القائد الإداري ومهارات اتخاذ القرارات
Administrative Leader and Decision Making Skills
القرار والقائد الإداري
من أجل فهم العملية الإدارية في منظمة الأعمال والكيفية التي بموجبها يتم تعريف وانجاز المهام، لابد من الوقوف على كيفية اتخاذ القرار بالشكل الذي يستوعب تحديات المرحلة الحالية والتي أفرزتها ظروف الألفية الثالثة ومعطيات النظام الدولي الجديد، وقد اجتهد في هذا الصدد الكثير من الباحثين والكتاب، إذ كانت لجهودهم الأثر الكبير في إضفاء الصفة العلمية على القرار وإضفاء صفة الفن والإبداع أيضًا. (Jim Heslelt, 2008: 5) إذ يرتبط ذلك بالمراجع الأساسية لاتخاذ القرار لدى المدير المستمدة من الصفات الشخصية المكتسبة والموروثة،حيث ترتبط الأولى بالتعليم والثقافة والثانية بالمواهب والإبداعات التي يرثها الأبناء عن الآباء. (إذا أردت صنع قرار جيد فإن الجدال أو المقاومة تعتبر أمر أساسي) (Garry Emmons, 2007: 11).
ولابد من معرفة مفهوم القرار لغويا، على وفق الآتي: (تقرر الأمر استقر وثبت والرأي أو الحكم: معناه من يملك إمضاءه) (مصطفى725: 2007) (اتخاذ القرار Decision Making هو الاختيار المدرك بين البدائل المتاحة في موقف معين أو هو عملية المفاوضة بين حلول بديلة لمواجهة مشكلة معينة واختيار الحل الأمثل من بينها) (عبودي، 39: 2006).
أ- مفاهيم فكرية في القرار
مفهوم القرار Decision من المفاهيم الدارجة في الأوساط العامة لمنظمات الأعمال بأنه تعبير عن إرادة أو رغبة معينة لدى شخص معين (مادي أو معنوي) وذلك بشكل شفهي أو مكتوب من أجل بلوغ هدف معين، ويفترض في هذه الحالة توفر البدائل والاختيارات اللازمة لبلوغ ما يصبو إليه متخذ القرار من أهداف. ويمكن تعريف عملية اتخاذ القرار بأنها (مجموعة عمليات Pricess شاملة ومتسلسلة تهدف في النهاية إلى إيجاد حل لمشكلة معينة، أو لمواجهة حالات طارئة أو مواقف معينة محتملة الوقوع أو لتحقيق أهداف مرسومة، وقد تكون المشكلات القائمة واضحة ومعروفة الأبعاد والجوانب، أو قد تكون غامضة بالنسبة لعمقها وأبعادها والأسباب المكونة لها. أو قد تكون غير موجودة بالأساس، ولكن حذر الإدارة واستطلاعها للظروف المحيطة بها يجعلها تتبنا بحدوثها). (Charles, 2001: 76) لذلك تقوم الإدارة في كل الحالات التي تستدعي اتخاذ القرارات بتجميع كل ما يلزمها من بيانات ومعلومات وتحليل ما يحيط بها من ظواهر وعوامل مختلفة لتساعدها في الوصول إلى القرار الرشيد بعد تحديد البدائل وتقييمها من أجل أن يكون القرار مناسباً لتحقيق الهدف الذي اتخذ من أجله القرار. وبشكل عام فإن هكذا تصرف ينبغي أن يكون قائماً على أساس مجموعة من المراحل والخطوات المتسلسلة والمنطقية، وبشكل عام يمكن إجمال عدة تعاريف للقرار بما يأتي: (Martha Iagace, 2007: 3)(Charles, 2001: 76)، (Jim Heskelt: 2007: 9) فقد عرف Simon القرار بأنه اختيار بديل من البدائل المتاحة لإيجاد الحل المناسب لمشكلة جدية ناتجة عن عالم متغير، وتمثل جوهر النشاط التنفيذي في الأعمال.وعرف Yong القرار بأنه (الاستجابة الفعالة التي توفر النتائج المرغوبة لحالة معينة أو مجموعة حالات محتملة في المنظمة). أما Barnard عرف القرار بأنه (ذلك التصرف العقلاني الذي يتأتى نتيجة التدابير والحساب والتفكير). أما Riggs& Kohn وكذلك Stoner فإنهم يعرفون القرار بأنه (عملية الاختيار بين البدائل المتاحة). بينما عرف Harrison، القرار بأنه (اللحظة في عملية تقييم البدائل المتعلقة بالهدف والتي عندما يكون توقع متخذ القرار بالنسبة لعمل معين بالذات يجعله يتخذ اختيار يوجه إليه قدراته وطاقاته لتحقيق غايته).
إن طرح هكذا نوع من المفاهيم يؤسس لمرحلة قادمة، وهو أهمية القرار بالنسبة لإدارة منظمة الأعمال، حيث يذهب الكثير من الباحثين إلى اعتبار أن القرار هو العملية الأساسية في الإدارة وأن عمل المدير الحقيقي هو وضع القرار الذي يحدد البديل الأفضل والأمثل من بين البدائل المختلفة المتاحة، ومن خلال البديل الأفضل أو الأمثل يتم اعتماد العقلانية Rationality كأساس منهجي في استخدام الطرق العملية لاتخاذ القرار. (Gareth R, 2000: 219)
ب- عملية اتخاذ القرار
أن عملية اتخاذ القرار تتأثر بعوامل ومؤثرات عديدة ضمن منظمة الأعمال من تلك العوامل ما هو فني متخصص، ومنها ما هو تنظيمي يتعلق بالعاملين والمستويات الإدارية المختلفة، ومنها ما هو اجتماعي ونفسي يرتبط بذات متخذ القرار، أن المفاهيم الإدارية الحديثة (وبالتحديد السلوكية والوصفية منها) تركز على هذا المحور الأخير الذي ينصب على ذات المدير أو الرئيسي في المنظمة بكونه جهة قيادية وهو بذلك يتميز عن بقية أفراد المنظمة باعتباره هو حصرا من يمتلك حق اتخاذ القرار وكلما كان بارعا في استغلال هذا الحق، كلما كان ذلك تأكيدا على كونه القائد أو المدير أو الرئيس وغيرها من الصفات. (الفصل، 9: 2004) (Scan silver, 2007: 3)
إن القرار المتخذ، يمثل في حقيقة الأمر المرحلة الأخيرة لعملية اتخاذ القرار ومن الممكن صياغتها في إطار مخطط أساسي موسع من شأنه أن يؤدي في النهاية اتخاذ القرار للبدء بالتنفيذ والمتابعة المنتظمة كما هو واضح في الشكل .
الشكل عملية اتخاذ القرار وحل المشكلات
المصدر: مؤيد عبد الحسين الفضل، نظريات اتخاذ القرار، (عمان، دار المناهج للنشر: 2004): 22.
حديثاً تم درج عملية اتخاذ القرار بأربعة خطوات رئيسة هي (إدراك المشكلة -تصميم البدائل- اختيار أحد البدائل- التقويم). أن يكون المدير بارعا في اتخاذ القرار الناجح الصائب في نتائجه، فإن ذلك يعود إلى أنه يستغل ما يتمتع به من إمكانات ومؤهلات وتسخيرها لعملية اتخاذ القرار. أن هذه الفكرة تتفق ما ذهب إليه رواد الإدارة في تعريف الإدارة من أنه علم وفن اتخاذ القرار. أن هذه التركيبة الإدارية (الاجتماعية والنفسية) المعقدة لفكرة خلق القاعدة الأساسية لاتخاذ القرار يصفها البعض من التخصصين في العلوم الإدارية بأنها قلب أو جور إدارة الأعمال.
- اتخاذ القرار Decision Making Styles
من الفقرة السابقة لاحظنا أهمية الصفات المكتسبة والموروثة في خلق القاعدة الفكرية اللازمة لاتخاذ القرار، وهذا يعني أن لكل مدير أو متخذ قرار مجموعة من الخصائص التي تميزه عن سواه في سعيه للتعامل مع مشكلة واتخاذ القرار بحلها، فهناك من هو مبدع وخلاق وهناك من يميل إلى التعامل مع حالات عدم التأكد، وهناك من هو محافظ ومتحفظ من لا يفضل مواجهة أي شكل للمخاطرة. من هنا تتباين أنماط المديرين في اتخاذهم للقرارات أو تعاملهم مع حل المشكلات في ميدان عملهم وبشكل عام يقسم المدراء أو متخذي القرار إلى ثلاثة أنواع، وهم كما يأتي: المتجنب للمشكلة Problem avoider. يواجه المشكلة ويحلها Problem Solver يبحث عن المشكلة Problem Seeker . وفيما يلي توضيح لكل من هذه الأنواع من متخذي القرار: (الشماع، 239: 2005) (خميس، 54: 1993) (مشرقي، 76: 1997) (فهد، 56: 1995) (فهمي، 29: 1991) (عروبة، 56: 1994) (ممدوح، 37: 1998).
المتجنب للمشكلة Problem avoider: الصفة الأساسية التي تميز متخذ القرار من هذا النوع هو أنه يتجنب مواجهة ما يثير أية مشكلة لديه في عملية اتخاذ القرار، حيث أنه يحاول جاهدا عدم ظهور أية مشكلة أمامه لذلك تراه يهمل كل ما من شأنه أثارة المشاكل في عملية اتخاذ القرار إلى درجة أنه قد يهمل تلك المعلومات والجوانب التي من شأنها أن تثير المشاكل أمامه. (Jim Heskelt: 2007: 14) يواجه المشكلة ويحلها Problem Solver: يتميز هذا النوع من متخذي القرار في كونه حيادي ينتظر المشكلة لكي تقع وحال وقوعها فإنه يتعامل معها بشكل اعتيادي، أي أنه يستجيب لها حال وقوعها ويتعامل مع كافة إفرازات المشكلة بعد أن تظهر له في الواقع العملي (التميمي، 71: 2000)
بحث عن المشكلة (المواجه) Problem Seeker: يتصف هذا النوع من متخذي القرار في أنه يبحث عن أي مشكلة لغرض حلها أو أنه يبحث عن أي فرصة لأجل استثمارها، إذ يستعد لما يتوقعه من مشاكل لأجل حلها.
أن أي مدير في أية منظمة يمكن أن يستفيد من أنماط ومواصفات متخذي القرار الواردة أعلاه وذلك وفقا للظروف الموافقة لعملية اتخاذ القرار، حيث في أوقات معينة يكون تجنب ظهور أي مشكلة هو النمط المفضل، وفي أحيان أخرى يكون نمط المستجيب الذي يواجه حال حدوثها هو النمط الأكثر ملائمة في ظروف أخرى نجد أن هناك منظمات تتأمل من المدير أن يكون مبتكرا ويبحث عن فرص جديدة والتعامل معها بأفضل حال. أن التقسيمات الوارد ذكرها أعلاه لنمط المديرين الذين تناط بهم عملية اتخاذ القرار، يمكن أن ينظر لها بشكل آخر. بعبارة أخرى هنالك منظور آخر لأنماط متخذي القرار يقوم على أساس اثنين من الأبعاد Two Dimensions الفكرية في عملية اتخاذ القرار من قبلهم، وهي: (Garry Emmons, 2007: 16)
البعد الأول: طريقة تفكير المدير Way of thinking حيث أن هناك من المدراء من يحول جاهدا لأن يكون رشيدا ومنطقيا في تفكيره وتعامله مع المعلومات التي لديه. فمثل هذا المدير يبحث في المعلومات ليتأكد من أنها، معلومات منطقية ومتناسقة قبل اتخاذه للقرار. وهناك من يطمح ليكون خلاقا ومدركا، فهو لا ينظر للمعلومات بترتيبها أو بأي ترتيب أخر وإنما يتعامل مع المعلومات ككل وبصورة شمولية مركزاً في ذلك على حدسه وتخميناته وهو ينظر للموضوع بشمولية أكبر.
البعد الثاني: يصف مدى ما يسمح به متخذ القرار من غموض في المشكلة فمن متخذي القرار من لا يسمح بأن يكتنف المشكلة أي غموض، فهو يسعى إلى أن يكون لديه ترتيب للمعلومات المتناسقة وبهذا السعي فهو يقلل من درجة الغموض إلى أدنى حد ممكن. من الجهة الأخرى نجد بعض متخذي القرار من يهوى التعامل مع المشكلات ذات المستوى الأعلى من الغموض ويمكنه معالجة الكثير من الأفكار في نفس الوقت، وهذا يعنى أن هذا المدير يكون سماحه لمستوى الغموض أعلى. أذا ما استطعنا تصير هذين البعدين فإنه سوف يتشكل لدينا أربعة أنماط لمتخذي القرار وكما هو واضح في الشكل التالي:
شكل أبعاد وأنماط اتخاذ القرار
المصدر: مؤيد عبد الحسين الفضل، نظريات اتخاذ القرار، ط1 (عمان، دار المناهج للنشر: 2004): 26.
من الأنماط الواردة في الأبعاد الفكرية التي يعرضها الشكل أعلاه. النمط الاتجاهي Directive: لهذا المدير الطريقة العقلانية في التفكير وسماحه أقل للغموض فهو منطقي وكفؤ. ومثله تكون قراراته سريعة وتركيزه على الأمد القصير للنتائج. هذه الكفاءة والسرعة في اتخاذ القرارات مردهما قلة المعلومات التي يتعامل بها مع عدد قليل من البدائل. النمط التحليلي Analytic Style لهذا المدير ذو العقلانية في طريقة تفكيره ميلا نحو قبول مستوى أعلى من الغموض بالمقارنة مع النمط المباشرة (الاتجاهي) فهو يسعى لمزيد من المعلومات قبل اتخاذ القرار ويبحث عن البدائل أكثر مما هو في النمط المباشر. مثل هذا المدير له أفضل الخصائص ويكون متخذا لقراراته بعناية وله القدرة في التعامل مع الحالات الاستثنائية أو الخاصة. (العتيبي: 135: 2002) النمط المفهومي Conceptual Style: لهذا المدير منظورا واسعا ويبحث عن بدائل أكثر، لهذا ترى تركيزه على القرارات طويلة الأمد وهو فعال جداً لإيجاد أفضل الحلول للمشاكل التي تواجهه. النمط السلوكي Behavioral Style: هذا المدير أو متخذ القرار يفضل العمل مع آخرين، فهو يتقبل اقتراحات الآخرين ويهتم بانجازات مرؤوسية ومثله يميل إلى عقد الاجتماعات والتحاور بشان المشكلات التي يواجهها ويتفادى مثل هذا المدير الصراع أو التعارض مع الآخرين. وهكذا يكون قبول الآخرين لنمط هذا المدير شان مهم بالنسبة له. (Jim Heskelt, 2008: 17) قد يبدو أن هذا الأنماط مستقلة وكل منها منفصل عن سواه، هذا صحيح لكننا قد نجد بعض المديرين من يختلف نمطه في اتخاذ القرار بناء على الظرف أو حالة المشكلة التي هي أمامه. لهذا نجد من الأفضل تحديد النمط المسيطر للمدير والنمط البديل له. وقد يظهر المسيطر بوضوح في قراراته بعض المديرين ويمكن للبعض الأخر أن يتغير نمطه وفقا للحالة والمشكلة. (الهواري، 399: 2002)
ث- معرقلات اتخاذ القرار
إذا نظرنا إلى تفاصيل عملية اتخاذ القرار والزمن الذي تستغرقه العملية المذكورة، فإننا نستطيع أن نميز ثلاثة أنماط لمتخذي القرار وهم: الانعكاسي Style Reflexive متخذ القرار من هذا النمط ميال إلى اتخاذ قرارات سريعة دون أخذ الوقت اللازم لجمع المعلومات المطلوبة ودون النظر في جميع البدائل. هذا الحسم وعدم المماطلة تمثل الجوانب الإيجابية لهذا النمط، لكنه قد ينطوي على تفريط خصوصاً عندما لا يكون البديل المختار هو الأفضل. متخذ القرار من هذا النمط قد ينظر إليه مرؤوسيه بأنه مدير ضعيف خصوصاً إذا ما تكررت قراراته غير المتأنية أو غير المدروسة بعناية. (Scan Silver, 2007: 9) التأملي Style Reflexive متخذ القرار هنا يأخذ الوقت الأطول في بناء قراراته عادة، فهوي هتم بمعلومات أكثر ويحلل بدائل أكثر، يتأني أكثر من المعتاد. فهو قد يحتاج إلى وقت أطول وموارد أكثر، حيث انه يفكر أكثر ولكنه يبدأ بالعمل فعلاً عندما يحين وقت الفعل وينهي عمليات الأعداد للفعل المذكور. الوسط Consistent Style لا إفراط ولا تفريط. يتخذ القرار بدون عجالة أو مماطلة وإنما بين ذلك وسطاً يعرف متى تكون المعلومات لديه كافية والبدائل المتوفرة. (جمال الدين، 393: 2006) معظم قراراته بهذا الشكل، تكون سليمة ومتفقة مع المراحل التي ذكرت لعملية اتخاذ القرار وخطواتها أن هذا التقسيمات للأنماط والأبعاد التي يمكن أن يعتمد إليها متخذ القرار يمكن أن ترد في الواقع العملي في ظل معوقات من شأنها أن تعرقل عملية اتخاذ القرار من قبل المدير أو م هو بموقعه. ويشكل عام هناك أربعة مداخل من شأنها أن تعرقل اتخاذ القرارات المهمة في ظروف خاصة وهي كما يأتي: (Martha iagace, 2007: 11) (Fred H, 2002: 10).
1- التجنب المريح Relaxed Avoidance : وفقا لهذا التصور، فإن المدير يمتنع عن اتخاذ قرار بفعل معين بعدما يدرك أن النتائج سوف لن تكون بذي شأن إذا ما عمد لاتخاذ ذلك القرار. فلو أن المدير العام في المنظمة قد أشار إلى أحد المدراء بأن ترقية هذا المدير تعتمد بشكل كبير على الأداء المتميز لهذا المدير. فإن شعر هذا المدير بأن هناك احتمال في أن المدير العام سيتغير في الأيام القليلة القادمة، وعليه فإن ذلك المدير سيعتمد إلى هذا المدخل التجنب المريح، إيماناً منه بعدم جدوى بذل أي جهد استثنائي، فالأمور ستتغير وسيأتي مدير عام جديد وقد يضيع كل ما بذله، حيث هذا المدير سيبذل أقصى جهده لو لم يعلم بأن المدير ا لعام سيتغير.
2- التغير المريح Relaxed Change: يعتمد المدير وفقا لهذا التطور إلى علم فعلما بعد إدراكه بأن عدم القيام بأي فعل ينطوي على نتائج سلبية. أي أنه يدرك بأن عليه فعل شيء ما وإلا فالنتائج غير مريحة له أن لم يفعل شيئاً، ولهذا فإن مثل هذا المدير بدلاً من أن يحلل البدائل المتوفرة فإنه سيكتفي باختيار أول بديل يحصل عليه أو يلوح له بأن مخاطرته قليلة، وهذا يعني أنه يتجنب التحليل المعمق.
3- التجنب الدفاعي Defensive avoidance: يجد المدير نفسه في مواجهة المشكلة لكنه غير قادر على إيجاد حل بناء مبني على ما عنده من خبرة أو تجربة في الماضي، فها هو يفكر بالهروب الذي يجعل غيره من يتخذ القرار ويتحمل نتائجه أو أنه يفكر بالحل الواضح البسيط ويهمل مخاطرة ذلك. مثل هذا التوجس لدى المدير قد يضيع عليه فرصا مهمة في اختيار البديل الملائم من بين تلك البدائل القابلة للتطبيق أهملها بخوف.
4- الذعر Panic: هنا يشعر المدير بالذعر ليس بضغط المشكلة ذاتها وإنما أيضًا بضغط عامل الوقت عليه. هذا التصور مدعاة إلى التوتر العالي لدى المدير مما قد يفقده حتى النوم المريح أو في بعض الحالات يؤثر في صحة المدير ذاته. يشعر المدير هنا بعدم قدرته على فهم وتقييم المشكلة بواقعية وعدم قبوله بمساعدة أحد العاملين له. إنها حالة من الضغط الكبير ومن شتى الاتجاهات وهي السبب لشعوره بالذعر وعدم الارتياح. ومن الجدير بالذكر هنا قد نجد بعض المديرين يعمد إلى طريقة التعديل التدريجي أو التراكمي Incremental adjustment إذ وفقا لهذه الطريقة في التعامل مع المشكلة يقبل المدير البديل الذي ينطوي على تغيير بسيط عما هو معمول به. فمن جانب يكون هذا السبيل مقبولاً إذ إنه لا يستلزم بحثاً وتحليلا معمقا وبذلك يوفر الوقت والجهد والمال لكنه من جانب آخر قد يعيق العمليات الإبداعية لدى المدير وقد يجعله يضحي بالمكاسب بعيدة الأمد وينظر فقط إلى ما هو قصير أو مكاسب قريبة فقط.
ج- نظريات اتخاذ القرار
ترد هذه النظريات ضمن الفكر الإداري للمنظمات بشكل عام ومنظمات الأعمال بشكل خاص، إذ تمثل نظريات اتخاذ القرار Decision Theory بمثابة المدخل الكمي لصنع القرار الذي يستخدم كإطار منطقي لتحليل مشكلات القرار المعقد والتوصل إلى اتخاذ القرار الأفضل أو الأمثل. ويتم ذلك من خلال مدخلين أساسيين هما: مدخل جدول النتائج Pay of. ومدخل شجرة القرارات Decision Tree إن نظريات القرار جاءت بسبب الأهمية التي حضيت بها عملية اتخاذ القرار، إذ ظهرت مدرسة خاصة بهذا الموضوع عرفت فيما بعد بمدرسة نظرية القرارات، والتي اعتبرت أن أهم وظيفة يقوم بها المدير هي اتخاذ القرار، وهي الحد الفاصل بين نجاح المدير أو عدمه. حيث مهما كانت معلوماته وممارسته وإلمامه بالتفاصيل على مستوى متقدم، فإنه يبقى فاشلاً"وغير جدير باللقب إذا لم يتخذ القرار المناسب لحل المشكلة الإدارية المطروحة أمامه (John A., 2007: 23).
إن نظريات القرار ترتبط بشريحة واسعة من القرارات التي تعتمد في المنظمة، وبالتحديد تلك التي توفر فيها العناصر الأساسية التالية: مجموعة من الظروف المستقبلية الممكنة التي تؤثر في نتائج القرار. مجموعة البدائل التي يتم الاختيار بينها. النتائج المعروفة والمحددة لكل بديل في كل ظرف من الظروف المستقبلية. إن تحديد هذه العناصر الأساسية في حالات القرار المختلفة يمثل الأساس في صياغة الأفكار اللازمة لاعتماد حل معين وفقا " لمعاير واضح ومعقول. وقبل الدخول في توضيح التفاصيل المتعلقة بنظرية القرار، لابد لنا في البداية من توضيح حقيقة مهمة وهي أن الأفكار الواردة في هذه النظريات ترتبط بشكل أو بأخر بمفاهيم وأفكار بحوث العمليات والأساليب الكمية وكذلك بمفاهيم الأمثلة. ومن هذه المفاهيم هي الحلول التي يمكن أن تتمخض عن أي عملية اتخاذ قرار، والتي هي حسب ما هو وارد في أدبيات بحوث العمليات ثلاثة، وهي: الحل الممكن Feasible Solution. الحل الأفضل Beast Solution. الحل الأمثل Optimal Solution وفيما يأتي توضيح لهذه النظريات: (Angelos, 2001: 242).
1- نظرية رقم (1) Theory NO (1) : وتعرف باسم نظرية التداخل الضمني للحلول ومفادها أن كل من الحال الأمثل والحل الأفضل هما جزء من الحل الممكن، وأن الحل الأمثل هو جزء من الحل الأفضل، وعلى الأغلب يكون هو الحل الوحيد.
2- نظرية رقم (2) Theory NO (2) : إن وجود عدد من البدائل اللازمة من المعلومات والموارد لاتخاذ القرارات من شأنه أن يحدد هوية القرار المتخذ كما هو واضح فيما يأتي:
- البديل الممكن القرار الممكن
- البديل الأفضل القرار الأفضل
- البديل الأمثل القرار الأمثل
3- نظرية رقم (3) Theory NO (3): وهي نظرية القرار وعلاقتها بنوعية الحل، وتتضمن هذه النظرية علاقة وارتباطا بين نوعية الحل، فإذا ما كان القرار هو الأمثل، فإن الحل الذي يتم الحصول عليه سوف يكون هو الأمثل وهكذا بالنسبة للأنواع الأخرى من القرارات والحلول.
4- نظرية رقم (4) Theory NO (4): تنص هذه النظرية على العلاقة بين بدائل المعلومات والموارد من جهة، ونوعية الحلول من جهة أخرى، حيث إذا تم اعتماد بديل أمثل من المعلومات والموارد المتاحة وكان مدعاة لاتخاذ القرار الأمثل، فإن ذلك يؤدي إلى الحصول على الحل الأمثل وهكذا بالنسبة للأنواع الأخرى من البدائل والحلول، كما هو واضح أدناه:
- بديل ممكن قرار ممكن حل ممكن
- بديل أفضل قرار أفضل حل أفضل
- بديل أمثل قرار أمثل حل أمثل
5- نظرية رقم (5) Theory NO (5): تنص هذه النظرية على أن القرار الرشيد على الأغلب يؤدي إلى الحل الأمثل في حين أن القرار غير الرشيد حتما لا يؤدي إلى الحل الأمثل.
- أنواع القرارات
إن المنشأة كيان تنظيمي حي يعمل في الواقع وفق محددات ناجمة عن نوعين من بيئات العمل وهي: البيئة الداخلية والبيئة الخارجية. إذ أن البيئة الداخلية ينجم عنها إفرازات ومؤثرات تكون تحت سيطرة متخذ القرار في المنشأة وخاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام عناصر الإنتاج مثل: المواد الأولية والأيدي العاملة. والطاقة التشغيلية المتاحة وغير ذلك لذلك فإن عملية اتخاذ القرارات في هذه الحالة ترتبط في كيفية تنظيم هذه القرارات وبرمجتها على وفق اطر محددة، وبعبارة أخرى المشكلة هنا محصورة في كون هذه القرارات مبرمجة أو غير مبرمجة أما بخصوص البيئة الخارجية فهي خارجة عن سيطرة متخذ القرار لكنها تتعلق بظروف غير واضحة ومدركة بالنسبة للمنشأة كما هو الحال في: ظروف وأوقات تجهيز المواد الأولية من قبل المجهز. مع توفر ظروف مناخية جيدة للعمل (درجة الحرارة وهطول الأمطار وهبوب الرياح وغير ذلك) أن أي في هذه الحالة يرد العامل أو العنصر الإجمالي في عملية اتخاذ القرارات.
وعلى أساس ما تقدم، يتم تقسيم القرارات من حيث البيئة الداخلية التي تتخذ بها القرارات على نوعين أساسيين وهما: تقسيم القرارات من حيث تنظيم عملية اتخاذ القرار، حيث نجد أن هناك: قرارات مبرمجة Programmed Decisions وقرارات غير مبرمجة Non Programmed Decisions. فالقرارات المبرمجة: هي تلك التي تتخذ بروتينية أو بصورة متكررة والحالات محددة تماماً بذات المنهج والأسلوب. الحالات هنا معروفة لمتخذ القرار وقد تنطبق عليها ذات المواصفات وهذا ما يجعلها تستلزم ذات العمليات الروتينية وينطبق عليها ما هو محدد من سياسات وإجراءات. فقد اثبت واقع الحال تكرار هذا النوع من القرارات إذ أصبح يمثل ما يشبه الخبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات. فعندما يصل حجم المخزونة مستوى معيناً يتم إصدار طلب الشراء للمواد المخزونة من المجهز لها بالكمية المحددة في نموذج طلب الشراء. فمثل هذه القرارات المبرمجة يكثر تكرارها لدى المدير في المستويات التشغيلية وبدرجة أقل لدى المدير في المستويات الوظيفية لتقل بدرجة أكثر لدى المدير في المستويات الأعلى في الهيكل التنظيمي للمنظمة. أما القرارات غير المبرمجة: هي تلك القرارات التي لا يمكن معها اعتماد أو تطبيق القواد المحددة مسبقاً أما لأن الحالة جديدة ولم يسبق التعامل مع مثلها أو أن ذات الحالة غير واضحة المعالم.
يمكننا أن ندرك أن معظم القرارات المهمة التي يتخذها المدير تقع ضمن هذه المجموعة (قرارات غير مبرمجة) وبطبيعة الحال تنطوي هذه القرارات على شيء من عدم التأكد حول نتائج كل بديل أو ما يسفر عنه اختيار أي بديل. من جانب آخر قد لا تتوفر معلومات كاملة لدى متخذ القرار عن نتائج تنفي البديل المختار. فقد يكون جمع معلومات أكثر عن المشكلة موضوع القرار مكلفاً أو أنه يستغرق وقتاً لا تسمح به معطيات الحالة، أو تكون عمليات الاتصال وتناقل المعلومات بين وحدات المنظمة غير كفؤة بالشكل الذي تساعد معه توفير معلومات ذات علاقة مهمة بالموضوع. وقد تكون الحالة ذاتها متغيره أو سريعة التغير مما يتسبب في أن تصبح المعلومات التي جمعت متقادمة ولا تنفع مع الحالة المتجددة. من الطبيعي أن تزداد مواجهة المدير الحالات أو مشكلات متجددة وتتطلب هي الأخرى قرارات متجددة وغير مبرمجة بقواعد سبق أعدادها كلما اتجهنا نحو أعلى الهيكل التنظيمي. فهذه القرارات غير المبرمجة يواجهها أكثر المديرين في المستويات الأعلى في هيكل المنظمة.
المهارات الإبداعية لمتخذ القرار كيفي يمكن لها أن تؤثر بوضوح في نجاح المدير في التعامل مع المشكلات وحالات اتخاذ القرار الموصوفة هنا. لنستنتج مبرر سعي المنظمات وتحملها لتكاليف عالية في إعداد برامج تدريبية متقدمة للمديرين في المستويات التقدمة لتمكينهم من التفاعل وبكفاءة مع مثل هذا النوع من القرارات. فالإبداع هو بتميزك بحل مشكلة معينة يفشل معها الآخرون.
تقسم القرارات من حيث ظروف البيئة الخارجية أو ما يعرف ببيئة القرار الخارجية، إذ يؤخذ بنظر الاعتبار في هذه الحالة عامل التأكد والمؤثرات الاحتمالية في اتخاذ القرار. أن طبيعة ونوعية القرار المتخذ في هذا النوع من بيئات القرار هي: بيئة التأكد Certainty: وهو الظرف المثالي تماماً لاتخاذ القرار. وفقا لهذا الحال يعرف المدير وبوثوق البدائل المتاحة أمامه، الظروف المرتبطة بكل بديل، وكذلك النتائج لكل بديل جميعها معروفة مقدماً إضافة إلى أن هدفه محدد مسبقاً. بيئة المخاطر Risk: وفقا لهذا الحال يكون متخذ القرار في بيئة من معلومات جزئية أو غير كاملة تفيده في تقدير الاحتمال Probability لوقوع كل ظرف والنتائج المتوقعة لكل بديل إزاء ذلك الظرف. بيئة اللاتأكد Uncertainty: وفيها لا تتوفر للمدير معلومات عن احتمالات التحقق، ظروف الطبيعة State-Of- nature وهو لا يعرف كل البدائل ولا نتائجها ولا توزيعها الاحتمالي. ومن هنا يجد المدير نفسه أمام أعدد تخمينات للظروف المستقبلية تلك وتقدير العوائد تحت كل ظرف منها. ومن هنا فإن الأمر يعتمد بشدة على معايير متخذ القرار ذاته. فهناك المعيار التفاؤلي، حيث يختار المدير أكبر عائد لكل بديل ومن ثم يختار أكبرها. وهناك المعيار التفاؤلي المتحفظ، حيث يقع الاختيار الثاني على أقلها. والمعيار التشاؤمي، حيث معه يختار متخذ القرار، أقل عائد لكل بديل ومن ثم يختار أكبر تلك العوائد. ليكون المعيار التشاؤمي الشديد ما يفرض اختيار أقلها. وعلى أساس ما تقدم، يتم استنباط أنواع القرارات وكما يلي: القرارات في حالة التأكد Decision Under Certainty و القرارات في حالة المخاطرة Decision under Risk والقرارات في حالة اللاتاكد (عدم التأكد) Decision Under Uncertainity.
لم تعد عملية اتخاذ القرارات من الأمور التقليدية والشكلية في المنظمة والتي كانت في السابق تعبر عن سلوكيات وأمزجة المدراء ذاتهم، حيث عند ذلك لا تكون مبنية على عملية سليمة وإنما هي وليدة قناعات شخصية وذاتية ترتبط بطبيعة نظام الإدارة المعتمد من قبل المدير، وهنا ينجم عن هكذا نظام قرارات نتائج عشوائية واعتباطية غير مدروسة. أن واقع الحال وما آلت إليه التطورات في القرن الواحد والعشرين والضغوطات التي تمخضت عن العولمة والخصخصة وغير ذلك من إفرازات هذا القرن، كان السبب في اعتماد مداخل جديدة ومتطورة لدراسة وتحليل عملية اتخاذ القرار وبالتالي صناعة القرار بحد ذاته. وقد فسرت عملية اتخاذ القرارات في كونها جوهر العملية الإدارية.
إن القرار الإستراتيجي يهتم بإستراتيجية المنظمة، وهو ذلك القرار الذي يتعامل مع الأمور كرسالة للمنظمة وعلاقتها مع العالم الخارجي وهو يغطي مدة زمنية بعيدة الأمد ويمتلك خصائص متمثلة بدوره في توجيه المنظمة لتحديد علاقتها مع بيئتها ويركز على طبيعة تفاعل المنظمة مع بيئتها الكلية وعلى أعمالها الحالية والمستقبلية. ويعتمد النظرة الشاملة للمنظمة كوحدة تحليل. ويمتد نطاقه ليشمل مجالات وظيفية متنوعة. وتقترن أهميته بأهمية الإستراتيجية للمنظمة والمالية والزمنية وتحديد مستوى نجاحها. فالقرارات الإستراتيجية وسائل لبلوغ الغايات. وعرفت هذه القرارات في ضوء معرفة الأعمال والمنتوجات والأسواق المطلوبة خدمتها، والوظائف المطلوب أداؤها، والسياسات الرئيسة التي تحتاج المنظمة لتنفيذ هذه القرارات لبلوغ الأهداف. وتولي الإدارة الإستراتيجية للمنظمات الناجحة القرارات الإستراتيجية أهمية خاصة، لأنها تتعامل مع المستقبل بعيد الأمد المتعلق بدخول المنظمات إلى دنيا الأعمال، وتنفرد بنتائجها المتتابعة والموجهة. وبسبب ما يمتلكه من خصائص فإن اتخاذه يبقى من مسؤولية الإدارة العليا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: العمري، قاسم شاهين بسيم، أطروحة دكتورة بعنوان: أنماط القيادة الإدارية وـاثيرها في نجاح المنظمات الحكومية، دراسة تحليلية لآراء عينة من المدراء والعاملين في محافظة ذي قار، أطروحة دكتوراه تقدم بها الباحث إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد جامعة سانت كليمنتس وهي جزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلسفة في الإدارة العامة، كلية الإدارة والاقتصاد ، جامعة البصرة ، العراق، 1430هـ - 2009م.