تمهيد:
لاشك أن أي بحث أو دراسة يظهر من خلال سياقها مصطلحات ومفاهيم تحتاج الى التوضيح والتعريف لكي يخرج المتن واضحا جليا لا لبس فيه، وفي بحثنا هذا المتعلق بموضوع القيادة والإدارة والمواقف العسكرية والقيادية في الإسلام – تحديدا – لابد أن نتطرق إلى عدد من المفاهيم والمصطلحات التي تزيد الموضوع وضوحا وتفصيلا لكي يستطيع القارئ وعلى اختلاف المستويات استيعاب المعنى والوصول إلى المقصود وبالتالي تحقيق الهدف المنشود.
وقد ارتأيت أن من أهم المفردات التي لابد من توضيحها مبينا التعريف النظري (اللغوي ) لها بالإضافة إلى التعريف الاصطلاحي والإجرائي هي ما يلي:
- الحرب:
الحرب في اللغة معناها " القتال بين فئتين ".
وتعني أيضا: "الويل والهلاك".
ويقال قامت الحرب على ساق" أي اشتد الأمر وصعب الخلاص منة " ورجل حرب لي :" أي عدو لي " .
والحرب الباردة تعني :" أن يكيد كل من الطرفين المتعاديين لخصمه دون أن يؤدي ذلك إلى حرب سافرة " .
وقد تعني (الحرب ): " كل كفاح يقوم بين القوات المسلحة لدولتين أو أكثر إذا توفرت لدى إحداهما أو لديهما جميعا إرادة إنهاء ما يقوم بينهما من علاقات سلمية " .
ويقسم محمود شيت خطاب – الباحث العسكري – الحرب إلى نوعين هما :
1. الحرب العادلة : وهي تعني " هي الحرب التي توجه ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب آخر ولم يشأ رفعة ، ويشترط فيها أن تكون مطابقة للقواعد الإنسانية ، وتكون بهدف تحيق سلم دائم ، كما يشترط فيها احترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معامله الأسرى والرهائن."
2. الحرب غير العادلة: وهي الحرب التي لم يكن لها سبب عادل يبررها ، كان إن تدخل دولة في حرب لتحتل جزء من إقليم دولة أخرى أو لتستعمرها وتخضعها لحكمها " .
ويدخل في تعريف الحرب مصطلح ( حرب الفروسية) والذي يعني:" كفاح شرف لا يجوز أن يلجاء المحاربون فيه إلى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف، وذلك لان الشرف العسكري يفرض على صاحبة احترام العهد المقطوع كاستعمال السلاح أو القيام بأعمال الخيانة ، بل يفرض على صاحبة مواساة الجرحى والمرضى والعناية بهم وعدم الإجهاز عليهم وعدم التعرض لغير المقاتلين أو الآمنين من السكان " .
- القتال:
المعنى اللغوي للقتال:
يقال قتل فلان قتلا: أي قضى على حياته، ويقال: قاتلة مقاتلة : أي حاربه وتعني أيضا : " لعنة ،حيث يقول تعالى في القران الكريم :" قاتلهم الله أنى يؤفكون " .
والمقتلة هي المعركة التي يدور فيها القتال.
أما معنى القتال في الإسلام فهو :" قتال العدو لتامين حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام مع مراعاة حرب الفروسية الشريفة " .
- العسكر:
المعنى اللغوي هو( الجيش) وجمعها عساكر، والعسكري هو الجندي، والمعسكر هو مكان العسكر .
- الجهاد:
المعنى اللغوي:من مادة جهد، وهو المشقة ويعني أيضا بذل الوسع والطاقة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللسان أو ما أطاق من شيء.
أما معناه الاصطلاحي فهو:" بذل غاية الوسع لنيل مرغوب فيه أو دفع مرغوب عنة " .
الأصول والمبادئ
لقد جاء الإسلام دينا عاما شاملا فيه من أمور الدنيا ما يغني المرء عن سواه ، وفيه من أمور الآخرة ما ينجي العبد ويدفع به نحو الطمأنينة والراحة التي نهايتها الجنة التي أعدها الله لعبادة الصالحين ، فالإسلام عقيدة وشريعة ،عبادة وقيادة ، إدارة ونظام ، تخطيط محكم ، وتنفيذ دقيق ،.... الخ وتجلت هذه المفاهيم وضوحا وتفصيلا في الأداء الرائع للرسول القائد الذي طبق كل وظائف القيادة والإدارة أثناء بناءة لدولة الإسلام الأولى، فقامت دولته على التخطيط السليم، والعزم الأكيد، ثم التنفيذ الدقيق ، بموجب خطة محكمة الإتقان والحبك ، فاخرج إلى الوجود خير مشروع عرفته الإنسانية ، دولة قوية انصهرت فيها كل الشوائب التي قد تقف دونها ، وأسباب نجاحها كانت – ولا تزال – هو سيرها وإتباعها لذلك المنهج القويم والطريق المستقيم ألا وهو الإسلام العظيم ، الذي كان بمثابة برنامج ينظم حياة الناس ومرجعا لهم يعودون إلية عندما تختلط الأمور عليهم فيجدون فية الحل الأمثل لكل ما يواجهون .
ويجب أن نعلم أن القيادة هي ظاهرة اجتماعيه ذات جذور عميقة تتصل بالإنسان وتراثه الثقافي ومشاركته لمن حولة ، فالحاجة لها ضرورة ملحة من اجل تنظيم العلاقات القائمة بين الأفراد مهما كان عددهم ، لذا فانه لابد من ان يتولى احدهم القيادة ، وهذا ما يقررة علم النفس الذي يرى ان طبيعة الحياة تجعل من القيادة أمر لا مفر منه ،وهذا ما قرره الإسلام العظيم عندما أمر بان يتولى أمر كل جماعة قائد يرشدها وينظم أمرها.
لقد عالج الإسلام كل قضايا الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية.... الخ من مناحي الحياة المتعددة، وذلك من خلال النصوص العظيمة في القران الكريم والسنة المطهرة، فكانت النصوص هي دستورهم وهاديهم إلى ما يريدون من أهداف وغايات، ولا شك ان الأهداف والغايات ألاستراتيجيه البعيدة المدى – كالأمن، الاستقرار، الكرامة، العزة، والامتداد والتطور، والتقدم والانتصار، ونشر الدين الجديد،......الخ – لا تتحقق إلا بالدولة، والدولة تحتاج إلى قائد يقود هذه الأمة من خلالها إلى تصبو إلية.
لذا فقد عالج الإسلام موضوع (القيادة) ولم يغفل عنة ، بل وضع لة الأصول التي ينطلق منها ، وأسس لة القواعد التي يرتكز عليها ، وبنى له المبادئ التي يقوم عليها ، ففي الإسلام لا تجد شيئا جاء خبط عشواء فكل شيء منظم بإحكام ودقة متناهية ، وفي خلال الفصول القادمة إنشاء الله - سنعالج وندرس وضع القيادة في الإسلام من خلال المبادئ والأصول اللازمة لها ، وقبل الدخول في التفاصيل لابد من تحديد بعض المفاهيم المرتبط بالقيادة وتعريفها، ثم لابد من التطرق إلى موضوع العقيدة والاستراتيجية العسكرية بشكل عام ثم حيث خاص عنها في إطار الإسلام.
معنى (القيادة) في الإسلام
يحمل معنى القيادة في الفكر الإسلامي بعضا من المعاني المتعلقة بهداية الناس وإرشادهم وتولي أمورهم، ومن معانيها ما يلي:
- الإمامة:
ويؤخذ منها ( الإمام )، وتعني:" من يأتم الناس به من رئيس أو غيرة ، ومنه إمام الصلاة "، ويعني أيضا : الخليفة.( والامامه) تعني:" رياسة المسلمون".
وتعني (الإمامة) أيضا : " التقدم والقصد إلى جهة معينة " وكذلك " الهداية والإرشاد " وكذلك " الأهلية لان يكون المرء قدوه" .
والإمام يعني هنا : من يؤم الناس ويقتدى بة في أمور الدين والدنيا وهو أيضا قائد المسلمين وهاديهم ومرشدهم وزعيمهم ورئيسهم الأعلى وحاكمهم ، والدليل على أن منصب الإمام في الإسلام أمر لا غنى عنة ويستحيل انتفائه، هو أن صلاتهم لا تصح بدون (إمام ) ، فلا بد من شخص يتولى إمامتهم في الصلاة وعليهم أن يطيعوه ويقتدوا بة ولا يجوز مخالفته وعصيانه .
قال تعالى :"وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون " .
وقال أيضا :" من يطع الرسول فقد أطاع الله " .
قال تعالى : مخاطبا إبراهيم علية السلام :" إني جاعلك للناس إماما ".
- الإمارة:
وتعني في اللغة:" منصب الأمير، ومنها ( أمر) فلانا : أي كلفه شيئا، وأولوا الأمــر : أي الرؤساء والعلماء – ومن يتولى قيادة الناس - ، ومنها ( الأمير) : أي من يتولى الإمارة، ومنها أمراء ، وأمير المؤمنين ، وهو لقب خليفة المسلمين ، واشتق منه ( المأمور ) وهو احد رجال الإدارة . ( )
وقد وردت عبارة أولوا الأمر في القران الكريم في أكثر من موضع ، حيث قال تعالى:"وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم .."( )، وقال تعالى في موضع أخر:" يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم".
قال (ص) :من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ".
وكان النبي ( ص) يأمر أصحابة إذا خرجوا في سفر وكان عددهم يزيد عن الثلاثة ان يؤمروا احدهم عليهم ، حيث يقول (ص) :" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا احدهم "، وروى الإمام احمد عن عبد الله بن عمر أن النبي (ص) قال :" لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم احدهم " ويعلق ابن تيمية رحمة الله على ذلك بقوله :" فأوجب صلى الله علية وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها على سائر أنواع الاجتماع " ثم يقول :" فالواجب اتخاذ الإمارة قربه يتقرب بها إلى الله ، فان التقرب إليه فيهما بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات " ، وهذا دليل على ضرورة أن يكون لكل جماعة من يرعى شانها ويتولى أمرها ويشرف على أمورها ، ويكون هاديا وقائدا ومرشدا لهذه الجماعة . وفي هذا إرشاد للأمة جمعاء بضرورة تولية قائد يقودها وأمير يرعى شؤونها ويتولى أمرها، وعلى الأمة إطاعته واحترامه والالتفاف حوله .
- الولاية:
- وتعني في اللغة " السلطان "ومنها الولي وهو كل من ولي أمرا أو قام به، وكذلك الوالي أي الذي يتولى أمر البلاد والعباد ويرعى شؤونهم .
والوالي هو القائد والمتصرف بشؤون الناس والقائم على رعايتهم وإرشادهم ، وفي ذلك يقول (ص) :" كلكم راع ومسئول عن رعيته ،...." رواة البخاري.
مما سبق يبدو لنا أن القيادة في الإسلام تعني في جملتها : كل من يتولى شيئا من أمر المسلمين العامة ، فالإمام قائد ، والأمير قائد ، والمرأة في بيتها قائدة لأسرتها ، والعبد الذي يرعى مال سيدة قائد ، والموظف العام قائد في إدارته ومكتبة ، ورب الأسرة قائد لأسرته ، وقائد الجيش والشرطة قائد ،... الخ، فالقيادة هنا المسؤولية التي توجب على من يحملها ان يقوم بها بأمانة وإخلاص ويرعاها حق رعايتها ،وصولا بهذه ألمجموعه التي يتولى شانها الى الأهداف التي تطمح الوصول إليها .
هذا وقد ارتبطت القيادة في الإسلام بالجندية ارتباطا وثيقا لان أمر الجيش يحتاج إلى قائد بارع ، محنك ، حازم ، كفؤ ، قوي ، ولذلك فان قائد الجند في الإسلام هو صاحب مدرسة ورسالة ، حيث يقول اللواء محمد جمال الدين محفوظ في كتابه ( المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية ) :" إن القائد المسلم صاحب مدرسة ورسالة ويدرك تمام الإدراك أن قيامة بإعداد أجيال من القادة من أسمى واجبات وأمانة في عنقه ، فنراه يقبل على الواجب وعلى الوفاء بالأمانة بكل حماس وإخلاص وحيوية دافقة ، ولنا في رسولنا محمد (ص) القدوة الحسنة، فلقد كان الرسول الكريم هو المعلم الذي تنزل علية الوحي برسالة الإسلام ليبلغها للناس وصاحب المدرسة التي تخرج فيها قادة أمم وأبطال حرب ورجال إصلاح وعلماء وفلاسفة ورواد حضارة " .
إن حديثنا عن القيادة لابد له أن يرتبط بالحديث عان العقيدة العسكرية والاستراتيجية العسكرية،فهي مركبان مرتبطة مع بعضها البعض يصعب فصلها أو الحديث عن جزء منها دون الآخر ،لذا فان حديثنا القادم سوف يكون عن العقيدة العسكرية بشكل عام ثم عن العقيدة العسكرية الاسلاميه وبعد ذلك حديث عام عن ألاستراتيجيه العسكرية وحديث خاص عن ألاستراتيجيه العسكرية الاسلاميه تحديدا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع: طشطوش، هايل عبد المولى، كتاب: أساسيات في القيادة والإدارة، النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة، دار الكندي للنشر والتوزيع، إربد- الأردن ، الطبعة الأولى لعام 2008 .