القيادة: تعريفها، أهميتها وعناصرها
Leadership: Definition, Importance and Elements
أولاً: تعريف القيادة:
يجمع خبراء الإدارة على أن موضوع القيادة من أهم مبادئ العلوم الإنسانية ذات الطبيعة الإدارية. ورغم تعدد البحوث والدراسات في هذا الموضوع، إلا أّنه لم يستقر رأي العلماء والباحثين في مجال الإدارة على وضع تعريف جامع لمفهوم القيادة، إذ يلاحظ وجود تشابه بين محاولات تعريف القيادة، أبرزها أن القيادة مشتقة من الفعل (قاد) أي قام بعمل للوصول بالجماعة إلى الهدف المنشود، وبذلك فإن «القيادة هي علاقة بين قائد ومقودين، فالقائد هو الذي يصدر الأوامر، والمقودون هم الذين ينفذون أمر قائدهم بالعمل الذي يوصلهم لتحقيق الأهداف التي يسعون إليها» لذا تعتبر القيادة وفقًا لهذا المفهوم، عملية رشيدة ذات طرفين، أحدهما يوجه ويرشد، وثانيهما يستقبل التوجيه والإرشاد لتحقيق أغراض معينة.
والقيادة بهذا المعنى، عملية تأثير في سلوك الأفراد بما يكفل تحقيق الأهداف، ويتطلب ذلك أن يكون القائد بارعًا في القيادة لخلق نوع من التبعية نحو المقودين وإقناعهم واستمالتهم، لذا يمكن اعتبار القيادة «عملية التأثير على الآخرين بشكل يجعلهم يسلكون سلوكًا يتفق مع تصورات الشخص المؤثِّر لقناعتهم بسداد رأيه وقوة حجته وسلامة منطقه».
وُتعرف القيادة أيضًا بأنَّها «قدرة الفرد في التأثير على شخص أو مجموعة، وتوجيههم من أجل كسب تعاونهم وحفزهم على العمل بأعلى درجة من الكفاية في سبيل تحقيق الأهداف المرسومة». لذلك، فإن القيادة تعمل في مجال تنمية القدرة لدى الفرد على تفهم مشاكل المرؤوسين وحفزهم على التعاون في القيام بالأعمال الموكولة إليهم وتوجيه طاقاتهم واستخدامها إلى أقصى درجة ممكنة من الكفاية، كما تعرف بأنَّها «المقدرة على التأثير في سلوك أفراد الجماعة وتنسيق جهودهم وتوجيههم لبلوغ الغايات المنشودة»، فالقيادة إذن، ليست مجرد إصدار الأوامر والتأكد من تنفيذها، بل هي أيضًا حفز الأفراد على العمل، وتنمية روح الجماعة فيما بينهم وإثارة حماسهم ليبذلوا أقصى جهودهم للحصول على أعلى مستوى يمكن الوصول إليه.
ويتم تعريف القيادة أيضًا باعتبارها «تأثيرًا شخصيًا متبادلاً، يظهر بوضوح من خلال وسائل الاتصال بين الرئيس والمرؤوس نحو تحقيق الأهداف المنشودة»، ويتم التوسع بمفهوم القيادة بصفتها «القدرة على التأثير في آخرين من خلال الاتصال، ليسعوا بحماس والتزام إلى أداء مثمر، يحقق أهدافًا مخططة».
كما يتم تعريف القيادة باعتبارها أيضًا «الركيزة التي يتم عليها التوازن بين حاجات كل من الفرد والمنظمة التي يعمل بها»، ويبدو من هذا التعريف تأكيد ضرورة قيام علاقة من شأنها تحديد التوازن بين الأهداف التي يرغب الفرد في تحقيقها من عمله في المنظمة وبين أهداف المنظمة نفسها ممثلة في شخص القائد.
ويرتبط تعريف القيادة بالسلطة الرسمية بصفتها «نشاطًا إيجابيًا يقوم به شخص تتوافر فيه السمات القيادية، ليشرف بقرار رسمي على مجموعة من العاملين لتحقيق أهداف واضحة بوسيلة التأثير والاستمالة أو استخدام السلطة بالقدر المناسب وعند الضرورة». ويعني هذا التعريف أن شخصًا لا يمكن أن يقود إذا لم يتواجد أناس تابعون له، جماعة أو فريقًا، وأن القيادة تتضمن ممارسة مهارات التأثير على سلوكيات التابعين وصولا لأداء مثمر يحقق أهدافًا معينة، وأن هذا التأثير يتم من خلال الاتصال حيث تتفاعل القدرات العقلية والخصائص السلوكية لكل من القائد وتابعيه، وحيث يستطيع القائد الناجح أن يزرع الحماس في نفوس مرؤوسيه، ويطور معارفهم ومهاراتهم وينمي قدراتهم ليزيد ثقتهم في أنفسهم، مما يؤدي إلى حماسهم وولائهم.
ولذا يمكن القول بأن القيادة بمفهومها العام، هي القدرة على التأثير في سلوك أفراد الجماعة وتنسيق جهودهم، وتوجيههم لبلوغ الغايات المنشودة، مما يعني أن القيادة ترتبط أكثر بالتأثير بالجماعة أو الأفراد أكثر من ارتباطها بالوظيفة التي يشغلونها، وهي تعتمد على مفهوم السلطة الشخصية أكثر من السلطة الرسمية.
وإذا كان مفهوم القيادة بمعناها العام يعني العمل مع الآخرين والتأثير فيهم، لتحقيق أهداف معينة، إلا أن نوع القيادة يختلف باختلاف النشاط الذي تمارسه الجماعة المنظِّمة، فهناك قيادة سياسية إدارية وقيادة عسكرية، وعليه يوصف الشخص الذي يوجه نشاطًا معينًا بنوع النشاط الذي يوجهه، فيقال القائد السياسي، والقائد الإداري والقائد العسكري، وكما يرتبط نوع القيادة بنوع النشاط، يرتبط – أيضًا- بدرجة التأثير المطلوبة، ونوعية الأهداف المراد تحقيقها، فمفهوم القيادة واحد، ولكن أسلوب القيادة هو الذي يختلف من مؤسسة إلى أخرى، تبعًا لنوع نشاطها وطبيعة الهدف المراد تحقيقه وظروف البيئة التي تعمل فيها، ومدى توفر الإمكانيات المادية والبشرية، وفيما يلي عرض لأهم هذه القيادات:
1- القيادة الإدارية:
تحتل القيادة الإدارية أهمية خاصة في دراسات الإدارة المعاصرة لما لها من تأثيرات مهمة في كافة عناصر المنظمات، ولقدرتها في التأثير على سلوك الموارد البشرية بما يحقق أهداف المنظمات».
ومفهوم القيادة الإدارية، مشتق من المفهوم الأصلي للقيادة، وإن كان يركز على التفاعل بين القائد والعملية الإدارية، ولذا فإن القيادة تختلف عن القيادة الإدارية في تمحور الأخيرة حول النشاط الإداري الذي يتم في إطار من التنظيم الإداري، بينما تتجه القيادة إلى التركيز على عملية التأثير في نشاطات الأفراد وسلوكهم لتحقيق الأهداف التي يرسمها القائد.
وعليه تعرف القيادة الإدارية بأنها «عملية التأثير التي يقوم بها المدير في مرؤوسيه لإقناعهم وحثهم على المساهمة الفعالة بجهودهم في إدارة النشاط التعاوني». ويضيف «وايت» white (1980) إلى محاولات الإقناع والحثِّ في القيادة الإدارية، «ضرورة قيام القائد بتوجيه وتنسيق ورقابة أعمال الآخرين في الإدارة».
ويرى هنت ولارسون Larson&Hunt (1977) بأن القيادة وسيلة يتمكن بواسطتها المدير من بث روح التآلف والتعاون المثمر بين الموظفين في المنظمة من أجل تحقيق الأهداف المشروعة» وتعرف القيادة الإدارية أيضًا بأنها «عملية تأثير شخصي يمارس في موقف معين، ويدار عن طريق الاتصالات نحو الوصول إلى هدف معين أو محدد. فالقيادة تمثل محاولة من جانب القائد الذي يؤثر في السلوك العام للتابعين». ويشير مفهوم القيادة الإدارية أيضًا إلى «محصلة التفاعل بين خصال شخصية القائد، وخصائص الأتباع، وطبيعة المهمة، وسمات النسق التنظيمي، والسياق الثقافي المحيط بالمنظمة».
كما تعرف القيادة الإدارية بأنها «صلاحية الشخص المنتخب من قبل الجماعة أو المعين من خارجها بمقتضى القوانين واللوائح لاتخاذ قرارات فعالة تستهدف تحقيق التوازن بين المنظمة وإشباع رغبات التابعين بما له من مقدرة على التأثير والإقناع مستخدمًا في ذلك أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية لتحقيق أكبر إنتاجية ممكنة».
ويمكن اعتبار القيادة عملية إنسانية فكرية، تعتمد على التوجيه والتأثير من أجل حفز الآخرين وتمكينهم من تحقيق أهداف المنظمة باستثمار الفرص المتاحة والتعامل الإيجابي مع المخاطر والمهددات المحيطة».
ويعتبر السلمي (2002) أن القيادة محدد هام للسلوك التنظيمي، وهو يتبنى معنى الريادة (Coaching) في مفاهيم القيادة الحديثة، أي تأثير القائد في تابعيه بالإقناع والتوجيه وإعطاء المثل والقدرة والحفز الإيجابي، وينهى عن الضغط والإجبار والتخويف والوعيد (Coercing) الذي يمارسه بعض المسئولين رغبة في تحقيق انصياع العاملين لتوجيهاتهم».
وخلاصة القول، فالقيادة الإدارية هي القيادة التي يكون فيها المدير قائدًا، ومرءوسوه هم أعضاء الجماعة التي يتولى قيادتها، ولذلك فلابد للقائد الإداري أن يدرس أدوار الجماعة وأهدافها، ويوجهها بالأسلوب الديموقراطي، إذ أن التنظيم وحده مهما بلغت دقته لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق الأهداف التي تصبو إليها منظمة العمل ما لم يصحبه ارتفاع الروح المعنوية، والإحساس بالولاء لدى فريق العمل، مع الرغبة الصادقة في التعاون مع القائد الإداري، مما يؤدي بالتالي إلى حسن الأداء، وهذا الحماس من جانب المرؤوسين في حاجة إلى القوة القادرة على توجيهه في الاتجاه الصحيح، أي أن أسلوب الإشراف هو الذي يحدد حجم المردود من الكفاية الإنتاجية. ومن هنا تبرز أهمية القيادة الإدارية التي تستهدف التأثير في سلوك الأفراد بما يكفل تحقيق الهدف، ويتطلب ذلك أن يكون القائد بارعًا في القيادة لخلق صلة من التبعية له، وإقناع المرؤوسين واستمالتهم.
وعليه يمكن حصر أهم أسس القيادة الإدارية فيما يلي:
- إعطاء المرؤوسين قدرًا أكبر من الحرية في وضع خطة العمل وتحديد الأهداف.
- الحفاظ على تماسك الجماعة وتضامنها وقوة بنائها.
- القيادة المتمركزة حول الجماعة.
2- القيادة العسكرية:
هي فن التأثير في الرجال وتوجيههم نحو هدف معين بطريقة تضمن طاعتهم واحترامهم وولائهم وتعاونهم من أجل إحراز النصر في المعركة، أو تحقيق هدف أو غرض محدد، وهذه القيادة تعتمد على نوعين من القيادة هما:
- القيادة الإقناعية: وتعتمد على قدرة القائد ومهارته في إقناع من هم تحت إمرته، ويتميز هذا النوع من القيادة العسكرية بسيادة روح المحبة والتعاون والإقبال على العمل وحسن التصرف.
- القيادة الإرغامية: وتعتمد على قوة القائد وإحكام سيطرته على من هم تحت إمرته، وغالبًا ما ينتج عن هذا النوع من القيادة انعدام الرضا والجمود والشعور العدائي تجاه القائد وسيادة الروح السلبية الانهزامية.
3- القيادة السياسية أو الرئاسة:
أ- تعريف الرئاسة:
يقصد بالرئاسة النشاط الخاص بمباشرة مهام وظائف التنظيم، اعتمادًا على السلطة الرسمية الممنوحة لها من سلطة أعلى، وغالبًا ما تكون ممارسة السلطة وفق نوع سلطة الجزاء، فكأن الرئاسة، هي تعبير عن العلاقة الرسمية بين الرئيس ومرءوسيه، فالرئيس، بحكم السلطات الممنوحة له، هو الذي يصدر الأوامر إلى مرءوسيه الذين يتوجب عليهم الالتزام، وإن خالفوا تعرضوا للمساءلة، لأن الرئيس مفروض على الجماعة الذين يتقبلون رئاسته وسلطاته خوفًا من العقاب».
ومما لا شك فيه، أن من بين أقدم الأنواع المعروفة في التنظيمات المختلفة «التنظيم العسكري».
وفي هذا التنظيم طبق الأسلوب الرئاسي، حيث يصدر الرئيس الأمر إلى تابعيه ويكون عليهم السمع والطاعة، ويكون على الرئيس التأكد من أن مرؤوسيه قد نفذوا هذه التعليمات.
ب- الفرق بين القيادة والرئاسة:
تعامل الفكر الإداري في مراحله المبكرة، مع القيادة والإدارة باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، لذلك لم يكن هناك تفرقة بين المدير (الرئيس) والقائد، باعتبار الوظيفة هي الوسيلة لتسلق السلم الاجتماعي، للحصول على السلطة والقدرة على التحكم، ومرد ذلك الخلط، أن المناصب القيادية والرئاسية تشترك في بعض الخصائص المهمة، فكلاهما يتطلب مركزًا أعلى من عضوية الجماعة، وهما يعنيان بالنسبة للأشخاص الذين يشغلون مناصب القيادة أو الرئاسة، سلطة أبعد من سلطة باقي أعضاء الجماعة، إلى جانب أنَّهما يقترنان، عادة، بدخل مادي أكبر».
إلا أن هذا المفهوم سرعان ما تغير، وأمكن التمييز بينهما على أساس أن «الرئيس هو الشخص الذي يشغل مركز المسؤولية في المنظمة، ويختص بالإشراف على أداء العمل، طبقًا للتعليمات الموضوعة، ويسعى إلى تحقيق الأهداف المحددة بواسطة مرؤوسيه، ويعتمد كثيرًا على السلطة المفوضة إليه من سلطة أعلى، تلك السلطة التي يباشر فيها مهام وظيفته وهو في هذا يعد مفروضًا على الجماعة.
أما «القائد فهو الشخص الذي يملك مقدرة التأثير على سلوك الجماعة، ويستمد سلطاته من الجماعة نفسها نتيجة التأثير في سلوكها، بما يمكنه من الحصول على طاعتهم واستجابتهم له. بناء على ذلك، فإن الطاعة في العلاقة القيادية أساسها تقبل الجماعة للقائد، بينما الطاعة في العلاقة الرئاسية، مفروضة من الرئيس على الآخرين، بحكم منصبه الرسمي».
وعليه فقد يكون الرئيس قائدًا وقد لا يكون، والحالة الأخيرة تهدد المنظمة بخطر كبير، لأن الرئيس – كما ذكر – يعتمد على سلطة منصبه، وإصدار الأوامر والتعليمات، وهذا لا يؤدي بالضرورة إلى إنجاز الأعمال على أكمل وجه، وقد يصعب إتمامها على الإطلاق فإذا فشل المديرون في أن يكونوا قادة، اضطر المرؤوسون إلى إيجاد قادة غير رؤساءهم وغالبًا ما يكون ذلك متعارضًا مع أهداف المنظمة، مما يؤدي إلى ظهور الصراع والخلافات.
ولذلك، قد يكون القائد العسكري، فقط رئيسًا عسكريًا، وقد يكون القائد السياسي فقط رئيسًا سياسيًا، فالعبرة ليست بالتسمية، وإنما بالصفات القيادية التي يتميز بها، وطبيعة العلاقة بينه وبين مرءوسيه.
وقد لخص «جب» Gibb (1989) الذي يعتبر من أوائل المنادين بالتمييز بين مفهومي القيادة والرئاسة، النقاط الأساسية التي تستدعي هذا التفريق والتمييز وهي:
1- يتم تقلُّد موضع الرئاسة من خلال نسق منظَّم وليس من خلال الاعتراف التلقائي من أفراد الجماعة، أو إسهامات الفرد في أنشطتها كما في حالة القيادة.
2- يحدد الرئيس أهداف الجماعة تبعًا لاهتماماته، وليس لأفراد الجماعة دور في تلك العملية.
3- لا يوجد في حالة الرئاسة مشاعر مشتركة أو إحساس بالتضامن بين أفراد الجماعة.
4- توجد فجوة اجتماعية في حالة الرئاسة بين أعضاء الجماعة والرئيس الذي يسعى للاحتفاظ بتلك الفجوة لتساعده على إحكام السيطرة عليهم.
5- اختلاف مصدر السلطة حيث أن سلطة القائد تنبع من أفراد الجماعة، وأما سلطة الرئيس فتستمد من قوى خارج الجماعة تتمثل في لوائح ونظم المؤسسة التي يعمل في إطارها الرئيس ومرؤوسيه والتي يستند إليها في ممارسة مهامه الإشرافية. ومن ثم فإن المرؤوسين يخضعون لأوامر الرئيس توقيًا للعواقب السلبية الناجمة عن عصيانه وليس إعجابًا منه أو طلبًا للرضا الناتج عن تحقيق الهدف.
وقد زاد أحد الباحثين على ما سبق ازدياد درجة الاستبداد التي يمارسها الرئيس مقابل القائد، حيث أن الرئيس لديه حرية أكبر في ممارسة الاستبداد بحكم السلطات الموكلة إليه، في حين أن القائد مقيد داخل تعاقده الاجتماعي مع الجماعة( ). ولكنه أورد بعض التحفظات التي تجعل أمر التسليم بالتفرقة بين القيادة والرئاسة أمرًا صعبًا، يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1- أصبح ارتقاء موضع الرئاسة أو القيادة في ظل المنظمات يتم من خلال نسق منظم وليس من خلال الاعتراف التلقائي من أفراد الجماعة.
2- فيما يخص مسألة احتكار الرئيس لسلطة تحديد أهداف الجماعة، فإن بوسع القائد أيضًا أن يحدد الأهداف ويجذب إليه الأتباع، كما هو الحال في بعض الجماعات ذات الطابع الديني أو السياسي.
3- بالنسبة لمسألة غياب الأهداف المشتركة والإحساس بالتضامن في حالة الرئاسة ووجودها في القيادة، فهو أمر غير مسّلم به، فكل جماعة تتوفر فيها العناصر الثلاثة: القائد والأتباع والهدف، وفي جماعات العمل الرسمية يوجد رئيس وجماعة وهدف مشترك تضعه المؤسسة ويقبله الأفراد ويعملون على تحقيقه.
4- فيما يخص مسالة الفجوة الاجتماعية بين الرئيس والمرؤوس والتي يفترض«جب» أنها لا توجد بين القائد وأتباعه فغير صحيحة، ذلك أن الرئيس غالبًا ما يبرز من الجماعة نفسها، حيث ينشأ فيها موظفًا أو عاملا بسيطًا ثم يترقى إلى منصب الرئاسة.
ج- العلاقة بين القيادة والإدارة:
يرى كثير من رجال الفكر الإداري أن القيادة هي جوهر العملية الإدارية وقلبها النابض، وأنَّها مفتاح الإدارة، وأن أهمية مكانة القيادة في الإدارة، تعزى إلى دور القيادة الأساسي في جوانب العملية الإدارية كافة، فهي أداة محركة للإدارة، والقيادة تجعل الإدارة أكثر فاعلية وكفاءة على تحقيق أهدافها. وتلتقي القيادة مع الإدارة في كثير من العناصر أهمها توجيه الجهود البشرية وتنسيقها من أجل تحقيق أهداف معينة، «فالإدارة نوع من التعاون والتنسيق بين الجهود البشرية المختلفة من أجل تحقيق هدف معين».
وقد اختلفت أراء الباحثين إزاء علاقة القيادة بالإدارة»، فهناك من يعتقد أن الإدارة جزء من القيادة، وهناك من يعتقد أن القيادة جزء من الإدارة، وهناك من يرى أن الإدارة علم بينما القيادة فن، ويفنِّد الرأي الأول اعتقاده بأن القيادة تكون دائمًا في قمة الهرم الإداري، وأن للقادة بحكم موقعهم تطلعًا استراتيجيًا شاملاً وواسعًا يغنيهم عن الانغماس في تفاصيل الأعمال الروتينية، أما الرأي الثاني فينظر إلى القيادة بوصفها جزءًا من الإدارة مستندًا في نظرته إلى أن القيادة هي إحدى الوظائف والمسؤوليات المنوطة بالمدير، وأن كثيرًا من علماء الإدارة جعلوا القيادة جزءًا من ميادين الإدارة، لدرجة أن النظريات الحديثة في الإدارة جعلت لها نموذجًا قياديًا منصهرًا في العملية الإدارية وليس مهيمنًا عليها. ويمكن توضيح العلاقة بين القيادة والإدارة في النقاط التالية:
1) الجانب التنظيمي للإدارة: ويبرز هذا الجانب من خلال كون الإدارة عملية تنظيم للجهود المشتركة للأفراد. ولئن كانت الإدارة تجمع بين صفات العلم والفن، فإن دور القيادة في هذا الجانب التنظيمي لا يقتصر على إصدار المدير أو القائد للأوامر، بل يتمثل الدور الأساسي المهم للمدير أو القائد بتنظيم نشاطات العاملين وجهودهم داخل التنظيم، وفي ربط أقسام التنظيم الإداري بالعاملين فيها، وبالأهداف التي يسعى لتحقيقها، وبإيجاد التنسيق الكامل بين جهود أولئك العاملين.
2) الجانب الاجتماعي للإدارة: ويتجلى هذا الجانب من كون التنظيم الإداري، على اختلاف صوره وأشكاله يضم مجموعة من الأفراد يقومون بنشاطات جماعية لتحقيق أهداف مشتركة، ومحور نشاطات الإدارة هي التنظيمات الإنسانية على اختلاف أشكالها. ولذا فإن القيادة الإدارية بوصفها ظاهرة اجتماعية في الجماعات المنظمة وأداة فعالة للتنظيم لدورها الفعال في تنسيق جهود العاملين فيه، تعتبر أداة أكثر ضرورة في التنظيمات الإدارية، على اختلاف حجمها وطبيعتها وأهدافها.
3) الجانب الإنساني للإدارة: ويتمثل هذا الجانب انطلاقًا من كون التنظيم الإداري تنظيمًا إنسانيًا يمثل العنصر الإنساني فيه المكانة الأولى بين مختلف العوامل الأخرى التي تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة، ولذلك اتجه علماء الإدارة إلى التركيز على العنصر الإنساني في الإدارة وعلى القيادة الإدارية لكونها تتولى توجيه هذا العنصر وجعله أكثر فاعلية، ويتضح دور القيادة الإدارية في هذا الجانب الإنساني من خلال دور القائد الإداري في إقامة العلاقات الإنسانية بينه وبين مرؤوسيه وإشراكهم في مناقشة ما يمس شؤونهم والاستماع لآرائهم وهو ما يسمى بالإدارة المشتركة.
ولذلك يمكن التأكيد بأن «الإدارة والقيادة متلازمتان لا يمكن لأي منهما أن تعمل بفاعلية دون الأخرى، إذ أن القيادة تصبح هدفًا، والإدارة تبقى الوسيلة. فالقيادة تحدد الاتجاه والأهداف والإستراتيجية، وتشحذ الهمم وتلهب المشاعر وتدفع العاملين من أجل إحداث تغييرات مثيرة ومفيدة، بينما تعمل الإدارة كوسيلة من خلال الأساليب التخطيطية والتنظيمية والرقابية من أجل تحقيق هذا التوجه المطلوب وبطريقة متزنة بالضبط والربط، والإدارة تعمل على تنفيذها مما يؤكد أن كليهما مكمل للآخر.
ومن هنا يبرز دور القيادة في تحقيق أهداف الإدارة من خلال تحمل القيادة الإدارية مسؤولية حلّ التناقضات الموجودة في التنظيم الإداري، ومواجهة المشكلات والمعوقات التي قد تترتب على تعدد الأهداف التنظيمية وتعقدها.
ثانيًا:أهمية القيادة:
من خلال التعريفات السابقة للقيادة، يمكن توضيح أهمية القيادة باعتبارها ضرورة في كل المنظمات أيا كان نوع النشاط الذي تمارسه أو المجالات الإدارية التي تضطلع بمسؤولياتها. وتتمثل هذه الأهمية فيما تؤديه القيادة من تحفيز المرؤوسين وتوجيههم وتوحيد جهودهم من أجل تحقيق الأهداف المرجوة إذ أن أساس وجود المنظمات مرتبط بتحقيق أهداف معينة، لذا فإن وجود القيادة السليمة القادرة على القيام بهذه المهمة، يشكِّل أهمية كبيرة، وذلك من خلال دورها في توضيح هذه الأهداف للمرؤوسين، والمحافظة على التوازن في تحقيق هذه الأهداف، وتقليص التعارض بينها بالتوفيق بين المواقف وبين إشباع الحاجات ومتطلبات التنظيم، وقدرة القيادة على مواجهة المشكلات المترتبة على تنويع الأهداف التنظيمية وتعقدها.
وتتجلى أهمية القيادة أيضًا من «كونها تقوم بدور أساسي في كافة جوانب العملية الإدارية، فتجعل الإدارة أكثر فعالية وهي تعمل كأداة محركة لها لتحقيق أهدافها كما أصبحت القيادة المعيار الذي يحدد على ضوئه نجاح أي تنظيم إداري».
وتأخذ القيادة بهذا المنحنى أبعادًا تنظيمية وإنسانية واجتماعية وأهدافًا مشتركة تشكل في مجملها مردودًا كليًا للعملية الإدارية، إذ لا يمكن توقع نجاح أي عمل إداري بدونه، بل إن القيادة الناجحة مصدر لنجاح المنظمة، لأن كل عمل في الإدارة يتطلب شخصية تستوعب مختلف مكونات المنظمة، وتستثمر ذلك الاستيعاب بالدرجة التي تتيح الاستفادة القصوى من تلك المكونات.
مما سبق، يمكن القول أن أهمية القيادة تبرز بشكل خاص في الجانب الإنساني للإدارة من خلال مسؤوليات القائد في تطوير العلاقات الإنسانية القائمة على التفاهم المتبادل بينه وبين مرؤوسيه، واحترام المرؤوسين في مناقشة ما يمس شؤونهم وتقبل اقتراحاتهم القيمة، وإشعار كل فرد بالتقدير المناسب لما يبذله من جهود في نشاط مجموعته وحفز العاملين على العمل بحماس ورضا، لتقديم أقصى طاقاتهم في العمل وإشباع حاجات المرؤوسين ومتطلباتهم وعليه، تكمن أهمية القيادة في:
1- أنها حلقة الوصل بين العاملين وبين خطط المؤسسة وتصوراتها المستقبلية.
2- أنها البوتقة التي تنصهر داخلها كافة المفاهيم والاستراتيجيات والسياسات.
3- أنها عملية تدعيم القوى الإيجابية في المؤسسة وتقليص الجوانب السلبية قدر الإمكان.
4- قدرتها على السيطرة على مشكلات العمل وحّلها، وحسم الخلافات والترجيح بين الآراء.
5- قدرتها على تنمية الأفراد وتدريبهم ورعايتهم باعتبارهم أهم مورد للمؤسسة.
6- قدرتها على مواكبة المتغيرات المحيطة وتوظيفها لخدمة المؤسسة.
7- قدرتها على تسهيل عملية تحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسة.
وجدير بالذكر أن القيادة الفعالة لا تتناقض مع ممارسة اللامركزية، إذ أن «القائد الفعال هو الذي يتمكن من تنمية قدرات تابعيه والوصول بهم إلى مستويات عالية من الكفاءة والخبرة، تجعل كلا منهم قائدًا بذاته يستطيع ممارسة الصلاحيات وتحمل المسؤوليات ومن ثم يكون القائد الفعال قائدًا لمجموعة من «القادة» ويتحول دوره إلى رائد، مساند، موجه، ميسر، بدلا من رئيس، مدير، أو مراقب» وكذلك فإن القائد الفعال هو الذي يحرص على تنمية الاتصالات بينه وبين مساعديه ويعمل على فتح القنوات وتعميق الحوار معهم في قضايا العمل والبحث عن حلول المشكلات، وهو يستثمر مهاراته الإنسانية والفكرية في توجيههم ومساندتهم.
ثالثًا: عناصر القيادة:
يتضح من التعريفات السابق عرضها للقيادة، وجود أربعة عناصر أساسية للقيادة، هي:
1- وجود جماعة من الأفراد يعملون في تنظيم معين (جماعة منظَّمة).
2- وجود قائد من أفراد الجماعة قادر على التأثير الإيجابي في سلوك بقية الأعضاء.
3- وجود هدف مشترك تسعى الجماعة إلى تحقيقه.
4- الموقف القيادي الذي يوجد القائد ويمكنه من إحداث التفاعل بين هذه العوامل جميعًا لتحديد النتيجة النهائية للقيادة.
العنصر الأول: وجود جماعة من الأفراد يعملون في تنظيم معين. «الجماعة المنظَّمة»
المقصود «بالجماعة المنظَّمة» الجماعة التي لها تنظيم محدد يختلف موقع أعضائها باختلاف المسؤوليات المناطة بهم، وهم يستجيبون لقائد لديه القدرة على التأثير فيهم وتوجيههم من أجل تحقيق الأهداف المشتركة فالجماعة المنظَّمة إذن شرط أساسي لوجود القيادة باعتبارها مكونًا مهما من مكونات التنظيم».
العنصر الثاني: عملية التأثير
صَّورت التعريفات السابقة للقيادة، بأنَّها عملية تأثير إيجابي، يقوم بها القائد نحو أفراد الجماعة بهدف توجيه نشاطاتهم وجهودهم في اتجاه معين والتأثير عملية مقصودة هادفة في القيادة، لذا فإن أي تأثير سواء كان عشوائيًا أو تعسفيًا لا يدخل ضمن عناصر القيادة.
وتتعدد وسائل التأثير التي يستخدمها القائد مع الجماعة مثل المكافأة على الجهد المبذول، وتنمية قدرات أفراد الجماعة، وتقوية ثقتهم بأنفسهم، وتوسيع مداركهم ومعرفتهم، وتدريبهم على مواجهة احتياجاتهم الضرورية وتتحدد درجة نجاح القائد أو فشله في قيادة الجماعة بمدى فعالية وسيلة التأثير التي يستخدمها لتوجيه الجماعة وتغيير سلوك أفرادها وتتم عملية التأثير من خلال عنصرين هما:
أ- وسائل التأثير القيادي.
ب- مهارات القيادة.
أ) وسائل التأثير القيادي:
يمكن إجمال وسائل التأثير القيادي في النقاط التالية:
1- التأثير الشخصي، النابع من تمتُّع القائد بصفات وخصائص تثير إعجاب المرؤوسين به، ورغبتهم في إرضائه واعتباره قدوة لهم.
2- إظهار القائد خبرته ومهاراته، إذ من المحتم أن يكون القائد على مستوى أعلى من مرؤوسيه خبرة ومهارة، لكي يستطيع التأثير فيهم.
3- منح المكافآت على الجهد المبذول، إذ تعتبر هذه الوسيلة من الوسائل الفعالة في كسب رضا أفراد الجماعة.
4- تنمية قدرات أفراد الجماعة، وزيادة تدريبهم وتشجيعهم، مما يساعد على رفع الروح المعنوية في نفوسهم، ويسهل التأثير فيهم.
5- اللجوء إلى توظيف قيم الثقافة العربية كتأثير التقاليد في الشخصية العربية، مثل طاعة الحاكم أو الأب، أو أي شخص في مركز السلطة.
6- الخوف من العقوبات، الذي يؤثِّر بدرجة عالية في توجيه تصرفات المرؤوسين في اتجاه معين.
7- استخدام الشرعية: يعتقد الأفراد أن للقائد نفوذًا رسميًا يمكن أن يمارسه عليهم، مما يحتِّم عليهم واجب طاعته.
وتتحدد درجة نجاح القائد أو فشله، في قيادة الجماعة، بمدى وسيلة التأثير وفاعليتها والتي يستخدمها القائد لتوجيه الجماعة وتغيير سلوكها فقد يكون الهدف من وسيلة التأثير في الجماعة، إحداث تغيير في سلوك أفرادها، لكن القائد يفشل في تحقيق مرامه. في هذه الحالة يطلق على عملية «محاولة القيادة» (Attempted leadership). أما إذا أدت وسيلة التأثير إلى تغيير سلوك الجماعة في الاتجاه المرغوب، نتيجة للجهود التي بذلها القائد، عندها يمكن القول أن وسيلة التأثير أدت إلى ما يسمى «بالقيادة الناجحة» (Successful leadership)، وقد يكون التغيير الحاصل في سلوك الجماعة، قد تم فعلا نتيجة لتوجيه القائد لأفرادها، فضلاً عن تمكينهم من إشباع حاجاتهم، وتحقيق أهدافهم كجماعة، مما يوفر لديهم الاقتناع بالقائد، وثقتهم به، واطمئنانهم إلى قيادته، ويقال هنا، إن وسيلة التأثير القائد في الجماعة كانت فعالة، وتسمى القيادة عندئذ «القيادة الفعالة» (Effective leadership).
ب) مهارات القيادة:
تناول علماء الإدارة وعلماء النفس المهارات التي ينبغي توافرها في القائد لكي يكون ناجحًا. وقد تقاطعت آراء هؤلاء العلماء في عدد من النقاط واختلفوا في بعضها. وقد توصل ستوجدل Stogdill (1948) من خلال تقييمه لخمسة عشر دراسة ميدانية، تمثل معظم الجهود التي قام بها علماء النفس فيما بين الحربين العالميتين، لمعرفة المهارات التي تجعل إنسانًا ما قائدًا ناجحًا وتوصل إلى أن أهم هذه المهارات هي:
1- القدرة (capacity): تتضمن الذكاء، طلاقة اللسان، اليقظة، الأصالة، العدالة.
2- مهارة الإنجاز (Achievement): تتضمن الثقافة والتعليم، والمعرفة الواسعة، والقدرة على إنجاز الأعمال ببراعة ونشاط.
3- تحمل المسؤولية (Responsibility): تتطلب المبادأة والثقة بالنفس، والمثابرة، الاعتماد على النفس، السيطرة، والرغبة في التفوق، والطموح.
4- روح المشاركة (Participation): تتطلب النشاط، والروح الاجتماعية الطيبة، والمساهمة والتعاون، والقدرة على التكيف، وروح الفكاهة والدعابة.
5- المكانة الاجتماعية (Status): تتطلب الشعبية (popularity) أي أن يكون القائد محبوبًا سواء داخل التنظيم أو خارجه، كما تتطلب أن يكون للقائد مركزًا اجتماعيًا وماليًا.
6- القدرة على تفهم الموقف (Situation): التي تتطلب مستوى ذهنيًا جيدًا ومهارة في تلبية حاجات المرؤوسين ومصالحهم، والقدرة على تحقيق أهداف التنظيم مهما كانت الظروف.
ويمكن تلخيص صفات القائد الناتجة عن مهاراته فيما يلي:
1- أنه شخص قادر على خلق رؤية ورسالة للمنظمة، وإيصال هذه الرؤية بطريقة تستثير وتدفع التابعين لاعتناقها.
2- يرى القائد أن المبرر من وجوده هو نقل الناس نقلة حضارية فهو يتمتع بثقة عالية بالذات، وبوعي عال لدرء الصراعات الداخلية.
3- للقائد الفعال حضور واضح، ونشاط بدني متفاعل، حيث يشارك الناس مشاكلهم، ويقدم لهم الحلول المناسبة.
4- يستطيع القائد التعامل مع الغموض والمواقف المعقدة بنظرة ثانية.
5- يسعى القائد إلى الوصول بأتباعه إلى تحقيق إنتاجية عالية تفوق الأهداف وتفوق ما هو متوقع منهم ومن المنظمة.
6- يعتبر القائد عنصر تغيير دائم ولا يحب الثبات في العمل الذي لا يؤدي إلى التطور.
وقد لخص أحد الباحثين مهارات القيادة فيما يلي:
1- الشخصية السوية المرنة القادرة على التعامل في جميع المواقف.
2- مهارات الأداء والتي يطلق عليها وظائف المدير وهي التخطيط، التنظيم، التوجيه، والرقابة.
3- التوجهات المستقبلية من النواحي التكنولوجية، الإستراتيجية، المعلوماتية، التسويقية، البشرية، والمعرفة بالتحولات العالمية.
4- المهارات الإبداعية لحل المشكلات الحالية والمتوقعة، التحديث والتطوير، والبحوث والابتكار.
5- المهارات السلوكية في التعامل مع الجميع والتي تتضمن مهارات الاتصالات، المشاركة الفاعلة، الدافعية والتحفيز، إدارة الوقت والاجتماعات، إدارة الصراعات، التفاوض البناء، والتغيير الإنساني.
6- المهارات الوظيفية والتي تتضمن تخطيط القوى العاملة وتوظيفها وتسكينها، التدريب والتنمية، المتابعة وتقييم الأداء، الأجور والرواتب وما في حكمها، والترقي.
العنصر الثالث: وجود هدف مشترك تسعى الجماعة إلى تحقيقه.
من المعروف أن الأهداف في المؤسسات تتعدد وتتباين، بتعدد وتباين الأفراد والجماعات بمختلف مستوياتها الرسمية والوظيفية والشخصية، ومن النادر أن تكون هذه الأهداف جميعها واحدة وتبرز صعوبة توافر هذا العنصر في القيادة عندما تتعارض أهداف القائد مع أهداف الجماعة والأفراد وعندها «يمكن للقائد الناجح أن يقوم بتحليل الخلافات ومظاهر التعارض في كل جانب ويعيد ترتيبها من جديد بشكل يجد فيه كل طرف ما يرضيه ويتم تحقيق الأهداف عادة من خلال تسخير جهود القائد لإشباع حاجات الأفراد والجماعة وعندها يستطيع القائد أن يستميل الجماعة ويحقق رغبتها في الانقياد له لقناعتها بأنَّه سيعمل على زيادة إشباع حاجاتها وتحقيق أهدافها».
العنصر الرابع: الموقف القيادي الذي يوجد القائد
إن ظهور القائد يتأتى من خلال اتخاذ قرار ما في موقف ما، والذي يعبر عنه بالعبارة التالية «اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب»، والقيادة قد تبرز في مواقف محددة وتختفي في مواقف أخرى وحيث أن فحوى القيادة هي التأثير الشخصي فإن المواقف المحددة التي يحدث فيها السلوك القيادي تعتبر عنصرًا أساسيًا، «فالتأثير الذي يحدث يكون نتاج سلوك القائد إضافة إلى طبيعة الموقف أو الظروف المحيطة بعملية التأثير».
يتضح مما سبق، أن القيادة ظاهرة نفسية اجتماعية تستند إلى العلاقة المتبادلة بين القائد وأعضاء الجماعة التي يقودها، ولابد للقيادة من تأثير القائد في الجماعة، ورغبة الجماعة في الانقياد له من أجل إشباع حاجتها، وأنه لا مجال للقيادة دون وجود أتباع، وأن بروز القائد واستمراره في قيادة الجماعة مرهون بوجود هدف محدد تسعى الجماعة إلى تحقيقه، وأن هذا الهدف هو محور الالتقاء بين القائد والجماعة ومجال نشاطها.
وتقترن عناصر القيادة الإدارية الناجحة بمدى قدرة القائد على ممارسة مسؤولياته تجاه مرؤوسيه، من خلال حرصه على توظيف سلطاته الرسمية من أجل إحداث التوازن الفعال بين كل من السلطة والمهمة والناس، الأمر الذي يقتضي إبراز مسؤوليات القيادة الناجحة.
مسؤوليات القائد وسلطاته:
السلطة والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، يكمل كل منهما الآخر، ولا يمكن النظر إلى مسؤولية القائد بمعزل عن المفهوم العام للمسؤولية الذي يعد مقومًا أساسيًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الالتزام المعنوي المهني فالمسؤولية هي إدراك الواجبات والمهام التي يجب على المرؤوس أو التابع القيام بها، ويمكن محاسبته على إنجازها.
وهكذا فإن المسؤولية القيادية تعني أن على القوى القيادية أن تضمن معرفة جميع أفراد التنظيم بأهداف المنظمة والالتزام بها، كما أن أفكار القادة الصائبة واستراتيجياتهم الدقيقة تمثل جزءًا من المسؤوليات المنوطة بأعناق هؤلاء القادة من حيث استغلالها جميعًا باتجاه تحقيق أهداف المنظمة بمشاركة جماعة التنظيم، ولن يستطيع القائد تحقيق ذلك إلاَّ إذا تحمل مسؤولياته تجاه الجماعة وشاركهم مشكلاتهم وآمالهم وطموحاتهم.
ومن مسؤوليات القائد تحديد الأهداف وترتيب الأولويات، إذ بوسع الكثيرين تحديد أهدافهم، ولكن قلَّة من الناس يعرفون السبيل إلى ذلك، «والقادة الواقعيون هم الذين يعرفون كيف يحققون ما يريدون ويختارون الأهداف ويرتبونها في أولويات حسب أهميتها. وُتمثِّل القدرة على ترتيب الأولويات إحدى المهارات الرئيسية في هذا المجال، كما أن إدارة عمليات التغيير والتطوير بصورة مستمرة تعد من أهم مسؤوليات القيادة».
ويرى السلمي (2002) أن مسؤوليات القيادة تتمثل في مرحلتين هما:
1- مرحلة بناء التوجهات الإستراتيجية
وتتم هذه المرحلة عبر العناصر التالية:
- تحديد الرؤية الإستراتيجية للمنظمة.
- تحديد الرسالة.
- توضيح الأهداف الإستراتيجية على المدى القصير والمتوسط والطويل.
- تحديد مستويات الأداء والإنجازات المستهدفة ومقاييس الحكم على الإنجاز.
- تحديد أسس المعايير التنظيمي وثقافة المنظَّمة المطابقة للتوصيات الإستراتيجية.
- تشكيل الأساس الموضوعي لبناء الموارد البشرية وتنميتها وتمكينها، وإطلاق الفرص أمامها للإبداع والتطوير والإنجاز.
2- مرحلة إدارة الأداء:
وتتعلق هذه المرحلة المستمرة والمتجددة بدور القيادة في توفير التوجيه والإرشاد والدعم والتقويم الصحيح لأداء مختلف عناصر المنظمة، وتأكيد جودته وتوافقه مع توجيهات المنظمة وأهدافها الإستراتيجية، وتشمل عمليات إدارة الأداء بالدرجة الأولى المهام القيادية التالية:
- تحديد الاتجاهات العامة للأداء المستهدف وتوضيح علاقته بالأهداف الإستراتيجية للمنظمة وسياستها الرئيسية.
- توضيح متطلبات الأداء ومقوماته الأساسية الواجب على الفرد (جماعة العمل) إدراكها والتعامل معها بإيجابية.
- توجيه الأداء نحو أفضل أساليب تنفيذ الخطط وتنسيق أداء الأفراد وجماعات العمل المختلفة.
- متابعة الأداء ورصد الاتجاهات التي تنحرف عن المستويات المستهدفة والمعدلات المقررة والتدخُّل السريع لإعادة الأداء إلى المستويات الصحيحة.
- تقويم الإنجازات وتقدير العاملين على الجهد المبذول، ونوعية الأداء، ومدى الالتزام بمستويات الجودة المقررة.
- تخطيط عمليات تطوير الأداء، وتحسين العمليات في ضوء الدروس المستفادة من متابعة الأداء، وتحليله لمواكبة تطلعات العملاء ومتغيرات السوق والتقنية.
و تقوم السلطة على ثلاثة أسس:
- الوازع المادي والرمزي (Materialistic and symbolic incentive) أي التحكُّم باستخدام القصاص والتهديد، وفي هذه الظروف، من يعمل طبقًا لهذا الوازع، إنما يتصرف بدافع الخوف من العقاب.
- المكافأة المادية: (Financial Reward)، من يطع الأوامر وينفذها، ينال ما هو موعود به من مكافآت.
- الإحاطة أو الإمداد بالمعلومات: (Information Briefing and Giving) من يطع، إنَّما يفعل ذلك لحاجته إلى المزيد من المعلومات التي تؤمن له مزيدًا من المكانة والقوة.
أظهرت الدراسات الحديثة في مجال القيادة أن للسلوك الإنساني دورًا بارزًا في الارتقاء بالعمل القيادي، فالفرد العامل يقبل على الإنتاج ويسعى إلى رفع معدلاته وزيادة الإنتاجية حين يشعر بانتمائه إلى جماعة العمل التي يعمل معها، وحين يلقى معاملة إنسانية تشعره بكرامته وبدوره في عملية الإنتاج، ولذلك فإن الحوافز الجماعية قد تكون أهم من الحوافز الفردية، وإن الحوافز المعنوية قد تفوق في أهميتها الحوافز المادية.
إن إحدى أهم قدرات العنصر القيادي هي معرفة متطلبات العاملين واحتياجاتهم وكذلك الشعور بأحاسيسهم لأن ذلك شرط لا غنى عنه، لأية قوة قيادية إدارية تريد أن تمارس إدارة ناجحة موفقة لعناصر قوتها البشرية، إذ أن إهمال الأحاسيس لدى العاملين أو التغاضي عن متطلباتهم عمدًا أو سهوًا، يعد قصورًا يشعر العامل بأن إدارته لا تحمله على محمل الجد، وبالتالي فإنَّه يبدأ في الشك بقيمته وأهميته في مجال العمل الذي يؤديه.
ومما لا شك فيه أن مشاعر العامل إزاء نفسه وإزاء قيادته، سواء كانت سلبية أو إيجابية، تؤثر على التزامه الوظيفي وأدائه، فالسلوك الإنساني الذي يمارسه القائد تجاه مرؤوسيه والذي يتمثل في حسن المعاملة والاهتمام بهم، وحرصه على إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، يترك أثرًا نفسيًا يحفز العاملين نحو الأداء المتميز، فالقائد يقوم بدور الميسر (Facilitator) الذي يسهل للمرؤوسين الوصول إلى الهدف المنشود عن طريق عملهم التعاوين، وإقناعهم بهذا العمل وإتاحة الفرصة لهم لتنمية شخصياتهم وإشباع حاجاتهم . ومن خلال ذلك تتجلى أهمية إدراك القائد لكيفية التعامل مع المرؤوسين بصورة صحيحة، بحيث يدفعهم إلى العطاء والانتماء للمنظمة التي يعملون فيها.
ويفترض بالقائد أن يكون ملمًا بالمفاهيم الأساسية للسلوك من حيث الخصائص والمقومات والمبادئ حتى يستطيع أن يدرك أبعاد دوره الإنساني الذي تمليه عليه وظيفته ويستطيع أن يستثمر هذه المعرفة لاستيعاب الجوانب الإنسانية المهمة للعمل الجماعي القيادي والتي تتمثل في تشجيع المرؤوسين وتحفيزهم، والتعامل مع الجماعات وبناء فريق العمل.
ومن أهم جوانب السلوك الإنساني لدى القادة، قدرتهم على إخراج ما في دخيلة نفوس مرؤوسيهم، بالإنصات إليهم، الأمر الذي يولد عندهم رغبة في طاعة القائد وتقبله يقول هرمان ما نصه «أنك لا تظفر باكتساب معرفة الناس ولا تجيد تعلم أسلوب هذا الاكتساب إلا إذا استطعت أن تمد جسور التفاهم الفعال مع الإنسان. فكثيرون يتكلمون عن مد جسور الاتصال والتفاهم، ولكن القليل من العناصر القيادية يحسن هذا التفاهم والاتصال مع العاملين إن إعطاء المعلومات أو التعليمات والتسلسل يمثل شارعًا وحيد الاتجاه ولا يوجد إلاَّ القليل من العوامل المشتركة بين هذه العملية وبين التواصل، إذ أن التواصل يعني فيما يعنيه أن تمارس الحوار والأحاديث المتبادلة في اتجاهات متعددة.
إن القدرة على التأثير في الآخرين هي المرتكز الأساسي في شخصية القائد، فلا قيمة لقيادة اكتملت فيها جميع العناصر وافتقرت إلى عنصر السلوك الإنساني الذي يعتبر بمثابة الروح لجسد القيادة، ولا فائدة من قائد لا يملك ناحية التأثير الإنساني على الآخرين، إذ أن «أفكار القادة الصائبة واستراتيجياتهم الدقيقة لا قيمة لها إذا أخفقوا في تحريك المشاعر نحو الاتجاه الصحيح الذي يؤدي إلى تطبيق هذه الاستراتيجيات».
وإذا كان للقيادة أهميتها الكبرى في تحقيق الأهداف المرجوة لأية منظمة، فإن هذه الأهمية قد حظيت بدورها باهتمام علماء الإدارة الحديثة الذين أوجدوا عددًا من النظريات المختلفة التي تباينت في اتجاهاتها في توفير الأنماط القيادية الملائمة للمنظمات. الأمر الذي يقتضي بالضرورة عرض هذه النظريات وأنماطها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: أبو ندا، سامية خميس، رسالة ماجستير بعنوان: تحليل علاقة بعض المتغيرات الشخصية وأنماط القيادة بالالتزام التنظيمي والشعور بالعدالة التنظيمية - دراسة ميدانية على الوزارات الفلسطينية في قطاع غزة- قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول
على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الإسلامية- غزة - عمادة الدراسات العليا - كلية التجارة - قسم إدارة الأعمال لعام 1428هـ/ 2007م.