق مع خصائص مرؤوسيه.
- نوعية القائد: من الخطأ التسليم برغبة جميع القادة في استخدام أسلوب النمط الديموقراطي، أساسًا للتعامل مع المرؤوسين.
وتتمثل أهم الآثار السلبية لاستخدام هذا النمط فيما يلي:
- تجاوز المرؤوسين لصلاحيات القائد ومسؤولياته نتيجة مغالاة الأخير في استخدام هذا النمط.
- خلق أزمة ثقة بين القائد ومرؤوسيه، إضافة إلى ظهور الصراعات والخلافات داخل التنظيم، نتيجة أسلوب المناورة الذي قد يلجأ إليه القائد لإقناع مرؤوسيه بإيمانه بأسلوب الديموقراطية في العمل.
- الإضرار بمصالح التنظيم نتيجة مغالاة القائد في تغليب مصلحة العاملين وأهدافهم على أهداف التنظيم، وهو أمر يتعارض مع ما ينادي به الفكر الإداري الحديث من العمل على إحداث التوازن بين أهداف التنظيم والمرؤوسين بشكل يحقق المصلحة العامة.
- لجوء بعض القادة إلى استغلال أسلوب القيادة الديموقراطية والظهور بمظهر القائد الديموقراطي، لتحقيق غايات الشخصية الأمر الذي يتناقض مع مبدأ الديموقراطية في الإدارة وأهدافها.
ويرى بعض الباحثين أن أغلب الانتقادات الموجهة إلى القيادة الديموقراطية مبالغ فيها، وأن لهذا النوع من القيادة مزايا تفوق ما يترتب عليه من آثار سلبية، ومع ذلك فإن تفوق النمط الديموقراطي في القيادة على غيره من الأنماط لا يعني أنَّه يصلح في جميع الحالات.
3) نمط القيادة الفوضوية: (Laissez – Faire leadership)
ويطلق عليها أيضًا: «القيادة الحرة» و«غير الموجهة» و«المنطلقة» و«المتساهلة» (Laissez (– Faire leadership ويقوم هذا النمط من القيادة على إعطاء الفرد الحرية كاملة ليفعل ما يشاء، وفيها يتنازل القائد لمرؤوسيه عن سلطة اتخاذ القرارات، ويصبح القائد في حكم المستشار، لا يمارس آية سلطة على مرؤوسيه ولا يؤثِّر فيهم. ويرجع استخدام هذا النمط من القيادة إلى الفترة التي ساد فيها المنهج الحر (Lassez – Free approach)، أسلوبًا لتوجيه جهود الأفراد ونشاطهم. إلا أن استخدام هذا الأسلوب لم يصل إلى الحد الذي يجعل منه منهجًا ثابتًا.
1-3 أشكال القيادة الفوضوية:
- اتجاه القائد إلى إعطاء أكبر قدر من الحرية لمرؤوسيه لممارسة نشاطاتهم وإصدار القرارات وإتباع الإجراءات التي يرونها ملائمة لإنجاز العمل.
- اتجاه القائد إلى تفويض السلطة لمرؤوسيه وإسناد الواجبات إليهم بطريقة عامة غير محددة ووضع الحلول للمشكلات.
- اعتقاد القائد الذي يتبع الأسلوب الحر أن التعليمات العامة تتيح للمرؤوس فرصة الاعتماد على نفسه، وتكسبه خبرة في تحمل المسؤولية عبر إصدار القرارات الصائبة وتقييم النتائج.
- إتباع القائد سياسة الباب المفتوح في الاتصالات فالقائد الذي يتبع أسلوب القيادة الحرة يرى أن أسلوب الحرية في الإدارة لن يكون مجديًا إلاَّ إذا جعل بابه مفتوحًا لمرؤوسيه حتى يسهل لهم سبل الاتصال به، لتوضيح الآراء والأفكار التي يلتبس عليهم فهمها أو يصعب عليهم حلها، فالقائد هنا يترك للمرؤوسين حرية التصرف على ضوء ممارستهم وتجربتهم في العمل.
2-3 الآثار السلوكية لنمط القيادة الفوضوية:
يختلف الإداريون حول جدوى التطبيق العملي لنمط القيادة الفوضوية، إذ يرى بعضهم أنه غير مجد لكونه يقوم أساسًا على حرية المرؤوسين الكاملة في العمل، ولأن القائد الذي يلقي مسؤولية إنجاز العمل على المرؤوسين دون ضبط سلوكهم أو توجيه جهودهم، يمثِّل في نظرهم القائد السلبي الذي لا يقود في حين يرى آخرون أن هذا النمط يمكن أن يكون مجديًا في ظل ظروف معينة تقتضي تطبيقه، ومعظم الانتقادات التي وجهت إلى نمط القيادة الفوضوية، تتركز حول الآثار السلبية التي يؤدي إليها هذا النمط على التنظيم والمرؤوسين، ومنها: تفكُّك مجموعة العمل، وفقدان التعاون، والافتقار إلى الضبط والتنظيم، وزيادة الروح الفردية.
ب- نماذج محور أنماط القيادة (جامعة ميتشغان)
ركَّزت الدراسة الأولى لجامعة ميتشغان عام 1950، على دراسة العلاقة بين نمط الإشراف وجماعة العمل، فاختارت أقسامًا ذات إنتاجية عالية وأقسامًا ذات إنتاجية منخفضة، وتوصلت هذه الدراسة إلى وضع محور للقيادة من طرفين، يعبر الطرف الأول عن الاهتمام بالعاملين، ويمثِّل الطرف الثاني الاهتمام بالإنتاج، وتقع خصائص السلوك القيادي في كل نقطة منهما تمثل النقطة الأولى على المحور التركيز على العلاقات الإنسانية، بينما تمثل النقطة الثانية على المحور التركيز على النواحي الفنية للعمل وقد قام رنسيس ليكرت R, Likert عام 1967 بتطوير عدة أبحاث في جامعة ميتشغان حول القيادة الإدارية وسلوك القائد، أكدت أن التعرف على أنماط سلوك القائد ينتج عنه زيادة إنجاز جماعة العمل والرضا الوظيفي، وقد ميز بين نمطين للقيادة الإدارية هما:
1- نمط القيادة المرتكز على العمل: الذي يعني تركيز القيادة على الإشراف المشار والمكثف على العاملين ويؤكد على أهمية الإنتاج والنواحي الفنية في العمل.
2- نمط القيادة المرتكز على الموظَّف: الذي يؤكد على فردية العامل وحاجاته الشخصية. كذلك يؤكِّد هذا النمط القيادي على ضرورة تفويض السلطات والمسؤوليات، والاهتمام برفاهية الموظف، وإشباع حاجاته وتطوره الوظيفي ونموه النفسي.
وقد أشارت معظم النتائج إلى أن الإشراف المكثف قد ارتبط بدرجة متدنية وأوجد مشاعر عدائية لدى الموظفين، بينما كان الإشراف في الأقسام عالية الإنتاج عامًا، وهكذا فقد كشفت الدراسات أن مشرفي الأقسام ذات الإنتاجية العالية كانوا يطبقون أسلوب الإشراف العام، ونمط القيادة الذي يهتم بالعاملين في حين أن مشرفي الأقسام متدنية الإنتاج كانوا يطبقون أسلوب الإشراف المكثف والاهتمام بالعمل والإنتاج.
وقد أخذت دراسات محور أنماط القيادة تتوالى بعد ذلك مؤكِّدة أن هذا المحور يتكون في الواقع من مجموعة نقاط، يمكن من خلالها تبيين أنماطًا مختلفة للسلوك القيادي، أبرزها النموذج الذي اقترحه كل من تانينبوم وشميدت Tannenbaum & Schmidt عام 1958 ونموذج رنسيس ليكرت Likert Rensis عام 1961.
1- نموذج تانينبوم وشميدت Tannenbaum &Schmidt Model (1985):
قام كل من تانينبوم وشميدت عام 1958م، بعمل نموذج لتحليل سلوكيات القائد المتعددة والمحتملة، فيما يتعلق باستخدام سلطته في عملية اتخاذ القرارات، ومدى الحرية التي يمنحها لمرؤوسيه أو التابعين له في المشاركة في عملية صنع القرارات وقد بنى الباحثان فرضيتهما على أساس أن القائد يواجه صعوبات عديدة عند تحديد الأسلوب المناسب لاتخاذ القرارات من حيث المشاركة بين القائد والمرؤوسين في المشكلات التي تواجهه.
والنموذج يحدد طرفين لإمكانيات سلوك القائد مع المرؤوسين في اتخاذ القرارات، ففي الطرف الأول على اليسار، يحافظ القائد على درجة عالية من الانفراد باتخاذ القرار (الأسلوب التسلطي في القيادة) وفي الطرف الآخر على اليمين يترك القائد للمرؤوسين حرية المشاركة في اتخاذ القرار.
ويوجد بين هذين الطرفين، عدد من الأساليب الأخرى، أهمها: الأسلوب الوسط الذي يشارك فيه كل من القائد والمرؤوسين التابعين له في عملية اتخاذ القرارات ولتوضيح هذا النموذج، يمكن الإشارة إلى أن القائد الذي يقع على الطرف الأيمن من المحور يميل إلى التفرد في تقرير الأمور، مع الاحتفاظ برقابة مباشرة على المرؤوسين، وخلافًا لذلك يميل القائد الذي يقع على الطرف الأيسر من المحور، إلى السماح لمرؤوسيه بإبداء الرأي في مجريات الأمور، ويمارس رقابة غير مباشرة، ويشجع التغذية المرتدة من المرؤوسين.
1-1 أنماط القيادة في نموذج تانينبوم وشميدت Tannenbaum &Schmidt Model (1985):
تتجلى أنماط القيادة في نموذج تانينبوم وشميدت، على النحو التالي:
1- نمط المدير(القائد) الذي يتخذ القرار ويعلنه.
2- نمط المدير(القائد) الذي يبلِّغ القرار.
3- نمط المدير(القائد) الذي يقدم آراء ويطلب أسئلة.
4- نمط المدير(القائد) الذي يقدم قرارات مبدئية يمكن تغييرها.
5- نمط المدير(القائد) الذي يطرح المشكلة ويطُلب الاقتراحات ويتخذ القرار.
6- نمط المدير(القائد) الذي يحدد للمجموعة حدود القرار الذي ينبغي اتخاذه، ويطلب منهم اتخاذ القرار.
7- نمط المدير(القائد) الذي يَِسمح للمرؤوسين بالعمل في الحدود المقنَّنة بواسطته.
ويقتضي النموذج فهم القائد للظروف المحيطة به، أي قدراته وميوله الشخصية، إضافة إلى قدرات مرؤوسيه وشخصياتهم والمشكلات التي تواجههم، وذلك لإمكان التوصل إلى الحل المناسب للمشكلات، ونوع القيادة الملائمة في مثل هذه المواقف والظروف. ويمكن توضيح ذلك من خلال الشكل رقم (1) على النحو التالي:
شكل رقم (1)
نموذج تانينبوم وشميدت في سلوك القائد في اتخاذ القرارات
Source : Tannenbaum, R. & Schmidt .W.H. “How to choose a leadership Pattern”,
Harvard :Business Review , March – April. 1985, p.p.96-97.
2- نموذج رنسيس ليكرت (1961) Rensis Likert Model:
يقوم نموذج رنسيس ليكرت R. Likert (1961) على أساس أربعة نظم أساسية للإدارة، قام بتطويرها مع زملائه في معهد البحوث الاجتماعية بجامعة ميتشغان، في كتابه المشهور «New Patterns of Management» وتتراوح هذه النظم على محور القيادة، بين الأوتوقراطية التامة والديموقراطية التامة على النحو التالي:
نظام (1): المتسلط الاستغلالي، ويمثل الاتجاه الكلاسيكي (Exploitative – Authoritative).
نظام (2): المتسلط العادل، ويمثل العلاقات الإنسانية (Benevolent - Authoritative).
نظام (3): الديموقراطي الاستشاري، ويمثل الاتجاه السلوكي (Consultative –Democratic).
نظام (4): الديموقراطي المشارك، ويمثل النموذج الذي يدعو له(Participative – Democratic) .
نظام (1)- نمط المتسلط الاستغلالي
يمثل هذا النمط القائد الأوتوقراطي المستبد الذي لا يثق بمرؤوسيه ويرى أنهم لا يعملون إلا بالتلويح بعصا السلطة والتهديد، لكنه قد يقدم مكافآت إن رأى في ذلك فائدة وينفرد في عملية صنع القرار.
نظام (2) - نمط المتسلِّط العادل:
يتقمص القائد في هذا النمط دور الأب الذي يثق بدرجة متوسطة بمرؤوسيه، ويستخدم مزيجًا من الإثابة والتهديد والعقاب ليحثهم على العمل، ويستدر بعض أفكارهم في عملية صنع القرار، ويسمح لهم بقدر محدود من حرية التصرف وصنع القرار، لكن تحت رقابة محكمة.
نظام (3) - النمط الديموقراطي الاستشاري:
في هذا النمط تزيد ثقة القائد في مرؤوسيه لحد كبير لكن غير تام، ويسعى لحثهم على تقديم أفكارهم ومقترحاتهم وهو يقدم حوافز إيجابية أكثر مما يقدم حوافز سلبية (عقوبات)، ويفوض لمرؤوسيه قدرًا كبيرًا من السلطات ويتيح لهم حرية كافية للتصرف.
نظام (4) - النمط الديموقراطي المشارك:
في هذا النمط تكون ثقة القائد بمرؤوسيه مكتملة، إذ يشجعهم على تقديم أفكارهم واقتراحاتهم، ويقدم لهم حوافز إيجابية إزاء ما يحققون من أداء أو إنجاز، كما يتيح قدرًا كبيرًا من المشاركة في صنع القرار ويعزز الاتصالات المتبادلة بين أعضاء جماعة العمل.
ويرى ليكرت R. Likert (1961) أن المدير الذي يتبنى النظام الأخير (النمط الديموقراطي المشارك) يعد أكثر فاعلية في ممارسة القيادة. ويوضح شكل رقم (2) علاقة عناصر القيادة بالنظم القيادية الأربعة كما يلي:
الشكل رقم (2)
عنصر القيادة | نظام (1) | نظام (2) | نظام (3) | نظام (4) |
---|---|---|---|---|
-الثقة في المرؤوسين | * لا يثق في مرؤوسيه | * ثقة السيد بخادمه | * ثقة كبيرة ولكن ليست كاملة ولا يزال يرغب في السيطرة على القرارات | * ثقة كاملة في المرؤوسين في جميع الأمور |
- شعور المرؤوسين بالحرية في مناقشة أمور العمل | * انعدام الشعور بأي حرية لمناقشة أمور العمل مع الرئيس | * لا يشعر المرؤوس بحرية كبيرة في مناقشة العمل | * يشعر المرؤوسون بحرية نوعًا ما في مناقشة أمور العمل | * يشعر المرؤوسون بحرية كاملة |
- محاولة الرؤساء إشراك المرؤوسين | * نادرًا ما يسعى الرؤساء للحصول على آراء المرؤوسين لحل مشاكل العمل | * يسعى الرئيس أحيانًا للحصول على آراء المرؤوسين | * يأخذ الرئيس عادة بآراء المرؤوسين ويحاول الاستفادة منها بشكل بّناء | * يسعى الرئيس دائمًا للحصول على آراء المرؤوسين ويحاول دائمًا استخدامها بشكل بّناء. |
Source : Luthans ,Fred ,”Organizational Behavior “,. New York , McGraw-Hill Book,
5 th ed , 1989, p.453.
وإذا كانت نتائج أبحاث ليكرت (Likert) التي طورها عام 1967 قد أسفرت عن وجود نمطين للقيادة الإدارية هما نمط القيادة المرتكز على العمل ونمط القيادة المرتكز على الموظف، «فإن الواقع العملي يتطلب اختلاف سلوك القادة من موقف إلى آخر ففي الظروف العادية يمكن أن يميل القائد إلى تركيز اهتمامه بالأفراد، بينما قد تدفعه ظروف العمل أحيانًا إلى الاهتمام أكثر بالعمل».
ولذا برز توجه جديد في دراسة سلوك القائد الفعال، من خلال النظر في محددات ذلك السلوك، من حيث الإنجازات ورضا المرؤوسين ويرتكز هذا التوجه على بعدين أساسيين في سلوك القائد الذي يجمع بين الاهتمام بالعمل والاهتمام بالموظف ضمن ما يسمى «النموذج ذو البعدين في نمط القيادة»، والذي تمثَّل في كل من:
1- دراسات جامعة أوهايو.
2- الشبكة الإدارية لبليك وموتون . (1964) Blake & Moton
ج- النموذج ذو البُعدين في نمط القيادة:
حاول النموذج ذو البعدين في نمط القيادة أن يتيح للقائد فرصة التحرك على بعدين في اتجاهين مختلفين، وأن يحرز درجات عالية على كل بعد منهما في الوقت نفسه، وقد قام به كل من: جامعة أوهايو، وبليك وموتون Blake & Moton (1964) في الشبكة الإدارية، وفيما يلي عرض لكل منهما:
1- نموذج جامعة أوهايو:
قامت مجموعة من الباحثين في جامعة ولاية أوهايو عام 1950م بدراسات سلوك القائد الفعال، من خلال النظر في محددات ذلك السلوك، وتحديد فعاليات أنماط القيادة من حيث الإنجازات ورضا المرؤوسين لذا قام الباحثون بتصميم استبانه توصيفية للسلوك القيادي عرفت باسم Behavior Description Ques Leadership أو L B D Q، موجهة إلى المرؤوسين للإجابة على السؤال التالي: ما هي الأفعال والتصرفات والوظائف التي يؤديها القائد؟ ومن خلال التحليلات الإحصائية المتكررة لإجابات المرؤوسين، تمكنت مجموعة الباحثين من التمييز بين مجموعتين من وظائف القادة:
1- المجموعة الأولى تشير إلى تصميم العمل وتنظيمه.
2- المجموعة الثانية تشير إلى تقدير الناس والاهتمام بهم.
ومن أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة:
1- النمط المهتم بحاجات الأفراد وعلاقاتهم يرتبط بعلاقة إيجابية مع رضا العاملين.
2- أما النمط المهتم بالأهداف والعمل فقد كانت نتائج الرضا عن العمل فيه، غير متوافقة وغير ثابتة.
ثم قام الباحثون باختبار الإستبانة للتأكد من الصدق والثبات، وذلك بتقديمها لعينات مختلفة من الأفراد شملت رؤساء ومرؤوسين، حيث يقوم المرؤوسون بتقييم السلوك القيادي لرؤسائهم وقد ظهرت النتائج النهائية في ثلاثة أبعاد رئيسة للقيادة هي:
أ- الحفاظ على الجماعة: وهذا البعد يرمز إلى السلوك القيادي الذي يهدف إلى جعل المرؤوسين يدركون أن رئيسهم إنسان طيب. أي ذلك البعد الذي يهدف إلى قبول المرؤوسين لرئيسهم اجتماعيًا.
ب- تحقيق الأهداف الموضوعة: وهذا البعد يرمز إلى السلوك القيادي المرتبط بالأهداف الإنتاجية للجماعة وضرورة العمل على تحقيقها.
ج- التفاعل: وهذا البعد يرمز إلى السلوك القيادي الذي يساعد كل فرد من أفراد الجماعة على معرفة وظيفته وعلاقاتها بسائر الوظائف ونظرًا لارتباط البعد الأول بالبعد الثالث، فقد ضم الباحثون الذين قاموا باستخدام هذه الاستبانة كلا البعدين تحت اسم «التعاطف» (الاعتبار)، كما أطلقوا على البعد الثاني اسم «المبادأة والتنظيم» وحيث أن البعد الخاص بالتعاطف أو الاعتبار يهدف إلى تحقيق الأهداف الشخصية والجماعية للمرؤوسين، وكان البعد المتعلق بالمبادأة والتنظيم يسعى إلى تحقيق الأهداف الرسمية للتنظيم، فقد انتهت دراسة جامعة أوهايو في القيادة، إلى القول بأن القيادة الفعالة هي تلك التي تحاول أن تحقق الهدفين كليهما.
وبناء على ذلك، يعتبر النمط القيادي الفعال هو النمط الذي يتميز ببعدين أساسيين يجب توافرهما، هما: المبادأة والتنظيم والتعاطف (الاعتبار) ويوضح الشكل (3) نموذج جامعة أوهايو في القيادة.
شكل رقم (3)
نموذج جامعة أوهايو للقيادة
المصدر: المساد، محمود، «الإدارة الفعالة»، بيروت، مكتبة لبنان، ط1، 2003، ص 131.
2- نموذج الشبكة الإدارية في القيادة لبليك وموتون (1964) Blake &Moton Model
قام كل من روبرت بليك وجين موتون Blake & Moton عام 1964م، بدراسة القيادة على أساس أنها تركز على جانبين، هما: الاهتمام بالأفراد العاملين، والاهتمام بالعمل وقد اقترح بليك وموتون Blake & Moton (1964) ما سمياه «الشبكة الإدارية في القيادة»، حيث قسما أنماط القيادة إلى خمسة أقسام هي:
1- القائد المنسحب، التسيبي (1، 1): هو الذي يترك الأمور دون تدخل فيها ولا يهتم سواء بالإنتاج أو الإنسان، وهو ينسحب من العملية القيادية.
2- القائد المتسلط (1، 9): وهو الذي يعطي كل اهتمامه للإنتاج والعمل ويعطي أدنى اهتمام للعلاقات الإنسانية.
3- القائد الاجتماعي (رئيس النادي) (9، 1): الذي يعطي كل الاهتمام والتركيز على الناس ومشاعرهم والعلاقات الاجتماعية، ويعطي اهتماما أقل للإنتاج والعمل.
4- القائد الوسط (5، 5): الذي يوجه اهتماما متوسطًا لكل من الإنتاج والناس لكنه يواجه حرجًا وصعوبة في الحفاظ على توازن هذين البعدين، فإذا ما واجهته مشكلة سرعان ما يضحي بأحد البعدين لصالح الأخر.
القائد المثالي (قائد الفريق) (9، 9): وهو الذي يهتم بالإنجاز من خلال الأفراد الملتزمين وتفاعل هؤلاء الأفراد وترابطهم مما يؤدي إلى الثقة والاحترام.ويوضح الشكل رقم (4) أنماط القيادة في الشبكة الإدارية لبليك وموتون.
الاهتمام بالإنتاج
Source : Blake, R & Moton, J., "The New Managerial Grid", Houston Gulf Publishing Corp, 1988, p.12 .
وتستخدم الشبكة على نطاق واسع لمعرفة أسلوب القيادة لدى الأفراد، ثم وضع برامج التدريب المناسبة لتحسين فاعلية القيادة والوصول إلى النمط المثالي (9، 9).
واعتمادًا على نتائج بليك وموتون «وجد أن المدراء يكون أداؤهم أفضل ضمن أسلوب (9، 9) مقارنة بأسلوب السلطة (1، 9) أو الأسلوب المتساهل (9، 1). والشبكة توفر إطارا أفضل لتصوير الأسلوب القيادي لا لعرض أي معلومات جديدة في توضيح غموض القيادة، وذلك بسبب المؤشرات القليلة التي تعزز الاستنتاج الذي توصلت إليه في أن أسلوب (9،9) هو الأسلوب الأكثر فاعلية في جميع المواقف».
ومن خلال البحوث والدراسات التي أجريت على ضوء مفهوم الشبكة الإدارية لكل من بليك وموتون، تم تصنيف المديرين إلى خمسة أنماط، هي:
1- ع +: المدير المهتم بالعمل أكثر من اهتمامه بالناس، يطلق عليه «المدير المتفاني في العمل» أو «المدير الدكتاتور» أو «المدير المقاول».
2- ن +: المدير المهتم بالناس أكثر من اهتمامه بالعمل ذاته، يطلق عليه «المدير المتعاطف مع الناس» أو «المدير المجامل» أو «مدير النادي الاجتماعي».
3- ع ن: المدير المهتم بالعمل والناس بشكل متوسط «المدير الواقعي»، يمكن أن نطلق عليه «المدير المتعاطف مع الناس» أو «المدير الواقعي» أو «المدير العملي»، ويطلق عليه أحيانًا «المدير المكيافيلي» عندما تكون أساليبه ملتوية.
4- ع-ن-: المدير الذي يهتم بالعمل والناس بالحد الأدنى الذي يخليه من المسئولية فقط، يطلق عليه «المدير البيروقراطي» أو «المدير السلبي».
5- ع+ ن+: المدير الذي يهتم بالعمل وبالناس معَا بشكل عال قادر على إنجاز الأعمال بإيقاع سريع وجودة مرتفعة، من خلال أشخاص ملتزمين في شكل فريق، ويطلق عليه «المدير المتكامل» أو «المدير النموذجي» أو «المدير الفعال». يوضح الشكل رقم (5) الأنماط الخمسة للمديرين:
شكل رقم (5)
الأنماط الخمسة للمديرين
المصدر: الهواري، سيد، «خمسة أنواع من المديرين»، القاهرة، دار مكتبة عين شمس، ط1، 1986، ص 215.
* ع: تعني الاهتمام بالعمل.
* ن: تعني الاهتمام بالناس.
تقييم النظريات السلوكية:
* يمكن تلخيص الانتقادات التي تم توجيهها للنظريات السلوكية كما يلي:
1- أهملت دراسات أنماط القيادة المتغيرات الأخرى الخاصة بالموقف وغيره واعتبرت أن فاعلية القيادة تحددها المتغيرات الخاصة بسلوك القائد فقط.
2- قامت كل دراسات أنماط القيادة على نموذج شديد التبسيط للعلاقة بين سلوك القائد وفاعلية هذا السلوك في تحقيق الإنتاجية ورضا المرؤوسين فهناك افتراض ضمني بوجود نمط أمثل للقيادة هو الذي يحقق الفاعلية، وكذلك وجود علاقة مباشرة بين أنماط القيادة المستخدمة وأنماط الفاعلية مما يعني إغفال الوضع المعقد لعملية القيادة.
3- كانت متغيرات أنماط القيادة متغيرات سلوكية مركبة، ومن الناحية المنهجية لا يجوز تجميع متغيرات سلوكية تختلف كمًا ونوعًا.
4- أخفقت الدراسات في تقييم برهان تجريبي قوي على نمط القيادة ومتغيرات الفاعلية.
ونظرًا للثغرات -السابق ذكرها- في النظريات السلوكية، بدأ الباحثون يسعون لتطوير نظريات ونماذج جديدة في القيادة، تأخذ في الاعتبارات المتغيرات الموقفية افتراضًا بأن فاعلية القيادة هي نتاج تفاعل متغيرات من أهمها نمط القيادة، وشخصية القائد والمرؤوسين والمتغيرات الموقفية والبيئية وقد أدت الدراسات المكثَّفة في هذا المجال إلى ظهور النظريات الموقفية.
ثالثًا: النظريات الموقفية: (Situational Theories)
تقوم هذه النظرية على أساس أن «القيادة الفاعلة تعتمد على تفاعل الخصائص الشخصية للقائد وسلوكه وعوامل الموقف القيادي نفسه، أي أنها تركز على فكرة الارتباط بين القيادة والموقف وأن طبيعة المواقف والظروف هي التي تحدد نوعية القائد، طالما أنها تتباين من تنظيم لآخر ومن وقت لآخر».
لذلك فمن الممكن أن يكون الفرد قائدًا في موقف خاص وتابعًا في موقف آخر، وتفترض هذه النظرية أن «المهارات القيادية لا تحركها إلا المواقف والظروف التي يواجهها القائد، وأن نوعية القيادة تختلف وفقًا لاختلاف المواقف والظروف، وأن بروز القيادة يعتمد على وجود المشكلات».
لذا فإن تأثير القائد في الجماعة يرتبط بموقف معين يتفاعل فيه القائد مع الجماعة، ومن صميم ذلك الموقف وظروفه والعوامل الخارجية المحيطة وزمانه وتعقيداته تمارس القدرات القيادية لتوجيه الجماعة نحو تحقيق الهدف المنشود.
كما تفترض هذه النظرية عدم وجود أسلوب قيادي مثالي، وأن ظروف الموقف هي التي تحدد الأسلوب المناسب للقيادة، ويوضح الشكل رقم (6) العوامل الموقفية المؤثرة في تحديد الأسلوب القيادي وهي: صعوبة المهمة، الصفات، نضج المرؤوسين، حاجات المرؤوسين، اتخاذ القرار الجماعي، العلاقة بين القائد والأعضاء، ومصادر قوة القائد.
شكل رقم (6)
العوامل الموقفية المؤثرة في تحديد الأسلوب القيادي
المصدر: إبراهيم، محمد محمد، «المدير والاتجاهات الإدارية الحديثة»، القاهرة، مكتبة عين شمس، ط 1، 1997، ص 365.
ويلاحظ أن نظرية الموقف لم تنكر دور السمات الشخصية في تحديد خصائص القيادة، ولكنها تضع الموقف القيادي في المكانة الأولى، فالظروف المختلفة هي التي تظهر القائد، لذا ينظر إلى القيادة على أنها موقف يعقبه سلوك أو قرار.
وقد ظهرت عدة نماذج ونظريات مصاحبة لنظرية الموقف، هي:
1- نموذج فيدلر Fidler (1967) للقيادة التفاعلية.
2- نموذج ريدن Reddin (1970) ذو الأبعاد الثلاثة لفاعلية القيادة.
3- نموذج هاوس House (1971) الذي يجسد المسار والهدف.
4- نموذج هيرسي وبلانشارد Hersey &Blanchard (1972) للقيادة الموقفية.
1- نموذج فيدلر Fiedler (1967) للقيادة التفاعلية:
قام فيدلر Fiedler عام 1967 بتطوير نموذج للقيادة أسماه نموذج فيدلر للقيادة التفاعلية، يستخدم كوسيلة لزيادة فاعلية القائد في الظروف المختلفة، حيث يرى فيدلر في افتراضه الأساسي لهذا النموذج، أن أنواعًا معينة من القيادة تصلح تحت ظروف معينة من المتغيرات، وأن الوسيلة الأنسب لاختيار القادة هي تعيين القائد المناسب في ظل الظروف المناسبة لشخصيته، ويتم ذلك عن طريق عمل استقصاء لمعرفة درجة ملاءمة القائد لموقع القيادة ومدى قدرته على السيطرة على الظروف المحيطة وعن طريق النتائج يتم وضع القائد المناسب للظروف المناسبة، وبهذا تزيد فاعلية القائد.
ويرى فيدلر (1987) أن خصائص القيادة ترتبط بالموقف وفي أن فاعلية القيادة تتحدد بمدى ملاءمة النمط القيادي المستخدم في موقف معين لمتطلبات هذا الموقف كما يرى أن تحديد الموقف الملائم يتطلب وضع تشخيص دقيق للموقف الإداري الذي يمارس القائد ومرؤوسوه عملهم في إطاره من خلال تحليل عناصر الموقف الثلاثة التالية، وهي:
أ- طبيعة العلاقة بين الرئيس وأفراد الجماعة التي يشرف عليها: بمعنى مدى ثقة المرؤوسين بالرئيس وولائهم له، ويرى فيدلر أن هذا المتغير هو الأكثر أهمية في مدى ملاءمة الموقف.
ب- هيكل المهام: ويعني ذلك أنه كلما زادت المهمات نمطية وحدد لها هيكل أداء مقنن، تقلص دور القائد وتأثيره في جماعة العمل، ويأتي هذا العامل في الدرجة الثانية في مدى ملاءمة الموقف.
ج- قوة المركز الوظيفي للقائد: وتعني قدرته على التأثير بما يمنح من سلطة رسمية في توجيه سلوك جماعة العمل، ويرى فيدلر أن هذا العامل يأتي في المرتبة الثالثة من حيث التأثير في مدى ملائمة الموقف.
أنماط القيادة في نموذج فيدلر
يرى فيدلر Fiedler (1987) أن العوامل الثلاثة الآنفة الذكر، تتداخل فيما بينها لتحدد الموقف القيادي الذي يتم بموجبه تحديد النمط القيادي الملائم، كما يرى أن النمط القيادي الذي استند إليه المدير، وكان سبب نجاحه في عمله، عامل أساسي ومتغير جوهري من تقدير العلاقة بين متغيرات الموقف القيادي، ويصنف فيدلر Fiedler (1987) أنماط القيادة وفق نمطين باعتماد الاستبانة التي استخدمها والمعروفة باسم «زمالة العمل الأقل تفضيلاً» (Least – Preferred Co worker) «LPC»، هما:
1- نمط القيادة الذي يهتم بالعاملين والعلاقات الإنسانية.
2- نمط القيادة الذي يهتم بالإنتاج والعمل.
وقد وجد فيدلر Fiedler (1987) أن ملائمة نمط القيادة المهتم بالإنتاج أو نمط القيادة المهتم بالعاملين والعلاقات الإنسانية يعتمد على طبيعة العمل وأن القادة الموجهين للعمل، يتفوقون حينما تكون المواقف التي يتعين عليهم ممارسة القيادة فيها، تمنحهم درجة عالية من التحكم في الموقف أو درجة ضئيلة جدًا من هذا التحكم وفي المواقف التي تكون غير واضحة تمامًا وحيث يمكن للمدير أن يمارس رقابة معتدلة أو متوسطة فإن القائد الموجه للأفراد يكون هو الملائم ويوضح الشكل رقم (7) أنماط القيادة والسلوك والأداء في مواقف مختلفة.
شكل رقم (7)
أنماط القيادة والسلوك والأداء في مواقف مختلفة
نمط القائد | الرقابة الموقفية | ||
رقابة عالية | رقابة معتدلة | رقابة منخفضة | |
موجه للأفراد | الأداء: ضعيف | الأداء: جيد | الأداء: ضعيف |
موجه للعمل | الأداء: جيد | الأداء: ضعيف | الأداء: جيد نسبيًا |
Source: Fiedler, F, Chemers, M & Mahar, L, “Improving Leadership Effectiveness: The Leader Match Concept”, New York , Wiley, 1987, p.304.
ويشرح فيدلر Fiedler (1987) نظريته، بأنه في المواقف ذات الرقابة العالية جدًا، تكون الجماعة مستعدة لكي يتم توجيهها، ويتوقع المرؤوسون أنَّهم سوف يتم إخبارهم بما ينبغي عليهم أداؤه وعلى الجانب الأخر فإنه في المواقف ذات الرقابة المنخفضة جدًا، فإن الجماعة سوف تسقط متفككة بدون الرقابة والتدخل الفعال من جانب القائد وهكذا ففي المواقف ذات الرقابة المرتفعة أو الرقابة المنخفضة، يكون نمط القيادة الموجهة للعمل هو الأنسب أما في المدى المتوسط فإن الموقف لا يكون واضحًا بدرجة كافية، الأمر الذي يؤدي إلى تشتيت أداء الجماعة وهنا يتعين على القائد أن يكون موجهًا للأفراد، لكي يتمكن من السيطرة عليهم.
ويبين فيدلر Fiedlet (1987) «أنه كلما كانت العلاقات بين القائد والتابعين أفضل، وكلما كان العمل بتركيب واضح محدد وكلما كانت قوة المركز أكبر، كلما زادت قوة القائد فمثلاً في الموقف المفضل جدًا (حيث تكون لدى القائد درجة عالية من السيطرة)، كوجود مدير الأجور والرواتب في المؤسسة، الذي يحظى باحترام العاملين وثقتهم، تكون العلاقات جيدة بين القائد والعاملين، لأن فعاليته تكمن في احتساب الأجور، تحديد السلوك، كتابة تقارير محددة واضحة (تركيب عال للعمل)، كما أن العمل يمنحه حرية كبيرة لمكافئة العاملين ومعاقبتهم (مركز قوي)، وفي الجانب الآخر، الموقف غير المفضل، قد يكون المسئول غير المرغوب به مدير العلاقات العامة في المؤسسة، في هذا النوع من الأعمال تكون سيطرة القائد، قليلة جدًا، وبالمزج بين المتغيرات الموقفية تظهر ثمانية مواقف محتملة أو أصناف من المواقف القيادية وقد ضغط فيدلر هذه المواقف الثمانية إلى ثلاثة مواقف، وأصبح يرى أن القادة المتوجهين بالمهمة يكون أداؤهم أفضل في المواقف العالية السيطرة والمنخفضة السيطرة، بينما يكون أداء القادة المتوجهين بالعلاقات أفضل في المواقف المتوسطة.
وقد بين فيدلر Fiedler (1987) أن هناك طريقتين فقط لزيادة فاعلية القائد:
- الطريقة الأولى: تغيير القائد ليناسب الموقف، فإذا كان موقف الجماعة يصنف على أنه غير مفضل بدرجة عالية، ولكنها مقادة بمدير متوجه بالعلاقات، يمكن تحسين أداء الجماعة عن طريق استبدال ذلك المدير بآخر متوجه بالعمل.
- الطريقة الثانية: تغيير الموقف ليلائم القائد، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تركيب المهمات أو زيادة القوة التي يمتلكها القائد بدرجة تمكنه من السيطرة على الجماعة مثل زيادة الأجور والترقيات وفعاليات الضبط. ويبين الشكل رقم (8) نموذج فيدلر في فاعلية القيادة.
شكل رقم (8) نموذج فيدلر في فاعلية القيادة
Source : Fiedler, F, Chemers, M & Mahar, L , “ Improving Leadership Effectiveness: The Leader Match Concept”, New York, Wiley, 1987, p.10.
وقد بينت إحدى الدراسات التي أجريت على نموذج فيدلر نتائج إيجابية عمومًا ( )، إلا أن هناك بعض الانتقادات التي وجهت إليه منها:
- صعوبة التطبيق العملي للنموذج ولمقياس (LPC)، وبسبب غموض منطقة المعتمد في (LPC) وتذبذب نقاط الاستجابة له.
- تعقد متغيرات الموقف وصعوبة تخمينها من قبل الممارسين، ذلك أنه غالبًا ما يصعب تحديد مدى جودة العلاقة بين القائد وتابعيه وهيكل العمل وقوة المركز الوظيفي للقائد.
2- نموذج وليام ريدن Reddin (1970)
قدم وليام ريدن Reddin (1970) تحليلاً عميقًا لمفهوم الموقف الإداري ضمن كتابه «الفاعلية الإدارية (Effective Management by Objectives) وركز في تحليله على معرفة متى تكون الأنماط القيادية فعالة، ودور الموقف الإداري كعامل مؤثر في تحديد فاعلية الإدارة ولذا، قام ريدن بدراسة الشبكة الإدارية لكل من بليك وموتون Blake &Moton Model (1964)، وأضاف إلى بعدي الإنتاج والعاملين بعد الفاعلية وقد حلل السلوك القيادي إلى أبعاد ثلاثة هي:
- بعد العلاقات: أي التوجه نحو العلاقات، بادراك المدى الذي يمكن أن يتخذه الإداري لتوفير علاقات عمل شخصية تتسم بالثقة المتبادلة واحترام آراء الآخرين وأفكارهم ومشاعرهم.
- بعد المهمة: أي التوجه نحو المهمة بإدراك المدى الذي يمكن أن يتخذه الإداري بتوجيه جهوده وجهود العاملين معه لتحصيل الهدف.
- بعد الفاعلية: بمعنى المدى الذي يحقق فيه الإداري الأهداف وبين ريدن أن للموقف عوامله المؤثرة على الفاعلية التي تتلخص بما يلي:
- المناخ النفسي في النظام.
- التقنية المستخدمة في تنفيذ العمل.
- العلاقات مع الرؤساء.
- العلاقات مع الزملاء.
- العلاقات مع التابعين.
ويبين الشكل رقم (9) نظرية الأبعاد الثلاثة للقيادة لنموذج ريدن.
الشكل رقم (9)
نظرية الأبعاد الثلاثة للقيادة
المصدر: المساد، محمود، «الإدارة الفعالة»، بيروت، مكتبة لبنان، ط1، 2003، ص131.
ويمكن استخدام نموذج ريدن لتحديد أربعة أساليب في القيادة:
- منفصل: اهتمام قليل بالمهمة واهتمام قليل بالعلاقات.
- متصل: اهتمام قليل بالمهمة واهتمام عالٍ بالعلاقات.
- متفان: اهتمام عالٍ بالمهمة واهتمام قليل بالعلاقات.
- متكامل: اهتمام عالٍ بالمهمة واهتمام عالٍ بالعلاقات.
- ثم طور ريدن تقنيات تدريب تمكن القائد من اختيار الأسلوب القيادي المناسب من أجل استخدامه في المواقف التي قد يواجهها، ويشتمل التدريب على المهارات التالية:
- القدرة على تقييم المواقف في ضوء متطلبات القيادة الفاعلة (حساسية الموقف).
- المهارات المطلوبة للتأثير على الأبعاد السلبية للموقف (إدارة الموقف).
- القابلية لتنويع أسلوب القيادة وفق ما تتطلبه فاعلية المواقف المختلفة (مرونة الأسلوب).
أنماط القيادة في نموذج ريدن:
توصل ريدن (Reddin) (1970) إلى ثمانية أنماط من القيادة الإدارية ينتج عنها أربعة أنماط) أقل فاعلية وأربعة أنماط أكثر فاعلية، هي:
أولا: الأنماط الأربعة الأقل فاعلية:
1- الانسحابي: يتمثل هذا النمط في عدم الاهتمام بكل من الأفراد والعمل، وهذا النمط غير فعال ليس لأنه لا يرغب ولا يهتم بالعمل فحسب، بل لتأثيره السلبي في علاقات الأفراد العاملين وروحهم المعنوية، ولا يكتفي هذا النمط بالانسحاب من العمل، بل يثبط همة العاملين كما يتدخل في أعمالهم ويحجب عنهم المعلومات اللازمة.
2- المجامل: يعتبر هذا النمط التناسق بين الأفراد والعلاقات الطيبة فوق أي اعتبار آخر، وتنقصه أو تغيب عنه الفعالية لاهتمامه بنفسه ورغبته في أن يرى فيه الآخرون شخصا طيبا، لذلك فهو لا يخاطر بالعلاقات رغبة في الحصول على الإنتاجية المرغوبة.
3- الأوتوقراطي الديكتاتوري: يركز هذا النمط اهتمامه على العمل المطلوب، ويفضله على أي اعتبارات أخرى، تتمثل عدم فاعليته في استهتاره بالعلاقات الإنسانية، وفي انخفاض مستوى ثقته بالآخرين، لذا يخافه الكثيرون ويتجنبونه وهم يعملون فقط عندما يضغط عليهم.
4- الموفق (المقنع): يعرف هذا النمط مميزات الاهتمام بكل من العمل والعلاقات، ولكنه غير قادر أو ليس لديه رغبة في اتخاذ القرارات السليمة، ويميل هذا النمط إلى انتهاج الحلول الوسط أسلوبًا في العمل، ويسعى إلى التقليل من المشكلات التي يواجهها في الحاضر، لأنه يركز على الضغوط التي يتعرض لها في الحاضر، ويحاول جاهدًا إرضاء من يؤثرون فيه أو يهددون حياته العملية.
ثانيًا: الأنماط الأربعة الأكثر فاعلية:
5- البيروقراطي: لا يهتم هذا النمط بالعمل ومهامه أو بالعلاقات الإنسانية للعاملين، ولكنه يخفي ذلك وراء تطبيق التعليمات والأنظمة والقوانين بحذافيرها، لذلك تقل فعاليته وتأثيره في الروح المعنوية للعاملين.
6- المنمي (المطور): يثق هذا النمط بالعاملين ضمنا، ويعتقد أن عمله يتمثل أساسا في تنمية قدرات الآخرين، وفي تهيئة مناخ العمل الذي يتيح تحقيق أعلى درجات الإشباع لحاجات العاملين، وفعالية هذا النمط تنبع من المناخ المشجع الذي يهيئه لمرؤوسيه، لذلك يزداد ارتباطهم به وبالعمل، غير أن اهتمامه بتنمية العاملين يدفعه في بعض المواقف إلى التضحية بأهداف الإنتاج القصيرة والطويلة الأجل من أجل التنمية الذاتية للآخرين.
7- الديكتاتوري العطوف: يثق هذا النمط بنفسه ضمنًا، ويهتم على المدى القصير والمدى الطويل بالعمل، وتنبع فعاليته من قدراته ومهاراته في دفع الآخرين لأداء ما يرغب أن يؤدوه دون مقاومة منهم قد تؤثر في الإنتاج، ويعمل على كسب طاعة مرؤوسيه وولائهم عن طريق مهارته في توفير مناخ يساعد على أداء العمل.
8- التنفيذي: يعتبر هذا النمط أن عمله يتمثل في توجيه أقصى طاقات العاملين نحو العمل المطلوب في المدى القصير والمدى الطويل، حيث إنه يحدد مستويات طموحه للأداء والإنتاج، ويدرك أن ثمة فروقا فردية بين العاملين، وهذه الفروق في القدرات والمهارات تجعله يمارس أساليب مختلفة في التعامل مع كل فرد منهم، وتنبع فعاليته من اهتمامه بكل من العاملين والعمل بشكل واضح، مما ينعكس على دوافع العاملين لتحقيق الأهداف، ولذلك فهو يحقق إنتاجية عالية.
3- نموذج المسار/ الهدف House and Evans (1971)
قام كل من هاوس وايفانس House and Evans (1970- 1971)، بتطوير نموذج المسار/الهدف في القيادات الإدارية، اعتمادًا على نموذج فروم Vroom (1961) في الدوافع، حيث تربط هذه النظرية بين دوافع الفرد للإنتاج، وبين إدراكه أن عمله يشبع حاجاته من المكافآت، وقد اعتبرت هذه النظرية أن القائد هو مصدر المكافآت، حيث أن السلوك القيادي هو الذي يربط بين أنواع المكافآت وبين الدوافع والأداء والرضا عن العمل، فالقائد يوفر بيئة العمل في الهيكل والدعم والمكافآت، وبذلك يساعد في الوصول إلى الهدف بل إلى أهداف المنظمة، معتمدًا في ذلك على عنصرين أساسيين، هما:
- خلق التوجهات نحو الأهداف.
- دعم الطريق إلى الهدف.
وتحدد النظرية دور القائد الإداري في تحقيق البنية الملائمة لإنجاز الأهداف حسب المراحل التالية:
- تفهم القائد لحاجات المرؤوسين واستيعابها.
- التحديد الملائم للأهداف.
- الربط بين المكافآت والأهداف.
- تقديم العون إلى المرؤوسين لوضعهم على طريق الأهداف.
- إحساس المرؤوسين بالرضا والدافعية وتقبل القائد.
- تحقيق الأداء الفاعل.
- الوصول إلى أهداف المنظمة وأهداف المرؤوسين معًا، وبشكل أفضل.
أنماط القيادة في نظرية المسار/الهدف:
يرى هاوس House (1981) في نظريته أن القائد يتدخل لتوضيح إجراءات العمل وهيكلية مهماته عندما تواجه المرؤوسين عقبات أو مصاعب بسبب عدم وضوح المهمات، وعدم استقرار بيئة العمل، أو تعدد العوامل المؤثرة فيه وتنوعها، أو انخفاض خبرات المرؤوسين، ولذلك تظهر الحاجة إلى القائد (الموجه)، أما إذا كانت ظروف العمل واضحة والمهمات محددة (روتينية) فإن النمط القيادي المطلوب يكون (المشجع على المشاركة) في اتخاذ القرار والمحفز للمرؤوسين على الأداء وإنجاز المهمات، وتصنف هذه النظرية القيادة وأنماطها على النحو التالي:
1- النمط الموجه: يقوم على توجيه المرؤوسين بتعليمات تفصيلية في أداء الواجبات، ولا يتيح لهم فرصة المشاركة في اتخاذ القرارات.
2- النمط الداعم أو المساند: يقوم على تفهم مشكلات المرؤوسين في إشباع حاجاتهم.
3- النمط المشارك: يقوم على إشراك المرؤوسين في صنع القرارات قبل تنفيذها.
4- النمط الإرشادي: يقوم على تحفيز المرؤوسين على إنجاز الأهداف بأداء عال، وذلك لوضعهم أمام التحدي عن طريق إظهار توقعات وثقة عالية بهم.
وترى نظرية المسار/ الهدف أن القائد قد يستخدم الأنماط الأربعة في مواقف مختلفة، وصولا إلى التأثير والتوجيه لسلوك المرؤوسين نحو الأهداف.
و قد قام كل من هاوس وميتشل( )House and Mitchell (1982)، بتطوير نظرية المسار والهدف لهاوس وإيفانس House &Evans، وكان قد انضم إليهما زميلهما غريفن Criffen (1980)( )، حيث أضافوا إليها أبعادًا أخرى، انطلاقًا من أن العلاقة بين سلوك القائد (المدير) ورضا الموظفين وإنتاجيتهم تعتمد على عدد من العوامل (المتغيرات) الموقفية التي تقسم إلى مجموعتين:
أ- عوامل موقفية تتعلق بالمرؤوس، مثل: القدرة، الحاجات، مركز المراقبة والضبط.
ب- عوامل موقفية تتعلق ببيئة العمل مثل مهام المرؤوس، العوامل التنظيمية كالسياسات الإدارية والأنظمة والإجراءات والقواعد.
وعلى هذا الأساس تقوم النظرية على الفرض التالي:
- توجيهي، مساعد، مشارك، موجه للإنجاز، محافظ أن العلاقة بين سلوك القائد الإداري ورضا المرؤوس عن وظيفته وعن مديره وعن إنتاجيته تتوقف على عاملين وسيطين هما: وظيفة الرئيس وحاجته (المدير الوظيفي) وقوة نمو الحاجة لدى الموظف. ويوضح شكل رقم (10) عناصر نظرية المسار/ الهدف في القيادة الإدارية على النحو التالي:
شكل رقم (10) عناصر نظرية المسار/ الهدف في القيادة الإدارية
Source: House, R. J. & Mitchell, T. K,” Path –Goal Theory of Leadership”, New York, Autumn, 1982, pp.98.
* أنماط تطور نظرية المسار/ الهدف:
1- النمط التوجيهي: وهو الذي يحدد ما هو متوقع من المرؤوسين.
2- النمط المساعد: وهو الذي يهتم بحاجات العاملين.
3- النمط المشارك: وهو الذي يتشاور مع المرؤوسين.
4- النمط الموجه للإنجاز: وهو الذي يحدد أهدافًا طموحة لإنجاز العمل.
5- النمط المحافظ (الصيانة): وهو الذي يهتم بصيانة العمل والعاملين.
أهم نتائج نظرية المسار/ الهدف:
توصلت نظرية المسار/ الهدف إلى النتائج التالية:
- يؤدي السلوك المشارك للقائد الإداري إلى دافعية ورضا المرؤوسين، حينما يغلب على العمل طابع الغموض، ويتحدى قدرات الفرد، خصوصًا عندما ينشد المرؤوسين الاستقلال وتحقيق الذات.
- يؤدي السلوك المحافظ للإنجاز لدى القائد الإداري، إلى دافعية ورضا عال لدى المرؤوسين، حينما يكون العمل غامضًا أو صعبًا، وحينما يكون المرؤوسين محافظين وغير مبادئين.
- يؤدي السلوك الموجه للإنجاز لدى القائد الإداري، إلى دافعية المرؤوسين ورضاهم، حينما يكون العمل غامضًا وثابتًا.
أهمية نظرية المسار/ الهدف في القيادة الإدارية:
إن أهمية نظرية (المسار/ الهدف) تمثل في أنها ترى إمكانية ممارسة القائد الإداري نفسه أنماطًا قيادية إدارية في مواقف مختلفة لا نمطا واحدًا، وفي أنها جعلت فعالية القائد الإداري مرتبطة بالموقف وحاجات العاملين (المرؤوسين) ومشاعرهم وتوقعاتهم في العمل.
4- نموذج دورة الحياة لهيرسي وبلانشارد 1972) Hersey &Blanchard)
قام كل من بول هيرسي، وكينيث بلانشارد 1972) Hersey &Blanchard)، بتطوير نموذج دورة الحياة في القيادة على ضوء نموذج ريدن Reddin (1970) في القيادة. ويفترض هذا النموذج أساسًا أن نمط القيادة الفعالة مرتبط بدرجة نضج المرؤوسين، أي قدرتهم على تحمل مسؤولية أفعالهم الذي يتضمن القيادة الفعالة مرتبط بدرجة نضج المرؤوسين، أي قدرتهم على تحمل مسؤولية أفعالهم الذي يتضمن معرفتهم بالعمل ومهاراتهم واستعدادهم النفسي أي جاهزيتهم للمشاركة في صنع القرار وتنفيذه.
ويرى هذا النموذج أن على القادة تعديل أساليبهم القيادية طبقًا لحاجات مرؤوسيهم وبالأخص قدراتهم، وذلك خلافًا لما اقترحته النظريات السابقة في القيادة حيث كان يتوقع من الموظفين تكييف أنماط عملهم حسب أسلوب قائدهم وقد صمم هيرسي وبلانشارد (1984) Hersey & Blanchard نموذجهما بناء على ثلاث متغيرات هي:
1- درجة التوجيه والإشراف التي يمارسها المدير على مرؤوسيه (سلوك العمل).
2- مستوى الدعم العاطفي (سلوك العلاقة الشخصية) الذي يقدمه المدير لمرؤوسيه.
3- مستوى نضج المرؤوسين لأداء مهام محددة.
ويركِّز هذا النموذج على العلاقة بين المدير وتابعيه وعلى أن نضج المرؤوسين يمثِّل أهم المتغيرات الموقفية المؤثرة على سلوك القائد ويعتبر هيرسي وبلانشارد Hersey&Blanchard (1984) أن القائد الناجح هو الذي يستطيع أن يوفق بين أسلوبه وأسلوب مرؤوسيه، واحتياجاتهم للتوجيه والإشراف (Task Behavior) وكذلك احتياجاتهم المعنوية ويفترض هذا النموذج أن الأسلوب القيادي المفضل يعتمد على درجة النضج التي يحتاجها المرؤوس من الدعم المعنوي، وهي رغبة المرؤوس في القيام بعمله (Emotional Support) مقترنة بمستوى التوجيه المطلوب (Required Guidance) وهي قدرة المرؤوس على القيام بعمله، إذ يعرف هيرسي وبلانشارد (1984) Hersey&Blanchard النضج بأنه «محصلة كل من القدرة (نضج متعلق بالعمل) والاستعداد (نضج نفسي) لدى الفرد ليتحمل مسؤولية سلوكه في أداء العمل قد يكون لدى الفرد أو الجماعة نضجًا لأداء مهام معينة، وقصورًا في النضج لأداء غيرها وتتطلب القيادة الفاعلة تغيير سلوكيات القائد المرتبطة بالعمل، وسلوكياته في علاقاته الشخصية، لمقابلة درجة نضج جماعة العمل». وتختلف درجة نضج المرؤوسين وتتحدد بعنصرين:
1- نضج العمل: أي القدرة على أداء عمل معين، وهو دالة لمعرفة مهارة المرؤوس.
2- النضج النفسي: أي الاستعداد أو الدافع لأداء عمل معين، وهو دالة لالتزام المرؤوس والثقة به.
ويحدد نموذج هيرسي وبلانشارد 1984) Hersey & Blanchard) أربع مستويات للنضج هي:
- المستوى الأول: الفرد غير مستعد لأداء العمل وغير قادر عليه.
- المستوى الثاني: الفرد مستعد لأداء العمل وغير قادر عليه.
- المستوى الثالث: الفرد غير مستعد لأداء العمل وقادر عليه.
- المستوى الرابع: الفرد مستعد لأداء العمل وقادر عليه.
ويقترح النموذج أنه بنضج الفرد، يتعين تغيير نمط القيادة وفقًا لمستوى النضج الإداري للمرؤوسين ويبين الشكل (11) رقم تنوع أساليب القيادة وفقًا لمستوى النضج الإداري للمرؤوسين.
(الشكل رقم (11)
تنوع أساليب القيادة وفقًا لمستوى النضج الإداري للمرؤوسين
مستوى النضج الإداري | المستوى الأول | المستوى الثاني | المستوى الثالث | المستوى الرابع |
---|---|---|---|---|
قدرة الفرد على الأداء | غير قادر | غير قادر | قادر | قادر |
استعداد الفرد للأداء | غير مستعد | مستعد | غير مستعد | مستعد |
أسلوب القيادة | صنع القرار ثم إبلاغ الفرد أو الجماعة به | صنع القرار ثم بيع فكرته للفرد أو الجماعة | إتاحة فرصة المشاركة | تفويض الفرد أو الجماعة في صنع القرار أو اتخاذه |
المصدر: من إعداد الباحثة.
وقد طور هيرسي وبلانشارد Hersey&Blanchard (1984) مقاييس للنضج لتحديد أسلوب القيادة المناسب بين المدير ومرؤوسيه وفقًا لعلاقة الطفل بوالديه (دورة الحياة للقيادة)، فعند النظر إلى علاقة الطفل بوالديه يمكن تصور أربع مراحل لهذه الدورة هي:
- المرحلة الأولى: عندما يكون الطفل صغيرًا يقوم الوالدان بكل الأعمال المتعلقة بهيكلة المهام من إلباسه وإطعامه، ويكون سلوكهما بصفة أساسية هو التهيئة لمهامه.
- المرحلة الثانية: عندما ينمو الطفل يبدأ سلوك الوالدين تدريجيًا في الاتجاه نحو العلاقات بإظهار الاحترام والثقة، وهنا تكون التهيئة نحو المهام والتهيئة نحو العلاقات مرتفعة.
- المرحلة الثالثة: حينما يلتحق الابن بالجامعة يبدأ في تحمل جزء من المسئولية عن سلوكه، وهنا يبدأ الوالدان في استخدام نمط منخفض بالنسبة للتهيئة نحو المهام ونمط مرتفع بالنسبة لتهيئة العلاقات سلوكيا.
- المرحلة الرابعة: عندما يتزوج الابن ويكون عائلته، يمارس الوالدان تهيئة نحو المهام وتهيئة نحو العلاقات بشكل منخفض.
ويعني ذلك أنه كلما تقدم الفرد من حالة عدم النضج إلى مراحل النضج المختلفة تطلب الأمر نمطًا مختلفًا من السلوك من جانب والديه، وينطبق ذلك على ظروف العمل أيضَا، فالإدارة إذا سمحت للعامل (الموظف) بأن ينضج فإنما يتم ذلك من خلال التغيير الذي يظهر من سلوك القائد.
ويرى هيرسي وبلانشارد Hersey&Blanchard (1984) أن «نظرية دورة القيادة تفترض أنه عند التعامل مع أفراد في مستوى نضج أقل من المتوسط فإن النمط العالي في سلوك المهام (المرحلة الأولى) له أكبر فرصة من النجاح، في حين تكون أنماط المرحلتين الثانية والثالثة أكثر ملاءمة عند التعامل مع أفراد في مستوى نضج متوسط، أما المرحلة الرابعة فإنها تعبر عن النمط الذي له أكبر فرصة من النجاح مع الأفراد ذوي النضج الأعلى من المتوسط».
أنماط القيادة في نموذج هيرسي وبلانشارد Hersey&Blanchard (1984):
يرى هيرسي وبلانشارد Hersey &Blanchard (1984): أن نضج المرؤوسين يكون في مستويات ما بين منخفض ومتوسط وعال، وأن الأسلوب القيادي المناسب لكل مستوى من مستويات النضج يتضمن الجمع والتوفيق ما بين سلوك مهام العمل والعلاقات وعلى ذلك، فهناك أربعة أنماط لسلوك القائد مع المرؤوسين بحسب قدرات المرؤوسين:
1- النمط الإخباري (التوجيهي): عندما يكون المرؤوس جديدًا في العمل، يمكن أن يكون في المستوى الأول أي قليل النضج من حيث معرفته بنظام المؤسسة أو طبيعة العمل، ولذا يكون دور القائد هو تزويد المرؤوس بالمعلومات اللازمة لفهم المهام بالشكل المطلوب، وممارسة الإشراف المباشر عليه، واستثناءه من عملية صنع القرار، والاكتفاء بإخباره به، مع محاولة تكوين اتجاهات إيجابية لديه نحو العمل والمهام.
2- النمط الإقناعي (الاستشاري): بعد أن يتعلم المرؤوس عمله يكون في المستوى الثاني، أي أنه راغب في العمل لكنه مازال غير قادر على إنجازه ولذا يتغير أسلوب القائد معه، فيقدم له فرصًا ليستوضح ما التبس عليه ويشرح له قراراته ليبيع له فكرة القرار ويقنعه بأهميتها ويوضح له كيفية التنفيذ ويحاول تكوين اتجاهات إيجابية لديه نحو العمل والمهام، ويكون ذلك بالاهتمام بمشاعره وأحاسيسه ومراعاة ظروفه ونفسيته.
3- النمط المشارك: يكون المرؤوس في المستوى الثالث قد نضج نسبيًا، أي قادرًا على العمل لكنه مازال غير مستعد لعمل ما يريده القائد منه بدقة ولذلك ينتقل القائد إلى تعزيز ثقته بنفسه ودافعيته نحو العمل عبر تنمية قدراته المهنية، وإتاحة الفرصة له للمشاركة في صنع القرارات.
4- النمط التفويضي: عندما يكون المرؤوس في المستوى الرابع، يصبح قادرًا على العمل ومستعدًا له تمام الاستعداد، أي يصبح على مستوى عال من النضج والخبرة لأداء المهام بدافعية عالية، وهنا يستطيع القائد توظيف قدرات المرؤوس نحو قيادة العمل الجماعي في هذه الحالة، يقوم القائد بتفويض بعض الصلاحيات لمرؤوسه في صنع القرارات وآليات تنفيذ الأعمال المطلوبة لتحقيق الأهداف، ويكون نمط القائد في هذه الحالة تفويضيًا.
والجدير بالإشارة أن النمط القيادي التفويضي لا يعني تنازل القائد عن سلطته، وإنما يعني تفويض بعض السلطات والصلاحيات لمرؤوسيه ليعملوا في إطارها ودون تجاوز لها، كذلك فإن هذا النمط لا يعني أيضًا أن ينعدم دور القائد في التخطيط والرقابة، واللجوء إلى استخدام سلطته الرسمية واتخاذ القرارات الفردية العاجلة في الحالات الطارئة التي لا تحتمل الانتظار. ويبين الشكل رقم (12) الأنماط القيادية المناسبة لمستويات النضج المتعددة للمرؤوسين على النحو التالي:
شكل رقم (12)
الأنماط القيادية المناسبة لمستويات النضج المتعددة للمرؤوسين
النمط القيادي المناسب | مستوى النضج |
---|---|
م 1 التوجيهي (الإخباري) مهام عالية و علاقات منخفضة |
ن 1 نضج منخفض عدم قدرة، وعدم استعداد أو عدم اطمئنان |
م 2 الإقناعي (الاستشاري) مهام عالية وعلاقات عالية |
ن 2 نضج ما بين منخفض ومتوسط عدم قدرة واستعداد أو ثقة |
م 3 المشارك علاقات عالية و مهام منخفضة |
ن 3 نضج ما بين متوسط وعال قادر ولكنه غير مستعد أو غير مطمئن |
م 4 التفويضي علاقات منخفضة ومهام منخفضة |
ن 4 نضج عال قادر، جدير، ومستعد وواثق |
Source : Hersey, P. and Blanchard, K. H.," Management of Organizational Behavior -utilizing human resources ", Prentice Hall, Englewood cliffs, New. Jersey,3 d ed, 1984, p.,153.
يتضح من الشكل رقم (12) أن هناك أربع أنماط للقيادة الأكثر فاعلية يمكن استنتاجها على النحو التالي:
- عندما يكون المرؤوس غير ناضج، فإن النمط التوجيهي هو الأكثر فاعلية (Effectiveness) حيث يتم التركيز بدرجة عالية على المهام وبدرجة منخفضة على العلاقات لأن المرؤوس لا يستطيع تحمل مسؤولية المهام الوظيفية لعدم كفاءته أو ثقته. ويكون على القائد تعريف المرؤوس بأدواره ومهامه والإشراف عليه إشرافا مباشرًا واتخاذ القرارات بنفسه ومن ثم إخبارها للمرؤوس (المركزية في اتخاذ القرارات).
- عندما يكون المرؤوس غير ناضج بصورة معتدلة، فإن النمط الإقناعي (الاستشاري) هو الأكثر فاعلية (Effectiveness)، حيث يتم التركيز بدرجة عالية على المهام والعلاقات، لأن المرؤوس لا يمتلك القدرة على أداء المهام الوظيفية الضرورية، بل يمتلك الرغبة فقط في ذلك ولأنه متحمس وملتزم فهو يحتاج إلى الدعم المعنوي لتعزيز ثقته بنفسه وإلى التوجيه في اتخاذ القرارات.
- عندما يكون الفرد ناضجًا بصورة معتدلة، فإن النمط المشارك هو الأكثر فاعلية (Effectiveness) حيث يتم التركيز بدرجة منخفضة على المهام وبدرجة عالية على العلاقات، لأن المرؤوس يمتلك القدرة على أداء العمل لكنه ليس لديه الرغبة للقيام بما يطلبه القائد ويكون على القائد أن يسهل المهمة ويشرك المرؤوس في اتخاذ القرارات.
- عندما يكون المرؤوس ناضجًا جدًا، فإن النمط التفويضي هو الأكثر فاعلية (Effectiveness) حيث يتم التركيز بدرجة منخفضة على كل من المهمة والعلاقات. حيث يكون المرؤوس قادرًا على العمل وراغبًا فيه ولكن بإشراف أو دعم معنوي قيادي محدود جدًا. ولكن القائد لا يتخلى عن سلطته وصلاحياته في حل المشاكل واتخاذ القرارات.
وهكذا يتوقع النموذج أنه كلما زاد مستوى نضج المرؤوسين واستعدادهم لإنجاز العمل يتوجب على القائد إعطاء مزيد من الاهتمام بالعلاقات والأفراد، وتقليص اهتمامه بالتوجيه والعمل. وإذا ما بلغ المرؤوسون مستوى من النضج والاستعداد فوق المتوسط فيجب على القائد تقليص نمط سلوكه المتهم بالعمل والعلاقات على السواء (أسلوب التفويض).
ويقترح النموذج أنه بالإمكان تحسين نضج المرؤوسين والنمط القيادي، فللقائد الذي يشخِّص بدقة نضج مرؤوسيه، نموذج موقفي آخر (Has another situational model) لإرشاده أو توجيه سلوكه القيادي إذ أن معرفة القائد للوقت المناسب لتوجيه المهمة وتحديد العلاقات هو بداية التحسن في الأداء وهكذا فإن استخدام هذا النموذج بصورة فعالة يحتاج إلى التعامل القيادي المرن مع جاهزية المرؤوس وقدراته الذي يمكن القائد من تغيير أسلوبه بما يتناسب مع متطلبات الموقف.
ويتميز نموذج هيرسي وبلانشارد Hersey &Blanchard (1984)، بتركيزه على المدى الذي يتيحه النمط القيادي للمرؤوسين في المشاركة في عملية صنع القرارات التي تعتبر من المهام المحورية التي يمارسها القادة والرؤساء على مستويات الإدارة كافة( )، كما تعتبر «جوهر عملية الإدارة»( ) إذ تعد المشاركة في صنع القرارات من الدعائم الأساسية التي يمكن أن تستخدمها الإدارة من أجل إشباع حاجات المرؤوسين، أي المتعلقة بالشعور بأهمية الذات والمنظمة وبتحقيق الإنجاز، وهي تمثل إحدى الاستراتيجيات الرئيسة التي تؤدي إلى زيادة الفاعلية لديهم وقد بين دوبرن أن المشاركة في عملية صنع القرارات تمثل أفضل الطرق لتحرير الطاقات وخلق الحماس والابتكار وجميعها مطلوبة للمنظمة الفاعلة.
ولئن كانت مراحل المشاركة في صنع القرار في نموذج هيرسي وبلانشارد أربعة، (مرتبطة بالأنماط القيادية الأربعة) وهي تتناسب في تطورها الزمني مع نضج المرؤوسين من جهة، ومع المراحل الأربعة للالتزام التنظيمي لدى المرؤوسين من جهة أخرى، فإن اختيار هذا النموذج هو الأنسب لتطبيق البحث عليه.
ولابد من الإشارة في هذا السياق بأن مقارنة هذا النموذج مع النظريات والنماذج القيادية السابقة أثبتت وجود أوجه من الشبه تتجلى على النحو التالي:
أولاً: النمط التوجيهي (الإخباري):
حيث يعتقد كل من هيرسي وبلاشارد Hersey &Blanchard Model (1984) أن المرؤوسين غير قادرين أو غير مستعدين لتحمل مسؤولية إنجاز العمل لهذا، يكون الإشراف المباشر فعالاً لهذا المستوى من نضج الأفراد ولذا فإن هذا النمط من أسلوب التوجيه يتشابه مع:
1- الاهتمام العالي بهيكل العمل والاهتمام الأقل بالعلاقات الإنسانية في دراسة جامعة أوهايو.
2- الاهتمام بالعمل أكثر من الاهتمام بالفرد أو الموظف في نموذج ليكرت Likert (1961).
3- «النمط الأول» من النماذج السبعة في نموذج تانينبوم وشميدت Tannenbaum &Schmidt Model (1958)، أي النمط التسلطي الذي يتخذ القرار ويبلغه لمرؤوسيه.
4- «نمط القائد المتسلط» (9، 1) في نموذج بليك وموتون (1964) Blake &Moton Model الذي يعطي اهتمامه الكلي للإنتاج والعمل ويعطي أدنى اهتمام للعلاقات الإنسانية فيه يكون الاهتمام ببعد كفاءة القرار (نضج المرؤوس)، ويتم التركيز على هذا البعد ولو كان ذلك على حساب العلاقات الإنسانية.
5- «النمط الاوتوقراطي العادل» أو (الخير) في نموذج ريدن Reddin (1970) ذو الأبعاد الثلاثة.
ثانيًا: النمط الاستشاري (الاقناعي):
حيث يوجد المرؤوسين غير قادرين ولكنهم مستعدون لتحمل المسؤولية وهم واثقون غير أنهم في حاجة إلى مهارات، ولذلك يقدم لهم الإقناع سلوكًا توجيهيًا لتطوير قدراتهم ودعمًا لتعزيز استعداداتهم، وبالتالي يتحول القائد في هذه المرحلة من التركيز التام على مهام العمل إلى التركيز على أسلوب المشاركة ويتشابه هذا النمط مع:
1- الاهتمام العالي بكل من هيكل العمل والعلاقات الإنسانية في دراسة جامعة أوهايو.
2- الاهتمام بالعمل والفرد أو الموظف معًا في نموذج ليكرت Likert (1967).
3- «النمط السابع» في نموذج تانينبوم وشميدت Tannenbaum &Schmidt Model (1958)، أي نمط القائد الذي يسمح لمرؤوسيه بالعمل في الحدود المقننة بواسطته.
4- «نمط القائد المثالي» (قائد الفريق) (9، 9) في نموذج بليك وموتون Blake &Moton Model (1964) الذي يهتم بالإنجاز من خلال الأفراد الملتزمين وتفاعل هؤلاء الأفراد وترابطهم بما يؤدي إلى الثقة والاحترام.
5- النمط التنفيذي في نموذج ريدن Reddin (1970) ذو الأبعاد الثلاثة الذي يثق بالعاملين إلى جانب الاهتمام العالي بالإنتاج.
ثالثًا: النمط المشارك:
يتوفر لدى المرؤوسين مستوى من القدرة على أداء مهام العمل لكنهم غير مستعدين لعمل ما يريده القائد، وغالبًا ما يكون عدم استعدادهم نابعًا من حاجتهم إلى الثقة، كما انهم جديرون وغير مستعدين، وفي كلتا الحالتين يحتاج القائد إلى فتح الباب (اتصال ثنائي وإصغاء نشيط) وذلك لتعزيز الثقة بالنفس ويكون التركيز في هذه المرحلة على العلاقات حيث يشعر الفرد بأنه مرغوب فيه وأن هناك حاجة ماسة إليه ويتشابه هذا النمط مع:
1- الاهتمام العالي بالعلاقات والاهتمام الأقل بهيكل العمل في دراسة جامعة أوهايو.
2- الاهتمام العالي بالموظف والاهتمام الأقل بالعمل في نموذج ليكرت Likert (1967).
3- نمط القائد الاجتماعي (رئيس النادي) (1، 9) في نموذج بليك وموتون Blake &Moton Model (1964) الذي يركز اهتمامه الكلي على الناس ومشاعرهم والعلاقات الاجتماعية، ويعطي اهتماما أقل للإنتاج والعمل.
4- «النمط المنمي» (المطور) في نموذج ريدن Reddin (1970) الذي يسعى إلى إيجاد جو من التعاون في العمل، بما يساعد على إيجاد أقصى قدر من الدافعية والتحفيز والرضا بين العاملين.
رابعًا: النمط التفويضي:
يكون المرؤوسون مستعدين وقادرين على تحمل المسؤولية، لذلك فإن النمط التفويضي الذي يقدم توجيهًا ودعمًا معنويًا قليلين يكون فعالا مع الأفراد في هذا المستوى من النضج وفي الوقت نفسه يكون هؤلاء المرؤوسين ناضجين نفسيًا وليسوا بحاجة إلى سلوك تأييدي لتعزيز ثقتهم بأنفسهم ويتشابه هذا النمط من حيث الاهتمام المنخفض بالعمل والعلاقات مع:
5- الاهتمام المنخفض بهيكل العمل والعلاقات في دراسة جامعة أوهايو.
6- «القائد المنسحب» (1، 1) في نموذج بليك وموتون Blake &Moton Model (1964).
7- «النمط البيروقراطي» في نموذج ريدن Reddin (1970).
لم يتعرض نموذج تانينبوم وشميدت Tannenbaum &Schmidt Model إلى هذا النمط الذي ينخفض فيه الاهتمام بالعمل والعلاقات. وإذا كانت النظريات الغربية للقيادة الإدارية وأنماطها، التي صدرت في سبعينيات القرن العشرين تؤكد أهمية إشراك العنصر البشري في العملية القيادية فقد شاع في تلك الفترة مصطلح أخر للقيادة الإدارية يؤكد هذه الأهمية، هو «الإدارة بالمشاركة» لكنه ينطوي- بالمقابل -على العديد من إيجابيات القيادة الإدارية وسلبياتها في اهتمامها بإشراك العنصر البشري في اتخاذ القرارات.
الإدارة بالمشاركة (Participative Management) 1980
مصطلح معاصر، صدر عن جامعة ميتشغان عام 1980، وانبثق من مفهوم القيادة الديموقراطية في الإدارة، مع سيطرة الفكر الشيوعي على العالم في سبعينيات القرن العشرين وثمانيناته، وهو نموذج اقتصادي تحرري يساري تقوم فلسفته على اشتراك الرئيس والمرؤوس في المستويات الإدارية والتنفيذية في العملية الإدارية بطريقة مباشرة.
الآثار السلوكية للإدارة بالمشاركة:
يترتب على الإدارة بالمشاركة، بعض الإيجابيات والسلبيات التي يمكن إبرازها على النحو التالي:
2- إيجابيات الإدارة بالمشاركة:
- إشعار المرؤوسين بأهميتهم والحصول على أفضل ما لديهم من طاقات وإمكانات، إذا أن المرؤوسين - وبحكم موقعهم التنفيذي- أقدر من الإدارة العليا للمؤسسة في التنبؤ بالمشكلات التي قد تتحول إلى أزمة. ومن ثم فالإدارة الفعالة هي التي تسمح للمرؤوسين بتقديم مقترحاتهم التي غالبًا ما تكون بناءة. وفي ذلك أيضًا تقليل لضغوط المرؤوسين، لأنه لا شيء بسبب الضغوط أكثر من معرفة حل المشكلة، وعجز المرؤوسين عن إيجاد شخص مسئول يستمع إليه وإلى مقترحاته التي قد تكون إيجابية للغاية.
- إشباع غريزة الشعور بالأهمية والتقدير واحترام الذات والوظيفة لدى المرؤوسين.
- إتاحة الفرصة للمدير اكتشاف المرؤوسين ذوي الأفكار الجادة وتنمية مواهبهم.
- زيادة الكفاءة الإنتاجية، وتحسين الجودة في الإنتاج.
- زيادة الإحساس بالمسؤولية لدى المرؤوسين تجاه المؤسسة التي يعملون فيها، والتي شاركوا في وضع سياساتها وأهدافها وقراراتها.
2- سلبيات الإدارة بالمشاركة:
- قد تؤدي الإدارة بالمشاركة إلى إهداء الوقت والجهد إذا ما افتقد المرؤوسون المستوى العلمي الثقافي المناسب لتداول الآراء وعرض المقترحات.
- قد تؤدي الإدارة بالمشاركة إلى سوء تقدير الإدارة العليا أو المرؤوسين، لكفاءة المدير أو لنواياه في مؤسسة يسود فيها الاستبداد وتدني مستوى الوعي الثقافي، فقد يعتبر بعض المرؤوسين هذا النوع من الإدارة مكيدة مدبرة، خاصة إذا ما كانوا يحتفظون بذكرى بعض المواقف الأليمة من قبل الإدارة السابقة أو المدير السابق.
- ضرورة حرص المدير على الحفاظ على مركزه بالمشاركة الاجتماعية في المؤسسة، لأن الإدارة تؤدي إلى الاحتكاك الاجتماعي المباشر والمستمر بين المدير والمرؤوسين، الأمر الذي قد يؤدي إلى إزالة الكلفة بين الطرفين، إلى حد ينتفي فيه الدور الرسمي للمدير.
- وجود مرؤوسين مفرطين في الطاعة للمدير، وآخرين مفرطين في العداء له، ومن ثم، فإن انتهاج أسلوب الإدارة بالمشاركة قد لا يحقق الأهداف المرجوة منه.
- فقدان الرغبة لدى بعض المرؤوسين في الاشتراك في الرأي الجماعي، لعدة أسباب منها، اعتقادهم بأن عطاءهم أكبر من مكافأتهم التي تمنحهم إياها المؤسسة، أو لقلة اهتمامهم بمشكلات المؤسسة أو الإدارة التي يعملون فيها.
النمط القيادي المثالي في النظريات الغربية:
من خلال استعراض النماذج القيادية المتعددة، وعلى ضوء الظروف المحيطة بالعمل في المنظمة، والمتمثلة في اختلاف نوعية الأفراد، والكفاءة الإدارية، والتاريخ القيادي، يبرز السؤال عن: ما هي الأنماط القيادية الأكثر فاعلية؟
انتهت دراسات «بليك وموتون» Blake &Moton Model (1964) التي ظهرت نموذجها «شبكة الأنماط القيادية» (The Managerial Grid) إلى أن أفضل نمط قيادي هو الذي يهتم كثيرًا بالعمل وبالعلاقات في الوقت نفسه، وأن أسوأ نمط قائدي هو الذي يكون اهتمامه بالعمل وبالعلاقات قليلا في الوقت نفسه.
بينما انتهت فيه دراسات «ليكرت Likert (1967) في جامعة «متشيجان (Michigan) إلى أن القادة المهتمين بالعلاقات أكثر من اهتمامهم بالعمل، هم القادة الذين يحققون نتائج أفضل. ولكن النتائج التي توصل إليها تثير عدة أسئلة، حول إمكانية وجود نمط نموذجي واحد لكل الظروف، حيث ظهر في دراساته، أن بعض القادة، الذين كان اهتمامهم بالعمل أكثر من اهتمامهم بالعلاقات، كانوا ذوي فاعلية كبيرة.
وحدد «وليام ريدن Reddin (1970)، أربعة أنماط أساسية للقيادة، ترتبط بالعمل والعلاقات بالمرؤوسين. وميز بين الأنماط الملائمة للمواقف المختلفة، ولكنه لم يذكر النمط المثالي الوحيد، الذي يمكن اعتباره الأصلح في كل المواقف، بل أثبت أن الفعالية تنتج، من ملائمة النمط الأساسي للموقف.
وتضمن نموذج فيدلر Fidler (1967) تعريفات متباينة لفعالية القائد التي تقاس من خلال المدى الذي تنجز فيه المجموعة عملها وصنف نوع المواقف أو الظروف التي تحدد أنماط القيادة الأكثر فاعلية في المواقف التالية:
- النمط القيادي المهتم بالعمل هو الأكثر تأثيرًا من النمط القيادي المتهم ببناء علاقات شخصية وذلك في المواقف المفضلة.
- النمط القيادي المهتم ببناء علاقات شخصية هو أكثر تأثيرًا من النمط القيادي المتهم بالعمل وذلك في المواقف المعتدلة.
- النمط القيادي المهتم بالعمل أكثر فاعلية من النمط المهتم ببناء علاقات شخصية في المواقف غير المفضلة.
وانتهت دراسات هاوس House (1971) إلى التركيز على سلوك القائد وليس على القاعدة التحفيزية للفعل، وتم تعريف النمط القيادي الفعال في نظرية المسار والهدف من خلال الحالات النفسية للأتباع وليس من خلال إنجازهم للمهمة، أي أن سلوك القائد ودرجة فعاليته تتوقف على تحسينه لرضا الأتباع عن العمل (Job Satisfaction) فكلما كانت درجة رضا الأتباع عالية على سلوك القائد فإنما تعمل بدورها على تعزيز دافعية الأتباع للعمل.
وتميز النمط القيادي الفعال في نموذج هيرسي وبلانشارد Heresy & Blanchard (1972) بارتباطه بمدى نضج المرؤوسين وجهود القائد بالوصول بهؤلاء المرؤوسين نفسيًا ومهنيًا إلى مستوى المشاركة في عملية صنع القرار، التي تعتبر جوهر العملية الإدارية وقد اقترح النموذج أربعة أنماط قيادية هي بدورها مطابقة للمراحل الأربع في الالتزام التنظيمي ولذا يعتبر اختيار هذا النموذج ملائمًا لتطبيق هذا البحث على الوزارات الفلسطينية في قطاع غزة.
يتضح من العرض السابق، أنه لا يوجد نمط معين من القيادة، هو الأفضل بصورة مطلقة. وكل نموذج قيادي خاص، له مزايا وعيوب، والنموذج الذي يلائم مواقع تنظيمية معينة قد لا يلائم مواقع أخرى كما أن الأفراد، الذين يتميزون بخصائص خاصة، سواء في درجة الثقافة، أو الخبرة أو المهارة أو الرغبة في تحمل المسؤولية، يؤثرون في تحديد النمط المناسب. كما أن لمفهوم القائد وخصائصه، تأثيرًا فعالاً في أسلوب قيادته.
وعليه يمكن القول أن «النمط القيادي الفعال» (Effective Leadership Pattern) في الدراسات الغربية التي وضعت نظريات القيادة وأنماطها، يختلف باختلاف الموقف، ويرتبط بالعناصر التالية:
أ- خصائص القائد
تعد خصائص القائد، من المتغيرات الرئيسة المحددة لنموذج القيادة. ومن الطبيعي أن يتبع القائد النموذج، الذي يتلاءم مع مفهومه ومعتقداته ورؤيته. فالقائد القوي، الذي يثق في نفسه لكنه لا يثق في قدرات مرؤوسيه، يلائمه النمط الأوتوقراطي كما أن لخبرة القائد ومعرفته تأثيرًا على نمطه. فالقائد الذي لديه خبرة واسعة بمجال العمل، قد لا يقبل رأي معاونيه أو مشورتهم.
وتعد رؤية القائد لنفسه ولمرؤوسيه، من الجوانب المهمة، التي تحدد أسلوب قيادته. فالقائد العسكري، قد يغير من أسلوب إدارته، إذا ما أشرف على مجموعة من العلماء، أو موظفي الحكومة، أو الشركات، كما أن استقرار المركز التنظيمي الذي يشغله القائد، قد ينعكس على نمط قيادته. فالقائد المترقي حديثًا إلى وظيفة، قد يكون أكثر تشددًا وتمسكًا بالسلطة، عن آخر يحتل مركزه منذ فترة طويلة، والذي يرى أن مشاركة المرؤوسين، لا تقلل من مقدرته القيادية.
والقائد المنتخب، عادة، يشترك مع من يقودهم في أكبر عدد من الصفات، كما يشترك مع تابعيه في اهتماماتهم. أما إذا كان القائد معينًا، فإن موقفه يكون دقيقًا، لأنه مطالب في الآن نفسه بخدمة أهداف من عينه، وبتحقيق أهداف تابعيه ومن ثم، فهو يكون مطالبًا بتحقيق توازن تام بين هذين الاتجاهين وقد أثبتت التجارب أن القائد، الذي يشغل منصبه بالتعيين، لا يستطيع ممارسة دوره القيادي، قبل أن يصبح فردًا من أفراد الجماعة بمعنى قبوله لتقاليدها، التي تكونت قبل انضمامه إليها. وهذا يؤكد أنه، وإن كان أقوى من أي فرد في المنظمة، إلا أنه أضعف من الجماعة التي تشكِّل وحدة متكاملة. وبعبارة أخرى تكون العلاقة بين القائد وتابعيه، ذات تأثير متبادل، تجعل القائد يتقبل الجماعة، قبل أن تتقبله هي بدورها.
ب- خصائص المرؤوسين
يختلف المرؤوسون فيما بينهم، سواء من ناحية مهاراتهم، أو قدراتهم، ورغبتهم في المشاركة وتحمل المسؤولية. فإن كانوا -مثلاً- يتمتعون بمهارات عالية، وثقافة مرتفعة، فإن ذلك يتيح لهم القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات، مما يؤدي إلى اتباع القائد نمطًا في القيادة، يتلاءم مع هذه الخاصية المتمثِّل بالنمط الديموقراطي. ومن ناحية أخرى، قد لا يكون المرؤوسون على دراية وخبرة، تسمح لهم بالمشاركة، وبعضهم لا يرغب في تحمل المسؤولية، ويتجنبها بقدر الإمكان، ولذلك قد يكون النمط المناسب، هو النمط الأوتوقراطي.
ج- طبيعة المناخ
تؤثر المواقف وطبيعتها على نمط القيادة المناسب فالمواقف المعقدة مثلا، التي تحتاج إلى رؤية أكثر من شخص لفهمها وتحليلها، يلائمها، عادة، نموذج القيادة التشاوري أو المشارك، في حين أن المواقف العادية والمتكررة، قد يلائمها النمط الأوتوقراطي كما أن الوقت، الذي يحدث فيه الموقف، ومدى الحاجة إلى سرعة اتخاذ القرار، ينعكس بشكل واضح على نموذج القيادة المناسب. ففي حالة إنجاز مهمة تؤثر على مركز المؤسسة، قد يلائمها النمط الأوتوقراطي، خلافًا لإجراء بحث يستمر عدة سنوات، قد يكون النمط الملائم له هو النمط الديموقراطي.
النمط القيادي المثالي في الإسلام:
لئن كانت نظريات القيادة الإدارية وأنماطها في المدارس الغربية قد عجزت عن إيجاد نموذج قيادي مثالي صالح لكل مكان وزمان، فإن ديننا الإسلامي الحنيف قد وفر لنا مجموعة الأسس والمبادئ التي تجعل القيادة الإدارية قادرة (بإذن الله) على استثمار طاقات البشر فيما يعود بالخير والنفع على الإنسانية جمعاء، والتي يمكن عرض بعضها فيما يلي:
1- حُسن الاختيار والتدقيق في المفاضلة بين الراغبين في العمل، والبحث عن الإنسان ذي المواصفات والقدرات والخصال الطيبة الذي يتمتع بخلق المسلم ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ .
2- التعليم والتدريب والتهيئة للعمل، وإسداء النصح وبيان سلوك العمل المطلوب، وتوضيح معايير وأشكال الثواب والعقاب. يقول الإمام علي بن أبي طالب في وصيته لمالك الأشتر حين ولاه على مصر «واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق».
3- الحفز والتشجيع، والقيادة والتوجيه، والمساندة والرعاية لتجنيبه الأخطاء وتبصيره بمواطن الضعف في أدائه، وتقديره لمواطن القوة والتميز في أدائه. يقول الإمام علي بن أبي طالب في وصيته المشار إليها «فأفسح في آمالهم، وواصل في حسن الثناء عليهم، وتعديد ما أبلى ذو البلاء منهم، فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع، وتحرض الناكل».
4- التقييم العادل والموضوعي للأداء وبيان مجالات التحسين والتطوير اللازمة، وتقدير نماذج التميز والتفوق، وتمكين الفرد من الإبداع والابتكار في العمل. يقول الإمام علي بن أبي طالب في وصيته «ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه ما كان صغيرًا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيمًا».
5- التعويض العادل للجهود التي يبذلها الفرد في عمله، ومكافأته ماليًا ومعنويًا عن إنجازاته فور تحققها يقول الحديث النبوي الشريف «أعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه»، وكما جاء في وصية الإمام علي «ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك».
ولكي تتحقق فعالية القيادة الإدارية في التأثير على العاملين، لا بد للقادة من التمسك بمبادئ الإسلام والتحلي بأخلاقه والتي يكتمل بها إيمان المسلم وأهمها:
1- الصدق: حيث يقول الحق تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
2- الوفاء: وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
3- الأمانة: يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين».
4- الإخلاص: يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- «أخلص دينك يكفك العمل القليل، إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى أصولكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
5- القوة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان».
6- التكاتف والعمل في جماعة، المسلم جزء من جماعة المسلمين، ويزكي الإسلام العمل الجماعي ويجعله مفضلا على العمل الفردي حتى في العبادات فالله سبحانه وتعالى يخاطب عباده دائمًا في صيغة الجمع ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾.
7- إعمال العقل واستثمار العلم، يقول العقاد «التفكير فريضة إسلامية»، والإسلام يأمرنا بالتعقل والتفكر والتدبر حتى في أمور العقيدة لكي يكون الإيمان السليم مؤسسًا على العقل والاقتناع وكان الأمر الإلهي للرسول العظيم صلى الله عليه وسلم أن ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
8- الانتفاع بالوقت والاتعاظ بالزمن، الإسلام دين يعي هذه الحقيقة ويسير على هداها ليحقق الفوز والتميز بإذن الله يقول الله عز وجل ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾( )، كما يقول سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾، ويقول الحق ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾، ويقول الحق تبارك وتعالى في شأن الاتعاظ بما حدث للأقوام الأخرى ﴿أَلمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
الخلاصة:
بعد هذا العرض لنظريات القيادة الإدارية وأنماطها لعل من الأهمية بمكان، التنويه بأن نموذج، هيرسي وبلانشارد Hersey &Blanchard (1969)، كان فكرة ثورية، لأنه حقق انتقاله نوعية في الإدارة الحديثة من خلال الاهتمام بآدمية الإنسان وتنميتها، أي إشباع حاجاته الاجتماعية والنفسية وتطوير قدراته إذ أن البدايات الأولى للإدارة التي شهدها القرن العشرين، والتي زعمت أنها توجه جهودها للاهتمام بالعنصر البشري، «كحركة العلاقات الإنسانية»، لم تهدف إلى تنمية آدمية الإنسان وغرس ثقته بنفسه ورفع روحه المعنوية نحو أعلى درجات الفخر والاعتزاز بالذات، بل إلى استغلال هذا الاهتمام بالعنصر البشري (العامل) وروحه المعنوية من أجل هدف أساسي يتصل بالإنتاجية وزيادتها وهذا ما أبقى حركة العلاقات الإنسانية في دائرة النظريات التقليدية، مع أن ميلاد هذه الحركة وتزايد العمل بها إنجاز إيجابي بحد ذاته. فعلى عكس النماذج السابقة من القيادة، حيث كان يتوقع من الموظفين تكييف أنماط العمل حسب أسلوب قائدهم، يقترح هذا النموذج أن على القادة تعديل أساليبهم طبقًا لحاجات الموظفين وقدراتهم بشكل خاص إذ يفيد هذا النموذج أن على القادة أن يكونوا مدركين لرغبة موظفيهم وقدراتهم على أداء المهمة، وهو لا يكتفي بربط الأداء بالحوافز المادية فقط، كما هو شأن «نظرية المسار والهدف» هاوس House (1971)، فإذا ما انقطعت الحوافز زال الالتزام التنظيمي، بل إن نموذج هيرسي وبلانشارد Hersey& Blanchard (1969)، يسعى إلى إشراك المرؤوسين في العملية القيادية بما يبي احتياجاتهم واحتياجات التنظيم معًا وبالدرجة القصوى سواء كانت هذه الاحتياجات مادية أو معنوية وفي تحملهم لمسؤولية قراراتهم الجماعية، والتزامهم بأهداف التنظيم ومصالحه وذلك في محاولات هذا النموذج توفير رؤى مهمة للقيادات الإدارية، الذين عليهم أن يكونوا مرنين بشكل كاف لتغيير أسلوبهم القيادي (الأبوي) مع مراحل نضج مرؤوسيهم (أبنائهم) في عملية اتخاذ القرارات وآليات تنفيذها، وخلق الرغبة أو الدافعية العالية لديهم نحو العمل والتنظيم الأمر الذي يؤدي بهم إلى تحقيق الالتزام التنظيمي الحقيقي المرجو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: أبو ندا، سامية خميس، رسالة ماجستير بعنوان: تحليل علاقة بعض المتغيرات الشخصية وأنماط القيادة بالالتزام التنظيمي والشعور بالعدالة التنظيمية - دراسة ميدانية على الوزارات الفلسطينية في قطاع غزة- قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول
على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية- غزة - عمادة الدراسات العليا - كلية التجارة - قسم إدارة الأعمال لعام 1428هـ/ 2007م.