النمط القيادي وتأثيره في إدارة التغيير
Leadership style and its impact on change management
النمط القيادي وتأثيره في التغيير
لقد كان شعار (القائد) الناجح في الماضي هو: « يجب أن يمضي الناس معي أو لست قائدهم؟ » أما اليوم فقد أنعكس الشعار وأصبح « يجب أن أمضى مع الناس، أو لست قائدهم؟ » (Sarah Jane, 2007: 13) وهذا التحول طبيعي فقديما كانت القيادة إلى الأكبر سناً لأنهم الأقدر على استشراف المستقبل أو لمن يطلعون على ما سوف يجري. قد تشمل التغيرات غاية المنظمة الكلية، إلى حد يستدعى أحيانًا تغيير بعض تراخيصها وسجلاتها التجارية، الأمر الذي لابد من إشراك محامي المنظمة أو مستشارها القانوني في ما يسمى التغيير وطبيعته، لأن كثيرًا من المنظمات لا تفصل بين غاياتها وأهدافها على أساس أن العبرة بالمعنى، وأن المصطلحين لا فوارق كبيرة بينهما. (شريف، 2004: 7) ولكن الأمر بحاجة إلى تدقيق أكبر فقد تكون غاية الشركة إصدار صحيفة يومية، ولكنها تقرر عند مرحلة ما التحول إلى إصدار مجلة أسبوعية، أن هذا التغيير يتعلق بالغايات لا بالأهداف، وقد لا يمكن تمريره رسميا وتجاريا وقانونيا من داخل المنظمة فقد، بل قد يقتضي الأمر إجراءات أخرى أكثر تعقيدا حسب القوانين النافذة في كل مجتمع، وقد يتطلب الأمر تغيير طبيعة المنظمة من شركة تضامن إلى شركة مساهمة عامة، وقد يتطلب الأمر زيادة أو إنقاص رأس المال أو طرح أسهم للاكتتاب وغير ذلك. ومن الواضح أن التغيير شمل هنا غايات المنظمة أما الأهداف فلها علاقة بأمور العمل داخل المنظمة مثل زيادة سقف المبيعات إلى حد معين، أو رفع الطاقة الإنتاجية من مليون نسخة يومياً إلى مليونين، أن مجلس إدارة المنظمة يمكنه أن يضع الخطط الكفيلة بتحقيق هذا الهدف من دون العودة إلى أي جهة، بما في ذلك أصحاب الأسهم، إذ لا يتطلب الأمر عقد اجتماع للهيئة العامة. (Charles, 2001: 43)
ولابد لنا من التطرق إلى كلمة التغيير لغويا إذ هي: (غير الشيء بدل به غيره، جعله على غير ما كان عليه) (مصطفى، 2007: 668) ( Change يغير، يبدل) (بعلبكي، 2006: 166) (Flexibility المرونة تعبر عن مدى التغير الذي يحدث في المنظمات سواء كانت حكومات خاصة أم عامة. أن هذه الحكومات لديها القدرة على التغيير في هياكلها والقوى العاملة عند الحاجة حتى تستطيع التكيف مع المتغيرات البيئية المختلفة) (عبودي، 2006: 240)
لقد حاولنا هنا في هذا المقال تناول موضوعات عد لتوضيح متغير التغيير ومناقشتها في مجال التغيير، والمبادرة والتغيير، وتغيير العادات الفردية، والتغيير الذاتي، والتغيير والقيادة الإدارية (الحواجز) والإنسان الذي يعد محل التغيير وثقافة التغيير هي كالأتي:
أ- مجال التغيير
على المنظمة أن تحدد مجال التغيير بالضبط وهل يشمل الغايات أم أنه يقتصر على الأهداف، كي تأتي بعد ذلك إلى تحديد مجال الأهداف فهناك أهداف قصيرة المدى والأجل وأخرى متوسطة، وثالثة بعيدة المدى، وتعتمد خطوط التقسيم على عدة عوامل منها طبيعة الدورة الإنتاجية، وطبيعة الأصول الثابتة والمستهلكة ونوعية الملكية، وهيئة صناعة القرار.. الخ، ويلجأ البعض إلى تقسيم الأهداف على أساس العمومية والتفصيل، فالأهداف العامة تعتبر أهدافا إستراتيجية، والأهداف الأكثر تفصيلاً تعتبر أهدافا تكتيكية توصل في مجموعها التراكمي إلى الهدف الإستراتيجي، وكمثال فإن مجلة ما قد تعتبر الوصول إلى عشرة الألف مشترك هدفا إستراتيجيا ينبغي عليها أن تحققه خلال السنة الأولى من عمرها، في حين أن مجلة أخرى قد تضع سقف المليون مشترك هدفا لها، كذلك الحال في مجال المبيعات لأية سلعة أو خدمات. ولكن التغيير قد لا يشمل أي من الأهداف، وإنما يتعلق فقط بالوسائل، أن الغاية لا تبرر الوسيلة في هذه الأيام، لأن الواسطة، أو الإجراءات أصبحت كيانا مستقلاً على الرغم من ارتباطه بالأهداف و/ أو الغايات وجوداً وعدماً. (أرمسترونغ، 2001: 26).
ب- المبادرة والتغيير
أن المدير الذي يتولى القيادة في زمن التغيير يجب أن يدرك أولاً إلى أي حد يجب أن يتولى زمام المبادرة، فإذا جلس المدير في مكتبه منتظراً صافرة البدء، أو تعليمات البداية من أي كان فإن انتظاره سيطول إلى مالاً نهاية، إذ أن سلاح المبادرة فعال جداً من أجل التخلص من الخوف والقلق والغموض الذي يكتنف العمل والمبادرة التي لابد أن تنطوي على قدر من تحمل المخاطر المحسوبة لأن الاستعداد لتولي المخاطر وقبول التحديات ليس مجازفة يقول عليها أي كان عندما يتعلق الأمر بالعمل الإداري، بل أنها عملية توظيف لإمكانات وطاقات موجودة من أجل تشغيلها ووضعها موضع العمل. (John Hayer, 2002: 63) والقائد الإداري لا يخاطر هذه المخاطرة المحسوبة على حساب الغير لأنه يضع في الكفة أيضًا رصيده الشخصي واستثماره، ولكنها تحديات العمل الذي ينبغي التصدي لها، والخروج إلى مواجهتها قبل أن تقتحم عليه خلوته. لكن خروج قائد التغيير المبادر لا يكون على غير هدى، وإنما يخرج إلى المستقبل، وإلى نقطة محددة في ذلك المستقبل، فالحاضر محكوم بالرؤية المادية المباشرة بما فيها من محدداً، أما المستقبل فيتم التعامل معه على أساس الرؤيا Vision بما فيها من آفاق بحاجة إلى استطلاع، وبهذا المفهوم، فإن الأنطلاق لايكون إلى النقطة التالية للموقف المباشر، فالقائد في زمن التغيير لا يسافر بالحافلة بل بالطائرة. على أن رفيق الطريق أهم من الطريق في كل الأحوال، ولذلك فإن قائد التغيير لابد أن يصحب معه قيادة التغيير عندما يسافر باتجاه الهدف بمعنى أنه لابد أن تكون الرؤية واضحة معاً لقيادة التغيير، ولو اعتبرنا الهدف حلما يكتنفه الغموض فإن الشكل العام والمعنى العام لهذا الحلم يجب أن يكون واضحاً لقيادة التغيير. (Charles, 2001: 44)
وحيث أن المبادرة جاءت فإنها تصبح محط سهام للنقد والترقب من المستويات الأعلى والأدنى إلى حد سواء، وهناك في كل مكان وفي كل وقت، أناس لا يريدون أن ينجحوا، ولا يريدون لغيرهم أن ينجحوا أيضًا، ولابد لمواجهة ذلك وضوح التعليمات، وتوضيح الموقف الفعلي لشركاء الرحلة، وعدم تركهم في الظلام، واعتمار قبعات التفكير ذات الألوان الست لتوزيع المهام، وإعطاء الألوان المختلفة لمساحات التغيير المطلوبة لما لها من التفاؤل والموضوعية والسيطرة والتخطيط والحذر والحفاظ على الذات وعلى جذور النشاط. ووسط صعوبات التغيير هذه فإن القائد لا يستطيع أن يتعامل مع البشر فقط بل أنه لا يتعامل على أساس شخصي أصلاً، وإنما هو يتعامل مع أنظمة مهما كانت علاقته حميمة مع مساعدة، فأنها لن تغني شيئاً، أي أن التوجه العام لحل المشاكل ينبغي أن يوجه نحو الأفعال وليس نحو الفاعلين، والأقوال لا نحو القائلين، وأنظمة التكفير يجب أن تكون عصرية مرنة متجاوبة مع المتغيرات ولا تشتمل على القدرة على حل المشاكل فقط بل على إبداع تصورات جديدة تماماً سواء في حل المشاكل أم تطوير الأداء، لأن « إذا لم يكن مكسوراً فلماذا تصلحه » لذا يعتبر مثل ذلك مفهوما خطيراً ومعرقلا لعمليه التطور والإبداع. وحيث أن القادة هي عمل تعاقدي فإن العقود المتبادلة الواضحة القابلة للمحاسبة والمساءلة في حالة الإخلال تعتبر ركناً أساسياً من أركانها، إذ لا يجوز أن ينتر صانع القرار لحظة الإنجاز كي يجلس ويفكر بم سيكافئ هذا الإنجاز، أو أن ينتظر الخلل حتى يقع ثم يفكر بعد ذلك بطريقة المساءلة والمحاسبة بل إن هذه اللوائح المرنة التي تخاطب الأفعال والنتائج، وتقيمها يجب أن تكون موجودة وواضحة للجميع منذ بداية الطريق. (دانيال، 2004: 159).
ت- تغيير العادات الفردية
العادات الفردية والجماعية هي المجال الذي يجعلنا نفكر به ونندفع نحو التغيير بسبب كثرة العادات السيئة الفردية والجماعية التي نشاهدها في كل مكان وزمان. بل إن كثيرًا من الناس يبلغ بهم الشطط أحيانًا إلى حد التمسك بالعادة على حساب العبادة ومن المؤكد أن ليست كل العادات سيئة وإلا لأصبحت الحياة مستحيلة، ولكن عبارات: هذا ما وجدنا عليه آباءنا، وهذا ما اعتدنا عليه كانت تحول بين الناس وبين الإيمان وتحول بين الإرادة والممارسة بل تؤدي أحيانًا إلى هدم الحياة الأسرية لأن كل طرف فيها لا يريد التخلي عن عاداته أما على الصعيد الاجتماعي العام فهناك كثير من العادات الاسوا من السوء والتي لا تجد أحداً يؤيدها ولكنك تجد الجميع يمارسها في نفس الوقت وفي مجال قيادة التغيير فإن من الضروري للإنسان أن يمحص عاداته بين فترة وأخرى ويحاول التخلص (طوعا) من بعض عاداته السيئة، حتى يتعود على التخلص من العادات السيئة بمحض إرادته قبل أن يأتي عليه حين من الدهر يكون مجبرا على تركها رغماً عنه، بكل ما يولده هذا الضغط من ردات عكسية، وأثار جانبية ضارة. تلك هي الفائدة الأولى من المبادرة إلى التخلص من بعض العادات السيئة، أما الفائدة الثانية، فتتمثل في أنك لن تستطيع أن تجعل أي إنسان يغير عاداته -أو أية عاده اعتادها- إذا لم تكن أنت نفسك على دراية بأساليب تغيير العادات، وهذه ميزة أخرى تكتسبها إذا بادرت منذ الآن إلى العمل على تغيير بعض عاداتك غير الحميدة. (John Hayer, 2002: 64) أما الفائدة الثالثة، فهي أنك تكتسب قدرا لا باس به من المصداقية والجدية أمام الآخرين عندما تبدأ عملية التغيير بتغيير بعض عاداتك، لأن هناك بعض الأمور البسيطة أن لاحظ الناس من حولك أنك غيرتها، فإنهم سيدركون أنك فعلاً عاقد العزم على التغيير في المجال الآخر المختلف الذي قد يكون بعيداً عن هذه العادة أصلاً، أي أن العادة السيئة التي (تركتها) أما الناس، تجعلهم يشعرون بجدية الموقف وخطورته على صعيد التغيير الإداري الذي أعلنته، ومثال ذلك إذا كان التغيير يشمل فتح المكاتب وهدم جدرانها وكسر الحواجز بين العاملين، وتغير ما كنت معتادا عليه ليتيح لك حرية الحركة. وإذا اشتمل التغيير الإداري على ضرورة تخليك عن بعض العادات التي تحبها فإن عليك أن تكون مثلاً للتضحية، والأمثلة كثيرة. (كلالة، 1997: 282)
ث- التغيير الذاتي -التغير الموضوعي
يمكن إطلاق طائفة أخرى واسعة من المسميات للتعبير عن هذين النوعين من التغيير: (طوعي -قسري) أو (داخلي- خارجي)، وغير ذلك من مسميات تبين الفرق الجوهري بين نوعين من التغير أحدهما تبادر المنظمة المعنية أو الشخص إلى تبنيه والآخر لا حول للفرد ولا للمنظمات فيه وهناك عوامل مشتركة بين التغييرين تتمثل في استحقاق التكيف أو التلاؤم مع التغيير، لأن كل عنوان رئيسي في كتاب التغيير ينطوي على جملة تغييرات فرعية يتحتم التكيف معها تماماً كما في الحياة البيولوجية، إذا لابد أن يتكيف الإنسان مثلاً مع دواعي المرض أو الشيخوخة ولابد أيضًا أن يتكيف مع ظروف البيئة الاجتماعية والطبيعة حتى يستطيع أن يواصل مسيرة حياته بشكل أفضل له ولمجتمعه وللأجيال من بعده لأن القدرة على التكيف تستند على مجموعة صفات شخصية في الإنسان أو في الجماعات البشرية، كما تعتمد على الإمكانات التي يمكن أن تتوفر لهذا الإنسان أو الجماعة، وأن التكيف مقياس النجاح أو الفشل والربح والخسارة والازدهار أو الانتحار، وحتى التغيير الذاتي والإرادة والدافع -أي التغيير الذي يسعى إليه الإنسان باختياره، قد لا يكون محسوبا بشكل جيد مما قد يؤدي إلى عجز الإنسان. (james Aisner, 2007: 19)
ج- القيادة الإدارية والقواعد (لا حواجز ولا حجب)
من الضروري أن يتم توجيه السلوكيات المختلفة نحو العنوان كي تتم بؤرتها باتجاه الهدف، بدل أن تتعرض لعوامل التشتيت أو الانكسار أو الانحراف عن خط سيرها نحو البؤرة-الهدف أن حزمة الضوء هذه يجب أن تمر من مركز صنع القرار إلى الإدارة الوسيطة إلى الموظفين العمال والمتعاملين مع المنظمة (جمهورها العريض) ومن هنا تأتي أهمية التسلسل الدائري الأفقي وليس الهرمي العمودي في الإدارة، لأن أي حاجز. (فوقي) قد يمنع حزمة الضوء (عملية التغيير) من السير حسب التسلسل الوظيفي لها. وعلى حين أن الحاجب المعاصر لا يحمل رمحا ولا سيفا إلا أنه يمارس نفس الدور في حجب المعلومات وحجب التواصل بين مكان صناعة القرار ومكان تنفيذه مما يعرض العملية لكثير من الخلل، وفي المنظمات العصرية فإن الحاجب لا يقوم بمنع الناس من التواصل بشكل فيزيائي مادي فحسب بل إنه يمنع تواصلهم العقلي أن حاجب اليوم الذي قد يأخذ مسميات وظيفية -سكرتارية- إدارة مكتب- علاقات عامة- الديوان - له دور في تقليل الضغط وتوزيع المهام ولكن يتم في أحيان كثيرة إساءة استخدام هذا الدور وتجاوز حدود الصلاحيات ونأخذ مثلاً بسيطا من البريد التجاري الذي يحتوي على نشرات دعائية وترويجية ومجلات ورسائل من جهات تعرض سلعها وخدماتها، (كلالة، 1997: 283)
إن من السهل جداً أن تمنع مديرة المكتب -أو السكرتيرة- دخول هذه المواد إلى المدير العام، إذ أن من صلاحيتها تحديد ما يدخل مكتب المدير وما لا يدخل (إضافة إلى صلاحية الحاجب التقليدي ذا الرمح الذي يحدد من يدخل ومن لا يدخل) لكل ذلك فأن سياسة الباب المفتوح ولو ليوم واحد في الأسبوع هي سنة حميدة يمكن لكل صانع قرار أن يلجا إليها لحصول على معلومات ومدخلات ومعلومات مرتدة مباشرة، وبديهي أن نفس المعلومة لا تحظى بنفس المعاملة لدى شخصين مختلفين وقد يرى الحاجب أن هذه المعلومة غير مهمة على حين أنها تكون مهمة جداً كما أن الحاجب يتعامل عادة مع القائل لا مع القول، ومع الفاعل لا مع الفعل، ومع الزائر لا مع الزيارة، ومع حامل الرسالة لا مع محتوى الرسالة ولكل ذلك ينبغي أن يحرص صانع القرار على تمرير كل المعلومات والأشخاص وكل ما له علاقة بعملية التغيير إليه كي يرسي أسس التواصل مع البيئة التي يعمل فيها وكي ينقل الأفراد من موقع التأثر بالقرار إلى موقع التأثير بالنتائج: (Robert, 2001: 662)
ح- الإنسان هو محل التغيير
إن الإنسان هو محل التغيير وموضوعه فإن على صانع القرار أن يتفهم الأفاق والمحددات التي تتحكم بمواقف العاملين معه وسلوكهم وهذه الأمور لا يحصل عليها إلا من خلال التفاعل المباشر مع العاملين معه دون وسيط وهذه أبسط المفاهيم والمبررات الشفافية في العمل وعلى صانع القرار أن يقترب من البيئة البشرية التي يعمل فيها حتى يتمكن من جعل الجميع يعملون بنفس الطريقة من التفاعل والتواصل، والتكامل -الذي هو نقيض الاستغناء- والديمقراطية التي هي نقيض الاستعلاء وبهذا يكسب الجميع في عملية التغيير، وحتى لو لم يؤد إلى تحقيق الأهداف الموضوعة لها في الجولة الأولى أما الوضع البديل، وضع الانغلاق -الصم، البكم، العمى فإن صورته تكون على وفق المعاني الآتية: (John Hayer, 2002: 64) (ارمسترونغ، 2001: 27) (Sarah Jane, 2007: 15) (دانيال: 2004: 160) (Robert, 2001: 663)
1- الإدارة العليا -مركز صناعة القرار: لا يدرك المركز مضامين وتأثيرات قرار التغيير على العاملين، وعادة ما يتم التقليل من حجم هذا التأثير، وينأى أفراد المركز عن الانخراط وسط بيئتهم البشرية ويجدون مبررات شتى فهم مشغولون بجلسات التخطيط الإستراتيجي وجمع المعلومات من الاستبانات والمسوحات المختلفة (عادة ما تكون مسوحات شركات أخرى) كما أنهم لا يريدون سماع الأخبار السيئة المتعلقة برفض العاملين أو استنكارهم للتوجهات الجديدة، أنهم يتوقعون أن يصدع العاملون في القرار، وعندما يأتي لحظة مواجهة الفشل، فهناك الكثير من المشاجب الجاهزة.
2- الإدارة الوسيطة: تمر هذه الإدارة بمرحلة انعدام الوزن بشكل أوضح من سابقتها، فهناك الرغبة في تنفيذ قرار التغيير بكل مضامينه، من أجل التوافق مع الإدارة العليا وهنالك صعوبات في التطبيق من التوافق مع المستويات الأدنى وهنالك (مفاجأة) لا تمكنهم من شرح كل التفاصيل وهنالك قلة معلومات بشأن المستقبل وبدل أن تتمدد هذه الإدارة في أدائها تنكمش بشكل دفاعي في مواجهة المستويات الأعلى، وإمام المستويات الأدنى وهم محط اللوم والانتقاد والأهداف الأولية السهلة لإجراءات النقل والتسريح ويصبح هم كل واحد منهم حماية رأسه بدل حماية منظمته وفريقه ويتفرغون لمهام الكوسلة والمحادثات الجانبية والتجاوز والقفز نحو دائرة صنع القرار أنه التعلق بالمنصب وبالوضع ومحاولة الصعود المستمرة.
3- المتلقون لقرار التغيير: تنعكس نماذج انسحاب وإحباط ودفاعية المستوى الثاني على الموظفين والعمال والمتعاونين مع المنظمة وإذا كان المدير المباشر لا يعرف فأني للموظف أن يعرف، وإذا شعر أن عليه أن يتدبر نفسه، فإنه يلجأ إلى وسائل « خاصة » من أجل أن يعرف وهكذا يتحول إلى مطلق شائعات أو قد يشعر بالخوف على وضعه فينكمش ويتحفظ عند الرد على أية سؤال ويحجم عن الاجتهاد والمخاطرة وقد يشعر أنه تعرض (للخيانة) من جانب رئيسه المباشر ومن الطبيعي أن نجد ردود فعل مثل المقاومة، أو الاستنكار، أو الإحباط والارتباط أو التباطؤ في العمل أو حتى وقف العمل وسط جو مشحون بالترقب والتوتر الذين تزداد حدتهما مع كل إغلاق مكتب ومع كل اجتماع لأي مستوى من المستويات الإدارية وتزداد الهوة اتساعاً بين الحجم الفعلي والإبعاد الحقيقية لعملية التغيير كما هي في الواقع وبين الحجم المتخيل لها ولإبعادها في أذهان العمال والموظفين ولنفترض مثلاً أن الحجم الحقيقي يتطلب تخفيض قوة العمل بنسبة 5% فإن الأحاديث والمخوف قد تصل إلى 50% وإن كانت خطة التغيير المحفوظة في إدراج صناع القرار تقتضي إغلاق قسم معين فإن الأحاديث والمخاوف توصل الأمر إلى حد ترقب إغلاق المنظمة وهكذا تنقلب الأمور رأسا على عقب وبدل أن يكون التغيير دافعاً لمزيد من العمل والإنتاج يصبح سبباً في تدني مستوى الأداء ونكون قد حكمنا على عملية التغيير بالفشل ربما قبل أن تبدأ مع أن السبب لا يتعلق بالعملية نفسها وإنما بالغموض الذي اكتشف إجراءاتها فالناس دائماً أعداء لما جهلوا. والشكل (2- 8) يوضح العلاقة التوازنية لقوى الضغط على التغيير:
الشكل العلاقة التوازنية لقوى الضغط على التغيير
Newstrom, John, W.,and Keith Davis, "Organizational Behavior- Human Behavior at Work" ( Tata McGraw- Hill, New Delhi, 1997), 411
إن الهدف من كل ما سبق هو إيضاح أهمية مشاركة الجميع في صياغة قرار التغيير وأهدافه، من أجل فهم محتوى شعاره عند العمل على تطبيقه كي لا يظل صانع القرار بانتظار النتائج التي قد لا تتحقق إطلاقاً وكي لا تظل الإدارة الوسطي تعيش ظلمة العصور الوسطى وكي لا يتسلل الوهن إلى العاملين وكي لا تتدمر أو تتعرض للخطر الصورة العامة للمنظمة في أذهان من لهم علاقة بها.
خ- ثقافة التغيير
إن ثقافة الفرد العامل هي التي تحدد طبيعة استجابته وتعامله مع التغيير الجديد سواء كان هذا التغيير رئيسيا أم ثانويا فكل شيء مهم. ولا يوجد في الإدارة كلمات تسقط سهوا، أو خانات فارغة، وإن كانت تمت الإشارة إلى بعض العوامل التي تسهم في خلق وتعزيز ثقافة التغيير الإيجابية، فإنه لابد من الإشارة إليها مجتمعة: (James Aisner, 2007: 20)
وضوح سبب التغيير الإداري/ الثقافي في ذهن صانع القرار. وتوضيحه لكل مستويات العمل.
ضمان مشاركة الجميع في عملية التغيير، من أجل إثرائها وجعلها أكثر تقدما وأقل عرضة للنقد أو المقاومة، حيث أن شخص يشعر أنه كان جزءا من عملية اتخاذ القرار، والتخطيط وإعداد الفترة الانتقالية لابد أن يكتسب ثقة أكبر بنفسه وبمدرائه بمنظمته. (ارمسترونغ: 2001: 46) ولابد لذلك من إيجاد وسائل التعبير عن الرأي في المنظمة من خلال الرسائل الإخبارية، والنشرات وإقامة المناسبات التي يستطيع من خلالها العاملون التعبير عن أنفسهم بكل ما يمكن من تلقائية وعفوية وبعيدا عن أية محددات أو مخاوف.
إن القيادة مسؤولية جماعية، وعملا جماعيا، وثقافة جماعية، ولكل لكل عمل قائد، وعلى صناع القرار أن يختاروا للقيادة أشخاصا يحضون باحترام زملائهم، من ذوي السجلات النظيفة، فإن كان الواحد من هؤلاء يحظى بالشعبية، فهذا أفضل ولكن معيار الشعبية لا ينبغي أن يكون المعيار الوحيد لاختيار القيادات التي تحظى بالحسبان، ومنها المؤهلات العلمية والثقافية وسنوات الخبرة والموقع الوظيفي، والعمر.. الخ، ومن هؤلاء القادة وغيرهم، يتم تشكيل قيادة (وسيطة) لقيادة المرحلة الانتقالية أي مرحلة تنفيذ التغيير الأمر الذي يشكل فرصة لإظهار الكفاءات والمواهب القيادية ويعطي القادرين فرصا متكافئة من أجل إثبات جدارتهم في الميدان، وليس بناء على تقارير مسؤوليتهم في الملفات فقط.
توفير التدريب اللازم من حيث المهارات الجديدة والسلوكيات الجديدة ومظلة القيم الجديدة التي تواكب عملية التغيير، وينبغي أن تراعي برامج التدريب الموضوعية لهذه الغاية الاحتياجات العملية والنظرية، فما معنى تعميم ثقافة العمل الآلي دون تعليم العاملين وتدريبهم على استخدام الآلات الحديثة على أفضل وجه؟ يشمل التدريب أيضًا وضع أسس للقياس والتقييم والتقويم والمكافئة. (كلالة، 1997: 283)
أن التغيير لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجود قواعد منظمية راسخة (وثقافة عامة) للمنظمة، ولا يعني التغيير إيجاد حالة من اللاتوافق بين التغيير الجديد وغيره لان التغيير يهدف أصلا إلى الخروج من حالة سلبية أو غير ملائمة واحدة، في الحد الأعلى ولتوضيح ذلك نقول، يمكن أن يكون التغيير يتمثل في إغلاق المنظمة.. وهل يوجد تغيير أكثر من ذلك؟ أن المهم هنا هو أن تركز رسالة التغيير على القرار ذاته، وعلى الحفاظ على كل حقوق العاملين، من دون إيقاع اللوم على الجهات الرسمية، والإدارة الوسيطة، والأسواق المتشنجة وفشل العاملين في التجاوب مع هذه الظروف، والتناقض مع المصارف والدائنين، كل هذه عوامل يحتفظ بها صناع القرار لأنفسهم، ويوصلون إلى الآخرين مالهم وما عليهم بشكل محدد وواضح.
أن نتيجة التغير هي رسالة تنطلق في كافة الاتجاهات، وكلما كانت واضحة كلما كان من الصعب تأويلها على غير ما ينبغي أو تحويرها لغير ما أريد لها. أن كل تغيير يترك فراغات (في المكان والزمان والعطيات) ولابد أن يكون كل مستوى من مستويات العمل قادرا على إدارة الأمور بحيث يضع كل شيء في مكانه في إسرع وقت ممكن، وبأقل قدر ممكن من هامش التجربة والخطأ، وكلما زادت نسبة المبادرين وقلة نسبة المنتظرين كلما استطاعت المنظمة المعنية العبور إلى ضفة المرحلة الأخرى بكل كفاءة واقتدار، وعندما يتحول الخوف من الغموض والمجهول إلى فضول دائم لاستطلاع المزيد من الفرص واكتشاف المزيد من الإمكانات الكامنة.
إن قيادة التغيير هي مسؤولية جماعية لصانع القرار وللإدارة الوسيطة ولكل مستويات العمل والإنتاج. إن هناك من يقول أن هناك تغييرات هامشية لا تتطلب تغيير ثقافة المنظمة مثل ما يحدث عن طرح تقنية (آلة أو آلية) جديدة للعمل أو عندما تتغير بعض المواقع والمسميات الوظيفية على أساس أن هذه التغييرات الهامشية لا تطال الطريقة العامة التي تعمل بها المنظمة وعلى حين أن التغيير في ثقافة المنظمة يسبق ويواكب ويتبع التغييرات الأخرى ومن عوامل إنجاح التغيير أن ننجح في إيجاد ثقافة تستقبل المفاهيم والتصورات والتصاميم الجديدة بكل مجرياتها ونتائجها قبل أن نبدأ بالتغيير المادي المطلوب. كل تغيير يتطلب تدريب كفؤ ومرن ليكون مستجيبا لهذا التغيير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: العمري، قاسم شاهين بسيم، أطروحة دكتورة بعنوان: أنماط القيادة الإدارية وـاثيرها في نجاح المنظمات الحكومية، دراسة تحليلية لآراء عينة من المدراء والعاملين في محافظة ذي قار، أطروحة دكتوراه تقدم بها الباحث إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد جامعة سانت كليمنتس وهي جزء من متطلبات نيل درجة دكتوراه فلسفة في الإدارة العامة، كلية الإدارة والاقتصاد ، جامعة البصرة ، العراق، 1430هـ - 2009م.